الثعالبي عبد العزيز بن ابراهيم بن عبد الرحمن الثعالبي: زعيم تونسي، من الخطباء الكتاب. جزائري الاصل. مولده ووفاته بتونس. اصدر بها جريدة (سبيل الرشاد) سنة1313 - 1315هـ. ودخل في حزب (تونس الفتاة) وجاهر بطلب الحرية لبلاده، فسجنه الفرنسيون سنة 1329 (1911م) واطلق فسافر إلى باريس. وزار الستانة والهند وجاوي. وعاد إلى تونس، قبيل سنة 1332هـ ، (1914) وقد حل الفرنسيون حزبه - تونس الفتاة - فعمل في الخلفاء، مع بقايا من اعضائه، بالدعاية والمنشورات. وسافر إلى باريس بعد الحرب العامة الاولى فطبع كتابه (La Tunisie martyre) تونس الشهيدة، بالفرنسية. واتهم بالتآمر على امن الدولة الفرنسية، فاعتقل، ونقل سجينا إلى تونس، واخلى سبيله بعد 9 اشهر (سنة 1920) فرأس حزب (الدستور) وقد الفه انصاره في غيابه. وتوفى الباي الناصر، وولي بعده ابنه (محمد الحبيب) وكان هذا على اتصال حسن بالثعالبي واصحابه، قبل الولاية، فتنكر لهم، فخافوه. وغادر الثعالبي تونس سنة 1923م متنقلا بين مصر وسورية والعراق والحجاز والهند، مشاركا في حركاتها الوطنية، ولاسيما مقاومة الاستعمار الفرنسي. وعاد إلى تونس سنة 1937م، فناوأه بعض رجال حزبه، فابتعد عن الشؤون العامة، إلى ان توفى. سمعت منه ان له كتابا عربيا في (تاريخ تونس والاسر المعروفة فيها) لعله ما زال مخطوطا في بيته. وله ايضا (حياة سيدنا محمد) و (روح القرآن) ذكرهما احد مترجميه.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 4- ص: 12

الثعالبي عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمن الثعالبي، الزعيم السياسي، والخطيب الساحر والكاتب المفكر، والمصلح الإسلامي، والمؤرخ. أصله من أسرة جزائرية هاجرت إلى تونس بعد الاحتلال. ولد بتونس ونشأ في كنف جده الذي شارك في المعارك ضد الاحتلال الفرنسي وكان جسمه لا يخلو من أثر الجراح.
ودخل المترجم له الكتاب فحفظ القرآن، وأتم الدراسة الأولية في البيت على مدرس خاص، فقرأ النحو والعقائد وشيئا قليلا من الأدب، ثم دخل مدرسة باب سويقة الابتدائية ثم التحق بجامع الزيتونة، ومن أشهر شيوخه العلامة الشيخ سالم بو حاجب، كما تابع دروس المدرسة الخلدونية ومن أبرز أساتذته فيها أبو النهضة البشير صفر، وبارح جامع الزيتونة قبل إتمام الدراسة والإحراز على شهادة التطويع.
وفي سنة 1907 عمل في حزب الزعيم علي باش حانة (الشباب التونسي) وكتب في جريدتي «المبشر» و «المنتظر» فعطلتهما الحكومة، ثم أصدر جريدة «سبل الرشاد» التي عطلتها الحكومة بعد سنة من صدورها، وأصدرت قانونا قيدت به الصحافة، وبعد تعطيلها سافر إلى مصر سنة 1901، وهناك التقى بالشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا وجلس في حلقتيهما، وتأثر بدعوتهما في الإصلاح الديني والاجتماعي. قال العلامة المرحوم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور: «وبلغ السيل الزبي سنة 1320/ 1901 لما ظهر بمدينة تونس شاب كان من طلبة جامع الزيتونة والخلدونية المنقطعين للشيخ سالم بو حاجب والأستاذ البشير صفر.
أصدر جريدة سماها «سبل الرشاد» ولم يلبث أن عطلها وسافر إلى الأستانة ومصر، وعاد منهما غريب الشكل والنزعة والمنطق والقلم، يتكلم بأفكار جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وبعجب بالكواكبي وحسن حسني الطوبراني وعلي يوسف، ويدعو إلى التطور والحرية وفهم أسرار الدين وأسرار الوجود، ويغري بمقالات الحكماء والطبيعيين، ذلك هو الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي لم يكد يرجع من مصر حتى أحاطت به هالة من أهل العلم والأدب وأصبحت الزم له من ظله، فكان ينتقل بهم في مجامع العاصمة ناديا سيارا مأخوذين بحلاوة تعبيره وفصاحة منطقه وقوة عارضته ومقدرته على تحليل المواضيع استرسالا بلا ملل ولا فتور، وبدأ الناس يلتقطون من كلامه سقطات في مسائل الخلاف بين الصحابة والأولياء والكرامات، ويشيعونها على وجهها أو على غير وجهها حتى بلغت اسماع كبار الشيوخ الناقمين على التطور فأثارهم ثورة أدمجت الخلدونية و [مجلة] المنار والثعالبي، وتقدمت دعوة إلى النيابة العمومية، وجرت المرافعات، والرعاع يترصدون الثعالبي في ذهابه إلى المحكمة ورجوعه يهاجمونه بالسب والأذى، ثم حكم عليه بالسجن، فكان أول مظهر لتمييز الحركة الجديدة وإقامة الفوارق بين مناهج التفكير السابقة وكان ذلك عاملا على تكوين عطف الكثيرين عليه وتقوت الحركة الإصلاحية به وبنكبته».
وفي سنة 1328/ 1910 أسس جمعية تمثيلية اسمها جمعية الآداب، ثم أسس جمعية أخرى «جمعية الشهامة العربية».في سنة 1903، زار الجزائر والمغرب ورجع إلى تونس سنة 1904، ولم يتردد في مهاجمة الأولياء في الأماكن العامة، وهذا الموقف حاكمته من أجله محكمة الدريبة بشهر سجنا، وبعد خروجه من السجن التحق بحزب الشباب التونسي الذي كان في حالة تكوين، ولم يلبث أن أصبح من أعضائه الأكثر نشاطا.
وعند رجوعه من المشرق كان الجو السائد في البلاد لدى القادة والصحفيين هو التنويه بمهمة فرنسا التمدينية في البلاد، وتقديم المطالب إلى السلطة الاستعمارية في استحياء وتذلل، فبدل المترجم له اللهجة فكان طالب حق قوي اللهجة لا تملق فيها ولا استخذاء، ولنعلم أسلوب القادة إذ ذاك - في مخاطبة الاستعمار لنرجع إلى ما قاله الأستاذ البشير صفر في سنة 1906 في الاحتفال بمناسبة تدشين التكية بمحضر المقيم العام، فقد أشاد بعمل فرنسا التمديني، ولمح في استحياء إلى ضرورة إجراء الإصلاحات الكفيلة بتخفيف بؤس الشعب التونسي مع أن الشعب بلغ في تلك الفترة حدا كبيرا من البؤس والفاقة، وقد اعتبر هذا الخطاب ضربا من الجرأة فلقي تأييدا من المهتمين بالسياسة كما هاجمته هجوما عنيفا جريدة «تونس الفرنسية» لسان حال المعمرين دعاة التفرنس والإدماج.
والإشادة بعمل فرنسا التمديني لم يسلم منها المرموقون من زعماء تلك الفترة مثل علي باش حانبة الذي أصدر سنة 1907 جريدة «التونسي» وهي فرنسية اللسان، فقد كتب في افتتاحيتها الأولى ما يلي «لقد بدأ عمل فرنسا التمديني يأتي أكله في تونس، فهنالك جيل جديد تثقف باللغة الفرنسية، وأنطبع بأفكارها الكريمة بدأ اليوم يأخذ مكانه في التجديد القائم، وهو إيمانا بهذا المبدأ ينشئ جريدة التونسي. يلي ذلك عرض للمطالب التونسية وهو إعادة لما نادى به البشير صفر في خطابه ونصفه مدائح لفرنسا «نرجو أن تعمد فرنسا انسجاما مع تقاليدها ومثلها العليا الديمقراطية أن تمنح التعليم المجاني الابتدائي» وبالحاح من صاحب الترجمة صدرت نشرة عربية عن جريدة «التونسي» سميت «الاتحاد الإسلامي» تولى تحريرها بنفسه.
ونشأ نوع من التجمع الشعبي حول جامع الزيتونة والمدرسة الصادقية ونادى طلابهما بضرورة إصلاح مواد ومناهج التعليم وخاصة بجامع الزيتونة، وذلك قبل تنفيذ الشيخ محمد عبده الإصلاح في الأزهر. وفي 10 أفريل 1910 قدم الطلاب عريضة مطالبهم إلى وزير القلم بعد أن قاموا بمظاهرة امتدت على مقربة من جامع الزيتونة إلى القصبة، فقبضت الشرطة على اثنين منهم، فتدخل جماعة جريدة التونسي (حزب الشباب) وخطب علي باش حانية في الطلاب مهدئا، ونجحت في النهاية وساطته بينهم وبين الحكومة.
وكان المترجم له يكتب المقالات الطويلة دفاعا عن قضية الطلاب حتى أنهم اعتبروا جريدة «الاتحاد الإسلامي» جريدتهم، وخصص لهم قسما من الجريدة يحررونها بأنفسهم لعرض قضيتهم.
ونجح الطلاب في الحصول على بعض مطالبهم، وخرج من سجن منهم وعددهم ثمانية، ونظموا مظاهرة كبرى حملوا فيها رفاقهم على الاكتاف، وخطب فيهم جماعة حزب الشباب ومنهم المترجم له.
ويوم أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911 ونزلت بجيوشها في ليبيا برز المترجم له قائدا شعبيا تلتف حوله الجماهير فقد سخر طاقاته من قلم ولسان للدفاع ضد الغزو الاستعماري، وشد أرز المقاومة وتعاون مع القادة الأتراك في تنظيم بديع وتوزيع محكم للمسئوليات، فقد كانت مثلا صفاقس مركز اتصال بليبيا عن طريق القرية البحرية نقطه الواقعة غربيها والبعيدة عن أعين الرقباء والجواسيس وكل الفضوليين، حتى الضباط الأتراك كانوا ينزلون في صفاقس ومن هناك يوجهونهم خفية إلى نقطة فيركبون البحر في طريقهم إلى ليبيا. وإثر حوادث الزلاج ومن غير أن يكون مسئولا عن هذه الحوادث مباشرة فقد ساهم بفضوله في خلق حالة فكرية تؤيد هذه الاضطرابات، وامتزج بأحدات الترمفاي، فنفي من تونس في شهر مارس 1912، فسافر إلى فرنسا مع علي باش حانبة، ومحمد نعمان، ومنها الى إستانبول، ثم عاد إلى فرنسا، وفي مدة إقامته بفرنسا اتصل هو وعلي باش حانبة بالأوساط السياسية والفكرية، فتألفت لجنة لدراسة المسائل الوطنية في البرلمان برئاسة الوزير السابق «جورج لييج».ثم رجع إلى تونس بعد طرح قرار النفي.
وقامت أكاديمية آستريه بدراسة واسعة عن مستقبل العلائق بين فرنسا والمستعمرات، وتألفت جمعية «أصدقاء المعمرين والأهليين» في البلدان المحمية، «وجمعية الاتحاد الفرنسي الأهلي» وبدأت بعض الأصوات الفرنسية ترتفع ضد الحكم في المستعمرات.
وعاد إلى تونس والحرب العالمية قائمة، ولما انتهت الحرب ارتأت نخبة من رفاق علي باش حانبة البدء بعمل سياسي منظم. وعقد أول اجتماع في أفريل سنة 1919 حضرة ثلاثون مندوبا من المسلمين وثلاثون من اليهود وظهرت في المناقشات خلافات في الآراء والمترجم له يقود
المتشددين المطالبين بدستور وحكم ديمقراطي والقائلين باستعمال كل الوسائل الدعائية لبلوغ الهدف، والأعضاء اليهود وبعض المسلمين يقتنعون بالحصول على إصلاحات تدريجية، ولعدم حصول الاتفاق عقد اجتماع ثان تخلف عنه اليهود وانبثق عن هذا الاجتماع ميلاد الحزب الحر التونسي في سنة 1919 بقيادة المترجم له وأحمد الصافي وحسن قلاتي (بالقاف المعقدة). وأوفد الحزب الأستاذ أحمد السقا إلى باريس لعرض المطالب التونسية ورئيس الولايات المتحدة ويلسن في باريس حاضرا في مؤتمر الصلح ومعه بنوده الأربعة عشر، ولم ينجح الأستاذ السقا في مهمته فتقرر إرسال المترجم له في أوت 1919 ولما وصل إلى باريس عرف بالقضية التونسية لدى الأوساط السياسية، واستخدم التونسيين المقيمين في باريس والعرب عامة الذين بهرتهم شخصيته وبلاغته ونجح في مهمته، واتصل بالزعماء الاشتراكيين وربط معهم أواصر الصداقة، ونظم الاجتماعات وكتب في الصحف، وظهرت مواهبه الخطابية وهيمنته على مستمعيه وقدرته على إقناعهم.
وكون صداقات عديدة خاصة مع الزعيم الاشتراكي مارسال قاشان (M.Cachin) الذي مكنه من عرض القضية على مجلس النواب. واجتمع بلجنة حقوق الإنسان التي وعدت بالاهتمام بالقضية التونسية، وانتسب إلى عدة جمعيات منها «اللجنة الفرنسية الشرقية» و «اللجنة الفرنسية الإسلامية» وأسس «جمعية الطلاب التونسيين» كما أسس بالاشتراك مع شارل جيد «الجمعية الفرنسية التونسية».
وفي هذا الفترة أصدر كتابه «تونس الشهيدة» غفلا من التوقيع، وعمل على نشره فأرسله بالبريد إلى كل المسئولين في فرنسا، وأرسله إلى تونس بوسائله الخاصة، وعلقت عليه الصحف الفرنسية، ونشرت الصحافة الحرة بعض المقاطع منه، وأثار الكتاب ضجة ودويا فألقى القبض على صاحبه في باريس في 28 جويلية 1920 وجيء به في عنبر باخرة مخفورا إلى تونس بتهمة التآمر على أمن الدولة التونسية.
وفي 20 فيفري 1920 اجتمع أعضاء الحزب التونسي لوضع حد للخلافات القائمة بينهم، فاقترح الأستاذ حسن قلاتي أن تنحصر مطالب التونسيين في المطالبة بإصلاحات لتحسين أجهزة الإدارة دون مساس بنظام الحماية فأجابه الشيخ محمد الرياحي: بأنه يعارض أي تعاون مع الاستعمار، وأن الشعب التونسي يرفض الاحتلال الفرنسي وإعطاء أي حق لفرنسا على تونس. وتكررت الاجتماعات السرية إلى أن توصل الفريقان المختلفان إلى الاتفاق على برنامج عمل غايته الوصول إلى بعث دستور لتونس، واتفقا على إرسال لجنة لتعاون الثعالبي في مهمته بباريس وأطلقوا على حركتهم اسم «الحزب الدستوري».
وقامت الإضرابات من أجل قضايا الأحباس في 10 أفريل سنة 1920 وسافر وفد برئاسة الأستاذ أحمد الصافي (الأمين العام للحزب) لعرض الموضوع على المسئولين الفرنسيين فمكنه المترجم له بما له من علاقات واسعة من مقابلة العديد من المسئولين في مختلف المنظمات.
ويبدو أن الأستاذ حسن قلاتي لم يكن راضيا عن سيطرة الثعالبي على الوفد لأن الغاية من إرسال الوفد هي إقصاء الثعالبي عن المواجهة وقال «إن الوفد التونسي الحقيقي الأول هو الذي سافر إلى باريس سنة 1920 برئاسة الصافي، ولكننا لم نحسب حساب قلة خبرته وقدرة الثعالبي الطاغية على الإغراء فقد هيمن هذا الساحر في لحظة على الوفد الذي خضع بعد تردد ومحاولات لا تقع فيها البلاغة وإقناع مؤلف تونس الشهيدة».
ولما خرج المترجم له من السجن بعد أن صدر من المحكمة قرار يمنع محاكمته في ماي 1921 أخذ اتجاهه يقوي ويشتد في تونس، وتضاءل أثر منافسيه، ولقي من العطف والتأييد ما لا سابقة له في تونس، ولم يغفر له ذلك خصومه وانقسمت الحركة الدستورية قسمين: قسم إصلاحي تدريجي، وقسم الرفض الذي يقوده الثعالبي ويمثل أكثرية الشعب.
وانفصل حسن قلاتي وأسس مع رفاقه حزب الإصلاح الذي يرضى بما يلقي إليه الاستعمار من فتات الإصلاحات وقاوم بمختلف الأساليب الحزب وزعيمه.
وتألم المترجم له من حملة جريدة «المضحك» الساخرة، فقد جعلت منه ومن كتابه «تونس الشهيدة» موضوع سخرية، وأغرت السلطة الاستعمارية حسن قلاتي بالثعالبي فأخذ يكيل الهجوم جزافا، وثقل الجو على المترجم له وأحس للمرة الأولى باليأس. يضاف إلى هذا أن المقيم العام لوسيان سان أفهمه أن البلاد لا تتسع لوجوده فيها وأن يبارحها إلى حيث شاء وإلا يضطره إلى سلوك سبيل لا يرضاه من سجنه واضطهاده فبارح تونس مجبورا في قالب مختار في 26 أوت 1923 متجها إلى الشرق وقد تكون مفارقته إلى تونس في ذلك الظرف الحرج من غلطاته التي يؤاخذ عليها، ومر بإيطاليا وأدلى بتصريح حمل فيه فرنسا التآمر على مقتل محمد الناصر باي وتجول بأقطار الشرق فأقام فترة بفلسطين، واحتفت به مدينة القدس وعمل فيها كما كان يعمل في مسقط رأسه لا فرق بين تونس والقدس. قال الأستاذ سامي الجندي «بل ربما أولى هذه ما لم يوله تلك لأنه يعلم أنها مهددة بخطر أفدح من الخطر المحيط بتلك ولأنها ثاني القبلتين ترتاح روحه للصلاة في أقصاها، » وأثناء إقامته بالقدس كلفه الشيخ الحاج محمد أمين الحسيني بتحضير المؤتمر الإسلامي الذي انعقد سنة 1932 فوضع نظامه، وكان أينما حل في أقطار الشرق العربي محل تقدير وأكبار وحفاوة، فأقام بالقاهرة فترة، ثم توجه إلى الحجاز، ثم توجه إلى الهند، ثم توجه إلى مسقط والبحرين والكويت. وفي كل قطر زاره يلقي الخطب البليغة في الدعوة إلى استنهاض الشعوب الإسلامية وإصلاحها على وفق ما كان يدعو إليه الشيخ جمال الدين الأفغاني.
وكانت أخبار تحركاته وتنقلاته تنشر في الصحف العراقية وبالنظر لما يعرفه العراقيون من نضاله وجهاده في سبيل العروبة والإسلام فقد قررت حكومة العراق وكانت إذ ذاك برئاسة ياسين الهاشمي توجيه دعوة له بزيارة العراق، فتقبل منها هذه الدعوة الكريمة بالشكر والامتنان. ويبدو أن هذه الدعوة كانت بإيعاز من الملك فيصل الذي تعرف به في إستانبول
كما تعرف به هناك جميل صدقي الزهاوي، ومعروف الرصافي، وغيرهم من رجال العراق.
وصل إلى بغداد في 14 جويلية 1925، وما ان سمع قادة الفكر والأدب والسياسة بوصوله حتى سارعوا للسلام عليه والترحيب به لا سيما أولئك الذين كانت لهم معه معرفة سابقة في إستانبول.
وأقام له أدباء بغداد حفلة تكريمية تقديرا منهم لجهاده، ونضاله ولم يمض على إقامته أسبوعان، وتقرر إقامة الحفلة مساء يوم 14 أوت 1925.
وفي هذه الحفلة ألقى الزهاوي قصيدة، وبعده ألقى الرصافي قصيدة، وقصيدة الزهاوي مطلعها [طويل]:

ومنها:
إلى أن قال:
وكان المترجم له على معرفة سابقة بالملك فيصل ورستم حيدر رئيس الديوان الملكي في إستانبول وباريس، لذلك لم يكد يصل إلى بغداد حتى سارع بالسلام على الملك وشكره على تفضل حكومته بدعوته لزيارة العراق. واقترح عليه الملك فيصل أن يكون أستاذا في (جامعة آل البيت) التي تم تأسيسها منذ سنة ببغداد، وشكر الثعالبي هذا اللطف وأيد ما أبداه وقال: أنا بانتظار جلالتكم، وغادر البلاط الملكي وهو مسرور بهذا اللقاء.
وبعد إجراءات باشر عمله الجامعي في مطلع سنة 1926، ودرس بها مادة (الفلسفة الإسلامية) في الصف الثاني منها ومادة (حكمة التشريع) في الصف الثالث، ودرس هاتين المادتين خلال الخمس سنوات التي قضاها أستاذا في هذه الجامعة إلى أن أصدر أمر بإلغائها سنة 1930.
ونشرت له مجلة الجامعة محاضرة في الفلسفة الإسلامية في عددين كما نشرت له محاضرة في حكمة التشريع. وقد خصص صباح كل يوم جمعة ندوة يستقبل فيها أصدقاءه ومعارفه من الشخصيات السياسية والأدبية، وكان في مقدمة هؤلاء جعفر العسكري، وياسين الهاشمي وطه الهاشمي، وفهمي المدرس، وعبد اللطيف الفلاحي، ومنير القاضي، ويوسف العطار، وغيرهم.
وكانت اجتماعات هذه الندوة السياسية والأدبية تحفل بشتى الأحاديث التاريخية والسياسية والأدبية التي تتناول شؤون الساعة في الوطن العربي مشرقة ومغربه وما يجد من أحداث وتطورات في شتى مجالات الحياة العامة. وعند ما انتدبت الحكومة العراقية الأستاذ أحمد حسن الزيات لتدريس آداب اللغة العربية في مدرسة دار المعلمين العليا ببغداد في نهاية سنة 1929 كان في مقدمة الذين سعى إلى التعرف بهم الشيخ الثعالبي فكان يحضر ندوته الأسبوعية ويشارك في أحاديثها الأدبية وغيرها، ومن رواد هذه الندوة محمد بهجت الأثري، ومعروف الرصافي قبل انفصام رابطة الصداقة بينهما.
في نهاية السنة الدراسية في مطلع سنة 1930 أقرت الحكومة إلغاء جامعة آل البيت والاستعاضة من ذلك بإرسال البعثات إلى مصر على حساب وزارة الأوقاف، وتوقف صرف راتب الثعالبي الأمر الذي جعل البلاط المالكي يتدخل في ذلك وطالب أن تسدد رواتبه لغاية السنة الدراسية بما فيها أشهر العطلة.
وتقرر تعيينه مراقبا لبعثة الأوقاف في مصر.
وبعد أن تقاضى رواتب العطلة الصيفية غادر بغداد في سبتمبر 1930 بعد أن أقام بها مدة خمس سنوات كان له في أوساطها السياسية والثقافية والأدبية والاجتماعية ذكريات طيبة كانت وما تزال حديث المجالس والمنتديات.
ورجع إلى تونس في صيف 1937 ونظم له الحزب الحر الدستوري الجديد احتفالا رائعا بساحة قامبطا وألقى فيها خطابا رائعا، وبعد مدة حدث الخلاف بينه وبين الحزب الجديد الذي يتزعمه المجاهد الأكبر الرئيس الحبيب بورقيبة، وكأنه لم يدر أن الأحوال تغيرت أثناء أربع عشرة سنة من غيابه في المشرق، وأصبحت قيادة الجماهير بيد بورقيبة قائد وزعيم الحزب الدستوري الجديد، فرأى أن الجماهير ليست معه، وألقى عليه الظل فانعزل عن المجتمع ولزم داره ولولا بعض الفصول التي كان ينشرها بين الحين والآخر في جريدة «الارادة» لسان حال الدستور القديم ما شعر الشعب بوجوده، وفي هذه الفترة كان منزله منتدى يحضره المنتمون للحزب القديم وأعضاء هذا الحزب، وتدور الأحاديث المختلفة ويلقي أحيانا محاضرات في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، وحضره مرات مدرس بجامع الزيتونة وشاعر أيضا ما زال يقيد الحياة للتجسس ونقل الأخبار إلى السفارة الفرنسية عن طريق الهاتف بالبريد، واستوثق من صحة الخبر بإرسال السيد محيي الدين القليبي لإدارة البريد صحبة السيد محمد بن عبد القادر للاستماع إلى ما يقوله الشيخ عن طريق الهاتف، ولما تبين صحة هذا الخبر طرد هذا الشيخ من منزله شر طرد في الجلسة الموالية.
رحمه الله وغفر له، وأنا لا أعتبره معصوما فهو كسائر البشر يخطئ ويصيب وان كان أخطأ فعن سلامة نية وحسن قصد، وقد خدم بلاده وقضايا العروبة والإسلام خدمات جلى ولم يدخر وسعا في سبيل العمل النافع المفيد، وقد كان على جانت عظيم من الثقافة وسعة الاطلاع، وكانت له آراء سديدة في الشئون السياسية والاجتماعية، والدينية والفلسفية، وهو من الذين جاهدوا في سبيل الوحدة الإسلامية أولا ثم في سبيل الوحدة العربية.
وكان من المشتغلين بالعلم والأدب والبحث والتأليف وكان من أقدر الخطباء في عصره حتى قال الرصافي «لم أر أخطب من عبد العزيز التونسي».
توفي في شوال/أكتوبر.
مؤلفاته:
1 - تونس الشهيدة، نقله إلى العربية الأستاذ حمادي الساحلي (دار الغرب الإسلامي 1984) ويقول العارفون بأنه أدق من ترجمة الأستاذ سامي الجندي.
2 - رحلة دون فيها انطباعاته ومشاهداته عن البلدان التي رحل إليها وجال فيها في أربعة أجزاء، ضاع منها في السنوات الأخيرة جزءان لأن أحدهم (ويقال أنه الشيخ عبد الرحمن اليعلاوي) استعارها ولم يرجع الجزءين إذ أعارهما لشخص آخر لم يتورع عن عدم الإرجاع.
3 - تاريخ شمال افريقيا في 8 أجزاء، ذكر ذلك في مجلة المعرفة المصرية لصاحبها السيد عبد العزيز الإسلامبولي أطلعني عليها زميل في الدراسة السيد على بن المكي المرزوقي عضو مجلس الأمة وفاتني إن اخذ مذكرة منها.
4 - معجز محمد في السيرة مطبعة الإرادة تونس 1357/ 1938 الجزء الثاني والأول لم يطبع.
5 - روح القرآن الحرة، ألفه بالاشتراك مع الهادي السبعي وسيزار بن عطار (تونس 1905).
6 - له محاضرة عنوانها: ابن خلدون، حياته وكتبه القاها في تونس سنة 1911، لخصها الصادق الزمرلي في المجلة التونسية (الفرنسية اللسان) ج 18 (1911) ص 532 - 536 (مؤلفات ابن خلدون د. عبد الرحمن بدوي ص 366).
المراجع:
- الأعلام 4/ 136، 10/ 126.
- الأعلام الشرقية لزكي مجاهد 1/ 148، 149.
- معجم المؤلفين 5/ 240.
- مقدمة تونس الشهيدة المترجمة سامي الجندي ص 5 - 24.
- أركان النهضة الأدبية 55، 56.
- الحركة الفكرية والأدبية بتونس 57، 58، 113، 114، 119، 123.
- عبد الرزاق الهلالي مجلة المورد م 18 العدد 3 خريف 1979 ص 463، 478.
- الأدب العربي الحديث في معركة المقاومة والتجمع من المحيط إلى الخليج لأنور الجندي (مط. الرسالة، القاهرة 1969) ص 126 - 128.
- المحافظة والتجديد في النشر العربي المعاصر في مائة عام لأنور الجندي ص 421 - 424.
- عبد العزيز الثعالبي رائد الحرية والنهضة الإسلامية لأنور الجندي، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1984) عن حياته ونضاله السياسي والعلمي والثقافي ورحلاته الواسعة ومساعيه في العالم الإسلامي على مدى أربعين عاما قضاها كلها مغتربا مناضلا عن قضايا العرب والمسلمين.
التعريف بالأدب التونسي لرضوان إبراهيم ص 63 - 64.
- النشاط العلمي والفكري للمهاجرين الجزائريين بتونس 1900 - 1962 لمحمد صالح الجابري (الدار العربية للكتاب 1981) ص 265، 266، 273، 274، 275.
- أصول الحركة الوطنية في تونس 1904 - 1934 منشورات الجامعة التونسية كلية الآداب 1962 (بالفرنسية) لعلي المحجوبي 128، 135، 138، 188، 201.
وصفحات أخرى كثيرة ينظر في فهرس الأعلام في آخر الكتاب.
* * *

  • دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان-ط 2( 1994) , ج: 1- ص: 213