ابن الخشاب عبد الله بن احمد، ابن الخشاب، ابو محمد: اعلم معاصريه بالعربية. من أهل بغداد مولدا ووفاة. كان عارفا بعلوم الدين، مطلعا على شئ من الفلسفة والحساب والهندسة، مستهترا في حياته، متبذلا في عيشه وملبسه، كثير المزاح، يلعب بالشطرنج مع العوام على قارعة الطريق، ويتعمم بالعمامة حتى تسود وتتقطع. وقف كتبه على أهل العلم قبيل وفاته. من تصانيفه (شرح مقدمة الوزير ابن هبيرة) في النحو، اربع مجلدات، و (المرتجل في شرح الجمل للزجاجي - خ) و (الرد على التبريزي في تهذيب الاصلاح) و (نقد المقامات الحريرية - ط).

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 67

ابن الخشاب الكاتب أورد له ابن شهراشوب في المناقب هذا البيت:

ولم نعرف اسمه ويحتمل أن يكون هو عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب النحوي المترجم في بغية الوعاة وغيرها ويبعده أنه غير معروف بالكتابة وإن قال السيوطي كان يكتب خطا مليحا فحسن الخط غير كونه كاتبا بل هو معروف بعلم النحو فلو أراده لقال النحوي ولم يقل الكاتب. ومر في أواخر الجزء الثامن أبو الفضل بن الخشاب الحلبي لكنه لم يوصف بالكاتب فيبعد إرادته.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 278

ابن الخشاب النحوي اسمه عبد الله بن أحمد بن أحمد.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 13- ص: 0

ابن الخشاب النحوي عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن الخشاب، أبو محمد ابن أبي الكرم النحوي. كان أعلم أهل زمانه بالنحو حتى يقال إنه كان في درجة أبي علي الفارسي. وكانت له معرفة بالحديث واللغة والفلسفة والحساب والهندسة، وما من علم من العلوم إلا وكانت له فيه يد حسنة. قرأ الأدب على أبي منصور ابن الجواليقي وغيره، والحساب والهندسة على أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري، والفرائض على أبي بكر المزرفي. وسمع الحديث من أبي القاسم علي بن الحسين الربعي، وأبي الغنائم محمد بن علي ميمون النرسي. وقرأ بنفسه الكثير على هبة الله ابن محمد بن الحصين، وأبي العز أحمد بن عبيد الله بن كادش وغيرهما. ولم يزل يقرأ حتى قرأ على أقرانه، وقرأ العالي والنازل وكتب بخطه من الأدب والحديث وسائر الفنون، وكان يكتب مليحا ويضبط صحيحا، وحصل من الأصول، وغيرها ما لا يدخل تحت حصر، ومن خطوط الفضلاء وأجزاء الحديث شيئا كثيرا، ولم يمت أحد من أهل العلم إلا واشترى كتبه. وقرأ عليه الناس الأدب، وانتفعوا به، وتخرج به جماعة، وروى كثيرا من الحديث، وسمع منه الكبار. روى عنه أبو سعد ابن السمعاني، وأبو أحمد ابن سكينة، وابن الأخضر وغيرهم، وكان بخيلا مقنطا على نفسه، مبتذلا في ملبسه ومطعمه ومعيشته، متهتكا في حركاته، قليل المبالاة بحفظ ناموس العلم والمشيخة، يلعب الشطرنج على قارعة الطريق ويقف على حلق المشعبذين والذين يرقصون الدباب والقرود من غير مبالاة. قال ابن الأخضر: كنت يوما عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكي الغراد: عندك ’’كتاب الجمال’’؟ فقال: يا أبله ما تراهم حولي!؟ وسأله بعض تلامذته فقال: القفا يمد ويقصر؟ فقال له: يمد ثم يقصر! وسأل بعض تلامذته: ما بك؟ فقال: فؤادي يؤجعني، فقال: لو لم تهمزه لم يوجعك! وقرأ عليه بعض المعلمين قول العجاج:

فجعله الصبي بالياء، فقال له: هذا عندك في المكتب! وكان يتعمم العمامة وتبقى على حالها مدة حتى تسود مما يلي رأسه منها، وتتقطع من الوسخ، وترمي العصافير عليها ذرقها! وصنف الرد على الحريري في مقاماته، وشرح اللمع لابن جني ولم يتمه، وشرح مقدمة الوزير ابن هبيرة في النحو، وعمل الرد على التبريزي الخطيب في تهذيب إصلاح المنطق، وشرح الجمل للجرجاني وترك منه أبوابا في وسط الكتاب. وتوفي سنة سبع وستين وخمسمائة، ووقف كتبه، ومن شعره في الشمعة:
وأنشد لابن الحجاج:
فقال مرتجلا:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي: أوحد زمانه، وفريد أوانه. مولده ومنشأه بغداد: مولده سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة. مات سنة سبع وستين وخمسمائة، ودفن بباب حرب، خلف قبر بشر الحافي. وذكر جماعة من أهل الحديث منهم الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النجار أنهم قرأوا عليه جزءا من أمالي أبي الحسن محمد بن محمد بن مخلد البزار، وقد سمع على أبي القاسم علي بن الحسين الربعي، وقد سمعه في سنة سبع وتسعين وأربعمائة، وقد سمي فيه بأبي محمد بن أبي الكرم الكريدي الخشاب.
أما علمه فكان غاية في الذكاء والفهم، آية في علم العربية خاصة، وفي سائر العلوم عامة. ورأيت قوما من نحاة بغداد يفضلونه على أبي علي الفارسي- زعموا أنه كان يعرف جميع ما عرفه أبو علي الفارسي، وزاد عليه في علم الأدب وغيره، لتفننه في جميع العلوم. وقد سمع حديث النبي، صلى الله عليه وسلم وأكثر، وتفقهه وعرف صحيحه من سقيمه، وبحث عن أحكامه، وتبحر في علومه. ورأيت بخطه كثيرا من كتب الحكمة. وكان حسن السيرة، سالكا طريق الأوائل في هديه وسمته، لا يتكلف في شيء من أمر ملبوسه وهيئته. وإذا سمعت كلامه ظننته عاميا لا يفقه شيئا. فمما يحكى عنه أنه كان له تلميذ يعرف بابن الزاهد، أرسله يوما إلى السوق ليشتري له نور كوش (؟) فقال له ابن الزاهد: تعرفه يا سيدي؟ فقال له: إلا بعرفه؟ أراد لفظة العامة، وترك التفاصح. وكان مع ما شاع من فضله مشتهرا بلعب الشطرنج، وكان رؤساء زمانه ووزراء وقته يودون مجالسته، ويتمنون محاضرته، فيتركهم ويمضي إلى حريف له زنجي قبيح الصورة سمج الألفاظ، يعرف بشبيل، فيجلس معه على قارعة الطريق في بعض الدكاكين، ويلاعبه ويسافهه، ويهزأ به، أو يمضي إلى الرحبة، أو إلى شاطئ دجلة فيقف على حلق أرباب الحكايات والشعبذة وما ناسبهم فكان إذا لاموه على ذلك يقول: إنه يندر منهم نوادر لا يكون أحسن منها ولا ألطف، في صحة قرائحهم وتصديهم لما هم بصدده، وتراح النفس لذلك. وكان مع ذلك لا يخلو كمه قط من الكتب وأنواع العلوم، وكان بينما هو يمشي في الطريق يخطر له قراءة شيء، فيجلس كيف اتفق، ويخرج الدفاتر، فيطلع فيها، وكان معدودا في القذري الملبس والزي. وسمعت عنه ممن لا أحصي أنه كان يعتم العمة فتبقى أشهرا معتمة حتى تتسخ أطرافها من عرقه فتسود. وكان إذا رفعها عن رأسه ثم أراد لبسها تركها على رأسه كيف اتفق، فتارة تجيء عذبتها من تلقاء وجهه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله فلا يغيرها، فإذا قيل له في ذلك، فيقول: ما استوت العمة على رأس عاقل. هذه كانت حجته. وكان يعجب بمناداة عامة بغداد على معايشهم، وتفننهم فيها، وإتيانهم بالمعاني الغريبة. وكان يقول: كم خلف هذه الطرازدانات من الخواطر المظلومة لو اشتغلت بالعلوم برزت على العلماء. وكان الوزير عون الدين بن هبيرة وزعيم الدين ابن جعفر، صاحب المخزن يعاتبانه على تبذله، ويلومانه على ما قدمنا ذكره، فلا يلتفت إلى لومهما، ولا يترك سجيته.
ومن نوادره أن بعض من كان يحضر مجلسه قال له يوما: القفا يقصر أو يمد؟
فقال: يمد ويقصر. ومنها أنه لما صنف الكمال عبد الرحمن بن الأنباري كتاب «الميزان» في النحو، وعرض على ابن الخشاب، قال: احملوا هذا الميزان إلى المحتسب، ففيه عيب.
وكان بينه وبين ابن الشجري العلوي النحوي مفاوضة، وصنف في الرد عليه كتبا. وكان يشنأ أصحابه، ويقع فيهم، وكان من أصحاب ابن الشجري محمد بن علي العتابي النحوي، فاتفق أن أهدى ملك كيس إلى بغداد هدايا في جملتها حمار عتابي، فجعل من حضر مجلسه يتفاوضون في أمره ويعجبون من حسنه، فقال يا قوم: لا تعجبوا من الحمار العتابي فهوذا عندنا عتابي حمار فلا تعجبون منه.
ومنها أنه كان يوما في داره في وقت القيلولة، والحر شديد وقد نام، إذ طرق الباب عليه طرقا مزعجا فانتبه وخرج مبادرا، وإذا رجلان من العامة، فقال: ما خطبكما؟ فقالا: نحن شاعران، وقد قال كل واحد منا قصيدة، وزعم أنها أجود من قصيدة صاحبه، وقد رضينا بحكمك. فقال: ليبدأ أحدكما. قال: فأنشد أحدهما قصيدته، وهو مصغ إليه، إلى أن فرغ منها، وهم الآخر بالإنشاد، فقال له ابن الخشاب: على رسلك، شعرك أجود، فقال: كيف خبرت شعري ولم تسمعه؟
فقال: لأنه لا يمكن أن يكون شيء أنحس من شعر هذا.
وجدت على ظهر كتاب بخط ابن الخشاب: أنشدني ابن الخازن الكاتب لابن الحجاج:

فقلت في الحال هادما ومقابلا:
فأنشدته ذلك، فقال ابن الخازن: هذا والله خير من قول ابن الحجاج. وصدق هو خير منه، هكذا قال الشيخ عن شعر نفسه.
ومن شعره ملغزا في الكتابة:
وذي أوجه لكنه غير بائح
البيتان
ومما قيل: إن الإمام أبا شجاع عمر بن أبي الحسن البسطامي قال ببخارى: لما دخلت بغداد، قرأ علي أبو محمد ابن الخشاب كتاب «غريب الحديث» لأبي محمد القتبي قراءة ما سمعت قبلها مثلها في السرعة والصحة. وحضر جماعة من الفضلاء سماعها، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان، فما قدروا على ذلك.
وسمعت جماعة كثيرة من أهل بغداد ينسبون إلى الشيخ أبي محمد ابن الخشاب هذه القصيدة في التصحيف والتحميض، وسمعت من يقول إنها منحولة إليه:
ومن شعرة قصيدة نظمها في زعيم الدين ابن جعفر صاحب المخزن، وكان قد ورد من مكة، يعتذر فيها عن تأخره عن قصده بطريق مرض عرض له في رجله:
ومن شعره في زعيم الدين المذكور، من أبيات وقد ورد كتابه من فيد:
اجتمع جماعة من الحنابلة بمسجد ابن شافع الحنبلي برأس درب المطبخ يسمعون كتاب ابن مندة في فضائل أحمد بن حنبل ومحنته في القرآن، وما جرى له مع الخلفاء من بني العباس، فذموهم ولعنوهم، وذموا أبا حنيفة والأشعري، وكان
الكتاب يقرأ على ابن الخشاب، فأنكر عليهم إنسان دمشقي فقيه وقال: هذا لا يجوز. تلعنون أئمة المسلمين، وفقهاء الدين. فقاموا إليه وسبوه، وهموا به.
ووصل الخبر إلى الخليفة، فتقدم إلى حاجب الباب بأخذهم وأخذ ابن الخشاب، وأن يركبوا بقرا ويشهروا بالبلد. فقبض على جماعة منهم، وهرب ابن الخشاب، فلحق بالحلة إلى أن شفع فيه، فعاد، فقال ابن الخشاب في غيبته:
وكتب إلى الخليفة يستعطفه، وهو المستنجد بالله:
حدث الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن محمود النجار في مجلس مفاوضة، قال: حدثني شيخنا مصدق بن شبيب الواسطي النحوي قال: قدمت من واسط إلى بغداد في طلب العلم والنحو، وكان الشيخ أبو محمد هو المشار إليه في الدنيا بهذا الشأن، فأحببت مكاثرته والأخذ عنه، ولم يكن له مجلس في وقت معلوم فأقصده إليه، وإنما كان على حسب أغراضه تارة يلعب بالشطرنج، وتارة يجلس إلى عطار في السوق، وتارة في دار الوزير والأكابر، فكنت له بالرصد، ليس همي إلا تتبعه. فقال لي يوما: يا هذا قد أبرمتني وآذيتني بكثرة اتباعك لي، وما مثلي ومثلك إلا رجل من أبناء الثروة والصلاح، وكان له ولد في غاية التخلف والإدبار، قد ألهم محبة القمار، وكان يفسد أموال أبيه، ولا يزال يجيئه عريان وقد قمر ثيابه وجميع ما عنده، ويسرق أمواله، ويفسدها في ذلك، فحضرت الشيخ الوفاة فاستدعى ولده، وقال له: يا بني، يقال أنفك منك وإن كان أجدع، والله ما كنت أحب أن يكون لي ولد مثلك، ولكن أمر الله لا يرفع، وقد علمت أنك لا تترك هذه العادة السيئة بعد موتي إذ كنت لم تتركها في حياتي، ولكن أحب أن تطيعني في شيء واحد، وتقسم لي بالله وبأيمان البيعة أنك تعمل بها: إذا أنا مت وملكت مالي فلا تقامر إلا مع من يجمع الناس على
أنه أحذق الناس بالقمار وأعرفهم به، فهذا ما لا ضرر عليك فيه، وتكون قد بررتني بقبولك قولي. فحلف له الغلام على ذلك، وتوثق منه بجهده. ثم مات الشيخ، واستولى الغلام على أمواله، وحازها، وشرع فيما يحب، وجعل يسأل عن أحذق الناس به، فدل على رجل بالكرخ، فجاءه وسأله أن يلاعبه. فقال: ما بيني وبينك من المودة ما يقتضي هذا فما سبب اختيارك ملا عبتي من دون الناس؟ فخبره بوصية أبيه واليمين التي أخذها عليه. فقال له: إذا كان الأمر على هذا فلا يجوز لك اللعب معي، فإن أستاذي بواسط وهو أحذق مني، ومنه تعلمت فسر إليه. فانحدر إلى واسط فلقي كهلا من الرجال محارفا ضيق المعيشة، فسأله الملاعبة فجرى الأمر معه كما جرى مع الأول. فقال له: لا يحل لك ملاعبتي، فإن أستاذي وأستاذ الناس كلهم بالبصرة، فامض إليه، وبر يمينك. فسار الغلام حتى دخل البصرة، وسأل عن الرجل فدل عليه فوجده يوقد في بعض أتاتين الحمامات، فسلم عليه، وسأله الملاعبة، فقال: دعني حتى أتفرغ مما أنا بصدده، فجلس ينتظره حتى إذا تم أخذه ودخل إلى منزله، فوجده على غاية الحرفة والشعث وسوء الحال، ومد يده فأخذ آلة القمار وهي في زاوية البيت قد علاها الغبار، ثم قال له: يا ولدي، أضاقت الدنيا عليك ما وجدت غيري يلاعبك؟ فأخبره بالقصة، فرمى الشيخ الفص من يده، وأفكر ساعة، ثم قال: يا ولدي أتدري ما أراد والدك بما أحلفك عليه؟ فقال: لا. قال:
إنه أراد أن يعرفك أن مثلي وهو أستاذ الدنيا في هذا الشأن يوقد في الأتون، ومنزله وحاله كما ترى. وإن عاقبة أمرك تصير إلى الوقيد في الحمام. فارتدع يا ولدي، وانظر فيما تصلح به أمر دنياك. قال فانتفع الغلام بذلك، وتاب إلى الله منه، وراجع التجارة في دكان أبيه وصلح حاله. وكذا يا مصدق أنا، وأنت تتبعني وتضجرني حتى تصير مثلي، وأنا بزعمك شيخ الدنيا، فأيش أعجبك من أحوالي واكتسابي:
أحشمي؟ أغلماني؟ أدوري أم عقاري؟ اعلم يا ولدي أن طلب النحو أكثر من إصلاح اللسان حرفة.
قال الشيخ أبو محمد: قصدت الغري في بعض الأعوام لزيارة مشهد أمير المؤمنين علي، عليه السلام، وكان خروجنا من الحلة السيفية، وكان في الصحبة علوي يعرف بابن الشوكية، وهو من سكان المشهد، وكان نعم المصاحب، فنزل بنا
ليلا على بطن من خفاجة ليستصحب معنا منهم خفيرا، فأكرموا نزلنا، وجاء منهم في الليل صبي ما أظنه بلغ سبعا، وعليه آثار مرض قد نهكه فسلم علينا، فقال له العلوي: ما بك يا فلان وسمى الصبي، فقال مجيبا له: بي أن لي كذا وكذا- وعد مدة- أجهد وأمعد. يريد بأجهد أفعل من قولك: رجل مجهود ومن جهد الحمى، وأمعد أي يصيبني وجع في المعدة. يقال: معد فهو ممعود، كما يقال كبد فهو مكبود إذا أصاب كبده مرض، وكذا فئد فهو مفؤود، وباقي الأعضاء على ذاك. وكذا يقال في من أصيب هذا العضو منه برمته. يقال في الصيد: أميدى أم مرجول أي أصيبت يده أم رجله، فتعجبت من فصاحة الصبي. وكان معنا في الرفقة شيخ من أهل المشهد، فسمعته، وقد أعيا من السير يقول لعبد له: يا مقبل فركنى، فقلت لبعض من معنا:
ما معنى قوله: فركني؟ فقال: يريد غمزني ليزول تعبي. فقلت: لا إله إلا الله، خالق ذلك الصبي وهذا الشيخ واحد، فكم بين اللسانين والسنين.
وكان الشيخ أبو محمد يؤدب أولاد المستنجد: المستضيء وأخاه الأمير أبا القاسم. وكان يشتد عليهما في التعليم. فلما أفضى الأمر إلى المستضيء رضي ابن الخشاب أن يخلص منه رأسا برأس، وذلك أنه كان يظهر منه تفضيل أخيه عليه، فلم يذكره بنفسه. قال العدل مسعود بن يحيى بن النادر: وكنت يوما بين يدي المستضيء فقال: كل من نعرفه قد ذكرنا بنفسه، ووصل إليه برنا إلا ابن الخشاب.
فما خبره؟ فاعتذرت عنه بعذر اقتضاه الحال. ثم خرجت فعرفت ابن الخشاب ذلك، فكتب إليه هذين البيتين:
قال ابن النادر: فأخذتها منه، وعرضتها على المستضيء، فأمر له بمائتي دينار، فقال لو زادنا لزدناه.
وما أنشد لنفسه:
وله:
كان أبو محمد ابن الخشاب كثير الكتب جدا، وكان له دار في باب المراتب، وكان عنده صفة عظيمة ملأى جزازا ودفاتر، وقط ما استعار من أحد كتابا فرده عليه، وكان إذا طلبه صاحبه منه يقول له: هو في هذا الجزاز، ومن يقدر على تخليصه منه؟
فيأيس صاحبه ويسكت.
وكان حاد الخاطر جدا، جاءه يوما الشيخ مكي بن أبي القاسم الحافظ، وهو في مجلسه، وبين يديه جماعة يقرأون عليه، فقال: يا سيدي، بلغني أن للأصمعي كتابا سماه «الجبال»، هل هو عندك؟ فقال له: أنت أعمى، أما ترى الجبال قدامي؟ أشار به إلى تلك الجماعة التي تقرأ عليه.
قرأت بخط النقيب قثم بن طلحة بن الأنفي، قال لي الصدر بن الزاهد: دخلت على الفخر بن المطلب يوما فقال لي: من أين جئت؟ فقلت: من العودة. فقال:
واجتزت بعقد المصطنع؟ قلت: نعم، فقال: من أي عقديها دخلت؟ فتوقفت، لأنه كان كثير الولع بالناس. فقال: من العقد الذي حزوا فيه رأس الحسين بن علي، عليه السلام، وتكره الشيعة الدخول فيه أم العقد الآخر؟ فقلت: العقد الآخر.
قال: يا سبحان الله، أنا أذكر بناء هذين العقدين في أيام المستظهر بالله، وأعرف هذا الموضع، وليس به عقد أصلا، فما أعلم من أين أحدث الناس هذا الخبر، والحسين، عليه السلام، قتل قبل بناء بغداد بأعوام كثيرة. فقلت: حكى ابن الخشاب قال، قالت أمي: ما أراك تصلي صلاة الرغائب على عادة الناس. فقلت:
يا أمي، إنما أوثر من الصلوات ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو صحابته، وهذه الصلاة لم ترو عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه. فقالت: لا أسمع ذلك منك، فاسأل لي ابن عمتي- وكان الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي ابن عمتها- فاتفق أني لقيته، فقلت له: الوالدة تسلم عليك، وتسألك عن صلاة الرغائب، هل وردت عن الرسول أو صحابته؟ فقال لي: فهلا أخبرتها بحقيقة ذلك؟ فقلت: قد أبت إلا أن
أخبرها عنك. فقال: سلم عليها، وقل لها، أنا أسن منها، فإنها أحدثت في زمني وعصري، وقد مضت برهة، ولا أرى أحدا يصليها، وإنما وردت من الشام، وتداولها الناس حتى أجروها مجرى ما ورد من الصلوات المأثورة.
كان بعض المعلمين يقرأ على الشيخ أبي محمد شيئا من الأدب فجاء فيه قول العجاج:
فقال المعلم: إنما يأتي الصبي الصبي. فقال له: هذا عندك في الكتاب، وفقك الله، وأما عندنا فلا. فاستحيا المعلم.
ومن تصانيفه: كتاب شرح اللمع إلى باب النداء في ثلاث مجلدات ضخمة رأيتها بخطه. كتاب شرح المقدمة التي ألفها الوزير ابن هبيرة. وبلغني أنه وصله بألف دينار حتى شرحها له. كتاب هادية الهادية في الرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل.
كتاب الرد على أبي زكريا التبريزي في تهذيب «إصلاح المنطق»، ردود على العنماء كثيرة، لم تتم إذا تأملها العالم عرف موضعه من العلم. كتاب ما غلط فيه أبو القاسم ابن الحريري في المقامات. كتاب المرتجل في شرح جمل عبد القاهر.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 4- ص: 1496

ابن الخشاب الشيخ الإمام العلامة المحدث، إمام النحو، أبو محمد، عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر، البغدادي ابن الخشاب، من يضرب به المثل في العربية، حتى قيل: إنه بلغ رتبة أبي علي الفارسي.
ولد سنة اثنتين وتسعين وأربع مائة.
وسمع من: أبي القاسم علي بن الحسين الربعي، وأبي النرسي، ويحيى بن عبد الوهاب بن مندة، وأبي عبد الله البارع، وأبي غالب البناء، وهبة الله بن الحصين، وعدة.
وقرأ كثيرا، وحصل الأصول.
وأخذ الأدب عن أبي علي بن المحول شيخ اللغة، وأبي السعادات بن الشجري، وعلي بن أبي زيد الفصيحي، وأبي منصور موهوب بن الجواليقي، وأبي بكر بن جوامرد النحوي.
وفاق أهل زمانه في علم اللسان، وكتب بخطه المليح المضبوط شيئا كثيرا، وبالغ في السماع حتى قرأ على أقرانه، وحصل من الكتب شيئا لا يوصف، وتخرج به في النحو خلق.
حدث عنه: السمعاني، وأبو اليمن الكندي، والحافظ عبد الغني، والشيخ الموفق، وأبو البقاء العكبري، ومحمد بن عماد، وفخر الدين بن تيمية، ومنصور بن أحمد بن المعوج.
قال السمعاني: هو شاب كامل فاضل، له معرفة تامة بالأدب واللغة والنحو والحديث، يقرأ الحديث قراءة حسنة صحيحة سريعة مفهومة، سمع الكثير، وحصل الأصول من أي وجه، كان يضن بها، سمعت بقراءته كثيرا، وكان يديم القراءة طول النهار من غير فتور، سمعت أبا شجاع البسطامي يقول: قرأ علي بن الخشاب ’’غريب الحديث’’ لأبي محمد القتبي قراءة ما سمعت قبلها مثلها في الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء، فكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسان، فما قدروا.
وقال ابن النجار: أخذ ابن الخشاب الحساب والهندسة عن أبي بكر قاضي المرستان، وأخذ الفرائض عن أبي بكر المزرفي، وكان ثقة، ولم يكن في دينه بذاك، وقرأت بخط الشيخ الموفق: كان ابن الخشاب إمام أهل عصره في علم العربية، حضرت كثيرا من مجالسه، ولم أتمكن من الإكثار عنه لكثرة الزحام عليه، وكان حسن الكلام في السنة وشرحها.
قال ابن الأخضر: كنت عنده وعنده جماعة من الحنابلة، فسأله مكي الغراد: هل عندك كتاب ’’الجبال’’؟ فقال: يا أبله! ما تراهم حولي؟.
وقيل: إنه سئل: أيمد القفا أو يقصر ؟ فقال: يمد، ثم يقصر. وكان مزاحا.
وقيل: عرض اثنان عليه شعرا لهما، فسمع للأول، ثم قال: أنت أردأ شعرا منه. قال: كيف تقول هذا ولم تسمع قول الآخر؟! قال: لأن هذا لا يكون أردأ منه.
وقال لرجل: ما بك؟ قال: فؤادي. قال: لو لم تهمزه لم يوجعك.
قال حمزة بن القبيطي: كان ابن الخشاب يتعمم بالعمامة، وتبقى مدة حتى تسود وتتقطع من الوسخ وعليها ذرق العصافير.
وقال ابن الأخضر: ما تزوج ابن الخشاب ولا تسرى، وكان قذرا يستقي بجرة مكسورة، عدناه في مرضه، فوجدناه بأسوء حال، فنقله القاضي أبو القاسم بن الفراء إلى داره، وألبسه ثوبا نظيفا، وأحضر الأشربة والماورد، فأشهدنا بوقف كتبه، فتفرقت، وباع أكثرها أولاد العطار حتى بقي عشرها، فترك برباط المأمونية.
قال ابن النجار: كان بخيلا متبذلا، يلعب بالشطرنج على الطريق، ويقف على المشعوذ، ويمزح، ألف في الرد على الحريري في ’’مقاماته’’، وشرح ’’اللمع’’، وصنف في الرد على أبي زكريا التبريزي.
وقال القفطي: عبارته أجود من قلمه، وكان ضيق العطن، ما كمل تصنيفا.
قال ابن النجار: سمعت المبارك بن المبارك النحوي يقول: كان ابن الخشاب إذا نودي على كتاب، أخذه وطالعه، وغل ورقه، ثم يقول: هو مقطوع، فيشتريه برخص.
قلت: لعله تاب، فقد قال عبد الله بن أبي الفرج الجبائي، رأيت ابن الخشاب وعليه ثياب بيض، وعلى وجهه نور، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، ودخلت الجنة، إلا أن الله أعرض عني وعن كثير من العلماء ممن لا يعمل.
مات في ثالث رمضان سنة سبع وستين وخمس مائة.
أخبرنا ابن الفراء، أخبرنا ابن قدامة، أخبرنا أبو محمد بن الخشاب... فذكر حديثا.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 15- ص: 230

عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد، أبو محمد بن الخشاب، النحوي.
سمع: أبا القاسم بن الربعي، وأبا الغنائم بن النرسي، وقرأ على ابن البنا، وأبي القاسم بن السمرقندي، وأبي بكر بن عبد الباقي، والطبقة.
وروى عنه: أبو أحمد بن سكينة، وابن الأخضر، وابن السمعاني، وجماعة.
قال ابن النجار: كان ثقة في الحديث والنقل، صدوقاً، نبيلاً، حجة، وكان
أعلم أهل زمانه بالنحو، حتى يقال: إنه كان في درجة أبي علي الفارسي، وكانت له معرفة بالحديث، واللغة، والمنطق، والفلسفة، والحساب، والهندسة، وما من علم من العلوم إلا وله فيه يد حسنةٌ إلا أنه لم يكن في دينه بذاك، وكان بخيلاً، مقنطاً على نفسه، متبذلاً في ملبسه ومطعمه وتعيشه، منهمكاً في حركاته، قليل المبالاة بحفظ ناموس العلم والمشيخة، وكان يلعب بالشطرنج على قارعة الطريق مع العوام، ويقف في الشوارع على حلق المشعبذين، وأصحاب اللهو، واللاعبين بالقرود والدباب من غير مبالاة، ولا محاباة، وكان كثير المزاح واللعب، طيب الأخلاق، وصنف الكثير. توفي سنة سبع وخمسين وخمسمائة.

  • مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن-ط 1( 2011) , ج: 5- ص: 1

عبد الله بن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر النحوي
البغدادي المعروف بابن الخشاب، كان علامة عصره وفي درجة أبي علي الفارسي
إمام في النحو واللغة والحديث والمنطق والفلسفة والحساب كتب بخطه الكثير وانتفع بعلمه الحم الغفير وروى عنه أبو سعيد بن السمعاني وكان بخيلا شحيحا معترا على نفسه يلعب الشطرنج على قارعة الطريق ويقف على المشعبذين ونحوهم وله مصنفات منها شرح اللمع إلى باب البدل في ثلاثة أسفار كبار، وشرح مقدمة الوزير ابن هبيرة ووصله بألف دينار، وكتاب ’’المرتجل’’ في شرح الجمل، وكتاب ’’الرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل للزجاجي’’، و’’الرد على الخطيب التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق’’، و’’أغلاط الحريري في المقامات’’.
سأله بعض تلاميذه عن القضاء أيمد أو يقصر؟ فقال: يمد ثم يقصر، وله مداعبات.
توفي سنة 567

  • جمعية إحياء التراث الإسلامي - الكويت-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 28

  • دار سعد الدين للطباعة والنشر والتوزيع-ط 1( 2000) , ج: 1- ص: 166