الغريض عبد الملك، مولى العبلات، من مولدي البربر: من اشهر المغنين في صدر الاسلام، ومن احذقهم في صناعة الغناء. سكن مكة وغنى سكينة بنت الحسين. وكان يضرب بالعود، وينقر بالدف، ويوقع بالقضيب. كنيته ابو يزيد او ابو مروان. ولقب (الغريض) لجماله ونضارة وجهه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 156

الغريض المغني عبد الملك. أبو يزيد؛ هو الغريض أحد رؤساء المغنين. كان شجي الغناء حسنه. وحيد المعنى غريبه، أكثر الناس تعريضا في غنائه بما في نفسه، وكان مخنثا وضيء الوجه، فائق الجمال، غض البدن، أسود الوفرة، حسنها، ينعم نفسه ويصنعها كما تتصنع العروس. أتاه يوما صديق له من أهل مكة يسأله حاجة ليمشي معه إلى رجل فقال له: وعيشك إني لا أحب ما يسرك ولولا أني أخاف أن تراني عدوتي لسعيت معك ولكن والله ما وقعت عينها علي منذ سنة، وأكره أن تراني اليوم! فقال الرجل: ومن عدوتك يا أبا يزيد جعلت فدائك؟! قال: الشمس وحياتك ما ظهرت لها من حول ولا رأتني! فقال له الرجل: لا بد لك من أن تقضي حاجتي أو تعوضني مكانها! قال: قل بأبي أنت! قال: تغنيني صوتا يشبه وجهك! قال: نعم وكرامة! وهو أهون علي من غيره!
قالت له مولاته الثريا: يا بني! لو قعدت في السوق واحترقت كان خيرا لك! قال: أجل! قالت: فأي صنعة أحب إليك؟ قال: بيع الفاكهة! فأعطته دراهم واتخذ حانوتا وملأها من أصناف الفواكه وجعل يبيع ويشتري، وجعل غلمان من أهل مكة يأتونه ويتحدثون عنده، ولا يزال يطرح لهم شيئا من تجارته ويحلف عليهم أن يأكلوه، فلم يلبث أن أتلف رأس ماله! فقال له مولاته بعد أيام: كم ربحت إلى هذه الغاية؟ قال: لا وعيشك يا أمي ما لي ربح! قالت: ذهب الربح ورأس المال، وأفضيت إلى بيع ثيابك! فقال: يا سيدتي! لو غشيت الكلاب في منازلها لم يكن بد من أن تتمرى! فقالت: عطلتك من خدمتي رجاء أن يصنع الله لك، فإذا كان الأمر كذا، فعد إلى خدمتي! فلزم البيت. وكانت الثريا مألفا لابن سريج يأكل عندها ويشرب ويتحدث إليها، ويأنس بها، فنظر يوما إلى الغريض فأعجبه حسنه وظرفه وتخضع كلامه، فقال للثريا: هل لك أن تخليني وإياه أعلمه لك الغناء فلا يفوته مال أبدا أو جاه في الناس؟ فقالت: دونكه! فذهب به إلى منزله فجعل لا يعلمه شيئا إلا لقنه! وجعل إخوان ابن سريج، ومن كان يغشاه لا يراه أحد منهم إلا أعجبه فحسده ابن سريج وخاف أن يبرز عليه فطرده، فأتى مولاته وشكى ذلك إليها، فقالت له: هل لك أن تنوح ونحن نقول لك الشعر فتبكي به؟ فإنك تستغني عن الغناء؟! فقال: وكيف لي بذلك؟ فقلن له شعرا فناح به فظهر اسمه، وعرف، وكان يدخل المآتم فتضرب دونه الحجب والكلل، وناح مع النسوة ليلة في ذي طوى، فلما هدأت العيون جاءه من كلمه وقال: لا تنح فقد فتنت نساءنا، فترك النوح ومال إلى الغناء فتسامع الناس به وفتنهم وجعل لا يلصق إلا بالأشراف وذوي المروءات فتقدم ونبل وصار لا يغني ابن سريج صوتا إلا غناه أو غير صنعته وادعاه. وما زال أهل مكة لا يفضلون ابن سريج عليه إلا بالسبق، ولذلك قالت سكينة حين سمعتهما: أنتما كالجديين الحار والبارد لا يدرى أيهما أطيب. وسمي الغريض لأن ابن سريج سمعه وهو يتغنى على سطح فقال: إن هذا لصوت غريض.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 19- ص: 0