عبد الله بن الزبير عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الاسدي، ابو بكر: فارس قريش في زمنه، واول مولود في المدينة بعد الهجرة. شهد فتح افريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة سنة 64هـ ، عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق واكثر الشام، وجعل قاعدة ملكه المدينة. وكانت له مع الامويين وقائع هائلة، حتى سيروا اليه الحجاج الثقفي، في ايام عبد الملك ابن مروان، فانتقل إلى مكة، عسكر الحجاج في الطائف. ونشبت بينهما حروب انى المؤرخون على تفصيلها انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة، بعد ان خذله عامة اصحابه وقاتل قتال الابطال، وهو في عشر الثمانين. وكان من خطباء قريش المعدودين، يشبه في ذلك بابي ببكر. مدة خلافته تسع سنين. وكان نقش الدراهم في ايمه: بأحد الوجهين: (محمد رسول الله) وبالاخر (امر الله بالوفاء والعدل) وهو اول من ضرب الدراهم المستديرة. له في كتب الحديث 33 حديثا. وكانت في الاعمال البهنساوية (بمصر) طائفة من بنيه، هم: بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو نصارة.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 87

عبد الله بن الزبير بن العوام (ب د ع) عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ابن مرة القرشي الأسدي، أبو بكر. وله كنية أخرى: أبو خبيب- بالخاء المعجمة المضمومة- وهو اسم أكبر أولاده- وقيل: كان يكنيه بذلك من يعيبه. وأمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة ذات النطاقين وجدته لأبيه: صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخديجة بنت خويلد عمة أبيه الزبير بن العوام بن خويلد. وخالته عائشة أم المؤمنين.
وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها في فيه، ثم حنكه بها، فكان ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء دخل جوفه، وسماه عبد الله، وكناه أبا بكر بجده أبي بكر الصديق وسماه باسمه، قاله أبو عمر.
وهاجرت أمه إلى المدينة وهي حامل به، وقيل: حملت به بعد ذلك وولدته بالمدينة على على رأس عشرين شهرا من الهجرة. وقيل: ولد في السنة الأولى. ولما ولد كبر المسلمون وفرحوا به كثيرا، لأن اليهود كانوا يقولون: قد سحرناهم فلا يولد لهم ولد. فكذبهم الله سبحانه وتعالى.
وكان صواما قواما، طويل الصلاة، عظيم الشجاعة. وأحضره أبوه الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعه وعمره سبع سنين أو ثماني سنين، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلا تبسم، ثم بايعه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وعن أبيه، وعن عمر، وعثمان، وغيرهما. روى عنه أخوه عروة وابناه: عامر وعباد، وعبيدة السلماني، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي وغيرهم.
أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي كتابة، أخبرنا والدي، أخبرنا أبو الحسين بن أبي يعلى، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء، أخبرنا أبو جعفر، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا أحمد بن سليمان، حدثنا الزبير بن أبي بكر قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجشون، عن الثقة بسنده قال: قسم عبد الله بن الزبير الدهر على ثلاث ليال: فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
قال: وحدثنا الزبير قال: وحدثني سليمان بن حرب، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأت البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وما رفع رأسه.
وروى هشيم، عن مغيرة، عن قطن بن عبد الله قال: رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة فإذا كان عند إفطاره من الليلة المقبلة يدعو بقدح، ثم يدعو بقعب من سنن، ثم يأمر فيحلب عليه، ثم يدعو بشيء من صبر فيذره عليه، ثم يشربه، فأما اللبن فيعصمه، وأما السمن فيقطع عنه العطش، وأما الصبر فيفتح أمعاءه.
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن الطبري بإسناده إلى أبي يعلى الموصلي قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في التشهد قال هكذا - وضع يحيى يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى- وأشار بالسبابة معا ولم يجاوز بصره إشارته.
وغزا عبد الله بن الزبير إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فأتاهم جرجير ملك إفريقية في مائة ألف وعشرين ألفا، وكان المسلمون في عشرين ألفا، فسقط في أيديهم، فنظر عبد الله فرأى جرجير وقد خرج من عسكره، فأخذ معه جماعة من المسلمين وقصده فقتله، ثم ثم كان الفتح على يده.
وشهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلا لعلي، فكان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ له عبد الله وامتنع من بيعة يزيد بن معاوية بعد موت أبيه معاوية، فأرسل إليه يزيد مسلم بن عقبة المري فحصر المدينة، وأوقع بأهلها وقعة الحرة المشهورة. ثم سار إلى مكة ليقاتل ابن الزبير، فمات في الطريق، فاستخلف الحصين بن نمير السكوني على الجيش، فصار الحصين وحصر ابن الزبير بمكة لأربع بقين من المحرم من سنة أربع وستين، فأقام عليه محاصرا، وفي هذا الحصر احترقت الكعبة، واحترق فيها قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلى الله عليهما وسلم، ودام الحصر إلى أن مات يزيد، منتصف ربيع الأول من السنة، فدعاه الحصين ليبايعه ويخرج معه إلى الشام، ويهدر الدماء التي بينهما ممن قتل بمكة والمدينة في وقعة الحرة، فلم يجبه ابن الزبير وقال: لا أهدر الدماء. فقال الحصين: قبح الله من يعدك داهيا أو أريبا، أدعوك إلى الخلافة وتدعونني إلى القتل!!.
وبويع عبد الله بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد، وأطاعه أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وجدد عمارة الكعبة، وأدخل فيها الحجر، فلما قتل ابن الزبير أمر عبد الملك بن مروان أن تعاد عمارة الكعبة إلى ما كانت أولا، ويخرج الحجر منها. ففعل ذلك فهي هذه العمارة الباقية.
وبقي ابن الزبير خليفة إلى أن ولي عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فلما استقام له الشام ومصر جهز العساكر، فسار إلى العراق فقتل مصعب بن الزبير، وسير الحجاج بن يوسف إلى الحجاز، فحصر عبد الله بن الزبير بمكة، أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، وحج بالناس الحجاج ولم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ونصب منجنيقا على جبل أبي قبيس فكان يرمي الحجارة إلى المسجد، ولم يزل يحاصره إلى أن قتل في النصف من جمادى الآخرة، من سنة ثلاث وسبعين.
قال عروة بن الزبير: لما اشتد الحصر على عبد الله قبل قتله بعشرة أيام، دخل على أمه أسماء وهي شاكية، فقال لها: إن في الموت لراحة. فقالت له: لعلك تمنيته لي، ما أحب أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك، إما قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فتقر عيني. فضحك.
فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها فقالت له: يا بني، لا تقبلن منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل، فو الله لضربة بسيف في عز خير من ضربة بسوط في ذل. وخرج على الناس وقاتلهم في المسجد، فكان لا يحمل على ناحية إلا هزم من فيها من جند الشام، فأتاه حجر من ناحية الصفا، فوقع بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:

ثم اجتمعوا عليه فقتلوه. فلما قتلوه كبر أهل الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبرون عليه يوم ولد، خير من المكبرين عليه يوم قتل.
وقال يعلى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل ابن الزبير، فجاءت أمه امرأة طويلة عجوزا مكفوفة البصر تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟! فقال لها الحجاج: المنافق؟ قالت: والله ما كان منافقا، ولكنه كان صواما قواما وصولا. قال: انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. فقالت: لا والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج من ثقيف كذاب ومبير» أما الكذاب فقد رأيناه، وأما المبير فأنت المبير. تغني بالكذاب المختار ابن أبي عبيد.
وكان ابن الزبير كوسجا واجتاز به ابن عمر وهو مصلوب، فوقف وقال: السلام عليك أبا خبيب. ودعا له ثم قال: أما والله إن أمة أنت شرها لنعم الأمة. يعني إن أهل الشام كانوا يسمونه ملحدا ومنافقا إلى غير ذلك.

  • دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 669

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 3- ص: 241

  • دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 3- ص: 138

عبد الله بن الزبير بن العوام بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي.
أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق. ولد عام الهجرة، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وحدث عنه بجملة من الحديث، وعن أبيه، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخالته عائشة، وسفيان بن أبي زهير وغيرهم.
وهو أحد العبادلة وأحد الشجعان من الصحابة، وأحد من ولى الخلافة منهم. يكنى أبا بكر. ثم قيل له أبو خبيب بولده.
روى عنه أخوه عروة، وابناه: عامر، وعباد، وابن أخيه محمد بن عروة، وأبو ذبيان
خليفة بن كعب، وعبيدة بن عمرو السماني، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، ووهب بن كيسان، وابن أبي مليكة، وسماك بن حرب، وأبو الزبير، وثابت البناني، وآخرون.
وبويع بالخلافة سنة أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية، ولم يتخلف عنه إلا بعض أهل الشام.
وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم، وسماه باسم جده، وكناه بكنيته.
وزعم الواقدي أنه ولد في السنة الثانية. والأصح الأول.
وقال الزبير بن بكار: حدثني عمي، قال: سمعت أصحابنا يقولون: ولد سنة الهجرة، وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي ولد فيه يمشي، وكانت أسماء مع أبيها بالسنح، فأتى به فحنكه. قال الزبير: والثبت عندنا أنه ولد بقباء، وإنما سكن أبوه السنح لما تزوج مليكة بنت خارجة بن زيد.
قال الواقدي ومن تبعه: ولد في شوال سنة اثنتين، ووقع
في الصحيح من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، ونزلت بقباء فولدته بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل في جوفه. ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام
لفظ أحمد في مسندة.
وقد وقع في صحيح البخاري أن الزبير كان بالشام لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قدم المدينة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكساه ثوبا أبيض، وإذا كان كذلك فمتى حملت أسماء منه بعد ذلك؟ بل الذي يدل عليه الخبر أنها حملت منه قبل أن يسافر إلى الشام، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وتبعه أصحابه أرسالا، خرجت أسماء بنت أبي بكر بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر، فإن كان قدومها في شوال محفوظا فتكون سنة إحدى.
وقد وقع في بعض طرق الحديث أن عبد الله بن الزبير جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، وهو ابن سبع سنين، أو ثمان، كما أخرجه ابن مندة من طريق عبد الله بن محمد بن عروة، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، قال: خرجت أسماء حين هاجرت وهي حامل، قالت: فنفست به فأتيته به ليحنكه، فأخذه فوضعه في حجره وأتى بتمرة فمصها، ثم مضغها في فيه، فحنكه، فكان أول شيء دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مسحه، وسماه عبد الله، ثم جاء بعد وهو ابن سبع أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه وبايعه، وكان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وكانت اليهود تقول: قد أخذناهم فلا يولد لهم بالمدينة ولد، فكبر الصحابة حين ولد.
وقد قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب، سمعت أصحابنا يقولون: ولد عبد الله بن الزبير سنة الهجرة. وأما ما رواه البغوي في الجعديات، من طريق إسماعيل عن أبي إسحاق عمن حدثه، عن أبي بكر، أنه طاف بعبد الله بن الزبير في خرقة، وهو أول مولود ولد في الإسلام، فقد ذكر ابن سعد أن الواقدي أنكره، وقال: هذا غلط بين، فلا اختلاف بين المسلمين أنه أول مولود ولد بعد الهجرة، ومكة يومئذ حرب لم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ولا أحد من المسلمين.
قلت: يحتمل أن يكون المراد بقوله: طاف به من مكان إلى مكان، وإلا فالذي قاله الواقدي متجه، ولم يدخل أبو بكر مكة من حين هاجر إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، ولم يكن ابن الزبير معه.
وفي الرسالة للشافعي أن عبد الله بن الزبير كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وقد حفظ عنه.
وقال الدينوري في «المجالسة»: حدثنا إبراهيم بن يزيد، حدثنا أبو غسان، حدثنا محمد بن يحيى، أخبرنا مصعب بن عثمان، قال: قال عبد الله بن الزبير: هاجرت وأنا في بطن أمي.
وأخرج الزبير، من طريق مسلم بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم في غلمة من قريش ترعرعوا: عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعمرو بن أبي سلمة، فقيل لو بايعتهم فتصيبهم بركتك، ويكون لهم ذكر، فأتى بهم إليه، فكأنهم تكعكعوا، فاقتحم عبد الله بن الزبير أولهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «إنه ابن أبيه».
ومن طريق عبد الله بن مصعب: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع أبناء المهاجرين والأنصار
الذين ولدوا في الإسلام حتى ترعرعوا، فوقفوا بين يديه، فبايعهم وجلس لهم، فجمع منهم ابن الزبير.
وأخرج البخاري في ترجمة عبد الله بن معاوية، عن عاصم بن الزبير أنه روى عن هشام بن عروة، عن أبيه أن الزبير قال لابنه عبد الله: أنت أشبه الناس بأبي بكر.
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في «الدلائل»، من طريق هنيد بن القاسم: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: «يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد». فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: «يا عبد الله، ما صنعت بالدم قال: جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على الناس. قال: «لعلك شربته»! قال: نعم. قال: «ولم شربت الدم؟» «ويل للناس منك! وويل لك من الناس!».
قال أبو موسى: قال أبو عاصم: فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.
وله شاهد من طريق كيسان مولى ابن الزبير، عن سلمان الفارسي، رويناه في جزء الغطريف، وزاد في آخره: لا تمسك النار إلا تحلة القسم.
وأخرج عن أسماء بنت أبي بكر في معجم البغوي، وفي البخاري عن ابن عباس أنه وصف ابن الزبير فقال: عفيف الإسلام، قارئ القرآن، أبوه حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه بنت الصديق، وجدته صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد.
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا الزنجي بن خالد، عن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت مصليا أحسن صلاة من ابن الزبير.
وأخرج أبو نعيم بسند صحيح، عن مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام للصلاة كأنه عمود.
وقال ابن سعد: حدثنا روح، حدثنا حسين الشهيد، عن ابن أبي مليكة: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ثم يصبح اليوم الثامن وهو إلينا.
وأخرج البغوي، من طريق ميمون بن مهران: رأيت ابن الزبير واصل من الجمعة إلى الجمعة.
وأخرج ابن أبي الدنيا، من طريق ليث، عن مجاهد، ما كان باب من العبادة إلا تكلفه ابن الزبير.
ولقد جاء سيل بالبيت، فرأيت ابن الزبير يطوف سباحة.
وشهد ابن الزبير اليرموك مع أبيه الزبير، وشهد فتح إفريقية، وكان البشير بالفتح إلى عثمان. ذكره الزبير وابن عائذ: واقتص الزبير قصة الفتح. وإن الفتح كان على يده، وشهد الدار، وكان يقاتل عن عثمان، ثم شهد الجمل مع عائشة، وكان على الرجالة.
قال الزبير: حدثني يحيى بن معين، عن هشام بن يوسف، عن معمر: أخبرني هشام بن عروة، قال: أخذ عبد الله بن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وفيه بضع وأربعون جراحة، فأعطت عائشة البشير الذي بشرها بأنه لم يمت عشرة آلاف، ثم اعتزل ابن الزبير حروب علي ومعاوية، ثم بايع لمعاوية فلما أراد أن يبايع ليزيد امتنع وتحول إلى مكة، وعاد بالحرم، فأرسل إليه يزيد سليمان أن يبايع له، فأبى، ولقب نفسه عائذ الله، فلما كانت وقعة الحرة وفتك أهل الشام بأهل المدينة ثم تحولوا إلى مكة فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك الحصار ففجعهم الخبر بموت يزيد بن معاوية، فتوادعوا ورجع أهل الشام وبايع الناس عبد الله بن الزبير بالخلافة، وأرسل إلى أهل الأمصار يبايعهم إلا بعض أهل الشام، فسار مروان فغلب على بقية الشام، ثم على مصر، ثم مات، فقام عبد الملك بن مروان فغلب على العراق، وقتل مصعب بن الزبير ثم جهز الحجاج إلى ابن الزبير، فقاتله إلى أن قتل ابن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة. وهذا هو المحفوظ، وهو قول الجمهور.
وعند البغوي عن ابن وهب عن مالك أنه قتل على رأس اثنتين وستين، وكأنه أراد بعد انقضائها.

  • دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 78

أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن قصي القرشي الأسدي، يكنى أبا بكر. هو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة. روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وعثمان. شهد اليرموك، وغزا القسطنطينية والمغرب وله مواقف مشهودة. وكان فارس قريش في زمانه. بةيع بالخلافة سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وأكثر الشام. وولد سنة اثنتين من الهجرة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر. خرجت أسماء أمه حين هاجرت حبلى فنفست بعبد الله في قباء. قالت أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا ثم بايعه. ولما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود! حتى كشرت في ذلك القالة فكان أول مولود بعد الهجرة، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنيه بالصلاة. وكان عارضاه خفيفين فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله! إذهب بهذا الدم فاهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه! فلما رجع قال: ما صنعت بالدم؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه! قال: لعلك شربته؟! قال: نعم. قال: ولم شربت الدم؟ ويل للناس منك، وويل لك من الناس. وعن ابن أبزي عن عثمان أن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله عليه مثل نصف أوزار الناس! رواه أحمد في مسنده. وعن إسحاق ابن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إذ جاءته شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته وهو يتمثل:

#وصارم لاثت به يميني وقال سهل بن سعد: سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولا، لقد رأيت الليلة كأن السماء فرجت لي فدخلتها فقد والله مللت الحياة وما فيها. وقال عمرو بن دينار: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصيب طرف ثوبه فما يلتفت إليه. وكان يسمى حمامة المسجد. وقال ابن إسحاق: ما رأيت أحدا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير. وجاء الحجاج إلى مكة فنصب المنجنيق عليها. وكان ابن الزبير قد نصب فسطاطا عند البيت، فاحترق فطارت شرارة فاحترق البيت، واحترق قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل يومئذ. ورمى الحجاج المنجنيق على ابن الزبير وعلى من معه في المسجد، وجعل ابن الزبير على الحجر الأسود بيضة ترد عنه، يعني خوذة، ودام الحصار ستة أشهر وسبع عشرة ليلة، وخذل ابن الزبير أصحابه وخرجوا إلى الحجاج، ثم إن الحجاج أخذه وصلبه منكسا. وكان آدم نحيفا ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود. قيل: إنه بقي مصلوبا سنة، ثم جاء إذن عبد الملك بن مروان أن يسلم ولدها إليها فحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته فدفنته في المدينة في دار صفية بنت حيي، ثم زيدت دار صفية في المسجد فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمرو رضي الله عنهما. وكان كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات. وقال مالك: ابن الزبير كان أفضل من مروان وكان أولى بالأمر من مروان ومن ابنه. وقال علي بن زيد الجدعاني: إلا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة لأنه كان بخيلا، ضيق العطاء، سيئ الخلق، حسودا، كثير الخلاف، أخرج محمد بن الحنفية ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف. وقال علي بن أبي طالب: ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله. ولما كان قبل قتله بعشرة أيام دخل على أمه وهي شاكية، فقال لها: كيف تجدينك يا أمه! قالت: ما أجدني إلا شاكية، فقال لها: إن في الموت لراحة. قالت: لعلك تمنيته لي! ما أحب أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك، إما قتلت فأحتسبك وإما ظفرت بعدوك فقرت عيني! قال عروة: فالتفت إلي فضحك! قال: فلما كان في اليوم الذي قتل فيه دخل عليها في المسجد فقالت: يا بني لا تقبلن منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل، فوالله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في مذلة. قال: فخرج وقد جعل له مصراع عند الكعبة وكان تحته، فأتاه رجل من قريش فقال: ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها؟ فقال عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه. والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم! وهل حرمة المسجد إلا كحرمة البيت؟! ثم تمثل:
ثم شد عليه أصحاب الحجاج فقال: أين أهل مصر؟ قالوا: هم هؤلاء من هذا الباب، فقال لأصحابه: إكسروا أغماد سيوفكم ولا تميلوا عني فإني في الرعيل، ففعلوا. ثم حمل عليهم، وحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فلحق رجلا فقطع يده، وانهزموا، فجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، فجعل رجل أسود يسبه فقال له: اصبر يا ابن حام، ثم حمل عليه فصرعه، ثم دخل عليه أهل حمص من باب بني شيبة فشد عليهم وجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف وهو يقول:
ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر، فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد وهو يقول:
وأقبل عليه حجر من ناحية الصفا فضربه بين عينيه فنكس رأسه وهو يقول:
وحماه موليان وأحدهما يقول:
#العبد يحمي ربه ويحتمي ثم اجتمعوا عليه فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه ومولييه جميعا. ولما قتل كبر عليه أهل الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل. وقتل معه مائتان وأربعون رجلا، منهم من سال دمه في جوف الكعبة. قال ابن عبد البر: رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان فرغب إليه في إنزاله من الخشبة فأسعفه فأنزل. قال ابن أبي مليكة: كنت الآذن بمن بشر أسماء بنزوله عن الخشبة، فدعت بمركن وشب يمان فأمرتني بغسله، فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو ونضعه في أكفانه، وتنناول العضو الذي يليه فنغسله ثم نضعه في أكفانه حتى فرغنا منه. ثم قامت فصلت عليه. وكانت قبل ذلك تقول: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثه. فما أتى عليها بعد ذلك جمعة حتى ماتت. ويقال إنه لما جيء به إليها وضعته في حجرها فحاضت ودر ثديها فقالت: حنت إليه مواضعه ودرت عليه مراضعه. وقيل: إن الحجاج آلى على نفسه إن لا ينزله عن الخشبة حتى تشفع فيه أمه، فبقي سنة ثم إنها مرت تحته فقالت: أما آن لراكب هذه المطية أن يترجل؟! فيقال إنه قيل للحجاج أن هذا الكلام شفاعة فيه فأنزله. وكان قتله سنة ثلاث وسبعين للهجرة، وروى له الجماعة. ويقال إن الحجاج ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان: اعط ابن الزبير الأمان على هدر هذه الدماء وحكمه في الولاية. فعرضوا ذلك عليه، فشاور أصحابه فأشاروا عليه بأن يفعل فقال: لا خلعها إلا الموت، ثم قال:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

عبد الله بن الزبير ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة، أمير المؤمنين، أبو بكر، وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي، ثم المدني، أحد الأعلام، ولد الحواري الإمام أبي عبد الله ابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وحواريه.
مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثا، اتفقا له على حديث واحد، وانفرد البخاري بستة أحاديث، ومسلم بحديثين.
كان عبد الله أول مولود للمهاجرين بالمدينة، ولد سنة اثنتين، وقيل: سنة إحدى.
وله صحبة، ورواية أحاديث. عداده في صغار الصحابة، وإن كان كبيرا في العلم والشرف والجهاد والعبادة.
وقد روى أيضا عن أبيه وجده لأمه الصديق، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وعن عمر، وعثمان، وغيرهم.
حدث عنه: أخوه عروة الفقيه، وابناه؛ عامر وعباد، وابن أخيه؛ محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، وأبو الزبير المكي، وأبو إسحاق السبيعي، ووهب بن كيسان، وسعيد بن ميناء، وحفيداه: مصعب بن ثابت بن عبد الله، ويحيى بن عباد بن عبد الله، وهشام بن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وآخرون.
وكان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة. قيل: إنه شهد اليرموك وهو مراهق، وفتح المغرب، وغزو القسطنطينية، ويوم الجمل مع خالته.
وبويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعض الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، وقتل ابن الزبير -رحمه الله، فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، واستوسق لهم الأمر إلى أن قهرهم بنو العباس بعد ملك ستين عاما.
قيل: إن ابن الزبير أدرك من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أعوام وأربعة أشهر، وكان ملازما للولوج على رسول الله؛ لكونه من آله، فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة.
شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وزوجته فاطمة قالا: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء، قالت أسماء: فجاء عبد الله بعد سبع سنين؛ ليبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك أبوه الزبير، فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رآه مقبلا، ثم بايعه.
حديث غريب، وإسناده قوي.
قال الواقدي: عن مصعب بن ثابت، عن يتيم عروة أبي الأسود قال: لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود، حتى كثرت القالة في ذلك، فكان أول مولود ابن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر فأذن في أذنيه بالصلاة.
وقال مصعب بن عبد الله؛ عن أبيه، قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ الستين.
وفي البخاري، عن عروة أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلا.
التبوذكي: حدثنا هنيد بن القاسم، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير: سمعت أبي
يقول: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحتجم، فلما فرغ قال: ’’يا عبد الله! اذهب بهذا الدم، فأهرقه حيث لا يراك أحد’’، فلما برز عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: ’’ما صنعت بالدم’’؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت، فجعلته فيه، قال: ’’لعلك شربته’’؟ قال: نعم. قال: ’’ولم شربت الدم؟’’، ويل للناس منك، وويل لك من الناس’’.
قال موسى التبوذكي: فحدثت به أبا عاصم، فقال: كانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.
رواه أبو يعلى في ’’مسنده’’، وما علمت في هنيد جرحة.
خالد الحذاء، عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث قالا: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذلك؟ قالا: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلص، فأمر بقتله. فقيل: إنه سرق، فقال: اقطعوه، ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئا إلا ما قضى فيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أمر بقتلك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين؛ أنا فيهم، فقال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه، فانطلقنا به إلى البقيع فقتلناه.
هذا خبر منكر، فالله أعلم.
قال الحارث بن عبيد: حدثنا أبو عمران الجوني، أن نوفا البكالي قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء.
مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحبا بابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله، ويأمر له بمائة ألف.
ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس، فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر.
مسلم الزنجي: سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير.
عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثتنا ماطرة المهرية، حدثتني خالتي أم جعفر بنت النعمان، أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وعندها ابن الزبير، فقالت: قوام الليل صوام النهار، وكان يسمى حمامة المسجد.
قال ابن أبي مليكة: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن في قلبك من ابن الزبير، قلت: لو رأيته ما رأيت مناجيا ولا مصليا مثله.
وروى حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو أليثنا.
قلت: لعله ما بلغه النهي عن الوصال، ونبيك -صلى الله عليه وسلم- بالمؤمنين رءوف رحيم، وكل من واصل وبالغ في تجويع نفسه انحرف مزاجه، وضاق خلقه، فاتباع السنة أولى، ولقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفا في العبادة.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يكلم كل غلام منهم بلغة أخرى، فكنت إذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين.
وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، وحدث أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان كذلك.
قال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.
روى يوسف بن الماجشون، عن الثقة يسنده قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأنا بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه.
قلت: وهذا ما بلغ ابن الزبير فيه حديث النهي.
قال يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصب توبه، فما يلتفت -يعني لما حاصروه.
وروى هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقه الريح، وحجر المنجنيق يقع ههنا.
أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أحدا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.
مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه، أنها دخلت على ابن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته.
قال ميمون بن مهران: رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين.
ليث، عن مجاهد: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكفله ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت، فطاف سباحة.
وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة.
إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس، أن عثمان أمر زيدا وابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم.
قال أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنيا يصلي فيه، وكان صيتا إذا خطب تجاوب الجبلان، وكانت له جمة إلى العنق، ولحية صفراء.
مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا -يعني: نوبة إفريقية.
قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، فرأيت غرة من جرجير، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت أميرنا ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت، وقلت لهم: احموا ظهري، فخرقت الصف إلى جرجير، وخرجت صامدا وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فثابر برذونه موليا، فأدركته فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه، فنصبته على رمحي وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض العدو، ومنح الله أكتافهم.
معمر، عن هشام بن عروة قال: أخذ ابن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة.
وقيل: إن عائشة أعطت يومئذ لمن بشرها بسلامته عشرة آلاف.
وعن عروة قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر، وبعده ابن الزبير.
قال الواقدي: حدثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي سبرة، وغيرهما قالوا: جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين، فقام ابن الزبير فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس، فدعا ابن عباس وابن الحنفية إلى بيعته، فامتنعا، وقالا: حتى يجتمع لك الناس، فداراهما سنتين، ثم إنه أغلظ لهما، ودعاهما فأبيا.
قال مصعب بن عبد الله، وغيره: كان يقال لابن الزبير: عائذ بيت الله.
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر قال: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثنا ابن أبي الزناد، وغيرهم قالوا: لما نزل ابن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية ....، إلى أن قالوا: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر، ولبس المعافري، وجعل يحرض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة، فبايعه ليزيد، فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ولده معاوية بن يزيد: ادفع عنك الشر ما اندفع، فإن ابن الزبير لجوج لا يطيع لهذا أبدا، فكفر عن يمينك، فغضب وقال: إن في أمرك لعجبا! قال: فادع عبد الله بن جعفر فاسأله عما أقول، فدعاه فقال له: أصاب ابنك أبو ليلى، فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه، وقال: اللهم إني عائذ بيتك. فقيل له: عائذ البيت، وبقي لا يعرض له أحد، فكتب يزيد إلى عمرو الأشدق والي المدينة، أن يجهز إلى ابن الزبير جندا، فندب لقتاله أخاه عمرو بن الزبير في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه بعد قتال، فعاقبه وأخر عن الصلاة بمكة الحارث بن يزيد، وقرر مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وكان لا يقطع أمرا دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، فكان يشاورهم في أمره كله، ويريهم أن الأمر شورى بينهم، لا يستبد بشيء منه دونهم، ويصلي بهم الجمعة، ويحج بهم بلا إمرة، وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه، وقالوا: عائذ بيت الله، ثم دعا إلى نفسه، وبايعوه، وفارقته الخوارج، فولى على المدينة أخاه مصعبا، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن وعلى خراسان، وأمر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامة أهل الشام، وأبت طائفة، والتفت على مروان بن الحكم، وجرت أمور طويلة، وحروب مزعجة، وجرت وقعة مرج راهط، وقتل ألوف من العرب، وقتل الضحاك، واستفحل أمر مروان، إلى أن غلب على الشام، وسار في جيش عرمرم، فأخذ مصر، واستعمل عليها ولده عبد العزيز، ثم دهمه الموت، فقام بعده ولده الخليفة عبد الملك، فلم يزل يحارب ابن الزبير حتى ظفر به، بعد أن سار إلى العراق، وقتل مصعب بن الزبير.
قال شعيب بن إسحاق: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيدا من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، فألقى الكتاب وأنشد:

قلت: ثم جهز يزيد جيشا ستة آلاف؛ إذ بلغه أن أهل المدينة خلعوه، فجرت وقعة الحرة، وقتل نحو ألف من أهل المدينة، ثم سار الجيش عليهم حصين بن نمير، فحاصروا الكعبة وبها ابن الزبير، وجرت أمور عظيمة، فقلع الله يزيد، وبايع حصين وعسكره ابن الزبير بالخلافة، ورجعوا إلى الشام.
قال شباب: حضر ابن الزبير الموسم سنة ثنتين وسبعين، فحج بالناس، وحج بأهل الشام الحجاج، ولم يطوفوا بالبيت.
قال هشام بن عروة: أول من كسا الكعبة الديباج ابن الزبير، وكان يطيبها، حتى يوجد ريحها من طرف الحرم، وكانت كسوتها قبله الأنطاع.
قال عبد الله بن شعيب الحجبي: إن المهدي لما جرد الكعبة، كان فيما نزع عنها كسوة الزبير من ديباج مكتوب عليها: ’’لعبد الله أبي بكر أمير المؤمنين’’.
وقال الأعمش: عن أبي الضحى: رأيت على رأس ابن الزبير مسكا يساوي مالا.
قلت: عيب ابن الزبير -رضي الله عنه- بشح، فروى الثوري، عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن مساور، سمع ابن عباس يعاتب ابن الزبير في البخل، ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: ’’ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع’’.
وروى عبيد الله بن عمر، عن ليث قال: كان ابن عباس يكثر أن يعنف ابن الزبير بالبخل، فقال: كم تعيرني.
يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، عن عثمان، أن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب، فهل لك أن تتحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’يلحد بمكة كبش من قريش، اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس’’.
رواه أحمد في ’’مسنده’’، وفي إسناده مقال.
عباس الترقفي: حدثنا محمد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمرو، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’يلحد بمكة رجل من قريش يقال له: عبد الله، عليه نصف عذاب العالم’’، فوالله لا أكونه، فتحول منها، وسكن الطائف.
قلت: محمد هو المصيصي لين، واحتج به أبو داود، والنسائي.
أبو النضر: حدثنا إسحاق بن سعيد، أخبرنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو عبد الله بن الزبير، فقال: إياك والإلحاد في حرم الله، فأشهد؛ لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ’’يحلها -وتحل به- رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها’’.
قال: فانظر يا ابن عمرو لا تكونه، وذكر الحديث.
شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا}، قال: قلت لأبي: من هم؟ قال: ابن الزبير بغى على أهل الشام.
ورواه يونس، عن الزهري، وفيه: بغى على هؤلاء، ونكث عهدهم.
الزبير بن بكار: حدثني خالد بن وضاح، حدثني أبو الخصيب نافع مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة قال: رأيت الحجر من المنجنيق يهوي حتى أقول: لقد كاد أن يأخذ لحية ابن الزبير، وسمعته يقول: والله إن أبالي إذا وجدت ثلاث مائة يصبرون صبري لو أجلب علي أهل الأرض.
قلت: قد كان يضرب بشجاعته المثل.
وعن المنذر بن جهم قال: رأيت ابن الزبير يوم قتل، وقد خذله من كان معه خذلانا شديدا، وجعلوا يتسللون إلى الحجاج، وجعل الحجاج يصيح: أيها الناس، علام تقتلون أنفسكم؟ من خرج إلينا فهو آمن، لكم عهد الله وميثاقه، ورب هذه البنية لا أغدر بكم، ولا حاجة في دمائكم.
قال: فتسلل إليه نحو من عشرة آلاف، فلقد رأيت ابن الزبير وما معه أحد.
وعن إسحاق بن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد، فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال؛ إذ وقعت شرفة من شرفات المسجد على رأسه فصرعته، وهو يتمثل:
وصارم لاثت به يميني
قلت: ما إخال أولئك العسكر إلا لو شاءوا لأتلفوه بسهامهم، ولكن حرصوا على أن يمسكوه عنوة، فما تهيأ لهم، فليته كف عن القتال لما رأى الغلبة، بل ليته لا التجأ إلى البيت، ولا أحوج أولئك الظلمة والحجاج -لا بارك الله فيه- إلى انتهاك حرمة بيت الله وأمنه، فنعوذ بالله من الفتنة الصماء.
الواقدي: حدثنا فروة بن زبيد، عن عباس بن سهل، سمعت ابن الزبير يقول: ما أراني اليوم إلا مقتولا، لقد رأيت في ليلتي كأن السماء فرجت لي فدخلتها، فقد والله مللت الحياة وما فيها، ولقد قرأ يومئذ في الصبح {ن والقلم} حرفا حرفا، وإن سيفه لمسلول إلى جنبه.
الواقدي: حدثنا عبد الله بن نافع، عن أبيه قال: سمع ابن عمر التكبير، فيما بين المسجد إلى الحجون حين قتل ابن الزبير، فقال: لمن كبر حين ولد أكثر وخير ممن كبر لقتله.
معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: قال ابن الزبير: ما شيء كان يحدثنا كعب إلا قد أتى على ما قال، إلا قوله: فتى ثقيف يقتلني، وهذا رأسه بين يدي -يعني: المختار الكذاب.
زياد الجصاص، عن علي بن زيد، عن مجاهد، أن ابن عمر قال لغلامه: لا تمر بي على ابن الزبير -يعني: وهو مصلوب، قال: فغفل الغلام، فمر به، فرفع رأسه فرآه، فقال:
رحمك الله أبا خبيب، ما علمتك إلا صواما قواما، وصولا لرحمك، أما والله إني لأرجو مع مساوئ ما قد علمت أن لا يعذبك الله، ثم قال: حدثني أبو بكر الصديق، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ’’من يعمل سوءا يجز به في الدنيا’’.
قال ابن أبي الدنيا في كتاب ’’الخلفاء’’: صلبوا ابن الزبير منكسا، وكان آدم نحيفا، ليس بالطويل، بين عينيه أثر السجود، بعث عماله إلى المشرق كله، والحجاز.
قال جويرية ابن أسماء، عن جدته: إن أسماء بنت أبي بكر غسلت ابن الزبير بعد ما تقطعت أوصاله، وجاء الإذن من عبد الملك بن مروان عندما أبى الحجاج أن يأذن لها، فحنطته وكفنته، وصلت عليه، وجعلت فيه شيئا حين رأته يتفسخ إذا مسته.
وقال مصعب بن عبد الله: حملته أمه فدفنته بالمدينة في دار صفية أم المؤمنين، ثم زيدت دار صفية في المسجد، فهو مدفون مع النبي -صلى الله عليه وسلم، يعني: بقربه.
قال ابن إسحاق، وعدة: قتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين.
ووهم ضمرة وأبو نعيم، فقالا: قتل سنة اثنتين.
عاش نيفا وسبعين سنة -رضي الله عنه.
وماتت أمه بعده بشهرين أو نحو ذلك، ولها قريب من مائة عام.
هي آخر من ماتت من المهاجرات الأول -رضي الله عنها، ويقال لها: ذات النطاقين، كانت أسن من عائشة بسنوات.
روت عدة أحاديث.
حدث عنها: أولادها؛ عبد الله وعروة، وابن العباس، وفاطمة بنت المنذر، وابن أبي مليكة، ووهب بن كيسان، وابن المنكدر، والمطلب بن عبد الله، وخلق.
وهي وابنها عبد الله، وأبوها أبو بكر، وجدها أبو قحافة صحابيون، أضرت بأخرة.
قال ابن أبي الزناد: كانت أكبر من عائشة بعشر سنين.
قلت: فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة.
وأما هشام بن عروة، فقال: عاشت مائة سنة، ولم يسقط لها سن، وقد طلقها الزبير قبل موته زمن عثمان.
وقال القاسم بن محمد: كانت أسماء لا تدخر شيئا لغد.
وقيل: أعتقت عدة مماليك، وقد استوفيت ترجمتها في ’’تاريخ الإسلام’’ رضي الله عنها.
ومن أولادها: عروة بن الزبير الفقيه.
ومنهم:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 4- ص: 397

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا بكر. وقال بعضهم فيه أبو بكير، ذكر ذلك أبو أحمد الحاكم الحافظ في كتابه في الكنى. والجمهور من أهل السير وأهل الأثر على أن كنيته أبو بكر، وله كنية أخرى، أبو خبيب. وكان أسن ولده. وخبيب هو صاحب عمر بن عبد العزيز الذي مات من ضربه، إذ كان عمر واليا على المدينة للوليد، وكان الوليد قد أمره بضربه، فمات من أدبه ذلك، فوداه عمر بعده.
قال أبو عمر: كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جده أبي أمه أبي بكر الصديق، وسماه باسمه. هاجرت أمه أسماء بنت أبي بكر من مكة، وهي حامل بابنها عبد الله بن الزبير، فولدته في سنة اثنتين من الهجرة بعشرين شهرا من التاريخ. وقيل: إنه ولد في السنة الأولى، وهو أول مولود في الإسلام من المهاجرين بالمدينة.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا الدولابي، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء
أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء، فولدته بقباء. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فدعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ثم حنكه بالخبزة، ثم دعا له، وبرك عليه، وكان أول مولود في الإسلام للمهاجرين بالمدينة. قالت: ففرحوا به فرحا شديدا، وذلك أنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أبو ميمون البجلي، حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن شريك المكي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله ابن الزبير، قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته. وشهد الجمل مع أبيه وخالته، وكان شهما دكرا شرسا ذا أنفة، وكانت له لسانة وفصاحة، وكان أطلس، لا لحية له، ولا شعر في وجهه.
وقال علي بن زيد الجدعاني: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلا، ضيق العطاء، سيء الخلق، حسودا، كثير الخلاف، أخرج محمد ابن الحنفية، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما زال الزبير يعد منا- أهل البيت- حتى نشأ عبد الله. وبويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين، هذا قول أبي معشر. وقال المدائني: بويع له بالخلافة سنة خمس وستين، وكان
قبل ذلك لا يدعى باسم الخلافة، وكانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج، وقتل رحمه الله في أيام عبد الملك يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى. وقيل جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن ثنتين وسبعين سنة، وصلب بعد قتله بمكة، وبدأ الحجاج بحصاره من أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، وحج بالناس الحجاج في ذلك العام، ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر، ولم يطوفوا بالبيت في تلك الحجة، فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يوما إلى أن قتل في النصف من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن معمر، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، عن عبد الله بن الأجلح، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، قال: لما كان قبل قتل عبد الله بن الزبير بعشرة أيام دخل على أمه أسماء، وهي شاكية، فقال لها: كيف تجدينك يا أمه؟
قالت: ما أجدني إلا شاكية. فقال لها: إن في الموت لراحة. فقالت له: لعلك تمنيته لي. ما أحب أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك، إما إن قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فتقر عيني.
قال عروة: فالتفت إلي عبد الله فضحك، فلما كان في اليوم الذي قتل فيه دخل عليها في المسجد فقالت له: يا بني، لا تقبلن منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل، فو الله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في المذلة. قال: فخرج، وقد جعل له مصراع عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قريش، فقال له: ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها! فقال عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وهل حرمة المسجد إلا كحرمة البيت، ثم تمثل:

قال: ثم شد عليه أصحاب الحجاج، فقال: أين أهل مصر؟ فقالوا: هم هؤلاء من هذا الباب- لأحد أبواب المسجد، فقال لأصحابه: كسروا أغماد سيوفكم، ولا تميلوا عني، فإني في الرعيل الأول. قال: ففعلوا، ثم حمل عليهم، وحملوا معه، وكان يضرب بسيفين، فلحق رجلا فضربه، فقطع يده، وانهزموا، فجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، فجعل رجل أسود يسبه. فقال له: اصبر يا بن حام. ثم حمل عليه فصرعه. قال: ثم دخل عليه أهل حمص من باب بني شيبة. فقال: من هؤلاء؟ فقالوا: أهل حمص، فشد عليهم، وجعل يضربهم حتى أخرجهم من باب المسجد، ثم انصرف، وهو يقول:
قال: ثم دخل عليه أهل الأردن من باب آخر، فقال: من هؤلاء؟ فقيل: أهل الأردن، فجعل يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من المسجد، ثم انصرف، وهو يقول:
قال: فأقبل عليه حجر من ناحية الصفا، فضربه بين عينيه، فنكس رأسه، وهو يقول:
هكذا تمثل به ابن الزبير. قال: وحماه موليان له، أحدهما يقول: العبد يحمي ربه ويحتمي.
قال: ثم اجتمعوا عليه، فلم يزالوا يضربونه حتى قتلوه ومولييه جميعا، ولما قتل كبر أهل الشام، فقال عبد الله بن عمر: المكبرون عليه يوم ولد خير من المكبرين عليه يوم قتل.
وقال يحيى بن حرملة: دخلت مكة بعد ما قتل ابن الزبير بثلاثة أيام، فإذا هو مصلوب، فجاءت أمه- امرأة عجوز طويلة مكفوفة البصر تقاد، فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل! فقال لها الحجاج: المنافق! فقالت: والله ما كان منافقا، ولكنه كان صواما برا. قال: انصرفي، فإنك عجوز قد خرفت. قالت: لا والله ما خرفت، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يخرج من ثقيف كذاب ومبير. أما الكذاب قد رأيناه، وأما المبير فأنت المبير. قال أبو عمر: الكذاب فيما يقولون المختار بن أبي عبيد الثقفي.
وروى سعيد بن عامر، عن أبي عامر الخزاز، عن أبي مليكة، قال: كنت أول من بشر أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزبير من الخشبة، فدعت بمركن وشب يمان. وأمرتني بغسله، فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا، فكنا نغسل العضو ونضعه في أكفانه، وتتناول العضو الآخر، حتى فرغنا منه، ثم قامت فصلت عليه، وكانت تقول قبل ذلك: اللهم لا تمتنى حتى تقر عيني بحثته، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت.
قال أبو عمر رحمه الله: رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان.
فرغب إليه في إنزاله من الخشبة، فأسعفه، فأنزل، ثم كان ما وصف ابن أبي مليكة، وقال علي بن مجاهد: قتل مع ابن الزبير مائتان وأربعون رجلا إن منهم لمن سال دمه في جوف الكعبة.
وروى عيسى، عن ابن القاسم، عن مالك، قال: ابن الزبير كان أفضل من مروان. وكان أولى بالأمر من مروان ومن ابنه.
حدثنا عبد الرحمن بن يحيى، حدثنا أحمد بن سعيد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ابن النعمان بالقيروان، حدثنا محمد بن علي بن مروان البغدادي بالإسكندرية، قال: حدثنا علي بن المديني، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: مكث عامر بن عبد الله ابن الزبير بعد قتل أبيه حولا لا يسأل أحدا لنفسه شيئا إلا الدعاء لأبيه وروى إسماعيل بن علية، عن أبي سفيان بن العلاء، عن ابن أبي عتيق، قال قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه، فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر.
فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك، وظننت أنك لا تخالفينه- يعني ابن الزبير. قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت.

  • دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 3- ص: 905

عبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة، فكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لولادته. وقتل بمكة سنة خمس وسبعين، وسمع عبد الله بن عمر تكبير أهل الشام على قتله فقال: الذين كبروا على مولده خير من الذي كبروا على قتله. وبويع على الخلافة، ولا يبايع على الخلافة إلا فقيه مجتهد. وقال القاسم: ما كان أحد أعلم بالمناسك من ابن الزبير.

  • دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 50

عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر الأسدي القرشي كان عالما بالقرآن ومعانيه وكان كثير الصيام والصلاة وأشجع الناس وصاحب الأنفة وشديد البأس
قتل بمكة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين

  • مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 5

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى له كنيتان أبو بكر وأبو خبيب أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق حملت به بمكة وخرجت مهاجرة إلى المدينة وهى حامل فلما قدمت المدينة فولدته بها وأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ودعا بتمرة فمضغها وحنكه بها فكان أول شئ دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا له وبرك عليه وهو أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بالمدينة قتله الحجاج بن يوسف في المسجد الحرام سنة ثنتين وسبعين ثم صلبه في ولاية عبد الملك بن مروان

  • دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 55

عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر، رضي الله عنه، ويقال: أبو خبيب، وقال بعضهم: أبو بكير، القرشي، ثم الأسدي.
قال الحسن، عن ضمرة: مات سنة ثنتين وسبعين.
وقال زكريا: عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء، رضي الله عنها؛ أنها حملت بعبد الله بن الزبير، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته فى حجره، ثم دعا بتمرةٍ فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيءٍ دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بتمرةٍ، ثم دعا له، وبرك عليه، وكان أول مولودٍ ولد في الإسلام.

  • دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 5- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر
وأبو خبيب أمير المؤمنين روى عنه أخوه عروة وابنه عامر وخلق وكان نهاية في الشجاعة غاية في العبادة استخلف سنة 64 ومات شهيدا في حصر الحجاج له بالبيت العتيق سنة ثلاث وسبعين ع

  • دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الأسدي
يكنى أبا بكر ويقال أبو خبيب ويقال أبو بكير وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة
حملت به أمه وهي متم فولدته بقباء وحملته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه بتمرة وكان أول ما دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا قتل بمكة وصلب بها وحمل رأسه إلى المدينة وبعث إلى خراسان ودفن بها رضوان الله عليه قتل سنة ثلاث وسبعين يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلون من جمادى الأولى وكان يوم قتل ابن ثنتين وسبعين سنة وقال أبو نعيم سنة ثنتين وسبعين
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وعن عائشة في الوضوء والحج والنكاح والفتن وسفيان بن أبي زهير في الحج وعمر في اللباس والزبير في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل
روى عنه طلق بن حبيب وابنه عامر بن عبد الله وأبو الزبير في الصلاة وسعيد بن ميناء وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وابن مليكة وخليفة بن كعب أبو ذبيان ومحمد بن زياد

  • دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام

  • دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 23

عبد الله بن الزبير أبو بكر وأبو خبيب
غزا إفريقية مع ابن أبي سرح في خلافة عثمان وهو الذي ولى قتل جرجير ملكها وأحتز رأسه وجعله في رمحه وكبر فانهزم الروم في خبر طويل ذكره مصعب بن الزبير في كتاب قريش من تأليفه فوجه به ابن أبي سرح بشيراً إلى عثمان فقدم عليه فأخبره بفتح الله ونصره وخطب يومئذٍ بذلك في مسجد المدينة على المنبر قال مصعب وبشر عبد الله مقدمه من إفريقية بابنه خبيب بن عبد الله وهو أكبر ولده
وقال ابن عبد الحكم بعث عبد الله بن سعد بالفتح عقبة بن نافع ويقال بل عبد الله بن الزبير وذلك أصح فيقال إنه سار على راحلته إلى المدينة من إفريقية في عشرين ليلة قال وقد قيل إن عبد الله بن سعد كان قد وجه مروان بن الحكم إلى عثمان من إفريقية فلا أدري أفي الفتح أم بعده والله أعلم
ثم ولى ابن الزبير الخلافة بالحجاز والعراق وأكثر الشام بعد موت معاوية ابن يزيد بن معاوية وكان قد خرج من المدينة مع الحسين بن علي إثر موت معاوية بن أبي سفيان ممتنعاً من بيعة ابنه يزيد وأقام يسلم عليه بالخلافة تسع سنين ثم قتله عبد الملك بن مروان على يد الحجاج سنة ثلاث وسبعين من الهجرة
وحكى الزبير بن بكار في كتاب نسب قريش له عن هشام بن عروة قال كان أول ما أفصح به عمى عبد الله بن الزبير وهو صبي السيف وكان لا يضعه من فمه فكان الزبير بن العوام إذا سمع ذلك منه يقول أما والله ليكونن له منه يوم ويوم وأيام
ومن شعره المشهور عنه

وقال أيضا أنشده له أبو على الحسن بن رشيق في كتاب العمدة من تأليفه قال غيره ويروى لعبد الله بن الزبير بفتح الزاي وكسر الباء
ويروى أن معاوية بن أبي سفيان كتب إليه
فراجعه ابن الزبير
ومما رويته من طريق ابن أبي الحسن بن صخر في فوائده وقرأته على الحافظ أبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي بإسناده إلى عبد الله بن المبارك قال حدثني يونس عن الزهري قال أجتمع مروان وابن الزبير عند عائشة رضي الله عنها قال فذكر مروان بيتا من شعر لبيد
فتعجب منه قال ابن الزبير وما تعجبك لو شئت قلت ما هو أفضل منه
قال مروان
وقال ابن الزبير
قال مروان
قال ابن الزبير
قال مروان
فسكت ابن الزبير فقالت له عائشة ما سمعت مجادلة قط أحسن من هذه ولكن لمروان إرث في الشعر ليس لك

  • دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 1- ص: 1

(ع) عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر ويقال: أبو خبيب.
ذكر أبو هلال العسكري في كتاب ’’ الأوائل ’’ أنه رأى أباه يختلف إلى أمه وهو صغير فأخذ سيفا وقال: إني لا يحسن بي أن تكون لي أم توطأ، ولئن عدت إليها لأخالطنك السيف، وذكر ابن ظفر أن عمر بن الخطاب [ق 268 أ] مر به وهو صبي يعلب مع الصبيان، ففروا ووقف عبد الله فقال: مالك لم تفزع مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أجرم، فأخافك ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك.
وكان أول ما علم من أمره أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي فمر رجل فصاح عليهم ففروا، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال: يا صبيان اجعلوني أميركم وأشد بكم عليه.
وذكر أبو عبيدة معمر أنه كان ينحل ويقول: إنما بطني شبر في شبر، وذكر أشياء الله أعلم بصحتها.
وقال بلال بن جرير يمدحه:

وقال أبو نعيم: كان صواما قواما بالحق قوالا، و [للحق] وصالا شديدا على الفجرة ذليلا على الأتقياء له جمة طويلة مفروقة.
وكناه الحاكم: أبا بكر قال: وقيل: أبو بكر بعثت رأسه إلى خراسان فدفنت بها وقال [عبد الله بن حنبل] بقباء.
وفي كتاب الزبير: سماه النبي صلى الله عليه وسلم: عبد الله. وقال: سميته بجبريل عليه السلام، وأول شيء دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت ولادته في شوال، وأذن أبو بكر في أذنه بأمره عليه السلام، وقال مصعب: سمعت أصحابنا يقولون ولد سنة الهجرة، وضعفه، قال: فلما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم ليحكنه قال: أهو هو؟ ليمنعن البيت، أو ليموتن دونه ففي ذلك يقول العقيلي:
وقال عمي: كان عارضاه خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة. انتهى.
زعم المبرد أن عبد الله قال: عالجت لحيتي لتتصل إلى أن بلغت ستين سنة فلما أكملتها يئست منها، وكذا ذكره الجاحظ.
وذكره ابن منده في ’’ الأرداف ’’.
قال الزبير: وقيل ولد بعد الهجرة بسنتين، وهو أول من صف رجليه في الصلاة فاقتدى به كثير من العباد، وكان قد قسم الدهر على ثلاث ليال:
فليلة: هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح، وكان يواصل الصيام سبعا يصوم يوم الجمعة فلا يفطر إلا ليلة الجمعة الأخرى، ويصوم بالمدينة فلا يفطر إلا بمكة، وكان إذا أفطر، يفطر على لبن لقحة بسمن بقر وصبر.
وقال القاسم: ما كان أحد أعلم بالمناسك منه، وهو أول من كسى الكعبة الديباج وإن كان يطيبها حتى يجد ريحها من دخل الحرم، وسمع معاوية بن أبي سفيان رجلا وهو يقول:
[ق 268/ب] فقال: ذاك عبد الله بن الزبير، وسئل سعيد بن المسيب عن خطباء قريش في الإسلام فقال: معاوية وابنه وعبد الله بن الزبير وسعيد، وابنه، وكان عبد الله لا ينازع في ثلاثة: شجاعة وعبادة وبلاغة، وفيه يقول أبو ذؤيب الهذلي ورأى شجاعته في غزوه إفريقية:
وقال نعيم بن مسعود الشيباني يرثيه وأخاه مصعبا:
وفي ’’ تاريخ دمشق ’’: ذكره ابن عباس فقال: كان قارئا لكتاب الله عفيفا في الإسلام إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسبها لعمر.
وقال الشافعي: مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع سنين، وكان إذا سجد وقعت العصافير على ظهره لا تراه إلا حزم حائط، وكان يشبه أبا بكر جده، وقام يوما يصلي فسقطت حية من السقف على ابنه هاشم فتطوت على بطنه، وهو قائم فصاح [أهل البيت] ولم يزالوا بها حتى قتلوها، وهو يصلي ما التفت ولا عجل، وكان يسمى: حمام المسجد وكان لا يفطر من الشهر إلا ثلاثة أيام، ومكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره، وكان إذا دخل رمضان أكل أكلة واحدة في نصف الشهر، ورؤي يوما يطوف بالبيت سياحة وكانت لحيته صفراء وجمته إلى العنق وكان صييتا يشبه كلام أبي بكر وبلاغته، وفيه يقول النابغة الجعدي:
ولما سمعت عائشة رجلا يرتجز ويقول:
جرعني أكؤسه بسم
فقالت له: ذاك عبد الله بن الزبير.
وكان يمكث الخميس والسبت لا يذهب لحاجته، وكان بين عينيه مثل مبرك البعير، وكانوا يسمعون كل ليلة [ومن] قتله قائلا يقول ولا يرون شخصه:
وفي كتاب ابن [مالا]: من كان يكنيه بأبي حبيب من يعيبه.
وفي كتاب ابن يونس: الذي قتله بيده وأجز رأسه: عبد الرحمن بن يحنس مولى بني أيدعان عريف موالي تجيب مصري.

  • الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 7- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
كنيته أبو بكر ويقال أبو خبيب أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق حملت به بمكة وخرجت مهاجرة إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير فلما دخلت المدينة نزلت قباء فولدته وأتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعته في حجره فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة فمضغها وحنكه بها فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا له وبرك عليه وهو أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين المدينة قتله الحجاج بن يوسف يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شهر جمادى الآخرة في المسجد سنة ثنتين وسبعين وقد قيل أول سنة ثلاثة وسبعين ثم صلبه على جذع منكساً فمر عبد الله بن عمر بن الخطاب عليه وهو على خشبة فوقف وبكى وقال يرحمك الله يا أبا خبيب ما علمتك إلا صواما قواما وإن قوما أنت شرهم لخيار قد ذكرت قصة قتله في كتاب الخلفاء في ولاية عبد الملك بن مروان

  • دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام
وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول مولود في الإسلام وأمه أسماء بنت أبي بكر قتل بمكة قتله الحجاج وصلبه

  • دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
حدثنا أبو يحيى الناقد، نا عثمان بن عبد الوهاب، نا أبي، نا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش بعمله هلك»
حدثنا محمد بن شاذان، نا عمرو بن حكام، نا شعبة، عن أبي مسلمة قال: سمعت عبد العزيز بن راشد يقول: سمعت ابن الزبير يقول: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر»
حدثنا ابن مساور، نا سعيد بن سليمان، نا وهيبٌ، عن ابن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: ’’ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده قال في الصلاة: هكذا ’’

  • مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 2- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشي الأسدي، أبو بكر، وأبو خبيب المدني المكي:
أمير المؤمنين، ولد بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول مولود ولد بها من
قريش، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثين حديثا، اتفقا على ستة، وانفرد مسلم بحديثين.
روى عنه بنوه: عباد وعامر وثابت، وحفيداه: يحيى بن عباد، ومصعب بن ثابت، وأخوه عروة بن الزبير، وابنه عبد الله بن عروة. ورآه هشام بن عروة وحفظ عنه. وروى عنه خلق من التابعين. روى له الجماعة.
ولما مات معاوية بن أبي سفيان، طلب للبيعة ليزيد بن معاوية، فاحتال حتى صار إلى مكة، وصار يطعن على يزيد بن معاوية، ويدعو إلى نفسه سرا، فجهز إليه عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق والى المدينة جيشا منها، فيه عمرو بن الزبير، لقتاله بمكة، لما بين عمرو وعبد الله من العداوة، وفي الجيش أنيس بن عمرو الأسلمى، فنزل أنيس بذى طوى، ونزل عمرو بالأبطح، وأرسل لأخيه عبد الله يقول: تعال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة، لتبر قسم يزيد، فإنه حلف ألا يقبل بيعتك، إلا أن يؤتى بك إليه في جامعة، فأتى عبد الله من ذلك، وأظهر له الطاعة ليزيد، وخادع عمرا، وكان يصلى وراءه مع الناس، وأنفذ قوما لقتال أنيس، فلم يشعر بهم إلا وهم معه، فالتقوا وقتل أنيس، وبعث قوما لقتال عمرو بن الزبير، فانهزم أصحابه، وأتى به لعبد الله بن الزبير، فأقاد منه جماعة ينتف لحيته وضربه وغير ذلك، لأنه كان فعل بهم ذلك في المدينة، لموادتهم أخاه عبد الله بن الزبير، وأقام عبد الله بمكة يظهر الطاعة ليزيد، ويؤلب عليه الناس بمكة والمدينة، حتى طرد أهل المدينة عامل يزيد عليها مع بنى أمية، إلا ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وخلعوا يزيد، فغضب لذلك يزيد، وبعث مسلم بن عقبة المرى في اثني عشر ألفا، وقال له: ادع أهلها ثلاثا، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم، فأبحها ثلاثا، ثم اكفف عن الناس، وأمره بالمسير بعد ذلك لابن الزبير، وأنه إن حدث به أمر فليستخلف الحصين بن نمير السكونى، فسار بهم، فلما وصل بهم إلى المدينة، فعل فيها أفعالا قبيحة من القتل والسبى والنهب وغير ذلك، وأسرف في ذلك، فسمى مسرفا لذلك، وهذه الواقعة، هي وقعة الحرة.
وذكر المسعودي: أن المقتولين في هذه الواقعة من أبناء الأنصار والمهاجرين، يزيدون على أربعة آلاف. وكانت هذه الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة، وأتى خبرها ابن الزبير هلال المحرم سنة أربع وستين، فلحقه من ذلك أمر عظيم، واستعد هو وأصحابه لمسلم بن عقبة، وأيقنوا أنه نازل بهم، وشخص إليه مسلم، فلما انتهى إلى المشلل - وقيل لقديد - نزل به الموت، فاستدعى الحصين بن نمير وقال: يابن برذعة الحمار، لو كان الأمر إلى ما وليتك هذا الجند، ولكن أمير المؤمنين ولاك، خذ
عنى أربعا: أسرع السير، وعجل المناجزة، ولا تمكن قريشا من أذنك، إنما هو الوفاق ثم النفاق ثم الانصراف.
وسار الحصين حتى قدم مكة لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين من الهجرة، وقد بايع أهل مكة وأهل الحجاز عبد الله بن الزبير واجتمعوا عليه، ولحق به المنهزمون من أهل المدينة، وقدم عليهم نجدة الحرورى في أناس من الخوارج يمنعون البيت، وكان الزبير قد سمى نفسه عائذ البيت، وخرج ابن الزبير لقتال أهل الشام فاقتتلوا، ثم غلب الحصين على مكة كلها، إلا المسجد الحرام، ففيه ابن الزبير وأصحابه، قد حصرهم فيه الحصين، ثم نصب الحصين المجانيق على أبي قبيس والأحمر - وهو قعيقعان - على ما ذكر ابن قتيبة، وذكر أنه قرر على أصحابه عشرة آلاف حجر يرمون بها الكعبة.
وقال الأزرقي فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي، عن رباح بن مسلم، عن أبيه قال: رأيت الحجارة تصك وجه الكعبة من أبي قبيس حتى تخرقها، فلقد رأيتها كأنها جيوب النساء، وترتج من أعلاها إلى أسفلها، ولقد رأيت الحجر يمر فيهوى الآخر على إثره فيسلك طريقه، حتى بعث الله عزوجل عليهم صاعقة بعد العصر، فأحرقت المنجنيق، واحترق تحته ثمانية عشر رجلا من أهل الشام، فجعلنا نقول: أصابهم العذاب، فكنا أياما في راحة، حتى عملوا منجنيقا أخرى، فنصبوها على أبي قبيس. انتهى
ودام الحصار والحرب بين الفريقين، حتى وصل الخبر بنعى يزيد بن معاوية، وكان وصول نعيه إلى مكة ليلة الثلاثاء هلال ربيع الآخر سنة أربع وستين، وبلغ عبد الله بن الزبير نعى يزيد قبل الحصين بن نمير، فعند ذلك أرسل ابن الزبير رجالا من قريش، إلى الحصين بن نمير، أعلموه بذلك، وعظموا عليه ما أصاب الكعبة، وقالوا له: ارجع إلى الشام، حتى تنظر ماذا يجتمع عليه رأي أصحابك. ولم يزالوا به حتى لان لهم، ثم بعث إلى ابن الزبير: موعد ما بيننا الليلة الأبطح، فالتقيا وتحادثا، وراث فرس الحصين، فجاء حمام الحرم يلتقط روثه، فكف الحصين فرسه عنهن، وقال: أخاف أن يقتل فرسى حمام الحرم، فقال ابن الزبير: تحرجون من هذا وأنتم تقتلون المسلمين في الحرم؟، فكان فيما قاله الحصين: أنت أحق بهذا الأمر، تعالى نبايعك، ثم أخرج معى إلى الشام، فإن هذا الجند الذي معى هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فو الله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرة، فقال له: أنا لا أهدر الدماء، والله لا أرضى أقتل بكل رجل منهم عشرة، وأخذ الحصين يكلمه سرا وهو يجهر ويقول: والله لا أفعل، فقال: الحصين قبح الله من يعدك بعد هذا ذاهبا أو آتيا قد
كنت أظن لك رأيا، وأنا أكلمك سرا وتكلمنى جهرا، وأدعوك إلى الخلافة، وتعدنى القتل والهلكة. ثم فارقه ورحل هو وأصحابه نحو المدينة، وندم ابن الزبير على ما صنع، فأرسل إليه: أما المسير إلى الشام فلا أفعله، ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم، فقال الحصين: إن لم تقدم بنفسك فلا يتأتي الأمر، فإن هناك ناسا من بنى أمية يطلبون هذا الأمر.
وكان رحيل الحصين عن مكة لخمس ليال خلون من ربيع الآخر، وصفا الأمر بمكة لابن الزبير، وبويع له بالخلافة فيها، وبالمدينة وبالحجاز واليمن والبصرة والكوفة وخراسان ومصر وأكثر بلاد الشام.
وكان مروان بن الحكم أراد أن يبايع له وأن يعضده، وكان قد انحاز هو وأهله إلى أرض حوران، فوافاهم عبيد الله بن زياد بن أبيه منهزما من الكوفة، فلوى عزمه عن ذلك، وقواه على طلب الخلافة، والتقوا مع الضحاك ابن قيس الفهري، وقد دعا إلى نفسه بالشام، بعد أن دعا لابن الزبير بمرج راهط شرقى الغوطة بدمشق، في آخر سنة أربع وستين من الهجرة؛ وقتل الضحاك، واستولى مروان على الشام، وسار إلى مصر فملكها ومهد قواعدها في سنة خمس وستين، ثم عاد إلى دمشق، ومات في رمضان من سنة خمس وستين، وقد عهد بالأمر لابنه عبد الملك، وصار الخليفة بالشام ومصر، وابن الزبير الخليفة بالحجاز، ثم سار عبد الملك إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير، أخى عبد الله، فالتقى الجمعان بدير الجاثليق في سنة اثنتين وسبعين من الهجرة، فخان مصعبا بعض جيشه، لأن عبد الملك كتب إليهم يعدهم ويمنيهم، حتى أفسدهم على مصعب، فقتل وقتل معه أولاده: عيسى وعروة وإبراهيم، واستولى عبد الملك على بلاد العراق وما يليها، وجهز الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، وبعث معه أمانا لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا، فسار الحجاج في جمادى الأولى من هذه السنة ونزل الطائف، وكان يبعث الخيل إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير خيلا أيضا يقتتلون بعرفة، فتنهزم خيل ابن الزبير وتعود خيل الحجاج بالظفر، ثم كتب إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبير، ويخبره بضعفه وتفرق أصحابه، ويستمده.
وكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو، مولى عثمان، يأمر باللحاق بالحجاج، وكان عبد الملك قد أمر طارقا بالنزول بين أيلة ووادى القرى، يمنع عمال ابن الزبير من الانتشار، ويسد خللا إن ظهر له، فقدم طارق المدينة في ذي الحجة، في خمسة آلاف، وكان الحجاج قد قدم مكة في ذي القعدة، وقد أحرم بحجة، فنزل بئر ميمون، وحج بالناس تلك السنة، إلا أنه لم يطف بالكعبة، ولا سعي بين الصفا والمروة، لمنع ابن الزبير له من ذلك، ولم يحج هو ولا أصحابه.
ولما حصر الحجاج ابن الزبير بمكة، نصب المنجنيق على أبي قبيس، ورمى به الكعبة، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قد حج تلك السنة، فأرسل إلى الحجاج: أن اتق الله، واكفف هذه الحجارة عن الناس، فإنك في شهر حرام وبلد حرام، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض، ليؤدوا الفريضة ويزدادوا خيرا، وإن المنجنيق قد منعهم من الطواف، فاكفف عن الرمى، حتى يقضوا ما وجب عليهم بمكة. فبطل الرمى حتى عاد الناس من عرفات، وطافوا وسعوا، فلما فرغوا من طواف الزيارة، نادى منادى الحجاج: انصرفوا إلى بلادكم، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير، وأول ما رمى بالمنجنيق إلى الكعبة، رعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد على الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام، فأخذ الحجاج حجر المنجنيق بيده، فوضعها فيه، ورمى بها معهم، فلما أصبحوا جاءت الصواعق، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام فقال الحجاج: يا أهل الشام، لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة، وهذه صواعقها، وهذا الفتح قد حضر فأبشروا.
فلما كان الغد، جاءت الصواعق، فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدة، فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة، وهم على خلافها.
ولم يزل القتال بينهم دائما، فغلت الأسعار عند ابن الزبير، وأصاب الناس مجاعة شديدة، حتى ذبح فرسه وقسمها لحما بين أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، والمد بعشرين، وإن بيوت ابن الزبير لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابى قوية ما لم يفن، فلما كان قبيل مقتله، تفرق عنه الناس، وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج من عنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه: ابناه حمزة وخبيب، أخذا لأنفسهما أمانا.
ولما تفرق أصحابه عنه، خطب الناس الحجاج وقال: قد ترون قلة من مع ابن الزبير، وما هم فيه من الجهد والضيق، ففرحوا واستبشروا وتقدموا، فملؤوا ما بين الحجون إلى الأبواب، فحمل ابن الزبير على أهل الشام حملة منكرة، فقتل منهم، ثم انكشف هو وأصحابه، فقال له بعض أصحابه: لو لحقت بموضع كذا، فقال له: بئس الشيخ أنا إذا في الإسلام، لئن أوقعت قوما فقتلوا، ثم فررت عن مثل مصارعهم. ودنا أهل الشام حتى امتلأت منهم الأبواب، وكانوا يصيحون به: يابن ذات النطاقين، فيقول:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجالا من أهل كل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بنى شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم.
وكان الحجاج بناحية الأبطح إلى المروة، فمرة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية ومرة في هذه الناحية؛ فكأنه أسد في أجمة ما تقدم عليه الرجال، يعدو في إثر القوم حتى يخرجهم، ثم يصيح: أبا صفوان ويل أمه فتحا، لو كان له رجال، أو كان قرنى واحد كفيته، فيقول أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف: أي والله، وألف.
فلما رأي الحجاج أن الناس لا يقدمون على ابن الزبير، غضب وترجل وأقبل يسوق الناس وصمد بهم، صمد صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه. فتقدم ابن الزبير على صاحب علمه، وضاربهم فانكشفوا، وعرج وصلى ركعتين عند المقام فحملوا على صاحب علمه فقتلوه على باب بنى شيبة، وصار العلم بأيدى أصحاب الحجاج، ثم حمل على أهل الشام، حتى بلغ الحجون، فرمى بآخرة، رماه رجل من السكون، فأصابته في وجهه، فأرعش لها ودمى وجهه، فلما وجد الدم على وجهه قال:

وقاتلهم قتالا شديدا، فتعاونوا عليه، فقتلوه، وتولى قتله رجل من مراد، وحمل رأسه إلى الحجاج، فسجد، وسار الحجاج وطارق حتى وقفا عليه، فقال طارق: ما ولدت النساء أذكر من هذا! فقال الحجاج: أتمدح من يخالف أمير المؤمنين؟ قال: نعم، هو أعذر لنا، ولولا هذا لما كان عذر، إنا محاصروه منذ سبعة أشهر، وهو في غير جند ولا حصن ولا منعة، وينتصف منا، بل يتفضل علينا، فبلغ كلامهما عبد الملك، فصوب طارقا، وبعث الحجاج برأسى ابن الزبير وعبد الله بن صفوان إلى عبد الملك، وأخذ جثة ابن الزبير فصلبها منكسة على الثنية اليمنى بالحجون، ومنع من تكفينه ودفنه، ووكل بالخشبة من يحرسها.
ولما صلب ابن الزبير، ظهر منه ريح المسك، فصلب معه كلبا منتنا، فغلب على ريح
المسك، وقيل: بل صلب معه سنورا. وذهب عروة بن الزبير إلى عبد الملك يستوهبه لأمه جثة ابن الزبير، ففعل عبد الملك، وأمر عروة فعاد إلى مكة، وكانت غيبته عنها ثلاثين يوما، فأنزل الحجاج جثة عبد الله بن الزبير، وبعث بها إلى أمه، فغسلته وصلى عليه عروة ودفنه.
وكان قتل ابن الزبير، على ما قال الواقدي، وعمرو بن علي، وخليفة بن خياط، يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وقيل: قتل في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين، وذكره صاحب الكمال. وقال ضمرة، وأبو نعيم، وعثمان بن أبي شيبة: قتل ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين، والأول أصح، وكان له من العمر يوم قتل، إحدى وسبعون سنة، لأنه ولد في السنة الثانية من الهجرة بالمدينة، وقيل كان ابن اثنتين وسبعون سنة، وهو أول من ولد بها من قريش، وكانت خلافته تسع سنين، وكان آدم نحيفا ليس بطويل، أطلس لا لحية له، فصيحا مفوها، نهاية في الشجاعة والعبادة، وله في ذلك أخبار.
فمن أخباره في العبادة: أنه قسم الدهر ثلاث ليال: ليلة يصلى قائما إلى الصباح، وليلة راكعا إلى الصباح، وليلة ساجدا إلى الصباح. وقيل: إنه لم يكن الناس يعجزون عن عبادة إلا تكلفها، حتى إنه جاء سيل فكثر الماء حول البيت فطاف سبعا.
ومن أخباره في الشجاعة: أنه غزا أفريقية مع عبد الله بن أبي سرح، أتاهم ملكها في مائة ألف وعشرين ألفا، وكان المسلمون في عشرين ألفا، فرأي ابن الزبير ملكهم قد خرج من عسكره، فأخذ جماعة وقصده فقتله، فكان الفتح على يديه.
وقد تقدم شيء من خبره في الشجاعة، وهو أنه كانت الطوائف تدخل عليه من أبواب المسجد، فيحمل على كل طائفة حتى يخرجها، وكان يأخذ على يد الشاب فيكاد يحطمها.
قال الزبير: وأخبرني عبد العزيز بن أبي سلمة، عن إبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري، عن أنس بن مالك، قال: إن عثمان بن عفان رضي الله عنه، أمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ينسخوا القرآن في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن: فاكتبوه بلسان قريش، فإنما أنزل بلسانهم ففعلوا، في حديث يطول.
قال الزبير: حدثنا محمد بن حسن، عن نوفل بن عمارة، قال: سئل سعيد بن المسيب
عن خطباء قريش في الجاهلية، فقال: الأسود بن المطلب بن أسد، وسهيل بن عمرو. وسئل عن خطبائهم في الإسلام، فقال: معاوية وابنه، وسعيد وابنه، وعبد الله بن الزبير. قال الزبير: وحدثني إبراهيم بن المنذر، عن عثمان بن طلحة، قال: كان عبد الله بن الزبير لا ينازع في ثلاث: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة.
قال الزبير: وحدثني محمد بن الضحاك، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن هشام ابن عروة، قال: رأيت ابن الزبير يرمى بالمنجنيق، فلا يلتفت ولا يرعد صوته، قال: وربما مرت الشظية منه قريبا من خده.
قال الزبير: وحدثني عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، ويوسف بن عبد العزيز بن الماجشون، عن ابن أبي مليكة، عن أبيه، أو عن أبيه، عن جده، قال: كنت أطوف بالبيت مع عمر بن عبد العزيز، فلما بلغت الملتزم تخلفت عنده أدعو، ثم لحقت عمر بن عبد العزيز، فقال لي: ما خلفك؟، فقلت: كنت أدعو في مواضع رأيت عبد الله بن الزبير يدعو عندها، فقال: ما تترك تحنانك على ابن الزبير أبدا!، فقلت له: والله ما رأيت أحدا أشد جلدا على لحم، ولا لحما على عظم من ابن الزبير، ولا رأيت أحدا أثبت قائما، ولا أحسن مصليا من ابن الزبير، ولقد مر حجر من المنجنيق، جاء فأصاب شرفة من المسجد، فمرت قذاذة منه بين لحيته وحلقه، فما زال من مقامه، ولا عرفنا ذلك في صوته، فقال عمر: لا إله إلا الله، جاد ما وصفت.
قال الزبير: وسمعت إسماعيل بن يعقوب التيمى، يحدث مثل ما قال عمر بن عبد العزيز لابن أبي مليكة: صف لنا عبد الله بن الزبير، فإنه يزمزم على أصحابنا فيعشرموا عليه، فقال: عن أي حالة تسألنى؟ عن دينه أو عن دنياه؟ فقال: عن كل. قال: والله ما رأيت جلدا قط ركب على لحم، ولا لحما على عصب، ولا عصبا على عظم، مثل جلده على لحمه، ولا مثل لحمه على عصبه، ولا مثل عصبه على عظمه، ولا رأيت نفسا زكت بين جنبين، مثل نفس له زكت بين جنبيه، ولقد قام يوما إلى الصلاة، فمر حجر من حجارة المنجنيق بلبنة مبطوحة من شرفات المسجد، فمرت بين لحيته وصدره، فو الله ما خشع له بصره، ولا قطع له قراءته، ولا ركع دون الركوع الذي كان يركع ابن الزبير، كان إذا دخل في الصلاة خرج من كل شيء إليها، ولقد كان يركع فيكاد يقع الرخم على ظهره، ويسجد وكأنه ثوب مطروح.
وقال الزبير: وحدثني خالد بن وضاح قال: حدثني أبو الحصيب نافع بن ميسرة، مولى آل الزبير، عن هشام بن عروة قال: سمعت عمى عبد الله بن الزبير يقول: والله لن أبالى إذا وجدت ثلاثمائة يصبرون صبرى، لواصلت على أهل الأرض.
وقال الزبير: وحدثني محمد بن الضحاك، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن هشام ابن عروة قال: أوصى الزبير بثلث ماله، قال: وقسم عبد الله بن الزبير ثلث ماله وهو حى.
قال الزبير: وحدثني وهب بن جرير، عن أبيه قال: لما ظهر طلحة والزبير، على عثمان بن حنيف، وكان عاملا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه على البصرة، أمر عبد الله بن الزبير، وكان يصلى بالناس، وكان أول ما علم من ابن الزبير، أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبى، فمر رجل فصاح عليهم، ففروا، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال: يا صبيان، اجعلونى أميركم، وشدوا بنا عليه.
ومر به عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو صبى يلعب مع الصبيان، ففروا ووقف، فقال له: ما لك لم تفر مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أجرم فأخاف، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك.
وقال الزبير: وحدثني عمى مصعب بن عبد الله، أن عبد الله بن الزبير، استقطع من أبي بكر رضي الله عنه في خلافته سلعا، فقال له أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ما تصنع به؟ فقال له ابن الزبير: إن لنا جبلا بمكة يقال له جبل خويلد، فأحب أن يكون لنا بالمدينة مثله، فأقطعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ناحية من سلع، فبنى عليه ابن الزبير [ .... ] ولا يعرف لهما اليوم أثر.
قال الزبير: وحدثني عمى مصعب بن عبد الله، قال: غزا عبد الله بن الزبير أفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري، فحدثني الزبير بن خبيب، وأبى، عبد الله بن مصعب، قالا: قال عبد الله بن الزبير: هجم علينا جرجير معسكرا في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا من كل مكان، وسقط في أيدي المسلمين، ونحن في عشرين ألفا من المسلمين، واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطا له فخلا فيه، فرأيت غرة من جرجير، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد، فخرجت أطلب ابن أبي سرح، فقيل قد خلا في فسطاطه، فأتيت حاجبه، فأبى يأذن لي عليه، فدرت من كسر الفسطاط، فدخلت عليه فوجدته مستلقيا على ظهره، فلما دخلت عليه، فزع واستوى جالسا، فقلت له: «إيه إيه. كل أزب نفور! » قال: ما أدخلك على يابن الزبير؟، قلت: إنى رأيت عورة من العدو، فاخرج فاندب لي الناس، قال: وما هى؟، قال: فأخبرته، فخرج معى سريعا، فقال: أيها الناس! انتدبوا مع ابن الزبير، فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت لسائرهم: اثبتوا على مصافكم، وحملت على الوجه الذي رأيت فيه جرجير، وقلت لأصحابي: احموا لي ظهرى، فو الله ما نشبت أن خرقت الصف إليه، فخرجت صامدا له، وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أنى رسول، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فثنى برذونه موليا، فأدركته فطعنته فسقط، وسقطت الجاريتان عليه، وأهويت إليه مبادرا، فدفعت عليه بالسيف، فأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها، ثم احتززت رأسه، فنصبته في رمحى وكبرت، وحمل المسلمون في الوجه الذي كنت فيه، وارفض العدو في كل وجه، ومنح الله المسلمين أكتافهم.
قال الزبير: فلما أراد ابن أبي سرح أن يوجه بشيرا إلى عثمان رضي الله عنه، قال: أنت أولى من هاهنا بذلك، فانطلق إلى أمير المؤمنين فأخبره الخبر. وقدمت على عثمان فأخبرته بفتح الله عزوجل ونصره وصنعه، ووصفت له أمرنا كيف كان.
فلما فرغت من ذلك قال: هل تستطيع أن تؤدى هذا إلى الناس؟، قال: قلت: وما يمنعنى من ذلك؟ قال: فاخرج إلى الناس فأخبرهم، فخرجت حتى جئت المنبر، فاستقبلت الناس، فتلقانى وجه أبى، الزبير بن العوام، فدخلتنى له هيبة، فعرفها أبي فى، فقبض قبضة من حصى، وجمع وجهه في وجهى، وهم أن يحصبنى، فتكلمت. فزعموا أن الزبير قال: والله لكأنى سمعت كلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه: من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها أو أخيها، فإنما تأتيه بأحدهما.
وبشر عبد الله بن الزبير، مقدمة من أفريقية، بابنه خبيب بن عبد الله، وبأخيه عروة ابن الزبير. وكان خبيب أكبر من عروة، وكان عبد الله يكنى أبا بكر وأبا خبيب، ويكنى أبا خبيب بابنه خبيب بن عبد الله، وكان يقال لعبد الله بن الزبير «عائذ الله».
قالت أم هاشم (زجلة) بنت منظور بن زبان الفزارية للحجاج [من البسيط]:
وقال عمر بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل [من الطويل]:
وقال جرير أو غيره [من الوافر]:
وقال الزبير: حدثني عمى مصعب بن عبد الله، قال: زعموا أن الذي دعا عبد الله ابن الزبير إلى التعوذ بالبيت، شيء سمعه من أبيه حين سار من مكة إلى البصرة، قال: التفت الزبير إلى الكعبة بعد ما ودع وتوجه يريد الركوب، ثم أقبل على ابنه عبد الله بن الزبير ثم قال: أما والله ما رأيت مثلها لطالب رغبة، أو خائف رهبة. وكان ذلك سبب تعوذ ابن الزبير بها يوم مات معاوية.
وقال الزبير: سمعت أبي يقول: كان ابن الزبير قد صحب عبد الله بن أبي السرح، فلقيته بعد العتمة ملتثما، لا تبدو منه إلا عيناه، فعرفته، فأخذت بيده وقلت: ابن أبي السرح! كيف كنت بعدي؟ كيف تركت أمير المؤمنين؟، فلم يكلمنى، فقلت: ما لك، أمات أمير المؤمنين؟ فلم يكلمنى، فخليته، ثم أثبت معرفته، ثم خرجت حتى لقيت الحسين بن علي رضي الله عنهما، فأخبرته خبره، وقلت: سيأتيك الرسول فانظر ما أنت صانع! واعلم أن رواحلى في الدار معدة، فالموعد بينى وبينك أن تغفل عنا عيونهم، ثم فارقته، فلم ألبث أن أتى رسول الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، فجئته، فوجدت الحسين عنده، ووجدت عنده مروان، فنعى إلى معاوية، فاسترجعت فأقبل على الوليد فقال: هلم إلى بيعة يزيد، فقد كتب إلينا يأمرنا أن نأخذها عليك، فقلت: إنى قد علمت أن في نفسه على شيئا، لتركى بيعته في حياة أبيه، وإن بايعت له على هذه الحال توهم أنى مكره، فلم يقع ذلك منى بحيث أريد، ولكن أصبح وتجتمع الناس، ويكون ذلك علانية إن شاء الله تعالى، فنظر إلى مروان، فقال مروان: هو الذي قلت لك، إن يخرج لم تره، فأحببت أن ألقى بينى وبين مروان شيئا نتشاغل به، فأقبلت على مروان فقلت له: وما قلت يابن الزرقاء؟ فقال لي وقلت له، حتى تواثبنا، فتناصيت أنا وهو، وقام الوليد يحجز بيننا، فقال له مروان: أتحجز بيننا وتدع أن تأمر أعوانك، فقال له الوليد: قد أرى ما تريد، ولا أتولى ذلك والله منه أبدا، اذهب يابن الزبير حيث شيءت، فأخذت بيد الحسين فخرجنا من الباب جميعا، حتى صرنا إلى المسجد وابن الزبير يقول [من الطويل]:
فلما دخل المسجد هو والحسين، افترق هو والحسين، وعمد كل رجل منهما إلى مصلاه يصلى فيه، وجعل الرسل تختلف إليهما، ويسمع وقعهم في الحصباء، حتى هدأ عنهما الحس، ثم انصرفا إلى منازلهما، فأتى ابن الزبير رواحله فقعد عليها، وخرج من أدنى داره، ووافاه الحسين للموعد، فخرجا جميعا من ليلتهما، وسلكوا طريق الفرع، حتى نزلوا بالجثجاثة، وبها جعفر بن الزبير قد ازدرعها، وعمى عليهم من إبلهم، فانتهوا
إلى جعفر، فلما رآهم قال: أمات معاوية؟، قال له ابن الزبير: نعم، فانطلق معنا وأعطنا أحد جمليك، وكان ينضح على جملين له، فقال له جعفر متمثلا [من الكامل]:
فقال ابن الزبير - وتطير منها ـ: «بفيك التراب» فخرجوا جميعا حتى قدموا مكة، فأما الحسين فخرج من مكة يوم التروية.
قال الزبير: وحدثني عبد الله بن محمد بن المنذر، عن خالة أبيه صفية بنت الزبير بن هشام بن عروة، قال: كان أول ما أفصح به عمى عبد الله بن الزبير وهو صغير: «السيف» فكان لا يضعه من فمه. وكان الزبير بن العوام إذا سمع ذلك منه يقول: أما والله ليكونن له منه يوم ويوم وأيام.
قال الزبير: وحدثني عمى مصعب بن عبد الله، عن جدي عبد الله بن مصعب، عن هشام بن عروة، قال: قام ابن شيبة إلى ابن الزبير فساره، فقال: هل لك أن أفتح لك الكعبة، فتدخل فيها، فأغلق عليك؟، قال: فدق في صدره وقال: ذل يا شيب! ويحك، هل لباطنها حرمة ليست لظاهرها؟ .
فعرفنا بجواب عبد الله بن الزبير لابن شيبة ما ساره.
قال الزبير: وقتل عبد الله بن الزبير يوم الثلاثاء. وقال الزبير: حدثني محمد بن حسن، عن إبراهيم بن محمد، أنه قال: لما قتل عبد الله بن الزبير يوم الثلاثاء، تركت جدتى رضاع أبى، وقالت: علام نغذو أولادنا بعد قتل عبد الله بن الزبير؟، وهو إذ ذاك ابن ثلاث وسبعين سنة.
قال الزبير: وحدثني مصعب بن عثمان، قال: حدثني الحارث بن الوليد بن درهم عن أبيه قال: سمعته وهو يقول: لا والله، ما فاتنى من الخلفاء إلا ثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم. وأبصرت عيناى رأس ابن الزبير، ورأس ابن صفوان، ورأس ابن عمرو بن حزم ببقيع الزبير، يريد بابن عمرو بن حزم: عمارة بن عمرو بن حزم.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 4- ص: 1

عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر القرشي
ويقال له أبو خبيب القرشي الأسدي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول مولود ولد في الإسلام مكي روى عنه أخوه عروة بن الزبير وابناه عامر وعباد وعبيدة السلماني وعطاء بن أبي رباح والشعبي وطاوس وعمرو بن دينار ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ووهب بن كيسان وابن أبي مليكة وأبو إسحاق السبيعي وسماك بن حرب سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي.

  • طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 5- ص: 1