عبد الله بن الزبير عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الاسدي، ابو بكر: فارس قريش في زمنه، واول مولود في المدينة بعد الهجرة. شهد فتح افريقية زمن عثمان، وبويع له بالخلافة سنة 64هـ ، عقيب موت يزيد بن معاوية، فحكم مصر والحجاز واليمن وخراسان والعراق واكثر الشام، وجعل قاعدة ملكه المدينة. وكانت له مع الامويين وقائع هائلة، حتى سيروا اليه الحجاج الثقفي، في ايام عبد الملك ابن مروان، فانتقل إلى مكة، عسكر الحجاج في الطائف. ونشبت بينهما حروب انى المؤرخون على تفصيلها انتهت بمقتل ابن الزبير في مكة، بعد ان خذله عامة اصحابه وقاتل قتال الابطال، وهو في عشر الثمانين. وكان من خطباء قريش المعدودين، يشبه في ذلك بابي ببكر. مدة خلافته تسع سنين. وكان نقش الدراهم في ايمه: بأحد الوجهين: (محمد رسول الله) وبالاخر (امر الله بالوفاء والعدل) وهو اول من ضرب الدراهم المستديرة. له في كتب الحديث 33 حديثا. وكانت في الاعمال البهنساوية (بمصر) طائفة من بنيه، هم: بنو بدر، وبنو مصلح، وبنو نصارة.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 87
عبد الله بن الزبير بن العوام (ب د ع) عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ابن مرة القرشي الأسدي، أبو بكر. وله كنية أخرى: أبو خبيب- بالخاء المعجمة المضمومة- وهو اسم أكبر أولاده- وقيل: كان يكنيه بذلك من يعيبه. وأمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة ذات النطاقين وجدته لأبيه: صفية بنت عبد المطلب، عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخديجة بنت خويلد عمة أبيه الزبير بن العوام بن خويلد. وخالته عائشة أم المؤمنين.
وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها في فيه، ثم حنكه بها، فكان ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء دخل جوفه، وسماه عبد الله، وكناه أبا بكر بجده أبي بكر الصديق وسماه باسمه، قاله أبو عمر.
وهاجرت أمه إلى المدينة وهي حامل به، وقيل: حملت به بعد ذلك وولدته بالمدينة على على رأس عشرين شهرا من الهجرة. وقيل: ولد في السنة الأولى. ولما ولد كبر المسلمون وفرحوا به كثيرا، لأن اليهود كانوا يقولون: قد سحرناهم فلا يولد لهم ولد. فكذبهم الله سبحانه وتعالى.
وكان صواما قواما، طويل الصلاة، عظيم الشجاعة. وأحضره أبوه الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعه وعمره سبع سنين أو ثماني سنين، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم مقبلا تبسم، ثم بايعه.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وعن أبيه، وعن عمر، وعثمان، وغيرهما. روى عنه أخوه عروة وابناه: عامر وعباد، وعبيدة السلماني، وعطاء بن أبي رباح، والشعبي وغيرهم.
أخبرنا أبو محمد القاسم بن علي بن الحسن الدمشقي كتابة، أخبرنا والدي، أخبرنا أبو الحسين بن أبي يعلى، وأبو غالب وأبو عبد الله ابنا البناء، أخبرنا أبو جعفر، أخبرنا أبو طاهر المخلص، أخبرنا أحمد بن سليمان، حدثنا الزبير بن أبي بكر قال: حدثني عبد الملك بن عبد العزيز، عن خاله يوسف بن الماجشون، عن الثقة بسنده قال: قسم عبد الله بن الزبير الدهر على ثلاث ليال: فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
قال: وحدثنا الزبير قال: وحدثني سليمان بن حرب، عن يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق المكي قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأت البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، وما رفع رأسه.
وروى هشيم، عن مغيرة، عن قطن بن عبد الله قال: رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة فإذا كان عند إفطاره من الليلة المقبلة يدعو بقدح، ثم يدعو بقعب من سنن، ثم يأمر فيحلب عليه، ثم يدعو بشيء من صبر فيذره عليه، ثم يشربه، فأما اللبن فيعصمه، وأما السمن فيقطع عنه العطش، وأما الصبر فيفتح أمعاءه.
أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن الطبري بإسناده إلى أبي يعلى الموصلي قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قعد في التشهد قال هكذا - وضع يحيى يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على فخذه اليسرى- وأشار بالسبابة معا ولم يجاوز بصره إشارته.
وغزا عبد الله بن الزبير إفريقية مع عبد الله بن سعد بن أبي سرح، فأتاهم جرجير ملك إفريقية في مائة ألف وعشرين ألفا، وكان المسلمون في عشرين ألفا، فسقط في أيديهم، فنظر عبد الله فرأى جرجير وقد خرج من عسكره، فأخذ معه جماعة من المسلمين وقصده فقتله، ثم ثم كان الفتح على يده.
وشهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلا لعلي، فكان علي يقول: ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ له عبد الله وامتنع من بيعة يزيد بن معاوية بعد موت أبيه معاوية، فأرسل إليه يزيد مسلم بن عقبة المري فحصر المدينة، وأوقع بأهلها وقعة الحرة المشهورة. ثم سار إلى مكة ليقاتل ابن الزبير، فمات في الطريق، فاستخلف الحصين بن نمير السكوني على الجيش، فصار الحصين وحصر ابن الزبير بمكة لأربع بقين من المحرم من سنة أربع وستين، فأقام عليه محاصرا، وفي هذا الحصر احترقت الكعبة، واحترق فيها قرنا الكبش الذي فدي به إسماعيل بن إبراهيم الخليل صلى الله عليهما وسلم، ودام الحصر إلى أن مات يزيد، منتصف ربيع الأول من السنة، فدعاه الحصين ليبايعه ويخرج معه إلى الشام، ويهدر الدماء التي بينهما ممن قتل بمكة والمدينة في وقعة الحرة، فلم يجبه ابن الزبير وقال: لا أهدر الدماء. فقال الحصين: قبح الله من يعدك داهيا أو أريبا، أدعوك إلى الخلافة وتدعونني إلى القتل!!.
وبويع عبد الله بن الزبير بالخلافة بعد موت يزيد، وأطاعه أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وجدد عمارة الكعبة، وأدخل فيها الحجر، فلما قتل ابن الزبير أمر عبد الملك بن مروان أن تعاد عمارة الكعبة إلى ما كانت أولا، ويخرج الحجر منها. ففعل ذلك فهي هذه العمارة الباقية.
وبقي ابن الزبير خليفة إلى أن ولي عبد الملك بن مروان بعد أبيه، فلما استقام له الشام ومصر جهز العساكر، فسار إلى العراق فقتل مصعب بن الزبير، وسير الحجاج بن يوسف إلى الحجاز، فحصر عبد الله بن الزبير بمكة، أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، وحج بالناس الحجاج ولم يطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة، ونصب منجنيقا على جبل أبي قبيس فكان يرمي الحجارة إلى المسجد، ولم يزل يحاصره إلى أن قتل في النصف من جمادى الآخرة، من سنة ثلاث وسبعين.
قال عروة بن الزبير: لما اشتد الحصر على عبد الله قبل قتله بعشرة أيام، دخل على أمه أسماء وهي شاكية، فقال لها: إن في الموت لراحة. فقالت له: لعلك تمنيته لي، ما أحب أن أموت حتى يأتي علي أحد طرفيك، إما قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فتقر عيني. فضحك.
فلما كان اليوم الذي قتل فيه دخل عليها فقالت له: يا بني، لا تقبلن منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل، فو الله لضربة بسيف في عز خير من ضربة بسوط في ذل. وخرج على الناس وقاتلهم في المسجد، فكان لا يحمل على ناحية إلا هزم من فيها من جند الشام، فأتاه حجر من ناحية الصفا، فوقع بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا | ولكن على أقدامنا يقطر الدما |
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 669
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 3- ص: 241
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 3- ص: 138
عبد الله بن الزبير بن العوام بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي.
أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق. ولد عام الهجرة، وحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير، وحدث عنه بجملة من الحديث، وعن أبيه، وعن أبي بكر، وعمر، وعثمان، وخالته عائشة، وسفيان بن أبي زهير وغيرهم.
وهو أحد العبادلة وأحد الشجعان من الصحابة، وأحد من ولى الخلافة منهم. يكنى أبا بكر. ثم قيل له أبو خبيب بولده.
روى عنه أخوه عروة، وابناه: عامر، وعباد، وابن أخيه محمد بن عروة، وأبو ذبيان
خليفة بن كعب، وعبيدة بن عمرو السماني، وعطاء، وطاوس، وعمرو بن دينار، ووهب بن كيسان، وابن أبي مليكة، وسماك بن حرب، وأبو الزبير، وثابت البناني، وآخرون.
وبويع بالخلافة سنة أربع وستين عقب موت يزيد بن معاوية، ولم يتخلف عنه إلا بعض أهل الشام.
وهو أول مولود ولد للمهاجرين بعد الهجرة، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم، وسماه باسم جده، وكناه بكنيته.
وزعم الواقدي أنه ولد في السنة الثانية. والأصح الأول.
وقال الزبير بن بكار: حدثني عمي، قال: سمعت أصحابنا يقولون: ولد سنة الهجرة، وأتاه النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي ولد فيه يمشي، وكانت أسماء مع أبيها بالسنح، فأتى به فحنكه. قال الزبير: والثبت عندنا أنه ولد بقباء، وإنما سكن أبوه السنح لما تزوج مليكة بنت خارجة بن زيد.
قال الواقدي ومن تبعه: ولد في شوال سنة اثنتين، ووقع
في الصحيح من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن أسماء أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، ونزلت بقباء فولدته بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل في جوفه. ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام
لفظ أحمد في مسندة.
وقد وقع في صحيح البخاري أن الزبير كان بالشام لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قدم المدينة لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، فكساه ثوبا أبيض، وإذا كان كذلك فمتى حملت أسماء منه بعد ذلك؟ بل الذي يدل عليه الخبر أنها حملت منه قبل أن يسافر إلى الشام، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وتبعه أصحابه أرسالا، خرجت أسماء بنت أبي بكر بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر، فإن كان قدومها في شوال محفوظا فتكون سنة إحدى.
وقد وقع في بعض طرق الحديث أن عبد الله بن الزبير جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، وهو ابن سبع سنين، أو ثمان، كما أخرجه ابن مندة من طريق عبد الله بن محمد بن عروة، حدثني هشام بن عروة، عن أبيه، قال: خرجت أسماء حين هاجرت وهي حامل، قالت: فنفست به فأتيته به ليحنكه، فأخذه فوضعه في حجره وأتى بتمرة فمصها، ثم مضغها في فيه، فحنكه، فكان أول شيء دخل بطنه ريق النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مسحه، وسماه عبد الله، ثم جاء بعد وهو ابن سبع أو ثمان ليبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمره بذلك الزبير فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه وبايعه، وكان أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة، وكانت اليهود تقول: قد أخذناهم فلا يولد لهم بالمدينة ولد، فكبر الصحابة حين ولد.
وقد قال الزبير بن بكار: حدثني عمي مصعب، سمعت أصحابنا يقولون: ولد عبد الله بن الزبير سنة الهجرة. وأما ما رواه البغوي في الجعديات، من طريق إسماعيل عن أبي إسحاق عمن حدثه، عن أبي بكر، أنه طاف بعبد الله بن الزبير في خرقة، وهو أول مولود ولد في الإسلام، فقد ذكر ابن سعد أن الواقدي أنكره، وقال: هذا غلط بين، فلا اختلاف بين المسلمين أنه أول مولود ولد بعد الهجرة، ومكة يومئذ حرب لم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ ولا أحد من المسلمين.
قلت: يحتمل أن يكون المراد بقوله: طاف به من مكان إلى مكان، وإلا فالذي قاله الواقدي متجه، ولم يدخل أبو بكر مكة من حين هاجر إلا مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة القضية، ولم يكن ابن الزبير معه.
وفي الرسالة للشافعي أن عبد الله بن الزبير كان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وقد حفظ عنه.
وقال الدينوري في «المجالسة»: حدثنا إبراهيم بن يزيد، حدثنا أبو غسان، حدثنا محمد بن يحيى، أخبرنا مصعب بن عثمان، قال: قال عبد الله بن الزبير: هاجرت وأنا في بطن أمي.
وأخرج الزبير، من طريق مسلم بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم في غلمة من قريش ترعرعوا: عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعمرو بن أبي سلمة، فقيل لو بايعتهم فتصيبهم بركتك، ويكون لهم ذكر، فأتى بهم إليه، فكأنهم تكعكعوا، فاقتحم عبد الله بن الزبير أولهم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: «إنه ابن أبيه».
ومن طريق عبد الله بن مصعب: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جمع أبناء المهاجرين والأنصار
الذين ولدوا في الإسلام حتى ترعرعوا، فوقفوا بين يديه، فبايعهم وجلس لهم، فجمع منهم ابن الزبير.
وأخرج البخاري في ترجمة عبد الله بن معاوية، عن عاصم بن الزبير أنه روى عن هشام بن عروة، عن أبيه أن الزبير قال لابنه عبد الله: أنت أشبه الناس بأبي بكر.
وأخرج أبو يعلى والبيهقي في «الدلائل»، من طريق هنيد بن القاسم: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: «يا عبد الله، اذهب بهذا الدم فأهرقه حيث لا يراك أحد». فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: «يا عبد الله، ما صنعت بالدم قال: جعلته في أخفى مكان علمت أنه يخفى على الناس. قال: «لعلك شربته»! قال: نعم. قال: «ولم شربت الدم؟» «ويل للناس منك! وويل لك من الناس!».
قال أبو موسى: قال أبو عاصم: فكانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.
وله شاهد من طريق كيسان مولى ابن الزبير، عن سلمان الفارسي، رويناه في جزء الغطريف، وزاد في آخره: لا تمسك النار إلا تحلة القسم.
وأخرج عن أسماء بنت أبي بكر في معجم البغوي، وفي البخاري عن ابن عباس أنه وصف ابن الزبير فقال: عفيف الإسلام، قارئ القرآن، أبوه حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه بنت الصديق، وجدته صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعمة أبيه خديجة بنت خويلد.
وقال ابن أبي خيثمة: حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا الزنجي بن خالد، عن عمرو بن دينار، قال: ما رأيت مصليا أحسن صلاة من ابن الزبير.
وأخرج أبو نعيم بسند صحيح، عن مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام للصلاة كأنه عمود.
وقال ابن سعد: حدثنا روح، حدثنا حسين الشهيد، عن ابن أبي مليكة: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ثم يصبح اليوم الثامن وهو إلينا.
وأخرج البغوي، من طريق ميمون بن مهران: رأيت ابن الزبير واصل من الجمعة إلى الجمعة.
وأخرج ابن أبي الدنيا، من طريق ليث، عن مجاهد، ما كان باب من العبادة إلا تكلفه ابن الزبير.
ولقد جاء سيل بالبيت، فرأيت ابن الزبير يطوف سباحة.
وشهد ابن الزبير اليرموك مع أبيه الزبير، وشهد فتح إفريقية، وكان البشير بالفتح إلى عثمان. ذكره الزبير وابن عائذ: واقتص الزبير قصة الفتح. وإن الفتح كان على يده، وشهد الدار، وكان يقاتل عن عثمان، ثم شهد الجمل مع عائشة، وكان على الرجالة.
قال الزبير: حدثني يحيى بن معين، عن هشام بن يوسف، عن معمر: أخبرني هشام بن عروة، قال: أخذ عبد الله بن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وفيه بضع وأربعون جراحة، فأعطت عائشة البشير الذي بشرها بأنه لم يمت عشرة آلاف، ثم اعتزل ابن الزبير حروب علي ومعاوية، ثم بايع لمعاوية فلما أراد أن يبايع ليزيد امتنع وتحول إلى مكة، وعاد بالحرم، فأرسل إليه يزيد سليمان أن يبايع له، فأبى، ولقب نفسه عائذ الله، فلما كانت وقعة الحرة وفتك أهل الشام بأهل المدينة ثم تحولوا إلى مكة فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك الحصار ففجعهم الخبر بموت يزيد بن معاوية، فتوادعوا ورجع أهل الشام وبايع الناس عبد الله بن الزبير بالخلافة، وأرسل إلى أهل الأمصار يبايعهم إلا بعض أهل الشام، فسار مروان فغلب على بقية الشام، ثم على مصر، ثم مات، فقام عبد الملك بن مروان فغلب على العراق، وقتل مصعب بن الزبير ثم جهز الحجاج إلى ابن الزبير، فقاتله إلى أن قتل ابن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة. وهذا هو المحفوظ، وهو قول الجمهور.
وعند البغوي عن ابن وهب عن مالك أنه قتل على رأس اثنتين وستين، وكأنه أراد بعد انقضائها.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 4- ص: 78
أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن قصي القرشي الأسدي، يكنى أبا بكر. هو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة. روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وعثمان. شهد اليرموك، وغزا القسطنطينية والمغرب وله مواقف مشهودة. وكان فارس قريش في زمانه. بةيع بالخلافة سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان وأكثر الشام. وولد سنة اثنتين من الهجرة، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر. خرجت أسماء أمه حين هاجرت حبلى فنفست بعبد الله في قباء. قالت أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره بذلك الزبير، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلا ثم بايعه. ولما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود! حتى كشرت في ذلك القالة فكان أول مولود بعد الهجرة، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأذن في أذنيه بالصلاة. وكان عارضاه خفيفين فما اتصلت لحيته حتى بلغ ستين سنة. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم، فلما فرغ قال: يا عبد الله! إذهب بهذا الدم فاهرقه حيث لا يراك أحد، فلما برز عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عمد إلى الدم فشربه! فلما رجع قال: ما صنعت بالدم؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت فجعلته فيه! قال: لعلك شربته؟! قال: نعم. قال: ولم شربت الدم؟ ويل للناس منك، وويل لك من الناس. وعن ابن أبزي عن عثمان أن ابن الزبير قال له حيث حصر: إن عندي نجائب أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله عليه مثل نصف أوزار الناس! رواه أحمد في مسنده. وعن إسحاق ابن أبي إسحاق قال: حضرت قتل ابن الزبير، جعلت الجيوش تدخل عليه من أبواب المسجد فكلما دخل قوم من باب حمل عليهم وحده حتى يخرجهم، فبينا هو على تلك الحال إذ جاءته شرفة من شرفات المسجد فوقعت على رأسه فصرعته وهو يتمثل:
أسماء يا أسماء لا تبكيني | لم يبق إلا حسبي وديني |
ولست بمبتاع الحياة بسبة | ولا مرتق من خشية الموت سلما |
لو كان قرني واحدا كفيته | أوردته الموت وقد ذكيته |
لا عهد لي بغرة مثل السيل | لا ينجلي قتامها حتى الليل |
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا | ولكن على أقدامنا تقطر الدما |
الموت أكرم من إعطاء منقصة | إن لم تمت عبطة فالغاية الهرم |
إصبر فكل فتى لا بد مخترم | والموت أسهل مما أملت جشم |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0
عبد الله بن الزبير ابن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة، أمير المؤمنين، أبو بكر، وأبو خبيب القرشي الأسدي المكي، ثم المدني، أحد الأعلام، ولد الحواري الإمام أبي عبد الله ابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وحواريه.
مسنده نحو من ثلاثة وثلاثين حديثا، اتفقا له على حديث واحد، وانفرد البخاري بستة أحاديث، ومسلم بحديثين.
كان عبد الله أول مولود للمهاجرين بالمدينة، ولد سنة اثنتين، وقيل: سنة إحدى.
وله صحبة، ورواية أحاديث. عداده في صغار الصحابة، وإن كان كبيرا في العلم والشرف والجهاد والعبادة.
وقد روى أيضا عن أبيه وجده لأمه الصديق، وأمه أسماء، وخالته عائشة، وعن عمر، وعثمان، وغيرهم.
حدث عنه: أخوه عروة الفقيه، وابناه؛ عامر وعباد، وابن أخيه؛ محمد بن عروة، وعبيدة السلماني، وطاوس، وعطاء، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وثابت البناني، وأبو الزبير المكي، وأبو إسحاق السبيعي، ووهب بن كيسان، وسعيد بن ميناء، وحفيداه: مصعب بن ثابت بن عبد الله، ويحيى بن عباد بن عبد الله، وهشام بن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن الزبير، وآخرون.
وكان فارس قريش في زمانه، وله مواقف مشهودة. قيل: إنه شهد اليرموك وهو مراهق، وفتح المغرب، وغزو القسطنطينية، ويوم الجمل مع خالته.
وبويع بالخلافة عند موت يزيد سنة أربع وستين، وحكم على الحجاز واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعض الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يعده بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعد دولته زمن فرقة، فإن مروان غلب على الشام ثم مصر، وقام عند مصرعه ابنه عبد الملك بن مروان، وحارب ابن الزبير، وقتل ابن الزبير -رحمه الله، فاستقل بالخلافة عبد الملك وآله، واستوسق لهم الأمر إلى أن قهرهم بنو العباس بعد ملك ستين عاما.
قيل: إن ابن الزبير أدرك من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثمانية أعوام وأربعة أشهر، وكان ملازما للولوج على رسول الله؛ لكونه من آله، فكان يتردد إلى بيت خالته عائشة.
شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وزوجته فاطمة قالا: خرجت أسماء حين هاجرت حبلى، فنفست بعبد الله بقباء، قالت أسماء: فجاء عبد الله بعد سبع سنين؛ ليبايع النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك أبوه الزبير، فتبسم النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رآه مقبلا، ثم بايعه.
حديث غريب، وإسناده قوي.
قال الواقدي: عن مصعب بن ثابت، عن يتيم عروة أبي الأسود قال: لما قدم المهاجرون أقاموا لا يولد لهم، فقالوا: سحرتنا يهود، حتى كثرت القالة في ذلك، فكان أول مولود ابن الزبير، فكبر المسلمون تكبيرة واحدة حتى ارتجت المدينة، وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر فأذن في أذنيه بالصلاة.
وقال مصعب بن عبد الله؛ عن أبيه، قال: كان عارضا ابن الزبير خفيفين، فما اتصلت لحيته حتى بلغ الستين.
وفي البخاري، عن عروة أن الزبير أركب ولده عبد الله يوم اليرموك فرسا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلا.
التبوذكي: حدثنا هنيد بن القاسم، سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير: سمعت أبي
يقول: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يحتجم، فلما فرغ قال: ’’يا عبد الله! اذهب بهذا الدم، فأهرقه حيث لا يراك أحد’’، فلما برز عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، عمد إلى الدم فشربه، فلما رجع قال: ’’ما صنعت بالدم’’؟ قال: عمدت إلى أخفى موضع علمت، فجعلته فيه، قال: ’’لعلك شربته’’؟ قال: نعم. قال: ’’ولم شربت الدم؟’’، ويل للناس منك، وويل لك من الناس’’.
قال موسى التبوذكي: فحدثت به أبا عاصم، فقال: كانوا يرون أن القوة التي به من ذلك الدم.
رواه أبو يعلى في ’’مسنده’’، وما علمت في هنيد جرحة.
خالد الحذاء، عن يوسف أبي يعقوب، عن محمد بن حاطب، والحارث قالا: طالما حرص ابن الزبير على الإمارة، قلت: وما ذلك؟ قالا: أتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلص، فأمر بقتله. فقيل: إنه سرق، فقال: اقطعوه، ثم جيء به في إمرة أبي بكر وقد سرق، وقد قطعت قوائمه، فقال أبو بكر: ما أجد لك شيئا إلا ما قضى فيك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أمر بقتلك، فأمر بقتله أغيلمة من أبناء المهاجرين؛ أنا فيهم، فقال ابن الزبير: أمروني عليكم، فأمرناه، فانطلقنا به إلى البقيع فقتلناه.
هذا خبر منكر، فالله أعلم.
قال الحارث بن عبيد: حدثنا أبو عمران الجوني، أن نوفا البكالي قال: إني لأجد في كتاب الله المنزل أن ابن الزبير فارس الخلفاء.
مهدي بن ميمون: حدثنا محمد بن أبي يعقوب، أن معاوية كان يلقى ابن الزبير فيقول: مرحبا بابن عمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وابن حواري رسول الله، ويأمر له بمائة ألف.
ابن جريج، عن ابن أبي مليكة قال: ذكر ابن الزبير عند ابن عباس، فقال: قارئ لكتاب الله، عفيف في الإسلام، أبوه الزبير، وأمه أسماء، وجده أبو بكر، وعمته خديجة، وخالته عائشة، وجدته صفية، والله إني لأحاسب له نفسي محاسبة لم أحاسب بها لأبي بكر وعمر.
مسلم الزنجي: سمعت عمرو بن دينار يقول: ما رأيت مصليا قط أحسن صلاة من عبد الله بن الزبير.
عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثتنا ماطرة المهرية، حدثتني خالتي أم جعفر بنت النعمان، أنها سلمت على أسماء بنت أبي بكر، وعندها ابن الزبير، فقالت: قوام الليل صوام النهار، وكان يسمى حمامة المسجد.
قال ابن أبي مليكة: قال لي عمر بن عبد العزيز: إن في قلبك من ابن الزبير، قلت: لو رأيته ما رأيت مناجيا ولا مصليا مثله.
وروى حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة قال: كان ابن الزبير يواصل سبعة أيام، ويصبح في اليوم السابع وهو أليثنا.
قلت: لعله ما بلغه النهي عن الوصال، ونبيك -صلى الله عليه وسلم- بالمؤمنين رءوف رحيم، وكل من واصل وبالغ في تجويع نفسه انحرف مزاجه، وضاق خلقه، فاتباع السنة أولى، ولقد كان ابن الزبير مع ملكه صنفا في العبادة.
أخبرنا إسحاق بن طارق، أخبرنا ابن خليل، أخبرنا أحمد بن محمد، أخبرنا الحداد، أخبرنا أبو نعيم، أخبرنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير مائة غلام، يكلم كل غلام منهم بلغة أخرى، فكنت إذا نظرت إليه في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين، وإذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين.
وقال مجاهد: كان ابن الزبير إذا قام إلى الصلاة كأنه عود، وحدث أن أبا بكر -رضي الله عنه- كان كذلك.
قال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.
روى يوسف بن الماجشون، عن الثقة يسنده قال: قسم ابن الزبير الدهر على ثلاث ليال، فليلة هو قائم حتى الصباح، وليلة هو راكع حتى الصباح، وليلة هو ساجد حتى الصباح.
يزيد بن إبراهيم التستري، عن عبد الله بن سعيد، عن مسلم بن يناق قال: ركع ابن الزبير يوما ركعة، فقرأنا بالبقرة وآل عمران والنساء والمائدة، وما رفع رأسه.
قلت: وهذا ما بلغ ابن الزبير فيه حديث النهي.
قال يزيد بن إبراهيم، عن عمرو بن دينار قال: كان ابن الزبير يصلي في الحجر، والمنجنيق يصب توبه، فما يلتفت -يعني لما حاصروه.
وروى هشام بن عروة، عن ابن المنكدر قال: لو رأيت ابن الزبير يصلي كأنه غصن تصفقه الريح، وحجر المنجنيق يقع ههنا.
أبو بكر بن عياش، عن أبي إسحاق قال: ما رأيت أحدا أعظم سجدة بين عينيه من ابن الزبير.
مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي، عن عمر بن قيس، عن أمه، أنها دخلت على ابن الزبير بيته، فإذا هو يصلي، فسقطت حية على ابنه هاشم، فصاحوا: الحية الحية، ثم رموها، فما قطع صلاته.
قال ميمون بن مهران: رأيت ابن الزبير يواصل من الجمعة إلى الجمعة، فإذا أفطر استعان بالسمن حتى يلين.
ليث، عن مجاهد: ما كان باب من العبادة يعجز عنه الناس إلا تكفله ابن الزبير، ولقد جاء سيل طبق البيت، فطاف سباحة.
وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة: شجاعة، ولا عبادة، ولا بلاغة.
إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن أنس، أن عثمان أمر زيدا وابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوا المصاحف، وقال: إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء، فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم.
قال أبو نعيم: حدثنا عبد الواحد بن أيمن قال: رأيت على ابن الزبير رداء عدنيا يصلي فيه، وكان صيتا إذا خطب تجاوب الجبلان، وكانت له جمة إلى العنق، ولحية صفراء.
مصعب بن عبد الله: حدثنا أبي والزبير بن خبيب قالا: قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير في عشرين ومائة ألف، فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفا -يعني: نوبة إفريقية.
قال: واختلف الناس على ابن أبي سرح، فدخل فسطاطه، فرأيت غرة من جرجير، بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت أميرنا ابن أبي سرح، فندب لي الناس، فاخترت ثلاثين فارسا، وقلت لسائرهم: البثوا على مصافكم، وحملت، وقلت لهم: احموا ظهري، فخرقت الصف إلى جرجير، وخرجت صامدا وما يحسب هو ولا أصحابه إلا أني رسول إليه، حتى دنوت منه، فعرف الشر، فثابر برذونه موليا، فأدركته فطعنته، فسقط، ثم احتززت رأسه، فنصبته على رمحي وكبرت، وحمل المسلمون، فارفض العدو، ومنح الله أكتافهم.
معمر، عن هشام بن عروة قال: أخذ ابن الزبير من وسط القتلى يوم الجمل، وبه بضع وأربعون ضربة وطعنة.
وقيل: إن عائشة أعطت يومئذ لمن بشرها بسلامته عشرة آلاف.
وعن عروة قال: لم يكن أحد أحب إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكر، وبعده ابن الزبير.
قال الواقدي: حدثنا ربيعة بن عثمان، وابن أبي سبرة، وغيرهما قالوا: جاء نعي يزيد في ربيع الآخر سنة أربع وستين، فقام ابن الزبير فدعا إلى نفسه، وبايعه الناس، فدعا ابن عباس وابن الحنفية إلى بيعته، فامتنعا، وقالا: حتى يجتمع لك الناس، فداراهما سنتين، ثم إنه أغلظ لهما، ودعاهما فأبيا.
قال مصعب بن عبد الله، وغيره: كان يقال لابن الزبير: عائذ بيت الله.
وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا عبد الله بن جعفر، عن عمته أم بكر قال: وحدثني شرحبيل بن أبي عون، عن أبيه، وحدثنا ابن أبي الزناد، وغيرهم قالوا: لما نزل ابن الزبير بالمدينة في خلافة معاوية ....، إلى أن قالوا: فخرج ابن الزبير إلى مكة، ولزم الحجر، ولبس المعافري، وجعل يحرض على بني أمية، ومشى إلى يحيى بن حكيم الجمحي والي مكة، فبايعه ليزيد، فلم يرض يزيد حتى يؤتى به في جامعة ووثاق، فقال له ولده معاوية بن يزيد: ادفع عنك الشر ما اندفع، فإن ابن الزبير لجوج لا يطيع لهذا أبدا، فكفر عن يمينك، فغضب وقال: إن في أمرك لعجبا! قال: فادع عبد الله بن جعفر فاسأله عما أقول، فدعاه فقال له: أصاب ابنك أبو ليلى، فأبى أن يقبل، وامتنع ابن الزبير أن يذل نفسه، وقال: اللهم إني عائذ بيتك. فقيل له: عائذ البيت، وبقي لا يعرض له أحد، فكتب يزيد إلى عمرو الأشدق والي المدينة، أن يجهز إلى ابن الزبير جندا، فندب لقتاله أخاه عمرو بن الزبير في ألف، فظفر ابن الزبير بأخيه بعد قتال، فعاقبه وأخر عن الصلاة بمكة الحارث بن يزيد، وقرر مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، وكان لا يقطع أمرا دون المسور بن مخرمة، ومصعب بن عبد الرحمن، وجبير بن شيبة، وعبد الله بن صفوان بن أمية، فكان يشاورهم في أمره كله، ويريهم أن الأمر شورى بينهم، لا يستبد بشيء منه دونهم، ويصلي بهم الجمعة، ويحج بهم بلا إمرة، وكانت الخوارج وأهل الفتن قد أتوه، وقالوا: عائذ بيت الله، ثم دعا إلى نفسه، وبايعوه، وفارقته الخوارج، فولى على المدينة أخاه مصعبا، وعلى البصرة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة، وعلى الكوفة عبد الله بن مطيع، وعلى مصر عبد الرحمن بن جحدم الفهري، وعلى اليمن وعلى خراسان، وأمر على الشام الضحاك بن قيس، فبايع له عامة أهل الشام، وأبت طائفة، والتفت على مروان بن الحكم، وجرت أمور طويلة، وحروب مزعجة، وجرت وقعة مرج راهط، وقتل ألوف من العرب، وقتل الضحاك، واستفحل أمر مروان، إلى أن غلب على الشام، وسار في جيش عرمرم، فأخذ مصر، واستعمل عليها ولده عبد العزيز، ثم دهمه الموت، فقام بعده ولده الخليفة عبد الملك، فلم يزل يحارب ابن الزبير حتى ظفر به، بعد أن سار إلى العراق، وقتل مصعب بن الزبير.
قال شعيب بن إسحاق: حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن يزيد كتب إلى ابن الزبير: إني قد بعثت إليك بسلسلة فضة، وقيدا من ذهب، وجامعة من فضة، وحلفت لتأتيني في ذلك، فألقى الكتاب وأنشد:
ولا ألين لغير الحق أسأله | حتى يلين لضرس الماضغ الحجر |
أسماء يا أسماء لا تبكيني | لم يبق إلا حسبي وديني |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 4- ص: 397
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي يكنى أبا بكر. وقال بعضهم فيه أبو بكير، ذكر ذلك أبو أحمد الحاكم الحافظ في كتابه في الكنى. والجمهور من أهل السير وأهل الأثر على أن كنيته أبو بكر، وله كنية أخرى، أبو خبيب. وكان أسن ولده. وخبيب هو صاحب عمر بن عبد العزيز الذي مات من ضربه، إذ كان عمر واليا على المدينة للوليد، وكان الوليد قد أمره بضربه، فمات من أدبه ذلك، فوداه عمر بعده.
قال أبو عمر: كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم جده أبي أمه أبي بكر الصديق، وسماه باسمه. هاجرت أمه أسماء بنت أبي بكر من مكة، وهي حامل بابنها عبد الله بن الزبير، فولدته في سنة اثنتين من الهجرة بعشرين شهرا من التاريخ. وقيل: إنه ولد في السنة الأولى، وهو أول مولود في الإسلام من المهاجرين بالمدينة.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا الدولابي، حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء
أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء، فولدته بقباء. ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، فدعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ثم حنكه بالخبزة، ثم دعا له، وبرك عليه، وكان أول مولود في الإسلام للمهاجرين بالمدينة. قالت: ففرحوا به فرحا شديدا، وذلك أنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا أبو ميمون البجلي، حدثنا أبو زرعة الدمشقي، حدثنا أبو نعيم، حدثنا محمد بن شريك المكي، عن ابن أبي مليكة، عن عبد الله ابن الزبير، قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته. وشهد الجمل مع أبيه وخالته، وكان شهما دكرا شرسا ذا أنفة، وكانت له لسانة وفصاحة، وكان أطلس، لا لحية له، ولا شعر في وجهه.
وقال علي بن زيد الجدعاني: كان عبد الله بن الزبير كثير الصلاة، كثير الصيام، شديد البأس، كريم الجدات والأمهات والخالات، إلا أنه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنه كان بخيلا، ضيق العطاء، سيء الخلق، حسودا، كثير الخلاف، أخرج محمد ابن الحنفية، ونفى عبد الله بن عباس إلى الطائف.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما زال الزبير يعد منا- أهل البيت- حتى نشأ عبد الله. وبويع لعبد الله بن الزبير بالخلافة سنة أربع وستين، هذا قول أبي معشر. وقال المدائني: بويع له بالخلافة سنة خمس وستين، وكان
قبل ذلك لا يدعى باسم الخلافة، وكانت بيعته بعد موت معاوية بن يزيد، واجتمع على طاعته أهل الحجاز، واليمن، والعراق، وخراسان، وحج بالناس ثماني حجج، وقتل رحمه الله في أيام عبد الملك يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى. وقيل جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين، وهو ابن ثنتين وسبعين سنة، وصلب بعد قتله بمكة، وبدأ الحجاج بحصاره من أول ليلة من ذي الحجة سنة اثنتين وسبعين، وحج بالناس الحجاج في ذلك العام، ووقف بعرفة وعليه درع ومغفر، ولم يطوفوا بالبيت في تلك الحجة، فحاصره ستة أشهر وسبعة عشر يوما إلى أن قتل في النصف من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا عبد الله بن معمر، حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج، حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي، عن عبد الله بن الأجلح، عن هشام ابن عروة، عن أبيه، قال: لما كان قبل قتل عبد الله بن الزبير بعشرة أيام دخل على أمه أسماء، وهي شاكية، فقال لها: كيف تجدينك يا أمه؟
قالت: ما أجدني إلا شاكية. فقال لها: إن في الموت لراحة. فقالت له: لعلك تمنيته لي. ما أحب أن أموت حتى يأتي على أحد طرفيك، إما إن قتلت فأحتسبك، وإما ظفرت بعدوك فتقر عيني.
قال عروة: فالتفت إلي عبد الله فضحك، فلما كان في اليوم الذي قتل فيه دخل عليها في المسجد فقالت له: يا بني، لا تقبلن منهم خطة تخاف فيها على نفسك الذل مخافة القتل، فو الله لضربة سيف في عز خير من ضربة سوط في المذلة. قال: فخرج، وقد جعل له مصراع عند الكعبة، فكان تحته، فأتاه رجل من قريش، فقال له: ألا نفتح لك باب الكعبة فتدخلها! فقال عبد الله: من كل شيء تحفظ أخاك إلا من نفسه، والله لو وجدوكم تحت أستار الكعبة لقتلوكم، وهل حرمة المسجد إلا كحرمة البيت، ثم تمثل:
ولست بمبتاع الحياة بسبة | ولا مرتق من خشية الموت سلما |
لو كان قرني واحدا لكفيته | أوردته الموت وذكيته |
لا عهد لي بغارة مثل السيل | لا ينجلي قتامها حتى الليل |
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا | ولكن على أقدامنا يقطر الدم |
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 3- ص: 905
عبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة، فكبر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لولادته. وقتل بمكة سنة خمس وسبعين، وسمع عبد الله بن عمر تكبير أهل الشام على قتله فقال: الذين كبروا على مولده خير من الذي كبروا على قتله. وبويع على الخلافة، ولا يبايع على الخلافة إلا فقيه مجتهد. وقال القاسم: ما كان أحد أعلم بالمناسك من ابن الزبير.
دار الرائد العربي - بيروت-ط 1( 1970) , ج: 1- ص: 50
عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر الأسدي القرشي كان عالما بالقرآن ومعانيه وكان كثير الصيام والصلاة وأشجع الناس وصاحب الأنفة وشديد البأس
قتل بمكة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين
مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 5
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى له كنيتان أبو بكر وأبو خبيب أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق حملت به بمكة وخرجت مهاجرة إلى المدينة وهى حامل فلما قدمت المدينة فولدته بها وأتت به النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ودعا بتمرة فمضغها وحنكه بها فكان أول شئ دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا له وبرك عليه وهو أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين بالمدينة قتله الحجاج بن يوسف في المسجد الحرام سنة ثنتين وسبعين ثم صلبه في ولاية عبد الملك بن مروان
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 55
عبد الله بن الزبير بن العوام، أبو بكر، رضي الله عنه، ويقال: أبو خبيب، وقال بعضهم: أبو بكير، القرشي، ثم الأسدي.
قال الحسن، عن ضمرة: مات سنة ثنتين وسبعين.
وقال زكريا: عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أسماء، رضي الله عنها؛ أنها حملت بعبد الله بن الزبير، قالت: فخرجت وأنا متم، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء، فولدته بقباء، ثم أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعته فى حجره، ثم دعا بتمرةٍ فمضغها، ثم تفل في فيه، فكان أول شيءٍ دخل في جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حنكه بتمرةٍ، ثم دعا له، وبرك عليه، وكان أول مولودٍ ولد في الإسلام.
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 5- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر
وأبو خبيب أمير المؤمنين روى عنه أخوه عروة وابنه عامر وخلق وكان نهاية في الشجاعة غاية في العبادة استخلف سنة 64 ومات شهيدا في حصر الحجاج له بالبيت العتيق سنة ثلاث وسبعين ع
دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي الأسدي
يكنى أبا بكر ويقال أبو خبيب ويقال أبو بكير وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق وهو أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة
حملت به أمه وهي متم فولدته بقباء وحملته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحنكه بتمرة وكان أول ما دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد بعد الهجرة بعشرين شهرا قتل بمكة وصلب بها وحمل رأسه إلى المدينة وبعث إلى خراسان ودفن بها رضوان الله عليه قتل سنة ثلاث وسبعين يوم الثلاثاء لسبع عشرة خلون من جمادى الأولى وكان يوم قتل ابن ثنتين وسبعين سنة وقال أبو نعيم سنة ثنتين وسبعين
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة وعن عائشة في الوضوء والحج والنكاح والفتن وسفيان بن أبي زهير في الحج وعمر في اللباس والزبير في صفة النبي صلى الله عليه وسلم والفضائل
روى عنه طلق بن حبيب وابنه عامر بن عبد الله وأبو الزبير في الصلاة وسعيد بن ميناء وعطاء بن أبي رباح وعروة بن الزبير وابن مليكة وخليفة بن كعب أبو ذبيان ومحمد بن زياد
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 23
عبد الله بن الزبير أبو بكر وأبو خبيب
غزا إفريقية مع ابن أبي سرح في خلافة عثمان وهو الذي ولى قتل جرجير ملكها وأحتز رأسه وجعله في رمحه وكبر فانهزم الروم في خبر طويل ذكره مصعب بن الزبير في كتاب قريش من تأليفه فوجه به ابن أبي سرح بشيراً إلى عثمان فقدم عليه فأخبره بفتح الله ونصره وخطب يومئذٍ بذلك في مسجد المدينة على المنبر قال مصعب وبشر عبد الله مقدمه من إفريقية بابنه خبيب بن عبد الله وهو أكبر ولده
وقال ابن عبد الحكم بعث عبد الله بن سعد بالفتح عقبة بن نافع ويقال بل عبد الله بن الزبير وذلك أصح فيقال إنه سار على راحلته إلى المدينة من إفريقية في عشرين ليلة قال وقد قيل إن عبد الله بن سعد كان قد وجه مروان بن الحكم إلى عثمان من إفريقية فلا أدري أفي الفتح أم بعده والله أعلم
ثم ولى ابن الزبير الخلافة بالحجاز والعراق وأكثر الشام بعد موت معاوية ابن يزيد بن معاوية وكان قد خرج من المدينة مع الحسين بن علي إثر موت معاوية بن أبي سفيان ممتنعاً من بيعة ابنه يزيد وأقام يسلم عليه بالخلافة تسع سنين ثم قتله عبد الملك بن مروان على يد الحجاج سنة ثلاث وسبعين من الهجرة
وحكى الزبير بن بكار في كتاب نسب قريش له عن هشام بن عروة قال كان أول ما أفصح به عمى عبد الله بن الزبير وهو صبي السيف وكان لا يضعه من فمه فكان الزبير بن العوام إذا سمع ذلك منه يقول أما والله ليكونن له منه يوم ويوم وأيام
ومن شعره المشهور عنه
وكم من عدو قد أراد مساءتي | بغيب ولو لاقيته لتندما |
كثير الخنا حتى إذا ما لقيته | أصر على إثم وإن كان أقسما |
لا أحسب الشر جاراً لا يفارقني | ولا أحز على ما فاتني الودجا |
وما لقيت من المكروه منزلة | إلا وثقت بأن ألقى لها فرجا |
رأيت كرام الناس إن كف عنهم | بحلم رأوا فضلا لمن قد تحلما |
ولا سيما إن كان عفوا بقدرة | فذلك أحرى أن يجل ويعظما |
ولست بذي لؤم فتعذر بالذي | أتيت من الأخلاق ما كان ألأما |
وإبي لأخشى أن أنالك بالتي | كرهت فيخزى الله من كان أظلما |
ألا سمع الله الذي أنا عبده | وأخزى إله الناس من كان أظلما |
وأحرا على الله العظيم بجرمه | وأسرعه في الموبقات تقحما |
أغرك أن قالوا حليم بقدرة | وليس بذي حلم ولكن تحلما |
وأقسم لولا بيعة لك لم أكن | لأنقضها لم تنج منى مسلما |
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه | يعود رمادا بعد إذ هو ساطع |
ففوض إلى الله الأمور إذا اعترت | فبالله لا بالأقربين تدافع |
وداو ضمير القلب بالبر وألتقى | ولا يستوى قلبان قاس وخاشع |
ولا يستوي عبدان عبد مصلم | عتل لأرحام الأقارب قاطع |
وعبد تجافى جنبه عن فراشه | يبيت يناجي ربه وهو راكع |
وللخير أهل يعرفون بهديهم | إذا جمعتهم في الخطوب المجامع |
وللشر أهل يعرفون بشكلهم | تشير إليهم بالفجور الأصابع |
دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 1- ص: 1
(ع) عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر ويقال: أبو خبيب.
ذكر أبو هلال العسكري في كتاب ’’ الأوائل ’’ أنه رأى أباه يختلف إلى أمه وهو صغير فأخذ سيفا وقال: إني لا يحسن بي أن تكون لي أم توطأ، ولئن عدت إليها لأخالطنك السيف، وذكر ابن ظفر أن عمر بن الخطاب [ق 268 أ] مر به وهو صبي يعلب مع الصبيان، ففروا ووقف عبد الله فقال: مالك لم تفزع مع أصحابك؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أجرم، فأخافك ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك.
وكان أول ما علم من أمره أنه كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبي فمر رجل فصاح عليهم ففروا، ومشى ابن الزبير القهقرى وقال: يا صبيان اجعلوني أميركم وأشد بكم عليه.
وذكر أبو عبيدة معمر أنه كان ينحل ويقول: إنما بطني شبر في شبر، وذكر أشياء الله أعلم بصحتها.
وقال بلال بن جرير يمدحه:
مد الزبير عليك أدنيني العلا | كفيه حتى نالتا العبوقا |
ولو أن عبد الله فاخر من ترى | فات البرية عزة وسموقا |
قرم إذا ما كان يوم نفوره | جمع الزبير عليك والصديقا |
لو شئت ما فاتوك إذا حاربتهم | ولكنت بالسبق المبر حقيقا |
لكن أتيت مصليا تراتهم ولقد | يرى وترى لديك طريقا |
بر تبين ما قال النبي له | من الصلاة لضاحي وجهه علم |
حمامة من حمام البيت قاطنة | لا يتبع الناس جاروا وإن ظلموا |
ابني رقاش ماجد سميدع | يأبى فيعطي عن يد ويمنع |
وصاحب صدق كسيد الضراء | ينهض من الغر نهضا نجيحا |
قريع الغزاه فما إن يزال | مضطمرا طرتاه طليحا |
وشك الفضول بعيد القفول | إلا مشاحاه أو مشيحا |
قد أبقا لك الابن من جسمه | نواشر سيد ووجها صبيحا |
ارتب لصحبته فانطلقت أزجي | بحب اللقاء السنيحا |
ألا إن هذا الدين من بعد مصعب | وبعد أخيه قد تنكر أجمع |
وأن ليس للدنيا بها وريشها لقد | كان وصفا وافر الفرع أفرع |
فالدين والدنيا بكينا وإنما على | الدين والدنيا لك الخير يتجزع |
على ابني حواري النبي تحية | من الله إن الله يعطي ويمنع |
فتى كل عام مرتين عطاؤه | وغيث لنا فيه مصيت ومربع |
تصممت الآذان من بعد مصعب | ومن بعد عبد الله فالأنف أجدع |
حكيت لنا الصديق لما وليتنا | وعثمان والفاروق فارتاح معدم |
وسويت بين الناس في الحق | فاستوى فعاد صباحا حالك اللون أسحم |
أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى | دجى الليل جواب الفلاة عثمثم |
لتجبر منه جانبا دعدعت به | صروف الليالي والزمان المصمم |
أنشد من كان بعيد الهم | يدلني اليوم على ابن أم |
له أب باذخ أشم | وأمه كالبدر ليل تم [ق 269 أ] |
مقابل الخال كريم العم | يجيرني من زمن ملم |
ليبك على الإسلام من كان باكيا | فقد أوشكوا هلكى وما قدم العهد |
وأدبرت الدنيا وأدبر [أهلها] وقد | ملها من كان يوقن بالوعد |
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 7- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب
كنيته أبو بكر ويقال أبو خبيب أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق حملت به بمكة وخرجت مهاجرة إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير فلما دخلت المدينة نزلت قباء فولدته وأتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعته في حجره فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة فمضغها وحنكه بها فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا له وبرك عليه وهو أول مولود ولد في الإسلام من المهاجرين المدينة قتله الحجاج بن يوسف يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شهر جمادى الآخرة في المسجد سنة ثنتين وسبعين وقد قيل أول سنة ثلاثة وسبعين ثم صلبه على جذع منكساً فمر عبد الله بن عمر بن الخطاب عليه وهو على خشبة فوقف وبكى وقال يرحمك الله يا أبا خبيب ما علمتك إلا صواما قواما وإن قوما أنت شرهم لخيار قد ذكرت قصة قتله في كتاب الخلفاء في ولاية عبد الملك بن مروان
دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام
وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول مولود في الإسلام وأمه أسماء بنت أبي بكر قتل بمكة قتله الحجاج وصلبه
دار الباز-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي
حدثنا أبو يحيى الناقد، نا عثمان بن عبد الوهاب، نا أبي، نا محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نوقش بعمله هلك»
حدثنا محمد بن شاذان، نا عمرو بن حكام، نا شعبة، عن أبي مسلمة قال: سمعت عبد العزيز بن راشد يقول: سمعت ابن الزبير يقول: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر»
حدثنا ابن مساور، نا سعيد بن سليمان، نا وهيبٌ، عن ابن عجلان، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: ’’ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده قال في الصلاة: هكذا ’’
مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 2- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب القرشي الأسدي، أبو بكر، وأبو خبيب المدني المكي:
أمير المؤمنين، ولد بالمدينة في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول مولود ولد بها من
قريش، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة وثلاثين حديثا، اتفقا على ستة، وانفرد مسلم بحديثين.
روى عنه بنوه: عباد وعامر وثابت، وحفيداه: يحيى بن عباد، ومصعب بن ثابت، وأخوه عروة بن الزبير، وابنه عبد الله بن عروة. ورآه هشام بن عروة وحفظ عنه. وروى عنه خلق من التابعين. روى له الجماعة.
ولما مات معاوية بن أبي سفيان، طلب للبيعة ليزيد بن معاوية، فاحتال حتى صار إلى مكة، وصار يطعن على يزيد بن معاوية، ويدعو إلى نفسه سرا، فجهز إليه عمرو بن سعيد بن العاص المعروف بالأشدق والى المدينة جيشا منها، فيه عمرو بن الزبير، لقتاله بمكة، لما بين عمرو وعبد الله من العداوة، وفي الجيش أنيس بن عمرو الأسلمى، فنزل أنيس بذى طوى، ونزل عمرو بالأبطح، وأرسل لأخيه عبد الله يقول: تعال حتى أجعل في عنقك جامعة من فضة، لتبر قسم يزيد، فإنه حلف ألا يقبل بيعتك، إلا أن يؤتى بك إليه في جامعة، فأتى عبد الله من ذلك، وأظهر له الطاعة ليزيد، وخادع عمرا، وكان يصلى وراءه مع الناس، وأنفذ قوما لقتال أنيس، فلم يشعر بهم إلا وهم معه، فالتقوا وقتل أنيس، وبعث قوما لقتال عمرو بن الزبير، فانهزم أصحابه، وأتى به لعبد الله بن الزبير، فأقاد منه جماعة ينتف لحيته وضربه وغير ذلك، لأنه كان فعل بهم ذلك في المدينة، لموادتهم أخاه عبد الله بن الزبير، وأقام عبد الله بمكة يظهر الطاعة ليزيد، ويؤلب عليه الناس بمكة والمدينة، حتى طرد أهل المدينة عامل يزيد عليها مع بنى أمية، إلا ولد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وخلعوا يزيد، فغضب لذلك يزيد، وبعث مسلم بن عقبة المرى في اثني عشر ألفا، وقال له: ادع أهلها ثلاثا، فإن أجابوك وإلا فقاتلهم، فإذا ظهرت عليهم، فأبحها ثلاثا، ثم اكفف عن الناس، وأمره بالمسير بعد ذلك لابن الزبير، وأنه إن حدث به أمر فليستخلف الحصين بن نمير السكونى، فسار بهم، فلما وصل بهم إلى المدينة، فعل فيها أفعالا قبيحة من القتل والسبى والنهب وغير ذلك، وأسرف في ذلك، فسمى مسرفا لذلك، وهذه الواقعة، هي وقعة الحرة.
وذكر المسعودي: أن المقتولين في هذه الواقعة من أبناء الأنصار والمهاجرين، يزيدون على أربعة آلاف. وكانت هذه الوقعة لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة، وأتى خبرها ابن الزبير هلال المحرم سنة أربع وستين، فلحقه من ذلك أمر عظيم، واستعد هو وأصحابه لمسلم بن عقبة، وأيقنوا أنه نازل بهم، وشخص إليه مسلم، فلما انتهى إلى المشلل - وقيل لقديد - نزل به الموت، فاستدعى الحصين بن نمير وقال: يابن برذعة الحمار، لو كان الأمر إلى ما وليتك هذا الجند، ولكن أمير المؤمنين ولاك، خذ
عنى أربعا: أسرع السير، وعجل المناجزة، ولا تمكن قريشا من أذنك، إنما هو الوفاق ثم النفاق ثم الانصراف.
وسار الحصين حتى قدم مكة لأربع بقين من المحرم سنة أربع وستين من الهجرة، وقد بايع أهل مكة وأهل الحجاز عبد الله بن الزبير واجتمعوا عليه، ولحق به المنهزمون من أهل المدينة، وقدم عليهم نجدة الحرورى في أناس من الخوارج يمنعون البيت، وكان الزبير قد سمى نفسه عائذ البيت، وخرج ابن الزبير لقتال أهل الشام فاقتتلوا، ثم غلب الحصين على مكة كلها، إلا المسجد الحرام، ففيه ابن الزبير وأصحابه، قد حصرهم فيه الحصين، ثم نصب الحصين المجانيق على أبي قبيس والأحمر - وهو قعيقعان - على ما ذكر ابن قتيبة، وذكر أنه قرر على أصحابه عشرة آلاف حجر يرمون بها الكعبة.
وقال الأزرقي فيما رويناه عنه بالسند المتقدم: حدثني محمد بن يحيى، عن الواقدي، عن رباح بن مسلم، عن أبيه قال: رأيت الحجارة تصك وجه الكعبة من أبي قبيس حتى تخرقها، فلقد رأيتها كأنها جيوب النساء، وترتج من أعلاها إلى أسفلها، ولقد رأيت الحجر يمر فيهوى الآخر على إثره فيسلك طريقه، حتى بعث الله عزوجل عليهم صاعقة بعد العصر، فأحرقت المنجنيق، واحترق تحته ثمانية عشر رجلا من أهل الشام، فجعلنا نقول: أصابهم العذاب، فكنا أياما في راحة، حتى عملوا منجنيقا أخرى، فنصبوها على أبي قبيس. انتهى
ودام الحصار والحرب بين الفريقين، حتى وصل الخبر بنعى يزيد بن معاوية، وكان وصول نعيه إلى مكة ليلة الثلاثاء هلال ربيع الآخر سنة أربع وستين، وبلغ عبد الله بن الزبير نعى يزيد قبل الحصين بن نمير، فعند ذلك أرسل ابن الزبير رجالا من قريش، إلى الحصين بن نمير، أعلموه بذلك، وعظموا عليه ما أصاب الكعبة، وقالوا له: ارجع إلى الشام، حتى تنظر ماذا يجتمع عليه رأي أصحابك. ولم يزالوا به حتى لان لهم، ثم بعث إلى ابن الزبير: موعد ما بيننا الليلة الأبطح، فالتقيا وتحادثا، وراث فرس الحصين، فجاء حمام الحرم يلتقط روثه، فكف الحصين فرسه عنهن، وقال: أخاف أن يقتل فرسى حمام الحرم، فقال ابن الزبير: تحرجون من هذا وأنتم تقتلون المسلمين في الحرم؟، فكان فيما قاله الحصين: أنت أحق بهذا الأمر، تعالى نبايعك، ثم أخرج معى إلى الشام، فإن هذا الجند الذي معى هم وجوه أهل الشام وفرسانهم، فو الله لا يختلف عليك اثنان، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك وبين أهل الحرة، فقال له: أنا لا أهدر الدماء، والله لا أرضى أقتل بكل رجل منهم عشرة، وأخذ الحصين يكلمه سرا وهو يجهر ويقول: والله لا أفعل، فقال: الحصين قبح الله من يعدك بعد هذا ذاهبا أو آتيا قد
كنت أظن لك رأيا، وأنا أكلمك سرا وتكلمنى جهرا، وأدعوك إلى الخلافة، وتعدنى القتل والهلكة. ثم فارقه ورحل هو وأصحابه نحو المدينة، وندم ابن الزبير على ما صنع، فأرسل إليه: أما المسير إلى الشام فلا أفعله، ولكن بايعوا لي هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم، فقال الحصين: إن لم تقدم بنفسك فلا يتأتي الأمر، فإن هناك ناسا من بنى أمية يطلبون هذا الأمر.
وكان رحيل الحصين عن مكة لخمس ليال خلون من ربيع الآخر، وصفا الأمر بمكة لابن الزبير، وبويع له بالخلافة فيها، وبالمدينة وبالحجاز واليمن والبصرة والكوفة وخراسان ومصر وأكثر بلاد الشام.
وكان مروان بن الحكم أراد أن يبايع له وأن يعضده، وكان قد انحاز هو وأهله إلى أرض حوران، فوافاهم عبيد الله بن زياد بن أبيه منهزما من الكوفة، فلوى عزمه عن ذلك، وقواه على طلب الخلافة، والتقوا مع الضحاك ابن قيس الفهري، وقد دعا إلى نفسه بالشام، بعد أن دعا لابن الزبير بمرج راهط شرقى الغوطة بدمشق، في آخر سنة أربع وستين من الهجرة؛ وقتل الضحاك، واستولى مروان على الشام، وسار إلى مصر فملكها ومهد قواعدها في سنة خمس وستين، ثم عاد إلى دمشق، ومات في رمضان من سنة خمس وستين، وقد عهد بالأمر لابنه عبد الملك، وصار الخليفة بالشام ومصر، وابن الزبير الخليفة بالحجاز، ثم سار عبد الملك إلى العراق لقتال مصعب بن الزبير، أخى عبد الله، فالتقى الجمعان بدير الجاثليق في سنة اثنتين وسبعين من الهجرة، فخان مصعبا بعض جيشه، لأن عبد الملك كتب إليهم يعدهم ويمنيهم، حتى أفسدهم على مصعب، فقتل وقتل معه أولاده: عيسى وعروة وإبراهيم، واستولى عبد الملك على بلاد العراق وما يليها، وجهز الحجاج بن يوسف الثقفي إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير، وبعث معه أمانا لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا، فسار الحجاج في جمادى الأولى من هذه السنة ونزل الطائف، وكان يبعث الخيل إلى عرفة، ويبعث ابن الزبير خيلا أيضا يقتتلون بعرفة، فتنهزم خيل ابن الزبير وتعود خيل الحجاج بالظفر، ثم كتب إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبير، ويخبره بضعفه وتفرق أصحابه، ويستمده.
وكتب عبد الملك إلى طارق بن عمرو، مولى عثمان، يأمر باللحاق بالحجاج، وكان عبد الملك قد أمر طارقا بالنزول بين أيلة ووادى القرى، يمنع عمال ابن الزبير من الانتشار، ويسد خللا إن ظهر له، فقدم طارق المدينة في ذي الحجة، في خمسة آلاف، وكان الحجاج قد قدم مكة في ذي القعدة، وقد أحرم بحجة، فنزل بئر ميمون، وحج بالناس تلك السنة، إلا أنه لم يطف بالكعبة، ولا سعي بين الصفا والمروة، لمنع ابن الزبير له من ذلك، ولم يحج هو ولا أصحابه.
ولما حصر الحجاج ابن الزبير بمكة، نصب المنجنيق على أبي قبيس، ورمى به الكعبة، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قد حج تلك السنة، فأرسل إلى الحجاج: أن اتق الله، واكفف هذه الحجارة عن الناس، فإنك في شهر حرام وبلد حرام، وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض، ليؤدوا الفريضة ويزدادوا خيرا، وإن المنجنيق قد منعهم من الطواف، فاكفف عن الرمى، حتى يقضوا ما وجب عليهم بمكة. فبطل الرمى حتى عاد الناس من عرفات، وطافوا وسعوا، فلما فرغوا من طواف الزيارة، نادى منادى الحجاج: انصرفوا إلى بلادكم، فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير، وأول ما رمى بالمنجنيق إلى الكعبة، رعدت السماء وبرقت، وعلا صوت الرعد على الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام، فأخذ الحجاج حجر المنجنيق بيده، فوضعها فيه، ورمى بها معهم، فلما أصبحوا جاءت الصواعق، فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا، فانكسر أهل الشام فقال الحجاج: يا أهل الشام، لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة، وهذه صواعقها، وهذا الفتح قد حضر فأبشروا.
فلما كان الغد، جاءت الصواعق، فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدة، فقال الحجاج: ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة، وهم على خلافها.
ولم يزل القتال بينهم دائما، فغلت الأسعار عند ابن الزبير، وأصاب الناس مجاعة شديدة، حتى ذبح فرسه وقسمها لحما بين أصحابه، وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم، والمد بعشرين، وإن بيوت ابن الزبير لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا، وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده، وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق، ويقول: أنفس أصحابى قوية ما لم يفن، فلما كان قبيل مقتله، تفرق عنه الناس، وخرجوا إلى الحجاج بالأمان، خرج من عنده نحو عشرة آلاف، وكان ممن فارقه: ابناه حمزة وخبيب، أخذا لأنفسهما أمانا.
ولما تفرق أصحابه عنه، خطب الناس الحجاج وقال: قد ترون قلة من مع ابن الزبير، وما هم فيه من الجهد والضيق، ففرحوا واستبشروا وتقدموا، فملؤوا ما بين الحجون إلى الأبواب، فحمل ابن الزبير على أهل الشام حملة منكرة، فقتل منهم، ثم انكشف هو وأصحابه، فقال له بعض أصحابه: لو لحقت بموضع كذا، فقال له: بئس الشيخ أنا إذا في الإسلام، لئن أوقعت قوما فقتلوا، ثم فررت عن مثل مصارعهم. ودنا أهل الشام حتى امتلأت منهم الأبواب، وكانوا يصيحون به: يابن ذات النطاقين، فيقول:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجالا من أهل كل بلد، فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة، ولأهل دمشق باب بنى شيبة، ولأهل الأردن باب الصفا، ولأهل فلسطين باب بنى جمح، ولأهل قنسرين باب بني سهم.
وكان الحجاج بناحية الأبطح إلى المروة، فمرة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية ومرة في هذه الناحية؛ فكأنه أسد في أجمة ما تقدم عليه الرجال، يعدو في إثر القوم حتى يخرجهم، ثم يصيح: أبا صفوان ويل أمه فتحا، لو كان له رجال، أو كان قرنى واحد كفيته، فيقول أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف: أي والله، وألف.
فلما رأي الحجاج أن الناس لا يقدمون على ابن الزبير، غضب وترجل وأقبل يسوق الناس وصمد بهم، صمد صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه. فتقدم ابن الزبير على صاحب علمه، وضاربهم فانكشفوا، وعرج وصلى ركعتين عند المقام فحملوا على صاحب علمه فقتلوه على باب بنى شيبة، وصار العلم بأيدى أصحاب الحجاج، ثم حمل على أهل الشام، حتى بلغ الحجون، فرمى بآخرة، رماه رجل من السكون، فأصابته في وجهه، فأرعش لها ودمى وجهه، فلما وجد الدم على وجهه قال:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا | ولكن على أقدامنا يقطر الدم |
أبعد عائذ بيت الله تخطبنى | جهلا وغب الجهل مذموم |
فإن ينج منها عائذ البيت سالما | فما نالنا منكم وإن شفنا جلل |
وعائذ بيت ربك قد أجرنا | وأبلينا فما نسى البلاء |
ولا تحسبنى يا مسافر شحمة | تعجلها من جانب القدر جائع |
إخواننا لا تبعدوا أبدا | وبلى والله قد بعدوا |
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1998) , ج: 4- ص: 1
عبد الله بن الزبير بن العوام أبو بكر القرشي
ويقال له أبو خبيب القرشي الأسدي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أول مولود ولد في الإسلام مكي روى عنه أخوه عروة بن الزبير وابناه عامر وعباد وعبيدة السلماني وعطاء بن أبي رباح والشعبي وطاوس وعمرو بن دينار ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ووهب بن كيسان وابن أبي مليكة وأبو إسحاق السبيعي وسماك بن حرب سمعت أبي يقول بعض ذلك وبعضه من قبلي.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 5- ص: 1