ابن تمام عبد الله بن أحمد بن تمام، تقي الدين الصالحي الحنبلي: شاعر متزهد من أهل الصالحية (بدمشق) استوطن القاهرة. أورد ابن شاكر نماذج حسنة من شعره، وخرج له البرزالي جزءا.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 68
عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان الشيخ الإمام الفاضل الزاهد الورع تقي الدين بن تمام التلي الصالحي الحنبلي.
سمع من يحيى بن قميرة، وخطيب مردا، والكفرطابي، وإبراهيم بن خليل، وجماعة، والمرسي، واليلداني، وقرأ النحو على ابن مالك، وعلى ولده بدر الدين.
كان رجلا صالحا، دائم البشر لا يرى كالحا، دينا خيرا، صينا يرى وجهه في الظلمات نيرا، نزها محبوبا إلى القلوب، صلفا طول عمره في الزهد على أسلوب، فقيرا لا يملك شيئا، ولا يجد له في الأرض فيئا، حسن الشعرة والمنادمه، مليح الذاكرة برئيا في المصادقة من المصادمه، ظريف البزة مع الزهد والقناعه، نظيف الملبس في الجمعة والجماعه، وله النظم الذي هو أسرى من النسيم وأسنى من العقد النظيم، يكاد يرشفه السمع راحا، ويداوي من قلوب أهل الكآبة جراحا، قد انسجم لفظه فهو صوب غمامه، ولذ تركيبه فهو صوت حمامه، تمكنت القوى في قوافيه، وطاب تلاف النفوس في تلافيه.
ولم يزل على حاله إلى أن كسف بدر ابن تمام في تمامه، وغرد الحمام بل ناح على كأس حمامه.
وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثماني عشرة وسبع مئة ليلة السبت ثلاث شهر ربيع الآخر.
ومولده سنة خمس وثلاثين وست مئة.
وسيأتي ذكر أخيه الشيخ محمد إن شاء الله تعالى في المحمدين.
أخبرني القاضي شرف الدين أبو بكر بن القاضي شمس الدين بن شيخنا أبي الثناء محمود، قال: كان جدي، يعني القاضي شهاب الدين محمودا، قد أذن لغلامه الذي نفقته معه أنه مهما طلب منه الشيخ تقي الدين من الدراهم يعطه بغير إذنه، قال: فما كان يأخذ منه إلا ما هو مضرور إليه انتهى.
قلت: وكان قد صحبه أكثر من خمسين سنة، وكان قد حج وجاور واجتمع بالتقي الحوراني وبقطب الدين ابن سبعين، وسافر وطوف البلاد، وأقام بالديار المصرية مدة، وصحب الفقراء والفضلاء، وتفرد عن ابن قميرة بالجزء الرابع من حديث الصفا، وخرج له فخر الدين بن البعلبكي مشيخة، قال: شيخنا البرزالي: قرأتها عليه، وكان زاهدا متقللا من الدنيا، لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا سراج ولا زبدية، وبيته خال من جميع ذلك، أنشدني شيخنا العلامة شهاب الدين محمود إجازة لنفسه ما كتبه من الديار المصرية إلى الشيخ تقي الدين ابن تمام:
هل عند من عندهم برئي وأسقامي | علم بأن نواههم أصل آلامي |
وأن جفني وقلبي بعد بعدهم | ذا دائم وجدهم فيهم وذا دامي |
بانوا فبان رقادي يوم بينهم | فلست أطمع من طيف بإلمام |
كتمت شأن الهوى يوم النوى فنمى | بسره من دموعي أي نمام |
كانت ليالي بيضا في دنوهم | فلا تسل بعدهم ما حال أيامي |
ضنيت وجدا بهم والناس تحسب بي | سقما فأبهم حالي عند لوامي |
وليس أصل ضنى جسمي النحيل سوى | فرط اشتياقي إلى لقيا ابن تمام |
مولى متى أخل من برء برؤيته | خلوت فردا بأشجاني وأسقامي |
نأى ورؤيته عندي أحب إلى | قلبي من الماء عند الحائم الظامي |
وصد عني فلن يسأل لجفوته | عن هائم دمعه من بعده هام |
يا ليت شعري ألم يبلغه أن له | أخا بمصر حليف الضعف من عام |
ما كان ظني هذا في مودته | ولا الحديث كذا عن ساكني الشام |
يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام | يكابد الشوق من عام إلى عام |
الله في رمق أودى السقام به | كم ذا يعلل فيكم نضو أسقام |
ما ظنكم ببعيد الدار منفرد | حليف هم وأحزان وآلام |
يا نازحين متى تدنوا النوى بكم | حالت لبعدكم حالي وأيامي |
كم أسأل الطرف عن طيف يعاوده | وما لجفني من عهد بأحلام |
استودع الله قلبا في رحالكم | عهدته منذ أزمان وأعوام |
وما قضى بكم في حبكم أربا | ولو قضى فهو من وجد بكم ظام |
من ذا يلوم أخا وجد بحبكم | فأبعد الله عذالي ولوامي |
في ذمة الله قوم ما ذكرتهم | إلا ونم بوجدي مدمعي الدامي |
قوم أذاب فؤادي فرط حبهم | وقد ألم بقلبي أي إلمام |
وما اتخذت سواهم عنهم بدلا | ولا نقضت لعهدي عقد إبرام |
ولا عرفت سوى حبي لهم أبدا | حبا يعبر عنه جفني الهامي |
يا أوحدا أعربت عنه فضائله | وسار في الكون سير الكوكب السامي |
في نعت فضلك حار الفكر من دهش | وكل ظام سقي من بحرك الطامي |
لا يرتقي نحوك الساري على فلك | فكيف من رام أن يسعى بأقدام |
منك استفاد بنو الآداب ما نظموا | وعنك ما حفظوا من رقم أقلام |
أنت الشهاب الذي سامى السماك علا | وفيض فضلك فينا فيض إلهام |
لما رأيت كتابا أنت كاتبه | وأضرم الشوق عندي أي إضرام |
أنشدت قلبي هذا منتهى أربي | أعاد عهد حياتي بعد أعوام |
يا ناظري خذا من خده قبلا | مهو الحرير بتقبيل وإكرام |
ثم اسرحا في رياض من حدائقه | وقد زهي زهرها الزاهي بأكمام |
من ذا يوفيه في رد الجواب له | عذرا إليك ولو كنت ابن بسام |
فكم جنحت ولي طرف يخالسه | وأنثني خجلا من بعد إحجام |
يا ساكنا بفؤادي وهو منزله | محل شخصك في سري وأوهامي |
حقا أراك بلا شك مشاهدة | ما حال دونك إنجادي وإتهامي |
ولذ عتبك لي يا منتهى أربي | وفي العتاب حياة بين أقوام |
حوشيت من عرض يشكى ومن ألم | لكن عبدك أضحى حلف آلام |
ولو شكا سمجت منه شكايته | إن الثمانين تستبطي يد الرامي |
وحيد دار فريد في الأنام له | جيران عهد قديم بين آكام |
طالت بهم شقة الأسفار ويحهم | أخفوا وما نطقوا من تحت أرجام |
أبلى محاسنهم مر الجديد بهم | وأبعد العهد عنهم بعد أيام |
فلا عداهم من الرحمن رحمته | فهي الرجاء الذي قدمت قدامي |
وكم رجوت إلهي وهو أرحم لي | وقل عند رجائي قبح آثامي |
فطال عمرك يا مولاي في دعة | ودام سعدك في عز وإنعام |
ولا خلت مصر يوما من سناك بها | ولا نأى نورك الضاحي عن الشام |
وقالوا: تقول الشعر قلت أجيده | وأنظمه كالدر راقت عقوده |
وأبتكر المعنى البديع بصنعة | يحلى بها عطف الكلام وجيده |
ويحلو إذا كررت بيت قصيدة | وفي كل بيت منه يزها قصيده |
ولكنني ما شمت بارق ديمة | ولا عارض فيه ندى أستفيده |
فحسبي إله لا عدمت نواله | وكل نوال يبتديه يعيده |
وقالوا صبا بعد المشيب تعللا | وفي الشيب ما ينهى عن اللهو والصبا |
نعم قه صبا لما رأى الظبي آنسا | يميل كغصن البان يعطفه الصبا |
أدار التفاتا عاطل الجسيد حاليا | وفي لحظه معنى به الصب قد صبا |
ومزق أثواب الدجا وهو طالع | وأطلع بدرا بالجمال تحجبا |
جرى حبه في كل قلب كأنما | تصور من أرواحنا وتركبا |
أكاتبكم وأعلم أن قلبي | يذوب إذا ذكرتكم حريقا |
وأجفاني تسح الدمع سيلا | به أمسيت في دمعي غريقا |
أشاهد من محاسنكم محيا | يكاد البدر يشبهه شقيقا |
وأصحب من جمالكم خيالا | فأنى سرت يرشدني الطريقا |
ومن سلك السبيل إلى حماكم | بكم بلغ المنى وقضى الحقوقا |
طرقتك من أعلى زرود ودونها | عنقا زرود ومن تهمامة نفنف |
تتعسف المرمى البعيد لقصدها | يا حبذا المرمى وما تتعسف |
معان كنت أشهدها عيانا | وإن لم تشهد المعنى العيون |
وألفاظ متى فكرت فيها | ففيها من محاسنها فنون |
تبدى فهو أحسن من رأينا | وألطف من تهيم به العقول |
وأسفر وهو في فلك المعاني | وعنه الطرف ناظره كليل |
له قد يميل إذا تثنى | كذاك الغصن من هيف يميل |
وخد ورده الجوري غض | وطرف لحظه سيف صقيل |
وخال قد طفا في ماء حسن | فراق بحسنه الخد الأسيل |
تخال الخد من ماء وجمر | وفيه الخال نشوان يجول |
وكم لام العذول عليه جهلا | وآخر ما جرى عشق العذول |
مالنا كلنا جو يا رسول | أنا أهوى وقلبك المتبول |
كلما عاد من بعثت إليها | هام فيها وخان فيما يقول |
وإذا خامر الهوى قلب صب | فعليه لكل عين دليل |
أفسدت بيننا الأمانات عينا | ها وخانت قلوبهن العقول |
راح رسولا وجاءني عاشق | وعاقه عن رسالتي عائق |
وعاد لا بالجواب بل بجوى | أخرسه والهوى به ناطق |
ألح عذولي في هواه وزاد في | ملامي، فقلت: احتل على غير مسمعي |
فلم يدر من فرط الولوع بذكره | مصيبته حتى تعشقه معي |
بي غزال لما أطعت هواه | أخذ القلب والتصبر غصبا |
ما أفاق العذول من سكرة العذ | ل عليه حتى غدا فيه صبا |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 2- ص: 641
عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان التلى الحنبلي ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وقيل سنة خمس وحج سنة 51 وبخط الكمال جعفر ولد سنة 35 وسمع من يحيى بن القميرة والكفرطابى والمرسى واليلدانى في آخرين وقرأ النحو على ابن مالك وعلى ولده بدر الدين ولازمه وصحبه وكان خيرا صالحا مليح المذاكرة حسن النظم وصحب الشهاب محمودا وأختص به حتى كان الشهاب يقول لخزنداره مهما طلب منك أعطه بغير مشورة ولم يكن له أثاث ولا قماش ولا شيء في بيته البتة وكتب إليه الشهاب محمود من مصر قصيدة أولها
هل عند من عندهم برئى وأسقامي | علم بأن نواهم أصل آلامى |
يا ساكني مصر فيكم ساكن الشام | يكايد الشوق من عام إلى عام |
معان كدت أشهدها عيانا | وأن لم تشهد المعنى العيون |
والفاظ إذا فكرت فيها | ففيها من محاسنها فنون |
تبدئ فهو أحسن من رأينا | وألطف من تهيم به العقول |
تخال الخد من ماء وخمر | وفيه الخال نشوان يجول |
وكم لام العذول عليه جهلا | وآخر ما جرى عشق العذول |
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0
عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان الأديب البارع الزاهد تقي الدين أبو محمد التلي ثم الصالحي الحنبلي مولده سنة خمس وثلاثين وست مائة.
وحج سنة إحدى وخمسين، وسمع من أبي القاسم بن قميرة والمرسي، واليلداني.
وخرجوا له مشيخة، وقرأ النحو على ابن مالك، وولده البدر، وصحبه مدة، وقد جاور واجتمع بالتقي الحوراني، وابن سبعين، وكان كيسا مطبوعا خيرا قانعا متعففا حلو المحاضرة رشيق النادرة كل من عرفه يثني عليه.
مات في ربيع الآخر سنة ثماني عشرة وسبع مائة.
-10 - 1: 193 - أخبرنا عبد الله بن تمام، وجماعة، قالوا: أنا يحيى بن أبي السعود.
وأخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن، أنا عبد الرحمن بن إبراهيم، قالا: أخبرتنا فخر النساء شهدة، أنا عبد الله بن طلحة النعالي، أنا أبو الحسين بن أبي خالد عن الأصبغ، عن عمر بن حريث، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغداة فكأني أسمع صوته {فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس}.
قال: وذهب بي أبي
إليه فدعا لي بالرزق.
هذا حديث صالح الإسناد أخرجه أبو داود، وابن ماجه من طريق إسماعيل نحوه
مكتبة الصديق، الطائف - المملكة العربية السعودية-ط 1( 1988) , ج: 1- ص: 317
عبد الله بن أحمد بن تمام الصالحي تقي الدين أبو محمد.
من نظمه:
أسكان المعاهد من فؤادي | لكم في كل جارحة سكون |
أكرر فيكم أبدا حديثي | فيحلو والحديث بكم شجون |
وأنظمه عقودا من دموعي | فتنثره المحاجر والجفون |
وأجربت المدامع من هواكم | وفيكم كل قافية تهون |
وأسأل عنكم في البعد سرا | وسر هواكم عندي مصون |
وأعتنق النسيم؛ لأن فيه | شمائل من معاطفكم تبين |
وكم لي في محبتكم غرام | وكم لي في الغرام بكم فنون؟! |
يا من عصيت عواذلي في حبه | وأطعت قلبي في هواه وناظري |
لي في هواك صبابة عذرية | علقت بأذيال النسيم الحائر |
وحديث وجدي في الهوى كررنه | فلذاك يحلو ما يمر بخاطري |
خيمت في قلبي عليك جفونه | سكنت فوق جوانحي وسرائري |
قسما بما بثنى الصبا من ذابل | يختال في القمر المنير الزاهر |
ما حل في قلبي سواك ولا حلا | إلا هواك منادمي ومسامري |
كيف السبيل إلى وصولك في الكرى | والطيف يجنح عن جفون الساهر |
يا هاجري ولك الصبابة في الهوى | ولها عليك وما لها من آخر |
بعينيك لا تبدى محاسنك التي | شغلت بها فكرى وأوعيتها قلبي |
ولا نثن من أعطافك القد ماءا | وصن سحر عينيك التي سلبت لبى |
ولا ترم عن لحظ بطرفك عامدا | فلحظك أمضى في القلوب من العصب |
تبسمت عن ثغر كأن حبابه | يفوق نظام الدر واللؤلؤ الرطب |
ففي كل معنى منك زاد به الهوى | وأحلى الهوى ما زاد في شغف الحب |
ولى فيك أنفاس تقيض مدامعي | وحسبي إذا فاضت جفوني بها حسبي |
أراك فأسلو كل شيء أريده | وألهو بمرآك الذي حسنه يسبى |
وأنت إلى نفسى ألذ من المنى | وأحلى إلى قلبي من البارد العذب |
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 3- ص: 0