أبو بكر الصديق عبد الله بن ابي قحافة عثمان بن عامر بن كعب التيمي القرشي، ابو بكر: اول الخلفاء الراشدين، واول من آمن برسول الله (ص) من الرجال، واحد اعاظم العرب. ولد بمكة، ونشأ سيدا من سادات قريش، وغنيا من كبار موسريهم، وعالما بأنساب القبائل واخبارها وسياستها، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش. وحرم على نفسه الخمر في الجاهلية، فلم يشربها. ثم كانت له في عصر النبوة مواقف كبيرة، فشهد الحروب، واحتمل الشدائد، وبذل الاموال. وبويع بالخلافة يوم وفاة النبي (ص) سنة 11هـ ، فحارب المرتدين والممتنعين من دفع الزكاة. وافتتحت في ايامه بلاد الشام وقسم كبير من العراق. واتفق له قواد امناء كخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وابو عبيدة بن الجراح، والعلاء بن الحضرمي، ويزيد بن ابي سفيان، والمثنى بن حارثة. وكان موصوفا بالحلم والرأفة بالعامة، خطيبا لسنا، وشجاعا بطلا. مدة خلافته سنتان وثلاثة اشهر ونصف شهر، وتوفي في المدينة. له في كتب الحديث 142 حديثا. قيل: كانلقبه (الصديق) في الجاهلية، وقيل: في الاسلام لتصديقه النبي (ص) في خبر الاسراء. واخباره كثيرة افرد لها صاحب (اشهر مشاهير الاسلام) نحو مئة وخمسين صفحة. واتى ابراهيم العبيدي في (عمدة التحقيق في بشائر آل الصديق - ط) على كثير منها. ومما كتب في سيرته (ابو بكر الصديق - ط) لمحمد حسين هيكل، و (ابو بكر الصديق - ط) لللشيخ علي الطنطاوي.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 102

(ب د ع) عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب ابن لؤي القرشي التيمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، واسم أبي قحافة: عثمان، وأمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة، وقيل: اسمها: ليلى بنت صخر بن عامر. قاله محمد بن سعد، وقال غيره: اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم. وهذا ليس بشيء، فإنها تكون ابنة أخيه، ولم تكن العرب تنكح بنات الإخوة. والأول أصح.

وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار وفي الهجرة، والخليفة بعده.

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عنه: عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وغيرهم.

وقد اختلف في اسمه، فقيل: كان عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. وقيل: إن أهله سموه عبد الله. ويقال له: عتيق أيضا. واختلفوا في السبب الذي قيل له لأجله عتيق، فقال بعضهم: قيل له: «عتيق» لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة معه. وقال الزبير بن بكار وجماعة معه: إنما قيل له: «عتيق» لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقيل: إنما سمي «عتيقا» لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت عتيق الله من النار». أخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران الفقيه وغيره، قالوا: بإسنادهم إلى أبي عيسى الترمذي، قال: حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري، حدثنا معن، حدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن عمه إسحاق بن طلحة، عن عائشة: أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: «أنت عتيق من النار». فيومئذ سمي عتيقا وقد روي هذا الحديث عن معن وقال: موسى ابن طلحة، عن عائشة.

وقيل له: «الصديق» أيضا، لما أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم الدمشقي إذنا، أنبأنا أبي قال: أنبأنا أبو سعد المطرز وأبو علي الحداد قالا: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا أبو محمد ابن حيان، حدثنا محمد بن العباس، حدثنا المفضل بن غسان، حدثنا محمد بن كثير، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: «لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى، أصبح يحدث بذلك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا، فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة»، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.

وقال أبو محجن الثقفي:

إسلامه

كان أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية، محببا فيهم، مألفا لهم، وكان إليه الأشناق في الجاهلية، والأشناق: الديات. كان إذا حمل شيئا صدقته قريش وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.

فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم على يده جماعة لمحبتهم له، وميلهم إليه، حتى إنه أسلم على يده خمسة من العشرة، وقد ذكرناه عند أسمائهم. وقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه أول من أسلم، منهم ابن عباس، من رواية الشعبي، عنه. وقاله حسان بن ثابت في شعره، وعمرو بن عبسة، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.

أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر، إلا أبا بكر عتم حين ذكرته له، ما تردد فيه.» أخبرنا الحافظ القاسم بن علي بن الحسن كتابة قال: حدثنا أبي، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان- قال علي: ثم أخبرنا أبو البركات الأنماطي قال: أخبرنا أبو الفضل بن خيرون- قالا أخبرنا أبو القاسم بن بشران، أخبرنا أبو علي الصواف، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا المنجاب بن الحارث، أخبرنا إبراهيم بن يوسف، حدثنا خلف العرفطي أبو أمية، من ولد خالد بن عرفطة، عن ابن داب يعني عيسى بن يزيد قال قال أبو بكر الصديق: «كنت جالسا بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نفيل قاعدا، فمر به أمية بن أبي الصلت فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير. قال: هل وجدت؟ قال: لا، ولم آل من طلب. فقال:

أما إن هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، أو من أهل فلسطين.

قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي ينتظر أو يبعث. قال: فخرجت أريد ورقة بن نوفل وكان كثير النظر في السماء، كثير همهمة الصدر قال: فاستوقفته ثم اقتصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي، أبى أهل الكتاب والعلماء إلا أن هذا النبي الذي ينتظر من أوسط العرب نسبا، ولي علم بالنسب، وقومك أوسط العرب نسبا. قال: قلت: يا عم، وما يقول النبي؟ قال: يقول. ما قيل له إلا أنه لا ظلم ولا تظالم. فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم آمنت وصدقت».

وأخبرنا القاسم، عن أبيه، قال: أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد حدثنا، نصر بن إبراهيم، أخبرنا على بن الحسين بن عمر القرشي، حدثنا أبو بكر محمد بن على ابن عمر الغازي النيسابوري، حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي بمكة، حدثنا أبو محمد إسماعيل بن محمد، حدثنا أبو يعقوب القزويني الصوفي، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن إدريس الراسبي، حدثنا أبو القاسم يحيى بن حميد التككي، حدثنا أبو عبد الله محمد بن الجراح، حدثنا أبو خالد، عن عبد العزيز بن معاوية- من ولد عتاب بن أسيد- حدثنا أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن منصور، عن زيد، عن خالد الجهني عن عبد الله بن مسعود قال: قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت على شيخ من الأزد عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس كثيرا، فلما رآني قال: أحسبك حرميا ؟ قال أبو بكر قلت: نعم، أنا من أهل الحرم. قال: وأحسبك قرشيا؟ قال قلت: نعم، أنا من قريش. قال: وأحسبك تيميا قال قلت: نعم، أنا من تيم بن مرة، أنا عبد الله ابن عثمان، من ولد كعب بن سعد بن تيم بن مرة. قال: بقيت لي فيك واحدة. قلت: ما هي؟

قال: تكشف عن بطنك. قلت: لا أفعل أو تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الصادق أن نبيا يبعث في الحرم، يعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي. قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي. فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمر فاحذره. قال أبو بكر قلت: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة المثلى الوسطى، وخف الله فيما خولك وأعطاك.

قال أبو بكر: فقضيت باليمن أرنى، تمم أتيت الشيخ لأودعه، فقال: أحامل عني أبياتا من الشعر قلتها في ذلك النبي؟ قلت: نعم، فذكر أبياتا.

قال أبو بكر: «فقدمت مكة، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءني عقبة بن أبي معيط، وشيبة، وربيعة، وأبو جهل، وأبو البختري، وصناديد قريش، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة.

أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب: يتيم أبي طالب يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية. قال أبو بكر: فصرفتهم على أحسن مس وسألت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل: في منزل خديجة. فقرعت عليه الباب، فخرج إلي.» فقلت: يا محمد، فقدت من منازل أهلك، وتركت دين آبائك وأجدادك؟. قال: يا أبا بكر، إني رسول الله إليك وإلى الناس كلهم، فآمن بالله. فقلت: ما دليلك على ذلك؟ قال: الشيخ الذي لقيت باليمن. قلت: وكم من شيخ لقيت باليمن؟ قال: الشيخ الذي أفادك الأبيات.

قلت: ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: الملك المعظم الذي يأتي الأنبياء قبلي. قلت: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد سرورا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي»: أخبرنا غير واحد إجازة قالوا: أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد، حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المجدر، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن مجالد، عن الشعبي قال: سألت ابن عباس: من أول من أسلم؟ قال: أبو بكر، أما سمعت قول حسان:

أخبرنا يحيى بن محمود بن سعد إجازة بإسناده إلى أبي بكر بن الضحاك بن مخلد، قال: حدثني محمد بن مصفى، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا عبد الله بن العلاء، حدثني أبو سلام الحبشي: أنه سمع عمرو بن عبسة السلمي يقول: ألقي في روعي أن عبادة الأوثان باطل، فسمعني رجل وأنا أتكلم بذلك، فقال: يا عمرو، بمكة رجل يقول كما تقول. قال: فأقبلت إلى مكة أسأل عنه، فأخبرت أنه مختف لا أقدر عليه إلا بالليل يطوف بالبيت، فقمت بين الكعبة وأستارها، فما علمت إلا بصوته يهلل الله، فخرجت إليه فقلت: ما أنت؟ قال: رسول الله، فقلت: وبم أرسلك؟ قال: أن يعبد الله ولا يشرك به شيء وتحقن الدماء، وتوصل الأرحام. قال قلت: ومن معك على هذا؟ قال: حر وعبد. فقلت: أبسط يدك أبايعك.

فبسط يده فبايعته، فلقد رأيتني وإني لرابع الإسلام. وأخبرنا إسماعيل بن علي وغير واحد بإسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي. حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عقبة بن خالد، حدثنا شعبة عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال، أبو بكر: ألست أحق الناس بها؟ يعني الخلافة- ألست أول من أسلم؟ ألست صاحب كذا؟ ألست صاحب كذا ؟

وقال إبراهيم النخعي: أول من أسلم أبو بكر رضي الله عنه.

هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

هاجر أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحبه في الغار لما سارا مهاجرين، وآنسه فيه، ووقاه بنفسه. قال بعض العلماء: لو قال قائل: إن جميع الصحابة ما عدا أبا بكر ليست لهم صحبة لم يكفر، ولو قال: إن أبا بكر لم يكن صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر، فإن القرآن العزيز قد نطق أنه صاحبه.

أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن على بإسناد إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أمر الله، عز وجل، فجاء جبريل عليه السلام وأمره أن يخرج من مكة بإذن الله عز وجل له في الهجرة إلى المدينة، فاجتمعت قريش فمكرت بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه جبريل وأمره أن لا يبيت مكانه، ففعل، وخرج على القوم وهم على بابه، ومعه حفنة من تراب، فجعل ينثرها على رءوسهم، وأخذ الله أبصارهم وكان مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد العقبة بشهرين، وأيام بويع أوسط أيام التشريق، وخرج لهلال ربيع الأول. قاله ابن إسحاق.

وقد كان أبو بكر يستأذنه في الخروج فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحبا». فلما كانت الهجرة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أذن لي في الخروج». قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكى من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار، فأقاما فيه ثلاثا. أخبرنا أبو ياسر بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، حدثنا عفان، حدثنا همام، أخبرنا ثابت، عن أنس: أن أبا بكر حدثه قال، قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في الغار- وقال مرة: ونحن في الغار- لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا! قال فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما». أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ. بن صصرى التغلبي الدمشقي، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي الحسيني، وأبو القاسم الحسين ابن الحسن بن محمد الأسدي قالا: أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سلمان بن حيدرة، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي، حدثنا عبيد الله بن محمد القرشي، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرا إلى المدينة، كان أبو بكر معه، وكان أبو بكر أعرف بذلك الطريق، وكان الرجل لا يزال قد عرف أبا بكر، فيقول: يا أبا بكر، من هذا معك؟ فيقول: هذا يهديني السبيل.

أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن بدران الحلواني، أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي بن محمد الفارسي، أخبرنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: اشترى أبو بكر من عازب سرجا بثلاثة عشر درهما. قال: فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمله إلى منزلي. فقال: لا، حتى تحدثنا كيف صنعت حيث خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت معه. قال: فقال أبو بكر: خرجنا فأدلجنا فأحيينا يومنا وليلتنا، حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فضربت ببصري: هل أرى ظلا نأوي إليه؟ فإذا أنا بصخرة، فأهويت إليها فإذا بقية ظلها، فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة، و قلت: اضطجع يا رسول الله فاضطجع، ثم خرجت أنظر هل أرى أحدا من الطلب؟ فإذا أنا براعي غنم، فقلت: لمن أنت. فقال: لرجل من قريش. فسماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم. قلت: هل أنت حالب لي؟

قال: نعم. فأمرته فاعتقل شاة منها، ثم أمرته فنفض ضرعها، ثم أمرته فنفض كفيه من الغبار، ومعي إداوة على فمها خرقة، فحلب لي كثبة من اللبن، فصببت على القدح، حتى برد أسفله، ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته وقد استيقظ، فقلت: (اشرب يا رسول الله. فشرب حتى رضيت، ثم قلت: هل آن الرحيل؟ قال: فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم إلا سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا؟ قال: {لا تحزن إن الله معنا} حتى إذا دنا منا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين- أو قال: رمحين أو ثلاثة- قال قلت: يا رسول الله، هذا الطلب قد لحقنا وبكيت. قال: لم تبكي؟ قال قلت: والله، ما على نفسي أبكي، ولكني أبكي عليك. قال: فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اللهم اكفناه بما شئت. فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد، ووثب عنها وقال: يا محمد، قد علمت أن هذا عملك، فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه، فو الله لأعمين على من ورائي من الطلب، وهذه كنانتي فخذ منها سهما، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في موضع كذا وكذا، فخذ منها حاجتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لي فيها. قال: ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأطلق ورجع إلى أصحابه، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه، حتى قدمنا المدينة، فتلقاه الناس في الطريق وعلى الأجاجير واشتد الخدم والصبيان في الطريق يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله، جاء محمد. قال: وتنازع القوم أيهم ينزل عليه؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنزل الليلة على بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك. قال: وقال البراء: أول من قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير، أخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى، أخو بني فهر، ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا، فقلنا: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو على أثري. ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه. قال البراء: ولم يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من المفصل- قال إسرائيل: وكان البراء من الأنصار من بني حارثة.

أخبرنا إبراهيم بن محمد الفقيه بإسناده إلى أبي عيسى الترمذي قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، حدثنا مالك بن إسماعيل، عن منصور بن أبي الأسود قال: حدثني كثير أبو إسماعيل، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «أنت أخي، وصاحبي في الغار».

شهوده بدرا وغيرها

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة بن جعفر الحسيني، وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمد الأسدي قالا: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن أبي نصر، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدر، حدثنا أحمد بن محمد الأبلي العطار بالبصرة، أخبرنا المقدمي، حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي، أخبرنا مسعر بن كدام، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي بن أبي طالب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر الصديق يوم بدر «مع أحدكما جبريل، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل، ملك عظيم، يشهد القتال ويكون في الصف». أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم: أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم- لما التقى الناس يوم بدر-: يا رسول الله، ألا نبني لك عريشا، فتكون فيه وننيخ إليك ركائبك، ونلقى عدونا، فإن أظفرنا الله وأعزنا فذاك أحب إلينا، وإن تكن الأخرى تجلس على ركائبك، فتلحق بمن وراءنا؟ فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له. فبني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش، فكان فيه أبو بكر، ما معهما غيرهما.

قال ابن إسحاق: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه وعده ونصره، ويقول: «اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد». وأبو بكر يقول: بعض مناشدتك ربك، فإن الله موفيك ما وعدك من نصره. وقال محمد بن سعد: «قالوا: وشهد أبو بكر بدرا، وأحدا، والخندق، والحديبية والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وأطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين حين ولى الناس».

ولم يختلف أهل السير في أن أبا بكر الصديق، رضي الله عنه، لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد من مشاهده كلها.

فضائله رضي الله عنه

أخبرنا عبد الله بن أحمد الخطيب، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج، أخبرنا الحسن بن أحمد ابن شاهين، حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدثنا حامد بن سهل، حدثنا عبد الله بن جعفر الرقي، حدثنا عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله ابن الحارث قال: حدثنا جندب- هو ابن عبد الله- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يتوفى بيوم: «قد كان لي فيكم أخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن أكون اتخذت منكم خليلا، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا» قال وأخبرنا جعفر، أخبرنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي، حدثنا أبو سعيد الحسن بن جعفر بن محمد بن الوضاح الحرفي السمسار، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي، حدثنا الأوزاعي، حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني بأشد شيء رأيته صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أقبل عقبة بن أبي معيط، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة، فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا. فأقبل أبو بكر، فأخذ منكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال أبو بكر: يا قوم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم..

الحرفي: بضم الحاء المهملة، وسكون الراء، وبالفاء.

أخبرنا أبو منصور مسلم بن علي بن محمد بن منصور السيحي العدل، أخبرنا أبو البركات محمد بن محمد بن خميس الجهني، أخبرنا أبو نصر أحمد بن عبد الباقي بن طوق، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد بن الخليل المرجي، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي، حدثنا زهير بن حرب، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زياد في الجنة، وأبو عبيدة ابن الجراح في الجنة». أخبرنا عمر بن محمد بن المعمر بن طبرزد وغيره قالوا: أخبرنا أبو القاسم الحريري، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن بخيت الدقاق، حدثنا أبو هاشم محمد بن إبراهيم الملطي، حدثنا أحمد بن موسى بن معدان الكرابيسي، حدثنا زكريا بن رويد الكندي، عن حميد بن أنس قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من عند الله عز وجل، فقال: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، ويقول لك: قل لعتيق بن أبي قحافة: إنه عنه راض.

قال: وأخبرنا ابن بخيت، حدثنا سليمان بن داود بن كثير بن وقدان، حدثنا سوار بن عبد الله العنبري قال: قال ابن عيينة: عاتب الله سبحانه المسلمين كلهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أبا بكر، فإنه خرج من المعاتبة: {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار}.

أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه، أخبرنا أبو محمد بن الطراح، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي، حدثنا عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن حبابة، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي، حدثنا سوار بن مصعب، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لي وزيرين من أهل السماء، ووزيرين من أهل الأرض، فأما وزيراي من أهل السماء فجبريل وميكائيل، صلى الله عليهما وسلم وأما وزيراي من أهل الأرض فأبو بكر وعمر. ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء فقال: «إن أهل عليين ليراهم من هو أسفل منهم كما ترون النجم- أو الكوكب- في السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما» - قلت لأبي سعيد-: وما «أنعما» ؟ قال: أهل ذاك هما. وأسلم على يد أبي بكر الزبير، وعثمان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة. وأعتق سبعة كانوا يعذبون في الله تعالى، منهم: بلال، وعامر بن فهيرة، وغيرهما يذكرون في مواضعهم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الثقة إليه وبما عنده من الإيمان واليقين، ولهذا لما قيل له: «إن البقرة تكلمت» قال: «آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر». وما هما في القوم. أخبرنا إبراهيم بن محمد وغيره بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى قال: حدثنا محمود ابن غيلان، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يركب بقرة إذ قالت: لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمنت بذلك أنا وأبو بكر وعمر»: قال أبو سلمة: وما هما في القوم.

أخبرنا أبو منصور بن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد ابن صفوان، أخبرنا أبو الحسن علي بن إبراهيم السراج، أخبرنا أبو طاهر هبة الله بن إبراهيم ابن أنس، أخبرنا علي بن عبيد الله بن طوق، حدثنا أبو جابر زيد بن عبد العزيز بن حيان حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار، حدثنا المعافى بن عمران، حدثنا هشام بن سعد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر قال: كنا نتحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير هذه الأمة، ثم أبو بكر، ثم عمر، ولقد أعطى علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن أكون أعطيتهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته، وأعطاه الراية يوم خيبر، وسد الأبواب من المسجد إلا باب علي أخبرنا أبو الفرج بن أبي الرجاء الثقفي، أخبرنا أبو علي قراءة عليه وأنا حاضر أسمع، أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا أبو بكر بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة (ح) قال أبو نعيم: وحدثنا عبد الله بن الحسن بن بندار، حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قالا: حدثنا روح بن عبادة، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: «اثبت فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان» أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي، أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي، أخبرنا الفقيه أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت، حدثنا علي بن داود القنطري، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر فقال: «هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي». قال: وأخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن عثمان، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة الأطرابلسي، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عبد الرحمن ابن محمد المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} مع أبي بكر وعمر.

قال: وأخبرنا خيثمة بن سليمان، حدثنا يحيى بن أبي طالب، حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي، عن أبي جحيفة السوائي قال: قال علي: يا وهب، ألا أخبرك بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ أبو بكر، وعمر، ورجل آخر.

وقد روى نحو هذا محمد بن الحنفية، عن أبيه.

قال: وأخبرنا خيثمة، حدثنا أحمد بن سليمان الصوري، حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا يوسف بن الصباح، حدثنا جرير بن عبد الحميد، حدثنا سعيد الفافلانى، عن الحسن، عن أنس قال: تناول النبي صلى الله عليه وسلم من الأرض سبع حصيات فسبحن في يده، ثم ناولهن أبا بكر فسبحن في يده، كما سبحن في يد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ناولهن النبي صلى الله عليه وسلم عمر فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر، ثم ناولهن عثمان فسبحن في يده كما سبحن في يد أبي بكر وعمر.

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي، أخبرنا الشريف أبو طالب علي بن حيدرة العلوي، وأبو القاسم الحسين بن الحسن الأسدي قالا: أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن القاسم، أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان، أخبرنا جعفر بن محمد القلانسي بالرملة، أخبرنا داود بن الربيع ابن مصحح، أخبرنا حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم صائما؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا. قال من شهد جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من أطعم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من جمعهن في يوم واحد وجبت له- أو غفر له-».

قال: وحدثنا خيثمة، حدثنا محمد بن الحسين الحنيني، أخبرنا عارم أبو النعمان، حدثنا هشيم، عن حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: وفد ناس من أهل الكوفة وناس من أهل البصرة إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: فلما نزلوا المدينة تحدث القوم بينهم إلى أن ذكروا أبا بكر وعمر، ففضل بعض القوم أبا بكر على عمر، وفضل بعض القوم عمر على أبي بكر، وكان الجارود بن المعلى ممن فضل أبا بكر على عمر. فجاء عمر ومعه درته فأقبل على الذين فضلوه على أبي بكر، فجعل يضربهم بالدرة، حتى ما يتقي أحدهم إلا برجله.

فقال له الجارود: أفق أفق يا أمير المؤمنين، فإن الله عز وجل لم يكن يرانا نفضلك على أبي بكر، أبو بكر أفضل منك في كذا، وأفضل منك في كذا. فسري عن عمر ثم انصرف. فلما كان من العشي صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفترى.

قال: وحدثنا خيثمة، حدثنا هلال بن العلاء، حدثنا أبي، حدثنا إسحاق الأزرق، حدثنا أبو سنان، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سيرة الهلالي قال: وافقنا من علي طيب نفس ومزاح، فقلنا: يا أمير المؤمنين، حدثنا عن أصحابك. قال: كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابي. قلنا: حدثنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: سلوني. قلنا: حدثنا عن أبي بكر.

قال: ذاك امرؤ سماه الله عز وجل صديقا على لسان جبريل ولسان محمد صلى الله عليه وسلم، كان خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصلاة، رضيه لديننا، فرضيناه لدنيانا.

علمه رضي الله عنه

أخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو بكر الحاسب، أخبرنا أبو محمد، أخبرنا أبو عمر بن حيويه، أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن القهم، حدثنا محمد بن سعد حدثنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي، عن يحيى بن المغيرة بن عبد الرحمن ابن الحارث بن هشام، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عمر أنه سئل: من كان يفتي الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أبو بكر وعمر، ما أعلم غيرهما.

أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي المقري، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، حدثنا أبو بكر بن مردويه الحافظ، حدثنا دعلج بن أحمد، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا محمد ابن سنان، حدثنا فليح بن سليمان، حدثنا سالم أبو النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوما فقال: «إن رجلا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ما عنده». فبكى أبو بكر، فتعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل قد خير- وكان هو المخير صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر أعلمنا به- فقال: «لا تبك يا أبا بكر» إن أمن الناس في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذته خليلا، ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقين في المسجد باب إلا سد، إلا باب أبي بكر».

زهده وتواضعه وإنفاقه رضي الله عنه

أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن قال: أخبرنا أبي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي الحسن بن إبراهيم، أخبرنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني، أخبرنا أبو بكر خليل ابن هبة الله بن الخليل، أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن بن القاسم بن درستويه، حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل، أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، حدثني الحسين ابن عيسى، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا عبد الواحد بن زيد، حدثني أسلم الكوفي، عن مرة، عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشراب، فأتي بماء وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه، ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت. ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسألته، ثم أفاق فقالوا: يا خليفة رسول الله، ما أبكاك؟ قال: «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته، يدفع عن نفسه شيئا، ولم أر أحدا معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى أحدا معك؟ قال: هذه الدنيا تمثلت فقلت لها: إليك عني.

فتنحت ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلت فلن يفلت من بعدك». فذكرت ذلك فمقت أن تلحقني. قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن محمد بن المجلى، حدثنا محمد ابن محمد بن أحمد العكبري، حدثنا أبو الطيب محمد بن أحمد بن خلف بن خاقان، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، أخبرنا أبو حاتم، عن الأصمعي قال: كان أبو بكر إذا مدح قال: «اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون».

قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أخبرنا أبو بكر بن الطبري، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا الحسين بن صفوان، أخبرنا أبو بكر القرشي، حدثنا الوليد بن شجاع السكوني وغيره، حدثنا أبو، أسامة، عن مالك بن مغول سمع أبا السفر قال: دخلوا على أبي بكر في مرضه فقالوا: يا خليفة رسول الله، ألا ندعوا لك طبيبا ينظر إليك؟ قال: قد نظر إلي. قالوا: ما قال لك؟ قال إني فعال لما أريد.

أخبرنا أبو العباس أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور بن محمد بن سعيد، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان، أخبرنا أبو بكر أحمد ابن موسى بن مردويه الحافظ، حدثنا ميمون بن إسحاق بن الحسن الحنفي، حدثنا أحمد بن عبد الجبار هو العطاردي، حدثنا أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر». فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟.

قال: وأخبرنا أبو بكر بن مردويه، حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا عمر بن عبد الرحيم، حدثنا محمد بن الصباح، حدثنا موسى بن عمير القرشي، عن الشعبي قال: لما نزلت: {إن تبدوا الصدقات فنعما هي } ... إلى آخر الآية قال: جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رءوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد يخفيه من نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تركت لأهلك؟ قال: عدة الله وعدة رسوله. قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت وبأهلي أنت، ما استبقنا باب خير قط إلا سبقتنا إليه.

وقد رواه أبو عيسى الترمذي، عن هارون بن عبد الله البزاز، عن الفضل بن دكين، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تتصدق، ووافق ذلك مالا عندي، فقلت، اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته. قال: فجئت بنصف مالي، فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وجاء أبو بكر بكل ما عنده، فقال يا أبا بكر، ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبدا.

أخبرنا القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي إجازة، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، أخبرنا أبو بكر بن الطبري، أخبرنا أبو الحسين بن الفضل، حدثنا عبد الله ابن جعفر، حدثنا يعقوب، حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا، فأنفقها في الله، وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله: أعتق بلالا، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والنهدية، وابنتها، وجارية بني مؤمل، وأم عنيس.

زنيرة: بكسر الزاي، والنون المشددة، وبعدها ياء تحتها نقطتان، ثم راء وهاء.

وعبيس: بضم العين المهملة، وفتح الباء الموحدة، والياء الساكنة تحتها نقطتان، وآخره سين مهملة.

قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو القاسم الواسطي، أخبرنا أبو بكر الخطيب، حدثني الحسن ابن علي بن محمد الواعظ، حدثنا أبو نصر إسحاق بن أحمد بن شبيب البخاري، حدثنا أبو الحسن نصر بن أحمد بن إسماعيل بن سائح بن قوامة ببخارى، أخبرنا جبريل بن منجاع الكشاني بها، حدثنا قتيبة، حدثنا رشدين، عن الحجاج بن شداد المرادي، عن أبي صالح الغفاري: أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزا كبيرة عمياء، في بعض حواشي المدينة من الليل، فيستقي لها ويقوم بأمرها، فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح ما أرادت.

فجاءها غير مرة كلا يسبق إليها، فرصده عمر فإذا هو بأبي بكر الصديق الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة. فقال عمر: أنت هو لعمري!! قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الفضيل بن يحيى، أخبرنا أبو محمد بن أبي شريح، أخبرنا محمد بن عقيل بن الأزهر، حدثنا محمد بن إبراهيم، حدثنا عبيد الله بن معاذ، حدثنا أبي، حدثنا شعبة، عن حبيب بن عبد الرحمن، سمع عمته أنيسة قالت: نزل فينا أبو بكر ثلاث سنين: سنتين قبل أن يستخلف، وسنة بعد ما استخلف فكان جواري الحي يأتينه بغنمهن، فيحلبهن لهن.

قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو بكر الأنصاري، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحسين بن القهم، حدثنا محمد بن سعد، أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن مورق عن أبي سعيد بن المعلى قال: سمعت ابن المسيب قال- وأخبرنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن صبيحة، عن أبيه (ح) قال: وأخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الرحمن بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين، لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، سنة إحدى عشرة وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير، من بنى الحارث ابن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرة من شعر، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى المدينة، وأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له سبعة أشهر، يغدو على رجليه وربما ركب على فرس له، فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء الآخرة رجع إلى أهله. وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا يجلب لنا منائحنا.

فسمعها أبو بكر فقال: بلى، لعمري لأحلبنها لكم، وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه. فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية: أتحبين أن أرغى لك أو أن أصرح؟ فربما قالت: أرغ. وربما قالت صرح فأي ذلك قالت فعل.

وله في تواضعه أخبار كثيرة، نقتصر منها على هذا القدر.

خلافته

أخبرنا أبو البركات الحسن بن محمد بن هبة الله الدمشقي، أخبرنا أبو العشائر محمد بن الخليل بن فارس القيسي، أخبرنا أبو القاسم علي بن محمد بن علي بن أبي العلاء المصيصي، أخبرنا أبو محمد بن عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم بن معروف بن أبي حبيب، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أحمد بن أبي ثابت، حدثنا أحمد بن بكرويه البالسي، حدثنا داود بن الحسن المدني، حدثنا المبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتني على حوض، فوردت علي غنم سود وبيض، فأولت السود: العجم، والعفر: العرب، فجاء أبو بكر فأخذ الدلو مني، فنزع ذنوبا أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له، فجاء عمر فملأ الحوض وأروى الوارد». قال: وأخبرنا عبد الرحمن بن عثمان، حدثنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان بن حيدرة، حدثنا الحسن بن حميد بن الربيع الخزاز، حدثنا إبراهيم عن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، عن أبيه، عن جده سلمة، عن أبي الزعراء، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر». قال: وحدثنا خيثمة، حدثنا أحمد بن ملاعب البغدادي، أخبرنا خلف بن الوليد، أخبرنا المبارك بن فضالة، حدثني محمد بن الزبير قال: أرسلني عمر بن العزيز إلى الحسن البصري أسأله عن أشياء، فصعدت إليه فإذا هو متكئ على وسادة من أدم، فقلت: أرسلني إليك عمر أسألك عن أشياء، فأجابني فيما سألته عنه، وقلت: اشفني فيما اختلف الناس فيه: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر؟ فاستوى الحسن قاعدا فقال: أوفى شك هو لا أبا لك؟ إي والله الذي لا إله إلا هو، لقد استخلفه، ولهو كان أعلم بالله، وأتقى له، وأشد مخافة من أن يموت عليها لو لم يأمره.

أخبرنا منصور بن أبي الحسن الطبري بإسناده إلى أبي يعلى، حدثنا زكريا بن يحيى، حدثنا يوسف بن خالد، حدثنا موسى بن دينار المكي، حدثنا موسى بن طلحة، عن عائشة بنت سعد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليصل أبو بكر بالناس. قالوا: لو أمرت غيره؟ قال: لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر». أخبرنا إسماعيل بن علي، وإبراهيم بن محمد وغيرهما، بإسنادهم إلى أبي عيسى السلمي: حدثنا النصر بن عبد الرحمن الكوفي، حدثنا أحمد بن بشير، عن عيسى بن ميمون الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره». قال: وحدثنا أبو عيسى، حدثنا عبد بن حميد، أخبرني يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن أبيه، أخبرني محمد بن جبير بن مطعم أن أباه جبير بن مطعم أخبره: أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: إن لم تجديني فأتي أبا بكر».

أخبرنا أحمد بن عثمان بن أبي علي المقري، أخبرنا أبو رشيد عبد الكريم بن أحمد بن منصور ابن محمد بن سعيد، أخبرنا أبو مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد، حدثنا أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه، حدثنا محمد بن سليمان المالكي، حدثنا يوسف بن محمد بن يوسف الواسطي، حدثنا محمد بن أبان الواسطي، حدثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن البصري، عن علي بن أبي طالب قال: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فصلى بالناس، وإني لشاهد غير غائب، وإني لصحيح غير مريض، ولو شاء أن يقدمني لقدمني، فرضينا لدنيانا من رضيه الله ورسوله لديننا». أخبرنا أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه الشافعي، أخبرنا أبو القاسم إسماعيل ابن أحمد بن عمر السمرقندي، أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد البزاز، أخبرنا عيسى بن على ابن عيسى الوزير، أخبرنا عبد الله بن محمد البلوى، حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا إسحاق الأزرق، عن سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نبيط- يعني ابن شريط- عن سالم ابن عبيد- وكان من أصحاب الصفة-: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد مرضه أغمي عليه، فلما أفاق قال: مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس- قال: ثم أغمي عليه، فقالت عائشة: إن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره؟ فقال: أقيمت الصلاة؟ فقالت عائشة: يا رسول الله، إن أبي رجل أسيف، فلو أمرت غيره؟ قال: إنكن صواحبات يوسف، مروا بلالا فليؤذن، ومروا أبا بكر فليصل بالناس. ثم أفاق فقال: أقيمت الصلاة؟ قالوا: نعم. قال: أدعو إلي إنسانا أعتمد عليه. فجاءت بريرة وإنسان آخر، فانطلقوا يمشون به، وإن رجليه تخطان في الأرض قال: فأجلسوه إلى جنب أبي بكر، فذهب أبو بكر يتأخر، فحبسه حتى فرغ الناس، فلما توفي قال- وكانوا قوما أميين لم يكن فيهم نبي قبله- قال عمر: «لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا» ! قال فقالوا له: اذهب إلى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه، يعني أبا بكر. قال: فذهبت فوجدته في المسجد، قال: فأجهشت أبكي، قال: لعل نبي الله توفي؟

قلت: إن عمر قال: «لا يتكلم أحد بموته إلا ضربته بسيفي هذا» ! قال: فأخذ بساعدي ثم أقبل يمشي، حتى دخل، فأوسعوا له. فأكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد وجهه يمس وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظر نفسه حتى استبان أنه توفى. فقال: {إنك ميت وإنهم ميتون} قالوا: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فعلموا أنه كما قال.

قالوا: يا صاحب رسول الله، هل يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: يجيء نفر منكم فيكبرون فيدعون ويذهبون حتى يفرغ الناس. فعلموا أنه كما قال، قالوا: يا صاحب رسول الله، هل يدفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قالوا: أين يدفن؟ قال: حيث قبض الله روحه، فإنه لم يقبضه إلا في موضع طيب. قال: فعرفوا أنه كما قال. ثم قال: عندكم صاحبكم. ثم خرج، فاجتمع إليه المهاجرون- أو من اجتمع إليه منهم- فقال: انطلقوا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيبا. قال: فذهبوا حتى أتوا الأنصار، قال: فإنهم ليتآمرون إذ قال رجل من الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير» فقام عمر وأخذ بيد أبي بكر، فقال: «سيفان في غمد إذن لا يصطحبان» ثم قال: من له هذه الثلاثة: {إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا} مع من؟ فبسط يد أبي بكر فضرب عليها، ثم قال للناس: بايعوا. فبايع الناس أحسن بيعة».

أخبرنا أبو ياسر بن أبي حبة بإسناده عن عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا حسين ابن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: «لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير» فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: «نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر».

أخبرنا القاسم بن علي الدمشقي، عن أبيه، أخبرنا أبو طالب علي بن عبد الرحمن، حدثنا أبو الحسن الخلعي، أخبرنا أبو محمد بن النحاس، أخبرنا أبو سعيد بن الأعرابي، حدثنا مشرف بن سعيد الواسطي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زر بن حبيش، عن عبد الله قال: كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر، قال: أنشدكم بالله، أمر أبو بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقامه الذي أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: كلنا لا تطيب أنفسنا، نستغفر الله!.

وقد ورد في الصحيح حديث عمر في بيعة أبي بكر، وهو حديث طويل، تركناه لطوله وشهرته.

ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة، فسمع بذلك أبو قحافة فقال: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أمر جليل، فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك. قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع.

وكان عمر بن الخطاب أول من بايعه، وكانت بيعته في السقيفة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كانت بيعة العامة من الغد. وتخلف عن بيعته: علي، وبنو هاشم، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد بن العاص، وسعد بن عبادة الأنصاري. ثم إن الجميع بايعوا بعد موت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سعد بن عبادة، فإنه لم يبايع أحدا إلى أن مات. وكانت بيعتهم بعد ستة أشهر على القول الصحيح، وقيل غير ذلك.

وقام في قتال أهل الردة مقاما عظيما ذكرناه في الكامل في التاريخ.

أخبرنا عبد الوهاب بن هبة الله بإسناده إلى عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي، حدثنا وكيع، حدثنا مسعر وسفيان، عن عثمان بن المغيرة، عن علي بن ربيعة، عن أسماء بن الحكم الفزاري قال: سمعت عليا يقول: كنت إذا سمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني، فإذا حدثني عنه غيره أستحلفه، فإذا حلف لي صدقته، وإنه حدثني أبو بكر- وصدق أبو بكر- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من رجل يذنب فيتوضأ فيحسن الوضوء- قال مسعر: ويصلي، وقال سفيان: ثم يصلي- ركعتين فيستغفر الله إلا غفر له».

وفاته

قال ابن إسحاق: «توفي أبو بكر»، رضي الله عنه، يوم الجمعة، لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة، وصلى عليه عمر بن الخطاب.

وقال غيره: توفي عشي يوم الاثنين. وقيل: ليلة الثلاثاء. وقيل: عشي يوم الثلاثاء، لثمان بقين من جمادى الآخرة.

وأخبرنا أبو محمد بن أبي القاسم إجازة، أخبرنا أبي، أخبرنا أبو الفتح يوسف بن عبد الواحد، حدثنا شجاع بن علي، أخبرنا أبو عبد الله بن منده قال: ولد- يعني أبا بكر- بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياما، ومات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان رجلا أبيض نحيفا، خفيف العارضين، معروق الوجه غائر العينين، ناتىء الجبهة، يخضب بالحناء والكتم. وكان أول من أسلم من الرجال، وأسلم أبواه له، ولوالديه ولولده وولد ولده صحبة، رضي الله عنهم.

قال: وأخبرنا أبي، أخبرنا أبو بكر الفرضي، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عمر ابن حيويه أخبرنا أحمد بن معروف، أخبرنا الحسين بن القهم حدثنا محمد بن سعد، حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، حدثني ليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب أن أبا بكر، والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد. قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد، عند انقضاء السنة.

قال: وأخبرنا أبي بإسناده عن محمد بن سعد، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: كان أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين، لسبع خلون من جمادى الآخرة- وكان يوما باردا- فحم خمسة عشر يوما، لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه وهو يثقل كل يوم وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي صلى الله عليه وسلم، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه، وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، فكانت خلافته سنتين، وثلاثة أشهر وعشر ليال وكان أبو معشر يقول: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، مجمع على ذلك في الروايات كلها، استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين» وهو أول خليفة كان في الإسلام، وأول من حج أميرا في الإسلام، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة سنة ثمان، وسير أبا بكر يحج بالناس أميرا سنة تسع، وهو أول من جمع القرآن، وقيل: علي بن أبي طالب أول من جمعه، وكان سبب جمع أبي بكر للقرآن ما ذكرناه في ترجمة عثمان ابن عفان، وهو أول خليفة ورثه أبوه.

وقال زياد بن حنظلة: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومثله قال عبد الله بن عمر.

ولما حضره الموت استخلف عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة عمر، رضي الله عنه.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 700

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 3- ص: 310

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 3- ص: 205

أبو بكر الصديق (ب) أبو بكر الصديق، رضي الله عنه، واسمه: عبد الله بن عثمان. وقد تقدم ذكره ونسبه ومناقبه في ترجمة اسمه، وقد ذكرنا هناك الاختلاف في اسمه. وأمه سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب، وهي ابنة عم أبيه.
روى حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: من أكبر، أنا أو أنت؟ قال: أنت أكبر، وأكرم وخير مني، وأنا أسن منك. وهذا لا يعرف إلا بهذا الإسناد، والذي عليه أهل العلم أن سن أبي بكر يكمل مع مدة خلافته بمقدار سن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو عمر.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 1290

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 6- ص: 34

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 5- ص: 37

عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميمي، أبو بكر الصديق بن أبي قحافة، خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عامر ابنة عم أبيه.
ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر.
أخرج ابن البرقي من حديث عائشة: تذاكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر ميلادهما عندي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم أكبر.
وصحب النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمر معه طول إقامته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها إلى أن مات، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحج في الناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة تسع، واستقر خليفة في الأرض بعده، ولقبه المسلمون خليفة رسول الله.
وقد أسلم أبوه، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وروى عنه عمر، وعثمان، وعلي، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وحذيفة، وزيد بن ثابت، وعقبة بن عامر، ومعقل بن يسار، وأنس، وأبو هريرة، وأبو أمامة، وأبو برزة، وأبو موسى، وا بنتاه: عائشة، وأسماء، وغيرهم من الصحابة.
وروى عنه من كبار التابعين الصنابحي، ومرة بن شراحيل الطيب، وأوسط البجلي، وقيس بن أبي حازم، وسويد بن غفلة، وآخرون.
قال سعيد بن منصور: حدثني صالح بن موسى، حدثنا معاوية بن إسحاق، عن عائشة
بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: اسم أبي بكر الذي سماه به أهله عبد الله، ولكن غلب عليه اسم عتيق.
وفي «المعرفة» لابن مندة: كان أبيض نحيفا، خفيف العارضين، معروق الوجه، ناتىء الجبهة، يخضب بالحناء والكتم.
وقد ذكر ابن سعد عن الواقدي، وأسنده الزبير بن بكار عنه بسند له إلى عائشة.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن الزهري: كان أبيض لطيفا جعدا مشرف الوركين.
وأخرج أبو يعلى، عن سويد بن غفلة، عن صالح بن موسى بهذا السند إلى عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بفناء البيت إذ جاء أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر»
فغلب عليه اسم عتيق.
وأخرج ابن مندة، من طريق عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، عن أبيه، قال: سألت عائشة عن اسم أبي بكر، فقالت: عبد الله. فقلت: إن الناس يقولون عتيق؟ قالت: إن أبا قحافة كان له ثلاثة أولاد فسمى واحدا عتيقا، والثاني معتقا، والثالث عتيقا، أي بالتصغير.
وفي السند ابن لهيعة.
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر، عن محمد بن سيرين، قال: كان اسم أبي بكر عتيق بن عثمان.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي الدنيا، من طريق ابن أبي مليكة: كان اسم أبي بكر عبد الله، وإنما كان عتيق لقبا.
وفي «المعرفة» لأبي نعيم، من طريق الليث: سمي أبو بكر عتيقا لجماله.
وذكر عباس الدوري، عن يحيى بن جعفر، نحوه».
وفي تاريخ الفضل بن دكين: سمي عتيقا لأنه قديم في الخير.
وقال الفلاس في تاريخه: سمي عتيقا لعتاقة وجهه.
وأخرج الدولابي في الكنى، وابن مندة، من طريق عيسى بن موسى بن طلحة، عن أبيه، عن جده: كانت أم أبي بكر لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، فقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهبه لي.
وقال مصعب الزبيري: سمي عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به.
قال ابن إسحاق: كان أنسب العرب. وقال العجلي: كان أعلم قريش بأنسابها. وقال ابن إسحاق في السيرة الكبرى: كان أبو بكر رجلا مؤلفا لقومه محببا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلمهم مما كان منها من خير أو شر، وكان تاجرا ذا خلق ومعروف، وكانوا يألفونه لعلمه وتجاربه وحسن مجالسته. فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به، فأسلم على يديه عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف.
وفي «تاريخ» محمد بن عثمان بن شيبة، عن سالم بن أبي الجعد: قلت لمحمد بن الحنفية: لأي شيء قدم أبو بكر حتى لا يذكر فيهم غيره؟ قال: لأنه كان أفضلهم إسلاما حين أسلم، فلم يزل كذلك حتى قبضه الله.
وأخرج أبو داود في «الزهد» بسند صحيح عن هشام بن عروة: أخبرني أبي، قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألف درهم. قال عروة: وأخبرتني عائشة أنه مات وما ترك دينارا ولا درهما.
وقال يعقوب بن سفيان في تاريخه: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا هشام، عن أبيه: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا فأنفقها في سبيل الله، وأعتق سبعة كلهم يعذب في الله: أعتق بلالا، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والنهدية وابنتها، وجارية بني المؤمل، وأم عبيس.
وفي المجالسة للدينوري من طريق الأصمعي: أعتق سبعة، فذكرهم، لكن قال: وأم عبيس، وجارية بن عمرو بن المؤمل.
وقال مصعب الزبيري: حدثنا الضحاك بن عثمان، عن ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه: أعتق أبو بكر... فذكر كالأول، ولكن قال: وأم عبيس، وجارية بن المؤمل.
وأخرج من طريق أسامة بن زيد بن أسلم، عن أبيه: كان أبو بكر معروفا بالتجارة، ولقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أربعون ألفا فكان يعتق منها ويعول المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف، وكان يفعل فيها كذلك. وأخرجه ابن الأعرابي في «الزهد» بسند آخر إلى ابن عمر نحوه.
وأخرج الدار الدارقطني في «الأفراد» من طريق أبي إسحاق عن أبي يحيى قال: لا أحصي كم سمعت عليا يقول على المنبر: إن الله عز وجل سمى أبا بكر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم صديقا.
ومناقب أبي بكر رضى الله عنه كثيرة جدا، وقد أفرده جماعة بالتصنيف، وترجمته في تاريخ ابن عساكر قدر مجلدة، ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: إلا تنصروه فقد نصره الله، إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه: {لا تحزن إن الله معنا} فإن المراد بصاحبه أبو بكر بلا نزاع، إذ لا يعترض بأنه لم يتعين، لأنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة عامر بن فهيرة، وعبد الله بن أبي بكر، وعبد الله بن أريقط الدليل، لأنا نقول: لم يصحبه في الغار سوى أبي بكر لأن عبد الله بن أبي بكر استمر بمكة، وكذا عامر بن فهيرة، وإن كان ترددهم إليهما مدة لبثهما في الغار استمرت لعبد الله من أجل الإخبار بما وقع بعدهما، وعامر بسبب ما يقوم بغذائهما من الشياه، والدليل لم يصحبهما إلا من الغار، وكان على دين قومه مع ذلك كما في نفس الخبر.
وقد قيل: إنه أسلم بعد ذلك وثبت في الصحيحين
من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وهما في الغار: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
والأحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة، ولم يشركه في هذه المنقبة غيره.
وعند أحمد، من طريق شهر بن حوشب، عن أبي تميم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر: «لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما».
وأخرج الطبراني، من طريق الوضين بن عطاء، عن قتادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن تميم، عن معاذ بن جبل- أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد أن يرسل معاذا إلى اليمن استشار، فقال كل برأيه، فقال: «إن الله يكره فوق سمائه أن يخطأ أبو بكر».
وعند أبي يعلى، من طريق أبي صالح الحيثي، عن علي، قال: قال لي رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ولأبي بكر: «مع أحدكما جبرائيل، ومع الآخر ميكائيل وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال».
وفي الصحيح عن عمرو بن العاص: قلت يا رسول الله: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة». قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها». قلت: ثم من؟ فذكر رجالا.
وأخرج الترمذي والبغوي والبزار جميعا عن أبي سعيد الأشج، عن عقبة بن خالد، عن شعبة، عن الجريري، عن أبي نصرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال أبو بكر: ألست أول من أسلم؟ ألست أحق بهذا الأمر؟ ألست كذا؟ ألست كذا؟ رجاله ثقات، لكن قال الترمذي والبزار: تفرد به عقبة بن خالد. ورواه عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، فلم يذكر أبا سعيد. قال الترمذي: وهو أصح.
وأخرج البغوي، من طريق يوسف بن الماجشون: أدركت مشيختنا: ابن المنكدر، وربيعة، وصالح بن كيسان، وعثمان بن محمد، لا يشكون أن أبا بكر أول القوم إسلاما.
وأخرج البغوي بسند جيد عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر، قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة أرحم بنا وأحناه علينا. وقال إبراهيم النخعي: كان يسمى الأواه لرأفته. وقال ميمون بن مهران: لقد آمن أبو بكر بالنبي صلى الله عليه وسلم من زمن بحيرا الراهب. واختلف بينه وبين خديجة حتى تزوجها، وذلك قبل أن يولد علي.
وقال العسكري: كانت تساق إليه الأشناق في الجاهلية، وهي الديات التي يتحملها ممن يتقرب لذلك من العشيرة، فكان إذا حمل شيئا من ذلك فسأل فيه قريشا مدحوه وأمضوا إليه حمالته، فإن احتملها غيره لم يصدقوه.
ومن أعظم مناقب أبي بكر أن ابن الدغنة سيد القارة لما رد إليه جواره بمكة وصفه بنظير ما وصفت به خديجة النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث، فتواردا فيهما على نعت واحد من غير أن يتواطئا على ذلك، وهذا غاية في مدحه، لأن صفات النبي صلى الله عليه وسلم منذ نشأ كانت أكمل الصفات، وقد أطنب أبو القاسم بن عساكر في ترجمة الصديق حتى إن ترجمته في تاريخه على كبره تجيء قدر ثمن عشره، وهو مجلد من ثمانين مجلدا.
وذكر ابن سعد من طريق الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة أكلا خزيرة أهديت لأبي بكر، وكان الحارث طبيبا، فقال لأبي بكر: ارفع يدك، والله إن فيها لسم سنة، فلم
يزالا عليلين حتى ماتا عند انقضاء السنة في يوم واحد.
وكانت وفاته يوم الاثنين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة.
ومن الأوهام ما أخرجه البغوي عن علي بن مسلم، عن زياد البكائي، عن محمد بن إسحاق، قال: كانت خلافة أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما، توفي في جمادى الأولى.
وهذا غلط إما في المدة وإما في الشهر، فمن ذلك ما أخرجه من طريق الليث، قال: مات أبو بكر لليلة خلت من ربيع الأول. وقال البغوي: حدثنا محمد بن بكار، حدثنا أبو معشر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، وعن عمر مولى عفرة، وعن محمد بن بزيغ: توفي أبو بكر لثمان بقين من جمادى الآخرة.
قلت: وهذا يطابق المدة التي في رواية ابن إسحاق. ويخلص الوهم إلى الشهر.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 144

أبو بكر الصديق بن أبي قحافة اسمه عبد الله. وقيل عتيق بن عثمان.
تقدم.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 7- ص: 38

أبو بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي التيمي، أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ابن أبي قحافة. أمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، واسمها سلمى. قال ابن عبد البر: لا يختلفون أن أبا بكر شهد بدرا بعد مهاجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولم يكن رفيقه غيره. وهو كان مؤنسه في الغار، وهو أول من أسلم من الرجال في قول طائفة من أهل العلم بالسير والخبر، وأول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يقال له عتيق لجماله وعتاقة وجهه، وقيل: لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، وقيل: كان له أخوان، أحدهما عتيق - بفتح العين، والآخر عتيق - بضم العين، فمات عتيق قبله فسمي باسمه، وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا’’، وفيه يقول حسان بن ثابت:

وقال أبو الهيثم بن التيهان:
وقال أبو محجن الثقفي:
وسمي الصديق لبداره إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما جاء به، وقيل: لتصديقه في خبر الإسراء. وكان في الجاهلية وجيها رئيسا، كانت الأشناق - وهي الديات - إليه في الجاهلية، وأسلم على يديه: الزبير، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمان بن عوف. وأسلم وله أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر’’، وأعتق سبعة كانوا يعذبون في الله منهم: بلال وعامر بن فهيرة. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’دعوا لي صاحبي، فإنكم قلتم كذبت، وقال لي صدقت’’. وقال: ’’إن من أمن الناس علي من صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذا خليلا لا تخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام. لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر’’. وقالوا لأسماء: ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قعودا في المسجد الحرام فتذاكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقول في آلهتهم، فبينا هم كذلك، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فقاموا إليه، وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم فقالوا: ألست تقول آلهتنا كذا وكذا؟ قال: بلى! قالت: فتشبثوا به بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبك! فخرج أبو بكر حتى دخل المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون عليه، فقال: ويلكم ’’أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم’’؟ فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا على أبي بكر رضي الله عنه يضربونه، قالت: فرجع إلينا فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام. وقال أبو بكر: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم، ونحن في الغار: لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما! وعن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته عن شيء فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله، أرأيت إن جئت ولم أجدك - تعني الموت، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجديني فأتي أبا بكر. قال الشافعي: في هذا دليل على أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر. وعن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد’’. وعن عبد الله بن مسعود قال: كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب: أنشدتكم الله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا كلهم: كلنا لا تطيب نفسه ونستغفر الله! وقال قيس بن عباد، قال لي علي بن أبي طالب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأياما ينادى بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر يصل بالناس، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصلاة علم الإسلام، وقوام الدين، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايعنا أبا بكر. وعن عبد الله بن زمعة ابن الأسود قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليل فدعاه بلال إلى الصلاة، فقال لنا: مروا من يصلي بالناس، قال: فخرجت فإذا عمر في الناس وكان أبو بكر غائبا، فقلت: قم يا عمر فصل بالناس، فقام عمر فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، وكان مجهرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، فبعث إلى أبي بكر فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، وصلى بالناس طول علته حتى مات صلى الله عليه وسلم. وقال مسروق: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة. وكان أبو بكر رجلا نحيفا أبيض، خفيف العارضين، أجنى، لا تستمسك أزرته، تسترخي عن حقويه، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع؛ كذا وصفته ابنته عائشة. بويع بالخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم، وتخلف عن بيعته سعد بن عبادة، وطائفة من الخزرج، وفرقة من قريش، ثم بايعوه بعد غير سعد. وقيل: لم يتخلف أحد. وقيل: تخلف علي والزبير، وطلحة، وخالد بن سعيد بن العاص، ثم بايعوه. وقيل: إن عليا لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة، ولم يزل سامعا مطيعا له يثني عليه ويفضله. وعن محمد بن سيرين قال: لما بويع أبو بكر أبطأ علي عنه بيعته، وجلس في بيته، فبعث إليه أبو بكر: ما بطأ بك عني؟ أكرهت إمارتي؟ فقال علي: ما كرهت إمارتك، ولكني آليت أن لا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع القرآن، قال ابن سيرين: فبلغني أنه كتبه على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير. وعن ابن أبجر قال: لما بويع لأبي بكر جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي فقال: غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش، أما والله لأملأنها خيلا ورجالا، فقال علي: مازلت عدو الإسلام وأهله، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا، إنا رأينا أبا بكر لها أهلا. ورواه عبد الرزاق عن ابن المبارك. وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عليا والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها فقال: يا بنت سول الله ما كان من الخلق أحد أحب إلينا من أبيك، وما أحد أحب إلينا بعده منك، وقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلن ولأفعلن، ثم خرج وجاءوها، فقالت لهم: إن عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلن، وأيم الله ليفين بها، فانظروا في أمركم ولا ترجعوا إلي! فانصرفوا فلم يرجعوا حتى بايعوا أبا بكر. وعن عبد الله بن أبي بكر أن خالدا بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة سول الله صلى الله عليه وسلم تربص ببيعته شهرين، ولقي علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وقال: يا بني عبد مناف! لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم! فأما أبو بكر فلم يحفل بها، وأما عمر فأضطغنها عليه، فلما بعث أبو بكر خالدا أميرا على ربع من أرباع الشام - وكان أول من استعمل عليها - فجعل عمر يقول: أتؤمره وقد قال ما قال!؟ فلم يزل بأبي بكر حتى عزله، وولى يزيد بن أبي سفيان، وقال ابن أبي عزة الجمحي:
ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة، فسمع بذلك أبو قحافة فقال: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: أمر جلل! فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك. قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم! قال: لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منعه الله. ومكث أبو بكر في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال، وقيل: سنتين وثلاثة أشهر وسبع ليال. وقال ابن إسحاق: توفي أبو بكر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتي عشرة ليلة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: وعشرة أيام، وقال غيره: وعشرين يوما. وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال. وقال غيره: سنتين ومائة يوم. وكان يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة. وسبب موته أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما لا يخرج للصلاة ويأمر عمر بالصلاة وعثمان ألزم الناس له. وقال ابن إسحاق: توفي يوم الجمعة لسبع ليال بقين من جمادى الآخرة. وقيل: عشي يوم الاثنين. وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس، فغسلته، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمان ابن أبي بكر، ودفن ليلا في بيت عائشة مع النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يختلف أن سنه انتهت إلى ثلاث وستين سنة إلا ما لا يصح. وكان نقش خاتمه: نعم القادر الله، وقيل: عبد ذليل لرب جليل. وكان قد حرم الخمر في الجاهلية هو وعثمان رضي الله عنهما. وقال عروة عن عائشة: إن أبا بكر لم يقل بيت شعر في الإسلام، وقد أورد له ابن رشيق في أول العمدة قال: قال أبو بكر رضي الله عنه في غزوة عبيدة بن الحارث، رواه بن إسحاق وغيره:
قلت: ما أظن أن لحسان بن ثابت الأنصاري مثل هذه الأبيات لأنها في هذه القافية الثائية، وهي في غاية الفصاحة والعذوبة وانسجام التركيب، فرضي الله عنه. وقال أبو الحسين عاصم بن الحسن بن عاصم العاصي:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم:

اسمه عبد الله -ويقال: عتيق- بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي رضي الله عنه.

روى عنه خلق من الصحابة وقدماء التابعين، من آخرهم: أنس بن مالك، وطارق بن شهاب، وقيس بن أبي حازم، ومرة الطيب.

قال ابن أبي مليكة وغيره: إنما كان عتيق لقبا له.

وعن عائشة، قالت: اسمه الذي سماه أهله به "عبد الله" ولكن غلب عليه "عتيق".

وقال ابن معين: لقبه عتيق لأن وجهه كان جميلا، وكذا قال الليث بن سعد.

وقال غيره: كان أعلم قريش بأنسابها.

وقيل: كان أبيض نحيفا خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب شيبه بالحناء والكتم.

وكان أول من آمن من الرجال.

وقال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.

وعن عائشة، قالت: ما أسلم أبو أحد من المهاجرين إلا أبو بكر.

وعن الزهري، قال: كان أبو بكر أبيض أصفر لطيفا جعدا مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.

وجاء أنه اتجر إلى بصرى غير مرة، وأنه أنفق أمواله على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر".

وقال عروة بن الزبير: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف دينار.

وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله أي الرجال أحب إليك؟ قال: "أبو بكر".

وقال أبو سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبهما منافق".

وقال الشعبي، عن الحارث، عن علي، أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبي بكر وعمر، فقال:

"هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي". وروى نحوه من وجوه مقاربة عن زر بن حبيش، وعن عاصم بن ضمرة، وهرم، عن علي وقال طلحة بن عمرو عن عطاء، عن ابن عباس مثله.

وقال محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس مثله. أخرجه الترمذي، قال: حديث حسن غريب. ثم رواه من حديث الموقري، عن الزهري، ولم يصح.

قال ابن مسعود: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا".

روى مثله ابن عباس، فزاد: "ولكن أخي وصاحبي في الله، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر".

هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة، عن عمر أنه قال: أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. صححه الترمذي.

وصحح من حديث الجريري، عن عبد الله بن شقيق، قال: قلت لعائشة: أي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قالت: عمر، قلت: ثم من؟ قالت: أبو عبيدة، قلت: ثم من؟ فسكتت.

مالك في "الموطأ عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر، فقال: "عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عنده"، فقال أبو بكر: فديناك يا رسول الله بآبائنا وأمهاتنا، قال: فعجبنا فقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر". متفق على صحته.

وقال أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن أبي المعلى، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، والأول أصح.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكر، فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة، وما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ألا وإن صاحبكم خليل الله". قال الترمذي: حديث حسن غريب.

وكذا قال في حديث كثير النواء، عن جميع بن عمير، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: "أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار".

وروي عن القاسم، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره". تفرد به عيسى بن ميمون، عن القاسم، وهو متروك الحديث.

وقال محمد بن جبير بن مطعم: أخبرني أبي أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء، فأمرها بأمر فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: "إن لم تجديني فأتى أبا بكر". متفق على صحته.

وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن علي، قال: لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس، وإني لشاهد وما بي مرض، فرضينا لدنيانا من رضي به النبي صلى الله عليه وسلم لديننا.

وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: "ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل، ويأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر". هذا حديث صحيح.

وقال نافع بن عمر: حدثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: "ادعوا لي أبا بكر وابنه فليكتب لكيلا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمنى متمن"، ثم قال: "يأبى الله ذلك والمسلمون". تابعه غير واحد، منهم عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، ولفظه: "معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر".

وقال زائدة، عن عاصم عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر فأم الناس، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر رضي الله عنه.

وأخرج البخاري من حديث أبي إدريس الخولاني، قال: سمعت أبا الدرداء يقول: كان بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر، فانصرف عنه عمر مغضبا فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء: ونحن عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما صاحبكم هذا فقد غامر". قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل أنتم تاركو لي صاحبي؟ إني قلت: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا، فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت".

وأخرج أبو داود من حديث عبد السلام بن حرب، عن أبي خالد الدالاني قال: حدثني أبو خالد مولى جعدة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "أتاني جبريل فأخذ بيدي فأراني الباب الذي تدخل منه أمتي الجنة"، فقال أبو بكر: وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه قال: "أما إنك أول من يدخل الجنة من أمتي". أبو خالد مولى جعدة لا يعرف إلا بهذا الحديث.

وقال إسماعيل بن سميع، عن مسلم البطين، عن أبي البختري، قال: قال عمر لأبي عبيدة: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أنت أمين هذه الأمة"، فقال: ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤمنا، فأمنا حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو بكر بن عياش: أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن؛ لأن في القرآن في المهاجرين: {أولئك هم الصادقون}، فمن سماه الله صادقا لم يكذب، هم سموه وقالوا: يا خليفة رسول الله.

وقال إبراهيم بن طهمان، عن خالد الحذاء، عن حميد بن هلال، قال: لما بويع أبو بكر أصبح وعلى ساعده أبراد، فقال عمر: ما هذا؟ قال: يعني لي عيال، فقال: انطلق يفرض لك أبو عبيدة. فانطلقنا إلى أبي عبيدة، فقال: أفرض لك قوت رجل من المهاجرين وكسوته، ولك ظهرك إلى البيت.

وقالت عائشة: لما استخلف أبو بكر ألقى كل دينار ودرهم عنده في بيت المال، وقال: قد كنت أتجر فيه وألتمس به، فلما وليتهم شغلوني.

وقال عطاء بن السائب: لما استخلف أبو بكر أصبح وعلى رقبته أثواب يتجر فيها، فلقيه عمر وأبو عبيدة فكلماه فقال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا: انطلق حتى نفرض لك. قال: ففرضوا له كل يوم شطر شاة، وماكسوه في الرأس والبطن، وقال عمر: إلي القضاء، وقال أبو عبيدة: إلي الفيء. فقال عمر: لقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان.

وعن ميمون بن مهران، قال: جعلوا له ألفين وخمس مائة.

وقال محمد بن سيرين: كان أبو بكر أعبر هذه الأمة لرؤيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الزبير بن بكار، عن بعض أشياخه، قال: خطباء الصحابة: أبو بكر، وعلي.

وقال عنبسة بن عبد الواحد: حدثني يونس، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها كانت تدعو على من زعم أن أبا بكر قال هذه الأبيات، وقالت: والله ما قال أبو بكر شعرا في جاهلية ولا في إسلام، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.

وقال كثير النواء: عن أبي جعفر الباقر: إن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعلي: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا}.

وقال حصين، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عمر صعد المنبر، ثم قال: ألا إن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، فمن قال غير ذلك بعد مقامي هذا فهو مفتر، عليه ما على المفتري.

وقال أبو معاوية وجماعة: حدثنا سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن ابن عمر قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ذهب أبو بكر وعمر، وعثمان استوى الناس، فيبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره.

وقال علي -رضي الله عنه: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، وعمر. هذا والله العظيم قاله علي وهو متواتر عنه؛ لأنه قاله على منبر الكوفة فلعن الله الرافضة ما أجهلهم؟ وقال السدي، عن عبد خير، عن علي، قال: أعظم الناس أجرا في المصاحف أبو بكر، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين. إسناده حسن.

وقال عقيل: عن الزهري أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث: ارفع يدك يا خليفة رسول الله، والله إن فيها لسم سنة، وأنا وأنت نموت في يوم واحد، قال: فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.

وعن عائشة قالت: أول ما بدئ مرض أبي بكر أنه اغتسل، وكان يوما باردا فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة، وكان يأمر عمر بالصلاة، وكانوا يعودونه، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، وكانت خلافته سنتين ومائة يوم.

وقال أبو معشر: سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، عن ثلاث وستين سنة.

وقال الواقدي: أخبرني ابن أبي سبرة، عن عبد المجيد بن سهيل، عن أبي سلمة. قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر عن محمد بن إبراهيم التيمي. وأخبرنا عمرو بن عبد الله، عن أبي النضر، عن عبد الله النخعي، دخل حديث بعضهم في بعض: أن أبا بكر لما ثقل دعا عبد الرحمن بن عوف، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني، قال: وإن، فقال: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا عثمان فسأله عن عمر، فقال: علمي فيه أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله فقال: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد، وأسيد بن الحضير وغيرهما، فقال قائل: ما تقول لربك إذا سألك عن استخلافك عمر وقد ترى غلظته؟ فقال: أجلسوني، أبالله تخوفوني! أقول: استخلفت عليهم خير أهلك.

ثم دعا عثمان، فقال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا، فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فه، وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب، والخير أردت ولا أعلم الغيب {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.

وقال بعضهم في الحديث: لما أن كتب عثمان الكتاب أغمي على أبي بكر، فكتب عثمان من عنده اسم عمر، فلما أفاق أبو بكر قال: اقرأ ما كتبت، فقرأ، فلما ذكر "عمر" كبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن افتلتت نفسي الاختلاف، فجزاك الله عن الإسلام خيرا، والله إن كنت لها أهلا.

وقال علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه. وقد رواه الليث بن سعد، عن علوان، عن صالح نفسه، قال: دخلت على أبي بكر أعوده في مرضه فسلمت عليه وسألته: كيف أصبحت؟ فقال: بحمد الله بارئا، أما إني على ما ترى وجع، وجعلتم لي شغلا مع وجعي؛ جعلت لكم عهدا بعدي، واخترت لكم خيركم في نفسي فكلكم ورم لذلك أنفه رجاء أن يكون الأمر له.

ثم قال: أما إني لا آسى على شيء إلا على ثلاث فعلتهن، وثلاث لم أفعلهن، وثلاث وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهن: وددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته وإن أغلق على الخرب، وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق عمر أو أبي عبيدة، ووددت أني كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة، وأقمت بذي القصة، فإن ظفر المسلمون وإلا كنت لهم مددا وردءا، وودت أني يوم أتيت بالأشعث أسيرا ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يكون شر إلا طار إليه، ووددت أني يوم أتيت بالفجاءة السلمي لم أكن حرقته وقتلته أو أطلقته، ووددت أني حيث وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فأكون قد بسطت يميني وشمالي في سبيل الله، وودت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم في من هذا الأمر ولا ينازعه أهله، وأني سألته هل للأنصار في هذا الأمر شيء؟ وأني كنت سألته عن العمة وبنت الأخ، فإن في نفسي منها حاجة. رواه هكذا وأطول من هذا ابن وهب، عن الليث بن سعد، عن صالح بن كيسان، أخرجه كذلك ابن عائذ.

وقال محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص، عن أبيه، عن جده، أن عائشة قالت: حضرت أبي وهو يموت فأخذته غشية فتمثلت:

فرفع راسه وقال: يا بنية ليس كذاك، ولكن كما قال الله تعالى: {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد}.

وقال موسى الجهني، عن أبي بكر بن حفص بن عمر أن عائشة تمثلت لا احتضر أبو بكر:

فقال: ليس كذاك ولكن: {وجاءت سكرة الموت بالحق}، إني قد نحلك حائطا، وإن في نفسي منه شيئا فرديه على الميراث، قالت: نعم، قال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم أنأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين شيء إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة، فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر، ففعلت.

وقال القاسم عن عائشة، أن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند آل أبي بكر غير هذه اللقحة وغير هذا الغلام الصيقل، كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا، فإذا مت فادفعيه إل عمر، فلما دفعته إلى عمر قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.

وقال الزهري: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فإن لم تستطع استعانت بابنه عبد الرحمن.

وقال عبد الواحد بن أيمن وغيرهم، عن أبي جعفر الباقر، قال: دخل علي على أبي بكر بعد ما سجي، فقال: ما أحد ألقى الله بصحيفته أحب إلي من هذا المسجي.

وعن القاسم، قال: أوصى أبو بكر أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فحفر له، وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأس عمر عند حقوي أبي بكر.

وقالت عائشة: مات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح.

وعن مجاهد قال: كلم أبو قحافة في ميراثه من ابنه، فقال: قد رددت ذلك على ولده، ثم لم يعش بعده إلا ستة أشهر وأياما.

وجاء أنه ورثه أبوه وزوجاه أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة والدة أم كلثوم، وعبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم.

ويقال: إن اليهود سمته في أرزة فمات بعد سنة، وله ثلاث وستون سنة رضي الله عنه وأرضاه.

ذكر عمال أبي بكر:

قال موسى بن أنس بن مالك: إن أبا بكر استعمل أباه أنسا على البحرين.

وقال خليفة: وجه أبو بكر زياد بن لبيد على اليمن أو المهاجر بن أبي أمية، واستعمل الآخر على كدام، وأقر على الطائف عثمان بن أبي العاص. ولما حج استخلف على المدينة

قتادة بن النعمان. وكان كاتبه عثمان بن عفان، وحاج به سديد مولاه. ويقال: كتب له زيد بن ثابت، وكان وزيره عمر بن الخطاب، وكان أيضا على قضائه، وكان مؤذنه سعد القرظ مولى عمار بن ياسر.

خلافة الصديق -رضي الله عنه- وأرضاه:

قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وأبو بكر بالسنح، فقال عمر: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنه الله فيقطع أيدي رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر الصديق فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وقال: بأبي أنت وأمي، طبت حيا وميتا، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله موتتين أبدا. ثم خرج فقال: أيها الحالف على رسلك. فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: {إنك ميت وإنهم ميتون}، وقال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}، فنشج الناس يبكون، واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منا أمير ومنكم أمير. فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلم فسكته أبو بكر، فكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، فتكلم فأبلغ، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال الحباب بن المنذر: لا والله لا نفعل أبدا، منا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء، قريش أوسط العرب دارا وأعزهم أحسابا، فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك، أنت خيرنا وسيدنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس فقال قائل: قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر: قتله الله. رواه سليمان بن بلال عنه، وهو صحيح السند.

وقال مالك، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، أن عمر خطب الناس فقال في خطبته: وقد بلغني أن قائلا يقول: "لو مات عمر بايعت فلانا". فلا يغترن امرؤ أن يقول: كانت بيعة أبي بكر فلته، وليس منكم من تقطع العناق إليه مثل أبي بكر، وإنه كان خيرنا، حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع المهاجرون، وتخلف علي والزبير في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلفت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، فقلت: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤمهم، فلقينا رجلان صالحان من الأنصار. فقالا: لا عليكم أن لا تأتوهم وأبرموا أمركم. فقلت: والله لنأتينهم، فأتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون على رجل مزمل بالثياب، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة مريض فجلسنا، وقام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن الأنصار وكتيبة الإيمان، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، وقد دفت إليكم دافة يريدون أن يختزلونا من أصلنا ويحضنونا من الأمر.

قال عمر: فلما سكت أردت أن أتكلم بمقالة قد كانت أعجبتني بين يدي أبي بكر، فقال أبو بكر: على رسلك. وكنت أعرف منه الحد، فكرهت أن أغضبه وهو كان خيرا مني وأوفق وأوقر، ثم تكلم فوالله ما ترك كلمة أعجبتني إلا قد قالها وأفضل منها حتى سكت، ثم قال: أما بعد: ما ذكرتم من خير فهو فيكم معشر الأنصار، وأنتم أهله وأفضل منه، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة بن الجراح قال: فما كرهت شيئا مما قال غيرها، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر إلا أن تتغير نفسي عند الموت. فقال رجل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب، منا أمير ومنكم أمير معشر المهاجرين قال: وكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر. فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون وبايعته الأنصار، ونزوا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا. فقلت: قتل الله سعدا قال عمر: فوالله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا أوفق من مبايعة أبي بكر، خشينا إن نحن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما بايعناهم على ما لا نرضى، وإما خالفناهم فيكون فساد.

رواه يونس بن يزيد، عن الزهري بطوله، فزاد فيه: قال عمر: "فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت، فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله وقى شرها، فمن بايع رجلا عن غير مشورة، فإنه لا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا". متفق على صحته.

وقال عاصم بن بهدلة، عن زر، عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن أبا بكرقد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤم الناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ -يعني في الصلاة- فقال الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر. رواه الناس، عن زائدة عنه.

وقال يزيد بن هارون: أخبرنا العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة، فقال: ابسط يدك لأبايعك، فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت، أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟

وروى نحوه عن مسلم البطين، عن أبي البختري.

وقال ابن عون، عن ابن سيرين، قال أبو بكر لعمر: ابسط يدك نبايع لك. فقال عمر: أنت أفضل مني فقال أبو بكر: أنت أقوى مني. قال: إن قوتي لك مع فضلك.

وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد، فأتاهم أبو بكر وجماعة، فقام الحباب بن المنذر، وكان بدريا، فقال: منا أمير ومنكم أمير.

وقال وهيب: حدثنا داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول: يا معشر المهاجرين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان منا ومنكم. قال: وتتابعت خطباء الأنصار على ذلك، فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين، وإنما يكون الإمام من المهاجرين، ونحن أنصاره، كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقام أبو بكر، فقال: جزاكم الله خيرا من حي يا معشر الأنصار وثبت قائلكم، أم والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم. ثم أخذ زيد بيد أبي بكر فقال: هذا صاحبكم فبايعوه. قال: فلما قعد أبو بكر على المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير عليا، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعه، ثم لم ير الزبير، فسأل عنه حتى جاؤوا به، فقال: ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحواريه أردت أن تشق عصا المسلمين! فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله، فبايعاه.

روى منه أحمد في "مسنده" إلى قوله: "لما صالحناكم" عن عفان، عن وهيب. ورواه بتمامه ثقة، عن عفان.

وقال الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس: قال عمر في خطبته: وإن عليا والزبير ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج يا ابن الخطاب، فخرجت، فقال: إن الأنصار قد اجتمعوا فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون بيننا وبينهم فيه حرب، وقال في الحديث: وتابعه المهاجرون والأنصار فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل: قتلتم سعدا. قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعدا فإنه صاحب فتنة شر.

وهذا من حديث جويرية بن أسماء، عن مالك. وروى مثله الزبير بن بكار، عن ابن عيينة، عن الزهري.

وقال أبو بكر الهذلي، عن الحسن، عن قيس بن عباد، وابن الكواء، أن عليا -رضي الله عنه- ذكر مسيره وبيعة المهاجرين أبا بكر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت فجاءة، مرض ليالي، يأتيه بلال فيؤذيه بالصلاة فيقول: "مروا أبا بكر بالصلاة"، فأرادت امرأة من نسائه أن تصرفه إلى غيره فغضب، وقال: "إنكن صواحب يوسف"، فملا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اخترنا واختار المهاجرون والمسلمون لدنياهم من اختاره رسول الله لدينهم، وكانت الصلاة عظم الأمر وقوام الدين.

وقال الوليد بن مسلم: فحدثني محمد بن حرب، قال: حدثنا الزبيدي، قال: حدثني الزهري، عن أنس أنه سمع خطبة عمر الآخرة، قال: حين جلس أبو بكر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتشهد عمر، ثم قال: أما بعد، فإني قلت لكم أمس مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وما وجدت في المقالة التي قلت لكم في كتاب الله ولا في عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن رجوت أنه يعيش حتى يدبرنا -يقول حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم آخرنا -فاختار الله لرسوله ما عنده على الذي عندكم، فإن يكن رسول الله قد مات، فإن الله قد جعل بين أظهركم كتابه الذي هدى به محمدا، فاعتصموا به تهتدوا بما هدى به محمدا صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أحق الناس بأمرهم، فقوموا فبايعوه، وكان طائفة منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت البيعة على المنبر بيعة العامة. صحيح غريب.

وقال موسى بن عقبة، عن سعد بن إبراهيم: حدثني أبي أن أباه عبد الرحمن بن عوف كان مع عمر، وأن محمد بن مسلمة كسر سيف الزبير، ثم خطب أبو بكر واعتذر إلى الناس، وقال: والله ما كنت حريصا على الإمارة يوما ولا ليلة ولا سألتها الله في سر ولا علانية.

فقبل المهاجرون مقالته. وقال علي والزبير: ما غضبنا إلا؛ لأنا أخرنا عن المشاورة، وإنا نرى أبا بكر أحق الناس بها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لصاحب الغار، وإنا لنعرف شرفه وخيره، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة بالناس وهو حي.

وقد قيل: إن عليا -رضي الله عنه- تمادى عن المبايعة مدة، فقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان، عن عروة، عن عائشة قالت: لما توفيت فاطمة بعد وفاة أبيها بستة أشهر اجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكر: ائتنا. فقال عمر: لا والله لا تأتهم فقال أبو بكر: والله لآتينهم وما تخاف علي منهم! فجاءهم حتى دخل عليهم فحمد الله، ثم قال: إني قد عرفت رأيكم، قد وجدتم علي في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، والله ما صنعت ذاك إلا أني لم أكن أريد أن أكل شيئا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أرى أثره فيه وعمله إلى غيري حتى أسلك به سبيله وأنفذه فيما جعله الله، ووالله؛ لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي لقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولعظيم حقه. ثم تشهد علي، وقال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيرا جعله الله لك أن لا تكون أهلا لما أسند إليك، ولكنا كنا من الأمر حيث قد علمت فتفوت به علينا، فوجدنا في أنفسنا، وقد رايت أن أبايع وأدخل فيمادخل فيه الناس، وإذا كانت العشية فصل بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك فأبايعك. فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي، وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه، فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذك أبا بكر وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من الخير، ثم قام إلى أبي بكر فبايعه.

أخرجه البخاري من حديث عقيل عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وفيه: وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلا توفيت استنكر علي وجوه الناس، فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته.

قصة الأسود العنسي:

قال سيف بن عمر التميمي: حدثنا المستنير بن يزيد النخعي، عن عروة بن غزية، عن الضحاك بن فيروز الديلمي، عن أبيه قال: أول ردة كانت في الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد عبهلة بن كعب، وهو الأسود، في عامة مذحج: خرج بعد حجة الوداع،

وكان شعباذا يريهم الأعاجيب، ويسبي قلوب من يسمع منطقه، فوثب هو ومذحج بنجران إلى أن سار إلى صنعاء فأخذها، ولحق بفروة من تم على إسلامه، ولم يكاتب الأسود رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن معه أحد يشاغبه، وصفا له ملك اليمن.

فروى سيف، عن سهل بن يوسف، عن أبيه، عن عبيد بن صخر، قال: بينما نحن بالجند قد أقمناهم على ما ينبغي، وكتبنا بيننا وبينهم الكتب، إذا جاءنا كتاب من الأسود أن أمسكوا علينا ما أخذتم من أرضنا، ووفروا ما جمعتم فنحن أولى به، وأنتم على ما أنتم عليه، فبينا نحن ننظر في أمرنا إذ قيل: هذا الأسود بشعوب، وقد خرج إليه شهر بن باذام، ثم أتانا الخبر أنه قتل شهرا وهزم الأبناء، وغلب على صنعاء بعد نيف وعشرين ليلة، وخرج معاذ هاربا حتى مر بأبي موسى الأشعري بمأرب، فاقتحما حضرموت.

وغلب الأسود على ما بين أعمال الطائف إلى البحرين وغير ذلك، وجعل يستطير استطارة الحريق، وكان معه سبع مائة فارس يوم لقي شهرا، وكان قواده: قيس بن عبد يغوث، ويزيد بن مخزوم، وفلان، وفلان واستغلظ أمره وغلب على أكثر اليمن، وارتد معه خلق، وعامله المسلمون بالتقية. وكان خليفته في مذحج عمرو بن معد يكرب، وأسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث، وأمر الأبناء إلى فيروز الديلمي، وذادويه. فلما أثخن في الأرض استخف بهؤلاء، وتزوج امرأة شهر، وهي بنت عم فيروز، قال: فبينا نحن كذلك بحضرموت ولا نأمن أن يسير إلينا الأسود، وقد تزوج معاذ في السكون، إذ جاءتنا كتب النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا فيها أن نبعث الرجال لمجاولته ومصاولته، فقام معاذ في ذلك، فعرفنا القوة ووثقنا بالنصر.

وقال سيف: حدثنا المستنير، عن عروة، عن الضحاك بن فيروز، عن جشنس بن الديلمي، قال: قدم علينا وبر بن يحنس بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنا فيه بالنهوض في أمر الأسود فرأينا أمر كثيفا، ورأينا الأسود قد تغير لقيس بن عبد يغوث، فأخبرنا قيسا وأبلغناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنا وقعنا عليه، فأجابنا، وجاء وبر وكاتبنا الناس ودعوناهم، فأخبر الأسود شيطانه فأرسل إلى قيس، فقال: ما يقول الملك؟ قال: يقول: عمدت إلى قيس فأكرمته، حتى إذا دخل منك كل مدخل مال ميل عدوك. فحلف له وتنصل، فقال: أتكذب الملك؟ قد صدق وعرفت أنك تائب. قال: فأتانا قيس وأخبرنا فقلنا: كن على حذر، وأرسل إلينا الأسود: ألم أشرفكم على قومكم، ألم يبلغني عنكم؟ فقلنا: أقلنا مرتنا هذه، فقال: فلا يبلغني عنكم فاقتلكم. فنجونا ولم نكد، وهو في ارتياب من أمرنا. قال: فكاتبنا عامر بن شهر، وذو الكلاع، وذو ظليم، فأمرناهم أن لا يتحركوا بشيء، قال: فدخلت على امرأته آزا

فقلت: يا ابنة عم قد عرفت بلاء هذا الرجل، وقتل زوجك وقومك وفضح النساء، فهل من ممالأة عليه؟ قالت: ما خلق الله أبغض إلي منه، ما يقوم لله على حق ولا ينتهي عن حرمة.

فخرجت فإذا فيروز وزادويه ينتظراني، وجاء قيس ونحن نريد أن نناهضه، فقال له رجل قبل أن يجلس: الملك يدعوك. فدخل في عشرة فلم يقدر على قتله معهم، وقال: أنا عبهلة أمني تتحصن بالرجال؟ ألم أخبرك الحق وتخبرني الكذب، تريد قتلي! فقال: كيف وأنت رسول الله فمرني بما أحببت، فأما الخوف والفزع فأنا فيهما فاقتلني وأرحني فرق له وأخرجه، فخرج علينا، وقال: اعملوا عملكم، وخرج علينا الأسود في جمع، فقمنا له، وبالباب مائة بقرة وبعير فنحرها، ثم قال: أحق ما بلغني عنك يا فيروز؟ لقد هممت بقتلك فقال: اخترتنا لصهرك وفضلتنا على الأبناء، وقد جمع لنا أمر آخرة ودنيا، فلا تقبلن علينا أمثال ما يبلغك.

فقال: اقسم هذه، فجعلت آمر للرهط بالجزور ولأهل البيت بالبقرة. ثم اجتمع بالمرأة، فقالت: هو متحرز، والحرس محيطون بالقصر سوى هذا الباب فانقلبوا عليه، وهيأت لنا سراجا. وخرجت فتلقاني الأسود خارجا من القصر، فقال: ما أدخلك؟ ووجأ رأسي فسقطت، فصاحت المرأة وقالت: ابن عمي زارني. فقال: اسكتي لا أبا لك قد وهبته لك.

فأتيت أصحابي وقلت: النجاء، وأخبرتهم الخبر، فأنا على ذلك إذ جاءني رسولها: لا تدعن ما فارقتك عليه، فقلنا لفيروز: ائتها وأتقن أمرنا، وجئنا بالليل دخلنا، فإذا سراج تحت جفنة، فاتقينا بفيروز، وكان أنجدنا، فلما دنا من البيت سمع غطيطا شديدا، وإذا المرأة جالسة. فلما قام فيروز على الباب أجلس الأسود شيطانه وكلمه فقال: وأيضا فما لي ولك يا فيروز! فخشي إن رجع أن يهلك هو والمرأة، فعاجله وخالطه وهو مثل الجمل، فأخذ برأسه فدق عنقه وقتله، ثم قام ليخرج فأخذت المرأة بثوبه تناشده، فقال: أخبر أصحابي بقتله. فأتانا فقمنا معه، فأردنا حز رأسه فحركه الشيطان واضطرب، فلم نضبطه، فقال: اجلسوا على صدره.

فجلس اثنان وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمته بملاءة. وأمر الشفرة على حلقه، فخار كأشد خوار ثور، فابتدر الحرس الباب: ما هذا؟ ما هذا؟ قالت: النبي يوحى إليه قال: وسمرنا ليلتنا كيف نخبر أشياعنا، فأجمعنا على النداء بشعارنا ثم بالأذان، فلما طلع الفجر نادى داذويه بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، واجتمع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالأذان، وتوافت خيولهم إلى الحرس، فنادينهم: أشهد أن محمدا رسول الله، وأن عبهلة كذاب، وألقينا إليهم الرأس، وأقام وبر الصلاة، وشنها القوم غارة، ونادينا: يا أهل صنعاء من دخل عليه داخل فتعلقوا به، فكثر النهب والسبي، وخلصت صنعاء والجند، وأعز الله الإسلام، وتنافسنا الإمارة، وتراجع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاصطلحنا على معاذ بن جبل، فكان يصلي بنا، وكتبنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخير فقدمت رسلنا، وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم صبيحتئذ فأجابنا أبو بكر رضي الله عنه.

وروى الواقدي عن رجاله، قال: بعث أبو بكر قيس بن مكشوح إلى اليمن، فقتل الأسود العنسي، هو وفيروز الديلمي ولقيس هذا أخبار، وقد ارتد، ثم أسره المسلمون فعفا عنه أبو بكر، وقتل مع علي بصفين.

جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما:

قال هشام بن عروة، عن أبيه، قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه: "أنفذوا جيش أسامة"، فسار حتى بلغ الجرف، فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول: لا تعجل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل، فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رجع إلى أبي بكر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وأنا أتخوف أن تكفر العرب، وإن كفرت كانوا أول من نقاتل، وإن لم تكفر مضيت، فإن معي سروات الناس وخيارهم، قال: فخطب أبو بكر الناس، ثم قال: والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فبعثه أبو بكر، واستأذن لعمر أن يتركه عنده، وأمر أن يجزر في القوم، أن يقطع الأيدي، والأرجل والأوساط في القتال، قال: فمضى حتى أغار، ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا.

فكان عمر يقول: ما كنت لأحيي أحدا بالإمارة غير أسامة؛ لان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير، قال: فسار فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسترتهم، حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم، قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبرا واحدا، فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا؟

وعن الزهري، قال: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام وانصرف، فكان مسيره ذاهبا وقافلا أربعين يوما.

وقيل: كان ابن عشرين سنة.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: فلما فرغوا من البيعة، واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة بن زيد: امض لوجهك. فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار وقالوا: أمسك أسامة وبعثه فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: أنا أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم! لقد اجترأت على أمر عظيم، والذي نفسي بيده لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشا بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به، ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين، وعلى أهل مؤتة، فإن الله سيكفي ما تركت، ولكن إن رأيت أن تاذن لعمر فأستشيره وأستعين به فافعل، ففعل أسامة ورجع عامة العرب عن دينهم وعامة أهل المشرق وغطفان، وأسد عامة أشجع، وتمسكت طيئ بالإسلام.

شأن أبي بكر وفاطمة رضي الله عنهما:

قال الزهري عن عروة، عن عائشة أن فاطمة سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فقال لها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة". فغضبت وهجرت أبا بكر حتى توفيت.

وأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله، حتى كنت أنا رددتهن فقلت لهن: ألا تتقين الله؟ ألم تسمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا نورث، ما تركنا صدقة إنما يأكل آل محمد في هذا المال".

وقال أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقتسم ورثتي دينارا، ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤونة عاملي فهو صدقة".

وقال محمد بن السائب -وهو متروك- عن أبي صالح مولى أم هانئ، أن فاطمة دخلت على أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر أرأيت لو مت اليوم من كان يرثك؟ قال: أهلي وولدي.

فقالت: مالك ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم من دون أهله وولده! فقال: ما فعلت يا ابنة رسول الله.

قالتك بلى قد عمدت إلى فدك وكانت صافية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذتها، وعمدت إلى ما أنزل الله من المساء فرفعته منا، فقال: لم أفعل، حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يطعم النبي الطعمة ما كان حيا فإذا قبضه رفعها. قالت: أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، ما أنا بسائلتك بعد مجلسي هذا.

ابن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي الطفيل، قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فاطمة إلى أبي بكر: أنت وريث رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ فقال: لا بل أهله. قالت: فأين سهمه؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله إذا أطعم نبيا طعمة ثم قبضه جعلها للذي يقوم من بعده"، فرأيت أن أرده على المسلمين. قالت: أنت وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم.

رواه أحمد في "مسنده"، وهو منكر، وأنكر ما فيه قوله: "لا، بل أهله".

وقال الوليد بن مسلم، وعمر بن عبد الواحد: حدثنا صدقة أبو معاوية، عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عن يزيد الرقاشي، عن أنس أن فاطمة أتت أبا بكر فقالت: قد علمت الذي خلفنا عنه من الصدقات أهل البيت. ثم قرأت عليه {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول}، إلى آخر الآية، فقال لها: بأبي وأمي أنت ووالدك وولدك، وعلي السمع والصبر، كتاب الله وحق رسول وحق قرابته، أنا أقرأ من كتاب الله مثل الذي تقرئين، ولا يبلغ علمي فيه أن أرى لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله من الخمس يجري بجماعته عليهم. قالت: أفلك هو ولقرابتك؟ قال: لا، وأنت عندي أمينة مصدقة، فإن كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهدا، ووعدك موعدا أوجبه لك حقا صدقتك وسلمته إليك. قالت: لا، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه في ذلك قال: أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى. فقال أبو بكر: صدقت فلك الغنى، ولم يبلغ علمي فيه ولا بهذه الآية أن يسلم هذا السهم كله كاملا، ولكن لكم الغنى الذي يغنيكم، ويفضل عنكم، فانظري هل يوافقك على ذلك أحد منهم، فانصرفت إلى عمر فذكرت له كما ذكرت لأبي بكر، فقال لها مثل الذي راجعها به أبو بكر، فعجبت وظنت أنهما قد تذاكر ذلك واجتمعا عليه.

وبالإسناد إلى محمد بن عبد الله -من دون ذكر الوليد بن مسلم- قال: حدثني الزهري، قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول: كان عمر عرض علينا أن يعطينا من الفيء بحق ما يرى أنه لنا من الحق، فرغبنا عن ذلك وقلنا: لنا ما سمى الله من حق ذي القربى، وهو خمس الخمس، فقال عمر: ليس لكم ما تدعون لكم حق، إنما جعل الله الخمس لأصناف سماهم، فأسعدهم فيه حظا أشدهم فاقة وأكثرهم عيالا. قال: فكان عمر يعطي من قبل منا من الخمس والفيء نحو ما يرى أنه لنا، فأخذ ذلك منا ناس وتركه ناس.

وذكر الزهري أن مالك بن أوس بن الحدثان النصري قال: كنت عند عمر -رضي الله عنه- فقال لي: يا مالك إنه قدم علينا من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقسمه بينهم، قلت: لو أمرت به غيري، قال: اقبضه أيها المرء، قال: وأتاه حاجبه يرفأ فقال: هل لك في عثمان، والزبير، وعبد الرحمن وسعد يستأذنون؟ قال: نعم، فدخلوا وسلموا وجلسوا، ثم لبث يرفأ قليلا، ثم قال لعمر: هل لك في علي والعباس؟ قال: نعم فلما دخلا سلما فجلسا، فقال عباس: يا أمير المؤمنين اقض بيني وبين هذا الظالم الفاجر الغادر الخائن، فاستبا، فقال عثمان وغيره: يا أمير المؤمنين اقض بينهما وأرح أحدهما من الآخر. فقال: أنشدكما بالله هل تعلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة"؟ قالا: قد قال ذلك قال: فإني أحدثكم عن هذا الأمر: إن الله كان قد خص رسوله في هذا الفيء بشيء لم يعطه غيره، فقال تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء}، فكانت هذه خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق على أهله نفقة سنتهم من هذا المال، ثم يجعل ما بقي مجعل مال الله. أنشدكم بالله هل تعلمون ذلك؟ قالوا: نعم توفى الله نبيه، فقال أبو بكر: أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، فقبضها وعمل فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، وأنتما تزعمان أن أبا بكر فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد، ثم توفاه الله فقلت: أنا ولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي أبي بكر، فقبضتها سنتين من إمارتي، أعمل فيها بعمله، وأنتم حينئذ، وأقبل علي علي، وعباس يزعمون أني فيها كاذب فاجر غادر، والله يعلم أني فيها لصادق بار راشد تابع للحق، ثم جئتماني وكلمتكما واحدة وأمركما جميع، فجئتني تسألني عن نصيبك من ابن أخيك، وجاءني هذا يسألني عن نصيب امرأته من أبيها فقلت: لكما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورث ما تركنا صدقة" فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت: إن شئتما دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه فتعملان فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما عمل فيها أبو بكر وإلا فلا تكلماني فقلتما: ادفعها إلينا بذلك، فدفعتها إليكما؛ أنشدكم بالله هل دفعتها إليهما بذلك؟ قال الرهط: نعم، فأقبل على علي وعباس فقال: أنشدكما بالله هل دفعتها إليكما بذلك؟ قالا: نعم قال: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك! فوالذي بإذنه تقوم السماء والأرض لا أقضي فيها غير ذلك حتى تقوم الساعة، فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي أكفيكماها.

قال الزهري: وحدثني الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والذي نفسي بيده لا يقتسم ورثتني شيئا مما تركت، ما تركنا صدقة". فكانت هذه الصدقة بيد علي غلب عليها العباس، وكانت فيها خصومتهما، فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها عباس غلبه عليها علي، ثم كانت على يدي الحسن، ثم كانت بيد الحسين، ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن، كلاهما يتداولانها، ثم بيد زيد، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا.

خبر الردة:

لما اشتهرت وفة النبي صلى الله عليه وسلم بالنواحي، ارتد طوائف كثيرة من العرب عن الإسلام ومنعوا الزكاة، فنهض أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لقتالهم، فأشار عليه عمر وغيره أن يفتر عن قتالهم. فقال: والله لو منعوني عقالا أو عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله فمن قالها عصم مني ماله ودمه إلا بحقها وحسابه على الله"؟ فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال وقد قال: "إلا بحقها" قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق.

فعن عروة وغيره قال: فخرج أبو بكر في المهاجرين والأنصار حتى بلغ نقعا حذاء نجد، وهربت الأعراب بذراريهم، فكلم الناس أبا بكر، وقالوا: ارجع إلى المدينة وإلى الذرية والنساء وأمر رجلا على الجيش، ولم يزالوا به حتى رجع وأمر خالد بن الوليد، وقال له: إذا أسلموا وأعطوا الصدقة فمن شاء منكم فليرجع، ورجع أبو بكر إلى المدينة.

وقال غيره: كان مسيره في جمادى الآخر فبلغ ذا القصة، وهي على بريدين وأميال من ناحية طريق العراق، واستخلف عن المدينة سنانا الضمري، وعلى حفظ أنقاب المدينة عبد الله بن مسعود.

وقال ابن لهيعة: أخبرنا أسامة بن زيد، عن الزهري، عن حنظلة بن علي الليثي، أن أبا بكر بعث خالدا، وأمره أن يقاتل الناس على خمس، من ترك واحدة منهن قاتله كما يقاتل من ترك الخمس جميعا: على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان.

وقال عروة، عن عائشة: لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضمها، اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب، فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها من الإسلام.

وعن يزيد بن رومان أن الناس قالوا له: إنك لا تصنع بالمسير بنفسك شيئا، ولا تدري لمن تقصد، فأمر من تثق به وارجع إلى المدينة، فإنك تركت بها النفاق يغلي، فعقد لخالد على الناس، وأمر على الأنصار خاصة ثابت بن قيس بن شماس، وأمر خالدا أن يصمد لطليحة الأسدي.

وعن الزهري، قال: سار خالد بن الوليد من ذي القصة في ألفين وسبع مائة إلى ثلاثة آلاف، يريد طليحة، ووجه عكاشة بن محصن الأسدي حليف بني عبد شمس، وثابت بن أقرم الأنصاري -رضي الله عنهما- فانتهوا إلى قطن فصادفوا فيها حبالا متوجها إلى طليحة بثقله، فقتلوه وأخذوا ما معه، فساق وراءهم طليحة وأخوه سلمة فقتلا عكاشة وثابتا.

وقال الوليد الموقري، عن الزهري، قال: فسار خالد فقاتل طليحة الكذاب فهزمه الله، وكان قد بايع عيينة بن حصن، فلما رأى طليحة كثرة انهزام أصحابه قال: ما يهزمكم؟ فقال رجل: أنا أحدثك، ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله، وإنا نلقى قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه، وكان طليحة رجلا شديد البأس في القتال، فقتل طليحة يومئذ عكاشة بن محن وثابت بن أقرم، وقال طليحة:

فلما غلب الحق طليحة ترجل. ثم أسلم وأهل بعمرة، فركب يسير في الناس آمنا، حتى مر بأبي بكر بالمدينة، ثم سار إلى مكة فقضى عمرته، ثم حسن إسلام.

وفي غير هذه الرواية أن خالدا لقي طليحة ببزاخة، ومع طليحة عيينة بن حصن، وقرة بن هبيرة القشيري، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم رب طليحة وأسر عيينة وقرة، وبعث بهما إلى أبي بكر فحقن دماءهما.

وذكر أن قيس بن مكشوح أحد من قتل الأسود العنسي ارتد، وتابعه جماعة من أصحاب الأسود، وخافه أهل صنعاء، وأتى قيس إلى فيروز الديلمي وذادويه يستشيرهما في شأن أصحاب الأسود خديعة منه، فاطمأنا إليه، وصنع لهما من الغد طعاما، فأتاه ذادويه فقتله. ثم أتاه فيروز ففطن بالأمر فهرب، ولقيه جشيش بن شهر ومضى معه إلى جبال خولان، وملك قيس صنعاء، فكتب فيروز إلى أبي بكر يستمده. فأمده، فلقوا قيسا فهزمواه ثم أسروه وحملوه إلى أبي بكر -رضي الله عنه- فوبخه، فأنكر الردة فعفا عنه أبو بكر.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: فسار خالد -وكان سيفا من سيوف الله- فأسرع السير حتى نزل ببزاخة، وبعثت إليه طيء إن شئت أن تقدم علينا فإنا سامعون مطيعون، وإن شئت نسير إليك؟ قال خالد: بل أنا ظاعن إليكم إن شاء الله، فلم يزل ببزاخة، وجمع له هناك العدو بنو أسد وغطفان فاقتتلوا، حتى قتل من العدو خلق وأسر منهم أسارى، فأمر خالد بالحظر أن تبنى، ثم أوقد فيها النيران وألقى الأسارى فيها، ثم ظعن يريد طيئا، فأقبلت بنو عامر وغطفان والناس مسلمين مقرين بأداء الحق، فقبل منهم خالد.

وقتل في ذلك الوجه مالك بن نويرة التميمي في رجال معه من تميم، فقالت الأنصار: نحن راجعون، قد أقرت العرب بالذي كان عليها، فقال خالد ومن معه من المهاجرين: قد لعمري آذن لكم وقد أجمع أميركم بالمسير إلى مسيلمة بن ثمامة الكذاب، ولا نرى أن تفرقوا على هذه الحال، فإن ذلك غير حسن، وإنه لا حجة لأحد منكم فارق أميره وهو أشد ما كان إليه حاجة، فأبت الأنصار إلا الرجوع، وعزم خالد ومن معه، وتخلفت الأنصار يوما أو يومين ينظرون في أمرهم، وندموا وقالوا: ما لكم والله عذر عند الله، ولا عند أبي بكر إن أصيب هذا الطرف وقد خذلناهم، فأسرعوا نحو خالد ولحقوا بهن فسار إلى اليمامة، وكان مجاعة بن مرارة سيد بني حنيفة خرج في ثلاثة وعشرين فارسا يطلب دما في بني عامر، فأحاط بهم المسلمون، فقتل أصحاب مجاعة وأوثقه.

وقال العطاف بن خالد: حدثني أخي عبد الله عن بعض آل عدي، عن وحشي، قال: خرجنا حتى أتينا طليحة فهزمهم الله، فقال خالد: لا أرجع حتى آتي مسيلمة حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال له ثابت بن قيس: إنما بعثنا إلى هؤلاء وقد كفى اللهم مؤونتهم، فلم يقبل منه، وسار، ثم تبعه ثابت بعد يوم في الأنصار.

مقتل مالك بن نويرة التميمي الحنظلي اليربوعي:

قال ابن إسحاق: أتى خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في رهط من قومه بني حنظلة، فضرب أعناقهم، وسار في أرض تميم، فلما غشوا قوما منهم أخذوا السلاح، وقالوا: نحن مسلمون، فقيل لهم: ضعوا السلاح فوضعوه، ثم صلى المسلمون وصلوا.

فروى سالم بن عبد الله، عن أبيه، قال: قدم أبو قتادة الأنصاري على أبي بكر فأخبره بقتل مالك بن نويرة وأصحابه، فجزع لذلك، ثم ودى مالك ورد السبي والمال.

وروي أن مالكا كان فارسا شجاعا مطاعا في قومه وفيه خيلاء، كان يقال له: الجفول. قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم فولاه صدقة قومه، ثم ارتد، فلما نازله خالد قال: أنا آتي بالصلاة دون الزكاة. فقال: أما علمت أن الصلاة والزكاة معا؟ لا تقبل واحدة دون الأخرى! فقال: قد كان صاحبك يقول ذلك. قال خالد: وما تراه لك صاحبا! والله لقد هممت أن أضرب عنقك، ثم تحاورا طويلا فصمم على قتله: فكلمه أبو قتادة الأنصاري وابن عمر، فكره كلامهما، وقال لضرار بن الأزور: اضرب عنقه، فالتفت مالك إلى زوجته وقال: هذه التي قتلتني، وكانت في غاية الجمال، قال خالد: بل الله قتلك برجوعك عن الإسلام فقال: أنا على الإسلام.

فقال: اضرب عنقه، فضرب عنقه، وجعل رأسه أحد أثافي قدر طبخ فيها طعام، ثم تزوج خالد بالمرأة، فقال أبو زهير السعدي من أبيات:

وذكر ابن الأثير في "كامله" وفي "معرفة الصحابة"، قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، وظهرت سجاح وادعت النبوة صالحها مالك، ولم تظهر منه ردة، وأقام بالبطاح، فلما فرغ خالد من أسد وغطفان سار إلى مالك وبث سرايا، فأتى بمالك. فذكر الحديث وفيه: فلما قدم خالد قال عمر: يا عدو الله قتلت امرأ مسلما ثم نزوت على امرأته، لأرجمنك وفيه أن أبا قتادة شهد أنهم أذنوا وصلوا.

وقال الموقري، عن الزهري قال: وبعث خالد إلى مالك بن نويرة سرية فيهم أبو قتادة، فساروا يومهم سراعا حتى انتهوا إلى محلة الحي، فخرج مالك في رهطة فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المسلمون، فزعم أبو قتادة أنه قال: وأنا عبد الله المسلم، قال: فضع السلاح، فوضعه في اثني عشر رجلا، فلما وضعوا السلاح ربطهم أمير تلك السرية وانطلق بهم أسارى، وسار معهم السبي حتى أتوا بهم خالدا، حدث أبو قتادة خالدا أن لهم أمانا وأنهم قد ادعوا إسلاما، وخالف أبا قتادة جماعة السرية، فأخبروا خالدا أنه لم يكن لهم أمان، وإنما أسروا قسرا، فأمر بهم خالد فقتلوا وقبض سبيهم، فركب أبو قتادة فرسه وسار قبل أبي بكر فلما قدم عليه قال: تعلم أنه كان لمالك بن نويرة عهد وأنه ادعى إسلاما، وإني نهيت خالدا فترك قولي، وأخذ بشهادات الأعراب الذين يريدون الغنائم فقام عمر فقال: يا أبا بكر إن في سيف خالد رهقا، وإن هذا لم يكن حقا فإن حقا عليك أن تقيده، فسكت أبو بكر.

ومضى خالد قبل اليمامة، وقدم متمم بن نويرة فأنشد أبا بكر مندبة ندب بها أخاه، وناشده في دم أخيه وفي سبيهم، فرد إليه أبو بكر السبي، وقال لعمر وهو يناشد في القود: ليس على خالد ما تقول، هبه تأول فأخطأ.

قلت: ومن المندبة:

وقال الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: لما قدم وفد بزاخة أسد وغطفان على أبي بكر يسألونه الصلح خيرهم أبو بكر بين حرب مجلية أو خطة مخزية، فقالوا: يا خليفة رسول الله أما الحرب فقد عرفناها، فما الخطة المخزية؟ قال: يؤخذ منكم الحلقة والكراع، وتتركون أقواما تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة نبيه والمؤمنين أمرا يعذرونكم به، وتؤدون ما أصبتم منا ولا نؤدي ما أصبنا منكم، وتشهدون أن قتلانا في الجنة وأن قتلاكم في النار، وتدون قتلانا ولا ندي قتلاكم. فقال عمر: أما قولك: "تدون قتلانا" فإن قتلانا قتلوا على أمر الله لا ديات لهم. فاتبع عمر، وقال عمر في الباقي: نعم ما رأيت.

قتال مسيلمة الكذاب:

ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: سار خالد إلى اليمامة إلى مسيلمة، وخرج مسيلمة بجموعه فنزلوا بعفرا فحل بها خالد عليهم، وهي طرف اليمامة، وجعلوا الأموال خلفها كلها وريف اليمامة وراء ظهورهم، وقال شرحبيل بن سلمة: يا بني حنيفة اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم ستردف النساء سبيات وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم.

فاقتتلوا بعفرا قتالا شديدا، فجال المسلمون جولة، ودخل ناس من بني حنيفة فسطاط خالد، وفيه مجاعة أسير وأم تميم امرأة خالد، فأرادوا أن يقتلوها فقال مجاعة: أنا لها جار، ودفع عنها، وقال ثابت بن قيس حين رأى المسلمين مدبرين: أف لكم ولما تعملون، وكر المسلمون فهزم الله العدو، ودخل نفر من المسلمين فسطاط خالد فأرادوا قتل مجاعة، فقالت أم تميم: والله لا يقتل، وأجارته. وانهزم أعداء الله حتى إذا كانا عند حديقة الموت اقتتلوا عندها، أشد القتال وقال محكم بن الطفيل: يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة فإني سأمنع أدباركم، فقاتل دونهم ساعة وقتل، وقال مسيلمة: يا قوم قاتلوا عن أحسابكم، فاقتتلوا قتالا شديدا، وقتل مسيلمة وحشي مولى بني نوفل.

وقال الموقري، عن الزهري: قاتل خالد مسيلمة ومن معه من بني حنيفة، وهم يومئذ أكثر العرب عددا وأشده شوكة، فاستشهد خلق كثير، وهزم الله بني حنيفة، وقتل مسيلمة، قتله وحشي بحربة.

وكان يقال: قتل وحشي خير أهل الأرض بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشر أهل الأرض.

وعن وحشي، قال: لم أر قط أصبر على الموت من أصحاب مسيلمة، ثم ذكر أنه شارك في قتل مسيلمة.

وقال ابن عون عن موسى بن أنس، عن أبيه، قال: لما كان يوم اليمامة دخل ثابت بن قيس فتحنط، ثم قام فأتى الصف والناس منهزمون، فقال هكذا عن وجوهنا، فضارب القوم ثم قال: بئسما عودتم أقرانكم، ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد رضي الله عنه.

وقال الموقري، عن الزهري، قال: ثم تحصن من بني حنيفة من أهل اليمامة ستة آلا مقاتل في حصنهم، فنزلوا على حكم خالد فاستحياهم.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: وعمدت بنو حنيفة حين انهزموا إلى الحصون فدخلوها، فأراد خالد أن ينهد إليهم الكتائب، فلم يزل مجاعة حتى صالحه على الصفراء والبيضاء والحلقة والكراع، وعلى نصف الرقيق، وعلى حائط من كل قرية، فتقاضوا على ذلك.

وقال سلامة بن عمير الحنفي: يا بني حنيفة قاتلوا ولا تقاضوا خالدا على شيء، فإن الحصن حصين، والطعام كثير، وقد حضر الشتاء فقال مجاعة: لا تطيعوه فإنه مشؤوم.

فأطاعوا مجاعة، وقاضاهم، ثم إن خالدا دعاهم إلى الإسلام والبراءة مما كانوا عليه، فأسلم سائرهم.

وقال ابن إسحاق: إن خالدا قال: يا بني حنيفة ما تقولون؟ قالوا: منا نبي ومنكم نبي، فعرضهم على السيف، يعني العشرين الذي كانوا مع مجاعة بن مرارة، وأوثقه هو في الحديد، ثم التقى الجمعان فقال زيد بن الخطاب حين كشف الناس: لا نجوت بعد الرحال، ثم قاتل حتى قتل.

وقال ابن سيرين: كانوا يرون أن أبا مريم الحنفي قتل زيدا.

وقال ابن إسحاق: رمي عبد الرحمن بن أبي بكر محكم اليمامة بن طفيل بسهم فقتله.

قلت: واختلفوا في وقعة اليمامة متى كانت: فقال خليفة بن خياطن ومحمد بن جرير الطبري: كانت في سنة إحدى عشرة.

قال عبد الباقي بن قانع: كانت في آخر سنة إحدى عشرة.

وقال أبو معشر: كانت اليمامة في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة. فجميع من قتل يومئذ أربع مائة وخمسون رجلا.

وقال الواقدي: كانت سنة اثنتي عشرة، وكذلك قال أبو نعيم، ومعن بن عيسى، ومحمد بن سعد، كاتب الواقدي وغيرهم.

قلت: ولعل مبدأ وقعة اليمامة كان في آخر سنة إحدى عشرة كما قال ابن قانع، ومنتهاها في أوائل سنة اثنتي عشرة، فإنها بقيت أياما لمكان الحصار، وسأعيد ذكرها والشهداء بها في أول سنة اثنتي عشرة.

وفاة فاطمة رضي الله عنهما:

وهي سيدة نساء هذه الأمة كنيتها فيما بلغنا أم أبيها دخل بها علي -رضي الله عنه- بعد وقعة بدر، وقد استكملت خمس عشرة سنة أو أكثر.

روى عنها: ابنها الحسين، وعائشة، وأم سلمة، وأنس، وغيرهم.

وقد ذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها في مرضه وقالت لأنس: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولها مناقب مشهورة، وقد جمعها أبو عبد الله الحاكم.

وكانت أصغر من زينب، ورقية، وانقطع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا منها؛ لأن أمامة بنت بنته زينب تزوجت بعلي، ثم بعده المغيرة بن نوفل، وجاءها منهما أولاد قال الزبير بن بكار: انقرض عقب زينب.

وصح عن المسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها".

وفي فاطمة وزوجها وبنيها نزلت: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}، فجللهم رسول الله بكساء، وقال: "اللهم هؤلاء أهل بيتي". وأخرج الترمذي، من حديث عائشة أنها قيل لها: أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فاطمة من قبل النساء، ومن الرجال زوجها، وإن كان ما علمت صواما قواما.

وفي الترمذي، عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي وفاطمة وابنيهما: "أنا حرب لمن حاربتم سلم لمن سالمتم".

وقد أخبرها أنها سيدة نساء الأمة في مرضه كما تقدم.

وخلفت من الأولاد: الحسن، والحسين، وزينب، وأم كلثوم. فأما زينب فتزوجها عبد الله بن جعفر، فتوفيت عنده وولدت له عونا وعليا. وأما أم كلثوم فتزوجها عمر، فولدت له زيدا، ثم تزوجها بعد قتل عمر عون بن جعفر فمات، ثم تزوجها أخوه محمد بن جعفر، فولدت له بنته، ثم تزوج بها أخوهما عبد الله بن جعفر، فماتت عنده. قاله الزهري.

وقال الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: قال علي لأمه: اكفي فاطمة الخدمة خارجا، وتكفيك العمل في البيت والعجن والخبز والطحن.

أبو العباس السراج، قال: حدثنا محمد بن الصباح، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن كثير النواء، عن عمران بن حصين، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة فقال لها: "كيف تجدينك"؟ قالتك إني وجعة وإنه ليزيدني أني ما لي طعام آكله، قال: "يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين". قالت: فأين مريم؟ قال: "تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة". هذا حديث ضعيف، وأيضا فقد سقط بين كثير وعمران رجل.

وقال علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم، وآسية". رواه أبو داود.

وقال أبو جعفر الرازي عن ثابت، عن أنس مثله مرفوعا ولفظه: "خير نساء العالمين أربع".

وقال معمر، عن قتادة، عن أنس، يرفعه: حسبك من نساء العالمين أربع، فذكرهن.

ويروى نحوه من حديث أبي هريرة، وغيره.

وقال ميسرة بن حبيب، عن المنهال بن عمرو، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة، قالت: ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها ورحب بها كما كانت هي تصنع به، وقد شبهت عائشة مشيتها بمشية النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد كانت وجدت على أبي بكر حين طلبت سهمها من فدك، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما تركنا صدقة".

وقال أبو حمزة السكري، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي، قال: لما مرضت فاطمة -رضي الله عنها- أتاها أبو بكر فاستأذن، فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك، فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها يترضاها وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشير إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت، ثم ترضاها حتى رضيت.

وقال الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن فاطمة عاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ودفنت ليلا.

وقال الواقدي: هذا أثبت الأقاويل عندنا. قال: وصلى عليها العباس، ونزل في حفرتها هو وعلي، والفضل بن العباس.

وقال سعيد بن عفير: ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من رمضان، وهي بنت سبع وعشرين أو نحوها، ودفنت ليلا.

وقال يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث قال: مكثت فاطمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب.

وقال أبو جعفر الباقر: ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر.

وروى عن الزهري أنه توفيت بعده بثلاثة أشهر.

وروي عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: كان بينها وبين أبيها شهران. وهذا غريب.

قلت: والصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة رضي الله عنها وأرضاها.

وقد روي عن أبي جعفر محمد بن علي أنها توفيت بنت ثمان وعرين سنة، كان مولدها وقريش تبني الكعبة، وغسلها علي.

قال قتيبة: حدثنا محمد بن موسى، عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب، عن أمه أم جعفر، وعن عمارة بن مهاجر، عن أم جعفر، أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس: إني أستقبح ما يصنع بالنساء: يطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة: ما أحسن هذا وأجمله، إذا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل أحد علي. فلما توفيت جاءت عائشة تدخل، فقالت أسماء: لا تدخلي، فشكت إلى أبي بكر، فجاء فوقف على الباب فكلم أسماء، فقالت: هي أمرتني، قال: فاصنعي ما أمرتك، ثم انصرف قال ابن عبد البر: فهي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة.

وفاة عبد الله بن أبي بكر الصديق:

قيل: إنه أسلم قديما، لكن لم يسمع له بمشهد، جرح يوم الطائف، رماه يومئذ بسهم أبو محجن الثقفي، فلم يزل يتألم منه، ثم اندمل الجرح، ثم إنه انتقض عليه، وتوفي في شوال سنة إحدى عشرة، ونزل في حفرته عمر، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر أخوه. ذكره محمد بن جرير وغيره.

وقيل: هو الذي كان يأتي بالطعام وبأخبار قريش إلى الغار تلك الليالي الثلاث.

سنة اثنتي عشرة: وقعة اليمامة:

في أوائلها -على الأشهر- وقعة اليمامة، وأمير المسلمين خالد بن الوليد، ورأس الكفر مسيلمة الكذابن فقتله الله. واستشهد خلق من الصحابة.

أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي، قيل: اسمه مهشم.

سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة، قال الواقدي بإسناده، عن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس، قال: لما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة، فقام فيها ومعه راية المهاجرين يومئذ، ثم قاتل حتى قتل شهيدا سنة اثنتي عشرة رضي الله عنه.

شجاع بن وهب بن ربيعة الأسدي، أبو وهب، مهاجري بدري، استشهد عن بضع وأربعين سنة.

زبد بن الخطاب بن نفيل العدوي القرشي، أبو عبد الرحمن، وكان أسن من عمر، وأسلم قبله. وجاء أن راية المسلمين يوم اليمامة كانت مع زيد، فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو، ثم قاتل حتى قتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة. وكان زيد يقول ويصيح: اللهم إني أعتذر إليك من فرار أصحابي وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة ومحكم بن الطفيل.

حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم المخزومي، جد سعيد بن المسيب، قتل يوم اليمامة، وقيل: يوم بزاخة.

عبد الله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود القرشي العامري، أبو سهيل.

استشهد يومئذ وله ثمان وثلاثون سنة.

مالك بن عمرو، حليف بني غنم، مهاجري بدري، استشهد يومئذ رضي الله عنه.

الطفيل بن عمرو الدوسي الأزدي، كان يسمى ذا الطفيتين.

يزيد بن رقيش بن رئاب الأسدي، شهد بدرا، وقتل يوم اليمامة.

وممن استشهد يومئذ:

الحكم بن سعيد بن العاص بن أمية الأموي.

والسائب بن عثمان بن مظعون -وهو شاب- أصابه سهم.

ويزيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد الأنصاري، أخو زيد بن ثابت.

ومخرمة بن شريح الحضرمي، حليف بني عبد شمس.

وجبير بن مالك، وأمه بحينة، وهو أخو عبد الله بن مالك من الأزد، وهم حلفاء بني المطلب بن عبد مناف.

والسائب بن العوام بن خويلد الأسدي، أخو الزبير.

ووهب بن حزن بن أبي وهب المخزومي عم سعيد بن المسيب، وأخوه حكيم، وأخوهما عبد الرحمن بن حزن، وأبوهم وقد ذكر.

وعامر بن البكير الليثي حليف بني عدي، وهو أحد من شهد بدرا.

ومالك بن ربيعة، حليف بني عبد شمس.

وأبو أمية صفوان بن أمية بن عمرو، وأخوه مالك المتقدم.

ويزيد بن أوس، حليف بني عبد الدار.

وحيي -وقيل: معلى- بن جارية الثقفي.

وحبيب بن أسيد بن جارية الثقفي.

والوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي.

وعبد الله بن عمرو بن بجرة العدوي.

وأبو قيس بن الحارث بن قيس السهمي، وعبد الله بن الحارث بن قيس السهمي أخوه، وهما من مهاجرة الحبشة.

وعبد الله بن مخرمة بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر العامري. من المهاجرين الأولين، شهد بدرا والمشاهد، كنيته أبو محمد، وعاش إحدى وأربعين سنة، ومن ذريته نوفل بن مساحق بن عبد الله بن مخرمة.

وعمرو بن أويس بن سعد بن أبي سرح العامري، وسليط بن سليط بن عمرو العامري، وربيعة بن أبي خرشة العامري، وعبد الله بن الحارث بن رحضة؛ من بني عامر.

والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، وأمه خولة بنت حكيم السلمية بنت ضعيفة بنت العاص بن أمية بن عبد شمس، أصابه يوم اليمامة سهم فمات منه.

واستشهد من الأنصار:

عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء بن عبد الأشهل الأوسي البدري، أبو الربيع، من فضلاء الصحابة، عاش خمسا وأربعين سنة فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله.

معن بن عدي بن الجد بن العجلان الأنصاري، أحد حلفاء بني مالك بن عوف.

عبد الله بن عبد الله بن أبي بن مالك بن الحارث بن عبيد بن مالك بن سالم- الذي يقال له: الحبلى لعظم بطنه- بن غنم بن عوف بن الخزرج الأنصاري المعروف بابن سلول، وهي أم أبي بن مالك وكانت خزاعية، وأبوه المنافق المشهور. كان عبد الله من فضلاء الصحابة، وكان اسمه الحباب، وبه كان يكنى أبوه، فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله.

ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، من بني الحارث بن الخزرج. لم يشهد بدرا وكان أمير الأنصار في قتال أهل الردة كما ذكرنا، قال ابن إسحاق: قال ثابت بن قيس: بئسما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين، ثم قاتل حتى قتل، وزحف المسلمون حتى ألجؤوهم إلى الحديقة وفيها مسيلمة عدو الله، فقال البراء بن مالك: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فاحتمل حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم إليهم فقاتلهم حتى فتح الحديقة للمسلمين.

أبو دجانة سماك بن خرشة بن لوذان بن عبد ود بن زيد الساعدي، وهو ممن شرك في قتل مسيلمة، وقال ثابت عن أنس، أن أبا دجانة رمى بنفسه إلى داخل الحديقة فانكسرت رجله، فقاتل وهو مكسور الرجل حتى قتل.

عمارة بن حزم بن زيد بن لوذان، من بني مالك بن النجار، وهو أخو عمرو بن حزم.

شهد عمارة العقبة وبدرا، وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح ولم يعقب.

عقبة بن عامر بن نابئ بن زيد بن حرام السلمي شهد العقبة الأولى، ويجعل في الستة النفر الذ أسلموا بمكة أول الأنصار، وشهد بدرا والمشاهد، وليس له عقب.

ثابت بن هزال من بني سالم بن عوف شهد بدرا في قول جماعة، وقتل يومئذ.

أبو عقيل بن عبد الله بن ثعلبة، من بني جحجبا، اسمه: عبد الرحمن. شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان من سادة الأنصار، أصابه سهم يوم اليمامة فنزعه، وتحزم وأخذ السيف وقاتل حتى قتل، فوجد به جراحات كثيرة.

وممن استشهد يومئذ من الأنصار:

عبد الله بن عتيك، ورافع بن سهل، وحاجب بن يزيد الأشهلي، وسهل بن عدي، ومالك بن أو بن عتيك، وعمير بن أوس أخوه، وطلحة بن عتبة من بني جحجبا، ورباح مولى الحارث، ومعبد بن عدي العجلاني بخلف، وجرو بن مالك بن عامر الأنصاري من بني جحجبا -وقيل: جزء بالزاي- وودقة بن إياس بن عمرو الخزرجي الأنصاري أحد من شهد بدرا، وجرول بن العباس، وعامر بن ثابت، وبشر بن عبد الله الخزرجين وكليب بن تميم، وعبد الله بن عتبان، وإياس بن وديعة، وأسيد بن يربوع، وسعد بن حارثة، وسهل بن حمان، ومخاشن من حمير، وسلمة بن مسعود -وقيل: مسعود بن سنان- وضمرة بن عياض، وعبد الله بن أنيس، وأبو حبة بن غزية المازني، وحبيب بن زيد، وحبيب بن عمرو بن محصن، وثابت بن خالد، وفروة بن النعمان، وعائذ بن ماعص.

قال خليفة: فجميع من استشهد من المهاجرين والأنصار ثمانية وخمسون رجلا، يعني يوم اليمامة.

وقيل: إن مسيلمة -لعنه الله- قتل عن مائة وخمسين سنة، وكان قد ادعى النبوة، وتسمى برحمان اليمامة فيما قيل: قبل أن يولد عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، وقرآن مسيلمة ضحكة للسامعين.

وقعة جواثا:

بعث الصديق -رضي الله عنه- العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا -إلا نفرا ثبتوا مع الجارود- فالتقوا بجواثا فهزمهم الله.

قال ابن إسحاق: حاصرهم العلاء بجواثا حتى كاد المسلمون يهلكون من الجهد، ثم إنهم سكروا ليلة في حصنهم، فبيتهم العلاء، فقيل: إن عبد الله بن عبد الله بن أبي استشهد يوم جاثا لا يوم اليمامة، شهد بدرا.

وفيها بعث الصديق عكرمة بن أبي جهل إلى عمان وكانوا ارتدوا. وبعث المهاجر بن أبي أمية المخزومي إلى أهل النجير، وكانوا ارتدوا، وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة، فقال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن زيادا بيتهم فقتل ملوكا أربعة: جمدا، ومخوصا ومشرحا، وأبضعة.

وفيها أقام الحج أبو بكر للناس.

وفيها: بعد فراغ قتال أهل الردة بعث أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى أرض البصرة، وكانت تسمى أرض الهند، فسار خالد بمن معه من اليمامة إلى أرض البصرة، فغزا الأبلة فافتتحها، ودخل ميسان فغنم وسبى من القرى، ثم سار نحو السواد، فأخذ على أرض كسكر وزندورد بعد أن استخلف على البصرة قطبة بن قتادة السدوسي، وصالح خالد أهل أليس على ألف دينار في شهر رجب من السنة، ثم افتتح نهر الملك، وصالحه ابن بقيلة صاحب الحيرة على تسعين ألفا، ثم سار نحو أهل الأنبار فصالحوه.

ثم حاصر عين التمر ونزلوا على حكمه، فقتل وسبى. وقتل من المسلمين بعين التمر:

بشير بن سعد بن ثعلبة أبو النعمان الأنصاري الخزرجي، وكان من كبار الأنصار، شهد بدرا والعقبة. وقيل: إنه أول من أسلم من الأنصار رضي الله عنه.

وفيها لما استحر القتل بقراء القرآن يوم اليمامة أمر أبو بكر بكتابة القرآن زيد بن ثابت، فأخذ يتتبعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، حتى جمعه زيد في صحف.

قال محمد بن جرير الطبري: ولما فرغ خالد من فتوح مدائن كسرى التي بالعراق صلحا، وحربا خرج لخمس بقين من ذي القعدة مكتتما بحجته، ومعه جماعة يعتسف البلاد حتى أتى مكة، فتأتي له من ذلك ما لم يتأت لدليل، فسار طريقا من طرق الحيرة لم ير قط أعجب منه ولا أصعب، فكانت غيبته عن الجند يسيرة، فلم يعلم بحجه أحد إلا من أفضى إليه بذلك.

فلما علم أبو بكر بحجة عتبة وعنفه وعاقبه بأن صرفه إلى الشام، فلما وافاه كتاب أبي بكر عند منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بانصرافه إلى الشام حتى يأتي من بها من جموع المسلمين باليرموك، ويقول له: إياك أن تعود لمثلها.

قلت: وإنما جاء الكتاب بأن يسير إلى الشام في أوائل سنة ثلاث عشرة.

قلت: سار خالد بجيشه من العراق إلى الشام في البرية، وكادوا يهلكون عطشا.

قال الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال: أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر أن اكتب إلى خالد بن الوليد يسير بمن معه إلى عمرو بن العاص مددا له، فلما أتى كتاب أبي بكر خالدا، قال: هذا عمل عمر حسدني على فتح العراق وأن يكون على يدي، فأحب أن يجعلني مددا لعمرو، فإن كان فتح كان ذكره له دوني.

سنة ثلاث عشرة:

قال ابن إسحاق: لا قفل أبو بكر -رضي الله عنه- عن الحج بعث عمرو بن العاص قبل فلسطين، ويزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة، وأمرهم أن يسلكوا على البلقاء.

وروى ابن جرير، قال: قالوا: لما وجه أبو بكر الجنود إلى الشام أول سنة ثلاث عشرة، فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص، ثم عزله قبل أن يسير خالد، وقيل: بل عزله بعد أشهر من مسيره، وكتب إلى خالد فسار إلى الشام، فأغار على غسان بمرج راهط، ثم سار فنزل على قناة بصرى، وقدم أبو عبيدة وصاحباه فصالحوا أهل بصرى، فكانت أول ما فتح من مدائن الشام، وصالح خالد في وجه ذلك أهل تدمر.

قال ابن إسحاق: ثم ساروا جميعا قبل فلسطين، فالتقوا بأجنادين بين الرملة، وبيت جبرين، والأمراء كل على جنده، وقيل: إن عمرا كان عليهم جميعا، وعلى الروم القيقلان فقتل، وانهزم المشركون يوم السبت لثلاث من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة. فاستشهد نعيم بن عبد الله بن النحام، وهشام بن العاص، والفضل بن العباس، وأبان بن سعيد.

وقال الواقدي: الثبت عندنا أن أجنادين كانت في جمادى الأولى، وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق.

وقال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة قال: قتل من المسلمين يوم أجنادين عمرو، وأبان، وخالد: بنو سعيد بن العاص بن أمية، والطفيل بن عمرو، وعبد الله بن عمرو الدوسيان، وضرار بن الأزور، وعكرمة بن أبي جهل بن هشام، وسلمة بن هشام بن المغيرة عم عكرمة، وهبار بن سفيان المخزومي، ونعيم بن النحام، وصخر بن نصر العدويان، وهشام بن العاص السهمي، وتميم وسعيد ابنا الحارث بن قيس.

وقال محمد بن سعد: قتل يومئذ طليب بن عمير، وأمه أروى هي عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وعن أبي الحويرث، قال: برز يوم أجنادين بطريق، فبرز إليه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب بن هاشم -رضي الله عنه، فقتله عبد الله، ثم برز بطريق آخر فقتله عبد الله بعد محاربة طويلة، فعزم عليه عمرو بن العاص أن لا يبارز، فقال: والله ما أجدني أصبر، فلما اختلطت السيوف وجد مقتولا.

قال الواقدي: عاش ثلاثين سنة، ولا نعلمه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: إنه كان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين.

قال ابن جرير: قتل يوم أجنادين: الحارث بن أوس بن عتيك، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري. كذا قال ابن جرير.

وقعة مرج الصفر:

قال خليفة: كانت لاثنتي عشرة بقيت من جماى الأولى، والأمير خالد بن الوليد قال ابن إسحاق: وعلى المشري يومئذ قلقط، وقتلمن المشركين مقتلة عظيمة وانهزموا.

وروى خليفة عن الوليد بن هشام عن أبيه قال: استشهد يوم مرج الصفر خالد بن سعيد بن العاص، ويقال: أخوه عمرو قتل أيضا، والفضل بن العباس، وعكرمة بن أبي جهل، وأبان بن سعيد يومئذ بخلف.

وقال غيره: قتل يومئذ نميلة بن عثمان الليثي، وسعد بن سلامة الأشهلي، وسلم بن أسلم الأشهلي.

وقيل: إن وقعة مرج الصفر كانت في أول سنة أربع عشرة، والأول أصح.

وقال سعيد بن عبد العزيز: التقوا على النهر عند الطاحونة، فقتلت الروم يومئذ حتى جرى النهر وطحنت طاحونتها بدمائهم فأنزل النصر. وقتلت يومئذ أم حكيم سبعة من الروم بعمود فسطاطها، وكانت تحت عكرمة بن أبي جهل، ثم تزوجها خالد بن سعيد بن العاص.

قال محمد بن شعيب: فلم يقم معها إلا سبعة أيام عند قنطرة أم حكيم بالصفر، وهي بنت الحارث بن هشام المخزومي، ثم تزوجها فيما قيل عمر.

وقعة فحل:

قال ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، قال: كانت وقعة فحل في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة.

وعن عبد الله بن عمرو، قال: شهدنا أجنادين ونحن يومئذ عشرون ألفا، وعلينا عمرو بن العاص، فهزمهم الله، ففاءت فئة إلى فحل في خلافة عمر، سار إليهم عمرو في الجيش فنفاهم عن فحل.

وفيها توفي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لثمان بقين من جمادى الآخرة، وعهد بالأمر بعده إلى عمر، وكتب له بذلك كتابا.

فأول ما فعل عمر عزل خالد بن الوليد عن إمرة أمراء الشام، وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وكتب إليه بعهده، ثم بعث جيشا من المدينة إلى العراق أمر عليهم أبا عبيد بن مسعود الثقفي والد المختار الكذاب، وكان أبو عبيد من فضلاء الصحابة، فالتقى مع أهل العراق كما سيأتي.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 2- ص: 355

أبو بكر الصديق أبو بكر الصديق، السابق إلى التصديق، الملقب بالعتيق، المؤيد من الله بالتوفيق، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الحضر والأسفار، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار، وعامة الأبرار، وبقي له شرفه على كرور الأعصار، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيد والأبصار، حيث يقول عالم الأسرار: {ثاني اثنين إذ هما في الغار} [التوبة: 40] إلى غير ذلك من الآيات والآثار، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار التي غدت كالشمس في الانتشار، وفضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} [الحديد: 10]، توحد الصديق في الأحوال بالتحقيق، واختار الاختيار من الله حين دعاه إلى الطريق، فتجرد من الأموال والأعراض، وانتصب في قيام التوحيد للتهدف والأغراض، صار للمحن هدفا، وللبلاء غرضا، وزهد فيما عز له جوهرا كان أو عرضا، تفرد بالحق عن الالتفات إلى الخلق، وقد قيل: «إن التصوف الاعتصام بالحقائق عند اختلاف الطرائق»
حدثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، قال: حدثني الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، عن ابن عباس، أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه خرج حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر يكلم الناس فقال: اجلس يا عمر فأبى عمر أن يجلس، فقال: اجلس يا عمر فتشهد فقال: ’’أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت، إن الله تعالى قال: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144] الآية ’’ قال: والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله عز وجل أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم، فما نسمع بشرا من الناس إلا يتلوها قال ابن شهاب: أخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله تعالى عنه يتوصل بعز الوفاء إلى أسنى مواقف الصفاء، وقد قيل: ’’إن التصوف تفرد العبد بالصمد الفرد
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، ثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة، رضي الله تعالى عنها قالت: لما أنفذت قريش جوار ابن الدغنة قالوا له: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، قال: ففعل أبو بكر رضي الله تعالى عنه، ثم بدا له فابتنى مسجدا بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ فتصطف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه رجلا بكاء لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم فأتى ابن الدغنة، أبا بكر فقال: يا أبا بكر قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلى ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب إني أخفرت في عقد رجل عقدت له، فقال أبو بكر: «فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله» ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ بمكة’’
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أحمد بن علي بن الجارود، ثنا عبد الله بن سعيد الكندي، ثنا عبد الله بن إدريس الأودي، وحدثنا الحسين بن محمد، ثنا الحسن، ثنا حميد، ثنا جرير، ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن الأسود بن هلال، قال: قال أبو بكر رضي الله تعالى عنه لأصحابه: ’’ما تقولون في هاتين الآيتين: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} [فصلت: 30]، و {والذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} ’’ قال: قالوا: ربنا الله ثم استقاموا، فلم يدينوا، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم بخطيئة، قال: ’’لقد حملتموها على غير المحمل، ثم قال: قالوا: ربنا الله ثم استقاموا فلم يلتفتوا إلى إله غيره، ولم يلبسوا إيمانهم بشرك ’’ قال الشيخ رحمه الله: كان رضي الله عنه من أحواله العزوف عن العاجلة، والأزوف من الآجلة، وقد قيل: «إن التصوف تطليق الدنيا بتاتا، والإعراض عن منالها ثباتا»
حدثنا أحمد بن إسحاق، ثنا أبو بكر بن أبي عاصم، ثنا الحسن بن علي، والفضل بن داود، قالا: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا عبد الواحد بن زيد، ثنا أسلم، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه استسقى فأتي بإناء فيه ماء وعسل، فلما أدناه من فيه بكى وأبكى من حوله، فسكت وما سكتوا، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أن لا يقدروا على مساءلته، ثم مسح وجهه وأفاق، فقالوا: ما هاجك على هذا البكاء؟ قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يدفع عنه شيئا ويقول: «إليك عني إليك عني» ولم أر معه أحدا، فقلت: يا رسول الله أراك تدفع عنك شيئا ولا أرى معك أحدا؟ قال: ’’هذه الدنيا تمثلت لي بما فيها، فقلت لها: إليك عني فتنحت وقالت: أما والله لئن انفلت مني لا ينفلت مني من بعدك «, فخشيت أن تكون قد لحقتني، فذاك الذي أبكاني» قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه لا يفارق الجد، ولا يجاوز الحد، وقد قيل: ’’إن التصوف الجد في السلوك إلى مالك الملوك
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، حدثني يعقوب بن سفيان، قال: حدثني عمرو بن منصور البصري، ثنا عبد الواحد بن زيد، عن أسلم الكوفي، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، قال: ’’كان لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه مملوك يغل عليه، فأتاه ليلة بطعام فتناول منه لقمة، فقال له المملوك: ما لك كنت تسألني كل ليلة ولم تسألني الليلة؟ قال: حملني على ذلك الجوع، من أين جئت بهذا؟ قال: مررت بقوم في الجاهلية فرقيت لهم فوعدوني، فلما أن كان اليوم مررت بهم فإذا عرس لهم فأعطوني، قال: إن كدت أن تهلكني، فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ، وجعلت لا تخرج، فقيل له: إن هذه لا تخرج إلا بالماء، فدعا بطست من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها، فقيل له: يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة، قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة ’’ ورواه عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة نحوه، والمنكدر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن جابر نحوه قال الشيخ رحمه الله: وكان رضي الله عنه يقدم على المضار لما يؤمل فيه من المسار، وقد قيل: «إن التصوف السكون إلى اللهيب في الحنين إلى الحبيب»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، قال: ثنا الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا الوليد بن كثير، عن ابن تدرس، عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما قالت: ’’أتى الصريخ آل أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبك، فخرج من عندنا - وإن له غدائر - فدخل المسجد وهو يقول: ’’ويلكم {أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} [غافر: 28] ’’ فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: «تباركت يا ذا الجلال والإكرام» قال الشيخ رحمه الله تعالى: كان رضي الله تعالى عنه يقدم الحقير مفتادا للخطير، وقد قيل: «إن التصوف وقف الهمم على مولى النعم»
حدثنا علي بن أحمد بن علي المصيصي، ثنا أبو عطاء محمد بن إبراهيم بن الصلت الطائي، ثنا داود بن معاذ، ثنا عبد الوارث بن سعيد عن يونس بن عبيد، عن الحسن البصري، أن أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصدقته فأخفاها، قال: يا رسول الله هذه صدقتي، ولله عز وجل عندي معاد، وجاء عمر رضي الله تعالى عنه بصدقته فأظهرها، فقال: يا رسول الله هذه صدقتي، ولي عند الله معاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر وترت قوسك بغير وتر، ما بين صدقتيكما كما بين كلمتيكما» ورواه زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر، نحوه
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، وثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا أبو نعيم، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه يقول: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، ووافق ذلك مال عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا ورواه عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر، نحوه قال الشيخ رحمه الله تعالى: كان رضي الله تعالى عنه في المصافات صافيا، وفي المؤاخاة وافيا، وقد قيل: «إن التصوف استنفاد الطوق في معاناة الشوق، وتزجية الأمور على تصفية الصدور»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن العباس بن أيوب، ثنا أحمد بن محمد بن حبيب المؤدب، ثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن عبد الرحمن، ثنا عطاء بن أبي ميمونة أبو معاذ، عن أنس بن مالك، قال: ’’لما كان ليلة الغار قال أبو بكر: يا رسول الله دعني فلأدخل قبلك، فإن كانت حية أو شيء كانت لي قبلك، قال: «ادخل»، فدخل أبو بكر فجعل يلتمس بيديه، فكلما رأى جحرا جاء بثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر، حتى فعل ذلك بثوبه أجمع، قال: فبقي جحر فوضع عقبه عليه، ثم أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فلما أصبح قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فأين ثوبك يا أبا بكر؟» فأخبره بالذي صنع، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فقال: «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي يوم القيامة»، فأوحى الله تعالى إليه: «إن الله قد استجاب لك»
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد الوراق، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخرمي، ثنا سلمة بن حفص السعدي، ثنا يونس بن بكير، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا هشام بن عروة، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: «كانت يد النبي صلى الله عليه وسلم في مال أبي بكر ويد أبي بكر واحدة حين حجا»
ومن مفاريد أقواله، لمراعاة أحواله
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا مصعب الزبيري، حدثني مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر، دخل على أبي بكر وهو يجبذ لسانه، فقال له عمر: مه غفر الله لك، فقال أبو بكر: «إن هذا أوردني الموارد»
حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا هارون بن إسحاق، أنبأنا عبدة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن طارق بن شهاب، قال: قال: أبو بكر الصديق رضي الله عنه: «طوبى لمن مات في النانات» قيل: وما النانات؟ قال: «جدة الإسلام»
حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا هارون بن إسحاق، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح: لما قدم أهل اليمن زمان أبي بكر وسمعوا القرآن جعلوا يبكون، قال: فقال أبو بكر: «هكذا كنا ثم قست القلوب» قال الشيخ رحمه الله: ومعنى قوله: قست القلوب، قويت واطمأنت بمعرفة الله تعالى
حدثنا الحسين بن محمد بن سعيد، ثنا محمد بن عزيز، ثنا سلامة بن روح، عن عقيل، قال: قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير، عن أبيه، أن أبا بكر، رضي الله تعالى عنه خطب الناس فقال: «يا معشر المسلمين استحيوا من الله عز وجل، فوالذي نفسي بيده إني لأظل حين أذهب إلى الغائط في الفضاء متقنعا بثوبي استحياء من ربي عز وجل» رواه ابن المبارك، عن يونس نحوه
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا وكيع، عن مالك بن مغول، عن أبي السفر، قال: ’’مرض أبو بكر رضي الله تعالى عنه فعادوه فقالوا: ألا ندعو لك الطبيب؟ قال: «قد رآني» قالوا: فأي شيء قال لك؟ قال: قال: «إني فعال لما أريد»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو الزنباع، ثنا سعيد بن عفير، قال: حدثني علوان بن داود البجلي، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وعن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، قال: دخلت على أبي بكر رضي الله تعالى عنه في مرضه الذي توفي فيه، فسلمت عليه فقال: «رأيت الدنيا قد أقبلت ولما تقبل، وهي جائية، وستتخذون ستور الحرير ونضائد الديباج، وتألمون ضجائع الصوف الأزري، كأن أحدكم على حسك السعدان، ووالله لأن يقدم أحدكم فيضرب عنقه - في غير حد - خير له من أن يسبح في غمرة الدنيا»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثنا الوليد بن مسلم، ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، أن أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه كان يقول في خطبته: «أين الوضاء الحسنة وجوههم، المعجبون بشبابهم؟ أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان؟ أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور، الوحا الوحا، النجاء النجاء»
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا محمد بن أبي سهل، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا محمد بن فضيل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن عبد الله القرشي، عن عبد الله بن عكيم، قال: خطبنا أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: ’’أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وتجمعوا الإلحاف بالمسألة، فإن الله تعالى أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويدعوننا رغبا ورهبا، وكانوا لنا خاشعين} [الأنبياء: 90]، ثم اعلموا عباد الله أن الله تعالى قد ارتهن بحقه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم لا تفنى عجائبه، ولا يطفأ نوره، فصدقوا قوله، وانتصحوا كتابه، واستبصروا فيه ليوم الظلمة، فإنما خلقكم للعبادة ووكل بكم الكرام الكاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم فيردكم إلى أسوأ أعمالكم، فإن أقواما جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، الوحا الوحا، النجاء النجاء، إن وراءكم طالبا حثيثا أمره سريع’’
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، ثنا أزهر بن عمير، وكان بالثغر قال: حدثني أبو الهذيل، عن عمرو بن دينار، قال: خطب أبو بكر رضي الله تعالى عنه فقال: «أوصيكم بالله لفقركم وفاقتكم أن تتقوه، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تستغفروه إنه كان غفارا»، فذكر نحو حديث عبد الله بن عكيم، وزاد: ’’واعلموا أنكم ما أخلصتم لله عز وجل فربكم أطعتم، وحقكم حفظتم، فأعطوا ضرائبكم في أيام سلفكم، واجعلوها نوافل بين أيديكم تستوفوا سلفكم حين فقركم وحاجتكم، ثم تفكروا عباد الله فيمن كان قبلكم، أين كانوا أمس؟ وأين هم اليوم؟ أين الملوك الذين كانوا أثاروا الأرض
وعمروها؟ قد نسوا ونسي ذكرهم، فهم اليوم كلا شيء: {فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا} [النمل: 52]، وهم في ظلمات القبور: {هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا} [مريم: 98]، وأين من تعرفون من أصحابكم وإخوانكم؟ قد وردوا على ما قدموا، فحلوا الشقوة والسعادة، إن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب، يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه سوءا، إلا بطاعته واتباع أمره، وإنه لا خير بخير بعده النار، ولا شر بشر بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم’’
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة، قال: ثنا أبو المغيرة، ثنا حريز بن عثمان، عن نعيم بن نمحة، قال: كان في خطبة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه: «أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون في أجل معلوم»، فذكر نحو حديث عبد الله بن عكيم، وزاد: «ولا خير في قول لا يراد به وجه الله تعالى، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله عز وجل، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا خلاد بن يحيى، ثنا فطر بن خليفة، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط، قال: لما حضر أبا بكر الموت دعا عمر رضي الله تعالى عنهما فقال له: ’’اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عز وجل عملا بالنهار لا يقبله بالليل، وعملا بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا، وإن الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأخاف أن لا ألحق بهم، وأن الله تعالى ذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ورد عليهم أحسنه، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون مع هؤلاء، ليكون العبد راغبا راهبا، لا يتمنى على الله ولا يقنط من رحمته عز وجل، فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكن غائبا أحب إليك من الموت، وهو آتيك، وإن أنت ضيعت وصيتي فلا يكن غائبا أبغض إليك من الموت، ولست بمعجزه’’
حدثنا أبي، ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا جعفر بن محمد الواسطي قال: ثنا خالد بن مخلد: حدثني سليمان بن بلال، قال: حدثني علقمة بن أبي علقمة، عن أمه، قالت: سمعت عائشة، تقول: ’’لبست ثيابي فطفقت أنظر إلى ذيلي وأنا أمشي في البيت، وألتفت إلى ثيابي وذيلي، فدخل علي أبو بكر فقال: يا عائشة «أما تعلمين أن الله لا ينظر إليك الآن»
حدثنا أحمد بن السندي، ثنا الحسن بن علوية، ثنا إسماعيل بن عيسى، ثنا إسحاق بن بشر، ثنا ابن سمعان، عن محمد بن زيد، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، رضي الله تعالى عنها قالت: ’’لبست مرة درعا لي جديدا، فجعلت أنظر إليه وأعجبت به، فقال أبو بكر: «ما تنظرين؟ إن الله ليس بناظر إليك ‍» قلت: ومم ذاك؟ قال: «أما علمت أن العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا مقته ربه عز وجل، حتى يفارق تلك الزينة»، قالت: فنزعته فتصدقت به، فقال أبو بكر: «عسى ذلك أن يكفر عنك»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، ثنا أبو المغيرة، ثنا عتبة، حدثني أبو ضمرة يعني حبيب بن ضمرة، قال: حضرت الوفاة ابنا لأبي بكر الصديق، فجعل الفتى يلحظ إلى وسادة، فلما توفي قالوا لأبي بكر: رأينا ابنك يلحظ إلى الوسادة، قال: فرفعوه عن الوسادة فوجدوا تحتها خمسة دنانير، أو ستة، فضرب أبو بكر بيده على الأخرى يسترجع يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون «ما أحسب جلدك يتسع لها»
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد، ثنا أحمد بن محمد بن عمر، ثنا محمد بن هشام، ثنا أبو إبراهيم الترجماني، ثنا عاصم بن طليق، عن ابن سمعان، عن أبي بكر بن محمد الأنصاري، أن أبا بكر الصديق، رضي الله تعالى عنه قيل له: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا تستعمل أهل بدر؟ قال: «إني أرى مكانهم، ولكني أكره أن أدنسهم بالدنيا»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا عمي أبو بكر، وسعيد بن عمر، قالا: ثنا سفيان، عن إسماعيل، عن قيس، قال: اشترى أبو بكر بلالا وهو مدفون بالحجارة بخمس أواق ذهبا، فقالوا: لو أبيت إلا أوقية لبعناكه، قال: «لو أبيتم إلا مائة أوقية لأخذته»

  • دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 28

  • السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 28

عبد الله بن أبي قحافة أبو بكر الصديق رضي الله عنهما كان اسمه في الجاهلية عبد الكعبة، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله. هذا قول أهل النسب: الزبيري وغيره، واسم أبيه أبي قحافة: عثمان بن عامر بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشي التيمي. وأمه أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة واسمها: سلمى. قال محمد بن سلام: قلت لابن دأب: من أم أبي بكر الصديق رضي الله عنه؟ فقال: أم الخير، هذا اسمها.
قال أبو عمر رحمه الله: لا يختلفون أن أبا بكر رضي الله عنه شهد بدرا بعد مهاجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وأنه لم يكن رفيقه من أصحابه في هجرته غيره، وهو كان مؤنسه في الغار إلى أن خرج معه مهاجرين. وهو أول من أسلم من الرجال في قول طائفة من أهل العلم بالسير والخبر، وأول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر أولئك. وكان يقال له عتيق واختلف العلماء في المعنى الذي قيل له به عتيق. فقال الليث ابن سعد وجماعة معه: إنما قيل له عتيق لجماله وعتاقة وجهه. وقال مصعب الزبيري وطائفة من أهل النسب: إنما سمى أبو بكر عتيقا لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به. وقال آخرون: كان له أخوان، أحدهما يسمى عتيقا.
مات عتيق قبله، فسمي باسمه.
وقال آخرون: إنما سمي عتيقا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن ينظر إلى عتيق من النار، فلينظر إلى هذا، فسمى عتيقا بذلك.
وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أبو الميمون البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، وحدثني عبد الوارث بن سفيان واللفظ له، وحديثه أتم. قال: حدثنا ابن أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا صالح بن موسى، حدثنا موسى بن إسحاق، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: إني لفي بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالفناء، وبيني وبينهم الستر إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى عتيق من النار، فلينظر إلى هذا. قالت: وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو.
وحدثني خلف بن قائم، حدثنا أحمد بن محبوب، حدثنا محمد بن عبدوس، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شيخ لنا، حدثنا مجالد عن الشعبي، قال: سألت ابن عباس، أو سئل: أي الناس كان أول إسلاما؟ فقال: أما سمعت قول حسان:

ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان: هل قلت في أبي بكر شيئا؟ قال: نعم، وأنشده هذه الأبيات، وفيها بيت رابع وهي:
فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: أحسنت يا حسان. وقد روى فيها بيت خامس:
وروى شعبة عن عمرو بن مرة، عن إبراهيم النخعي. قال: أبو بكر أول من أسلم. واختلف في مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر في الغار، فقيل: مكثا فيه ثلاثا، يروي ذلك عن مجاهد. وقد روى في حديث مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مكثت مع صاحبي في الغار بضعة عشر يوما، ما لنا طعام إلا ثمر البرير- يعني الأراك، وهذا غير صحيح عند أهل العلم بالحديث، والأكثر على ما قاله مجاهد. والله أعلم. وروى الجريري عن أبي نضرة، قال: قال أبو بكر لعلي رضي الله عنهما: أنا أسلمت قبلك.. في حديث ذكره، فلم ينكر عليه ومما قيل في أبي بكر رضي الله عنه قول أبي الهيثم ابن التيهان فيما ذكروا:
وقال فيه أبو محجن الثقفي:
وسمي الصديق لبداره إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم. وقيل: بل قيل له الصديق لتصديقه له في خبر الإسراء. وقد ذكرنا الخبر بذلك في غير هذا الموضع.
وكان في الجاهلية وجيها رئيسا من رؤساء قريش، وإليه كانت الأشناق في الجاهلية، والأشناق: الديات، كان إذا حمل شيئا قالت فيه قريش: صدقوه وأمضوا حمالته، وحمالة من قام معه أبو بكر، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.
وأسلم على يد أبي بكر: الزبير، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف.
وروى سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أسلم أبو بكر، وله أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر». وأعتق أبو بكر سبعة كانوا يعذبون في الله، منهم: بلال، وعامر بن فهيرة.
وفي حديث التخيير، قال على: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر أعلمنا به.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوا لي صاحبي، فإنكم قلتم لي: كذبت، وقال لي: صدقت. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- في كلام البقرة والذئب: «آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر، وما هما ثم علما بما كانا عليه من اليقين والإيمان. وقال عمرو بن العاص: يا رسول الله، من أحب الناس إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. وروى مالك عن سالم بن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من آمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام، لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر. روى سفيان بن عيينة، عن الوليد بن كثير، عن ابن عبدوس، عن أسماء بنت أبي بكر أنهم قالوا لها: ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان المشركون قعودا في المسجد الحرام، فتذاكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يقول في آلهتهم، فبينما هم كذلك، إذ دخل رسول الله صلى عليه وسلم المسجد، فقاموا إليه، وكانوا إذا سألوه عن شيء صدقهم، فقالوا: ألست تقول في آلهتنا كذا وكذا؟ قال: بلى، قال: فتشبثوا به بأجمعهم، فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقيل له: أدرك صاحبك. فخرج أبو بكر حتى دخل المسجد، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس مجتمعون عليه، فقال: ويلكم، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟ قال: فلهوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبلوا على أبي بكر يضربونه. قالت: فرجع إلينا، فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام.
وروينا من وجوه، عن أبي أمامة الباهلي، قال: حدثني عمرو بن عبسة، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بعكاظ، فقلت: يا رسول الله، من اتبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد: أبو بكر، وبلال. قال: فأسلمت عند ذلك.. فذكر الحديث.
أخبرني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن التاهرتي البزار، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثني الحارث بن أبي أسامة ومحمد بن إسماعيل الترمذي، حدثنا زياد بن أيوب البغدادي، أخبرنا عفان بن مسلم، أخبرنا همام، قال: حدثنا ثابت عن أنس أن أبا بكر الصديق حدثه، قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه.
فقال: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما. وروينا أن رجلا من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس فيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق: والله ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من موطن إلا وعلي معه فيه. فقال القاسم: يا أخي، لا تحلف. قال: هلم. قال: بلى، ما ترده. قال الله تعالى: {ثاني اثنين إذ هما في الغار}.
واستخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من بعده، بما أظهر من الدلائل البينة على محبته في ذلك، وبالتعريض الذي يقوم مقام التصريح، ولم يصرح بذلك لأنه لم يؤمر فيه بشيء، وكان لا يصنع شيئا في دين الله إلا بوحي، والخلافة ركن من أركان الدين. ومن الدلائل الواضحة على ما قلنا ما حدثنا سعيد بن نصر، وعبد الوارث بن سفيان، قالا: حدثنا أصبغ، حدثنا أحمد بن زهير، حدثنا منصور بن سلمة الخزاعي، وأخبرنا أحمد ابن عبد الله، حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني بمصر. وحدثنا الطحاوي، حدثنا المزني، حدثنا الشافعي، قال: أنبأنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد ابن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن شيء، فأمرها أن ترجع إليه، فقالت: يا رسول الله، أرأيت إن جئت فلم أجدك، تعني الموت. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لم تجديني فأتي أبا بكر. قال الشافعي: في هذا الحديث دليل على أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر.
وروى الزهري، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن زمعة بن الأسود، قال. كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عليل، فدعاه بلال إلى الصلاة، فقال لنا: مروا من يصلي بالناس.
قال: فخرجت فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا، فقلت: قم يا عمر، فصل بالناس، فقام عمر، فلما كبر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته،
وكان مجهرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون. فبعث إلى أبي بكر، فجاءه بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس طول علته حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا أيضا واضح في ذلك.
حدثنا سعيد بن نصر، حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا إسماعيل ابن إسحاق القاضي، حدثنا محمد بن كثير، حدثنا سفيان بن سعيد، عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي بن حراش، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد حدثنا عبد الوارث بن سفيان، ويعيش بن سعيد، قالا: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أبو بكر بن محمد بن أبي العوام، قال: حدثني أبي أحمد بن يزيد بن أبي العوام، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، قال: حدثنا إسماعيل بن خالد عن زر، عن عبد الله بن مسعود، قال: كان رجوع الأنصار يوم سقيفة بني ساعدة بكلام قاله عمر بن الخطاب: أنشدتكم الله. هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقالوا: كلنا لا تطيب نفسه، ونستغفر الله.
وروى إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: قال عبد الله بن مسعود: اجعلوا إمامكم خيركم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إمامنا خيرنا بعده.
وروى الحسن البصري، عن قيس بن عبادة، قال: قال لي علي بن أبي طالب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأياما ينادي بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر يصلي بالناس، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت فإذا الصلاة علم الإسلام، وقوام الدين، فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايعنا أبا بكر. وقد ذكرنا هذا الخبر وكثيرا مثله في معناه عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مروا أبا بكر فليصل بالناس، وأوضحنا ذلك في التمهيد، والحمد لله.
وكان أبو بكر يقول: أنا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان يدعى: يا خليفة رسول الله. وكان عمر يدعى خليفة أبي بكر صدرا من خلافته حتى تسمى بأمير المؤمنين لقصة سنذكرها في بابه، إن شاء الله تعالى.
قرأت على أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن حكم يعرف بابن البغوي أن محمد بن معاوية أخبرهم قال: حدثنا الفضل بن الحباب الجشمي، حدثنا أبو الوليد الطيالسي، حدثنا نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة، قال: قال رجل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: لست بخليفة الله. قال: ولكني أنا خليفة رسول الله، وأنا راض بذلك.
حدثنا خلف بن قاسم وعلى بن إبراهيم، قال: حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا علي بن سعيد بن نصير أبو كريب، حدثنا عبيد بن حسان الصيدلاني، حدثنا مسعر بن كدام، عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة، عن علي، قال: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر. وروى محمد ابن الحنفية، وعبد خير، وأبو جحيفة، عن علي مثله. وكان علي رضي الله عنه يقول: سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثنى أبو بكر، وثلث عمر، ثم حفتنا فتنة يعفو الله فيها عمن يشاء. وقال عبد خير: سمعت عليا يقول: رحم الله أبا بكر، كان أول من جمع بين اللوحين. وروينا عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب من وجوه أنه قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة، أرحمه بنا وأحناه علينا. وقال مسروق: حب أبي بكر وعمر ومعرفة فضلهما من السنة.
وكان أبو بكر رجلا نحيفا أبيض خفيف العارضين أجنأ، لا تستمسك أزرته، تسترخي عن حقوبه، معروق الوجه، غائر العينين، ناتىء الجبهة، عاري الأشاجع، هكذا وصفته ابنته عائشة رضي الله عنها، وبويع له بالخلافة في اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في سقيفة بني ساعدة، ثم بويع البيعة العامة يوم الثلاثاء من غد ذلك اليوم، وتخلف عن بيعته سعد ابن عبادة، وطائفة من الخزرج، وفرقة من قريش، ثم بايعوه بعد غير سعد.
وقيل: إنه لم يتخلف عن بيعته يومئذ أحد من قريش وقيل: إنه تخلف عنه من قريش: علي، والزبير، وطلحة، وخالد بن سعيد بن العاص، ثم بايعوه بعد. وقد قيل: إن عليا لم يبايعه إلا بعد موت فاطمة، ثم لم يزل سامعا مطيعا له يثني عليه ويفضله حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا ابن الأعرابي، حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني، حدثنا يزيد بن هارون، وأبو قطن، وأبو عبادة، ويعقوب الحضرمي، واللفظ ليزيد- قالوا: حدثنا محمد بن طلحة، عن أبي عبيدة بن الحكم، عن الحكم بن جحل، قال: قال علي رضي الله عنه: لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري. حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن عمر، حدثنا أحمد بن محمد
ابن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان، حدثنا إسماعيل بن علية، حدثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، قال: لما بويع أبو بكر الصديق أبطأ علي عن بيعته، وجلس في بيته، فبعث إليه أبو بكر: ما أبطأ بك عني! أكرهت إمارتي؟ فقال علي: ما كرهت إمارتك، ولكني آليت ألا أرتدي ردائي إلا إلى صلاة حتى أجمع القرآن. قال ابن سيرين: فبلغني أنه كتب على تنزيله، ولو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير.
وذكر عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، قال: لما بويع لأبي بكر تخلف على عن بيعته، وجلس في بيته، فلقيه عمر، فقال: تخلفت عن بيعة أبي بكر؟ فقال: إني آليت بيمين حين قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى أجمع القرآن، فإني خشيت أن ينفلت. ثم خرج فبايعه. وقد ذكرنا جمع علي القرآن في بابه أيضا من عير هذا الوجه، الحمد لله.
وذكر ابن المبارك، عن مالك بن مغول، عن أبي الخير، قال: لما بويع لأبي بكر جاء أبو سفيان بن حرب إلى علي، فقال: غلبكم على هذا الأمر أرذل بيت في قريش، أما والله لأملأنها خيلا ورجالا. قال: فقال علي: ما زلت عدوا للإسلام وأهله، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا، وإنا رأينا أبا بكر لها أهلا، وهذا الخبر مما رواه عبد الرزاق، عن ابن المبارك حدثنا محمد بن أحمد، حدثنا محمد بن أيوب، حدثنا أحمد بن عمرو البزار، حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا محمد بن نسير، حدثنا عبد الله بن عمر، عن زيد ابن أسلم، عن أبيه- أن عليا والزبير كانا حين بويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال: يا بنت رسول الله، ما كان من الخلق أحد أحب إلينا من أبيك، وما أحد أحب إلينا بعده منك، ولقد بلغني أن هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلن ولأفعلن. ثم خرج وجاءوها، فقالت لهم: إن عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلن، وايم الله ليفين بها، فانظروا في أمركم، ولا ترجعوا إلي. فانصرفوا فلم يرجعوا حتى بايعوا لأبي بكر. وحدثنا أحمد بن محمد، حدثنا أحمد بن الفضل، حدثنا محمد بن جرير، حدثنا محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر، أن خالد بن سعيد لما قدم من اليمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم تربص ببيعته لأبي بكر شهرين، ولقي علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان، وقال: يا بني عبد مناف، لقد طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم، فأما أبو بكر فلم يحفل بها، وأما عمر فاضطغنها عليه، فلما بعث أبو بكر خالد بن سعيد أميرا على ربع من أرباع الشام، وكان أول من استعمل عليها، فجعل عمر يقول: أتؤمره. وقد قال ما قال، فلم يزل بأبي بكر حتى عزله، وولى يزيد بن أبي سفيان، وقال ابن أبي عزة القرشي الجمحي:
وحدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو بشر الدولابي، حدثنا إبراهيم، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الوليد بن كثير، عن ابن صياد، عن سعيد بن المسيب، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة، فسمع بذلك أبو قحافة، فقال: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: أمر جلل! قال: فمن ولي بعده؟ قالوا: ابنك قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد مناف، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم. قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منعه الله. ومكث أبو بكر في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال. وقيل: سنتين وثلاثة أشهر وسبع ليال.
وقال ابن إسحاق: توفي أبو بكر على رأس سنتين وثلاثة أشهر وسبع ليال.
وقال ابن إسحاق: توفي أبو بكر على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتي عشرة ليلة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: وعشرة أيام.
وقال غيره أيضا: وعشرين يوما، فقام بقتال أهل الردة وظهر من فضل رأيه في ذلك وشدته مع لينه ما لم يحتسب، فأظهر الله به دينه، وقتل على يديه وببركته كل من ارتد عن دين الله، حتى ظهر أمر الله وهم كارهون.
واختلف في السبب الذي مات منه، فذكر الواقدي أنه اغتسل في يوم بارد فحم، ومرض خمسة عشر يوما. قال الزبير بن بكار: كان به طرف من السل. وروى عن سلام بن أبي مطيع أنه سم، والله أعلم.
واختلف أيضا في حين وفاته، فقال ابن إسحاق: توفي يوم الجمعة، لتسع ليال بقين من جمادى الآخرة، سنة ثلاث عشرة. وقال غيره من أهل السير: مات عشي يوم الاثنين. وقيل ليلة الثلاثاء. وقيل عشي يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. هذا قول أكثرهم. وأوصى أن تغسله أسماء بنت عميس زوجته، فغسلته، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره عمر وعثمان وطلحة وعبد الرحمن ابن أبي بكر ودفن ليلا في بيت عائشة رضي الله عنها مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يختلفون أن سنه انتهت إلى حين وفاته ثلاثا وستين سنة إلا ما لا يصح، وأنه استوفى بخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان نقش خاتمه: نعم القادر الله، فيما ذكر الزبير بن بكار، وقال غيره: كان نقش خاتمه: عبد ذليل لرب جليل.
وروى سفيان بن حسين، عن الزهري، قال: سألني عبد الملك بن مروان فقال: أرأيت هذه الأبيات التي تروى عن أبي بكر؟ فقلت له: إنه لم يقلها، حدثني عروة، عن عائشة- أن أبا بكر لم يقل بيت شعر في الإسلام حتى مات، وأنه كان قد حرم الخمر في الجاهلية، هو وعثمان، رضي الله عنهما.

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 3- ص: 963

أبو بكر الصديق هو عبد الله بن أبي قحافة واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك القرشي التميمي. لم يختلفوا في اسمه ولا اسم أبيه. وكذلك لم يختلفوا أن لقبه عتيق. وقد اختلف في المعنى الذي قيل له من اجله عتيق على حسب ما قد ذكرناه في باب اسمه في العبادلة من هذا الكتاب. وأمه أم الخير. واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابنة عمه. وقد ذكرنا من مناقبه وعيون أخباره في باب اسمه ما فيه اكتفاء وشفاء. والحمد الله.
روى حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران عن يزيد بن الأصم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر:، من أكبر، أنا وأنت؟
فقال: بل أنت أكبر وأكرم وخير مني. وأنا أسن منك. وهذا الخبر لا يعرف إلا بهذا الإسناد. وأحسبه وهما لأن جمهور أهل العلم بالأخبار والسير والآثار يقولون: إن أبا بكر استوفى مدة خلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي وهو ابن «ثلاث وستين سنة»

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 4- ص: 1614

أبو بكر الصديق عليه السلام. واسمه عبد الله بن أبي قحافة.

واسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وأمه أم الخير واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. وكان لأبي بكر من الولد عبد الله وأسماء ذات النطاقين وأمهما قتيلة بنت عبد العزى بن عبد أسعد بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وعبد الرحمن وعائشة وأمهما أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. ويقال بل هي أم رومان بنت عامر بن عميرة بن ذهل بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة. ومحمد بن أبي بكر وأمه أسماء بنت عميس بن معد بن تيم بن الحارث بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن مالك بن نسر بن وهب الله بن شهران بن عفرس بن حلف بن أفتل. وهو خثعم. وأم كلثوم بنت أبي بكر وأمها حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج.

وكانت بها نسأ فلما توفي أبو بكر ولدت بعده.

[قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة عن معاوية بن إسحاق بن طلحة عن أبيه عن عائشة أنها سئلت: لم سمي أبو بكر عتيقا؟ فقالت: نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا عتيق الله من النار].

قال: وأما محمد بن إسحاق فقال: أبو قحافة كان اسمه عتيقا. ولم يذكر ذلك غيره.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا المعافى بن عمران قال: أخبرنا مغيرة بن زياد قال: أرسلت إلى ابن أبي مليكة أسأله عن أبي بكر الصديق ما كان اسمه قال: فأتيته فسألته فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان وإنما كان عتيق كذا وكذا يعني لقبا.

قال: أخبرت عن عبد الرزاق بن همام عن معمر عن ابن سيرين قال: اسم أبي بكر عتيق بن عثمان.

قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا صالح بن موسى الطلحي قال: حدثني معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: إني [لفي بيت رسول الله وأصحابه في الفناء وبيني وبينهم الستر إذ أقبل أبو بكر فقال رسول الله: من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا. قالت: وإن اسمه الذي سماه به أهله لعبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو لكن غلب عليه عتيق].

[قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أبو معشر قال: أخبرنا أبو وهب مولى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليلة أسري به: قلت لجبريل إن قومي لا يصدقونني. فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر وهو الصديق].

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا قرة بن خالد قال: أخبرنا محمد بن سيرين عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أبو بكر سميتموه الصديق وأصبتم اسمه.

قال: أخبرنا قبيصة بن عقبة قال: أخبرنا سفيان عن أبي الجحاف عن مسلم البطين قال:

أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا عبد الواحد بن زياد قال: أخبرنا الحسن بن عبيد الله قال: أخبرنا إبراهيم النخعي قال: كان أبو بكر يسمى الأواه لرأفته ورحمته.

[قال: أخبرنا سعيد بن محمد الثقفي عن كثير النواء عن أبي سريحة: سمعت عليا. ع. يقول على المنبر ألا إن أبا بكر أواه منيب القلب. ألا إن عمر ناصح الله فنصحه.]

ذكر إسلام أبي بكر. رحمه الله:

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد عن إبراهيم بن محمد بن طلحة قال: وحدثني منصور بن سلمة بن دينار عن محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: وحدثني عبد الملك بن سليمان عن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: وحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن صالح بن محمد عن زائدة عن أبي عبد الله الدوسي عن أبي أروى الدوسي قالوا: أول من أسلم أبو بكر الصديق.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا شعبة عن عمرو بن مرة عن إبراهيم قال: أول من صلى أبو بكر الصديق.

قال: أخبرنا محمد بن عمر. حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: أسلم أبي أول المسلمين ولا والله ما عقلت أبي إلا وهو يدين الدين.

أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر ومحمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ما عقلت أبوي إلا وهما يدينان الدين وما مر علينا يوم قط إلا ورسول الله يأتينا فيه بكرة وعشية.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عوانة عن مغيرة عن عامر قال: قال رجل لبلال: من سبق؟ قال: محمد. قال: من صلى؟ قال: أبو بكر. قال: قال الرجل إنما أعني في الخيل. قال بلال: وأنا إنما أعني في الخير.

قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن سلمة عن هشام بن عروة قال: أخبرني أبي قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف درهم.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه قال: كان أبو بكر معروفا بالتجارة. لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أربعون ألف درهم فكان يعتق منها ويقوي المسلمين حتى قدم المدينة بخمسة آلاف درهم ثم كان يفعل فيها ما كان يفعل بمكة.

ذكر الغار والهجرة إلى المدينة:

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال لأبي بكر الصديق: قد أمرت بالخروج. يعني الهجرة. فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله. قال: لك الصحبة. قال: فخرجنا حتى أتيا ثورا فاختبيا فيه فكان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما بخبر أهل مكة بالليل ثم يصبح بين أظهرهم كأنه بات بها. وكان عامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر فكان يريحها عليهما فيشربان من اللبن. وكانت أسماء تجعل لهما طعاما فتبعث به إليهما فجعلت طعاما في سفرة فلم تجد شيئا تربطها به فقطعت نطاقها فربطتها به فسميت ذات النطاقين. قال ثم قال رسول الله. ص: إني قد أمرت بالهجرة]. وكان لأبي بكر بعير. واشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا آخر فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا وركب أبو بكر بعيرا وركب آخر فيما يعلم حماد عامر بن فهيرة بعيرا. فكان رسول الله ص. على بعير أبي بكر. ويتحول أبو بكر إلى بعير عامر بن فهيرة. ويتحول عامر بن فهيرة إلى بعير رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فاستقبلتهما هدية من الشام من طلحة بن عبيد الله إلى أبي بكر فيها ثياب بياض من ثياب الشام فلبساها فدخلا المدينة في ثياب بياض.

قال: أخبرنا أبو أسامة قال: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن أبي بكر كان الذي يختلف بالطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما في الغار.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان خروج أبي بكر للهجرة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما عامر بن فهيرة ومعهما دليل يقال له عبد الله بن أريقط الديلي وهو يومئذ على الكفر ولكنهما أمناه.

[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا همام بن يحيى قال: أخبرنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار لو أن أحدهم ينظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه. قال فقال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟].

قال: أخبرنا شبابة بن سوار قال: أخبرنا أبو العطوف الجزري عن الزهري قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: هل قلت في أبي بكر شيئا؟ فقال: نعم.

فقال: قل وأنا أسمع. فقال:

قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: صدقت يا حسان هو كما قلت].

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن عطية بن عبد الله بن أنيس عن أبيه قال: لما هاجر أبو بكر من مكة إلى المدينة نزل على حبيب بن يساف.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد قال: نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير.

قال: أخبرنا محمد بن عمر عن موسى بن يعقوب قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته ولم يزل في بني الحارث بن الخزرج بالسنح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر.

قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما آخى بين أصحابه آخى بين أبي بكر وعمر.

[قال: أخبرنا محمد بن عبيد قال: حدثني وائل بن داود عن رجل من أهل البصرة قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر فرآهما يوما مقبلين فقال: إن هذين لسيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين كهولهم وشبابهم إلا النبيين والمرسلين].

[قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا مالك بن مغول عن الشعبي قال: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أبي بكر وعمر فأقبلا. أحدهما آخذ بيد صاحبه.

فقال: من سره أن ينظر إلى سيدي كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين فلينظر إلى هذين المقبلين].

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: لما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم الدور بالمدينة جعل لأبي بكر موضع داره عند المسجد وهي الدار التي صارت لآل معمر.

قالوا: وشهد أبو بكر بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء وأطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر مائة وسق. وكان في من ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين ولى الناس.

قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني حمزة بن عبد الواحد عن عكرمة بن عمار عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى نجد وأمره علينا فبيتنا ناسا من هوازن فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات. وكان شعارنا أمت أمت.

[قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثني مسعر عن أبي عون عن أبي صالح عن علي قال: قيل لعلي ولأبي بكر يوم بدر: مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل.

وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال. أو قال يشهد الصف].

[قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال النبي إني أبرأ إلى كل خليل من خلته غير أن الله قد اتخذ صاحبكم خليلا. يعني نفسه. ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا].

[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر].

[قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث قال: حدثنا جندب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لو كنت متخذا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر خليلا].

[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا خالد عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر].

[قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عمرو بن العاص قال: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك؟

قال: عائشة. قلت: إنما أعني من الرجال. قال: أبوها].

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد قال: كان أغير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر.

[قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا السري بن يحيى عن الحسن قال: قال أبو بكر يا رسول الله ما أزال أراني أطأ في عذرات الناس. قال: لتكونن من الناس بسبيل. قال: ورأيت في صدري كالرقمتين. قال: سنتين. قال: ورأيت علي حلة حبرة. قال: ولد تحبر به].

قال: أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرنا عطاء أن النبي ص. لم يحج عام الفتح وأنه أمر أبا بكر الصديق على الحج.

قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: أخبرنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على الحج في أول حجة كانت في الإسلام. ثم حج رسول الله في السنة المقبلة. فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر استعمل عمر بن الخطاب على الحج ثم حج أبو بكر من قابل. فلما قبض أبو بكر واستخلف عمر استعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج. ثم لم يزل عمر يحج سنيه كلها حتى قبض فاستخلف عثمان فاستعمل عبد الرحمن بن عوف على الحج.

[قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن مبشر السعدي عن ابن شهاب قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا فقصها على أبي بكر فقال: يا أبا بكر رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف. قال: خير يا رسول الله. يبقيك الله حتى ترى ما يسرك ويقر عينك. قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مرات وأعاد عليه مثل ذلك. قال: فقال له في الثالثة: يا أبا بكر رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة فسبقتك بمرقاتين ونصف. قال: يا رسول الله يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته وأعيش بعدك سنتين ونصفا].

قال: أخبرنا الفضل بن عنبسة الخزاز الواسطي وعارم بن الفضل قالا: أخبرنا حماد بن زيد قال: أخبرنا سعيد بن أبي صدقة عن محمد بن سيرين قال: لم يكن أحد بعد النبي ص أهيب لما لا يعلم من أبي بكر. ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب لما لا يعلم من عمر. وإن أبا بكر نزلت به قضية لم نجد لها في كتاب الله أصلا ولا في السنة أثرا فقال أجتهد رأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله.

[قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله شيئا فقال لها: ارجعي

إلي. فقالت: فإن رجعت فلم أجدك يا رسول الله؟ تعرض بالموت. فقال لها رسول الله. ص: فإن رجعت ولم تجديني فالقي أبا بكر].

[قال: أخبرنا سليمان أبو داود الطيالسي وعبد العزيز بن عبد الله قالا: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن أبيه عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن امرأة أتت النبي ص. في شيء فقال لها رسول الله. ص: ارجعي إلي. قالت: يا رسول الله فإن لم أرك. تعني الموت. فإلى من؟ قال: إلى أبي بكر].

ذكر الصلاة التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر عند وفاته: [قال: أخبرنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبي موسى قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتد وجعه فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق وإنه إذا قام مقامك لم يكد يسمع الناس. قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف].

قال: أخبرنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. قال فأتاهم عمر فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله أمر أبا بكر أن يصلي بالناس؟ قالوا: بلى. قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.

[قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: أخبرنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. قالت: فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر. قال: مروا أبا بكر يصلي بالناس. فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر. قال فقالت له حفصة. فقال: إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس]. فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا. قالت فأمروا أبا بكر يصلي بالناس. فلما دخل أبو بكر في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد. فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر فأومأ إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قم كما أنت. قالت فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.

[قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فأمر عمر فليصل بالناس. قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت عائشة: فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء فأمر عمر فليصل بالناس. ففعلت حفصة. فقال رسول الله. ص: إنكن لأنتن صواحب يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس]. فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيرا.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو إسرائيل عن الفضيل بن عمرو الفقيمي قال: صلى أبو بكر بالناس ثلاثا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم [قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر].

[قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: ائتني بكتف حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه. فذهب عبد الرحمن ليقوم فقال: اجلس. أبى الله والمؤمنون أن يختلف على أبي بكر].

قال: أخبرنا عفان بن مسلم وسليمان أبو داود الطيالسي قالا: أخبرنا محمد بن أبان الجعفي عن عبد العزيز بن رفيع عن عبد الله بن أبي مليكة قال أبو داود عن عائشة. وقال عفان عن عبد الله بن أبي مليكة. قال: [قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة لما مرض ادعوا لي عبد الرحمن بن أبي بكر أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد من بعدي. وقال عفان لا يختلف فيه المسلمون. ثم قال: دعيه. معاذ الله أن يختلف المؤمنون في أبي بكر].

قال: أخبرنا جعفر بن عون قال: أخبرنا أبو عميس عتبة بن عبد الله عن ابن أبي مليكة قال: سمعت عائشة وسئلت: يا أم المؤمنين من كان رسول الله مستخلفا لو استخلف؟ قالت: أبا بكر. ثم قيل لها: من بعد أبي بكر؟ قالت: عمر. ثم قيل لها: من بعد عمر؟ قالت: أبا عبيدة بن الجراح. قال ثم انتهت إلى ذا.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة عشر يوما فكان إذا وجد خفة صلى وإذا ثقل صلى أبو بكر.

ذكر بيعة أبي بكر:

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا العوام عن إبراهيم التيمي قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى عمر أبا عبيدة بن الجراح فقال: ابسط يدك فلأبايعك فإنك أمين هذه الأمة على لسان رسول الله. فقال أبو عبيدة لعمر: ما رأيت لك فهة قبلها منذ أسلمت. أتبايعني وفيكم الصديق وثاني اثنين؟

قال: أخبرنا معاذ بن معاذ ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: أخبرنا أبو عون عن محمد قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أتوا أبا عبيدة قال: أتأتوني وفيكم ثالث ثلاثة؟

قال أبو عون: قلت لمحمد ما ثالث ثلاثة؟ قال: ألم تر تلك الآية إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا؟ قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الزهري عن أبيه عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عبد الله بن عباس: سمعت عمر بن الخطاب. وذكر بيعة أبي بكر فقال: وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا شعبة عن الجريري قال: لما أبطأ الناس عن أبي بكر قال: من أحق بهذا الأمر مني؟ ألست أول من صلى؟ ألست ألست؟ قال فذكر خصالا فعلها مع النبي صلى الله عليه وسلم

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة فأتاهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح. قال: فقام حباب بن المنذر وكان بدريا فقال: منا أمير ومنكم أمير فإنا والله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط ولكنا نخاف

أن يليها. أو قال يليه. أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم. قال: فقال له عمر: إذا كان ذلك فمت إن استطعت. فتكلم أبو بكر فقال: نحن الأمراء وأنتم الوزراء وهذا الأمر بيننا وبينكم نصفين كقد الأبلمة. يعني الخوصة. فبايع أول الناس بشير بن سعد أبو النعمان. قال: فلما اجتمع الناس على أبي بكر قسم بين الناس قسما فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء. فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا. فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا. قالت: فو الله لا آخذ منه شيئا أبدا. فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئا أبدا.

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا هشام بن عروة. قال عبيد الله أظنه عن أبيه. قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا فعلمنا. اعلموا أن أكيس الكيس التقوى وأن أحمق الحمق الفجور. وأن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق. أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع. فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين وشعيب بن حرب قالا: أخبرنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال: سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى رسول الله. ص؟ قال: لا.

قلت: فكيف كتب على الناس الوصية وأمروا بها؟ قال: أوصى بكتاب الله. قال: وقال هذيل: أكان أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله؟ لود أبو بكر أنه وجد من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقدا فخزم أنفه بخزامة.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن أبي بكر الهذلي عن الحسن قال: قال علي لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبا بكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبا بكر.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأرقم بن شرحبيل عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى أبي بكر وهو يصلي بالناس في مرضه أخذ من حيث كان بلغ أبو بكر من القراءة.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة قال: قال رجل لأبي بكر: يا خليفة الله. فقال: لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله. أنا راض بذلك.

قال: أخبرنا عبد الله بن الزبير الحميدي المكي قال: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: أخبرنا الوليد بن كثير عن ابن صياد عن سعيد بن المسيب قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجت مكة فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قبض رسول الله. قال: فمن ولي الناس بعده؟ قالوا: ابنك. قال: أرضيت بذلك بنو عبد شمس وبنو المغيرة؟

قالوا: نعم. قال: فإنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع الله. قال: ثم ارتجت مكة برجة هي دون الأولى فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات. فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل.

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا هشام الدستوائي قال: أخبرنا عطاء بن السائب قال: لما استخلف أبو بكر أصبح غاديا إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله؟ قال: السوق. قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالا له: انطلق حتى نفرض لك شيئا. فانطلق معهما ففرضوا له كل يوم شطر شاة وماكسوه في الرأس والبطن. فقال عمر: إلي القضاء. وقال أبو عبيدة: وإلي الفيء. قال عمر: فلقد كان يأتي علي الشهر ما يختصم إلي فيه اثنان.

قال: أخبرنا روح بن عبادة ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: أخبرنا ابن عون عن عمير بن إسحاق أن رجلا رأى على عنق أبي بكر الصديق عباءة فقال: ما هذا؟

هاتها أكفيكها. فقال: إليك عني لا تغرني أنت وابن الخطاب من عيالي.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكر قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه.

قالوا: نعم. برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما وظهره إذا سافر ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف. قال أبو بكر: رضيت.

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن حميد بن هلال أن أبا بكر لما استخلف راح إلى السوق يحمل أبرادا له وقال: لا تغروني من عيالي.

قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما ولي أبو بكر قال: قد علم قومي أن حرفتي لم تكن لتعجز عن مؤونة أهلي وقد شغلت بأمر المسلمين وسأحترف للمسلمين في مالهم وسيأكل آل أبي بكر من هذا المال.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن عمرو بن ميمون عن أبيه قال: لما أستخلف أبو بكر جعلوا له ألفين فقال: زيدوني فإن لي عيالا وقد شغلتموني عن التجارة. قال فزادوه خمسمائة. قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.

ذكر بيعة أبي بكر. رحمه الله:

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: وأخبرنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الرحمن بن صبيحة التيمي عن أبيه قال: وأخبرنا عبد الرحمن بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: وأخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قال: وأخبرنا أبو قدامة عثمان بن محمد عن أبي وجزة عن أبيه قال: وغير هؤلاء أيضا قد حدثني ببعضه فدخل حديث بعضهم في حديث بعض. قالوا: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج. وكان قد حجر عليه حجرة من شعر فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة وربما ركب على فرس له وعليه إزار ورداء ممشق فيوافي المدينة فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح. فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلى عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع بالناس. وكان رجلا تاجرا فكان يغدو كل يوم السوق فيبيع ويبتاع. وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو نفسه فيها وربما كفيها فرعيت له. وكان يحلب للحي أغنامهم. فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي: الآن لا تحلب لنا منائح دارنا. فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه عن خلق كنت عليه. فكان يحلب لهم فربما قال للجارية من الحي: يا جارية أتحبين أن أرغي لك أو أصرح؟ فربما قالت: أرغ. وربما قالت: صرح. فأي ذلك قالت فعل.

فمكث كذلك بالسنح ستة أشهر ثم نزل إلى المدينة فأقام بها ونظر في أمره فقال: لا والله ما يصلح أمر الناس التجارة وما يصلح لهم إلا التفرغ والنظر في شأنهم وما بد لعيالي مما يصلحهم. فترك التجارة واستنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم ويحج ويعتمر. وكان الذي فرضوا له كل سنة ستة آلاف درهم. فلما حضرته الوفاة قال: ردوا ما عندنا من مال المسلمين فإني لا أصيب من هذا المال شيئا. وإن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم. فدفع ذلك إلى عمر ولقوح وعبد صيقل وقطيفة ما يساوي خمسة دراهم فقال عمر: لقد أتعب من بعده.

قالوا: واستعمل أبو بكر على الحج سنة إحدى عشرة عمر بن الخطاب. ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة فدخل مكة ضحوة فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره معه فتيان أحداث يحدثهم إلى أن قيل له هذا ابنك. فنهض قائما وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته فنزل عنها وهي قائمة فجعل يقول: يا أبت لا تقم. ثم لاقاه فالتزمه وقبل بين عيني أبي قحافة وجعل الشيخ يبكي فرحا بقدومه.

وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحارث بن هشام فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سلموا على أبي قحافة فقال أبو قحافة: يا عتيق هؤلاء الملأ فأحسن صحبتهم. فقال أبو بكر: يا أبت لا حول ولا قوة إلا بالله! طوقت عظيما من الأمر لا قوة لي به ولا يدان إلا بالله. ثم دخل فاغتسل وخرج وتبعه أصحابه فنحاهم ثم قال: امشوا على رسلكم. ولقيه الناس يتمشون في وجهه ويعزونه بنبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه ثم استلم الركن ثم طاف سبعا وركع ركعتين. ثم انصرف إلى منزله. فلما كان الظهر خرج فطاف أيضا بالبيت. ثم جلس قريبا من دار الندوة فقال: هل من أحد يتشكى من ظلامة أو يطلب حقا؟ فما أتاه أحد وأثنى الناس على واليهم خيرا. ثم صلى العصر وجلس فودعه الناس. ثم خرج راجعا إلى المدينة. فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة وأفرد الحج واستخلف على المدينة عثمان بن عفان.

ذكر صفة أبي بكر:

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: دخلت مع أبي على أبي بكر وكان رجلا نحيفا خفيف اللحم أبيض.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا شعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أنها نظرت إلى رجل من العرب مارا وهي في هودجها فقالت: ما رأيت رجلا أشبه بأبي بكر من هذا. فقلنا: صفي لنا أبا بكر. فقالت: رجل أبيض. نحيف. خفيف العارضين. أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقوته. معروق الوجه. غائر العينين. ناتئ الجبهة. عاري الأشاجع.

هذه صفته.

قال محمد بن عمر: فذكرت ذلك لموسى بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي بكر فقال: سمعت عاصم بن عبيد الله بن عاصم يذكر هذه الصفة بعينها.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا جعفر بن عون قال: أخبرنا عبد الرحمن بن زياد عن عمارة عن عمه قال: مررت بأبي بكر وهو خليفة يومئذ ولحيته حمراء قانية.

قال: أخبرنا جعفر بن عون ومحمد بن عبد الله الأسدي قالا: أخبرنا مسعر عن أبي عون عن شيخ من بني أسد قال: رأيت أبا بكر في غزوة ذات السلاسل كأن لحيته لهاب العرفج. شيخا خفيفا أبيض. على ناقة له أدماء.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن ثابت عن أبي جعفر الأنصاري قال: رأيت أبا بكر الصديق ورأسه ولحيته كأنهما جمر الغضا.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث. وكان جليسا لهم. كان أبيض الرأس واللحية فغدا عليهم ذات يوم وقد حمرها فقال له القوم: هذا أحسن. فقال: إن أمي عائشة أرسلت إلي البارحة جاريتها نخيلة فأقسمت علي لأصبغن وأخبرتني أن أبا بكر كان يصبغ.

قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قال: حدثني سليمان بن بلال عن

محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة قالت صبغ أبو بكر بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة وذكر عندها رجل يخضب بالحناء فقالت إن يخضب فقد خضب أبو بكر قبله بالحناء.

قال القاسم: لو علمت أن رسول الله خضب لبدأت برسول الله فذكرته.

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرنا حميد قال: سئل أنس بن مالك أخضب رسول الله؟ فقال: لم يشنه الشيب ولكن خضب أبو بكر بالحناء وخضب عمر بالحناء.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: خضب أبو بكر بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: أخبرنا عاصم الأحول عن ابن سيرين قال: سألت أنس بن مالك بأي شيء كان يختضب أبو بكر؟ قال: بالحناء والكتم. قال: قلت فعمر؟ قال: بالحناء. قال: قلت فالنبي. ص؟ قال: لم يدرك ذاك.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة عن أنس وأخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: وأخبرنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: خضب أبو بكر بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أبا بكر كان يصبغ بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن سماك عن رجل من بني خيثم قال: رأيت أبا بكر قد خضب رأسه ولحيته بالحناء.

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى والفضل بن دكين قالا: أخبرنا إسرائيل عن معاوية بن إسحاق قال: سألت القاسم بن محمد أكان أبو بكر يخضب؟ قال: نعم قد كان يغير.

قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن عمار الدهني قال: جلست إلى أشياخ من الأنصار بمكة فسألهم عبيد بن أبي الجعد أكان عمر يخضب بالحناء والكتم؟ فقالوا: أخبرنا فلان أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا ابن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا أبو عوانة عن حصين عن المغيرة بن شبيل البجلي عن قيس بن أبي حازم أن أبا بكر كان يخرج إليهم وكأن لحيته ضرام عرفج من شدة الحمرة من الحناء والكتم.

قال: أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن قال: أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: وأخبرنا سعيد بن منصور عن حماد بن زيد عن ثابت عن أنس أن أبا بكر كان يخضب بالحناء والكتم.

قال: وأخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن قال: أخبرنا شعبة عن زياد بن علاقة عن رجل أظنه قال من قومه أن أبا بكر خضب بالحناء والكتم.

قال: أخبرنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قال: أخبرنا محمد بن حمير قال: أخبرنا إبراهيم بن أبي عبلة أن عقبة بن وساج حدثه عن أنس خادم النبي ص. قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس في أصحابه غير أبي بكر فغلفها بالحناء والكتم.

[قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: أخبرنا ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غيروا ولا تشبهوا باليهود. قال: فصبغ أبو بكر بالحناء والكتم. وصبغ عمر فاشتد صبغه. وصفر عثمان ابن عفان. قال: فقيل لنافع بن جبير: فالنبي. ص؟ قال: كان يمس السدر. قال ابن جريج وقال عطاء الخراساني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أجمل ما تجملون به الحناء والكتم].

قال: أخبرنا مالك بن إسماعيل أبو غسان النهدي قال: أخبرنا إسرائيل عن عاصم بن سليمان قال: سأل ابن سيرين أنس بن مالك هل كان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخضب؟ قال: أبو بكر. قال: حسبي.

ذكر وصية أبي بكر:

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير قالا: أخبرنا الأعمش عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: لما مرض أبو بكر مرضه الذي مات فيه قال: انظروا ما زاد في مالي منذ دخلت الإمارة فابعثوا به إلى الخليفة من بعدي فإني قد كنت أستحله. قال: وقال عبد الله بن نمير أستصلحه جهدي. وكنت أصيب من الودك نحوا مما كنت أصيب في التجارة. قالت عائشة: فلما مات نظرنا فإذا عبد نوبي كان يحمل صبيانه وإذا ناضح كان يسني عليه. قال عبد الله بن نمير: ناضح كان يسقي بستانا له. قالت فبعثنا بهما إلى عمر. قالت فأخبرني جدي أن عمر بكى وقال: رحمة الله على أبي بكر لقد أتعب من بعده تعبا شديدا.

قال: أخبرنا عبد الله بن نمير ومحمد بن عبيد الله عن عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر حين حضره الموت قال: إني لا أعلم عند أبي بكر من هذا المال شيئا غير هذه اللقحة وغير هذا الغلام الصيقل كان يعمل سيوف المسلمين ويخدمنا فإذا مت فادفعيه إلى عمر. فلما دفعته إلى عمر قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها. قال: فقلنا كيف أصبح أو كيف أمسى خليفة رسول الله.

ص؟ قال: فاطلع علينا إطلاعة فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا.

قال: وكانت عائشة هي تمرضه. قال فقال: أما إني قد كنت حريصا على أن أوفر للمسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم واللبن فانظروا إذا رجعتم مني فانظروا ما كان عندنا فأبلغوه عمر. قال: فذاك حيث عرفوه أنه استخلف عمر. قال: وما كان عنده دينار ولا درهم. ما كان إلا خادم ولقحة ومحلب. فلما رأى ذلك عمر يحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.

قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا ابن عون عن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف كان أخذها من بيت المال. فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها. فلما توفي ذكر ذلك لعمر فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب أن لا يدع

لأحد بعده مقالا وأنا والي الأمر من بعده وقد رددتها عليكم.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن سمية عن عائشة أن أبا بكر قال لها: يا عائشة ما عندي من مال إلا لقحة وقدح فإذا مت فاذهبوا بهما إلى عمر. فلما مات ذهبوا بهما إلى عمر فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.

[قال: أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن عبد الله الأسدي وقبيصة بن عقبة عن سفيان عن السري عن عبد خير عن علي قال: يرحم الله أبا بكر هو أول من جمع اللوحين].

قال: أخبرنا خالد بن مخلد قال: حدثني أسامة بن زيد بن أسلم عن أبيه عن نيار الأسلمي عن عائشة قالت: قسم أبي أول عام الفيء فأعطى الحر عشرة وأعطى المملوك عشرة والمرأة عشرة وأمتها عشرة. ثم قسم في العام الثاني فأعطاهم عشرين عشرين.

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرنا أبو عامر الخزاز صالح بن رستم قال: حدثني أبو عمران الجوني عن أسير قال: قال سلمان دخلت على أبي بكر الصديق في مرضه فقلت: يا خليفة رسول الله اعهد إلي عهدا فإني لا أراك تعهد إلي بعد يومي هذا. قال: أجل يا سلمان إنها ستكون فتوح فلا أعرفن ما كان من حظك منها ما جعلت في بطنك أو ألقيته على ظهرك. واعلم أنه من صلى الصلوات الخمس فإنه يصبح في ذمة الله. فلا تقتلن أحدا من أهل ذمة الله فيطلبك الله بذمته فيكبك الله على وجهك في النار.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وكثير بن هشام عن جعفر بن برقان عن خالد بن أبي عزة أن أبا بكر أوصى بخمس ماله. أو قال آخذ من مالي ما أخذ الله من فيء المسلمين.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا همام بن يحيى عن قتادة قال: قال أبو بكر لي من مالي ما رضي ربي من الغنيمة فأوصى بالخمس.

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد أن أبا بكر أوصى بالخمس.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لما حضر أبا بكر الوفاة جلس فتشهد ثم قال: أما بعد يا بنية فإن أحب الناس غنى إلي بعدي أنت وإن أعز الناس علي فقرا بعدي أنت وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي فوددت والله أنك حزته وأخذته فإنما هو مال الوارث وهما أخواك وأختاك. قالت: قلت هذا أخواي فمن أختاي؟ قال: ذات بطن ابنة خارجة فإني أظنها جارية.

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: أخبرنا أبو الكباش الكندي عن محمد بن الأشعث أن أبا بكر الصديق لما أن ثقل قال لعائشة: إنه ليس أحد من أهلي أحب إلي منك وقد كنت أقطعتك أرضا بالبحرين ولا أراك رزأت منها شيئا. قالت له: أجل. قال: فإذا أنا مت فابعثي بهذه الجارية. وكانت ترضع ابنه. وهاتين اللقحتين وحالبهما إلى عمر. وكان يسقي لبنهما جلساءه. ولم يكن في يده من المال شيء. فلما مات أبو بكر بعثت عائشة بالغلام واللقحتين والجارية إلى عمر فقال عمر: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. فقبل اللقحتين والغلام ورد الجارية عليهم.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم قال: أخبرنا همام عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر لما حضرته الوفاة دعاها فقال: إنه ليس في أهلي بعدي أحد أحب إلي غنى منك ولا أعز علي فقرا منك وإني كنت نحلتك من أرض بالعالية جداد.

يعني صرام. عشرين وسقا فلو كنت جددته تمرا عاما واحدا انحاز لك وإنما هو مال الوارث وإنما هما أخواك وأختاك. فقلت: إنما هي أسماء. فقال: وذات بطن ابنة خارجة قد ألقي في روعي أنها جارية فاستوصي بها خيرا. فولدت أم كلثوم.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أفلح بن حميد عن أبيه قال: كان المال الذي نحل عائشة بالعالية من أموال بني النضير بئر حجر كان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه ذلك المال فأصلحه بعد ذلك أبو بكر وغرس فيه وديا.

قال: أخبرنا أبو سهل نضر بن باب عن داود بن أبي هند عن عامر أن أبا بكر الصديق لما احتضر قال لعائشة: أي بنية قد علمت أنك كنت أحب الناس إلي وأعزهم وأني كنت نحلتك أرضي التي تعلمين بمكان كذا وكذا وأنا أحب أن ترديها

علي فيكون ذلك قسمة بين ولدي على كتاب الله فألقى ربي حين ألقاه ولم أفضل بعض ولدي على بعض.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وأبو أسامة قالا: أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ما ترك أبو بكر دينارا ولا درهما ضرب الله سكته.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير ويعلى بن عبيد عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله البهي مولى الزبير عن عائشة قالت: لما حضر أبو بكر قلت كلمة من قول حاتم:

فقال: لا تقولي هكذا يا بنية ولكن قولي: وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. انظروا ملاءتي هاتين فإذا مت فاغسلوها وكفنوني فيهما فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت.

قال: أخبرنا يعلى ومحمد ابنا عبيد قالا: أخبرنا موسى الجهني عن أبي بكر بن حفص بن عمر قال: جاءت عائشة إلى أبي بكر وهو يعالج ما يعالج الميت ونفسه في صدره فتمثلت هذا البيت:

فنظر إليها كالغضبان ثم قال: ليس كذلك يا أم المؤمنين ولكن وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. إني قد كنت نحلتك حائطا وإن في نفسي منه شيئا فرديه إلى الميراث. قالت: نعم فرددته. فقال: أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارا ولا درهما ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح وجرد هذه القطيفة فإذا مت فابعثي بهن إلى عمر وابرئي منهن. ففعلت. فلما جاء الرسول عمر بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض ويقول: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده. يا غلام ارفعهن. فقال عبد الرحمن بن عوف: سبحان الله تسلب عيال أبي بكر عبدا حبشيا وبعيرا ناضحا وجرد قطيفة ثمن خمسة الدراهم؟ قال: فما تأمر؟ قال: تردهن على عياله. فقال: لا والذي بعث محمدا بالحق. أو كما حلف. لا يكون هذا في

ولايتي أبدا ولا خرج أبو بكر منهن عند الموت وأردهن أنا على عياله. الموت أقرب من ذلك.

قال: أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت لما مرض أبو بكر:

فقال أبو بكر: ليس كذلك أي بنية ولكن جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا هارون بن أبي إبراهيم قال: أخبرنا عبد الله بن عبيد أن أبا بكر أتته عائشة وهو يجود بنفسه فقالت: يا أبتاه هذا كما قال حاتم: إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فقال: يا بنية قول الله أصدق. جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد. إذا أنا مت فاغسلي أخلاقي فاجعليها أكفاني. فقالت: يا أبتاه قد رزق الله وأحسن. نكفنك في جديد. قال: إن الحي هو أحوج يصون نفسه ويقنعها من الميت. إنما يصير إلى الصديد وإلى البلى.

قال: وأخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا هشام بن حسان عن بكر بن عبد الله المزني قال: بلغني أن أبا بكر الصديق لما مرض فثقل قعدت عائشة عند رأسه فقالت:

فقال: ليس كما قلت يا بنتاه ولكن كما قال الله. وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.

قال: أخبرنا عفان قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها تمثلت بهذا البيت وأبو بكر يقضي:

فقال أبو بكر: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا ثابت عن سمية أن عائشة قالت:

فقال أبو بكر: جاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت قال: كان أبو بكر يتمثل بهذا البيت:

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا مالك بن مغول عن أبي السفر قال: مرض أبو بكر فقالوا ألا ندعو الطبيب؟ فقال: قد رآني فقال إني فعال لما أريد.

قال: أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا هشام بن أبي عبد الله عن قتادة قال: بلغني أن أبا بكر قال: وددت أني خضرة تأكلني الدواب.

قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثني الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله. والله إن فيها لسم سنة وأنا وأنت نموت في يوم واحد. قال فرفع يده فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.

قال: أخبرنا محمد بن حميد العبدي عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قال أبو بكر: لأن أوصي بالخمس أحب إلي من أن أوصي بالربع. ولأن أوصي بالربع أحب إلي من أن أوصي بالثلث. ومن أوصى بالثلث فلم يترك شيئا.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: وأخبرنا بردان بن أبي النضر عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: وأخبرنا عمرو بن عبد الله بن عنبسة عن أبي النضر عن عبد الله البهي. دخل حديث بعضهم في حديث بعض. أن أبا بكر الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب. فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمر إلا وأنت أعلم به مني. فقال أبو بكر: وإن. فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه. ثم دعا عثمان بن عفان فقال: أخبرني عن عمر. فقال: أنت أخبرنا به. فقال: على ذلك يا أبا عبد الله. فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته وأنه ليس فينا مثله. فقال أبو بكر: يرحمك الله. والله لو تركته ما عدوتك. وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور وأسيد بن الحضير وغيرهما من المهاجرين والأنصار فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك. يرضى للرضى ويسخط للسخط. الذي يسر خير من الذي يعلن. ولم يل هذا الأمر أحد أقوى عليه منه. وسمع بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر وخلوتهما به فدخلوا به فدخلوا على أبي بكر فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر؟ لعمر علينا وقد ترى غلظته؟ فقال أبو بكر: أجلسوني. أبالله تخوفوني؟ خاب من تزود من أمركم بظلم. أقول اللهم استخلفت عليهم خير أهلك.

أبلغ عني ما قلت لك من وراءك. ثم اضطجع ودعا عثمان بن عفان فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا منها وعند أول عهده بالآخرة داخلا فيها حيث يؤمن الكافر ويوقن الفاجر ويصدق الكاذب. إني استخلفت عليكم بعدي عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا. وإني لم آل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيرا. فإن عدل فذلك ظني به وعلمي فيه. وإن بدل فلكل امرئ ما اكتسب من الإثم. والخير أردت ولا أعلم الغيب. سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. والسلام عليكم ورحمة الله. ثم أمر بالكتاب فختمه. ثم قال بعضهم لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب: بقي ذكر عمر فذهب به قبل أن يسمي أحدا. فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب. ثم أفاق أبو بكر فقال: اقرأ علي ما كتبت. فقرأ عليه ذكر عمر فكبر أبو بكر وقال: أراك خفت إن أقبلت نفسي في غشيتي تلك يختلف الناس فجزاك الله عن الإسلام مختوما ومعه عمر بن الخطاب وأسيد بن سعيد القرظي فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم. وقال بعضهم: قد علمنا به. قال ابن سعد: علي القائل وهو عمر. فأقروا بذلك جميعا ورضوا به وبايعوا ثم دعا أبو بكر عمر خاليا فأوصاه بما أوصاه به. ثم خرج من عنده فرفع أبو بكر يديه مدا فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم به واجتهدت لهم رأيي فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم وأحرصهم على ما أرشدهم وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم فهم عبادك ونواصيهم بيدك أصلح لهم وإليهم واجعله من

خلفائك الراشدين يتبع هدى نبي الرحمة وهدى الصالحين بعده وأصلح له رعيته.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: لما ثقل أبو بكر قال: أي يوم هذا؟ قالت: قلنا يوم الاثنين. قال: فأي يوم قبض رسول الله. ص؟ قالت: قلنا قبض يوم الاثنين. قال: فإني أرجو ما بيني وبين الليل. قالت وكان عليه ثوب فيه ردع من مشق فقال: إذا أنا مت فاغسلوا ثوبي هذا وضموا إليه ثوبين جديدين وكفنوني في ثلاثة أثواب. فقلنا: ألا نجعلها جددا كلها؟ قال فقال: لا. إنما هو للمهلة. الحي أحق بالجديد من الميت. قالت فمات ليلة الثلاثاء. رحمه الله.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة أن أبا بكر قال لها: في أي يوم مات رسول الله ص؟ قالت: في يوم الاثنين. قال: ما شاء الله. إني لأرجو فيما بيني وبين الليل. قال: ففيم كفنتموه؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة. فقال أبو بكر: انظري ثوبي هذا فيه ردع زعفران أو مشق فاغسليه واجعلي معه ثوبين آخرين.

فقالت عائشة: يا أبت هو خلق. فقال: إن الحي أحق بالجديد وإنما هو للمهلة.

وكان عبد الله بن أبي بكر أعطاهم حلة حبرة فأدرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ثم استخرجوه منها فكفن في ثلاثة أثواب بيض. فأخذ عبد الله الحلة فقال: لأكفنن نفسي في شيء مس النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال بعد ذلك: والله لا أكفن في شيء منعه الله نبيه أن يكفن فيه. ومات أبو بكر ليلة الثلاثاء ودفن ليلا. وماتت عائشة ليلا فدفنها عبد الله بن الزبير ليلا.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن حمزة بن عمرو عن أبيه قال: وأخبرنا عمر بن عمران بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن عمر بن حسين مولى آل مظعون عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: وأخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عروة عن عائشة قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكر أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة. وكان يوما باردا. فحم خمسة عشر يوما لا يخرج إلى صلاة. وكان يأمر عمر بن الخطاب يصلي بالناس. ويدخل الناس عليه يعودونه وهو يثقل كل يوم وهو نازل يومئذ في داره التي قطع له النبي صلى الله عليه وسلم وجاه دار عثمان بن عفان اليوم.

وكان عثمان ألزمهم له في مرضه. وتوفي أبو بكر. رحمه الله. مساء ليلة الثلاثاء لثماني ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم فكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال. وكان أبو معشر يقول سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال. وتوفي. رحمه الله. وهو ابن ثلاث وستين سنة. مجمع على ذلك في الروايات كلها. استوفى سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ولد بعد الفيل بثلاث سنين.

قال: أخبرنا يحيى بن عباد قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرني أبو إسحاق عن عامر بن سعد عن جرير أنه سمع معاوية يقول: توفي أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا شريك عن أبي إسحاق قال: مات أبو بكر وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: استكمل أبو بكر في خلافته سن رسول الله صلى الله عليه وسلم

فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.

قال: أخبرنا علي بن عبد الله بن جعفر قال: أخبرنا سفيان بن عيينة قال: سمعت علي بن زيد بن جدعان يحدث عن أنس قال: كان أسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

أبو بكر وسهيل بن بيضاء.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن شعبة عن سعد بن إبراهيم أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: حدثنا همام عن قتادة أن أبا بكر غسلته امرأته أسماء بنت عميس.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن محمد بن شريك عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء.

أخبرنا عبد الله بن نمير عن سعيد عن قتادة عن الحسن أن أبا بكر أوصى أن تغسله أسماء.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح والفضل بن دكين عن سفيان عن إبراهيم بن

مهاجر عن إبراهيم أن أبا بكر غسلته امرأته أسماء.

قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بكر بن حفص أن أبا بكر أوصى أسماء بنت عميس أن تغسله إذا مات وعزم عليها: لما أفطرت لأنه أقوى لك. فذكرت يمينه من آخر النهار فدعت بماء فشربت وقالت: والله لا أتبعه اليوم حنثا.

قال: أخبرنا معاذ بن معاذ ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: أخبرنا أشعث عن عبد الواحد بن صبرة عن القاسم بن محمد أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء فإن عجزت أعانها ابنها منه. محمد.

قال محمد بن عمر: وهذا وهل. وقال محمد بن سعد: هذا خطأ.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: أوصى أبو بكر أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر.

قال محمد بن عمر: وهذا الثبت. وكيف يعينها محمد ابنها وإنما ولدته بذي الحليفة في حجة الوداع سنة عشر وكان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها؟

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا أبو معشر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أبا بكر غسلته أسماء بنت عميس.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس امرأة أبي بكر الصديق غسلت أبا بكر حين توفي ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل علي غسل؟

قالوا: لا.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن أبي عبيد حاجب سليمان عن عطاء قال: غسلته في غداة باردة فسألت عثمان هل عليها غسل؟ فقال: لا. وعمر يسمع ذلك ولا ينكره.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن حنظلة عن القاسم بن محمد قال: كفن أبو بكر في ريطتين. ريطة بيضاء وريطة ممصرة. وقال: الحي أحوج إلى الكسوة من الميت. إنما هو لما يخرج من أنفه وفيه.

أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني أن أبا بكر كفن في ثوبين.

قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال: كفن أبو بكر في ثلاثة أثواب أحدها ثوب ممصر.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن أبا بكر الصديق قال لعائشة وهو مريض: في كم كفن رسول الله. ص؟ قالت: في ثلاثة أثواب سحولية. فقال أبو بكر: خذوا هذا الثوب. لثوب عليه قد أصابه مشق أو زعفران. فاغسلوه ثم كفنوني فيه مع ثوبين آخرين. فقالت عائشة: وما هذا؟ قال أبو بكر: الحي أحوج إلى الجديد من الميت. وإنما هو للمهلة.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا مندل عن ليث عن عطاء قال: كفن أبو بكر في ثوبين غسيلين.

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: أخبرنا سفيان عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر كفن في ثلاثة أثواب.

قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: أخبرنا شعبة قال: سألت عبد الرحمن بن القاسم عن أبي بكر في كم كفن. قال: في ثلاثة أثواب. قلت: من حدثكم؟ قال: سمعته من محمد بن علي.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زهير عن أبي إسحاق قال: كفن أبو بكر في ثوبين.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سفيان وشريك عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة قال: كفن أبو بكر في ثوبين. قال شريك معقدين.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا زهير عن عمران بن مسلم عن سويد بن غفلة أن أبا بكر كفن في ثوبين من هذه الثياب الموصولة.

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: أخبرنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله أن أبا بكر أمرهم أن يرحضوا أخلاقه فيدفنوه فيها. قال: ودفن ليلا.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا سيف بن أبي سليمان قال: سمعت

القاسم بن محمد قال: قال أبو بكر حين حضره الموت: كفنوني في ثوبي هذين اللذين كنت أصلي فيهما واغسلوهما فإنهما للمهلة والتراب.

قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي وعفان بن مسلم والحسن بن موسى الأشيب قالوا: أخبرنا شعبة عن محمد بن عبد الرحمن عن عمرة عن عائشة قالت: قال أبو بكر: اغسلوا ثوبي هذا وكفنوني فيه فإن الحي أفقر إلى الجديد من الميت.

قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: أخبرنا القاسم بن الفضل قال: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم أن أبا بكر الصديق كفن في ثوبين غسيلين سحوليين من ثياب اليمن. وقال أبو بكر: الحي أولى بالجديد. إنما الكفن للمهلة.

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أن أبا بكر كفن في ثوبين أحدهما غسيل.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا معمر ومحمد عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: أوصى أبو بكر أن يكفن بثوبين عليه كان يلبسهما. قال: كفنوني فيهما فإن الحي هو أفقر إلى الجديد من الميت.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: كفن أبو بكر في ثوبين أحدهما غسيل.

قال: أخبرنا عبد الملك بن عمرو أبو عامر العقدي قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن أبي حسان أن علي بن الحسين سأل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر. قال: من صلى عليه؟ قال: عمر. قال: كم كبر عليه؟ قال: أربعا.

قال: أخبرنا شبابة بن سوار الفزاري قال: أخبرنا عبد الأعلى بن أبي المساور عن حماد عن إبراهيم قال: صلى عمرو على أبي بكر فكبر عليه أربعا.

قال: أخبرنا وكيع عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن أبا بكر وعمر صلي عليهما في المسجد تجاه المنبر.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح وعبد الله بن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه. قال وكيع أو غيره شك هشام. وقال ابن نمير عن أبيه ولم يشك. أن أبا بكر صلي عليه في المسجد.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن صالح بن يزيد مولى الأسود قال: كنت عند سعيد بن المسيب فمر عليه علي بن حسين فقال: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر.

قال: حدثنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا خالد بن إلياس عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه أن عمر كبر على أبي بكر أربعا.

قال: أخبرنا سعيد بن منصور قال: أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر صلي عليه في المسجد.

قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: أخبرنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن محمد بن فلان بن سعد أن عمر حين صلى على أبي بكر في المسجد رجع.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال: وحدثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا: الذي صلى على أبي بكر عمر بن الخطاب وصلى صهيب على عمر.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن نافع عن أبيه قال: صلى عمر على أبي بكر.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه أو غيره. شك هشام. أن أبا بكر دفن ليلا.

قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي قال: أخبرنا همام عن هشام بن عروة قال: حدثني أبي أن عائشة حدثته قالت: توفي أبو بكر ليلا فدفناه قبل أن نصبح.

قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن موسى بن علي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال: سئل أيقبر الميت ليلا؟ فقال: قد قبر أبو بكر بالليل.

قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: أخبرنا ابن جريج عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن ابن السباق أن عمر دفن أبا بكر ليلا ثم دخل المسجد فأوتر بثلاث.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة أن أبا بكر دفن ليلا.

قال: أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد أن أبا بكر دفن ليلا.

قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم قال: أخبرنا الوليد بن أبي هشام عن القاسم بن محمد قال: دفن أبو بكر ليلا.

قال: أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي عن كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب أن أبا بكر الصديق دفن ليلا.

أخبرنا مطرف بن عبد الله اليساري قال: أخبرنا عبد العزيز بن أبي حازم عن محمد بن عبد الله عن ابن شهاب. بلغه أن أبا بكر دفن ليلا. دفنه عمر بن الخطاب.

قال: أخبرنا أنس بن عياض عن يونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب أن عمر دفن أبا بكر ليلا.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن خالد بن رباح عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن ابن عمر قال: حضرت دفن أبي بكر فنزل في حفرته عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر. قال ابن عمر فأردت أن أنزل فقال عمر كفيت.

قال: أخبرنا عثمان بن عمر قال: أخبرنا يونس بن يزيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: لما توفي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح فبلغ عمر فجاء فنهاهن عن النوح على أبي بكر. فأبين أن ينتهين. فقال لهشام بن الوليد: أخرج إلي ابنة أبي قحافة. فعلاها بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك. وقال: تردن أن يعذب أبو بكر ببكائكن؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه].

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا مالك بن أبي الرجال عن أبيه عن عائشة قالت: توفي أبو بكر بين المغرب والعشاء فأصبحنا فاجتمع نساء المهاجرين والأنصار وأقاموا النوح وأبو بكر يغسل ويكفن. فأمر عمر بن الخطاب بالنوح ففرقن فو الله على ذلك إن كن ليفرقن ويجتمعن.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم بن محمد يقولان: أوصى أبو بكر

عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما توفي حفر له وجعل رأسه عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصق اللحد بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبر هناك.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني ربيعة بن عثمان عن عامر بن عبد الله بن الزبير قال: رأس أبي بكر عند كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأس عمر عند حقوي أبي بكر.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: جعل قبر أبي بكر مثل قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسطحا ورش عليه الماء.

قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن عمرو بن عثمان بن هانئ عن القاسم بن محمد قال: دخلت على عائشة فقلت: يا أمة اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه. فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء. قال: فرأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم مقدما وقبر أبي بكر عند رأسه. ورأس عمر عند رجل النبي صلى الله عليه وسلم قال عمرو بن عثمان فوصف القاسم قبورهم.

قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: أخبرنا مالك بن أنس عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي على النبي صلى الله عليه وسلم

ويدعو لأبي بكر وعمر.

[قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا أبو عقيل عن رجل قال: سئل علي عن أبي بكر وعمر فقال: كانا إمامي هدى راشدين مرشدين مصلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين].

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا الضحاك بن عثمان عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن ابن المسيب قال: سمع أبو قحافة الهائعة بمكة فقال: ما هذا؟

قال: توفي ابنك. قال: رزء جليل. من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر. قال: صاحبه.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا شعيب بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيه قال: ورث أبا بكر الصديق أبوه أبو قحافة السدس وورثه ماله ولده عبد الرحمن ومحمد وعائشة وأسماء وأم كلثوم بنو أبي بكر وامرأتاه

أسماء بنت عميس وحبيبة ابنة خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج.

وهي أم أم كلثوم وكانت بها نسأ حين توفي أبو بكر. رحمه الله.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا إسحاق بن يحيى بن طلحة قال: سمعت مجاهدا يقول: كلم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق. رحمه الله.

فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر.

قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياما. وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة وهو ابن سبع وتسعين سنة.

قال: أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن قال: أخبرنا الربيع عن حبان الصائغ قال: كان نقش خاتم أبي بكر نعم القادر الله.

[قال: أخبرنا معن بن عيسى وأبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس قالا: أخبرنا سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه أن أبا بكر الصديق تختم في اليسار].

قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام عن محمد بن سيرين قال: مات أبو بكر ولم يجمع القرآن.

قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: أخبرنا أبو معاوية عن السري بن يحيى عن بسطام بن مسلم قال: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: لا يتأمر عليكما أحد بعدي].

قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أخبرنا ابن عون عن محمد أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك. فقال له عمر: أنت أفضل مني. فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني. فقال له عمر: أنت أفضل مني. فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني. فقال له عمر: فإن قوتي لك مع فضلك. قال فبايعه.

قال: أخبرنا الحسن بن موسى الأشيب قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا عروة بن عبد الله بن قشير قال: لقيت أبا جعفر وقد قصعت لحيتي فقال: ما لك عن الخضاب؟

قال: قلت أكرهه في هذا البلد. قال: فاصبغ بالوسمة فإني كنت أخضب بها حتى تحرك فمي. ثم قال إن أناسا من حمقى قرائكم يزعمون أن خضاب اللحى حرام وأنهم سألوا محمد بن أبي بكر أو القاسم بن محمد. قال زهير الشك من غيري. عن خضاب أبي بكر فقال كان يخضب بالحناء والكتم فهذا الصديق قد خضب. قال: قلت الصديق؟ قال: نعم ورب هذه القبلة أو الكعبة إنه الصديق.

قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا أبي سمعت الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيبا فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني وليت هذا الأمر وأنا له كاره وو الله لوددت أن بعضكم كفانيه. ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أقم به. كان رسول الله ص. عبدا أكرمه الله بالوحي وعصمه به. ألا وإنما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني. فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني وإن رأيتموني زغت فقوموني. واعلموا أن لي شيطانا يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم.

قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا وهيب بن خالد قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قامت خطباء الأنصار فجعل الرجل منهم يقول يا معشر المهاجرين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استعمل رجلا منكم قرن معه رجلا منا فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان أحدهما منكم والآخر منا. قال فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك فقام زيد بن ثابت فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين وإن الإمام إنما يكون من المهاجرين ونحن أنصاره كما كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أبو بكر فقال: جزاكم الله من حي خيرا يا معشر الأنصار وثبت قائلكم. ثم قال: أما والله لو فعلتم غير ذلك لما صالحناكم.

قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه عن جده قال: أخبرنا عبد الملك بن وهب عن ابن صبيحة التيمي عن آبائه عن جده صبيحة قال: وأخبرنا عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن حنظلة بن قيس الزرقي عن جبير بن الحويرث قال: وأخبرنا محمد بن هلال عن أبيه.

دخل حديث بعضهم في حديث بعض. أن أبا بكر الصديق كان له بيت مال بالسنح معروف ليس يحرسه أحد. فقيل له: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجعل على بيت المال من يحرسه؟ فقال: لا يخاف عليه. قلت: لم؟ قال: عليه قفل. قال: وكان يعطي ما فيه حتى لا يبقى فيه شيء. فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها. وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير وانفتح معدن بني سليم في خلافة أبي بكر فقدم عليه منه بصدقته فكان يوضع ذلك في بيت المال فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقرا نقرا فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا. وكان يسوي بين الناس في القسم الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير

والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله. واشترى عاما قطائف أتى بها من البادية ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء. فلما توفي أبو بكر ودفن دعا عمر بن الخطاب الأمناء ودخل بهم بيت مال أبي بكر ومعه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرهما ففتحوا بيت المال فلم يجدوا فيه دينارا ولا درهما ووجدوا خيشة للمال فنقضت فوجدوا فيها درهما فرحموا على أبي بكر. وكان بالمدينة وزان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مال. فسئل الوزان كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 3- ص: 125

أبو بكر الصديق رضي الله عنه: إمام الأئمة وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمة، وهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر التيمي، يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، وهو في القعدد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين كل واحد منهما وبين مرة ستة آباء. مات سنة ثلاث عشرة وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكانت خلافته سنتين وأشهرا. وكان من أعلم الصحابة، قدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة بالناس في حياته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ ليؤمكم أقرأكم لكتاب الله عز وجل، فإن كنتم في القراءة سواء فليؤمكم أعلمكم بالسنة، فإن كنتم في السنة سواء فليؤمكم أقدمكم هجرة، فإن كنتم في الهجرة سواء فليؤمكم أكبركم سنا ؛ فلو لم يكن أعلمهم بالسنة لما قدم ’’. وروي حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ’’ اقتدوا بالذين من بعدي: أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمار بن ياسر وتمسكوا بعهد أم عبد ’’؛ ولأن الأمة أجمعت بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم على تقديمه في الخلافة ولا يقدم في الخلافة إلا إمام مجتهد. وروى ابن عون عن ابن سيرين قال: كانوا يرون أن الرجل الواحد يعلم من العلم ما لا يعلمه الناس أجمعون، قال: فكأنه رأى أني أنكرت فقال: إني أراك تنكر ما أقول، أليس أبو بكر كان يعلم ما لا يعلم الناس، ثم عمر كان يعلم ما لا يعلم الناس؟ وأيضا فإنه أبان في قتال مانعي الزكاة من قوته في الاجتهاد ومعرفته بوجوه الاستدلال ما عجز عنه غيره، فإنه روي أ، عمر رضي الله عنه ناظره فقال له: يا أبا بكر كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ودمه إلا بحقه وحسابه على الله ’’، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: والله ما هو إلا أني رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق. فانظر كيف منع عمر من التعلق بعموم الخبر من طريقين: أحدهما أنه بين أن الزكاة من حقها فلم يدخل مانعها في عموم الخبر، والثاني أنه بين أنه خص الخبر في الزكاة كما خص في الصلاة فخص بالخبر مرة وبالنظر أخرى وهذا غاية ما ينتهي إليه المجتهد المحقق والعالم المدقق.
قال الإمام: وأيضا فإنه لم يكن أحد يفتي بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي بكر الصديق رضي الله عنه، روي أنه لما أقر ماعز بالزنا ثلاث مرات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر رضي الله عنه: إن أقررت رابعة رجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقال في سلب قتيل قتله أبو قتادة، فأخذ سلبه رجل غيره وبقال الذي أخذ سلبه للنبي صلى الله عليه وسلم صدق أبو قتادة وسلب ذل القتيل عندي فأرضه منه، فقال أبو بكر: لا ها الله إذا لا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه، ولا يقدم على الفتيا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عظم القدر وجلالة المحل إلا الثقة بعلمه والمتحقق بفضله وفهمه.

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 36

أبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضه واسمه عبد الله ولقبه عتيق واسم أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وهو قريش بن مالك بن النضر وأم أبي بكر رضه أم الخير بنت صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم استخلف رضه في اليوم الذي مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خطبهم اليوم الثاني من بيعته فلما فرغوا من دفن المصطفى صلى الله عليه وسلم بايعه الناس بيعة العام وسموه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقام له الأمر في السر والاعلان الا ان علي بن أبي طالب وجماعة معه من بني هاشم تخلفوا عن بيعته إلى ان ماتت فاطمة رضها على رأس ستة أشهر من توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بايعه على وأولئك النفر على حسب ما ذكرنا في الكتاب الخلفاء
فمضى أبو بكر رضه على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم باذلا نفسه وماله في إظهار دين الله والذب عن حرماته والقيام بنا يوجبه الدين إلى ان حلت المنية به ليلة الاثنين لسبع عشرة ليلة مضت من جمادى الآخرة وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوما وله يوم مات اثنتان وستون سنة ودفن بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا ونزل قبره عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر رضهم أجمعين وورثه أبو قحافة السدس

  • دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 22

أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين أبو بكر الصديق
عبد الله بن عثمان القرشي ’’ رضي الله عنه ’’ توفي سنة 13 هـ.
قال ابن إسحاق: كان أنسب العرب، وقال العجلي كان أعلم قرشي بأنسابها. وقال أبن أسحاق أيضاً: كان أنسب قريش لقريش.
وقال مصعب الزبيري: سمي عتيقاً، لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به.
وقد أخذ النسب عنه: جبير بن مطعم ’’ رضي ’’ وحسان بن ثابت ’’ رضي ’’، وحكيم بن حزام ’’ رضي ’’. وتأتي تراجمهم إن شاء الله تعالى.

  • دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 13

عبد الله بن أبي قحافة، أبو بكر الصديق، رضي الله عنه.
وهو عتيق بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، القرشي، ثم التيمي.
قال ابن أبي أويس، عن عبد الله بن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب؛ مات بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وأشهرٍ.
أبو نعيم، قال: حدثنا محمد بن شريك المكي، قال: حدثني ابن أبي مليكة، عن عبد الله بن الزبير، رضي الله عنهما، قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 5- ص: 1

أبو بكر الصديق
...

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 13

عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة أبو بكر الصديق
عنه ابن عباس وأنس وقيس بن أبي حازم قال عروة أسلم وله أربعون ألف دينار وقال النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر وقال عمر أبو بكر سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في جمادي الأولى سنة ثلاث عشرة عن ثلاث وستين سنة ع

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 1

عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي أبو بكر الصديق رضي الله عنه
وقيل له عتيق وإنما سمي عتيقا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر زيادة شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ثانيه في الغار إذ قال له لا تحزن إن الله معنا شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة قال أبو حفص عمرو بن علي ليس في سن أبو بكر الصديق اختلاف أنه مات ابن ثلاث وستين وأنه مات ليلة الأربعاء لثلاث بقين من جمادى الأول سنة ثلاث عشرة ودفن ليلاً وصلى عليه عمر بن الخطاب ونزل في قبره عمر وطلحة وعثمان وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق
روى عنه أبو هريرة في الإيمان والحج وعائشة في الجهاد والبراء بن عازب في الأشربة وابنه عبد الرحمن في الأطعمة وأنس في الفضائل وعايذ بن عمرو وعبد الله بن عمر وقال أبو نعيم توفي أبو بكر الصديق لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1

أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان التيمي خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 17

(ع) عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
روى عنه - فيما ذكره أبو نعيم الفضل بن دكين في كتاب ’’ التاريخ ’’ و ’’ الطبقات ’’: حبة بن أبي حبة، والأسود بن يزيد، وحذيفة بن أسيد، وطارق بن أشيم، ومسروق بن الأجدع، وسالم بن عبيد، وزبيد بن الصلت، وشقيق بن سلمة، والنزال بن سبرة، وأبو فروة، وعزة مولاة أبي حازم، وأبو مليكة جد عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة - ذكره المزي زيادة على أبي القاسم في ’’ الأطراف ’’ وأغفله هنا، وطلحة بن عبيد الله - فيما ذكره أبو أحمد العسكري قال: وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وحسان بن المخارق، وعبد الله بن عكيم.
قال: ولد بعد الفيل بثلاث سنين وكانت إليه الأسناق في الجاهلية وهي الذناب كان إذا حمل شيئا فسأل فيه قريشا صدقوه وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه.
وعن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير أنهما قالا: سمي الصديق لأنه لما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جاء فحدث قومه بما رأى فكذبوه وأتوا أبا بكر الصديق فقصوا عليه ما أخبرهم فقال: صدق فسمي بذلك الصديق.
وفي كتاب ’’ ليس ’’ للقزويني الخلفة والخالفة التي تكون بعد الرئيس الأول قالوا لأبي بكر: يا خليفة رسول الله: قال: إني ليس خليفته ولكني خالفته كنت بعده أي تعينت بعده واستخلفت فلانا جعلته خليفتي.
وعند التاريخي عن ابن عباس: كانت قريش تألف منزل أبي بكر لخصلتين الطعام، والعلم فلما أسلم أسلم عليه من كان يجالسه.
وعند أبي عمر: كان اسمه عبد الكعبة فسماه النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله وقيل: بل أهله سموه عبد الله.
وفي ’’ الطبقات ’’ لابن سعد: أما ابن إسحاق فقال: أبو قحافة كان اسمه عتيقا، ولم يذكر ذلك غيره ولما أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجبريل عليه السلام: إن قومي لا يصدقوني فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر وهو الصديق [ق 296/أ] وكان اسم أمه ليلى.
وعن إبراهيم النخعي: كان أبو بكر رضي الله عنه يسمى الأواه لرأفته ورحمته، وعن الزهري قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لحسان بن ثابت قل في أبي بكر وأنا أسمع فقال: -

فضحك - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه وقال: صدقت يا حسان هو كما قلت وآخا النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عمر ودفع رايته العظمى يوم تبوك وكانت سوداء لأبي بكر وأطعمه بخيبر مائة وسق وبعثه سرية إلى نجد وكان نحيفا خفيف اللحم أبيض خفيف العارضين أخبأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه غائر العينين ناتئ الجبهة عاري الأشاجع يخضب بالحناء والكتم.
وفي ’’ تاريخ ابن عساكر ’’: توفي لسبع بقين من جمادى الآخرة، وذكره ابن إسحاق، وأبو عمر الضرير.
وفي الكلاباذي: مات ليلة الأربعاء لثمان بقين من جمادى الآخرة، وسئل أبو
طلحة: لم سمي أبو بكر عتيقا؟ فقال: كانت أمه لا يعيش لها ولد فلما ولدته استقبلت به البيت ثم قالت: اللهم هذا عتيق من الموت فهبه لي، وعن علي أن الله عز وجل سمى أبا بكر على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - صديقا.
وذكر أبو القاسم إسحاق بن إبراهيم الختلي في كتابه ’’ الديباج ’’ عن ميمون بن مهران أنه قال: والله لقد أثنى أبو بكر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - زمان بحيرا الراهب واختلف فيما بينه وبين خديجة حين أبلجها إياه وذلك كله قبل أن يولد علي.
وروى عنه فيما ذكره البزار في ’’ مسنده ’’: سهل بن سعد الساعدي [وأبو نافعٍ] وبلال بن رباح، ووحشي بن حرب، وعبد الله بن أبي الهذيل، ويحيى بن جعدة وقيل لم يسمعا منه وكذا عبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو بكر بن أبي زهير وروى عنه سمرة بن جندب، ويزيد بن أبي سفيان.
وفي ’’ مسند أحمد بن منيع ’’: روى عنه أبو لبيد، وأم هانئ، ورجل من بني أسد، زاد أحمد في ’’ مسنده ’’: زيد بن بزيغ، وأبا عبيدة.
وذكر ابن ظفر في كتاب ’’ الأنباء ’’: أرضعت سلمى بنت صخر - أم الخير - الصديق أربع سنين ثم أرادت فصاله فوضعت على ثديها صبرا فلما وجد طعمه قال: يا أماه اغسلي ثديك. فقالت: يا بني إن لبني قد فسد وخبث طعمه. فقال لها: إني وجدت ذلك الخبث قبل أن يخرج اللبن فاغسلي ثديك، وإن كنت قد بخلت بلبنك فإني أصد عنه فضمته إلى صدرها ورشفته وجعلت تقول:
فهو بصخر أشبه
ثم تحولت عن هذا الروي فقالت: -
كالزرنب الفتيق
ثم أنها تحولت عن هذا الروي فقالت:
[ق 296/ب].
ثم تحولت عن هذا الروي فقالت:
ثم إن السرور استخفها فهتفت بأعلى صوتها كما يهتف النساء عند الفرح فدخل عليها أبو قحافة فقال: مالك يا سلمى أحمقت؟ فأخبرته بما قاله ابنها فقال: أتعجبين من هذا فوالذي يحلف به أبو قحافة ما نظرت إلى ابنك قط إلا تبينت السؤدد في حماليق عينيه.
وفي كتاب ’’ الوشاح ’’ لابن دريد: كان أبو بكر يلقب ذا الخلال لعباءة كان يخلها على صدره.
وذكر ابن دحية في كتابه ’’ مرج البحرين ’’: أن أبا محجن الثقفي قال فيه من أبيات:
ومن شعر أبيه عثمان بن عامر: -
وذكر الزمخشري في ’’ ربيعة ’’: قالت عائشة كان لأبي قحافة ثلاثة من الولد أسماؤهم عتيق ومعتقا ومعيتقا.
وذكر ابن شهاب فيما ذكره ابن سعد: أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان حزيرة أهديت لأبي بكر فقال الحارث وكان طبيبا: ارفع يدك يا خليفة رسول الله والله إن فيها لسم سنة وأنا رأيت نموت في يوم واحد فرفع يده فلم يزلا عليلين حتى ماتا في يوم واحد عند انقضاء السنة.
وذكر العسكري وغيره أنه: أول خليفة ورثه أبواه وأول من فاء تحرجا من الشبهات ولم يشرب مسكرا في جاهلية ولا إسلام.
وفي كتاب ابن الأثير: توفي يوم الجمعة وقيل عشى الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة.
وقال السهيلي: كان يسمى أمير الشاكرين لقوله {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...} إلى قوله: {وسيجزي الله الشاكرين} فأنشد له ابن إسحاق وغيره مراثي في النبي - صلى الله عليه وسلم - منها قوله: -
وذكر الهذلي: أنه جمع القرآن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وفي ’’ اللطائف ’’ لأبي يوسف: كان أبوه يقال له: شارب الذهب، لكثرة نقائه كأنه يشرب الذهب.

  • الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 8- ص: 1

عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق
في الكنى لقبه عتيق من عتق وجهه وكان أعلم قريش بأنسابها

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

أبو بكر الصديق رضي الله عنه
قال العجلي سألت الفريابي ما تقول أبو بكر أفضل أو لقمان قال ما سمعت هذا إلا منك أبو بكر أفضل من لقمان رضي الله عنهما قال عاتب الله الخلق في هذه الآية ما خلا أبا بكر الصديق إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه واسمه عبد الله بن عثمان ولقبه عتيق من عتق وجهه وكان أعلم قريش بأنسابها رضوان الله عليه

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

أبو بكر الصديق عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب رضوان الله عليه
حدثنا أحمد بن إسحاق بن صالح الوزان، نا عاصم بن علي، وسعيد بن سليمان قالا: نا الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر الصديق أنه قال: يا رسول الله، علمني دعاءً أدعو به في صلاتي قال: «قل اللهم ظلمت نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفر الذنب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»
حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، نا محمد بن كثير المصيصي، نا ابن شوذب، عن أبي التياح، عن المغيرة بن سبيع، عن عمرو بن حريث، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’ يخرج الدجال من قبل المشرق، من قبل أرض يقال لها: خراسان، قومٌ وجوههم كالمجان ’’
حدثنا الحسن بن سهل بن عبد العزيز المجوز، نا قرة بن حبيب، نا عبد الواحد بن زيد، نا أسلم الكوفي، عن مرة الطيب، عن زيد بن أرقم، عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به»
حدثنا محمد بن نصر الصائغ، نا إسماعيل بن أبي أويس، نا أبي عن الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر بن الخطاب، عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث، ما تركناه صدقةٌ»

  • مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 2- ص: 1

أبو بكر الصديق (ع)
عبد الله بن أبي قحافة عثمان القرشي التيمي، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤنسه في الغار، وصديقه الأكبر.
توفي لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة، وله ثلاث وستون سنة. رضي الله عنه.

  • مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 1- ص: 1

عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمى، أبو بكر بن أبي قحافة:
الملقب بالصديق رضي الله عنه، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته، ورفيقه في الغار. وفي هجرته، وأفضل الأمة بعده.
كان رضي الله عنه كثير المناقب. أقام الله به الدين، وذلك أنه لما أسلم دعا الناس إلى الإسلام، وأسلم على يده كبار الصحابة، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وارتد الناس، قام في قتال أهل الردة، حتى استقر أمر الدين، وهو أول من جمع ما بين اللوحين، وأول من آمن من الرجال، في قول كثير من العلماء، ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما دعوت أحدا
إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرمه ويبجله، ويعرف أصحابه مكانه عنده، ويثنى عليه. وقالصلى الله عليه وسلم في حقه رضي الله عنه: «إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر. ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما نفعنى مال ما نفعنى مال أبي بكر» .
وكان رضي الله عنه كثير الإنفاق على النبي صلى الله عليه وسلم وفي سبيل الله، وأعتق رضي الله عنه، سبعة رقاب، كانوا يعذبون في الله، وكانت الصحابة رضي الله عنهم يعترفون له بالأفضلية.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حقه: خير هذه الأمة بعد نبيهأصلي الله عليه وسلم، أبو بكر رضي الله عنه. وثناء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة عليه كثير جدا.
اختلف في سبب تسميته بالصديق رضي الله عنه، فقيل: لبداره إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم، ولزومه الصدق في جميع أحواله، وقيل لتصديق النبي صلى الله عليه وسلم في خبر الإسراء. وكان يسمى بعتيق.
واختلف في معنى تسميته بذلك، فقيل: لجماله وعتاقة وجهه، وقيل: لأنه لم يكن فيه شيء يعاب، وقيل: باسم أخ له مات قبله، وقيل: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى هذا» يعنيه.
وكان اسمه رضي الله عنه - على ما ذكر الزبير وغيره من أهل النسب - في الجاهلية: عبد الكعبة. فلما أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله.
وكان أنسب قريش، وأعلمهم بما كان فيها من خير وشر، وكان رئيسا في الجاهلية، وإليه كانت الأشناق، وهي الديات، كان إذا حمل شيئا، قامت به قريش وصدقوه وأمضوا حمالته، وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره كذبوه، وكان قد حرم الخمر في الجاهلية.
وفضائله رضي الله عنه كثيرة. قدمه النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة والخلافة وبايعه الصحابة أجمعون، غير سعد بن عبادة؛ لأنه رام ذلك لنفسه، وفتح الله تعالى في أيامه اليمامة
وأطراف العراق، وبعض بلاد الشام. وقام بالأمر أحسن قيام، ثم مات رضي الله عنه.
واختلف في سبب موته. فقيل: إنه اغتسل في يوم بارد فحم. وقيل: إنه سم. وذلك في العشر الآخر من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة بالمدينة، عن ثلاث وستين سنة. ودفن - رضي الله عنه - مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت ابنته عائشة الصديقة رضي الله عنها، وغسلته - رضي الله عنه - زوجته أسماء بنت عميس. ونزل في قبره - رضي الله عنه - ابنه عبد الرحمن، وعمر، وعثمان، وطلحة، رضي الله عنهم.
وكانت خلافته رضي الله عنه، سنتين وثلاثة أشهر تزيد يسيرا، وقيل تنقص يسيرا. وأخباره رضي الله عنه كثيرة.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 4- ص: 1

عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وعثمان يكنى بأبي قحافة وهو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي روى عنه عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وحذيفة بن اليماني وعبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أرقم والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعقبة بن عامر وأبو برزة وأبو إمامة الباهلي ومعقل بن يسار وعمرو بن حريث.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 5- ص: 1