الهروي عبد الله بن محمد بن علي الانصاري الهروي، ابو اسماعيل: شيخ خراسان في عصره. من كبار الحنابلة. من ذرية ابي ايوب الانصاري. كان بارعا في اللغة، حافظا للحديث، عارفا بالتاريخ والانساب. مظهرا للسنة داعيا اليها. امتحن واوذي وسمع يقول: ’’عرضت على السيف خمس مرات، لايقال لي ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي اسكت عمن خالفك، فأقول: لا اسكت!’’ من كتبه (ذم الكلام وأهله - خ) و (الفاروق في الصفات) وكتاب (الأربعين) في التوحيد، و (الأربعين) في السنة، و (منازل السائرين - ط) و (سيرة الإمام أحمد بن حنبل) في مجلد.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 122

الحافظ الهروي عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن مت، شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الحافظ العارف. هو من ولد أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. كان بكر الزمان في فنون الفضائل وأنواع المحاسن. صنف كتاب الفاروق في الصفات، وكتاب ذم الكلام، وكتاب الأربعين حديثا. وله في التصوف كتاب منازل السائرين، وقصيدة في مذهبه، ومناقب أحمد بن حنبل رضي الله عنه. وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

شيخ الإسلام الإمام القدوة، الحافظ الكبير، أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي، مصنف كتاب ’’ذم الكلام’’، وشيخ خراسان من ذرية صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أبي أيوب الأنصاري.
مولده في سنة ست وتسعين وثلاث مائة.
وسمع من: عبد الجبار بن محمد الجراحي ’’جامع’’ أبي عيسى كله أو أكثره، والقاضي أبي منصور محمد بن محمد الأزدي، وأبي الفضل محمد بن أحمد الجارودي الحافظ، وأبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن محمد السرخسي، خاتمة أصحاب محمد بن إسحاق القرشي، وأبي الفوارس أحمد ابن محمد بن أحمد بن الحويص البوشنجي الواعظ، وأبي الطاهر أحمد بن محمد بن حسن الضبي، وأحمد بن محمد بن مالك البزاز -لقي أبا بحر البربهاري- وأبي عاصم محمد بن محمد المزيدي، وأحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني الحافظ، وأبي سعيد محمد بن موسى الصيرفي، وعلي بن محمد بن محمد الطرازي، وأبي نصر منصور بن الحسين بن محمد المفسر، وأحمد بن محمد بن الحسن السليطي، وأبي بكر أحمد بن الحسن الحيري لكنه لم يرو عنه، ومحمد بن جبرائيل بن ماحي، وأبي منصور أحمد بن محمد ابن العالي، وعمر بن إبراهيم الهروي، وعلي بن أبي طالب، ومحمد بن محمد بن يوسف، والحسين بن محمد بن علي، ويحيى بن عمار بن يحيى الواعظ، ومحمد بن عبد الله
بن محمد بن إبراهيم الشيرازي لقيه بنيسابور، وأبي يعقوب القراب الحافظ إسحاق بن إبراهيم بن محمد الهروي، وأحمد بن محمد بن إبراهيم الوراق، وسعيد بن العباس القرشي، وغالب بن علي بن محمد، ومحمد بن المنتصر الباهلي المعدل، وجعفر بن محمد الفريابي الصغير، ومحمد بن علي بن الحسين الباشاني، صاحب أحمد بن محمد بن ياسين، ومنصور بن رامش -قدم علينا في سنة سبع وأربع مائة- وأحمد بن أحمد بن حمدين، والحسين بن إسحاق الصائغ، ومحمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي، وعلي بن بشرى الليثي، ومحمد بن محمد بن يوسف بن يزيد، وأبي صادق إسماعيل بن جعفر، ومحمد بن محمد بن محمود، وعلي بن أحمد بن محمد بن خميرويه، ومحمد بن الفضل بن محمد بن مجاشع، ومحمد بن الفضل الطاقي الزاهد، وعدد كثير، ومن أقدم شيخ له الجراحي، سمع منه في حدود سنة عشر وأربع مائة. وينزل إلى أن يروي عن أبي بكر البيهقي بالإجازة. وقد سمع من أربعة أو أكثر من أصحاب أبي العباس الأصم.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، ومحمد بن طاهر، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعبد الله بن عطاء الإبراهيمي، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وأبو الفتح عبد الملك الكروخي، وحنبل بن علي البخاري، وأبو الفضل محمد بن إسماعيل الفامي، وعبد الجليل بن أبي سعد المعدل، وأبو الوقت عبد الأول السجزي خادمه، وآخرون. وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار. وبقي إلى سنة نيف وسبعين وخمس مائة.
قال السلفي: سألت المؤتمن الساجي عن أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: كان آية في لسان التذكير والتصوف، من سلاطين العلماء، سمع ببغداد من أبي محمد الحسن بن محمد الخلال، وغيره. يروي في مجالس وعظه الأحاديث بالإسناد، وينهى عن تعليقها عنه. قال: وكان بارعا في اللغة، حافظا للحديث، قرأت عليه كتاب ’’ذم الكلام’’، روى فيه حديثا، عن علي ابن بشرى، عن ابن مندة، عن إبراهيم بن مرزوق. فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم، وابن مرزوق هو شيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ.
قلت: نعم: وكذا أسقط رجلين من حديثين خرجهما من ’’جامع الترمذي’’، نبهت عليهما في نسختي، وهي على الخطأ في غير نسخة.
قال المؤتمن: كان يدخل على الأمراء والجبابرة، فما يبالي، ويرى الغريب من المحدثين، فيبالغ في إكرامه، قال لي مرة: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن -يعني طلب الحديث- وسمعته يقول: تركت الحيري لله. قال: وإنما تركه، لأنه سمع منه شيئا يخالف السنة.
قلت: كان يدري الكلام على رأي الأشعري، وكان شيخ الإسلام أثريا قحا، ينال من المتكلمة، فلهذا أعرض عن الحيري، والحيري: فثقة عالم، أكثر عنه البيهقي والناس.
قال الحسين بن علي الكتبي: خرج شيخ الإسلام لجماعة الفوائد بخطه إلى أن ذهب بصره، فكان يأمر فيما يخرجه لمن يكتب، ويصحح هو، وقد تواضع بأن خرج لي فوائد، ولم يبق أحد ممن خرج له سواي.
قال محمد بن طاهر: سمعت أبا إسماعيل الأنصاري يقول: إذا ذكرت التفسير، فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على منبره:

قلت: وقد قال في قصيدته النونية التي أولها:
قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت على الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري، وألتقيه وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية، منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده، فإن رضيه، أذن له في الكلام على الناس، وإلا فمنعه قال: فلما قربت من الري؛ كان معي رجل في الطريق من أهلها، فسألني عن مذهبي، فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به! وهذه بدعة. وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلى الشيخ أبي حاتم. فقلت: خيرة، فذهب بي إلى داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهبا لم أسمع به قط. قال: وما قال؟ فقال: قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبليا، فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي. ولزمته أياما، وانصرفت.
قال شيخ الإسلام في ’’ذم الكلام’’، في أوله عقيب حديث {اليوم أكملت لكم دينكم}
. ونزولها بعرفة: سمعت أحمد بن الحسن بن محمد البزاز الفقيه الحنبلي الرازي في داره بالري يقول: كل ما أحدث بعد نزول هذه الآية فهو فضلة وزيادة وبدعة.
قلت: قد كان أبو حاتم أحمد بن الحسن بن خاموش صاحب سنة واتباع، وفيه يبس وزعارة العجم، وما قاله، فمحل نظر.
ولقد بالغ أبو إسماعيل في ’’ذم الكلام’’ على الاتباع فأجاد، ولكنه لم نفس عجيب لا يشبه نفس أئمة السلف في كتابه ’’منازل السائرين’’، ففيه أشياء مطربة، وفيه أشياء مشكلة، ومن تأمله لاح له ما أشرت إليه، والسنة المحمدية صلفة، ولا ينهض الذوق والوجد إلا على تأسيس الكتاب والسنة. وقد كان هذا الرجال سيفا مسلولا على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظمونه، ويتغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به. كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير، وكان طودا راسيا في السنة لا يتزلزل ولا يلين، لولا ما كدر كتابه ’’الفاروق في الصفات’’ بذكر أحاديث باطلة يجب بيانها وهتكها، والله يغفر له بحسن قصده، وصنف ’’الأربعين’’ في التوحيد، و ’’أربعين’’ في السنة، وقد امتحن مرات، وأوذي، ونفي من بلده.
قال ابن طاهر: سمعته يقول: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك. لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك. فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا.
قال الحافظ أبو النضر الفامي: كان شيخ الإسلام أبو إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مرارا، وعمدوا إلى إهلاكه أطوارا، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سبب لارتفاع شأنه.
قلت: قد انتفع به خلق، وجهل آخرون، فإن طائفة من صوفة الفلسفة والاتحاد يخضعون لكلامه في منازل السائرين، وينتحلونه، ويزعمون أنه موافقهم. كلا، بل هو رجل أثري، لهج بإثبات نصوص الصفات، منافر للكلام وأهله جدا، وفي منازله إشارات إلى المحو والفناء، وإنما مراده بذلك الفناء هو الغيبة عن شهود السوى، ولم يرد محو السوى في الخارج، ويا ليته لا صنف ذلك، فما أحلى تصوف الصحابة والتابعين! ما خاضوا في هذه الخطرات والوساوس، بل عبدوا الله، وذلوا له وتوكلوا عليه، وهم من خشيته مشفقون،
ولأعدائه مجاهدون، وفي الطاعة مسارعون، وعن اللغو معرضون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقد جمع هذا سيرة للإمام أحمد في مجلد، سمعناها من أبي حفص بن القواس بإجازته من الكندي، أخبرنا الكروخي، أخبرنا المؤلف.
قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الحنفية وأئمة الشافعية للشكوى من الأنصاري، ومطالبته، بالمناظرة، فاستدعاه الوزير، فلما حضر، قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك؛ رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم؛ رجعت أو تسكت عنهم. فوثب الأنصاري، وقال: أناظر على ما في كمي. قال: وما في كمك؟ قال: كتاب الله. -وأشار إلى كمه اليمين- وسنة رسول الله -وأشار إلى كمه اليسار- وكان فيه ’’الصحيحان’’. فنظر الوزير إليهم مستفهما لهم، فلم يكن فيهم من ناظره من هذا الطريق.
وسمعت خادمه أحمد بن أميرجه يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه إلى وطنه من بلخ -يعني أنه كان قد غرب- قال: فلما دخل عليه؛ أكرمه وبجله، وكان هناك أئمة من الفريقين، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل؟ قال: سل. قال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فسكت الشيخ، وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعة؛ قال الوزير: أجبه. فقال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن من لم يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم اليوم ليس بنبي. ثم قام وانصرف، فلم يمكن أحدا أن يتكلم من هيبته، فقال الوزير للسائل: هذا أردتم! أن نسمع ما يذكره بهراة بآذاننا، وما عسى أن أفعل به؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع، فلم يقبلها، وسافر من فوره إلى هراة.
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب آرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج، ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنما من نحاس صغيرا، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا، وقام الشيخ إلى خلوته، ودخلوا على السلطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسم، وأنه يترك في محرابه صنما يزعم أن الله تعالى على صورته، وإن
بعث السلطان الآن يجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلاما وجماعة، فدخلوا، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، فألقى الغلام الصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، وقد اشتد غضب السلطان، فقال له السلطان: ما هذا؟ قال: صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن ذا أسألك. قال: فعم يسألني السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته. فقال شيخ الإسلام بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به، فأخرج إلى داره مكرما، وقال لهم: اصدقوني. وهددهم فقالوا: نحن في يد هذا في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شره عنا. فأمر بهم، ووكل بهم، وصادرهم، وأخذ منهم وأهانهم.
قال أبو الوقت السجزي: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: -رضي الله عنه-.
قلت: اسمع إلى عقل هذا الإمام، ودع سب الطغام، إن هم إلا كالأنعام.
قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: كتاب أبي عيسى الترمذي عندي أفيد من كتاب البخاري ومسلم. قلت: ولم؟ قال: لأنهما لا يصل إلى الفائدة منهما إلا من يكون من أهل المعرفة التامة، وهذا كتاب قد شرح أحاديثه، وبينها، فيصل إلى فائدته كل فقيه وكل محدث.
قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان أبو إسماعيل الأنصاري على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب، إماما كاملا في التفسير، حسن السيرة في التصوف، غير مشتغل بكسب، مكتفيا بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدنانير وأعداد من الثياب والحلي، فيأخذها، ويفرقها على اللحام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلطان ولا من أركان الدولة شيئا، وقل ما يراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزا مقبولا قبولا أتم من الملك، مطاع الأمر نحوا من ستين سنة من غير مزاحمة، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازا للدين، ورغما لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزي وتجملي، فيرغبوا في الإسلام. ثم إذا انصرف إلى بيته؛ عاد إلى المرقعة
والقعود مع الصوفية في الخانقاه يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر، وتسمية الأولاد غالبا بعبد المضاف إلى أسماء الله تعالى.
قال أبو سعد السمعاني: كان أبو إسماعيل مظهرا للسنة، داعيا إليها، محرضا عليها، وكان مكتفيا بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئا، وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة، معتقدا ما صح، غير مصرح بما يقتضيه تشبيه، وقال مرة: من لم ير مجلسي وتذكيري، وطعن في، فهو مني في حل.
قلت: غالب ما رواه في كتاب ’’الفاروق’’ صحاح وحسان، وفيه باب إثبات استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائنا من خلقه من الكتاب والسنة، فساق دلائل ذلك من الآيات والأحاديث...، إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان.
قيل: إن شيخ الإسلام عقد على تفسير قوله: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى}، ثلاث مائة وستين مجلسا.
قال أبو النضر الفامي: توفي شيخ الإسلام في ذي الحجة، سنة إحدى وثمانين وأربع مائة، عن أربع وثمانين سنة وأشهر.
وفيها مات: مسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن ابن ماجه الأبهري، ومسند نيسابور أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي المزكي، وراوي ’’جامع الترمذي’’ أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي.
أخبرنا علي بن أحمد الحسيني، أخبرنا علي بن أبي بكر بن روزبه ببغداد، وكتب إلي غير واحد، منهم إبراهيم بن علي قال: أخبرنا محمد بن أبي الفتح، وزكريا العلبي، وابن صيلا قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل عبد الله بن محمد، حدثني أحمد بن محمد بن منصور بن الحسين وقال: هو أعلى حديث عندي، حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن كثير بن ديسم أبو سعيد بهراة، حدثنا أحمد بن المقدام، حدثنا الفضل بن دكين، حدثنا سلمة بن وردان ح، وأخبرنا الحسن بن علي، ومحمد بن قايماز الدقيقي، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر بن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو إسماعيل، أخبرنا عبد الجبار بن الجراح، حدثنا محمد بن أحمد بن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا ابن أبي فديك، أخبرني سلمة بن وردان الليثي، عن أنس بن
مالك: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ’’من ترك الكذب وهو باطل، بني له في رياض الجنة، ومن ترك المراء وهو محق، بني له في وسطها، ومن حسن خلقه، بني له في أعلاها’’.
سلمة سيء الحفظ، وقد روى عنه: ابن المبارك والقعنبي، مات سنة ست وخمسين ومائة، ومن مناكيره ما رواه سريج بن يونس، حدثنا ابن أبي فديك، عن سلمة، عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: ’’هل تزوجت’’؟ قال: ليس عندي ما أتزوج. قال: أليس معك {قل هو الله أحد} ؟ قال: بلى. قال: ’’ربع القرآن، أليس معك {قل يا أيها} ؟ ’’ قال: بلى. قال: ’’ربع القرآن، أليس [معك] إذا زلزلت؟’’ قال: بلى. قال: ’’ربع القرآن، تزوج تزوج’’.
قال أبو حاتم البستي: خرج عن حد الاحتجاج به.
أخبرنا أبو الحسن الغرافي، أخبرنا ابن أبي روزبه، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد الأنصاري، أخبرنا شعيب بن محمد، أخبرنا حامد الرفاء، أخبرنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة غنما.
أخرجه البخاري، عن أبي نعيم، وهو من نمط الثلاثيات.
قرأت على أبي الحسين علي بن محمد الفقيه، ومحمد بن قايماز، وجماعة قالوا: أخبرنا عبد الله بن عمر، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو إسماعيل الأنصاري، أخبرنا عبد الجبار، أخبرنا ابن محبوب، حدثنا أبو عيسى الترمذي، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو
عامر -هو الخزاز- عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {هو الذي أنزل عليك الكتاب}. فقال: ’’إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه، أولئك الذين سمى الله فاحذروهم’’.
وبه: قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يزيد بن إبراهيم، عن ابن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذه الآية: {فأما الذين في قلوبهم زيغ}. قال: ’’هم الذين سمى الله فاحذروهم’’. هذا أو قريب منه.
فهذان الحديثان اللذان أسقط منهما أبو إسماعيل رجلا رجلا، فالأول: سقط فوق ابن بشار أبو داود الطيالسي، والثاني: سقط منه رجل وهو أبو الوليد الطيالسي، عن يزيد.
وأخرجه أبو داود عاليا، عن القعنبي عن يزيد، به.
أخبرنا الحسن بن علي، أخبرنا ابن اللتي، أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا عمر بن إبراهيم إملاء، حدثنا عبد الله بن محمد الحياني، سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم، سمعت الربيع بن سليمان، سمعت الشافعي يقول: قراءة الحديث خير من صلاة التطوع.
إسناده صحيح عن الشافعي، ولفظه غريب، والمحفوظ: طلب العلم.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 14- ص: 36

عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي. الحافظ العارف، من ولد أبي أيوب الأنصاري رضي الله.
قال عبد الغافر: كان إماما كاملا في التفسير، حسن السيرة في التصوف، على حظ تام من معرفة العربية، والحديث، والتواريخ، والأنساب، قائما بنصر السنة والدين، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا غيره، وقد تعرضوا بسبب ذلك إلى إهلاكه مرارا، فكفاه الله شرهم.
قال ابن طاهر: سمعته يقول بهراة: عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، ولكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت. وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سردا.
سمع من عبد الجبار الجراحي، وأبي الفضل الجارودي، ويحيى بن عمار السجزي المفسر، وأبي ذر الهروي، وخلائق.
وتخرج به خلق، وفسر القرآن زمانا، وكان يقول: إذا ذكرت التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير.
وله تصانيف منها «ذم الكلام» وكتاب «منازل السائرين» في التصوف، و «كتاب الفاروق» في الصفات، و «الأربعين» وغير ذلك.
وكان آية في التذكير والوعظ.
روى عنه أبو الوقت عبد الأول، وخلائق، آخرهم بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار.
ومولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة، ومات في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة، عن أربع وثمانين.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 0( 0000) , ج: 1- ص: 255

عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الحافظ العارف من ولد أبي أيوب الأنصاري
قال عبد الغافر كان إماما كاملا ومؤلفا في التفسير حسن السيرة في التصوف على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب قائما بنصر السنة والدين من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا غيره وقد تعرضوا بسبب ذلك إلى إهلاكه مرارا فكفاه الله شرهم
سمع من عبد الجبار الجراحي وأبي الفضل
الجارودي ويحيى بن عمار النحوي المفسر وأبي ذر الهروي وخلائق وتخرج به خلق وفسر القرآن زمانا وكان يقول إذا ذكرت التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير
وله تصانيف منها ذم الكلام وكتاب منازل السائرين في التصوف وكتاب الفاروق في الصفات وغير ذلك
وكان آية في التذكير والوعظ وروى عنه أبو الوقت عبد الأول وخلائق آخرهم بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار
مولده سنة ست وسبعين وثلاثمائة وكانت وفاته في شهر ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 137

الحافظ أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الحنبلي.
صاحب كتاب: منازل السائرين. م سنة 481 هـ رحمه الله تعالى.
كان بارعاً في اللغة، حافظاً للحديث، عارفاً بالتاريخ والأنساب.

  • دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 103

شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد أبو إسماعيل عبد الله بن محمد ابن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت الأنصاري الهروي
من ذرية أبي أيوب الأنصاري
ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة
وسمع أبا الفضل الجارودي وخلقاً وصنف ذم الكلام ومنازل السائرين والأربعين
وكان إمامًا متقنا قائما بنصر السنة ورد المبتدعة قال ابن طاهر وسمعته يقول بهراة عرضت على السيف خمس مرات لا يقال لي ارجع عن مذهبك ولكن يقال لي اسكت عمن خالفك فأقول لا أسكت وسمعته يقول أحفظ اثني عشر ألف حديث أسردها سرداً
وقال غيره كان حافظًا للحديث بارعاً في اللغة آية في التصوف والوعظ
آخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار
مات في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة عن أربع وثمانين سنة

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 440

وشيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد بن علي الأنصاري الهروي الحافظ الزاهد

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 139

شيخ الإسلام
الإمام، الحافظ، الزاهد، أبو إسماعيل، عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور بن مت، الأنصاري، الهروي، من ذرية أبي أيوب الأنصاري، رضي الله عنه.
وله سنة ست وتسعين وثلاث مئة.
وسمع أبا منصور محمد بن محمد الأزدي، والحافظ أبا الفضل محمد بن أحمد الجارودي، وأحمد بن علي بن منجويه الأصبهاني الحافظ، وأبا سعيد محمد بن موسى الصيرفي [وأبا منصور أحمد بن أبي العلاء، ويحيى بن عمار السجستاني، ومحمد بن جبريل
الماحي] وعلي بن محمد بن محمد الطرازي، وأحمد بن محمد السليطي، والقاضي أبا بكر الحيري، ولم يحدث عنه، وأكثر عن أبي يعقوب القراب وطبقته. وسمع ’’جامع’’ الترمذي من عبد الجبار بن محمد الجراحي.
حدث عنه: المؤتمن الساجي، وابن طاهر المقدسي، وعبد الله بن أحمد بن السمرقندي، وعبد الصبور بن عبد السلام الهروي، وعبد الملك الكروخي، وحنبل بن علي البخاري، وأبوالفتح محمد بن إسماعيل الفامي، وأبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، وغيرهم، وآخر من روى عنه بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار.
وله مصنفات عدة منها: كتاب ’’الفاروق في الصفات’’ وكتاب ’’ذم الكلام وأهله’’، وكتاب ’’منازل السائرين’’ و’’مناقب الإمام أحمد بن حنبل’’.
وكان سيفاً مسلولاً على المخالفين، وجذعاً في أعين المتكلمين، ومناقبه كثيرة، وقد امتحن غير مرة.
قال ابن طاهر: سمعته يقول بهراة: عرضت على السيف خمس مرات، لا يقال لي: ارجع عن مذهبك، لكن يقال لي: اسكت عمن خالفك، فأقول: لا أسكت.
وسمعته يقول: أحفظ اثني عشر ألف حديثٍ أسردها سرداً.
قال أبو النضر الفامي: كان أبو إسماعيل بكر الزمان، وواسطة عقد المعاني، وصورة الإقبال في فنون الفضائل وأنواع المحاسن، منها نصرة الدين والسنة من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان، ولا وزير، وقد قاسى بذلك قصد الحساد في كل وقت، وسعوا في روحه مراراً، وعمدوا إلى إهلاكه أطواراً، فوقاه الله شرهم، وجعل قصدهم أقوى سببٍ لارتفاع شأنه.
وقال أبو الوقت عبد الأول: دخلت نيسابور، وحضرت عند الأستاذ أبي المعالي الجويني، فقال: من أنت؟ قلت: خادم الشيخ أبي إسماعيل الأنصاري، فقال: رضي الله عنه.
وقال ابن السمعاني: سألت إسماعيل الحافظ عن عبد الله بن محمد الأنصاري، فقال: إمام حافظ.
وقال شيخنا العلامة أبو العباس: هو إمام في الحديث والتصوف والتفسير، وهو في الفقه على مذهب أهل الحديث، يعظم الشافعي وأحمد ويقرن بينهما، وفي أجوبته في الفقه ما يوافق قول الشافعي تارة، وقول أحمد أخرى، والغالب عليه اتباع الحديث على طريقة ابن المبارك ونحوه.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: كان على حظ تام من معرفة العربية والحديث والتواريخ والأنساب، إماماً كاملاً في التفسير، حسن السيرة في التصوف، غير مشتغلٍ بكسب، مكتفياً بما يباسط به المريدين والأتباع من أهل مجلسه في العام مرة أو مرتين على رأس الملأ، فيحصل على ألوف من الدنانير وأعدادٍ من الثياب والحلي، فيأخذها، ويفرقها على اللحام والخباز، وينفق منها، ولا يأخذ من السلاطين ولا من أركان الدولة شيئاً، وقلما يراعيهم، ولا يدخل عليهم، ولا يبالي بهم، فبقي عزيزاً مقبولاً قبولاً أتم من الملك، مطاع الأمر نحواً من ستين سنة من غير مزاحمةٍ، وكان إذا حضر المجلس لبس الثياب الفاخرة، وركب الدواب الثمينة، ويقول: إنما أفعل هذا إعزازاً للدين، ورغماً لأعدائه، حتى ينظروا إلى عزتي وتجملي فيرغبوا في الإسلام، ثم إذا انصرف إلى بيته عاد إلى المرقعة والقعود [مع الصوفية] في الخانقاه يأكل معهم، ولا يتميز بحال، وعنه أخذ أهل هراة التبكير بالفجر، وتسمية أولادهم - في الأغلب - بعبدٍ المضاف إلى أسماء الله.
وقال أبو سعد السمعاني: كان مظهراً للسنة، داعياً إليها، محرضاً عليها، وكان مكتفياً بما يباسط به المريدين، ما كان يأخذ من الظلمة شيئاً، وما كان يتعدى إطلاق ما ورد في الظواهر من الكتاب والسنة، معتقداً ما صح، غير مصرح بما يقتضيه تشبيه. وقال: من لم ير مجلسي وتذكيري، وطعن في فهو مني في حل.
وقال السلفي: سألت المؤتمن عن أبي إسماعيل الأنصاري فقال: كان آيةً في لسان التذكير والتصوف، من سلاطين العلماء، سمع ببغداد من أبي محمد الخلال وغيره، يروي في مجالسه أحاديث بالأسانيد، وينهى عن تعليقها عنه، وكان بارعاً في اللغة، حافظاً للحديث، قرأت عليه كتاب ’’ذم الكلام’’، وقد روى فيه حديثاً عن علي بن بشرى عن أبي عبد الله بن منده عن إبراهيم بن مرزوق، فقلت له: هذا هكذا؟ قال: نعم، وإبراهيم هوشيخ الأصم وطبقته، وهو إلى الآن في كتابه على الخطأ.
قال المؤتمن: وكان يدخل على الأمراء والجبابرة فما يبالي بهم، ويرى الغريب من المحدثين فيبالغ في إكرامه، قال لي مرة: هذا الشأن شأن من ليس له شأن سوى هذا الشأن - يعني طلب الحديث - وسمعته يقول: تركت الحيري لله. قال: وإنما تركه؛ لأنه سمع منه شيئاً يخالف السنة.
وقال ابن طاهر: سمعت أبا إسماعيل يقول: إذا ذكرت التفسير، فإنما أذكره من مئة وسبعة تفاسير. وسمعته ينشد على منبره:

قال ابن طاهر: حكى لي أصحابنا أن السلطان ألب أرسلان قدم هراة ومعه وزيره نظام الملك، فاجتمع إليه أئمة الفريقين: الحنفية والشافعية للشكوى من الأنصاري، ومطالبته بالمناظرة، فاستدعاه الوزير، فلما حضر قال: إن هؤلاء قد اجتمعوا لمناظرتك، فإن يكن الحق معك رجعوا إلى مذهبك، وإن يكن الحق معهم؛ إما أن ترجع أو تسكت عنهم. فقام الأنصاري وقال: أناظر على ما في كمي. قال: وما في كمك؟ قال: كتاب الله - وأشار إلى كمه اليمين - وسنة رسول الله - وأشار إلى كمه اليسار، وكان فيه ’’الصحيحان’’ - فنظر الوزير إليهم؛ مستفهماً لهم، فلم يكن فيهم من ناظره من هذا الطريق.
وسمعت أحمد بن أميرجه؛ خادم الأنصاري يقول: حضرت مع الشيخ للسلام على الوزير نظام الملك، وكان أصحابنا كلفوه الخروج إليه، وذلك بعد المحنة ورجوعه من بلخ. قال: فلما دخل عليه أكرمه وبجله، وكان هناك أئمة من الفريقين، فاتفقوا على أن يسألوه بين يدي الوزير، فقال العلوي الدبوسي: يأذن الشيخ الإمام أن أسأل؟ قال: سل. قال: لم تلعن أبا الحسن الأشعري؟ فسكت، وأطرق الوزير، فلما كان بعد ساعةٍ قال له الوزير: أجبه. فقال: لا أعرف أبا الحسن، وإنما ألعن من يعتقد أن الله في السماء، وأن القرآن في المصحف، ومن اعتقد أن النبي اليوم ليس بنبي. ثم قام فانصرف، فلم يمكن أحداً أن يتكلم من هيبته. فقال الوزير للسائل: هذا أردتم، أن نسمع ما كان يذكره بهراة بآذاننا، وما عسى أن أفعل به؟ ثم بعث إليه بصلة وخلع، فلم يقبلها، وسار من فوره إلى هراة.
قال: وسمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك. وكانوا قد تواطؤوا على أن حملوا معهم صنماً صغيراً من نحاسٍ، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا. وقام الشيخ إلى خلوته، ودخلوا على السلطان، واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسمٌ، وأنه يترك في محرابه صنماً يزعم أن الله على صورته، وإن بعث الآن السلطان يجده. فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلاماً ومعه جماعة، فدخلوا الدار، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، ورجع الغلام بالصنم، فألقاه، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، والسلطان قد اشتد غضبه، فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة. قال: لست عن ذا أسألك. قال: فعم يسالني السلطان؟ قال: إن هؤلاء يزعمون أنك تعبد هذا، وأنك تقول: إن الله على صورته. فقال الأنصاري بصولةٍ وصوتٍ جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرماً، وقال لهم: اصدقوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فاردنا أن نقطع شره عنا. فأمر بهم، ووكل بكل واحد منهم، وصادرهم وأهانهم.
قال أبو النضر الفامي: توفي أبو إسماعيل في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربع مئة، وقد جاوز أربعاً وثمانين سنة.
وقد أنكر شيخنا العلامة أبو العباس وغيره على أبي إسماعيل أشياء في ’’منازل السائرين’’، والله ولي التوفيق.
وقد مات معه في سنة إحدى وثمانين راوي ’’جامع’’ الترمذي، أبو بكر أحمد بن عبد الصمد الغورجي، الهروي. ومسند خراسان أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبيد الله المحمي، المزكي. ومسند أصبهان أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن ماجة الأبهري.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 3- ص: 1

عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن جعفر بن منصور ابن مت شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري الهروي.
الحافظ العارف، من ولد أبي أيوب الأنصاري.
قال عبد الغافر: كان إماماً كاملا في التفسير، حسن السيرة في التصوف، على حظ تام من معرفة العربية، والحديث، والتواريخ، والأنساب، قائماً بنصر السنة والدين، من غير مداهنة ولا مراقبة لسلطان ولا غيره، وقد تعرضوا بسبب ذلك إلى إهلاكه مرارا، فكفاه الله شرهم.
سمع من عبد الجبار الجراحي، وأبي الفضل الجارودي، ويحيى بن عمار
السجزي المفسر، وأبي ذر الهروي وخلائق.
وتخرج به خلق، وفسر القرآن زمانا، وكان يقول: إذا ذكرت التفسير فإنما أذكره من مائة وسبعة تفاسير.
وله تصانيف منها ذم الكلام وكتاب منازل السائرين في التصوف، وكتاب الفاروق في الصفات، وغير ذلك.
وكان آية في التذكير والوعظ.
روى عنه أبو الوقت عبد الأول وخلائق، آخرهم بالإجازة أبو الفتح نصر بن سيار.
مولده سنة ست وتسعين وثلاثمائة، ومات في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة.

  • مكتبة وهبة - القاهرة-ط 1( 1976) , ج: 1- ص: 57