ابن المقفع عبد الله بن المقفع: من ائمة الكتاب، واول من عني في الاسلام بترجمة كتب المنطق. اصله من الفرس. ولد في العراق مجوسيا (مزدكيا) واسلم على يد عيسى ابن علي (عم السفاح) وولي كتابة الديوان للمنصور العباسي. وترجم له (كتب ارسطو طاليس) الثلاثة، في المنطق، وكتاب (المدخل إلى علم المنطق) المعروف بايساغوجي. وترجم عن الفارسية كتاب (كليلة ودمنة - ط) وهو اشهر كتبه. وأنشأ رسائل غاية في الابداع، منها (الادب الصغير - ط) و (الادب الكبير - ط) و (اليتيمة) واتهم بالزندقة، فقتله في البصرة اميرها سفيان بن معاوية المهلبي. قال الخليل بن احمد: ما رأيت مثله، وعلمه اكثر من عقله. وللاستاذ محمد سليم الجندي (عبد الله ابن المقفع - ط) ومثله لعمر فروخ. ولعبد اللطيف حمزة (ابن المقفع - ط) ومثله لخليل مردم بك.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 140

البليغ المشهور عبد الله بن المقفع - بضم وفتح القاف وكسر الفاء المشددة وفتحها معا والفتح أشهر - أصله من خراسان. قتل سنة سبع وثلاثين ومائة. كان أديبا فاضلا شاعرا بارعا في الفصاحة والبلاغة متحققا بنحو ولغة، وكان يكتب لعيسى بن علي بن عبد الله بن العباس عم المنصور. قيل له: لم لا تقول الشعر؟ قال: ما يأتي جيده وآبى رديئه. وهو القائل:

وهو القائل أيضا:
قال نصر بن حبيب المهلبي: أخذت قوما من الزنادقة فوجدت في كتبهم: إلى هذا ما انتهى قول ابن المقفع. وقال الجهشياري: كان ابن المقفع من أهل خوز من أرض فارس، وكان سريا سخيا كاتبا فصيحا لبيبا يطعم الطعام ويصل كل من احتاج إليه، وكان يكتب لداود بن يزيد بن هبيرة على كرمان، وأفاد معه مالا، وكان يجري على جماعة من أهل الكوفة ما بين الخمسمائة إلى الألفين، وكانت بينه وبين عمارة بن حمزة مودة فلما أنكر المنصور على عمارة بن حمزة شيئا، ونقله إلى الكوفة كان ابن المقفع يأتيه ويزوره، فبينا هو عنده ذات يوم إذ ورد على عمارة كتاب وكيله بالبصرة يعلمه فيه أن ضيعته مجاورة لضيعة تباع بثلاثين ألف درهم، وأن ضيعته لا تصلح إلا بهذه الضيعة وإن لم تشتر هذه الضيعة فيبيع ضيعته. فلما قرأه قال: ما أعجب أمر هذا الوكيل يشير علينا بمشترى ضيعة في وقت إضاقتنا وإملاقنا ونحن إلى البيع أحوج! فسمع ابن المقفع الكلام وكتب في منزله سفتجة إلى الوكيل بثلاثين ألف درهم، وكتب إليه على لسان عمارة بمشترى الضيعة وأن يقيم مكانه وينفذ إليه الكتاب بالابتياع، فلم يشعر عمارة بعد أيام إلا وكتاب وكيله قد ورد عليه قرين الكتاب بمشترى الضيعة، فتعجب عمارة من وقوع ذلك فقيل له: إن ابن المقفع فعل ذلك. فلما صار إليه بعد أيام وتحدثا قال له عمارة: بعثت الى الوكيل بثلاثين ألف درهم، وكنا إليها ههنا أحوج! فلما توجه من عنده بعث إليه بثلاثين ألف درهم أخرى. ولما هرب عبد الله بن علي بن العباس من أبي مسلم الخراساني قصد أخويه سليمان وعيسى ابني علي، وهما بالبصرة فكاتبا المنصور أن يؤمنه، وأنفذ سليمان كاتبه عمر ابن أبي حليمة في ذلك، فاستقر الأمر في إعطائه الأمان، وأنفذ المنصور سفيان ابن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة وأمره بضبطهم والتضييق عليهم حتى يحضروا عبد الله بن علي إلى حضرته، وكان ابن المقفع يكتب لعيسى بن علي، فأمره عيسى بن علي بعمل نسخة الأيمان لعبد الله وأكدها واحترس من كل تأويل يجوز أن يقع عليه فيها، وترددت بين أبي جعفر المنصور وبينهم في النسخة كتب ورسائل إلى أن استقرت على ما أراد من الاحتياط، ولم يقع للمنصور فيها حيلة لفرط احتيال ابن المقفع، وكان الذي زاده فيها مما شق على المنصور أن قال، يوقع بخطه في سفل الأمان: فإن أنا نلت عبد الله بن علي، أو أحدا ممن آمنته معه بصغيرة من المكروه أو كبيرة، أو أوصلت إلى أحد منهم ضررا سرا أو علانية على الوجوه والأسباب كلها تصريحا أو كناية أو بحيلة من الحيل. فأنا نفي من محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ومولود لغير رشدة، وقد حل لجميع أمة محمد خلعي وحربي والبراءة مني، ولا بيعة لي في رقاب المسلمين، ولا عهد ولا ذمة، وقد وجب لهم الخروج من طاعتي، وإعانة من ناوأني من جميع الخلق، ولا موالاة بيني وبين أحد من المسلمين، وأنا متبر من الحول والقوة، مدع - إن كان - أنه كافر بجميع الأديان ألقى ربي على غير دين ولا شريعة، محرم المأكل والمشرب والمنكح والملبس والمركب والرق والملك على سائر الوجوه والأسباب كلها، ويعطي ولايتي سواه، ولا يقبل الله مني إلا إياه والوفاء به. فقال المنصور: إذا وقعت عيني عليه، فهذا الأمان له صحيح لأني لا آمن إن أعطه إياه قبل رؤيتي له أن يسير في البلاد، ويسعى علي بالفساد! وتهيأت له الحيلة من هذه الجهة، وقال: من كتب له هذا الأمان؟ فقيل: ابن المقفع، كاتب عيسى بن علي. فقال المنصور: فما أحد يكفنيه؟! وكان سفيان بن معاوية أمير البصرة من قبل المنصور يضطغن على ابن المقفع أشياء كثيرة، منها أنه كان يهزأ به، ويسأله عن الشيء بعد الشيء، فإذا أجابه قال: أخطأت! ويضحك منه. فلما كثر ذلك على سفيان غضب وافترى عليه، فقال له ابن المقفع: يا ابن المغتلمة والله ما اكتفت أمك برجال العراق حتى تعدتهم إلى الشام! فلما قال المنصور ذلك الكلام كتب أبو الخصيب إلى سفيان بذلك فعمل على قتله، فقال يوما علي بن عيسى لابن المقفع: صر إلى سفيان فقل له كذا وكذا فقال: وجه معي إبراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي فإني لا آمن سفيان، فتوجها إليه فأذن لإبراهيم بن جبلة قبله فدخل ثم خرج الإذن لابن المقفع، فلما دخل عدل به إلى مقصورة فيها غلامان فأوثقاه كتافا، فقال إبراهيم لسفيان: ايذن لابن المقفع! فقال للآذن: ايذن له! فخرج ثم رجع فقال له إنه انصرف، فقال سفيان لإبراهيم: هو أعظم كبرا من أن يقيم وقد أذنت لك قبله وما أشك في أنه غضب. ثم قام سفيان وقال لإبراهيم: لا تبرح! ودخل المقصورة التي فيها ابن المقفع، فقال له وقد وقعت عينه عليه: أنشدك الله! فقال: أمي مغتلمة كما قلت، إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد! وأمر بتنور فسجر ثم أمرهما فقطعا منه عضوا عضوا ويلقى في التنور وهو يرى إلى أن قطع أعضاءه ثم أحرقه وهو يقول: والله يا ابن الزنديقة لأحرقنك بنار الدنيا قبل نار الآخرة! فلما فرغ منه رجع لإبراهيم فحدثه ساعة، ثم خرج إبراهيم فقال له غلام ابن المقفع: ما فعل مولاي؟ فقال: ما رأيته! فقال: دخل بعدك إلى سفيان، فرام الرجوع إلى سفيان فحجب عنه، فانصرف غلام ابن المقفع وهو يقول: سفيان قتل مولاي! فدخلا على عيسى ابن علي فقال: ما هذا؟ فخبره الخبر، فقال عيسى: إرجع إلى سفيان وقل له: خل سبيل ابن المقفع ما لم تكن قتلته وإن كنت قتلته فوالله لأطالبنك بدمه، ولا أدع جهدا. فعاد إليه وقال له ذلك، فقال: ما رأيته! وسعى سفيان مع أبي أيوب المورياني إلى المنصور وطلب سفيان إلى المنصور وجرت أمور وذهب ابن المقفع. وقيل إن سفيان لما أراد قتل ابن المقفع قال له: والله إنك لتقتلني فيقتل بقتلي ألف نفس ولو قتلوا مثلك مائة ما وفوا بواحد، ثم قال:
وقال أبو الغول الأسدي قصيدة طويلة يعير فيها علي بن عيسى ابن علي منها:
ومن تصانيفه: كتاب مزدك، كتاب كليلة ودمنة صنعه وعزاه إلى الهند، كتاب التاج في سيرة أنوشروان، كتاب الأدب الكبير، كتاب الأدب الصغير، كتاب جوامع كليلة ودمنة، كتاب رسالته في الصحابة، كتاب خداي نامه في السير، كتاب آئين نامه، كتاب الدرة اليتيمة.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

عبد الله بن المقفع أحد البلغاء والفصحاء، ورأس الكتاب، وأولي الإنشاء، من نظراء عبد الحميد الكاتب وكان من مجوس فارس فأسلم على يد الأمير عيسى عم السفاح وكتب له واختص به قال الهيثم بن عدي: قال له: أريد أن أسلم على يدك بمحضر الأعيان، ثم قعد يأكل ويزمزم بالمجوسية فقال: ما هذا قال: أكره أن أبيت على غير دين، وكان ابن المقفع يتهم بالزندقة وهو الذي عرب كليلة ودمنة.
وروي عن المهدي، قال: ما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع.
وغضب المنصور منه، لأنه كتب في توثق عبد الله بن علي من المنصور يقول: ومتى غدر بعمه، فنساؤه طوالق، وعبيده أحرار، ودوابه حبس والناس في حل من بيعته فكتب إلى عامله سفيان المهلبي يأمره بقتل ابن المقفع.
وكان ابن المقفع مع سعة فضله، وفرط ذكائه فيه طيش فكان يقول، عن سفيان المهلبي: ابن المغتلمة فأمر له بتنور فسجر ثم قطع أربعته ورماها في التنور وهو ينظر وعاش ستا وثلاثين سنة وأهلك في سنة خمس وأربعين ومائة وقيل: بعد الأربعين واسم أبيه ذادويه قد ولي خراج فارس للحجاج فخان فعذبه الحجاج فتقفعت يده وقيل: بل كان يعمل قفاع الخوص، وهي كالقفة.
قيل لابن المقفع: من أدبك؟ قال: نفسي إذا رأيت من أحد حسنا أتيته وإن رأيت قبيحا أبيته.
وقيل: اجتمع بالخليل فلما تفرقا، قيل: للخليل كيف رأيته؟ قال: علمه أكثر من عقله. وسئل هو: كيف رأيت الخليل؟ قال: عقله أكثر من علمه. وقيل: إن والي البصرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب قال يوما: ما ندمت على سكوت قط فقال ابن المقفع فالخرس زين لك. وقال له مرة: ما تقول في رجل مات، عن زوج وزوجة فأحنقه.
قال الأصمعي: صنف ابن المقفع ’’الدرة اليتيمة’’ التي ما صنف مثلها ومن قوله: شربت من الخطب ريا، ولم أضبط لها رويا فغاضت ثم فاضت فلا هي هي نظاما ولا هي غيرها كلاما.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 6- ص: 332