ابن غانم عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل، جمال الدين الشهير بابن غانم: كاتب، له نظم حسن واشتغال بالحديث. ولد وتوفى في دمشق. وولي انشاء الديوان. وكانت له مع صلاح الدين الصفدي مراسلات. من كتبه (الفائق في الكلام الرائق - خ).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 106
عبد الله بن علي ابن محمد بن سلمان القاضي الرئيس الكاتب المنشئ جمال الدين بن الشيخ علاء الدين بن غانم.
كان شابا ظريفا، مليح الوجه نظيفا، عليه رونق الشباب ولطف السلافة إذا شف عليها الحباب، شكله أنيق، وصدغه في خده سحالة لازورد في زنجفر سحيق، يكتب خطا من أين للوشي رقومه، أو للأفق الصاحي نجومه، كأنه طرة ريحان، أو روض فيه الطل حيران، خصوصا إذا كتب الدرج وعلق، وتأنى في تنميقه وتأنق، يأتيك بالعجب، ويريك كما يقال سلاسل الذهب، مع سرعة لا يلحقه فيها البرق إذا خفق، ولا النور إذا سطع وولد الشفق، يكتب الإنشاء من رأس قلمه، ويؤلف الدر الثمين من كلمه، وله غوص في نظم ونثر، وتلعب بالعقول إذا نفث قلمه بسحره.
إلا أنه قصف غصنه، ووقفت في أوائل حلبة العمر حصنه، فأذواه الموت ريحانه، وأراق منه بنت حانه.
وتوفي رحمه الله تعالى في أواخر شوال سنة أربع وأربعين وسبع مئة.
ومولده سنة إحدى عشرة وسبع مئة.
وكان قد مرض في عمره مرضا حادا مرات، ونجاه الله منها وسلمه إلى أن حم أجله فمات عبطه، وكان به لديوان الإنشاء أي غبطه.
كتب هو إلي في بعض علته هذه ولم أعده، من أبيات:
مولاي كيف كسرتني فهجرتني | علما بأني كيف كنتم راض |
أو قلت إني لأعود ممرضا | ظنا بأني لا محالة ماض |
أرسلتها مثل السهام مواضي | نفذت من الأغراض في أغراض |
فأتت وعتبك قد تخلل لفظها | مثل الأفاعي بين زهر رياض |
دعني من الجبروت أو من أهله | لا تجعلن سوادهم كبياضي |
حاشاك أن تمضي وسعدك قد غدا | مستقبلا فينا وأمرك ماض |
تبكي الطروس عليك والأقلام | وتنوح فيك على الغصون حمام |
يا من حواه اللحد غضا يانعا | وكذا كسوف البدر وهو تمام |
يا وحشة الديوان منك إذا غدت | فيه مهمات البريد ترام |
من ذا يوفيها مقاصدها على | ما يقتضيه النقض والإبرام |
هيهات كنت به جمالا باهرا | فعليه بعدك وحشة وظلام |
أسفي على الإنشاء وهو بجلق | نثاره قد مات والنظام |
كم من كتاب سار عنك كأنه | برد أجاد طرازه الرقام |
إن كان في شر فقد رد الردى | وبه ترفه ذابل وحسام |
لم لا يرد البأس ما ألفاته | مثل القنا واللام منه لام |
أو كان في خير فكل كلامه | در يؤلف بينهن نظام |
وكأنما تلك السطور إذا بدت | كأس ترشف راحها الأقلام |
يهتز عطف أولي النهى لبيانه | فكأن هاتيك الحروف مدام |
كم فيه وجه سافر مثل الضحى | وعليه من ليل السطور لثام |
ولكم كتبت مطالعات خدها | قان وثغر فصولها بسام |
وكأنما ألفاتها قضب اللوى | وكأنما همزاتهن حمام |
ما كنت إلا فارس الكتاب في | يوم تفرج ضيقه الأقلام |
صلى وراءك كل من عاصرته | علما بأنك في البيان إمام |
وكأن قبرك للعيون إذا بدا | قصر عليه تحية وسلام |
يا محنة نزلت بعترة غانم | هانوا وهم في العالمين كرام |
لما تغيب في التراب جمالهم | وقعدوا لهول عاينوه وقاموا |
يا قبره لا تنتظر سقيا الحيا | حزني ودمعي بارق وغمام |
لي فيك خل كم قطعت بقربه | أيام أنس والخطوب نيام |
لذت فلذت بظلها فكأنها | لقياد لذات الزمان زمام |
أسفي على صحب مضى عمري بهم | وصفت بقربهم لي الأيام |
ثم انقضت تلك السنون وأهلها | فكأنها وكأنهم أحلام |
بالرغم مني أفارق صاحبا | لي بعده ضر ثوى وضرام |
يا من تقدمني وسار لغاية | لا بد لي منها وذاك لزام |
قد كنت أحسبه يرثيني فقد | عكست قضيته معي الأحكام |
أنا ما أراك على الصراط لأنه | بيني وبينك في المعاد زحام |
إذ قد سبقت خفيف ظهر لا كمن | قد قيدت خطواته الآثام |
فإذا المخف وقد تقدم سابقا | وشفيعه لإلهه الإسلام |
فاذهب فأنت وديعة الرحمن لي | يلقاك منه البر والإكرام |
ويجود قبرك منه غيث سماحة | بالعفو صيب ودقها سجام |
ولقد قضيتك حق ودك بالرثا | والحر من يرعى لديه ذمام |
خلفتني رهن التندم والأسى | تعتادني الأحزان والآلام |
لكن لي بأخيك نجم الدين في | الديوان أنسا ما عداه مرام |
مهما توجس أو توحش خاطري | فيه تزول وتنقضي الأوهام |
ذكرت قلبي حين شط مزارهم | بهم فناب عن الجوى تذكارهم |
وبكى فؤادي وهو منزل حبهم | وأحق من يبكي الحبة دارهم |
وتخلق الجفن الهمول كأنما | لمحته عند غروبهم أنوارهم |
وذكرت عيني عند عين فراقهم | لما أثارت لوعتي آثارهم |
نذري الدموع عليهم وكأنهم | زهر الربا وكأنها أمطارهم |
ويئن منة حالي العواذل رحمة | لما بكيت وما الأنين شعارهم |
ويح المحبين الذين بودهم | قرب المزار ولو نأت أعمارهم |
فقدوا خليلهم الحبيب فأذكيت | بالشوق في حطب الأضالع نارهم |
مولى تقلص ظل أنس منه عن | أصحابه فاستوحشت أفكارهم |
كم راقهم يوما برؤية وجهه | ما لا يروقهم به دينارهم |
ولكم بدت أسماعهم في حلية | من لفظه وكذا غدت أبصارهم |
كانوا بصحبته اللذيذة رتعا | بمسرة ملئت بها أعشارهم |
يتنافسون على دنو مزاره | فكأنما بلقاه كان فخارهم |
لا غيب الرحمن رؤية وجهه | عن عاشقيه فإنها أوطارهم |
وجلا ظلام بلادهم من بعده | فلقد تساوى ليلهم ونهارهم |
يا سيدا لي لم تزل ثقتي به | إن خادعتني في الولا أشرارهم |
أصرمت حبل مودتي ولصحبتي | عرف الطريقة في الوداد كبارهم |
أم تلك عادات القلى أجريتها | فكذا الأحبة هجرهم ونفارهم |
أفدي الذين إذا تناءت دارهم | أدناهم من صبهم تذكارهم |
في جلق الفيحاء منزلهم وفي | مصع بقلب الصب تضرم نارهم |
قوم بذكرهم الندامى أعرضوا | عن كأسهم وكفتهم أخبارهم |
وإذا الثناء على محاسنهم أتى | طربوا له وتعطلت أوتارهم |
وإذا هم نظروا لحسن وجوههم | لم تبق أنجمهم ولا أقمارهم |
فهم البدور إذا ادلهم ظلامهم | وهم الشموس إذا استبان نهارهم |
دنت النجوم تواضعا لمحلهم | وترفعت من فوقها أقدارهم |
وبكفهم وبوجههم كم قد همت | ألواؤهم وتوقدت أنوارهم |
أهدى جمالهم إلي تحية | منها تدار على الأنام عقارهم |
أفق وروض في البلاغة فهي إمـ | ـا زهرهم في الليل أو أزهارهم |
لك يا جمال الدين سبق في الوفا | لو رامه الأصحاب طال عثارهم |
وتودد ما زال يصفو ورده | حتى تقر لصفوه أكدارهم |
يا بن الكرام الكاتبين فشأنهم | صدق المودة والوفاء شعارهم |
قوم إذا جاؤوا إلى شأو العلى | سبقوا إليه ولم يشق غبارهم |
صانوا وزانوا باليراع ملوكهم | أسوارهم من كتبهم وسوارهم |
ما مثلهم في جودهم فلذاك قد | عزت نظائرهم وهان نضارهم |
ما في الزمان حلى على أعطافه | إلا مآثرهم به وفخارهم |
تتعلم النسمات من أخلاقهم | وينوب عن زهر الربا أشعارهم |
ولفضلهم ما ابن الفرات يعد فيـ | ـه قطرة لما تمد بحارهم |
وحماهم يحمي النزيل بربعه | من جور ما يخشى ويرعى جارهم |
بالرغم مني أن بعدت ولم أجد | ظلا تفيؤه علي ديارهم |
لو كان يمكنني وما أحلى المنى | ما غاب عني شخصهم ومزارهم |
ويح النوى شمل الأحبة فرقت | فمتى يفك من البعاد إسارهم |
يقول جماعة الديوان فيه | فساد لا يزال ولا يزاح |
فقلت فساده سيزول عما | قليل إذ بدا فيه الصلاح |
هويت جماعة الديوان دهرا | فلما ضمنا بدمشق مغنى |
نظرت إليهم نظر انتقاد | فكنت جمالهم لفظا ومعنى |
كتابك قد أتى عيني وفيها | فساد نوى لشوقي وارتياحي |
فجدده فليس يزول إلا | إذا عاد الصلاح إلى الصلاح |
كتابك جاءني فنفى همومي | وآذن سقم جسمي بالزوال |
وأذكر ناظري زمنا حميدا | تمتع بالجمال من الجمال |
قد أصبح المملوك يا سيدي | يختار أن يفترع الربوه |
وقد أتى صحبتكم خاطبا | فأسعفوا واغتموا الخلوه |
ما لي على الربوة من قدره | لأنني أعجز عن خطوه |
وليس مركوبي هنا حاضرا | فمر نحو الخلوة الحلوه |
سار دمعي مني إليك رسولا | حين أخليت ربعك المأهولا |
وفؤادي استقر إذ أنت فيه | يتراآك بكرة وأصيلا |
ونسيم الصبا تحمل من وصـ | ـف اشتياقي فيه حديثا طويلا |
ترك القلب في الأضالع يظما | فيسقيه الاشتياق غليلا |
فاستمع ما يملي النسيم بعلم | عن غرامي إذ كان مثلي عليلا |
وقميص الكرى مزق فإن زا | ر خيال وصلته توصيلا |
حبذا قربك الذي كان أندى | في فؤادي من النسيم بليلا |
وليال كم غازل الطرف من أنـ | ـسك في جنحهن وجها جميلا |
ومدام كأنها لون دمعي | عندما أزمع الحبيب رحيلا |
كأسها في الدجا تبدى شهابا | وكسا المزج رأسها إكليلا |
فتهديت للسرور برؤيا | ه وإن كان للهدى تضليلا |
كم ركبنا لها سوابق لهو | كان جرس الغناء فيها صهيلا |
قرب الله عهدنا من ليال | لم أكن لاقترابهن ملولا |
أتلظى جوى وفرط حنين | إن تذكرت ظلهن الظليلا |
وإذا ما احترقت شوقا فقولي: | ليت لم أتخذ فلانا خليلا |
يا صلاح الدين الذي فسد العيـ | ـش لنا مذ نأى وساء مقيلا |
قد أتتني أبياتك الغر تحكي | نسمات الصبا تجر ذيولا |
أو نبات الربا يصافحه القطـ | ـر فيغدوا رطب الحيا مصقولا |
فتذكرت منك جودا عميما | ومحيا طلقا وفضلا فضيلا |
ورأيت السطور تحكي ليالي الـ | ـقرب حسنا ورقة لا طلولا |
حبذا عهدهن والعيش فيه | إذ أنا مالك إليه وصولا |
كنت أجني ثمار أنسك فيهـ | ـن فبدلت بالنوى تبديلا |
حيث الخيام برمل غزه | لي سادة عندي أعزه |
وأنا كثير حبهم | وهم كما أختار عزه |
سيما جمالهم الذي | في فضله طرفي تنزه |
مولى بعطف يراعه | طرب يرنحه وهزه |
أضحى يوشي طرسه | ويحوك بالأسجاع طرزه |
يملي عليه بدائعا | يكسو المهارق خير بزه |
لو فاخر الروض البسيـ | ـم بكتبه لأبان عجزه |
ألف حكت غصن النقا | صدحت عليه حمام همزه |
من ميم ميلي عنه لا | أدخلت قلبي تحت رزه |
وظفرت منه بمعقل | لا تطرق الأحداث حرزه |
وبه تبين لي الهدى | وحللت من معناه رمزه |
وبه ملأت يدي غنى | من فضله وفتحت كنزه |
فالله يحرس مجده | ويديم للآداب عزه |
وكأن ذاك الطرس أصبح سلة الـ | ـحاوي وهاتيك السطور أفاعيا |
ويدل هجركم على | أني خطرت ببالكم |
.............................. | ويبقى الود ما بقي العتاب |
وهذا الذنب أول كل ذنب | وآخره إلى يوم الحساب |
يا خليلي أبا الصفا لا تكدر | منهلا من نمير ودك أروى |
فجميع الذي جرى كان بسطا | ولعمري بسط المجالس يطوى |
أيا قادم الزهر أهلا وسهلا | ملأت البرايا هدايا أرج |
فوقتك فض ختام السرو | ر وعهدك فرجة باب الفرج |
حاشى لله أن أكدر عهدا | لم يزل من وفائك المحض صفوا |
وإذا ما حديث فضلك عندي | ضاع مني في نشره كيف يطوى |
يا جوادا عنانه في يد الجو | د تباخلت لي بساجور كلب |
لا تضع رتبة التفضل والإيثـ | ـار فالأمر دون بذل العتب |
وإذا لم يكن من العتب بد | فمرادي إن شئت غير الكتب |
أيها الأروع الي فاق مجدا | لا تؤنب من لا أتاك بذنب |
أنت تدري أن الوفاء الموفى | لي طباع في الود من غير كسب |
أنا أخبا لو كان طوق عروس | عنك حتى أصون ساجور كلب |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 696
عبد الله بن علي بن محمد بن سلمان بن حمائل جمال الدين عبد الله بن علي بن محمد بن سلمان بن حمائل جمال الدين بن الشيخ علاء الدين ابن غانم ولد سنة 11 وتعانى الأدب وكتب في ديوان الإنشاء وكان خطه قويا سريعا ومات شابا في شوال أو ذي القعدة سنة 744 وكان له نظم وسط فمنه قصيدة يتشوق أولها
ذكرت قلبي حين شط مزارهم | بهم فناب عن الجوى تذكارهم |
وبكى فؤادي وهو منزل حبهم | وأحق من يبكي الأحبة دارهم |
تقول جماعة الديوان فيه | فساد لا يزال ولا يزاح |
فقلت فساده سيزول عما | قليل اذ بدا فيه الصلاح |
قد أصبح المملوك يا سيدي | يختار أن يفترع الربوة |
وقد أتى صحبتكم خاطبا | فأسعفوا وأغتنموا الخلوة |
وغزال غازل الشمس وقد | وقفت فوق ثنيات الأصيل |
فتعوضناه منها بدلا | وتفارقنا على وجه جميل |
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0