أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم، من قريش، ابو طالب:والد علي(رض) وعم النبي (ص) وكافله ومربيه ومناصره. كان من ابطال بني هاشم ورؤسائهم، ومن الخطباء العقلاء الاباة. وله تجارة كسائر قريش. نشأ النبي (ص) في بيته، وسافر معه إلى الشام في صباه. ولما اظهر الدعوة إلى الاسلام هم اقرباؤه (بنو قريش) بقتله، فحماه ابو طالب وصدهم عنه، فدعاه النبي (ص) إلى الاسلام، فامتنع خوفا من ان تعيره العرب بتركه دين آبائه، ووعد بنصرته وحمايته، وفيه الآية: (انك لا تهدي من احببت) واستمر على ذلك إلى انوتوفى، فاضطر المسلمون للهجرة من مكة. وفي الحديث: ما نالت قريش مني شيئا اكرهه حتى مات ابو طالب. مولده ووفاته بمكة. ينسب اليه مجموع صغير سمي (ديوانشيخ الاباطح ابي طالب - ط) فيه من الركاكة ما يبرئه منه. وللسيد محمد علي شرف الدين العاملي رسالة (شيخ الابطح - ط) في سيرته واخباره، قال فيها: ان الشيعة الامامية واكثر الزيدية يقولون بإسلام ابي طالب وبأنه ستر ذلك عن قريش لمصلحة الاسلام.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 166
أبو طالب عليه السلام ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم والد أمير المؤمنين عليه السلام
اسمه عبد مناف وقيل عمران وعبد مناف لقبه ومناف اسم الشمس وقيل اسم الصنم وهو من أسماء الجاهلية وذكرناه في عبد مناف.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 366
أبو طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب واسمه شيبة الحمد بن هاشم واسمه عمرو بن عبد مناف واسمه المغيرة بن قصي بن كلاب بن مرة بن لؤي بن غالب بن فهر ابن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، شقيق أبيه أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية ووالد أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
الخلاف في اسمه
قيل اسمه عبد مناف وهو الأصح لقول أبيه عبد المطلب في وصيته له بالنبي صلى الله عليه وسلم، : أوصيك يا عبد مناف بعدي وسيأتي واشتهر بكنيته وعن صاحب عمدة الطالب قيل اسمه عمران وهي رواية ضعيفة رواها أبو بكر محمد بن عبد الله الطرطوسي النسابة وقيل اسمه كنيته استنادا إلى ما وجد بآخر المصحف الذي بخط أمير المؤمنين علي عليه السلام وكتب علي بن أبو طالب بالواو ولكن قيل إن الموجود في آخر ذلك المصحف بالياء ولكنها مشتبهة بالواو في الخط الكوفي مع إن الكنية إذا كانت علما جرى عليها الأعراب بالحروف كما كانت وفي الإصابة اشتهر بكنيته واسمه عبد مناف على المشهور وقيل عمران وقال الحاكم أكثر المتقدمين على إن اسمه كنيته. أقول في المستدرك للحاكم بالإسناد عن يحيى بن معين اسم أبي طالب عبد مناف قال الحاكم وهكذا ذكره زياد بن محمد بن إسحاق وقد تواترت الأخبار بان أبا طالب كنيته اسمه والله أعلم.
مولده ووفاته ومدة عمره
ولد قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، بخمس وثلاثين سنة كما في الإصابة وغيرها وتوفي في النصف من شوال في السنة العاشرة من النبوة وهو ابن بضع وثمانين سنة عن الواقدي وسبع وثمانين سنة عن المواهب اللدنية وقبل الهجرة بثلاث سنين عن ابن الجوزي بعد ما خرج من الحصار بالشعب بثمانية أشهر وواحد وعشرين يوما عن سيرة البعمري فيكون عمره على هذا ثماني وثمانين سنة خمس وثلاثون قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأربعون إلى بعثته.
أحواله
ذكره السيد علي خان في الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة في الطبقة الأولى من الصحابة فقال: هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكافله ومربيه وناصره وكان سيد البطحاء وشيخ قريش ورئيس مكة قالوا ولم يسد في قريش فقير قط إلا أبو طالب وعتبة بن ربيعة هذا لشرفه وهذا لصدقه وإنما كانت قريش تسود بالمال. وكان أبو طالب شاعرا خطيبا.
تربيته للنبي صلى الله عليه وسلم، وحبه إياه
في الإصابة: لما مات عبد المطلب أوصى بمحمد صلى الله عليه وسلم، إلى أبي طالب، فكفله وأحسن تربيته وسافر به صحبته إلى الشام وهو شاب،
(وقال الواقدي) توفي عبد الله بن عبد المطلب أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو طفل يرضع وروي وهو حمل وهذه الرواية أثبت فلما وضعته أمه كفله جده عبد المطلب ثماني سنين ثم احتضر للموت فدعا ابنه أبا طالب وقال له يا بني تكفل ابن أخيك مني فأنت شيخ قومك وعاقلهم ومن أجد فيه الحجي دونهم ثم أنشأ عبد المطلب يقول:
أوصيك يا عبد مناف بعدي | بموحد بعد أبيه فرد |
فارقه وهو ضجيع المهد | فكنت كالأم له في الوجد |
ألصقه على الحشي والكبد | حتى إذا خفت فراق الوحد |
أوصيك أرجى أهلنا بالرفد | بابن الذي غيبته في اللحد |
بالكره مني ثم لا بالمفدي | وخيرة الله تشافي العبد |
ثم قال:
وصيت من كفيت بطالب | عبد مناف وهو ذو تجارب |
يا ابن الحبيب أكرم الأقارب | يا ابن الذي قد غاب غير آيب |
فقال أبو طالب وكان قد سمع من الراهب وصفه:
لا توصني بلازم وواجب | إني سمعت أعجب العجائب |
من كل حبر عالم وكاتب | بان بحمد الله قول الراهب |
وما زال عبد المطلب يكرر الوصية بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأولاده كلهم وهم تسعة غير عبد الله حتى خرجت روحه فكفل أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن تربيته وسافر به إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة وقيل تسع سنين والأول أكثر.
وروى ابن سعد في الطبقات بعدة أسانيد عن جماعة دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إليه فكان يكون معه وكان أبو طالب لا مال له وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه.
قال ابن أبي الحديد: قرأت في آمالي أبي جعفر محمد بن حبيب قال كان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحيانا يبكي ويقول إذا رأيته ذكرت أخي وكان عبد الله أخاه لأبويه وكان شديد الحب له والحنو عليه وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له. وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، البيات إذا عرف مضجعه وكان يقيمه ليلا من منامه ويضجع ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبت إني مقتول.
فقال له أبو طالب:
إصبرن يا بني فالصبر أحجى | كل حي مصيره لشعوب |
قد بذلناك والبلاء شديد | لفداء الحبيب وابن الحبيب |
لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب | والباع والكريم النجيب |
إن تصبك المنون فالنبل تبرى | فمصيب منها وغير مصيب |
كل حي وإن تملي بعمر | أخذ من مذاقها بنصيب |
فقال علي عليه السلام مجيبا له:
أتامرني بالصبر في نصر أحمد | ووالله ما قلت الذي قلت جازعا |
ولكنني أحببت إن تر نصرتي | وتعلم إني لم أزل لك طائعا |
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد | نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا |
استسقاء أبي طالب بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهو صغير
أخرج ابن عساكر عن حليمة بن عرفة قال قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش يا أبا طالب اقحط الوادي وأجدب العيال فهلم لنستسقي فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بإصبعه وما في السماء قزعة فاقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغدودق وانفجر الوادي وأخصب النادي والبادي وفي ذلك يقول أبو طالب:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه | ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
كان أبو طالب هو الناصر الوحيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحامي عنه والمحتمل لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فما كان يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قومه سوء مدة حياة أبي طالب فلما مات نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغيتها وإصابته بعظيم من الأذى فقال صلى الله عليه وسلم، لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم وقال ابن حجر في الإصابة لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، قام أبو طالب في نصرته وذب عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح منها قوله لما استسقى به أهل مكة فسقوا:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه | ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
ومنها قوله من قصيدة:
وشف له من اسمه ليجله | فذو العرش محمود وهذا محمد |
قال ابن عيينة عن علي بن زيد ما سمعت أحسن من هذا البيت وفي الدرجات الرفيعة في الحديث الصحيح المشهور إن جبرائيل (عليه السلام) قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة مات أبو طالب أخرج منها فقد مات ناصرك.
ولما أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم، إن يصدع بما أمر به فقام بإظهار دين الله وشهر أمره ودعا الناس إلى الإسلام على رؤوس الأشهاد وذكر آلهة قريش وعابها أعظمت ذلك قريش وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به السوء فقام أبو طالب بنصرته ومنعه منهم وذب عنه من عاداه وحال بينه وبين كفار قريش فلما رأت قريش محاماة أبي طالب عنه وقيامه دونه وامتناعه من إن يسلمه مشى إليه رجال من أشراف قريش منهم عتبة بن ربيعة وشيبة أخوه وأبو سفيان صخر بن حرب وأبو البختري بن هشام والأسود بن المطلب والوليد بن المغيرة وأبو جهل بن هشام والعاص بن وائل ونبيه ومنبه ابنا الحجاج وأمثالهم من رؤساء قريش فقالوا له يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سب آلهتنا وعاب ديننا وسفه أحلامنا وضلل آراءنا فأما إن تكفه عنا وأما إن تخلي بيننا وبينه فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا وردهم ردا جميلا فانصرفوا عنه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ثم أسرف الأمر بينه وبينهم تباعدا وتضاعفا حتى أكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينها وتذامروا فيه وحض بعضهم بعضا عليه فمشوا إلى أبي طالب مرة ثانية فقالوا يا أبا طالب إن لك سنا وشرفا ومنزلة فينا وأنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا وأنا والله لا نصبر على شتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا فأما إن تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين ثم انصرفوا فعظم على أبي طالب فراق قومه وعدواتهم ولم تطب نفسه بإسلام ابن أخيه لهم ولا خذلانه فبعث إليه فقال له يا ابن أخي إن قومك قد جاءوني فقالوا لي كذا وكذا فابق علي وعلى نفسك ولا تحملني من الأمر على ما لا أطيقه فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قد بدا لعمه فيه بداء وإنه خاذله ومسمله وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه فقال يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على إن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك فيه ثم استعبر باكيا وقام وولى فلما ولى ناداه أبو طالب أقبل يا ابن أخي فاقبل راجعا فقال له إذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت فوالله لا أسلمك لشيء أبدا وأنشأ يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم | حتى أوسد في التراب دفينا |
فأنفذ لامرك ما عليك مخافة | وأبشر وقر بذاك منه عيونا |
ودعوتني وزعمت إنك ناصحي | ولقد صدقت وكنت قبل أمينا |
وعرضت عن ديننا قد علمت بأنه | من خير أديان البرية دينا |
لولا الملامة أو حذار مسبة | لوجدتني سمحا بذاك مبينا |
قال بعض علمائنا: اتفق على نقل الأبيات الأربعة قبل البيت الخامس مقاتل والثعلبي وابن عباس والقاسم وابن دينار وزاد قوم البيت الخامس ظلما وزورا إذ لم يكن في جملة أبياته مسطورا ولم يتنبهوا للتناقض الذي فيه ومنافاته باقي الأبيات ثم قال: قلت وزيادة هذا البيت لا تنافي إسلامه رضي الله عنه لأن مفهومه لولا حذار الشغب من قريش وخوف الفتنة التي توجب السبة عندهم لأظهرت ما تدعوني إليه وبينته على رؤوس الأشهاد وهذا لا ينافي إسلامه باطنا واعتقاده الحق كما دل عليه سائر الأبيات وغيره من شعره. ثم إن قريشا حين عرفت إن أبا طالب قد أبى خذلان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإسلامه ورأوا إجماعه على مفارقتهم وعداوتهم مشوا إليه بعمارة بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان أجمل فتى في قريش فقالوا له يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أبهى فتى في قريش وأجمله فخذه إليك فاتخذه ولدا فهو لك وأسلم لنا هذا ابن أخيك الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرق جماعة قومك لنقتله فإنما هو رجل برجل فقال أبو طالب والله ما أنصفتموني تعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبدا تعلمون إن الناقة إذا فقدت ولدها لا تحن إلى غيره وقال:
يقولون لي دع نصر من جاء بالهدى | وغالب لنا غلاب كل مغالب |
وسلم إلينا أحمدا واكفلن لنا | بنيا ولا تحفل بقول المعاتب |
فقلت لهم الله ربي وناصري | على كل باع من لؤي بن غالب |
فقال له المطعم بن عدي بن نوفل وكان له صديقا مصافيا والله يا أبا طالب ما أراك تريد إن تقبل من قومك شيئا لعمري لقد جهدوا في التخلص مما تكره وأراك لا تنصفهم فقال أبو طالب والله ما انصفوني ولا أنصفتني ولكن قد اجتمعت على خذلاني ومظاهرة القوم علي فاصنع ما بد لك قال فعند ذلك تنابذ القوم وثارت الأحقاد ونادى بعضهم بعضا وتذامروا بينهم على من في القبائل من المسلمين الذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فوثبت كل قبيلة على من فيها منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله منهم بعمه أبي طالب وقام في بني هاشم وبني المطلب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا ما كان من أبي لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك. ولم يؤثر عن أبي لهب خير قط إلا ما روي إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه ويفتنوه عن الإسلام وهرب منهم فاستجار بأبي طالب. وأم أبي طالب مخزومية وهي أم عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجاره فمشى إليه رجال من بني مخزوم وقالوا له يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمدا فما لك ولصاحبنا تمنعه منا قال أنه استجار بي وهو ابن أختي وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم وأصواته فقام أبو لهب ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها فقال يا معشر قريش والله لقد أكثرتم في هذا الشيخ لا تزالون تتوثبون عليه في جواره من بين قومه أما والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه فيما قام فيه حتى يبلغ ما أراد فقالوا بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة فقاموا فانصرفوا وكان وليا لهم ومعينا على رسول الله وأبي طالب فاتقوه وخافوا إن تحمله الحمية على الإسلام.
خبر الصحيفة وحصار بني هاشم
في الشعب الشعب
ثم لما رأت قريش إنها لا تصل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لقيام أبي طالب دونه أجمعت على إن يكتب بينها وبين بني هاشم صحيفة يتعاقدون فيها على إن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يجالسوهم أو يسلموا إليهم رسول الله فكتبوها وختم عليها أربعون خاتما وعلقوها في جوف الكعبة تأكيدا على أنفسهم وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت يده فيما يذكرون فلما فعلوا ذلك انحازت بنو هاشم والمطلب فدخلوا كلهم مع أبي طالب في الشعب فاجتمعوا إليه وكانوا أربعين رجلا ما عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وظاهر أبو لهب قريشا على قومه وحصن أبو طالب الشعب وكان يحرسه بالليل والنهار فضاق الأمر ببني هاشم وعدموا القوت إلا ما كان يحمل إليهم سرا وخفية وهو شيء قليل لا يمسك أرماقهم وأنفقت خديجة فيه مالا كثيرا على النبي ص. وأخافتهم قريش فلم يكن يظهر منهم أحد ولا يدخل إليهم أحد وذلك أشد ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته بمكة وكانوا لا يأمنون إلا بموسم العمرة في رجب وموسم الحج في ذي الحجة فاقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا حتى جهدوا ولا يصل إليهم شيء إلا القليل سرا ممن يريد صلتهم من قريش وقد كان أبو جهل بن هشام لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى ومع غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، محاصرة في الشعب فتعلق به وقال أتحمل الطعام إلى بني هاشم والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة فجاءه أبو البختري العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى فقال ما لك وله قال أنه يحمل الطعام إلى بني هاشم فقال أبو البختري يا هذا إن طعاما كان لعمته عنده بعثت إليه فيه أفتمنعه إن يأتيها بطعامها خل سبيل الرجل فابى أبو جهل حتى نال كل منهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا فانصرف وهو يكره إن يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبنو هاشم بذلك فيشتموا.
ثم بعث الله على صحيفتهم الأرضة فأكلتها قيل إلا اسم الله واطلع الله رسوله على ذلك فذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمه أبي طالب فقال أبو طالب ربك أطلعك على هذا قال نعم قال فوالله ما يدخل عليك أحد فانطلق في عصابة من بني هاشم والمطلب إلى المسجد فلما رأتهم قريش أنكروا ذلك وظنوا إنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا لأبي طالب قد إن أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم فقال إنما أتيتكم في أمر نصف بيننا وبينكم إن ابن أخي أخبرني إن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله عليها دابة فأبقت اسم الله وأكلت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان كما قال فلا والله لا نسلمه حتى نموت عن آخرنا وإن كان باطلا دفعناه إليكم قالوا قد رضينا ففتحوا الصحيفة فوجدوها كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم، فقالوا هذا سحر ابن أخيك وزادهم ذلك بغيا وعدوانا فقال أبو طالب يا معشر قريش فيم نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين إنكم أولي بالظلم والقطيعة ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة وقال اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا ثم انصرف إلى الشعب
نقض الصحيفة وخروج بني هاشم من الشعب
ولما أراد الله سبحانه أبطال الصحيفة والفرج عن بني هاشم من الضيق والأذى الذي كانوا فيه قيض هشام بن عمرو بن الحارث بن حبيب بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فقام في ذلك أحسن قيام وذلك إن أباه عمرو بن الحارث كان أخا لنضلة بن هاشم بن عبد مناف بن قصي من أمه فكان هشام بن عمرو بحسب ذلك واصلا لبني هاشم وكان ذا شرف في قومه بني عامر بن لؤي فكان يأتي بالبعير ليلا وقد أوقره طعاما وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب حتى إذا اقبل به إلى فم الشعب قمع بخطامه من رأسه ثم يضربه على جنبه فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به مرة أخرى قد أوقره تمرا فيصنع به مثل ذلك ثم أنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي وهو ختن أبي طالب على ابنته عاتكة فقال يا زهير أرضيت إن تأكل الطعام وتشرب الشراب وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت لا يبتاعون ولا يبتاع منهم ولا ينكحون ولا ينكح إليهم ولا يواصلون ولا يزارون أما إني احلف لو كان أخوال أبي الحكم بن هشام ودعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك أبدا قال ويحك يا هشام فما ذا اصنع إنما أنا رجل واحد والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقض هذه الصحيفة القاطعة قال قد وجدت رجلا قال من هو قال أنا قال زهير أبغنا ثالثا فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف فقال له يا مطعم أرضيت إن يهلك بطنان من بني عبد مناف جوعا وجهدا وأنت شاهد على ذلك موافق لقريش فيه أما والله لئن أمكنتموهم من هذا لتجدن قريشا إلى مساءتكم في غيره سريعة قال ويحك ما ذا اصنع إنما أنا رجل واحد قال قد وجدت ثانيا قال من هو قال أنا قال أبغني ثالثا قال قد وجدت قال من هو قال زهير بن أبي أمية قال أبغنا رابعا فذهب إلى أبي البختري بن هشام فقال له نحو ما قال للمطعم قال وهل من أحد يعين على هذا قال نعم وذكرهم له قال فأبغنا خامسا فمضى إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى فكلمه فقال وهل يعين على ذلك من أحد قال نعم ثم سمى له القوم فاتعدوا حطم الحجون ليلا بأعلى مكة فاجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها وقال زهير أنا أبدؤكم وأكون أولكم في التكلم فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم وغدا زهير عليه حلة له فطاف بالبيت سبعا ثم اقبل على الناس فقال يا أهل مكة أنأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى والله لا اقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة وكان أبو جهل في ناحية المسجد فقال كذبت والله لا تشق فقال زمعة بن الأسود لأبي جهل أنت والله اكذب ما رضينا والله بها حين كتبت فقال أبو البختري معه صدق والله زمعة لا نرضى بها ولا نقر بما كتب فيها فقال المطعم بن عدي صدق والله وكذب من قال غير ذلك نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها وقال هشام بن عمرو مثل قولهم فقال أبو جهل هذا أمر قضي بليل وقام مطعم بن عدي إلى الصحيفة فحطها وشقها فوجد الأرضة قد أكلتها إلا ما كان من باسمك اللهم فلما مزقت الصحيفة خرج بنو هاشم من حصار الشعب وفي ذلك يقول أبو طالب:
الأهل أتى نجدا بنا صنع ربنا | على نايهم والله بالناس أرفد |
فيخبرهم إن الصحيفة مزقت | وإن كل ما لم يرضه الله يفسد |
يراوحها أفك وسحر مجمع | ولم تلق سحرا آخر الدهر يصعد |
فلم يزل أبو طالب ثابتا صابرا مستمرا على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمايته والقيام دونه حتى مات.
إسلام أبي طالب
لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم أبو طالب وآمن به وصدقه فيما جاء به ولكنه لم يكن يظهر إيمانه تمام الإظهار بل يكتمه ليتمكن من القيام بنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لو أظهره إظهارا تاما لكان كواحد من المسلمين الذين اتبعوه ولم يتمكن من نصرته والقيام دونه، وإنما تمكن من المحاماة عنه بالثبات في الظاهر على دين قريش وإن أبطن الإسلام كما لو كان لإنسان شرف ووجاهه في بلد الكفر وهو مظهر الكفر ويحفظ ناموسه بينهم بذلك وفي البلد نفر يسير من المسلمين ينالون بالأذى فما دام مظهرا لمذهب أهل البلد يكون أشد تمكنا من المحاماة والمدافعة عن أولئك النفر ولو أظهر الإسلام وكاشف أهل البلد بذلك لصار حكمه حكم واحد من أولئك النفر ولحقه من الأذى والضرر ما يلحقهم فأبو طالب لو أظهر الإسلام لازدادت نفرة قريش وبغضها له أكثر مما كانت لأجل المحاماة عن ابن أخيه فقط مع بقائه على دين قومه ولارتفع حجاب المراعاة والمداراة بينه وبينهم بالكلية فينابذونه بالقتال ويتوسلون إلى قتله وقتل ابن أخيه بكل وسيلة أما ما دام مظهرا لهم أنه على دينهم فلا ييأسون من تسليم ابن أخيه لهم ويبقى لهم طمع في الأسهل منه ويعذرونه في المحاماة عن ابن أخيه بعض العذر لمكان القرابة والشفقة ولذلك كانوا لا يفترون عن طلبهم إليه ردع ابن أخيه أو تسليمه لهم وأقوى دليل على إسلامه أنه لو لم يؤمن به لهان عليه إسلامه لهم وخذلانه ولم يتحمل ما تحمله في نصره ولا نقلب حبه بغضا فالدين مفرق بين الآباء والأبناء والأحباب والأصدقاء. مع أنه قد صرح بإسلامه في أشعاره الآتية المتواترة لكنه لم يكن يظهره إظهارا تاما مراعاة للمصلحة واجمع أئمة أهل البيت (عليه السلام) وعلماؤهم على إسلامه وإجماعهم حجة وعن ابن الأثير في جامع الأصول ما أسلم من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم، غير حمزة والعباس وأبي طالب عند أهل البيت. ووافقنا على إسلامه أكثر الزيدية وبعض شيوخ المعتزلة كابي القاسم البلخي وأبي جعفر الإسكافي وغيرهما وجماعة من الصوفية حكى ذلك السيد عبد الرحمن بن أحمد الحسني الإدريسي المغزلي نزيل مكة المشرفة والمتوفى بها سنة 1087 عن جمع من أهل الكشف والشهود وحكاه عنه في الدرجات الرفيعة وأثنى عليه وقال أنه كان من أرباب الحال وأقطاب الرجال ووافقنا على ذلك جماعة من علماء أهل السنة غير من ذكر وصنفوا فيه بعض الرسائل المطبوعة لكن جمهورهم على خلافه لروايات رواها أعداء ولده أمير المؤمنين (عليه السلام) أو حملوا غيرهم على روايتها مراغمة له وتلقاها من بعدهم بالقبول وصادموا بها الضرورة والبديهة لحسن ظنهم بمن رواها وأورد بعضها البخاري ومسلم لحسن الظن المذكور وقد صنفوا في إثبات إسلامه مصنفات كثيرة بعضها من علماء أهل السنة كما مر وأكثرها من علماء الشيعة ومحدثيهم وتعلم كثرتها من تتبع كتب الرجال ومن مشهور ما صنف في ذلك للشيعة كتاب السيد الفاضل السعيد شمس الدين أبو علي فخار بن معد الموسوي قال المجلسي في البحار وهو من أعاظم محدثينا وداخل في أكثر طرقنا إلى الكتب المعتبرة. كما صنف غيرهم في رد ذلك قال في الدرجات الرفيعة:
(ولنا) في إيمانه رضي الله عنه روايات منها ما روي عن حماد بن سلمة عن ثابت عن إسحاق بن عبد الله عن العباس بن عبد المطلب قال قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يا ابن أخي ما ترجو لأبي طالب عمك قال أرجو له رحمة من ربي وكل خير ومنها ما روي بأسانيد كثيرة بعضها عن العباس ابن عبد المطلب وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة إن أبا طالب ما مات حتى قال لا إله إلا الله محمد رسول الله ومنها الخبر المشهور إن أبا طالب عند الموت قال كلاما خفيا فأصغى إليه أخوه العباس ثم رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا ابن أخي والله لقد قالها عمك ولكنه ضعف عن أن يبلغك صوته ومنها ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نفسه الرضا ومنها ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فأتاهم الله أجرهم مرتين ومنها ما روي عن محمد بن علي الباقر (عليه السلام) أنه سئل عما يقوله الناس إن أبا طالب في ضحضاح من نار فقال لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه ثم قال ألم تعلموا إن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) كان يأمر بالحج عن عبد الله وأبيه أبي طالب في حياته ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم ومنها ما روي إن أبان بن محمد كتب إلى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) جعلت فداك إني قد شككت في إسلام أبي طالب فكتب إليه ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين الآية ومنها روي عن زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) أنه سئل عن إسلام أبي طالب فقال واعجبا إن الله تعالى نهى رسوله إن يقر مسلمة على نكاح كافر وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات.
(وفي الإصابة) اخرج البخاري في التاريخ من طريق صليحة بن يحيى عن موسى بن طلحة عن عقيل بن أبي طالب قالت قريش لأبي طالب إن ابن أخيك هذا قد آذانا فذكر القصة فقال يا عقيل إئتني بمحمد فجئت به الظهيرة فقال إن بني عمك هؤلاء زعموا انك تؤذيهم فانته عن أذاهم فقال أترون هذه الشمس فما أنا بأقدر على إن أدع ذلك فقال أبو طالب والله ما كذب ابن أخي قط ثم قال صاحب الدرجات: قالت الإمامية ومما يدل على إيمانه خطبة النكاح التي خطبها عند نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وهي:
الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وجعل لنا بلدا حراما وبيتا محجوبا وروي محجوجا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن محمد بن عبد الله أخي من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح عليه برا وفضلا وحزما وعقلا ورأيا ونبلا وإن كان في المال قل فإنما المال ظل زائل وعارية مسترجعة وله في خديجة بنت خويلد رغبة ولها فيه مثل ذلك وما أحببتم من الصداق فعلي، وله والله بعد نبا وخطب جليل.
قالوا فتراه يعلم نباه الشائع وخطبه الجليل ثم يعانده ويكذبه وهو من اولي الألباب هذا غير سائغ في العقول.
(وفي الإصابة) ذكر جمع أنه مات مسلما وتمسكوا بما نسب إليه من قوله:
ودعوتني وعلمت انك صادق | ولقد صدقت فكنت قبل أمينا |
ولقد علمت بان دين محمد | من خير أديان البرية دينا |
قال ابن عساكر في صدر ترجمته قيل أنه أسلم ولا يصح إسلامه وقد وقفت على تصنيف لبعض الشيعة أثبت فيه إسلام أبي طالب بأحاديث ما أخرجه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن سعيد بن عباس عن بعض أهله عن ابن عباس قال لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبا طالب في مرضه قال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة استحل بها لك الشفاعة يوم القيامة قال يا ابن أخي والله لولا إن تكون سبة علي وعلى أهلي من بعدي يرون إني قلتها جزعا عند الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها فلما ثقل أبو طالب رثي يحرك شفتيه فاصغى إليه العباس فسمع قوله فرفع رأسه عنه فقال قد قال والله الكلمة التي سأله عنها. من طريق اسحق به عيسى الهاشمي عن أبيه سمعت المهاجر مولى بني نفيل يقول سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول سمعت ابن أخي محمد بن عبد الله يقول إن ربه بعثه بصلة الأرحام وإن يعبد الله وحده لا يعبد غيره ومحمد الصدوق الأمين.
(قال المؤلف) وأورد ابن حجر في الإصابة هذا الحديث نقلا عن الخطيب في كتاب رواية الآباء عن الأبناء. أخبرنا أبو نعيم حدثنا محمد بن فارس بن حمدان حدثنا علي بن السراج البرقعيدي حدثنا جعفر بن عبد الواحد القاص قال لنا محمد بن عباد عن إسحاق بن عيسى عن مهاجر مولى بني نوفل سمعت أبا رافع أنه سمع أبا طالب يقول حدثني محمد إن الله أمره بصلة الأرحام وإن يعبد الله وحده لا يعبد معه أحدا ومحمد عندي الصدوق الأمين قال وأخرج الخطيب في الكتاب المذكور من طريق أحمد بن الحسن المعروف بدبيس حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العلوي حدثني عم أبي الحسين ابن محمد عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن أبيه قال سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد ابن أخي وكان والله صدوقا قلت له بم بعثت يا محمد قال بصلة الأرحام وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة ثم قال في تتمة ما نقله عن مصنف بعض الشيعة من طريق ابن المبارك عن صفوان ابن عمرو عن أبي عامر الهوزني إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج معارضا جنازة أبي طالب وهو يقول وصلتك رحم. ومن طريق عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب إلزم ابن عمك. ومن طريق أبي عبيدة معمر بن المثنى عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن عمران بن حصين إن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم صل جناح ابن عمك فصلى جعفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، أقول كان علي عليه السلام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وحده فكان جناحا له أي واقفا إلى يمينه متأخرا عنه قليلا فلما قال أبو طالب لجعفر صل جناح ابن عمك وقفا معا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في بعض الروايات وذلك هو المستحب في صلاة الجماعة يقف الواحد إلى جنب الإمام والاثنان خلفه ومن طريق محمد بن زكريا العلائي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا تركت الشيخ حتى آتيه قال أردت إن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قوة عينك. ومن طريق راشد الحماني عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) في حديث إلى إن قال ويحشر عبد المطلب به نور الأنبياء وجمال الملوك ويحشر أبو طالب في زمرته الحديث. ومن طريق علي بن محمد بن متيم سمعت أبي يقول سمعت جدي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا على ملته وأوصاني إن أدفنه في قبره فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال اذهب فواره فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون فنبشت عن قبر عبد المطلب فدفنته معه.
وفي الدرجات الرفيعة عن السيد عبد الرحمن الحسني الإدريسي أنه أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وقال السيوطي في المسالك قد ورد هذا الحديث من طريق آخر عن ابن عباس أخرجه أبو نعيم وحكى السيد فخار بن معد في رسالته في إسلام أبي طالب عن أبي علي الموضح أنه قال ولأمير المؤمنين (عليه السلام) في أبيه يرثيه يقول:
أبا طالب عصمة المستجير | وغيث المحول ونور الظلم |
لقد هد فقدك أهل الحفاظ | فصلى عليك ولي النعم |
ولقاك ربك رضوانه | فقد كنت للطهر من خير عم |
فلو كان مات كافرا ما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يرثيه ويدعو له الرضوان وفي الدرجات الرفيعة لا أكاد أقضي العجب ممن ينكر إيمان أبي طالب رض أو يتوقف فيه وأشعاره التي يرويها المخالف والمؤالف صريحة في صراحة إسلامه وأي فرق بين المنظوم والمنثور إذا تضمنا إقرارا بالإسلام ثم أورد جملة من أشعاره الدالة صريحا على ذلك ولكنه لم يذكرها كلها وما ذكره فقد اختصره ونحن نورد جميع ما وصل إلينا من أشعاره في ذلك ولا نحذف منه شيئا وعن بعض الثقات إن قصائده في هذا المعنى التي تنفث في عقد السحر وتغبر في وجه شعراء الدهر تبلغ مجلدا أو أكثر فمن أشعاره الدالة صريحا على إسلامه قوله في أمر الصحيفة:
ألا أبلغا عني على ذات بينها | لؤيا وخصا من لؤي بني كعب |
ألم تعلموا إنا وجدنا محمدا | نبيا كموسى خط في أول الكتب |
وإن عليه في العباد محبة | ولا حيف فيمن خصه الله بالحب |
وإن الذي رقشتم في كتابكم | يكون لكم يوما كراغية السقب أفيقوا |
أفيقوا قبل إن تحفر الزبى | ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب |
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا | أو أصرنا بعد المودة والقرب |
وتستجلبوا حربا عوانا وربما | أمر على من ذاقه حلب الحرب |
فلسنا وبيت الله نسلم أحمدا | لغراء من عض الزمان ولا كرب |
ولما بين منا ومنكم سوالف | وأيد أمدت بالمهندة الشهب |
بمعترك ضنك ترى قصد القنا | به والضباع العرج تعكف كالشرب |
كان مجال الخيل في حجزاته | وغمغمة الأبطال معركة الحرب |
أليس أبونا هاشم شد أزره | وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب |
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا | ولا نشتكي مما ينوب من النكب |
ولكننا أهل الحفائظ والنهى | إذا طار أرواح الكماة من الرعب |
وقوله:
ترجون منا خطة دون نيلها | ضراب وطعن بالوشيج المقوم |
ترجون إن نسخى بقتل محمد | ولم تختضب سمر العوالي من الدم |
كذبتم وبيت الله حتى تفلقوا | جماجم تلقى بالحطيم وزمزم |
وتقطع أرحام وتنسى حليلة | حليلا ويغشى محرم بعد محرم |
وينهض قوم في الحديد إليكم | يذودن عن أحسابهم كل مجرم |
على ما مضى من مقتكم وعقوقكم | وغشيانكم في أمركم كل مأثم |
وظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى | وأمر أتى من عند ذي العرش قيم |
فلا تحسبونا مسلميه فمثله | إذا كان في قوم فليس بمسلم |
فهذي معاذير مقدمة لكم | لئلا يكون الحرب قبل التقدم |
وقوله:
فلا تسفهوا أحلامكم في محمد | ولا تتبعوا أمر الغواة الأشائم |
تمنيتم إن تقتلوه وإنما | أمانيكم هذي كأحلام نائم |
وإنكم والله لا تقتلونه | ولما تروا قطف اللحى والجماجم |
زعمتم بانا مسلمون محمدا | ولما نقاذف دونه ونزاحم |
من القوم مفضال أبي على العدى | تمكن في الفرعين من آل هاشم |
أمين حبيب في العباد مسوم | بخاتم رب قاهر في الخواتم |
يرى الناس برهانا عليه وهيبة | وما جاهل في قومه مثل عالم |
نبي أتاه الوحي من عند ربه | فمن قال لا يقرع بها سن نادم |
وقوله وقد غضب لعثمان بن مظعون الجمحي حين عذبته قريش ونالت منه:
أمن تذكر دهر غير مأمون | أصبحت مكتئبا تبكي كمحزون |
أم من تذكر أقوام ذوي سفه | يغشون بالظلم من يدعو إلى الدين |
ألا ترون أذل الله جمعكم | إنا غضبنا لعثمان بن مظعون |
ونمنع الضيم من يبغي مضيمتنا | بكل مطرد في الكف مسنون |
ومرهفات كان الملح خالطها | يشفى بها الداء من هام المجانين |
حتى تقر رجال لا حلوم لها | بعد الصعوبة بالأسماح واللين |
أوتؤمنوا بكتاب منزل عجب | على نبي كموسى أو كذي النون |
وجاء في الخبر إن أبا جهل بن هشام جاء مرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ساجد وبيده حجر يريد إن يرضخ به رأسه فلم يستطع فقال أبو طالب في ذلك:
أفيقوا بني عمنا وانتهوا | عن الغي من بعض ذا المنطق |
وإلا فاني إذا خائف | بوائق في داركم تلتقي |
كما ذاق من كان من قبلكم | ثمود وعاد ومن ذا بقي |
غداة أتتهم بها صرصر | وناقة ذي العرش إذ تستقي |
غداة يعض بعرقوبها | حسام من الهند ذو رونق |
فحل عليهم بها سخطة | من الله في ضربه الأزرق |
وأعجب من ذاك في أمركم | عجائب في الحجر الملصق |
بكف الذي قام من حينه | إلى الصابر الصادق المتقي |
فأثبته الله في كفه | على رغمه الخائن الأحمق |
وقد اشتهر عن عبد الله المأمون بن هارون الرشيد أنه كان يقول أسلم والله أبو طالب بقوله:
نصرت الرسول رسول المليك | ببيض تلألأ كلمع البروق |
أذب وأحمي رسول الإله | حماية عم عليه شفيق |
وما إن أدب لأعدائه | دباب البكار حذار الفنيق |
ولكن أزير لهم ساميا | كما زار ليث بغيل مضيق |
ومن شعره المشهور قوله:
أنت النبي محمد | قرم أغر مسود |
لمسودين أكارم | طابوا وطاب المولد |
نعم الأرومة أصلها | عمرو الخضم الأوحد |
هشم الرميكة في الجفا | ن وعيش مكة أنكد |
فجرت بذلك سنة | فيها الخبيزة تثرد |
ولنا السقاية للحجيج | بها يماث العسجد |
والمأزمات وما حوت | عرفاتها والمسجد |
إني تضام ولم أمت | وأنا الشجاع العربد |
وبطاح مكة لا يرى | فيها نجيع أسود |
وبنو أبيك كأنهم | أسد العرين توقد |
ولقد عهدتك صادقا | في القول لا تتزيد |
ما زلت تنطق بالصواب | وأنت طفل أمرد |
وجاء في السيرة وذكره المؤرخون إن عمرو بن العاص لما خرج إلى بلاد الحبشة ليكيد جعفر بن أبي طالب وأصحابه عند النجاشي قال:
تقول ابنتي أين أين الرحيل | وما البين مني بمستنكر |
فقلت دعيني فاني أمرؤ | أريد النجاشي في جعفر |
لأكويه عنده كية | أقيم بها نخوة الأصعر |
وإن انثنائي عن هاشم | بما أسطعت في الغيب والمحضر |
وعن عائب اللات في قوله | ولولا رضا اللات لم نمطر |
وإني لأشنى قريش له | وإن كان كالذهب الأحمر |
فكان عمرو يسمى الشانيء ابن الشانيء لأن أباه كان إذا مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمكة يقول والله إني لأشناك وفيه أنزل إن شانئك هو الأبتر فكتب أبو طالب إلى النجاشي شعرا يمدحه ويحرضه فيه على إكرام جعفر وأصحابه والأعراض عما يقوله عمرو فيهم يقول فيه:
ألا ليت شعري كيف في الناس جعفر | وعمرو وأعداء النبي الأقارب |
وهل نال إحسان النجاشي جعفرا | وأصحابه أم عاق عن ذاك شاغب |
تعلم خيار الحبش إنك ماجد | كريم فلا يشقى لديك المجانب |
تعلم بان الله زادك بسطة | وأسباب خير كلها لك لازب |
وعن علي (عليه السلام) أنه قال قال لي أبي يا بني الرم ابن عمك فإنك تسلم به من كل باس عاجل وآجل ثم قال لي:
إن الوثيقة في لزوم محمد | فاشدد بصحبته علي يديكا |
ومن شعره المناسب هذا قوله:
إن عليا وجعفرا ثقتي | عند ملم الزمان والنوب |
لا تخذلا وأنصرا ابن عمكما | أخي لأمي من بينهم وأبي |
والله لا أخذل النبي ولا | يخذله من بني ذو حسب |
وقوله يخاطب أخاه حمزة حين أسلم وكان يكنى أبا يعلى:
صبرا أبا يعلى على دين أحمد | وكن مظهرا للدين وفقت صابرا |
وحط من أتى بالحق من عند ربه | بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا |
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن | فكن لرسول الله في الله ناصرا |
وناد قريشا بالذي قد أتيته | جهارا وقل ما كان أحمد ساحرا |
وقال مقاتل تعاقدت قريش لئن مات أبو طالب ليجمعن قبائل قريش على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وأحلافهم من قريش فوصاهم برسول الله ص وقال إن ابن أخي محمد صادق وأمين ناطق وإن شانه أعظم شأن ومكان من ربه أعلى مكان فأجيبوا دعوته واجتمعوا على نصرته وراموا عدوه من وراء حوزته فإنه الشرف الباقي لكم الدهر وأنشأ يقول:
أوصي بنصر النبي الخير مشهده | عليا ابني وعم الخير عباسا |
وحمزة الأسد المخشي صولته | وجعفرا إن تذودوا دونه الناسا |
وهاشما كلها أوصي بنصرته | إن يأخذوا دون حرب القوم أمراسا |
كونوا فدي لكم نفسي وما ولدت | من دون أحمد عند الروع أتراسا |
بكل أبيض مصقول عوارضه | تخاله في سواد الليل مقباسا |
وقال لابنه طالب:
ابني طالب إن شيخك ناصح | فيما يقول مسدد لك راتق |
فاضرب بسيفك من أراد مساءة | حتى تكون له المنية ذائق |
هذا رجائي فيك بعد منيتي | لا زلت فيك بكل رشد واثق |
فاعضد قواه يا بني وكن له | إني بجدك لا محالة لاحق |
آها أردد حسرة لفراقه | إذ لا أراه وقد تطاول باسق |
أترى أراه واللواء إمامه | وعلي ابني للواء معانق |
أتراه يشفع لي ويرحم عبرتي | هيهات إني لا محالة زاهق |
وفيها أقواء كثير كما هو عادة العرب بل لا يكاد يخلو شعر لهم منه. وقال يذكر حصار الشعب:
وقالوا خطة جورا وحمقا | وبعض القول أبلج مستقيم |
لتخرج هاشم فتصير منها | بلاقع بطن مكة والحطيم |
فمهلا قومنا لا تركبونا | بمظلمة لها أمر وخيم |
فيندم بعضكم ويذل بعض | وليس بمفلح أبدا ظلوم |
فلا والراقصات بكل خرق | إلى معمور مكة لا تريم |
طوال الدهر حتى تقتلونا | ونقتلكم وتلتقي الخصوم |
ويعلم معشر قطعوا وعقوا | بأنهم هم الجد الظليم كذا |
أرادوا قتل أحمد ظالميه | وليس لقتله فيهم زعيم |
ودون محمد فتيان قوم | هم العرنين والعضو الصميم |
ومن قصيدة لأبي طالب في أمر الصحيفة:
وقد كان من أمر الصحيفة عبرة | متى ما يخير غائب القوم يعجب |
محا الله منها كفرهم وعقوقهم | وما نقموا من ناطق الحق معرب |
وأصبح ما قالوا من الأمر باطلا | ومن يختلق ما ليس بالحق يكذب |
وأمسى ابن عبد الله فينا مصدقا | على سخط من قومنا غير معتب |
ستمنعه منا يد هاشمية | مركبها في الناس خير مركب |
فلا والذي تحدى له كل نضوة | طليح بجنبي نخلة فالمحصب |
يمينا صدقنا الله فيها ولم نكن | لنحلف بطلا بالعتيق المحجب |
نفارقه حتى نصرع حوله | وما بال تكذيب النبي المقرب |
وله في أمر حصار الشعب:
تطاول ليلي بهم نصب | ودمعي كسح السقاء السرب |
للعب قصي بأحلامها | وهل يرجع الحلم بعد اللعب |
ونفي قصي بني هاشم | كنفي الطهاة لطاف الحطب |
وقول لأحمد أنت أمرؤ | خلوف الحديث ضعيف النسب |
إلا إن أحمد قد جاءهم | بحق ولم يأت بالكذب |
على إن أخواننا وازرونا | بني هاشم وبني المطلب |
هما أخوان كعظم اليمين | أمرا علينا كعقد الكرب |
فيا لقصي ألم تخبروا | بما قد خلا من شؤون العرب |
فلا تمسكن بأيديكم | بعيد الأنوف بعجب الذنب |
ورمتم بأحمد ما رمتم | على الآصرات وقرب النسب |
فإني وما حج من راكب | وكعبة مكة ذات الحجب |
تنالون أحمد أو تصطلوا | ظباة الرماح وحد القضب |
وتفترقوا بين أبياتكم | صدور العوالي وخيلا عصب |
وقال:
قل لمن كان من كنانة في العز | وأهل الندى وأهل الفعال |
قد أتاكم من المليك رسول | فاقبلوه بصالح الأعمال |
وأنصروا أحمدا فان من الله | رداء عليه غير مذال |
وقال أنشده أبو عبد الله بن صفية الهاشمي له:
لقد كرم الله النبي محمدا | فأكرم خلق الله في الناس أحمد |
وشق له من اسمه ليجله | فذو العرش محمود وهذا محمد |
وأورد الحافظ ابن حجر البيت الثاني له في الإصابة ثم قال: قال ابن عينية عن علي بن زيد ما سمعت أحسن من هذا البيت. وأراد أبو طالب الخروج إلى بصرى الشام وعزم على عدم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم، معه إشفاقا عليه فلما ركب تعلق بزمام ناقته وبكى وناشده في إخراجه فأخرجه معه ولقيه بحرا الراهب وحمل له ولأصحابه الطعام والنزل وحثه على سرعة الرجوع به فقال أبو طالب في ذلك:
إن ابن آمنة الأمين محمدا | عندي بمثل منازل الأولاد |
لما تعلق بالزمام رحمته | والعيس قد قلصن بالأزواد |
فارفض من عيني دمع ذارف | مثل الجمان مفرق الأفراد |
راعيت فيه قرابة موصولة | وحفظت فيه وصية الأجداد |
وأمرته بالسير بين عمومة | بيض الوجوه مصالت أنجاد |
ساروا لأبعد طية معلومة | فلقد تباعد طية المرتاد |
حتى إذا ما قوم بصرى عاينوا | لاقوا على شرك من المرصاد |
حبرا فأخبرهم حديثا صادقا | عنه ورد معاشر الحساد |
وقال أيضا في ذلك:
ألم ترني من بعد هم هممته | بعزة حر الوالدين كرام |
بأحمد لما إن شددت مطبتي | لرحل وإذ ودعته بسلام |
بكى حزنا والعيس قد فصلت لنا | وجاذب بالكفين فضل زمام |
ذكرت أباه ثم رقرقت عبرة | تفيض على الخدين ذات سجام |
فقلت له رح راشدا في عمومة | مواسين في البأساء غير لئام |
فلما هبطنا أرض بصرى تشوفوا | لنا بشراب طيب وطعام |
ولما رأى أبو طالب من قومه ما يسره من جلدهم معه وتحد بهم عليه مدحهم وذكر قديمهم وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:
إذا اجتمعت يوما قريش لفخرها | فعبد مناف سرها وصميمها |
وإن حضرت أشراف عبد منافها | ففي هاشم أشرافها وقديمها |
ففيهم نبي الله أعني محمدا | هو المصطفى من سرها وكريمها |
تداعت قريش غثها وسمينها | علينا فلم تظفر وطاشت حلومها |
وروى الفقيه إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري الحنبلي في كتاب نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول باسناده إلى محمد بن إسحاق بن عبد الله بن مغيرة بن معتب إن أبا طالب فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فظن إن قريشا اغتاله فبعث إلى بني هاشم ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة ويجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش فإذا قلت أبغي محمدا قتل كل منكم الذي إلى جانبه ففعلوا وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه في المسجد فلما رآه أخذ بيده ثم قال يا معشر قريش فقدت محمدا فظننت إن بعضكم اغتاله وأخبرهم بما عزم عليه وأراهم السكاكين فهابت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو طالب:
ألا أبلغ قريشا حيث حلت | وكل سرائر منها غرور |
فاني والصرائح غاديات | وما يتلو السفافرة الشهور |
لآل محمد راع حفيظ | وداد الصدر مني والضمير |
فلست بقاطع رحمي وولدي | ولو جرت مظالمها الجرور |
أيا من جمعهم أفناء فهر | لقتل محمد والأمر زور |
فلا وأبيك لأظفرت قريش | ولا لقيت رشادا إذ تشير |
بني أخي ونوط القلب مني | وأبيض ماؤه غدق كثير |
ويشرب بعده الولدان ريا | وأحمد قد تضمنه القبور |
أيا ابن الأنف أنف بني قصي | كان جبينك القمر المنير |
ومن شعره الصريح في إيمانه قصيدته اللامية المشهورة كشهرة قفا نبك وقال ابن كثير هي قصيدة بليغة لا يستطيع إن يقولها إلا من نسبت إليه وهي أفحل من المعلقات السبع وأبلغ في تأدية المعنى. ولم أعثر عليها بتمامها فأوردت هنا ما وجدته منها:
أعوذ برب البيت من كل طاعن | علينا بسوء أو ملح بباطل |
ومن فاجر يغتابنا بمغيبة | ومن ملحق في الدين ما لم يحاول |
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا | ولما نطاعن، دونه ونناضل |
وننصره حتى نصرع دونه | ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
وحتى ترى ذا الردع يركب ردعه | من الطعن فعل الأنكب المتحامل |
وينهض قوم في الحديد إليكم | نهوض الروايا من طريق حلاحل |
وأنا وبيت الله إن جد جدنا | لتلتبسن أسيافنا بالأماثل |
بكل فتى مثل الشهاب سميدع | أخي ثقة عند الحفيظة باسل |
وما ترك قوم لا أبا لك سيدا | يحوط الذمار غير نكس مواكل |
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه | ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
يلوذ به الهلاك من آل هاشم | فهم عنده في نعمة وفواضل |
وميزان صدق لا يخيس شعيرة | ووازن صدق وزنه غير عائل |
ألم تعلموا إن ابننا لا مكذب | لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل |
فأصبح فينا أحمد في أرومة | تقصر عنها صولة المتطاول |
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد | وأحببته حب الحبيب المواصل |
أقيم على نصر النبي محمد | أقاتل عنه بالقنا والقنابل |
وجدت بنفسي دونه فحميته | ودافعت عنه بالذرى والكلاكل |
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها | وشينا لمن عادى وزين المحافل |
فمن مثله في الناس أي مؤمل | إذا قاسه الحكام عند التفاضل |
حليم رشيد عادل غير طائش | يوالي إلها ليس عنه بغافل |
فأيده رب العباد بنصره | وأظهر دينا حقه غير ناصل |
ومن شعره المشهور يخاطب النبي ص ويسكن جأشه ويأمره بإظهار الدعوة قوله:
لا يمنعك من حق تقوم به | أيد تصول ولا سلق بأصوات |
فإن كفك كفي إن منيت بهم | ودون نفسك نفسي في الملمات |
إلى غير ذلك وكل هذه الأشعار قد جاءت مجيء التواتر لأنه إن لم تكن آحادها متواترة فمجموعها يدل على أمر واحد مشترك وهو تصديق محمد صلى الله عليه وسلم، ومجموعها متواتر كما إن كل واحد من قتلات علي عليه السلام الفرسان منقولة آحادا ومجموعها متواتر يفيد العلم الضروري بشجاعته وكذلك القول فيما يروى من سخاء حاتم وحلم الأحنف وذكاء أياس وغير ذلك وروى أهل السير والمغازي إن عتبة بن ربيعة أو شيبة أخاه لما قطع رجل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر أشبل عليه علي وحمزة فاستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفيهما حتى قتلاه واحتملا عبيدة من المعركة إلى العريش فألقياه بين يدي رسول الله ص ومخ ساقه يسيل فقال يا رسول الله لو كان أبو طالب حيا لعلم أنه قد صدق في قوله:
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا | ولما نطاعن دونه ونناضل |
وننصره حتى نصرع حوله | ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
فاستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي طالب وبلغ عبيدة إلى الصفراء ومات فدفن بها وروي إن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، في عام جدب فقال أتيناك يا رسول الله ولم يبق لنا صبي يرضع ولا شارف يجتر وأنشد:
أتيناك والعذراء يدمى لبإنها | وقد شغلت أم الرضيع عن الطفل |
وألقى بكفيه الفتى لاستكانة | من الجوع حتى ما يمر ولا يحلي |
ولا شيء مما يأكل الناس عندنا | سوى الحنظل العاصي والعلهز الغسل |
وليس لنا إلا إليك فرارنا | وأين فرار الناس إلا إلى الرسل |
فقام النبي ص يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال:
اللهم اسقنا مغيثا مريئا هنيئا مريعا سجالا غدقا طبقا دائما دررا تحيي به الأرض وتنبت به الزرع وتدر به الضرع واجعله سقيا نافعا عاجلا غير رائث قال فوالله ما رد رسول الله ص يده إلى نحره حتى ألقت السماء أرواقها وجاء الناس يضجون الغرق يا رسول الله فقال اللهم حوالينا ولا على علينا فأنجاب الغمام عن المدينة حتى استدار حولها كالاء كليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى بدت نواجذه ثم قال لله در أبي طالب لو كان حيا لقرت عينه من ينشدنا قوله فقام علي (عليه السلام) فقال يا رسول الله لعلك أردت وأبيض يستسقى الغمام بوجهه قال أجل فأنشده أبياتا منها ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يستغفر لأبي طالب على المنبر ثم قام رجل من كنانة فانشده:
لك الحمد والحمد ممن شكر | سقينا بوجه النبي المطر |
دعا الله خالقه دعوة | إليه وأشخص منه البصر |
فما كان إلا كما ساعة | أو أقصر حتى رأينا الدرر |
دفاق العزالي وجم البعاق | أغاث به الله عليا مضر |
فكان كما قاله عمه | أبو طالب ذو رواء غزر |
به يسر الله صوب الغمام | فهذا العيان وذلك الخبر |
فمن يشكر الله يلق المزيد | ومن يكفر الله يلق الغير |
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يكن شاعر أحسن فقد أحسنت ولما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مرضه أنشدت فاطمة (عليه السلام) وأبيض يستسقي الغمام بوجهه البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يا بنية هذا قول عمك أبي طالب ولكن قولي: وما محمد إلا رسول الآية وذلك دليل على استفاضته واشتهاره وبلغ من اشتهار قوله:
ولقد علمت بان دين محمد | من خير أديان البرية دينا |
إن استشهد به أهل النحو في كتبهم في باب التمييز (وفي الدرجات الرفيعة) ما أحسن قول السيد أبي محمد عبد الله بن حمزة الحسني الزيدي من قصيدة:
حماه أبونا أبو طالب | وأسلم والناس لم تسلم |
وقد كان يكتم إيمانه | وأما الولاء فلم يكتم |
ولله در ابن الحديد المعتزلي حيث يقول:
ولولا أبو طالب وابنه | لما مثل الدين شخصا فقاما |
فذاك بمكة آوى وحامى | وهذا بيثرب خاض الحماما |
تكفل عبد مناف بأمر | وآوى فكان علي تماما |
فقل في ثبير مضى بعد ما | قضى ما قضاه وأبقى شماما |
فلله ذا فاتحا للهدى | ولله ذا للمعالي ختاما |
وما ضر مجد أبي طالب | جهول لقا أو بصير تعامى |
كما لا يضر أناة الصبا | ح من ظن ضوء النهار الظلاما |
وذكر السيد علي خان في الدرجات الرفيعة لنفسه:
أبو طالب عم النبي محمد | به قام أزر الدين واشتد كاهله |
ويكفيه فخرا في المفاخر أنه | مؤازره دون الأنام وكافله |
لئن جهلت قوم عظيم مقامه | فما ضر ضوء الصبح من هو جاهله |
ولولاه ما قامت لأحمد دعوة | ولا إنجاب ليل الغي وانزاح باطله |
أقر بدين الله سرا لحكمة | فقال عدو الحق ما هو قائله |
وما ذا عليه وهو في الدين هضبة | إذا عصفت من ذي العناد أباطله |
وكيف يحل الذم ساحة ماجد | أواخره محمودة وأوائله |
عليه سلام الله ما ذر شارق | وما تليت أحسابه وفضائله |
(قال) وكان ابن أبي الحديد من المتوقفين في إسلام أبي طالب صرح بذلك في شرحه لنهج البلاغة فقضى على نفسه بالجهل والتعامي في هذه الأبيات.
ولو كان أقل من هذه الأدلة التي ذكرناها لغير إسلام أبي طالب أو توثيقه وأخذ أحكام الدين عنه لما توقف القوم في قبولها ولكن كيف تساعد النفس على الإذعان بإسلام أبي طالب وهو أبو علي بن أبي طالب والشيعة كلها وأئمتها متفقة على ذلك فكيف يترك حديث رواه مسلم والبخاري ويتبع هذا مهما بلغ من القوة.
بعض الأحاديث التي رويت في
عدم إسلام أبي طالب
في الدرجات الرفيعة وغيرها أما ما رووه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال إن الله وعدني بتخفيف عذابه لما صنع في حقي وإنه لفي ضحضاح من نار فهو خبر يروونه كلهم عن رجل واحد وهو المغيرة بن شعبة وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعلي عليه السلام مشهور معلوم وقصته وخبره غير خاف فبطل التمسك به قال وما رووه أيضا: من إن عليا وجعفرا لم يأخذا من تركة أبي طالب شيئا حديث موضوع ومذهب أهل البيت بخلاف ذلك فان المسلم عندهم يرث غير المسلم ولا يرث غير المسلم المسلم ولو كان أعلى درجة منه في النسب وقوله صلى الله عليه وسلم، لا توارث بين أهل الملتين نقول بموجبه لأن التوارث تفاعل ولا تفاعل عندنا في ميراثهما واللفظ يستدعي الطرفين كالتضارب لا يكون إلا من اثنين وفي الإصابة أخرج أحمد من طريق حبة العرني رأيت عليا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه ثم قال تذكرت قول أبي طالب وقد ظهر علينا وأنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ببطن نخلة فقال له ماذا تصنعان فدعاه إلى الإسلام فقال ما بالذي تقول من باس ولكن والله لا يعلوني أستي أبدا قال المؤلف لم يكن أبو طالب في عقله ونبله وحبه لابن أخيه واستحسانه للإسلام واعترافه بالخالق وعظمته ليصده عنه هذه العلة السخيفة فيترك السجود لله تعالى لأجلها ويسجد لأحجار لا تضر ولا تنفع، إن هذا ما لا يكون أبدا ولم يكن أمير المؤمنين (عليه السلام) ليضحك حتى تبدو نواجذه لترك أبيه الإسلام لعلة لا تصدر من أسفه السفهاء بل هو موضع الحزن والبكاء لو كان وفيها قال عبد الرزاق حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس في قوله تعالى: {وهم ينهون عنه وينأون عنه} قال نزلت في أبي طالب كان ينهي عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم، وينأى عما جاء به (أقول) مع إرساله يوجب اختلاف مرجع الضميرين في الآية وظاهرها إن مرجعهما واحد وهو الإسلام وفي مجمع البيان قيل عنى به أبا طالب ومعناه يمنعون الناس عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتبعونه، عن عطاء ومقاتل وهذا لا يصح لأن هذه الآية معطوفة على ما تقدمها وما تأخر عنها معطوف عليها وكلها في ذم الكفار المعاندين للنبي صلى الله عليه وسلم، (أقول) وأبو طالب لو سلم أنه لم يسلم فلم يكن معاندا.
(قال ابن حجر) في الإصابة بعد إيراد الأحاديث السابقة التي نقلها عن مصنف بعض الشيعة: وأسانيد هذه الأحاديث واهية وعلى تقدير صحتها فقد عارضها ما هو أصح منها (أما الحديث الأول) ففي الصحيحين إن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أ ترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم، لأستغفرن لك ما لم أنه عنك، فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا إن يستغفروا للمشركين "الآية" إنك لا تهدي من أحببت "الآية" (قال) وقد أجاب المذكور عن قوله وهو على ملة عبد المطلب بان عبد المطلب مات غير كافر واستدل بأثر مقطوع عن جعفر الصادق ولا حجة فيه لانقطاعه وضعف رجاله وهو حديث راشد الحماني المتقدم قال (وأما الحديث الثاني) وفيه شهادة أبي طالب بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب عنه وعما ورد في شعر أبي طالب أنه نظير ما حكاه تعالى عن كفار قريش فجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فكان كفرهم عنادا ومنشاوه من الآنفة والكبر إلى ذلك أشار أبو طالب بقوله لولا إن تعيرني قريش (قال) في الحديث الأول من حديثي الخطيب: قال الخطيب لا يثبت هذا الحديث أهل العلم بالنقل وفي إسناده غير واحد من المجهولين وجعفر ذاهب الحديث وقال في الحديث الثاني منهما: قال الخطيب لم أكتبه بهذا الإسناد إلا عن هذا الشيخ، ودبيس المقري صاحب غرائب وكثير الرواية للمناكير قال وأما الحديث الثالث أي من أحاديث مصنف الشيعي وهو حديث الهوزني فهو مرسل ومع ذلك فليس في قوله وصلتك رحم ما يدل على إسلامه بل فيه ما يدل على عدمه وهو معارضته لجنازته إذ لو كان أسلم لمشى معه وصلى عليه وقد ورد ما هو أصح منه من طريق ناجية بن كعب عن علي قال لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت إن عمك الضال قد مات فقال لي اذهب فواره وقد أخرجه المذكور من وجه آخر عن ناحية بن كعب عن علي بدون قوله الضال وأما الرابع والخامس وهو أمر أبي طالب ولديه بإتباعه فتركه ذلك هو من جملة العناد وهو أيضا من حسن نصرته له وذبه عنه ومعاداته قومه بسببه وأما حديث إسلام أبي قحافة فالمراد إني كنت بإسلام عمك لو أسلم أشد فرحا مني بإسلام أبي واستشهد لذلك ببعض الأحاديث المصرحة به وأما حديث راشد الحماني فأخرجه عن أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن يعلى بن أسد عن أبي صالح الحمادي عن أبيه عن جده سمعت راشدا الحماني فذكره وهذه سلسلة شيعية غلاة وقال قبل ذلك أنه مقطوع كما مر قال وورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم، ما أغنيت عن عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل قال والأحاديث الصحيحة والأخبار المتكاثرة طافحة بذلك وقد فخر المنصور على محمد بن عبد الله بن الحسن لما خرج بالمدينة بقوله في كتاب له وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وله أربعة أعمام فامن به اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك ومن شعر عبد الله بن المعتز يخاطب الفاطميين.
وأنتم بنو بنته دوننا | ونحن بنو عمه المسلم |
(وأما حديث ابن متيم) فأخرجه عن أبي بشر المذكور عن أبي بردة السلمي عن الحسن بن ما شاء الله عن أبيه علي بن محمد بن متيم وهذه سلسلة شيعية من الغلاة فلا يفرح به وقد عارضه ما هو أصح منه ولم يتعرض لحديث الطبقات بشيء ولعله لاكتفائه بما ذكره في غيره من أنه لا يدل إلا على اعتقاده بنبوته لكنه لم يسلم عنادا وأنفة وقال في الحديث الأخير: قال تمام الوليد منكر الحديث قال ابن عساكر والصحيح ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر عنده أبو طالب فقال تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبه يغلي منه دماغه. انتهى ما أورده ابن حجر في الإصابة قال المؤلف والشنشنة الأخزمية معروفة في كل حديث يكون فيه فضيلة لأهل البيت ومن إليهم أو يوافق رأي الشيعة فأولا يقدح في سنده ما أمكن ويتمحل له الوجوه ولو اشتهر وكثرت رواته ومؤيداته ويكفي لذلك وجود من ينسب إلى التشيع في سنده فيقال رواته غلاة ولو كانوا معروفين بالصدق أما معارضه فلا يضر وجود الغلاة في النصب في سنده ولا الخوارج أمثال عمران بن حطان أو المغيرة بن شعبة لأنه صحابي مقدس ولو فعل ما فعل. ثم ينتقل إلى دلالته فيحتمل لها التأويلات البعيدة ولو كانت الدلالة صريحة جلية قوله وأسانيد هذه الأحاديث واهية، لم يبين وجه ضعفها هذا مع اعتضادها بأشعاره المتواترة الصريحة في إسلامه وقد عارضها بما زعم أنه أصح منها كحديث للصحيحين مع أنه إذا ورد في الصحيحين ما لا يوافقهم لم يتحاشوا من القدح في سنده والقول بأنه ليس كل ما في الصحيحين صحيح مع إن حضور أبي جهل وابن أبي أمية عنده ومضايقتهما ومعارضتهما النبي صلى الله عليه وسلم، في إظهار إسلامه يمنعه عن إظهاره لأنه لم ييأس من الحياة فيخشى ما كان يخشاه في حياته من عدم التمكن الكافي من نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما بيناه سابقا فاكتفى بقوله أنه على ملة عبد المطلب الذي ثبت من طريق أهل البيت (عليه السلام) أنه كان على الحق وعلى ملة أبيه إبراهيم.
أما قدحه في حديث الحماني بالقطع فلا قطع فيه فان رواية أبو بشر أحمد بن إبراهيم ذو مصنفات ذكرتها الشيعة في فهارسها وذكروا أسانيدهم إليها ووصفوه بالوثاقة وسعة الرواية وأنه من مشائخ الإجازة كما يأتي في ترجمته فأين موضع القطع لولا العصبية والتشبث بالباطل.
أما إن آية ما كان للنبي والذين آمنوا إن يستغفروا للمشركين الآية فقد اختلف المفسرون في سبب نزولها فقيل نزلت في أبي طالب وحكى الفخر الرازي في تفسيره عن الواحدي عن الحسين بن الفضل الحسن بن الفضل (خ ل) أنه استبعده لأن هذه السورة من آخر القرآن نزولا ووفاة أبي طالب كانت بمكة في أول الإسلام وقول الفخر الرازي في رفع هذا الاستبعاد يمكن إن يكون بقي يستغفر له إلى نزول هذه الآية لا يرفعه فان الاستغفار للمشرك لم تكن فيه مصلحة ولم تتجدد فيه مفسدة حتى يقر الله نبيه عليه كل هذه المدة {إن الله لا يغفر إن يشرك به} (وقيل) نزلت في غيره ففي مجمع البيان عن تفسير الحسن إن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، ألا نستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية فأنزل الله سبحانه هذه الآية وبين أنه لا ينبغي لنبي ولا مؤمن إن يدعو لكافر ويستغفر له (وفي تفسير الرازي) يروي عن علي أنه سمع رجلا يستغفر لأبويه المشركين فقال له أتستغفر لأبويك وهما مشركان فقال أليس قد استغفر إبراهيم لأبويه وهما مشركان فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية وفي تفسير الطبري بسنده عن مجاهد كان يقول المؤمنون إلا نستغفر لآبائنا وقد استغفر إبراهيم لأبيه كافرا فأنزل الله {وما كان استغفار إبراهيم} الآية وفيه أيضا بسنده عن ابن عباس كانوا يستغفرون للمشركين حتى نزلت هذه الآية فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم وإذا تعارضت الأخبار بطل الاستدلال بها مع إن أخبار إيمانه معتضدة بالمؤيدات القوية المتقدمة والمعارضة لها إنما رويت مراغمة لعلي عليه السلام وأهل بيته إرضاء للأمويين والعباسيين فرواها العلماء وقبلوها لعدم إطلاعهم على وضعها ولحسن ظنهم بمن نقلها. وأما آية أنك لا تهدي من أحببت. ففي مجمع البيان في تفسير سورة القصص قيل إنها نزلت في أبي طالب فالنبي صلى الله عليه وسلم، كان يحب إسلامه، فنزلت، ويكره إسلام وحشي قاتل حمزة فنزل {يا أيها الذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله} الآية فلم يسلم أبو طالب وأسلم وحشي قال وفي هذا نظر فان النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز إن يخالف الله تعالى في إرادته كما لا يجوز إن يخالفه في أوامره ونواهيه فكأنه سبحانه بمقتضى اعتقادهم يقول إنك يا محمد تريد إيمانه ولا أريده ولا أخلق فيه الإيمان مع تكفله بنصرتك وبذل مجهوده في إعانتك والذب عنك ومحبته لك ونعمته عليك وفي هذا ما فيه، وعن كتاب السيد فخار المتقدم إليه الإشارة أما ما ذكروه من النبي صلى الله عليه وسلم، كان يحب عمه أبا طالب ويريد منه إن يؤمن به وهو لا يفعل فنزلت {إنك لا تهدي من أحببت} فإنه جهل بأسباب النزول وتحامل على عم الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن لنزول هذه الآية عند أهل العلم سببا معروفا وذلك أنه صلى الله عليه وسلم، لما جرح يوم أحد وكسرت رباعيته قال اللهم إهد قومي فإنهم لا يعلمون فنزلت وروي لنزولها سبب آخر وهو إن قوما ممن أظهر الإيمان بمكة لم يهاجروا وأظهروا الكفر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فاختلفوا في تسميتهم بالكفر والإيمان فبعض قال كافرون وبعض مؤمنون لإظهارهم الكفر اضطرارا واجتمعوا إليه صلى الله عليه وسلم، وكان أشرافهم يريدون منه إن يحكم بإيمانهم لقرابتهم منهم فأحب صلى الله عليه وسلم، إن ينزل ما يوافق محبة الأشراف لتالفهم فنزلت أنك لا تهدي من أحببت أي لا تحكم ولا تسمي ولا تشهد بالإيمان لمن أحببت ولكن الله يفعل ذلك لمن كان مستحقا قال وإن ثبت إنها نزلت في أبي طالب فتدل على فضله وعلو مرتبته في الإيمان والهداية لأن هدايته كانت من الله دون غيره وهو كان المتولي لها وكان تقديره إن أبا طالب الذي تحبه لم تهده أنت يا محمد بنفسك بل الله تولى هدايته وهذا أولى مما ذكروه لعدم ارتكاب النبي صلى الله عليه وسلم، ما نهى عنه من حب الكافرين بقوله لا تجد قوما الآية. أما جواب ابن حجر عن الحديث الثاني المروي من طريق إسحاق وفيه شهادته بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم، وعما ورد في أشعاره بأنه نظير ما حكاه تعالى عن كفار قريش: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} وإن منشأ كفره وكفرهم العناد والأنفة والكبر ففيه أنه لا يعقل إن يصدر ذلك من مثل أبي طالب في عقله وفضله فيعاند ويستكبر ويأنف مما جاء به ابن أخيه وأحب الخلق إليه ومن يسعد بنبوته ويتشرف بشرفه في الدنيا والآخرة. ويخالف اعتقاده ولا يسلم ويخالف فعله في المبالغة بنصره ويأمر أولاده بإتباعه والإيمان والصلاة معه ويمدح أخاه حمزة على إيمانه به إن هذا ما لا يرضاه عاقل بل هو العناد بعينه ولو كانت الأنفة والكبر والعناد تحمله على عدم الإسلام لنهى أولاده وأخاه عنه ولم يحثهم عليه ولم يمدح فاعله لأن ما يأنف منه الإنسان لنفسه يأنف منه لأولاده وأخوته وأقرب الناس إليه وما يحبه لنفسه يحبه لهم إذ ما يلحقهم من العار بذلك يلحقه وما يحصل لهم من المنفعة كأنه حصل له ولا يقاس ذلك بأبي لهب وكفار قريش الذين نزل فيهم {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا} فإنهم كانوا يجاهرون بعداوته وصد الناس عنه جهدهم وبذلك يبطل استشهاده بقوله لولا إن تعيرني قريش فان قريشا إن عيرته بإسلامه تعيره بإسلام أولاده وحثهم عليه وإن صح أنه قال فمحمول على إرادة الخوف من عدم تمكنه من النصرة إن أظهره بسبب تعييرهم له بذلك واستخفافهم به ووجود المجهولين في سند حديث الخطيب الأول إن أسلم لا يضر مع اعتضاده بغيره وقول الخطيب عن راوي الحديث الثاني أنه صاحب غرائب وكثير الرواية للمناكير يمكن أن تكون هذه الغرائب والمناكير مثل إسلام أبي طالب الذي لا غرابة ولا نكران فيه أما قدحه في الحديث الثالث وهو حديث الهوزني بأنه ليس في قوله وصلتك رحم ما يدل على إسلامه ففيه أنه دعاء له بما لا يدعي به لكافر وقوله لو أسلم لمشى معه وصلى عليه فيه أنه ليس في الحديث عدم مشيه معه والمعارضة لا تدل على ذلك بل الظاهر أنه لم يكن حاضرا أول حمله ثم خرج فعارضه وقال ذلك ومشى معه ومع ذلك ليس فيه أنه لم يصل عليه ويدل عليه المروي كما في الدرجات الرفيعة أنه لما مات رضوان الله عليه جاء أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنه بموته فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم قال له إمض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ففعل فاعترضه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو محمول على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم يا عم وجزيت خيرا لقد ربيت وكفلت صغيرا ونصرت وآزرت كبيرا ثم تبعه إلى حفرته فوقف عليه فقال أما والله لأستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يتعجب لها الثقلان وإنما لم يصل عليه لأن صلاة الجنائز لم تكن شرعت بعد ولا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على خديجة وإنما كان تشييع ورقة ودعاء وأما الحديث الذي زعم أنه أصح منه وهو قول علي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عمك الضال فلفظة الضال لا يمكن إن يقولها علي في حق أبيه ويجابه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حق عمه وكافله وناصره في حالة وفاته ولو فرض أنه كافر ولا يقولها إلا شامت مبغض فهي زيادة مكذوبة والصحيح ما في رواية ناجية من تركها مع إن أمر النبي صلى الله عليه وسلم، له بتولي أمر دفنه دون عقيل وطالب اللذين كانا غير مسلمين يومئذ ولم يسلم من أولاده غير علي وجعفر وهو بالحبشة أقوى دليل على إسلامه وإلا لكان الكافر أولى به وأما جعله أمر أبي طالب ولديه باتباعه مع تركه ذلك من جملة العناد فهو عين العناد فان أمره لهما بذلك يدل على اعتقاد صدقه وينفي عنه العناد ولو كان معاندا كابي لهب لنهاهما عن إتباعه وأراد لهما ما يريده لنفسه وكيف ينصره جهده ويذب عنه ويعادي قومه بسببه ويأمر أولاده بإتباعه مما يدل على عدم عناده ويعانده هل هذا إلا التناقض والتمحل وأما تأويله لحديث إسلام أبي قحافة فمخالف للظاهر وما استشهد به محتاج للثبوت وكيف يثبت وهو مصادم للضرورة وأما حديث أنه في ضحضاح من نار فقد عرفت مما تقدم كذبه وإن وصفه بالصحة كغيره مما زعمه ولا أعجب من استشهاده بقول المنصور الظالم المتمادي في ظلمه الذي فعل بذرية الرسول صلى الله عليه وسلم، مالا يفعله ظالم بأشقى الأشقياء وقد أشرنا إلى بعضه في المقدمات وبغضه لهم وخوفه منهم على ملكه الذي يحمله على مثل هذا الكلام معلوم كاستشهاده بشعر ابن المعتز الذي لا يقصر عن المنصور في بغض العلويين وقوله في رواة حديث ابن متيم وهذه سلسلة شيعية من الغلاة فلا يفرح به، ظاهر في تحامله وما الذي يجره إسلام أبي طالب على هذا الشيعي حتى يفرح به وما الذي يضره هو من ذلك حتى يحزن له ويفرح بعدمه والسلسلة الشيعية قد مر كلامنا في مثلها وفي دعواه أصحية المعارض والله المستعان.
تشيع أبي طالب
في الدرجات الرفيعة إن قلت هبكم أجمعتم على إسلامه وإيمانه فكيف قلتم بتشيعه قلت إن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أخبر عشيرته في حياته إن عليا (عليه السلام) وصيه وخليفته بمحضر من أبي طالب رضي الله عنه وغيره من بني هاشم فأذعن أبو طالب له بذلك. ذكر الطبري في تاريخه عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دعاني فقال يا علي إن الله أمرني إن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعلمت إني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت حتى جاءني جبرئيل فقال يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به يعذبك ربك. فاصنع صانعا من طعام واجعل عليه رجل شاة وأملأ لنا عسا من لبن ثم أجمع بني عبد المطلب حتى أكلمهم وبلغهم ما أمرت ففعلت ما أمرني به من دعوتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعا بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال كلوا بسم الله فأكلوا ما لهم إلى شيء من حاجة ثم قال إسق القوم يا علي فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتى رووا جميعا فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي من الغد يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل إن أكلمهم فعد لنا اليوم إلى مثل ما صنعت بالأمس ثم أجمعهم لي ففعلت ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة ثم قال إسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا منه جميعا حتى رووا ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم إن شابا في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد أمرني الله إن أدعوكم عليه فأيكم يوازرني على هذا الأمر على إن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم فأحجم القوم عنها جميعا فقلت أنا وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا يا رسول الله أكون وزرك عليه فأعاد القول فامسكوا وأعدت ما قلت فأخذ برقبتي ثم قال لهم هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك إن تسمع لابنك وتطيع.
وصية أبي طالب عند موته
في روضة الواعظين قال أبو عبد الله (عليه السلام) لما حضرت أبا طالب الوفاة جمع إليه وجوه قريش فأوصاهم فقال:
يا معشر قريش أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب وأنتم خزنة الله في أرضه وأهل حرمه فيكم السيد المطاع الطويل الذراع وفيكم المقدم الشجاع الواسع الباع اعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المفاخر نصيبا إلا حزتموه ولا شرفا إلا أدركتموه فلكم على الناس بذلك الفضيلة ولهم به إليكم الوسيلة والناس لكم حرب وعلى حربكم ألب وأني موصيكم بوصية فاحفظوها أوصيكم بتعظيم هذه البنية فإن فيها مرضاة للرب وقواما للمعاش وثبوتا للوطأة وصلوا أرحامكم ففي صلتها منساة في الأجل واتركوا البغي والعقوق ففيهما هلكت القرون قبلكم أجيبوا الداعي وأعطوا السائل فإن فيهما شرف الحياة والممات عليكم بصدق الحديث وأداء الأمانة فان فيهما محبة في الخاص ومكرمة في العام وقوة لأهل البيت وإني أوصيكم بمحمد خيرا فإنه الأمين من قريش والصديق في العرب وهو جامع لهذه الخصال التي أوصيكم بها قد جاءكم بأمر قبله الجنان وأنكره اللسان مخافة النسيان وأيم الله لكأني أنظر إلى صعاليك العرب وأهل الوبى والأطراف والمستضعفين من الناس قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته وعظموا أمره فخاض بهم غمرات الموت فصارت رؤساء قريش وصناديدها أذنابا ودورها خرابا وضعافها أربابا وإذا أعظمهم عليه أحوجهم إليه وأبعدهم عنه أحظاهم لديه قد محضته العرب ودادها وأصغت له فؤادها (وأصفت له بلادها خ ل) وأعطته قيادها فدونكم يا معشر قريش ابن أبيكم وأمكم كونوا له ولاة ولحزبه حماة والله لا يسلك أحد سبيله إلا سعد ولا يأخذ أحد بهداه إلا رشد ولو كان لنفسي مدة وفي أجلي تأخير لكفيته الكوافي (لكفيت عنه الهزاهز خ ل) ولدافعت عنه الدواهي غير إني أشهد بشهادته وأعظم مقالته. وحكى صاحب الدرجات الرفيعة هذه الوصية عن الكلبي بأخصر من هذا وقال في آخرها وأنشد يخاطب ابنيه عليا وجعفر وأخويه والعباس.
(أوصى بنصر النبي الخير مشهده إلى آخر الأبيات المتقدمة:
أولاد أبي طالب
كان له ستة أولاد أربعة ذكور وابنتان فالذكور طالب وهو أكبرهم وبه يكنى وعلي أمير المؤمنين وجعفر وعقيل وكان علي عليه السلام أصغرهم وجعفر أسن منه بعشر سنين وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين وطالب أسن من جعفر بعشر سنين ذكره غير واحد وهو اتفاق غريب والابنتان أم هاني وجمانة، أمهم فاطمة بنت أسد. وكانت قريش أكرهت طالبا على الخروج معها يوم بدر لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففقد ولم يعرف له خبر ويقال أنه أقحمه فرسه في البحر حتى غرق ويقال إن قريشا ردته إلى مكة ويدل عليه ما عن الكليني في روضة الكافية بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال لما خرجت قريش إلى بدر وأخرجوا بني عبد المطلب معهم خرج طالب بن أبي طالب فنزل رجازهم وهم يرتجزون ونزل طالب بن أبي طالب يرتجز ويقول:
يا رب أ ما تعززن بطالب | في مقنب من هذه المقانب |
في مقنب المحارب المغالب | تجعله المسلوب غير السالب |
فقال قريش إن هذا ليغلبنا فردوه قال وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان أسلم "انتهى" وروى أرباب السير لطالب شعر يدل على إسلامه وقيل أنه لأبي طالب وهو:
إذا قيل من خير هذا الورى | قبيلا وأكرمهم أسره |
نأتي بعبد مناف أب | وفضله هاشم الغرة |
لقد حل مجد بني هاشم | مكان النعائم والنسره |
وخير بني هاشم أحمد | رسول الاله على فترة |
وقد تمادى بنا الكلام في هذه الترجمة لاقتضاء المقام ذلك على أننا تركنا جملة من الأخبار والأدلة الدالة على إسلامه كراهة زيادة التطويل.
جمع شعره
جمع شعره وأخباره أبو هفان عبد الله بن أحمد بن حرب بن مهزم البصري النحوي الأديب الشاعر صاحب أشعار عبد القيس من أهل المائة الثانية في كتاب يدعى كتاب شعر أبي طالب أوله:
خليلي ما أذني بأول عاذل | بصفواء في حق ولا عند باطل |
وهو يزيد على خمسمائة بيت وجدت منه نسخة في خزانة آل السيد عيسى العطار ببغداد كتبت عن نسخة في آخرها ما لفظها كتبه عفيف بن أسعد لنفسه ببغداد في محرم سنة 380 من نسخة بخط الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني وعارضه به وقرأه عليه رحمه الله، انتهى بلفظه، واستنسخه الشيخ محمد السماوي بخطه لنفسه، ووجد في الخزانة المذكورة ديوان أبي طالب وذكر إسلامه لعلي بن حمزة البصري التميمي يروي فيه عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري المتوفي سنة 385 بأسانيده وعن أبي بشر أحمد ابن إبراهيم بن المعلى بن أسد العمي عن محمد بن هارون الهاشمي عن الزبير بن بكار ويروي فيه أيضا عن محمد بن دريد الأزدي اللغوي عن أبيه عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وهذه النسخة كتبها لنفسه المولى كلب علي بن جواد الكاظمي في 28 من شهر رمضان سنة 1071.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 114
أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه، أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية، اشتهر بكنيته، واسمه عبد مناف على المشهور. وقيل عمران. وقال الحاكم: أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته.
ولد قبل النبي بخمس وثلاثين سنة. ولما مات عبد المطلب أوصى بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب، فكفله وأحسن تربيته، وسافر به صحبته إلى الشام، وهو شاب، ولما بعث قام في نصرته وذب عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح منها قوله لما استسقى أهل مكة فسقوا:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه | ثمال اليتامى عصمة للأرامل |
وشق له من اسمه ليجله | فذو العرش محمود وهذا محمد |
ودعوتني وعلمت أنك صادق | ولقد صدقت فكنت قبل أمينا |
ولقد علمت بأن دين محمد | من خير أديان البرية دينا |
وأنتم بنو بنته دوننا | ونحن بنو عمه المسلم |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 7- ص: 196