ابن السديد عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري، كريم الدين، ابو الفضائل: مدير دولة الناصر القلاووني. قبطي الاصل، كان اسمه (اكرم) واسلم كهلا فتسمى (عبد الكريم) وقرره الناصر في نظر شؤونه الخاصة، وهو اول من سمي (ناظر الخاص) واطلقت يده في جميع اعمال الدولة، فتجاوز حده، وانتهى امره بالنفي إلى (اسوان) وشنق فيها بعمامته، وقد قارب السبعين.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 57
عبد الكريم بن هبة الله ابن السديد المصري القاضي الجليل الكبير النبيل المدبر المشير الأثير الأثيل، كريم الدين أبو الفضائل، وكيل السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وناظر خاصته ومدبر دولته.
أحيا الكروم والجود، وسهر في طيب الثناء عليه والمدابير هجود، صدق أخبار البرامكة بل أخملهم، وزاد في اقتراح المكارم فحملهم الخجل بل جملهم، ابتدع في الإحسان طرقا خفيت على الأوائل، وابتده جودا لا يحسن الثناء عليه سحبان وائل، فكان كما قال أبو الطيب:
تمشي الكرام على آثار غيرهم | وأنت تخلق ما تأتي وتبتدع |
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم | بعد الممات جمال الكتب والسير |
إذا ما بار فضلك عند قوم | قصدتهم ولم تظفر بطائل |
فخلهم خلالك الذم واقصد | كريم الدين فهو أبو الفضائل |
أيها السيد الذي لو تجارى | جوده والحيا لقصر وبله |
والكريم الذي تفرد في الجو | د فلم يلف في المكارم مثله |
والذي كل ما تفرق بين النـ | ـاس من فرغ نائل فهو أصله |
والذي كل ما يقال من الأو | صاف والمدح والثنا فهو أهله |
عم معروفة وتمت أياديـ | ـه، وزادت علياه وامتد فضله |
وسما نيله على النيل إذ في | كل يوم إن تأته فاض فضله |
وهمى جوده فلو لم يسل سأ | ل ومن لم يقصده وافاه بذله |
لي رسم على نداك من السكـ | ـر هذا أوانه ومحله |
وخصوصا والعبد من إثر ضعف | آده ثقله وأعياه حمله |
لي مني تصحيفه في نظام | يتقاضاه عقده أو حله |
مثل مولاي من يرى الشكر أولى | فهو آل الندى ويصبيه فعله |
فابق واسلم يعزى إليك الندى والـ | ـجود والفضل والتطول كله |
ما تغنت ورقاء في الورق النضـ | ـر وحلى معاطف الدوح ظله |
كريم الدين عشت بكل خير | ومت ممات كل فتى كريم |
شهيدا قد درجت بغير ذنب | ولا إثم يؤثم للأثيم |
بلغت جميع ما تختار حتى | بلوغك رحمة الله الرحيم |
إلى جنات عدن صرت يا من | له تشتاق جنات النعم |
وجدت بما حوت كفاك فينا | لأرملة وشيخ أو يتيم |
وللأمراء والفقراء حتى | لأثرى كل محتاج عديم |
ففي دنياك فزت بكل حظ | وفي أخراك بالأجر العظيم |
وقد خلفت ما يبقى إلى أن | تقوم قيامة العظم الرميم |
من الذكر الجميل لكل صنع | حديث منك أو بر قديم |
مناقب خصها الرحمن منه | بما قدم عم من فضل عميم |
وبالمدح المضمن كل حمد | وشكر ظاعن لثنا مقيم |
وما أبقيت في قلبي جواه الـ | ـمجدد للهموم وللغموم |
لقد جرعت حين جرعت كأس الـ | ـحمام فتاك كاسات الحميم |
ففي الجنات أنت بغير شك | ومن خلفت في نار الجحيم |
ويحسب من تصبره سليما | وكيف وليله ليل السليم |
يقضي ليله بتعلات | ويخلو في دجاه بالهموم |
فلا تبعد فإن الموت آت | على المخدوم منا والخديم |
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 3- ص: 142
عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري القاضي كريم الدين الكبير عبد الكريم بن هبة الله بن السديد المصري القاضي كريم الدين الكبير أبو الفضائل وكيل السلطان ومدبر الدولة الناصرية أسلم كهلا ايام بيبرس الجاشنكير وكان كاتبه فلما هرب بيبرس ودخل الناصر القاهرة تطلبه إلى ان ظفر به وصادره على مائة ألف دينار فالتزم بها ولم يزل طغاى وفخر الدين ناظر الجيش يتلطفان امره عنده إلى أن سامحه بجملة بقيت منها وقرره في نظر الخاص فهو أول من باشرها وتقدم بعد ذلك عند الناصر وأحبه حتى صارت الخزائن كلها في تسليمه وإذا طلب السلطان شيئا نزل إليه قاصد من عنده يستدعي منه ما يريد فيجهزه إليه من بيته وعظم جدا حتى أن فخر الدين كان في مبدأ الامر إذا ركب وحده ينتظره فيركب في خدمة فخر الدين فصار فخر الدين يبكر إلى بابه فينتظره حتى يركب في خدمته إلى القلعة وكان هو في كل يوم ثلاثاء يجئ إلى دار فخر الدين فيتغدى عنده وصار يركب في عدة مماليك نحو السبعين كلهم بكبابيش عمل الدار وطرز ذهب والامراء تركب في خدمته وبلغ من عظم قدره أنه مرض مرة فلما عوفي دخل مصر إلى دار العقد فزينت له البلد وكان عدد الشمع ألفا وستمائة شمعة وركب حراقة فلاقاه التجار الكارمية ونثروا عليه الذهب والفضة فتناهبها النواتية وعمر بالزريبة جامعا وفى طرق الرمل عدة آبار وأصلح الطرقات ولما دخل دمشق سنة 18 عمر جامع القبيبات وجامع القابون وبلغ من ارتفاع المنزلة أنه باشر الخلع على الامراء الكبار بأمر السلطان والسلطان داخل الخيمة وكان الناصر إذا أراد أن يحدث شرا على أحد فحضر كريم الدين تركه وقال هذا ما تركنا نعمل مانريد ومن مكارمه ما استفاض ان امرأة رفعت إليه قصة تطلب منه ازارا فوقع لها بصرف ثمانمائة فاستكثر الصيرفى ذلك فراجعه فقال اردت ان اكتب لها ثمانين ولكن هذا من الله وزادها ثمانين وبلغه ان علاء الدين ابن عبد الظاهر قال هذه المكارم ما يفعلها كريم الدين إلا لمن يخافه فأسرها في نفسه وراح إليه يوما على غفلة فأضافه بما حضر ثم ارسل احضر إليه أنواعا من المآكل والملابس ودفع إليه كيسا فيه خمسة آلاف درهم وتوقيعا بزيادة في رواتبه من الدراهم والغلة والملبوس وغير ذلك وخرج من عنده فلما خرج علاء الدين يودعه قال له يا مولانا والله لا أفعل هذا تكلفا وأنا والله لا أرجوك ولا أخافك وكان قد ولي نظر المرستان فكثرت أوقافه وكان كل ما دخل إليه تصدق بعشرة آلاف حتى مات مرة من الزحمة على تلك الصدقة ثلاثة انفس ومن رياسته أنه كان إذا قال نعم استمرت وإذا قال لا استمرت وكان يوفى ديوان من في الحبوس من أول شهر رجب ويطلق من فيها دائما وكان مع جوده عاقلا وقورا جزل الرأي بعيد الغور يحب العلماء والفضلاء ويحسن إليهم كثيرا وهو الذي استحضر ست الوزراء والحجار إلى القاهرة فسمع عليهما صحيح البخارى ووصلهما بجملة من المال قال الذهبي كان لا يتكلف في ملبس ولا زي وكان عاقلا وقورا جزل الرأي داهية بعيد الغور وكان نظير رشيد الدولة ببلاد الشرق ولما انحرف عنه السلطان أمر أرغون النائب بأمساكه واوقع الحوطة على دوره وموجوده وذلك في رابع عشر ربيع الاخر سنة 23 ثم أمر بلزوم تربته بالقرافة ثم نقل في جمادى الاخرة إلى الشوبك ثم نقل إلى القدس في شوال ثم اعيد إلى القاهرة في ربيع الأول سنة 24 ثم سفر إلى أسوان فاصبح مشنوقا ويقال انه لما أريد قتله توضأ وصلى ركعتين وقال هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء وكان العوام يقولون ما أحسن أحد لاحد مثل ما احسن الناصر لكريم الدين أسعده في الدنيا والآخرة قال اليوسفى في تاريخه كان اقترح المتجر للسلطان وضبط الاموال فكثرت الاموال بيده وأطلق السلطان عليه ناظر الخاص فاستمرت ولما أحيط به وامر السلطان بنقل موجوده إلى القعله على بغال فكان أولها بباب بيته وآخرها بباب القعله وحمل على الاقفاص مائة وثمانين قفصا ثلاثة أيام في كل يوم ثلاث دفعات أو مرتين سوى ما كان ينقل مع الخدام من الأشياء الفاخرة التي لا يؤمن عليها مع غيرهم ووجد له من النقد خاصة نحو من ثمانين ألف قنطار ومن العسال ثلاثة وخمسين ألف مطر وكان عدد الصناديق التي فيها أصناف العطر من اللبان والعود والعنبر والمسك أحدا وأربعين صندوقا
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0
عبد الكريم بن هبة الله ابن السديد المصري الملقب كريم الدين الكبير أبو الفضائل
وكيل السلطان ومدبر الدولة الناصرية أسلم كهلاً أيام بيبرس الجاشنكير وكان كاتبه فلما هرب بيبرس ودخل الناصر القاهرة تطلبه إلى أن ظفر به وصادره على مائة ألف دينار فالتزم بها ولم يزل جماعة من الأمراء يتلطفون للسلطان إلى أن سمح بجملة من ذلك وقرره في نظر الخاصة فهو أول من باشرها وتقدم بعد ذلك عند الناصر حتى صارت الخزائن كلها في يده وإذا طلب الناصر شيئا يرسل إليه قاصدا من عنده يستدعي منه ما يريد فيجهز له ذلك من بيته وعظم جداً وصار يركب في عدة مماليك نحو السبعين والأمراء يركبون في خدمته وبلغ من عظم قدره أنه مرض مرة فلما عوفي دخل إلى مصر فزينت له وكان عدد الشمع ألفاً وسبعمائة شمعة وركب حراقة فلاقاه التجار ونثروا عليه الذهب والفضة وعمر الجوامع وفعل المحاسن وكان السلطان إذا أراد أن يحدث شراً على أحد فحضر كريم الدين تركه وقال القاضي علاء الدين هذه المكارم ما يفعلها كريم الدين الا لمن يخافه فأسرها في نفسه وراح إليه يوماً على غفلة فأضافه بما حضر إليه ثم أرسل كريم الدين من أحضر إليه أنواعاً من المآكل والملابس ودفع إليه كيسا فيه خمسة آلاف درهم وتوقيع بزيادة في رواتبه من الدراهم والغلة والملبوس وغير ذلك وخرج من عنده فلما خرج علاء الدين يودعه قال له يا مولانا والله ما افعل هذا تكلفاً وأنا والله لا أرجوك ولا أخاف وكان يتصدق بصدقات طايلة ويجتمع لذلك الفقراء حتى مات مرة من الزحمة على تلك الصدقة ثلاثة أنفس ومن رياسته أنه كان إذا قال نعم استمرت وإذا قال لا استمرت وكان يوفي ديون من في الحبس ويطلق من فيها دائما وكان مع جودة عادلاً وقوراً جزل الرأي بعيد الغور يحب العلماء والفضلاء ويحسن اليهم كثيراً قال الذهبي وكان لا يتكلف في ملبس ولازى ولما انحرف عنه السلطان أوقع الحوطة على دوره وموجوده وذلك في رابع عشر ربيع الآخر سنة 723 ثم أمر بلزوم بيته بالقرافة ثم نقل إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم أعيد إلى القاهرة سنة 724 ثم سفر إلى أسوان فأصبح مشنوقاً ويقال أنه لما أريد قتله توضأ وصلى ركعتين ثم قال هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء وكان العوام يقولون ما أحسن الناصر إلى احد ما أحسن إلى كريم الدين أسعده في الدنيا والأخرة ولما أمر السلطان بنقل موجوده إلى القلعة على بغال فكان أولها بباب بيته وآخرها بباب القلعة وحمل على الافقاص مائة وثمانون قفصاً ثلاثة أيام في كل يوم ثلاث دفعات أو دفعتين سوى ما كان ينقل مع الخدام من الأشياء الفاخرة التي لا يؤمن عليها مع غيرهم ووجد له من النقد خاصة ثمانون ألف قنطار وكان عدد الصناديق التي فيها أصناف العطر من العود والعنبر والمسك أحد وأربعين صندوقاً
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 372