الكينعي إبراهيم بن أحمد بن علي الكينعي: فرضي فقيه، من نساك الزيدية باليمن. بيته من خلاصة العرب في تلك الديار، على بريد من (ذمار) انتقل مع ابيه إلى قرية (معبر) وكانت من مهاجر الصالحين، ثم إلى صنعاء. وتوفي بصعدة. اشتهر بالزهد شهرة طبقت الآفاق، وله كلام فيه. وكان يتكسب بالتجارة، وكرر السفر إلى مكة. واعتزل النا انقطاعا للعبادة. وله نظم. وعقد له صاحب العقيق اليماني ترجمة في 16 صفحة. وترجمه احد معاصريه في مجلد ضخم.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 1- ص: 29

إبراهيم بن أحمد بن علي بن أحمد الكينعي
بل الله بوابل الرحمة ثراه ولم أقف على تاريخ مولده بعد البحث عنه وبنو الكينعي عرب لهم رياسة وكانوا يسكنون قرية من قرى اليمن بينها وبين ذمار مقدار بريد وبها مولده وانتقل به أبوه إلى قرية معبر وكان قريع أوانه وفريد زمانه في الإقبال على الله والاشتغال بالعبادة والمعاملة الربانية وبيته معمور بالعلم والزهد والصلاح وقد ترجمه بعض معاصريه بمجلد ضخم وقفت عليه في أيام متقدمة وأطنب في ذكره جميع من له اشتغال بهذا العلم منذ عصره إلى الآن فمنهم السيد العلامة الهادي بن إبراهيم الوزير والسيد العلامة يحيى بن المهدي بن قاسم بن المطهر وغيرهما
وكان أحسن الناس وجها وأتمهم خلقة وقد غشيه نور الإيمان وسيماء الصالحين وإذا خرج نهارا ازدحم الناس على تقبيل يده والتبرك برؤية وجهه وهو يكره ذلك وينفر عنه يغضب إذا مدح ويستبشر إذا نصح ارتحل بعد موت والده وهو في سن البلوغ إلى صنعاء ولازم ولي الله الزاهد العابد حاتم بن منصور الحملاني فقرأ عليه في الفقه وقرأ في الفرائض على الشيخ الخضر بن سليمان الهرش وفي الجبر والمقابلة وفاق في جميع ذلك حتى أقر له أقرانه وقال عن نفسه أنه يقتدر على تقدير ما في البركة الكبيرة من الماء بالأرطال وكان يتكسب بالتجارة مع قنوع وعفاف واشتغال بأنواع العبادة فجمع مالاً حلالاً عاد به على أهله وإخوانه ومن يقصده وكرر السفر إلى مكة المشرفة وهو يزداد في أوصاف الخير على اختلاف أنواعها حتى خالط الخوف قلبه وشغل بوظائف العبادة قالبه واستوحش من كل معارفه ومال إلى الانعزال عن الناس وانجمع عن المخالطة لهم وعكف على معالجة قلبه عن مرض حب الدنيا ولزم المحاسبة لنفسه عن كل جليل ودقيق وصام الأبد إلا العيدين والتشريق وأحيا ليله بالقيام لمناجاة ربه وتناقل الناس عنه كلمات نافعة هي الدواء المجرب لإصلاح القلوب القاسية كقوله ليس الزاهد من يملك شيئا إنما الزاهد من لا يملك شيئا وكقوله لبعض إخوانه يا أخي جدد السفينة فإن البحر عميق وأكثر الزاد فإن الطريق بعيد وأخلص العمل فان الناقد بصير بصير وكقوله بالفقر والافتقار والذل والانكسار تحيي قلوب العارفين ومن شعره الذي تحيي به القلوب قوله:

ومنها
وكان مجاب الدعوة في كل ما يتوجه له وله في ذلك حكايات وروايات وكان إذا دعي إلى طعام ليس من الحلال الخالص يبست يده ولم يقدر على مدها إليه وقد رآه بعض الصالحين بعد موته وهو في مكان أرفع من مكان إبراهيم بن أدهم فقال سبحان الله منزلة إبراهيم الكينعي أرفع من منزلة إبراهيم بن أدهم فسمع قائلا يقول لولا أن منازل الأنبياء لا يحل بها غيرهم لكان بها إبراهيم الكينعي وجاور في آخر عمره ثلاث سنين بالبيت الحرام فوصل إلى جازان وكان قد انقطع عنهم المطر مدة طويلة فسألوه أن يدعو لهم بالمطر فدعا لهم فحصل من المطر ما عم نفعه وبركته جميع تلك البلدان ثم وصل إلى صعده وكان بها موته رحمه الله في صبح نهار الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول سنة 793 ثلاث وتسعين وسبعمائة ووهم الصفدي في كتابه الوافي بوفيات الأعيان فقال إنه توفي في سنة 784 أربع وثمانين وسبعمائة والصحيح ما ذكرناه وقبر برأس الميدان غربي مدينة صعدة وعمر عليه مشهد وهو مشهور يزأر في تلك الديار وقد رثاه جماعة من الشعراء منهم السيد العلامة الهادي إبراهيم بقصيدة طنانة مطلعها
والإحاطة ببعض البعض من مناقب هذا الإمام تقصر عنها ألسن الأقلام فمن رام الوقوف على ما يكون له من أعظم العبر فلينظر في سيرته التي قدمت الإشارة إليها وقد بسط فيها الكلام على أحواله ووظايف عباداته

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 4