السروجي عبد الله بن علي بن منجد السروجي، تقي الدين: شاعر، فيه فضل وادب. ولد في سروج وتوفى بالقاهرة. وهو صاحب الابيات التي مطلعها: (انعم بوصلك لي فهذا وقته).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 106
السروجي الشيخ تقي الدين عبد الله بن علي
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
تقي الدين السروجي عبد الله بن علي بن منجد بن ماجد بن بركات، الشيخ تقي الدين السروجي. أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان قال: كان رجلا خيرا عفيفا، تاليا للقرآن، عنده حظ جيد من النحو واللغة والآداب، متقللا من الدينا، يغلب عليه حب الجمال مع العفة التامة والصيانة. نظم كثيرا وغنى بشعره المغنون والقينات. وكان يذكر أنه يكرر على المفصل والمتنبي والمقامات ويستحضر حظا كبيرا من صحاح الجوهري، وكان مأمون الصحبة، طاهر اللسان، يتفقد أصحابه، لا يكاد يظهر إلا يوم الجمعة، وكان لي به اختلاط وصحبة، ولي فيه اعتقاد. ودفن لما مات بمقبرة الفخري بجوار من كان يهواه، ظاهر الحسينية. وهو أحد من تألمت لفقده لعزة وجود مثله في الصحبة رحمه الله. وكان يكره أن يخبر أحدا باسمه ونسبه، إنتهى. قلت؛ لأنه كان يقول لي: مع الأصحاب ثلاث رتب أول ما أجتمع بهم يقولون، الشيخ تقي الدين جاء، الشيخ تقي الدين راح، فإذا طال الأمر قالوا، راح التقي جاء التقي، صبرت عليهم وعلمت أنهم أخذوا في الملل، فإذا قالوا: راح السروجي جاء السروجي فذلك آخر عهدي بصحبتهم. وقال القاضي شهاب الدين محمود: كان يكره مكانا فيه امرأة ومن دعاه يقول: شرطي معروف أن لا تحضر امرأة! قال: كنا يوما في دعوة بعض الأصحاب فكان مما حضر شواء، فأدخل إلى النساء ليقطعوه ويضعوه في الصحون، فكان يتبرم بذلك ويقول: أفيه! الساعة يلمسونه بأيديهم! وقال الشيخ أثير الدين، لما مات قال والد محبوبه: والله ما أدفنه إلا في قبر ولدي وهو كان يهواه وما أفرق بينهم في الدنيا ولا في الآخرة لما كان يعتقد الفخري من عفافه! ومولده سنة سبع وعشرين وستمائة بسروج، وتوفي بالقاهرة رابع شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة رحمه الله تعالى. أنشدني العلامة أثير الدين قال؛ أنشدني المذكور لنفسه:
أنعم بوصلك لي فهذا وقته | يكفي من الهجران ما قد ذقته |
أنفقت عمري في هواك وليتني | أعطى وصولا بالذي أنفقته |
يا من شغلت بحبه عن غيره | وسلوت كل الناس حين عشقته |
كم جال في ميدان حبك فارس | بالصدق فيك إلى رضاك سبقته |
أنت الذي جمع المحاسن وجهه | لكن عليه تصبري فرقته |
قال الوشاة قد ادعى بك نسبة | فسررت لما قلت قد صدقته |
بالله إن سألوك عني قل لهم | عبدي وملك يدي وما أعتقته |
أو قيل مشتاق إليك فقل لهم | أدري بذا وأنا الذي شوقته |
يا حسن طيف من خيالك زارني | من فرحتي بلقاه ما حققته |
فمضى وفي قلبي عليه حسرة | لو كان يمكنني الرقاد لحقته |
في الجانب الأيمن من خدها | نقطة مسك أشتهي شمها |
حسبته لما بدا خالها | وجدته من حسنة عمها |
دنيا المحب ودينه أحبابه | فإذا جفوه تقطعت أسبابه |
وإذا أتاهم في المحبة صادقا | كشف الحجاب له وعز جنابه |
ومتى سقوه شراب أنس منهم | رقت معانيه وراق شرابه |
وإذا تهتك ما يلام لأنه | سكران عشق لا يفيد عتابه |
بعث السلام مع النسيم رسالة | فأتاه في طي النسيم جوابه |
قصد الحمى وأتاه يجهد في السرى | حتى بدت أعلامه وقبابه |
ورأى لليلى العامرية منزلا | بالجود يعرف والندى أصحابه |
فيه الأمان لمن يخاف من الردى | والخير قد ظفرت به طلابه |
قد أشرعت بيض الصوارم والقنا | من حوله فهو المنيع حجابه |
وعلى حماه جلالة من أهله | فلذاك طارقه العيون تهابه |
كم قلبت فيه القلوب على الثرى | شوقا إليه وقبلت أعتابه |
قد أخصبت منه الأباطح والربا | للزائرين وفتحت أبوابه |
معاملة الأحباب بالوصل والوفا | فدع يا حبيبي عنك ذا الهجر والجفا |
فإن كان لي ذنب بجهلي فعلته | فمثلي من أخطأ ومثلك من عفا |
أيا بدر تم حان منه طلوعه | ويا غصن بان آن أن يتعطفا |
كفى ما جرى من دمع عيني بالبكا | وعشقي على قلبي جرى منه ما كفى |
فإن كنت لا تدري وتعرف ما الهوى | فقصدي أن تدري بذاك وتعرفا |
أعد ذلك الفعل لجميل تجملا | وإن لم يكن طبعا يكون تكلفا |
فما أقبح الإعراض ممن تحبه | وما أحسن الإقبال منه وألطفا |
تقدم شوقي يسبق الدمع جاريا | إليك ولكن عنك صبري تخلفا |
فديتك محبوبا على السخط والرضا | وعذرك مقبول على العذر والوفا |
يا ساعي الشوق الذ مذ جرى | جرت دموعي فهي أعوانه |
خذ لي جوابا عن كتابي الذي | إلى الحسينية عنوانه |
فهي كما قد قيل وادي الحمى | وأهلها في الحسن غزلانه |
امش قليلا وانعطف يسرة | يلقاك درب طال بنيانه |
واقصد بصدر الدرب دار الذي | بحسنه تحسن جيرانه |
سلم وقل: يخشى مسن كي مسن | اشت حديثا طال كتمانه |
كنكم كزم ساوم أشى أط كبى | فحبه أنت وأشجانه |
وأسأل لي الوصل فإن قال يق | فقل أوت قد طال هجرانه |
وكن صديقي واقض لي حاجة | فشكر ذا عندي وسكرانه |
قف بذات الجرعاء يا صاحب البكـ | ـرة وانظر تلقاء جانب نجد |
فإذا ما بدت خيام لعينيـ | ـك ففيها التي بها طال وجدي |
فأت تلك الخيام ثم تيمم | خيمة سترها عصائب برد |
ثم سلم وقف وقل بعد تسليـ | ـمك قول امرئ مجدد عهد |
أترى أنكم على ما عهدنا | كم عليه أم خنتم العهد بعدي |
قلت لمحبوبي لما بدا | إلي يا محبوب قلبي إليا |
قد عشق الناس وقد واصلوا | ما وقع الإنكار إلا عليا |
عندي هوى لك طال عمر زمانه | لم يبق لي صبر على كتمانه |
قد ضل قلبي من طريق سلوه | فدليله لا يهتدي لمكانه |
يا صاحب القلب الذي أفراحه | تلهيه عن قلبي وعن أحزانه |
عيني لفقدك قد بكى إنسانها | وجفا الكرى شوقا إلى إنسانه |
يا من بدا لي حسنة متلطفا | فعشقته وطمعت في إحسانه |
كان اعتقادي أن أفوز بوصله | فحرمته ورزقت من هجرانه |
كان الرقاد لصيد طيفك حيلتي | فسلبته وفجعته بعيانه |
ومنعتني أن أجتني من وصله | ثمرا يطيب جناه قبل أوانه |
ضمن التلطف منك وصلي في الهوى | لكن أطال وما وفى بضمانه |
خوف الفراق إلى حماك يسوقني | فمتى أفوز من اللقا بأمانه |
يا رايس الحب أدركني فقد وحلت | مراكب بي في بحر أشواقي |
ولي بضاعة صبر ضاع أكثرها | وقد غدا ذا الهوى يستغرق الباقي |
تفقهت في عشقي لمن قد هويته | ولي فيه بالتحرير قول ومذهب |
وللعين تنبيه به طال شرحه | وللقلب منه صدق ود مهذب |
مد لي من أحب حبل صدود | حين أوهى تجلدي واصطباري |
ثم قال امش لي عليه سريعا | كيف أمشي وما أنا باختياري |
أرى المشتهي في روضة الحسن قد بدا | على رصد المعشوق فالقلب واجد |
وحقك ما السبع الوجوه إذا بدت | بمغنية عن وجهه وهو واحد |
خدمت بذاك الوجه للثغر ناظرا | لعلي أمسي واليا من ولاته |
وأصل حسابي ضبط حاصل وصله | وتقبيله مستخرج من جهاته |
لي حبيب منه أرى وجه بدر | لم يزل داخلا بباب السعاده |
هو للحسن جامع حاكمي | فلهذا عشاقه في الزياده |
نديمي ومن حالي من الوجد حاله | ومن هو مثلي عن مناه بعيد |
أعد ذكر من أهوى فإني مدرس | لذكراه من شوقي وأنت معيد |
إلهي بجمع الشمل ممن أحبه | دعوتك ملهوفا وأنت سميع |
فلم يبق لي مما تشوقت مهجة | ولم يبق لي مما بكيت دموع |
بي طلوع منه أنا في نزول | وطلوع بلا ارتفاع نزول |
قيل: لا بد أن يزول سريعا | قلت: أخشى نزول قبل يزول |
لم تبد ممن أحب سيئة | في الحب إلا رأيتها حسنه |
وما أتتني بطيفه سنة | إلا تمنيت أن تكون سنه |
وبالروح أفديك يا حبيبي | إن كنت ترضى بها فداك |
فداوني اليوم يا طبيبي | فالقلب قد ذاب من جفاك |
يا طلعة البدر إن تجلى | وإن تثنى فغصن بان |
بالوصل طوبى لمن تملى | ونال من هجرك الأمان |
قل لي نعم قد ضجرت من لا | وضاع مني بها الزمان |
فارجع إلى الله من قريب | فبعض ما حل بي كفاك |
من دمع عيني ومن نحيبي | وادي الحمى أنبت الأراك |
والله ما كنت في حسابي | وإنما عشقتك اتفاق |
وما أنا من ذوي التصابي | فلم دمي في الهوى يراق |
وكلت بي تبتغي عذابي | الصد والهجر والفراق |
ثلاثة قد غدت نصيبي | يا ليتها لا عدت عداك |
فإن تكن ترتضي الذي بي | فإن كل المنى رضاك |
إن طال شوقي وزاد وجدي | فإنني عاشق صبور |
اسمع حديثي بقيت بعدي | أنا وحق النبي غيور |
ما أشتهي أن يكون ضدي | يمشي حواليك أو يدور |
كأنما لحظه رقيبي | ملازمي عندما يراك |
يسعى إلى الناس في مغيبي | يقول هذا يحب ذاك |
جميع ما تشتهي وترضى | علي إحضاره لديك |
وذاك شيء أراه فرضا | بالله قل لي وما عليك |
أنفق وخذ ما تريد نضا | فحاصلي أمره إليك |
فأنت يا نزهتي وطيبي | عن صحبتي مالك انفكاك |
وما ابن عمي ولا نسيبي | يسري إلى مهجتي سراك |
إن كنت تهوى مقام شرب | قم نغتبق ثم نصطبح |
تعال حتى تزيل عتبي | وبعد ذا العتب نصطلح |
والحقد في القلب لا تعبي | وروح الهم نسترح |
فالعيش للعاشق الكئيب | يطيب بالأنس في حماك |
في خلسة المنظر العجيب | تجيبه كلما دعاك |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0