القفال عبد الله بن أحمد المروزي، ابو بكر القفال: فقيه شافعي، كان وحيد زمانه فقها وحفظا وزهدا. كثير الآثار في مذهب الامام الشافعي. له (شرح فروع محمد بن الحداد المصري) في الفقه. وكانت صناعته عمل الاقفال، قبل ان يشتغل في الفقه. وربما قيل له (القفال الصغير) للتمييز بينه وبين القفال الشاشي (محمد بن علي). توفى في سجستان.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 66

القفال الشافعي عبد الله بن أحمد بن عبد الله، الإمام أبو بكر المروزي القفال، شيخ الشافعية بخراسان. كان يعمل الأقفال وحذق في عملها حتى صنع قفلا بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة أحس من نفسه ذكاء فأقبل على الفقه فبرع فيه وفاق الأقران، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه. تفقه عليه المسعودي والسنجي وابن فوران وهؤلاء من كبار فقهاء المراوزة. تفقه هو على أبي زيد القاشاني، وسمع منه ومن غيره، وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي وأكثرها تحقيقا. وتوفي بمرو - وله تسعون سنة - في جمادى الآخرة سنة سبع عشرة و أربعمائة. ولما جمع الفقهاء من الحنفية ومن الشافعية السلطان محمود الآتي ذكره - وهو يمين الدولة بن سبكتكين - التمس منهم الكلام في ترجيح أحد المذهبين على الآخر، فوقع الاتفاق على أن يصلوا بين يديه ركعتين على مذهب الشافعي، وركعتين على مذهب أبي حنيفة لينظر في ذلك السلطان ويختار ما هو الأحسن، وصلى الإمام أبو بكر القفال المروزي بطهارة مسبغة، وشرايط معتبرة في الطهارة، والسترة واستقبال القبلة، وأتى بالأركان، والهيئات، والسنن، والآداب، والفرائض على وجه الكمال والتمام، وكانت صلاة لا يجوز الشافعي دونها. ثم إنه صلى ركعتين على ما يجوز في مذهب أبي حنيفة، فلبس جلد كلب مدبوغا، ولطخ ربعه بالنجاسة، وتوضأ بنبيذ التمر، وكان في صميم الصيف في المفازة فاجتمع عليه البعوض والذباب، وكان وضوؤه منكسا منعكسا ! ثم استقبل القبلة وأحرم من غير نية في وضوئه، ثم قرأ آية بالفارسية وهو دو بر ’’ك’’ كل سبز، ثم نقر نقرتين كنقرات الديك عن غير فصل ومن غير ركوع وتشهد، وضرط في آخره من غير نية السلام، وقال: أيها السلطان هذه صلاة أبي حنيفة ! فقال السلطان: إن لم تكن الصلاة صلاة أبي حنيفة قتلتك لأن مثل هذه الصلاة لا يجوزها ذو دين! فأنكرت الحنفية أن تكون هذه صلاة أبي حنيفة، فأمر القفال بإحضار كتب أبي حنيفة، وأمر السلطان نصرانيا كاتبا يقرأ المذهبين جميعا فوجدت الصلاة على مذهب أبي حنيفة على ما حكاه القفال! فأعرض السلطان عن مذهب أبي حنيفة، وتمسك بمذهب الشافعي رضي الله عنهما. نقلت ذلك من كلام القاضي شمس الدين أحمد بن خلكان في ترجمة السلطان محمود رحمه الله، وذكر أنه نقل ذلك من كلام إمام الحرمين في كتابه الذي سماه ’’مغيث الخلق في اختيار الأحق’’، قلت: وهذه العبارة ما تليق بإطلاق صلاة أبي حنيفة فإن من المعلوم القطعي أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله ما صلى هذه الصلاة أبدا ولا أحدا من أصحابه، والأولى أن يقال: الصلاة التي تجوز في مذهب أبي حنيفة. وأعتقد أن الصلاة إذا وقعت على هذه الصفة باطلة وفعلها حرام لأن هذا المجموع لا يتفق وقوعه. نعم إذا وقع فردا فردا في بعض صلاة جاز ذلك على قواعد المذهب. وحكى لي شرف الدين محمد بن مختار بالقاهرة أن هذه الحكاية حكاها إنسان بالقاهرة فبلغت الواقعة قاضي القضاة ابن الحريري الحنفي فأحضره وعزره، أو قال لي قاضي القضاة السروجي.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 17- ص: 0

القفال الصغير الشافعي اسمه عبد الله بن أحمد.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0

القفال الإمام العلامة الكبير، شيخ الشافعية، أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله، المروزي، الخراساني.
حذق في صنعة الأقفال حتى عمل قفلا بآلاته ومفتاحه، زنة أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة، آنس من نفسه ذكاء مفرطا، وأحب الفقه، فأقبل على قراءته حتى برع فيه، وصار يضرب به المثل، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه.
تفقه بأبي زيد الفاشاني، وسمع: منه، ومن الخليل بن أحمد السجزي، وسمع: ببخارى وهراة. تفقه عليه أبو عبد الله محمد بن عبد الملك المسعودي، وأبو علي الحسين بن شعيب السنجي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن فوران المراوزة.
قال الفقيه ناصر العمري: لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه، ولا يكون بعده مثله، وكنا نقول: إنه ملك في صورة الإنسان. حدث، وأملى، وكان رأسا في الفقه، قدوة في الزهد.
وقال أبو بكر السمعاني في ’’أماليه’’: كان وحيد زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا، وله في المذهب من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره، وطريقته المهذبة في مذهب الشافعي التي حملها عنه أصحابه أمتن طريقة، وأكثرها تحقيقا، رحل إليه الفقهاء من البلاد، وتخرج به أئمة. ابتدأ بطلب العلم وقد صار ابن ثلاثين سنة، فترك صنعته، وأقبل على العلم.
وذكر ناصر المروزي أن بعض الفقهاء المختلفين إلى القفال احتسب على بعض أتباع متولي مرو، فرفع ذلك إلى السلطان محمود، فقال: أيأخذ القفال شيئا من ديواننا؟ قال: لا. قال: فهل يتلبس بشيء من الأوقاف؟ قال: لا. قال: فإن الاحتساب لهم سائغ، دعهم.
حكى القاضي حسين عن القفال أستاذه أنه كان في كثير من الأوقات يقع عليه البكاء حالة الدرس، ثم يرفع رأسه ويقول: ما أغفلنا عما يراد بنا.
تخرج القفال كما قدمنا على أبي زيد، وقبره بمرو يزار.
مات في سنة سبع عشرة وأربع مائة في جمادى الآخرة وله من العمر تسعون سنة، وسماعاته نازلة، لأنه سمع: في الكهولة وقبلها.
ومات فيها أحمد بن محمد بن سلامة الستيتي الأديب الراوي عن خيثمة بدمشق، وأبو الحسن بن أبي الشوارب الأموي قاضي القضاة ببغداد، وعبد الله بن يحيى السكري الراوي عن الصفار، ومقرىء العصر أبو الحسن بن الحمامي، وحافظ نيسابور أبو حازم العبدويي، والمسند أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان العكبري شيخ ابن البطر، وأبو نصر بن هارون الجندي بدمشق. ولأكثرهم هنا تراجم، وإنما أحببت الجمع لينضبط موتهم.
مشرف الدولة، الطرازي:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 13- ص: 129

عبد الله بن أحمد بن عبد الله الإمام الزاهد الجليل البحر أحد أئمة الدنيا يعرف بالقفال الصغير المروزي
شيخ الخراسانيين وليس هو القفال الكبير هذا أكثر ذكرا في الكتب أي كتب الفقه ولا يذكر غالبا إلا مطلقا وذاك إذا أطلق قيد بالشاشي وربما أطلق في طريقة العراقيين لقلة ذكرهم لهذا والشاشي أكثر ذكرا فيما عدا الفقه من الأصول والتفسير وغيرهما
كان القفال المروزي هذا من أعظم محاسن خراسان إماما كبيرا وبحرا عميقا غواصا على المعاني الدقيقة نقي القريحة ثاقب الفهم عظيم المحل كبير الشأن دقيق النظر عديم النظير فارسا لا يشق غباره ولا تلحق آثاره بطلا لا يصطلي له بنار أسدا ما بين يديه لواقف إلا الفرار
تفقه على الشيخ أبي زيد المروزي وسمع منه ومن الخليل بن أحمد القاضي وجماعة وحدث وأملى
ذكره الإمام أبو بكر محمد بن الإمام أبي المظفر السمعاني في أماليه فقال كان وحيد زمانه فقها وحفظا وورعا وزهدا وله في فقه الشافعي وغيره من الآثار ما ليس لغيره من أهل عصره
قال وطريقته المهدية في مذهب الشافعي التي حملها عنه فقهاء
أصحابه من أهل البلاد أمتن طريقة وأوضحها تهذيبا وأكثرها تحقيقا رحل إليه من البلاد للتفقه عليه فظهرت بركته على مختلفيه حتى تخرج به جماعة كثيرة صاروا أئمة في البلاد نشروا علمه ودرسوا قوله
هذا كلامه
والقفال رضي الله عنه أزيد مما وصف وأبلغ مما ذكر وقد صار معتمد المذهب على طريقة العراق وحامل لوائها أبو حامد الإسفرايني وطريقة خراسان والقائم بأعبائها القفال المروزي هما رحمهما الله شيخا الطريقتين إليهما المرجع وعليهما المعول
وكان القفال رحمه الله قد ابتدأ التعلم على كبر السن بعدما أفنى شبيبته في صناعة الأقفال وكان ماهرا فيها
روي عن الشيخ أبي محمد الجويني أنه قال كان القفال صنع قفلا مع جميع آلاته من وزن أربع حبات من حديد قال الشيخ أبو محمد أخرج القفال يده فإذا على ظهر كفه آثار المجل فقال هذا من آثار عملي في ابتداء شبابي
قال السمعاني أبو بكر وسمعت جماعة من مشيختنا يذكرون أنه ابتدأ التعلم وهو ابن ثلاثين سنة فبارك الله تعالى له حتى أربي على أهل عصره وصار أفقه أهل زمانه
قال الشيخ أبو محمد وسمعت القفال يقول ابتدأت التعلم وأنا لا أفرق بين اختصرت واختصرت
قال ابن الصلاح أظن أنه أراد بهذا الكلمة الأولى من مختصر المزني وهو قوله اختصرت هذا من علم الشافعي وأراد أنه لم يكن يدرى من اللسان العربي ما يفرق به بين ضم تاء الضمير وفتحها
وقال ناصر العمري لم يكن في زمان أبي بكر القفال أفقه منه ولا يكون بعده مثله وكنا نقول إنه ملك في صورة إنسان
وكان القفال رحمه الله مصابا بإحدى عينيه
قال أبو بكر السمعاني سمعت الإمام والدي يقول سئل القفال رحمه الله في مجلس وعظه هل يقضي الله على عبده بسوء القضاء فقال نعم فقد أدركني سوء القضاء وعور إحدى عيني
وقال القاضي الحسين كنت عند القفال فأتاه رجل قروي وشكا إليه أن حماره أخذه بعض أصحاب السلطان فقال له القفال اذهب فاغتسل وادخل المسجد وصل ركعتين واسأل الله تعالى أن يرد عليك حمارك
فأعاد عليه القروي كلامه فأعاد القفال فذهب القروي ففعل ما أمره به وكان القفال قد بعث من يرد حماره فلما فرغ من صلاته رد الحمار فلما رآه على باب المسجد خرج وقال الحمد لله الذي رد علي حماري فلما انصرف سئل القفال عن ذلك فقال أردت أن أحفظ عليه دينه كي يحمد الله تعالى
وقال ناصر العمري احتسب بعض الفقهاء المختلفين إلى القفال على بعض أتباع الأمير بمرو فرفع الأمير الأمر إلى السلطان محمود وذكر أن الفقهاء أساءوا الأدب في مواجهة الديوان بما فعلوا فكتب محمود هل يأخذ القفال شيئا من ديواننا فقيل لا فقال فهل يتلبس من أمور الأوقاف بشيء فقيل لا قال فإن الاحتساب لهم سائغ فدعهم
وقال القاضي الحسين كان القفال في كثير من الأوقات في الدرس يقع عليه البكاء ثم يرفع رأسه ويقول ما أغفلنا عما يراد بنا رضي الله عنه
تفقه القفال على جماعة وكان تخرجه على يد الشيخ أبي زيد وسمع الحديث بمرو وببخارى وبيكند وهراة وحدث في آخر عمره وأملى
ومات سنة سبع عشرة وأربعمائة وهو ابن تسعين سنة ودفن بسجستان وقبره بها معروف يزار رحمة الله ورضوانه عليه
آمين
ومن الرواية عن الشيخ القفال
أخبرنا الحافظ أبو العباس ابن المظفر سماعا عليه أنبأنا أحمد بن هبة الله بن عساكر أخبرنا أبو روح إجازة أخبرنا أبو زاهر بن طاهر أخبرنا القاضي أبو سعد عبد الكريم بن أحمد الوزان إملاء قدم علينا من الري سنة ثمان وخمسين وأربعمائة أخبرنا الإمام أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال المروزي بها أخبرنا أبو نعيم عبد الرحمن بن محمد الغفاري أخبرنا أبو محمد عبدان بن محمد بن عيسى حدثنا أبو الوليد هشام بن عمار الدمشقي حدثنا صدقة بن خالد عن هشام بن الغار أخبرني حبان أبو النصر قال سمعت واثلة بن الأسقع يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن الله تبارك وتعالى قال (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء
كتب إلي شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي أن أبا الفرج عبد الرحمن ابن أبي عمر وأبا الحسن بن البخاري أنبآه عن فضل الله النوقاني عن الحسين ابن مسعود البغوي
ح وأنبأني المشار إليه في غير واحد من مشيختنا أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد وإبراهيم بن أبي الحسن بن عمرو الفراء وغيرهما سماعا بقراءة المزي قالوا أخبرنا أبو المجد محمد بن الحسين بن أحمد القزويني سماعا عليه أخبرنا أبو منصور محمد بن أسعد
ابن محمد حفدة العطاري أخبرنا محيى السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي حدثنا محمد بن أبي رافع الأنماطي حدثنا أبو بكر عبد الله بن أحمد القفال أخبرنا أبو نعيم هو محمد بن عبد الرحمن أخبرنا أبو محمد عبدان بن محمد حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد هو ابن مسلم قال سمعت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر يقول حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول سمعت النواس بن سمعان الكلابي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع رب العالمين إذا شاء أن يقيمه أقامه وإذا شاء أن يزيغه أزاغه) قال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك والميزان بيد الرحمن يرفع قوما ويضع آخرين إلى يوم القيامة
وهذه نخب وفوائد ومسائل عن الشيخ القفال
قال الإمام في النهاية في كتاب اللعان قبل باب أين يكون اللعان لما ذكر أن قذف الصبي وإن لم يوجب عليه حدا ولا تعزيرا للمقذوف يتعلق بطلبته ولكن يعزره القائم عليه لإساءة أدبه كما يفعل ذلك في سائر جهات التأديب إن القفال قال إذا هم بتأديب المراهق فبلغ انكف عنه وإن كان واليا لأن البلوغ أكمل الروادع والعقل الذي قضى الشرع بكماله أبين رادع
قال يعني القفال ولهذا نأمر الطفل بقضاء ما فاته من الصلوات ما دام طفلا فإذا بلغ كففنا الطلب عنه
انتهى
والمسألتان غريبتان المستشهد عليها والمستشهد بها
ذكر الشيخ أبو محمد أنه لا خلاف بين أصحابنا أنه إذا وقف الإمام على الأرض في الدار والمأموم على سطح الدار أن صلاته أي المأموم باطلة ولا تصح الصلاة على السطح بصلاة الإمام على الأرض إلا في المسجد
قال حتى كان الشيخ القفال يستزل الناس عن جدار المصلى يوم العيد لأن مصلى أهل مرو بقعة مغصوبة وكل مسجد بني في بقعة مغصوبة فليس بمسجد
انتهى
قلت ولعل مصلى أهل مرو اتخذ مسجدا وإلا فمجرد كونه مصلى ولو لم يكن مغصوبا لا يعطى حكم المسجد كما قاله الغزالي في الفتاوي وهو واضح
وقد تنبهت من هذه الحكاية عن القفال لفائدة كانت تدور في خلدي فإنني لما سمعت هذه الحكاية انتقل ذهني إلى أن القفال منع الناس عن الصلاة في المصلى لأن الصلاة في المغصوب حرام فكما منعهم عما لا يصح كذلك ينبغي أن يمنعهم عما يحرم ثم فكرت في أن هذه البقعة جاز أن يكون مستحقها قد مات وماتت ورثته وانتقلت إلى بيت المال كما هو الغالب على كثير من المغصوبات التي يتمادى عليها الزمان وأقول في مثل ذلك إذا انتقلت إلى بيت المال خرجت عن حكم الغصب ولم تصر مسجدا لأنها لم تبن وقت الاستحقاق مسجدا فلما وقفت مسجدا كان الوقف باطلا لأن حكم الغصب قد كان باقيا وهذا شيء كان يدور في خلدي ثم تأيد بهذه الحكاية
وكان سبب دورانه في خلدي أنه حكي لي عن الوالد رحمه الله أنه كان في أول أمرة لا يدخل إلى المدرسة المنصورية لأنه قيل إن الملك المنصور قلاوون غصب ساحتها ثم لما
ولي الوالد تدريسها سنة إحدى وعشرين وسبعمائة صار يدخل للدرس ففكرت مع علمي من حاله بأن الدنيا لم تكن تحمله على الوقيعة في شبهة عن جواب عما لعله يقال كيف دخلها عند ولاية التدريس وترك التورع الذي كان يفعله فوقع لي أنه لعل المغصوب منه أو ورثته كانوا موجودين في أوائل أمر الشيخ الإمام الوالد رحمه الله أو كان وجودهم محتملا ثم تحقق فقدهم وانتقال الساحة إلى بيت المال فصار يدخلها لكونها أرض بيت المال واشترك المسلمون فيها وهذا يعتضد بما ذكرت عن القفال ويحتمل أيضا أن الدخول حيث لم يكن مدرسا دخول في الشبهة لا لغرض ديني وبعد التدريس دخول لغرض لعله أهم في نظر الشارع من الورع فهذان جوابان
قال القاضي الحسين في تعليقته من باب صلاة التطوع كان القفال يقول وددت أن أجد قول من سلف القنوت في الوتر في جميع السنة لكني تفحصت عنه فما وجدت أحدا قال به
قال القفال وقد اشتريت كتاب ابن المنذر في اختلاف العلماء لهذه المسألة خاصة ففحصت عنها فلم أجد أحدا قال به إلا مالكا فإنه قال بالقنوت في الوتر في جميع شهر رمضان دون غيره من الشهور
قلت كأنه يعني بالسلف الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمان مالك والشافعي وإلا فقد قال بالوتر في جميع السنة من أصحابنا أربعة منهم اثنان أستبعد خفاء قولهما على القفال وهما أبو الوليد النيسابوري وأبو عبد الله الزبيري وأبو منصور بن مهران وأبو الفضل بن عبدان واختاره النووي في تحقيق المذهب ولكن توقف الوالد
رحمه الله في موافقته على اختياره قال إذ ليس في الحديث تصريح به
ولما رأيت فحص القفال عن أقاويل السلف في هذه المسألة فكشفت أوعب الكتب لأقاويلهم وهو مصنف ابن أبي شيبة فوجدته قال حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن إبراهيم عن عبد الله أنه كان يقول القنوت في السنة كلها
قال وكان ابن سيرين لا يراه إلا في النصف من رمضان ثم روى عن الحسن أن الإمام يقنت في النصف والمنفرد يقنت الشهر كله
ثم روى بسنده إلى إبراهيم قال كان عبد الله لا يقنت السنة كلها في الفجر ويقنت في الوتر كل ليلة قبل الركوع
قال أبو بكر هذا القول عندنا
قلت فهذا أبو بكر بن أبي شيبة قد نقل عن إبراهيم عن عبد الله وهو ابن مسعود أنه يقنت في الوتر في السنة كلها وقال به إبراهيم نفسه وهو النخعي وارتضاه أبو بكر وهو ابن أبي شيبة فهؤلاء ثلاثة من السلف وقد ذكر ابن أبي شيبة ذلك في فصل من قال القنوت في النصف من رمضان في فصول الوتر وقنوته
ذكر القفال في فتاويه فيمن اشترى أمة فوطئها قبل أن يستبرئها أنه لا يحسب لها الاستبراء ما دامت تحته يفترشها بل لا بد من أن يتجانب عنها حتى تمر بها حيضة قال وكذلك لو كان لا يطؤها إلا أنه يلمسها ويعاشرها والمجزوم به في الرافعي وأكثر الكتب أنه لا يمنع الاستبراء إلا الوطء لا الملامسة والمعاشرة لأن الملك لم يمنع الاحتساب فكذا المعاشرة بخلاف العدة
وذكر في الفتاوي أيضا أنا إذا رأينا في يد رجل ضيعة يدعي أنها وقف عليه لا تصير وقفا وله بيعها بعد ذلك
قال كما لو كان بيده مال
فقال هذا وديعة عندي
ثم باعه فله ذلك
قال بخلاف ما لو قال وقفها علي فلان فإنه لا يجوز بيعها
قلت أما عدم تجويز بيع من قال وقفها علي فلان فظاهر وأما تجويز بيع من قال هذه العين وديعة عندي فمتجه أيضا لأن القول في العقود قول أربابها ولعل المودع أذن له أن يبيع فلسنا ننقب عن ذلك
وأما تمكين من قال هذه وقف علي من البيع فموضع نظر يحتمل أن يقال بما قاله القفال ويحتمل أن يخالف ويحمل كلامه على أن له بيعها فيما بينه وبين الله تعالى إذا كان كاذبا لا أنا نملكه أو على أنا نعلم أنه يعني بكونها وقفا عليه أنه هو واقفها على نفسه وبمقتضى هذا له البيع لأن الوقف باطل ويدل لهذا أن القفال قال في توجيه قوله لا تصير وقفا إن الإنسان لا يقدر أن يقف على نفسه فكأن اليد لما كانت تدل على الملك فدعوى الوقفية بعد ذلك لا يكون معناها أن غيره وقفها عليه لئلا يعارض دلالة اليد فلم يبق إلا أن يكون هو الذي وقفها وذلك باطل
وإن لم يحمل كلام القفال على ما ذكرناه فهو مشكل وبالجملة فهو تأييد لابن الصلاح
قال القفال في فتاويه فيمن قال إذا مت فاشتروا من ثلثي حانوتا يبلغ غلته كل شهر خمسين درهما واجعلوه وقفا على أن عشرة لطالبي العلم وعشرة للفقراء وعشرة لليتامى وعشرين لأبناء السبيل قال القفال يصح ويعتبر يوم الشراء فيشترى حانوتا ويوقف خمسه على طالبي العلم وخمسه على الفقراء وخمسه على اليتامى وخمسيه على أبناء السبيل ويقفه الوصي هكذا أخماسا فإن زادت غلة الحانوت من بعد
فإنه يقسم بينهم وتصرف الزيادة مصرف الأصل وإن نقص خمسه نقص على هذا القياس انتهى
قلت وهذا صريح في أن من وقف مدرسة ونحوها وقدر لأرباب الوظائف مقادير بحسب ريع الوقف يوم وقفه فزاد بعد ذلك أن الزيادة تبسط عليهم على النسبة فلو كان ارتياع الوقف مائة وخمسين فقدر للمدرس خمسين ولعشرة فقهاء كل فقيه عشرة كان للمدرس الثلث وللفقهاء الثلثان بالغا ما بلغ وناقصا ما نقص على النسبة المذكورة
وهذا في جانب النقصان صحيح ظاهر وأما في جانب الزيادة فلا يظهر بل الذى يظهر أن الزيادة لا ترد عليهم وإلا لضاع تقييد الواقف المقدار بالخمسين وبالعشرة بل له أن يرصد الفائض أو ينزل عليه فقهاء أو يصرف مصرف المنقطع ولعل الأصلح الزيادة في عدد الفقهاء والأقيس إرصاده
وقد رأينا في حكام هذا العصر الأخير من حكم بنحو ما أفتى به القفال وما أظنه بلغته فتيا القفال وفيها تأييد له ولسنا عليها بموافقين ولا لفظ القفال أيضا بالصريح فيها كل الصراحة فليتأمل فيه
والله تعالى أعلم

  • دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 5- ص: 53

عبد اللَّه بن أحمد بن عبد اللَّه الإمام أبو بكر القفال المروزي.
لا الشاشى ذاك الأقدم. وهذا أشهر شيوخ الشافعية بخراسان، كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره وبرع في صناعتها حتى صنع قفلا بآلاته ومفتاح وزن أربع حبات حديد قاله الجويني. فلما كان ابن ثلاثين سنة اشتغل بالفقه على أبي زيد الفشانى وغيره وبرع، فأخذ عنه المسعودي والسنجى والفورانى، والقاضي حسين والجويني، ومن مؤلفاته ’’شرح التلخيص’’ و’’الفروع’’، وكان كثيراً ما يملى في درسه ويقول: ما أغفلنا عما يراد بنا. وعلى يديه كان رجوع الملك محمود إلى مذهب الشافعي فإنه كان أولاً حنفياً ثم اجتمع بأبى بكر القفال وجماعة من فقهاء مرو وتناظروا في أي المذهبين أرجح فوقع الاتفاق على أن يصلوا صلاتين على المذهبين، فصلى القفال بطهارة وستارة على مالا يجوز الشافعي غيره، ثم على على ما يجوز أبو حنيفة فلبس جلد كلب مدبوغ قد لطخ ربعه بالنجاسة وتوضأ بنبيذ التمر وكان في الحر فاجتمع البعوض والذباب، وتوضأ منكساً ثم أحرم وكبر، وقرأ بالفارسية ثم نقر فقرتين كنقرة الغراب من غير فصل ولا ركوع، وتشهد ثم ضرط في آخرها من غير نية السلام، فقال محمود: إن لم يكن هذا يجوزه أبو حنيفة قتلتك فأحضر كتب أبي حنيفة فوجدوا ذلك شائعاً فيها فرجع الملك إلى مذهب الشافعية. أورد هذه الحكاية إمام الحرمين. مات القفال سنة سبع عشرة وأربعمائة عن تسعين سنة، وكان مصاباً بإحدى عينيه كما حكاه أبو بكر السمعاني.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1

القفال المروزي عبد اللَّه بن أحمد.
تقدم في الثامنة.

  • دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1