ابن الياسمين عبد الله بن محمد بن حجاج، ابو محمد المعروف بابن الياسمين: عالم بالحساب، من الكتاب. كان من رجال السلطان بالمغرب. بربري الاصل، من أهل مراكش. توفى بها ذبيحا في منزله. له ارجوزة في (الجبر والمقابلة - خ) مع شرح عليها لسبط المارديني، و (ارجوزة في اعمال الجذور - خ).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 124

ابن الياسمين
الجليس المتفنن الكاتب أبو محمد بن الياسمين عبد الله بن حجاج الإشبيلي. نسب إلى أمه، وكانت سوداء، وكان هو أيضاً أسود.
تخرج بإشبيلية في فنون العلم. وكان أول تعلقه بالفقه والتوثيق، حتى صار من أعلام العارفين بالوثيقة، ثم اشتغل بالنظم والنثر وفنون الآداب، فصار من أعلام الأدباء والكتاب.
ومن حكاياته أنه جاء بإشبيلية إلى شيخ طيب، فشكا له تلهب معدته، وأنه لا يشبعه شيء. فقال، وقد لمح بوارق السعادة: لابد لك من أن تشتكي لي بسوء هضم معدتك، نعم وبثانية، نعم وبثالثة.
فمضت الأيام وطلع إلى مراكش، وبلغ المبلغ العظيم من مجالسة المنصور ومسايرته له إذا ركب في أسفاره، لافتتانه بحديثه وما يجد عنده مما لا يجده عند غيره0فاتفق أن طلع ذلك الطيب إلى مراكش فاجتمع به، فقال له: يا حكيم، صدقت فيما أنذرتني به من سوء الهضم مما تراه.
فدله على ما يصنع. ثم مضت الأيام فشكا له بالنقرس وقال: أظن هذه الثانية؟ قال: نعم. ثم أقام مدة، ووقع اجتماعه به، فقال له: يا حكيم، صدقت في اثنتين فأين الثالثة؟ فقال: يا فقيه، بلغتني على ألسن الناس، ولو كانت علة لشكوت بها. فضحك أبو محمد. وكان كثير الإجمال والمطايبة والمرح، وأحسن للطيب. وكان قبل ذلك لم يفض عليه في دنياه بشيء. وإنما أشار الطبيب إلى الخلة التي اشتهرت عن ابن الياسمين. والله أعلم بالسرائر.
وذكر ابن عمر في تاريخه أن وفاته كانت في سنة إحدى وستمائة. ولم يوقف له على الحقيقة. وقد وجد مذبوحا في غرفة على باب داره. ومما تلقيته من جماعة من طلبة مراكش أنه وجد في تلك الغرفة على وجهه ووتد في دبره. وكذلك وجد الفتح صاحب القلائد، في تلك الجهة بعينها، ما بين دار ابن الياسمين والفندق الذي ذبح فيه ابن الياسمين، إلا مسافة يسيرة.
وحكى أبو عمران الطرياني قال: كنت في اليوم الذي أصبح فيه ابن الياسمين مذبوحا عند الكاتب أبي الحسن بن عياش، فبينا أنا ألاعبه بالشطرنج إذ دخلت إليه أمه له وألقيت إليه براءةً عرفته أن امرأة دفعتها إليها، ورغبت منها توصلها إلى سيدها.
فقال هذا وقته! ولم يلتفت إليها. قال: فقلت له: ولعل فيها مالا يجب تأخيره. قال: ولعل. ثم أخذها وقرأها، فإذا بوجهه قد تغير، ثم ضحك ورمى بها إلى وقال: انظر هذا لا يحب تأخيره. فقرأتها، فإذا فيها:

فقلت: ومن ترى قائل هذه الأبيات لعنه الله؟ قال: يا سبحان الله! وهل صاحبها غير الكورائي الذي طبعه الله على ألا يضيع فرصة من فرص الأذاة.
قال أبو عمران: ثم أشتهر بعد ذلك قول الكورائي في تلك القضية معرضا بابن عياش:
فحصل التحقيق بأنه قائل ما تقدم.
قال أبو عمران: فلم يكن ابن الياسمين، على ما كان له من منصب العلم والتقدم عند السلطان، يستتر بحاله، بل يتمازح فيه ولا يضيع بادرةً تقع من أجله. وله في ذلك أشعار كثيرة، منها قوله، وقد عذله بعض أصحابه في تقريب امرئٍ كان كثير الاختصاص به، وقال له: هلا اخترت لخدمتك، والقرب من مناولتك ومشافهتك، أبيض اللون:
قال: وربما كان يصرح في بعض خلواته لمن يأخذ معه في ذلك الشأن، إذا دارت كأس المدام، وارتفع حجاب الحياء عن الكلام، فيقول: ينبغي لأرباب هذه الصناعة ألا يعدلوا عن الأمرد، فانه أطول أيراً، وأكثر سيراً.
ومن أشعاره المتعارفة بهذا الباب قوله في صبي مليح جاء يقرأ عليه، بعدما حام على قربة زمانا، فلم يقدر على ذلك:
قال: وبينما هو في جامع إشبيلية إذ مر به صبي في نهاية الحسن. فأنشده مسمعاً له:
فأظهر النفار من ذلك، فقال: لا تخف، إنك أنت الأعلى. ففطن لمراده. فقال: لست ممن يركب بأجرة ولا سخرة. فلم يحر جواباً. وبقي متعجباً من فطنته ومن مخاطبته، وبحث عنه فإذا هو من بني زهر.
ولما أشتهر قول أبي العباس الكورائي فيه:
حمله ذلك على أن قال:
وله موشحات يغنى بها، وأمداح في المنصور والناصر. وأمثل ما وقع ليدي من ذلك قوله من قصيدة منصورية يذكر فيها قطع المنصور الأشغال بكتب الفروع والاقتصاد على ما ثبت من الأحاديث النبوية:
وقوله من قصيدة ناصرية:
وحضرت يوماً بحضرة تونس عند الوزير أبي العلاء فنظر
زهر نارنج تفتح في أشجاره بين يديه، فقال: هل يحضرك فيه شيء من محفوظاتك على أن يكون مما يهز سامعه؟ فقلت: أما على هذا الشرط فلا. فقال: قل أنت فيه. فقلت: امتثالا لأمركم لا على شطركم. ثم أنشدته:
فأطنب في الاستحسان، وأقام السرور بواحد ثم ثان.
وقال: خرج ابن الياسمين إلى بعض بحار مراكش فنظر إلي مثل هذا المنظر واستحث على وصفه من كان معه من أهل الشعر والأدب. فقال كل واحد منهم على ما أعطاه فكره ووقته. فلم يحفظ من كل ذلك إلا قول ابن الياسمين:
وهذا مما أوردته في كتاب ’’الكنوز’’، إذ إهمال مثله منه لا يجوز. وها أنا أختم ترجمته، بما تعرف به الشعر قيمته.
نقلت من معجم أبي الوليد الشقندي أن أبا الحجاج بن نمرى، عالم فاس، لما استحسنت بالحضرة مذاكرته، أحسن إليه وخلع عليه، وحضر مع ابن الياسمين فاستقبح صورته واستحسن كلامه، فقال فيه:
فلما بلغ ابن الياسمين ذلك قال:
قال الشقندي: هذان الشعران بمنزلة الشعريين، وكلاهما عين في مقابلة عين.
وقد أوردتهما في كتاب ’’كنوز المعاني’’، لأنهما مما ظفرت منه الأماني.

  • دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 1( 1945) , ج: 1- ص: 42