ابن الفوطي عبد الرزاق بن أحمد بن محمد الصابوني المعروف بابن الفوطي، المرزوي الاصل، الشيباني البغدادي أبو الفضل، كمال الدين: مؤرخ، يعد من الفلاسفة. من ولد معن بن زائدة الشيباني. ولد ببغداد واسر في واقعتها مع التتار، فخلصه نصير الدين الطوسي. وقرأ على الطوسي الحكمة والآداب. وباشر خزانة الرصد بمراغة زهاء عشرة اعوام. وعاد إلى بغداد سنة 679هـ ، فصار خازن كتب (المستنصرية) زمنا. وأقام مدة طويلة في تبريز، عند الوزير رشيد الدين الهمذاني، وقتل رشيد الدين (718هـ) واحرقت كتبه وكتب ابن الفوطي. فعاد إلى بغداد، فاستقر إلى ان توفى فيها. له (مجمع الآداب في معجم الاسماء والالقاب - خ) المجلد الرابع منه، وهو كبير جدا، قيل: في خمسين مجلدا، و (درر الاصداف في غرر الاوصاف) كبير، و (تلقيح الافهام) تاريخ، من نشأة العالم إلى خراب بغداد على يد التتار، و (نظم الدرر الناصعة في شعراء المئة السابعة) عدة مجلدات، و (الحوادث الجامعة، والتجارب النافعة، في المائة السابعة - ط) جزء منه. وله نظم جيد. وكان يتقن الفارسية وله بها شعر. والفوطي جده لامه، نسبته إلى بيع الفوط. وامحمد رضا الشبيبي محاضرة سماها (مؤرخ العراق ابن الفوطي - ط) في ترجمته.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 349
ابن الفوطي اسمه عبد الرزاق بن أحمد بن محمد.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 270
عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد كمال الدين أو قوام الدين، أبو الفضائل أو أبو الفضل، عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي لمعالي الشيباني، المعروف بابن الفوطي وبابن الصابوني.
ولد في المحرم سنة 642 ببغداد، وتوفي في المحرم سنة 723 ببغداد عن إحدى وثمانين سنة (والفوطي) بضم الفاء وفتح الواو وطاء وياء النسبة منسوب إلى الفوط جمع فوطة نوع من الثياب وهي نسبة لجد أبيه لأمه. وفي الدرر الكامنة: الفوطي جده لأمه.
ذكره الذهبي في تذكرة الحفاظ فقال: العالم البارع المتقن المحدث الحافظ المفيد مؤرخ الآفاق معجز أهل العراق ينتسب إلى معن بن زائدة وأصله مروزي ولد ببغداد وأسر في الوقعة وهو حدث (هي وقعة التتار) ثم صار إلى أستاذه ومعلمه خواجه نصير الدين الطوسي سنة 660 فأخذ عنه علوم الأوائل ومهر على غيره في الأدب ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس وله النظم والنثر والباع الطويل في ترصيع تراجم الناس وله ذكاء مفرط وخط منسوب رشيق وفضائل كثيرة. سمع الكثير وعني بهذا الشأن وكتب وجمع فلعل أن يكفر به عن كتب من التواريخ ما لا يوصف، ومصنفاته وقر بعير. خزن كتب الرصد بضع عشرة سنة فظهر بكتب نفيسة وحصل من التواريخ ما لا مزيد عليه ثم سكن بعد مراغة بغداد وولي خزانة كتب المستنصرية فبقي عليها واليا إلى أن مات وليس في البلاد أكثر من هاتين الخزانتين وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه ثم عمل آخر دونه في خمسين مجلدا أسماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب. (يقول المؤلف) وهذا الكتاب يوجد منه جزء واحد في المكتبة الظاهرية في عصرنا بدمشق بخط مؤلفه.
وفي الدرر الكامنة: كان يقول إنه من ذرية معن بن زائدة أسر في كائنة بغداد فاتصل بالنصير الطوسي فخدمه واشتغل عليه وسمع من يحيى الدين بن الجوزي وباشر كتب خزانة الرصد بمراغة وهي على ما نقل أربعمائة ألف مصنف أو مجلد واطلع على نفائس الكتب فعمل تاريخا حافلا جدا ثم اختصره في آخر سماه مجمع الآداب ومعجم الأسماء على الألقاب في خمسين مجلدا له درر الأصداف في بحور الأوصاف وله الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة وولي خزن كتب المستنصرية إلى أن مات وعني بالحديث وقرا بنفسه وكتب بخطه المليح كثيرا جدا وذكر أنه سمع من محيي الدين بن الجوزي ومبارك بن المستعصم في آخرين قال إنهم يبلغون خمسمائة إنسان وكان له نظم حسن وخط بديع جدا قلت ملكت بخطه خريدة القصر للعماد الكاتب في أربع مجلدات في قطع الكبير وقدمتها لصاحب اليمن فأثابني عليها ثوابا جزيلا جدا وكان له نظر في علوم الأوائل وكان مع حسن خطه يكتب في اليوم أربع كراريس.
وقال الصفدي: أخبرني من رآه ينام ويضع ظهره إلى الأرض ويكتب ويداه إلى جهة السقف.
وقال الذهبي: كانت له يد بيضاء في النظم وترصيع التراجم وله ذهن سيال وقلم سريع وخط بديع وبصر بالمنطق والحكمة وكان روضة معارف وبحر أخبار وقد ذكر في بعض تواليفه أنه طالع تواريخ الإسلام فسردها فمن المستغرب: تاريخ خوارزم -تاريخ أصبهان لحمزة ولابن مردويه ولابن منده- تاريخ قزوين للرافعي - تاريخ الري للآبي- تاريخ مراغة- تاريخ آران- تاريخ البصرة لابن دهجان - تاريخ الكوفة لابن مجالد - تاريخ واسط للدبيثي - تاريخ سامرا - تاريخ تكريت - تاريخ الموصل -تاريخ ميافارقين - تاريخ العميد ابن القلانسي - تاريخ صقيلية - تاريخ اليمن. وسرد شيئا كثيرا جدا. قال ابن رجب: تكلم في عقيدته وفي عدالته وسمعت من شيوخنا ببغداد شيئا من ذلك روى عنه ولده ببغداد وسمع منه محمود بن خليفة) ا ه.
وفي عمدة الطالب: ذكر الشيخ الفاضل قوام الدين عبد الرزاق بن الفوطي البغدادي في كتابه تلخيص مجمع الألقاب إلخ. . . . ، ا ه.
وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي: تعد غارة المغول على مراكز الحضارة الإسلامية ونشوء دولتهم الكبرى أشهر حوادث التاريخ في القرنين السابع والثامن أو الثالث عشر والرابع عشر ويعتبر ظهورهم ورسوخ أقدامهم في الشرق فترة من فترات الضعف في تاريخ آداب اللغة العربية وشعر مؤرخو هذه الحقبة بقلة المستندات العربية التي يعول عليها في حل النواحي الغامض من تاريخ العراق في أيام المغول خصوصا فيما يتعلق بسياستهم وطراز إدارتهم وآثارهم في هذه البلاد أو يميط اللثام عن القواعد التي قام عليها سلطانهم من ورجال وكفاءات علمية أو سياسية إلى هاذ ونحوه من الشؤون التي لا تزال مثارا للجدل بين المؤرخين.
ولما كنت في الشام سنة 1338ه (1920م) ظفرت خلال التنقيب عن المخطوطات العربية في (دار الكتب الظاهرية) بنسخة نادرة من الجزء الرابع من أجزاء المعجم الذي ألفه مؤرخ العراق ابن الفوطي في التراجم وسماه (مجمع الآداب في معجم الأسماء والألقاب) وكانت النسخة بخط مؤلفها المذكور مؤرخة سنة 712، وفي المكتبة العامة ببغداد الآن صورة شمسية للنسخة المشار إليها، حصلت عليها وزارة المعارف سنة 1357ه (1938م) ولا شك في قيمة هذه التحفة الثمينة فيما نحن فيه لأن أكثر مؤرخي ذلك العصر عولوا على النقل عمن سبقهم أو على الروايات. أما المؤرخون الذين كانوا شهود عيان للواقعة واطلعوا على حقائق ما جرى فيها أو بعدها فإنهم -ولا سيما العرب منهم - قليلون جدا ومنهم مؤرخ العراق: كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد المعروف بابن الفوطي الشيباني البغدادي. ولعله المؤرخ العربي الوحيد الذي طارت حياته وطارت شهرته في أيام المغول. فقد حوصرت بغداد ثم فتحت، وأخذ هو أسرا بعد فتحها من التتار، وشاهد أعظم ملوكهم وأقطاب دولتهم في أعظم عصورها وأزهى أيامها؛ وذلك من أيام الطاغية هولاكو إلى أيام أحفاده أرغون وغازان ومن بعدهما إلى زمان السلطان أبي سعيد كما أنه زار أشهر حواضرهم واتصل بحكامها وأعيانها وعلمائها ودرس حالة عصره من شتى نواحيها بل تمكن من الوصول إلى مقاصر الأميرات المغوليات.
ممن اتصل به في شبابه آل الجويني أشهر من حكم العراق في عهد هولاكو وابنه أباقا خصوصا الصاحب علاء الدين الجويني وكذلك الفيلسوف نصير الدين الطوسي وأولاده وتلامذته وغيرهم من رجال العلم والسياسة الذين امتازوا بخبرتهم وتفانيهم في النضال عن حقوق العراقيين والمسلمين في محنتهم الكبرى ثم ذهبت أيام هولاكو وابنه أباقا وجاءت دولة حفيده أرغون وفيها تغيرت الأحوال وتنكرت السياسة بعضها ببعض بكل ما عرف عنهم من قسوة وفظاعة وتمثيل كما شهد مصارع آل الجويني وأعيان هذا البيت الذين سلخوا في إدارة شؤون العراق من عشرين سنة أحبهم خلالها العراقيون حبا جما وكذلك أردك وفاة أساتذته نصير الدين الطوسي ومعاصريه وتلامذته وغيرهم من الناس.
هذه هي الروايات التي شاهدها ابن الفوطي على مسرح الحياة منذ فتح بغداد إلى أواخر القرن السابع وهو العصر الأول من عصور المغول وقد شاهد أيضا مثلها في العصر الثاني: ما بين أيام غازان إلى أيام حفيده أبي سعيد وهو عصر يختلف بروحه ومميزاته عن سابقه إذ تطورت فيه مظاهر الحياة عند المغول وزهت الحضارة في مدنهم وارتقت نظمهم الاجتماعية ونبذوا كثيرا من عاداتهم الوثنية وكان هذا الحادث الاجتماعي الخطير نتيجة لازمة لاحتكاكهم بمظاهر الحضارة الإسلامية مدة لا تقل عن خمسين سنة فأسلمت الشعوب المغولية بأسرها وقد أكثر ابن الفوطي في هذا العصر من التردد إلى حواضر المغول وزار عواصمهم واتصل بحكامها وعلمائها وأعيانها، وفي مقدمتهم رشيد الدين الطبيب وابنه الأمير غياث الدين أشهر ساسة العصر الثاني من عصور المغول كما أنه حرر حوادث هذا العصر وترجم لرجاله ووصف مظاهر الحياة فيه وصف المثقف الخبير بشؤون الحياة في ذلك العصر وحفظ لنا ذلك كله في كتبه ومعاجمه فكتب ابن الفوطي -والحالة هذه - من أصح المستندات العربية التي يعول عليها في تاريخ تلك الحقبة وهي في الحقيقة حضارة تلك العصر في تراجم سياسته وعلمائه وأرباب الصنائع والفنون ورجال المال فيه.
توفرت وأنا في الشام على دراسة هذا الكنز الثمين وذلك من ناحية صلته بتاريخ العراق فقي عصر المؤلف. وقد عرض ابن الفوطي لسيرته خاصة في كثير من مواضعه وذلك بمنتهى الصراحة فالكتاب في الوقت نفسه سيرة من السير الخاصة الممتعة.
ولد كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد المشهور بابن الفوطي الشيباني البغدادي في بغداد سنة 642ه أي بعد مضي سنتين على مبايعة المستعصم آخر خلفاء بني العباس ولسنا نعرف شيئا كثيرا عن حداثته ولا عن دراسته فيها وكل ما نعلمه من كتب ابن الفوطي نفسه أنه ولد في أسرة متوسطة الحال كانت تسكن في محلة الخاتونية -إحدى المحلات القريبة من دار الخلافة كما أنه سمع من الصاحب محيي الدين بن الجوزي أستاذ دار الخلافة القتيل في الواقعة هذا قبل واقعة بغداد أما بعد ذلك فقد أسر وليس له من العمر إلا أربع عشرة سنة وحمل إلى آذربيجان. ونقل من مكان إلى مكان إلا أنه لم يمكث في الأسر طويلا فإن الفيلسوف نصير الدين الطوسي سعى في الإفراج عنه بعد مضي سنة أو أكثر قليلا من ذلك على أسره وأقام عنده ثلاث عشرة سنة في مراغة حاضرة المغول وذلك في أيم هولاكو وابنه أباقا وقد عظمت مراغة في هذا العصر وهو عصر إقامة ابن الفوطي فيها وأصبحت عاصمة المشرق الذي تم فتحه على أيدي المغول ومن جملة توابعها خرسان وبلاد العجم بأسرها وكذلك بلاد الروم -أي الأناضول وبلاد العراق - . ومال المغول في حاضرتهم هذه إلى تشجيع العلوم الرياضية والطبيعية وأنشئ في مقدمة ما أنشئ من المعاهد العلمية فيها: (دار الرصد) المشهورة وخزانة كتبها الكبيرة وذلك بعد مضي سنة واحدة على فتح بغداد وقد استقدموا إليها أئمة العلوم الرياضية والعقلية من كل حدب وصوب كما وضع للعمل في المعهد المذكور وللمطالعة والدراسة في مكتبه نظام دقيق أشار إليه ابن الفوطي وقد تم ذلك كله بإشراف نصير الدين الطوسي. وشهد ابن الفوطي تأسيس دار الرصد المذكورة كما سلخ فيها وفي مكتبتها ثلاث عشرة سنة ملازما لنصير الدين ولغيره من كبار علمائها وأساتذتها. ويعد نصير الدين أكبر عامل في تهذيب ابن الفوطي وذلك في هذه الحقبة من حياته وقد وجهه إلى دراسة العلوم الرياضية والنظريات الفلسفية مدة ملازمته له كما عهد إليه بالإشراف على خزانة كتب دار الرصد المشار إليها وهي أعظم خزانة بعد خزانة المستنصرية. وفيها على الأرجح بدأ ابن الفوطي بالتأليف وظهر ميله إلى التاريخ والتفنن في تنسيق مؤلفاته وترتيبه. ولعله أول مؤرخ استعمل الجداول والأشكال الهندسية في معاجم وكتب التاريخ.
عرض ابن الفوطي فيما وصل إلينا من كتبه إلى جميع ما يتعلق بدار الرصد المذكورة، فذكر كيفية إنشائها واستقدم أساتذتها أشار إلى وظائفهم وترجم لكل منهم ترجمة ممتعة مشيرا إلى اختصاصه ومؤلفاته كما أنه ألف خلال إقامته فيها مجموعة سماها (تذكرة الرصد) خصصها بذكر كل من زار الدر المشار إليها أو قصد إلى مكتبتها واستطرد في تذكرته المذكورة إلى فوائد علمية وتاريخية كثيرة ويستفاد من ذلك أن دار الرصد كانت تقصد وتزار من قبل عدد كبير من الناس بينهم العالم والمتعلم والمتفرج وكذلك مكتبتها وقد وصف لنا بعض ما في هذه المكتبة من آثار نفيسة وصفا ممتعا كالشاهنامة المغولية المصورة التي نظمها الشاعر أبو الفضل أحمد بن بنجير نزيل الروم وتخلص في آخر ترجمة كل سلطان بذكر هولاكو. قال ابن الفوطي: وعرضها صاحبها في الحضرة سنة ستين وستمائة وقررت له المشاهرة الوافية. . . إلى أن قال: رأيت هذه النسخة في ثلاثة مجلدات قطع النصف وقد صورها وهي بخزانة كتب الرصد. ثم أورد بعض الأمثلة منها وقال أيضا في ترجمة عز الدين مظفر بن الحسن بن العميد من شعراء عصره: رأيت ديوانه بخزانة كتب الرصد سنة ثلاث وستين وستمائة، كان مليح الخط صحيح الضبط يتردد مدة مقامه في مراغة إلى الرصد وينشدني من أشعرا شعراء ما وراء النهر وتركستان. . . إلى غير ذلك فابن الفوطي مؤرخ هذه النهضة العلمية الكبيرة في مراغة على عهد المغول ولولا معجمه هذا لما عثرنا من تاريخا على ما يشفي الغليل.
أقام ابن الفوطي ثلاث عشرة سنة في مراغة كما مر ستا منها في دولة طاغيتها هولاكو أما الباقي ففي دولة ابنه أباقا تكاثر خلالها أصدقاؤه ومعارفه وأحبه المغول وأدناه القوم من مجالسهم وسمح له بزيارة الأميرات المغوليات ولا يخلو معجمه من ذكر نساء المغول وقد قال في ترجمة عز الدين الحسن بن الحسين بن يوسف نزيل تبريز الموصلي الشيخ العارف النقاش (كان جميل الأخلاق لطيف المعاني يتعاطى صنعة النقش وخياطة الزركش واتصل بحضرة الخاتون المعظمة بلغان جهة السلطان الأعظم محمود غازان بن آرغون وحصل له الجاه والمال وحضر في خدمة السلاطين وهو في جميع حالاته محب للفقراء والغرباء له زاوية بتبريز أقمت عنده وسألته عن مولده فذكر لي أنه ولد بالموصل سنة اثنتين وأربعين وستمائة وتوفي بتبريز سنة عشرة وسبعمائة) لطيف في ترجمة فلك الدين التبريزي (رأيته بالسلطانية وهو لطيف الأخلاق به مروءة كانت والدته بنت الإمام المستعصم بالله لما أخذت بغداد أنفذ بها السلطان هولاكو إلى أخيه منكوقان وخلصت بهمة جده واتصلت بوالده وقدم مراغة في خدمة والده إلى حضرة خاله الأمير السعيد المبارك ابن المستعصم بالله سنة إحدى وسبعين وستمائة وتوجهوا إلى مدينة السلام وتوفيت بها وكان شابا سريا كريم الطرفين وفي ترجمة عميد الدين سعيد بن محمد السمي البغدادي المنجم: كان والده نائب الجانبين ببغداد ولما أخذت بغداد وقع أسيرا وشرع في معرفة التقاويم ووصل إلى حضرة أباقا ابن السلطان الأعظم هولاكو وكان يحترمه وينعم عليه ويلبسه من ملابسه واخترم شابا في المحرم سنة أربع وستين وستمائة وكانت بيني وبينه صحبة واجتماع ودفن في مراغة في الطريق إلى الرصد عند قبة ترخان.
هذا وقد أتقن ابن الفوطي اللغة الفارسية وأحاط بآدابها وروى آثار أدباء اللغة المذكورة بل نظم الشعر فيها كما أنه ألم على الأرجح باللغة المغولية وقد نظم الشعر باللغة العربية ولكنه لا يعد من شعرائها المجيدين.
غلبت على ابن الفوطي عاطفة الحنين إلى الوطن والرجوع إلى مسقط رأسه بغداد غير مرة في مراغة بيد أنه لم يتمكن من الفوز بمبتغاه إلا في سنة 678ه (1279م) وذلك بفضل الصاحب علاء الدين الجويني أشهر من حكم العراق أيام هولاكو وابنه أباقا وهو ممن اتصل بهم ابن الفوطي في مراغة من أعيانها فأعجب بفضله ومواهبه وترجع شهرة الجويني مضافا إلى عبقريته السياسة ونجاحه في إدارة شؤون الدولة المغولية ولا سيما العراق إلى غزارة علمه وإلى آثاره الممتعة في الأدب والسياسة والتاريخ وتشجيعه للتأليف والمؤلفين في شتى الفنون وقد كتب ابن الفوطي لخزانته كثيرا من الكتب ومنها تاريخه الكبير كما أهدى ابن ميثم البحراني شرح نهج البلاغة له وأهدى ابن كمونة بعض مؤلفاته لآل الجويني صاحب ديوان الممالك. ويعد ابن الفوطي أعظم أيادي الجويني عليه إعادته إلى بغداد وإليكم ما يقوله في ترجمة الجويني عن ذلك (هو الذي أعادني إلى مدينة السلام سنة تسع وسبعين وستمائة وفوض إلي كتابة التاريخ والحوادث وكتب لي الإجازة بجميع مصنفاته وأملى علي شعره في قلعة تبريز سنة سبع وسبعين وستمائة) هذا وقد عهد إلى ابن الفوطي فور وصوله إلى بغداد بالإشراف على خزانة المستنصرية وه عمل أتقنه ابن الفوطي منذ كان في مراغة وتعد كتب ابن الفوطي أحسن مرجع للإطلاع على شؤون الكتب والمكتبات العامة والخاصة خصوصا ما كان منها في عصره كمكتبة دار الرصد ومكتبة المستنصرية هذه وقد رفعته خبرته في فن الخطوط ومعرفته بمشاهير الناسخين والخطاطين وحذقه لأصول إنشاء المكتبات إلى مستوى الأئمة في هذا الشأن وقد كون لنفسه مكتبة خاصة تعد بين المكتبات الثمينة المعروفة في عصره وكان منزله ومكتبته المذكورة في بغداد ملتقى طلبة العلم ومجتمع الطبقة المهذبة من البغداديين والطارئين على بغداد ومن عادته أن يشير في معجمه إلى زواره وزوار مكتبه من العلماء والأعيان أو من المعجبين بمؤلفاته المتنافسين في اقتناء آثاره في شتى المواضيع والفنون.
كانت مكتبة المستنصرية المذكورة في وقت إشراف ابن الفوطي على شؤونها أشهر مكتبة عامة في العالم كله كما كانت مفخرة من مفاخر بغداد وتزار في مقدمة ما يقصد ويزار من معاهدها العظيمة وقد عني ابن الفوطي بتاريخها من هذه الناحية ووصف زيارة من زارها من الملوك والرؤساء وغيرهم في أيامه ومنهم سلاطين المغول وأعيانهم فقدر زارها منهم السلطان غازان في مقدمه إلى بغداد سنة 696ه (1296) كما زارها أشهر رجال دولته القادمين معه. قال ابن الفوطي في الحوادث الجامعة: دخل خزانة الكتب ولمحها. وإليكم نص ما جاء في ترجمة قطب الدين أحمد ابن عبد الله الخالدي الوزارة فوض إلى أخيه قضاء الممالك وأمر ونهى ورتب القضاة في البلدان وقدم علينا بغداد في خدمته لما قدمها صحبة المعسكر الأيلخاني سنة ستة وتسعين وستمائة وحضر عندنا في خزانة كتب المدرسة المستنصرية في جماعة من علماء قزوين فلما عاين تلك الكتب المنضدة التي لم يوجد مثلها في العالم لم يطالع منها شيئا لكنه سأل هل تحتوي هذه الخزانة على كتاب (الهياكل السبعة) فقد كانت لي نسخة مذهبة منه شذت عني أريد أن أستكتب عوضها وقتل قطب الدين بعد قتل أخيه سنة ثمان وتسعين وستمائة في آذربيجان (وفي ترجمة العكيكي) قوام الدين محمد بن علي العكيكي البغدادي الصدر الأديب من أدباء عصرنا ومن بيت أصيل تأدب وسافر الكثير ودخل بلاد الشام وحج بيت الله الحرام ودخل بلاد اليمن ثم قدم بغداد وأنا بها وكان يتردد إلى خزانة الكتب بالمدرسة المستنصرية أيام كنت مشرفا على الخازن وينشدنا الأشعار كتبت عنه من شعره وشعر غيره ثم خرج مسافرا سنة تسع وتسعين وستمائة.
كان ابن الفوطي دون الثلاثين من عمره أي في سن الطلب والتحصيل لما عاد إلى بغداد ودخل المستنصرية وفي هذه البيئة العلمية الجدية كانت قراءة الفقه والحديث شغله الشاغل فأكثر من الأخذ عن الفقهاء والسماع من المحدثين والرواية عن الشيوخ وما ناهز الحادية والخمسين من عمره حتى بلغ مرتبة الأئمة في الحديث ونال درجة الحفاظ وعده الذهبي منهم وبالجملة أصبح من الأعلام الذين يشار إليهم بالبنان في العراق وفي غيره من البلدان وذلك بدون أن يتحيز أو يفرق بين أهل الذاهب من الشيوخ ولذلك أجازه غير واحد منهم على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وهو أمر لا يتفق إلا لمن وقف نفسه على طلب الحق والتحري عن الحقيقة. والواقع أنه درس كثيرا من الطرق والمذاهب وكان في درسه عاقلا حكيما يمثل رحابة الصدر وطول الإناة أحسن تمثيل.
أكثر ابن الفوطي كما تقدم في أخذه من أعلام العراق خصوصا في فنون الأدب وعلوم الشريعة وقد وضع معجما خاصا بمن أخذ عنهم من الشيوخ أوصل عددهم فيه إلى الخمسمائة وليس يعنينا ذكر هؤلاء الشيوخ بأسرهم هذا إذا كان ذلك في الإمكان وإنما يعنينا ذكر مشاهير شيوخه وأعيان العرقيين الذين اختص بهم وقضى معظم أيامه ببغداد إلى جانبهم واستفاد من الاتصال بهم أو ارتبط برابطة الود معهم فمن أشهر هؤلاء غياث الدين عبد الكريم بن طاووس الفقيه النسابة النقيب المشهور قال (لم أر في مشايخي أحفظ منه للسير والآثار والأحاديث والأخبار والحكايات والأشعار جمع وصف وألف وكان يشارك الناس في علومهم وكانت داره مجمع الأئمة والأشراف وكتبت لخزانته الدر النظيم فيمن تسمى بعبد الكريم وسألته عن مولده فذكر أنه ولد في شعبان سنة ثمان وأربعين وستمائة وتوفي يوم السبت 16 شوال سنة ثلاث وتسعين وستمائة).
وكذلك عميد الدين أبو الحارث عبد المطلب بن شمس الدين النقيب بن المختار جاء في الكتاب عنه (مختار آل المختار الظهر ابن النقباء الأطهار من محاسن الدنيا في علو الهمة ووفور الحشمة والأخلاق المهذبة والأعراق الطيبة كان لأفاضل بغداد عليه رسوم من الأنعام يوصلها إليهم كل عام ولما وصلت من مراغة أسهم لي قسطا وافرا وكان أديبا فصيح البيان مليح الخط له اطلاع على كتب الأنساب ومشاركة في جميع العلوم والآداب صنف لأجله شيخنا جمال الدين بن مهنأ كتاب الدوحة المطلبية طالعتها في داره المعمورة سنة إحدى وثمانين وستمائة وكان ينعم ويتردد إلى داري وبطالع ما جمعته ووضعته وألفته وصنفته).
والأمير فلك الدين محمد المستعصمي قال عنه: (من أبناء الأمراء ذكر لي أنه ولد ببغداد سنة تسع وثلاثين وستمائة ولما ترعرع اشتغل بالخط والأدب والفروسية ولما أخذت بغداد حصل مع ملك الكرج واتصل بحضرة السلطان هولاكو وقربه وجعله شحنة على الحكماء الذين يلوذون بحضرته لعمل الكيمياء ولما توفي السلطان رجع إلى بغداد ورتب خازنا للديوان واشتغل في عمل كتاب الجوهر الفريد وبيت القصيد وهو كتاب لم يؤلف مثله وكان قد علاه دين فخدم خزانة الوزير سعد الدين بالكتاب فجاءه ما لم يكن في حسبانه وتوفي في رجب سنة عشر وسبعمائة وله شعر حسن وأخبار ذكرت في التاريخ أكثرها وكانت بيني وبينه معرفة وصداقة واتحاد منذ خمسين سنة ولما قدمت بغداد كنت أتردد إلى خدمته ويشرفني أيضا بحضوره وريثته بأبيات).
وقوام الدين بن علي الشيباني النعماني الكتبي قال: من بيت معروف بالرئاسة والعدالة والتصرف والقضاء كان قوام الدين صديقي يتردد إلى وكان عارفا بخطوط المصنفين وبقية الكتب واقتنى كتبا نفيسى وسافر إلى الشام وكان يعرض علي ما يحص له من النسخ المختارة بخطوط الأدباء كتبت عنه وكان حسن العشرة يحفظ كثيرا من الأشعار.
وعفيف الدين بن ميمون الحلي النحوي المجاور لدار القرآن بالمستنصرية كان يتردد إلى حضرة النقيب الكامل صفي الدين بن طباطبا ونجتمع معه وتجري لنا أوقات حميدة.
هذا وفي سنة إحدى وثمانين وستمائة زار ابن الفوطي الحلة صحبة الأمير فخر الدين بغدي ونزل ضيفا عليه مدة من الزمان وكانت الحلة مركزا من مراكز العلم والأدب في تلك الأيام فاتصل بكثير من زعمائها وأدبائها رأى جماعة منهم في دار الأمير المذكور فكتب عنهم وترجم لهم ويمكن أن يقال إن كتابه حفظ لنا جانبا من تاريخ الحلة ونهضتها العلمية وحالتها السياسية وغير ذلك في تلك الأيام.
هذا ولم يتخل ابن الفوطي عن وظيفته في المستنصرية إلا في سنة 704ه أي أنه باشرها خمسا وعشرين سنة بدأت سنة تسع وسبعين وستمائة وانتهت سنة أربع وسبعمائة وفي هذه السنة رحل إلى تبريز فأقام فيها ست سنوات عاد بعدها إلى بغداد ثم رحل مرة ثانية إلى تبريز وقد كثر تردده إليها وإقامته فيها وذلك في أيام رشيد الدين الطبيب أشهر ساسة العصر الثاني من عصور المغول وهو خليطه وزميله في الدراسة على نصير الدين وقد اختص به وقضى الشطر الأخير من حياته قريبا منه إلى أن قتل رشيد الدين سنة ثماني عشر وسبعمائة كما اختص بابنه الأمير غياث الدين وزير الشرق في أيام أبي سعيد وكانت تبريز والسلطانية وغيرهما من حواضر المغول تجتذب إليها رجال العلم والأدب والتفكير كما كانت الوفود لا تنقطع عنها ولا سيما من العراق. والخلاصة كان هذا العصر أزهى عصور تبريز لا سيما من حيث عمرانها وكثرة ما أنشئ فيها من المدارس والمعاهد الخيرية والدينية في أيام رشيد الدين وابنه الأمير غياث الدين وقد تطورت في هذا العصر مظاهر الحياة كلها لدى المغول وقطعت شعوبهم شوطا بعيدا في مضمار الحضارة وارتفعت نظمهم الاجتماعية وكان لآل الجويني في العصر السابق ولرشيد الدين الطبيب وأهل بيته من بعدهم أثر محمود في التطور المذكور كما كان من علماء تبريز في هذه الحقبة الإمام قطب الدين الرازي المتوفي سنة عشر وسبعمائة الذي اشتهر بمؤلفاته الرياضية والفلسفية والدينية وقد أخذ مقدمتهم قطب الدين المذكور وأجاز له ولا نعرف بعد نصير الدين من أثر فيه مثل قطب الدين ثم رشيد الدين الطبيب، الأول في طريقته العلمية والأخلاقية والثاني في بعض ميوله السياسة والفلسفية وقد اشتهر رشيد الدين بسعة اطلاعه كثرة مؤلفاته في الطب والفلسفة والتاريخ وله كتاب مشهور في تاريخ المغول نقل عنه ابن الفوطي كثيرا فيما كتبه عنهم كما عرف بميله إلى الحرية الواسعة في التفكير وقد أطلق الحرية التامة للمفكرين والفلاسفة أو المتفلسفين ولكنها حرية أسيئ استعمالها من انب بعض المتطرفين كما أنه أشهر من شجع التعليم والتأليف وأجزل الصلات للمؤلفين وقد ألفت باسمه كثير من الكتب ولا مثيل لهذا العصر في تاريخ المغول كله من هذه الناحية وقد نسب رشيد الدين من أجل ذلك إلى مناصرة المتفلسفين الزائغين عن الإسلام وحامت الشبه حله وحول أصحابه في هذا الشأن ولم يسلم ابن الفوطي نفسه من ذلك كما أشار إليه غير واحد من المؤرخين وكتاب ابن الفوطي هذا من خير ما يعول عليه في الاطلاع على مظاهر التفكير في ذلك العصر. وهذا ما قاله في ترجمة عضد الدين الإيجي من الكتاب المذكور: (عضد الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار يعرف بالمطرز الإيجي الفارسي من البيت المؤسس على العلم والفضل والفتيا قدم الحضرة بالسلطانية سنة ست وسبعمائة وحصل له القرب والاختصاص بحضرة الوزير الكامل رشيد الدين بن فضل الله بن أبي الخير بن عالي الهمذاني وهو يتبعه في فنون العلم والحكمة والآداب وبعد الهمة، أقام في مخيمه ينزل بنزوله ويرحل برحيله ويقول بمقاله وينتمي لرأيه. كان يدمن شرب الخمر ويتفلسف ولا يقول بالشريعة المحمدية وبذلك فارق أباه قاضي إيج واشتهر بالفجور وشرب الخمور وفارق اعتقاد الجمهور واتهم رشيد الدين بذلك ونسب إلى اعتقاده فنفاه إلى كرمان ليسلم من كلام الناس وهيهات).
انتهى كلام ابن الفوطي. وقد انفرد هذا المؤرخ بأسلوبه الجميل في النقد الصريح، وكلامه المذكور يدل على ذلك وقد كشف فيه عن هذه الناحية من حياة عضد الدين الإيجي وأيد ما نسبه المؤرخون لرشيد الدين من حمايته لفريق من المتطرفين في الآراء والمذاهب الفلسفية وقد شنع عليه خصومه بذلك سواء في حياته أو بعد مقتله في المؤامرة التي دبرت من قبلهم وأشرف عليها السلطان أبو سعيد نفسه، وإلى ذلك أشار ابن الفوطي في قوله (ليسلم من كلام الناس وهيهات). هذا وينتمي الإيجي المذكور إلى بيت كبير وقد اشتهر بمؤلفاته الكثيرة في الفقه والحكمة وكثير منها من كتب القراءة أو من الكتب المقررة في الدراسة كما نقول نحن في هذه الأيام ومنها مات يدرس الآن في بعض الزوايا والمعاهد العلمية القديمة مثل كتاب الموافق وجواهر الكلام، كما عرف بثروته الطائلة بسخائه خصوصا على طلبة العلم وقد مات عضد الدين في منفاه بكرمان.
أقام ابن الفوطي بعد حادثة الإيجي المذكورة وهي الحادثة التي رواها كما شاهدها عن كثب مدة طويلة إلى جانب صاحبه رشيد الدين في تبريز مثابرا على الدرس والتأليف وقد وضع قسما من معجمه في التراجم خلال أيام إقامته فيها والغالب أنه اشتغل تحت إشراف رشيد الدين في بعض ما أنشأه من المعاهد العلمية أو دور الكتب ولذلك يدعوه (شيخنا المخدوم الأعظم) في كثير من مواضيع المعجم المشار إليه.
كان بين من اتصل بهم ابن الفوطي في تبريز الأمير غياث الدين محمد بن رشيد الدين المذكور مؤسس المدرسة الرشيدية وهو يصف لنا إحدى الحفلات التي حضرها في المدرسة المذكورة بدعوة منه وإليك ما يقوله عنها في ترجمة الأمير المذكور (غياث الدين أبو شجاع محمد بن الوزير رشيد الدين فضل الله بن عماد الدولة أبي الخير بن معالي الهمذاني الأمير الكامل والرئيس الفاضل استدعاني إلى خدمته ليلة النصف من شعبان الواقع سنة ستة عشرة وسبعمائة بالمدرسة الرشيدية في جماعة من الأعيان والعلماء والأكابر الفضلاء فصلينا في داره العامرة ولما انقضت الصلاة تقدم بإحضار أهل الطرب وما يتعلق بأسباب الجمعيات من الفواكه وأنواع المشارب وأحيينا تلك الليلة في خدمته.
انتهى كلامه وهو كلامه وهو كلام المؤرخ يدين بمذهب الصراحة قولا عملا ويمقت الرياء فيما يكتبه عن سيرته خلافا لمعظم من كتبوا سيرتهم من العلماء والمحدثين ومن ذلك يعلم أن ابن الفوطي خلق ليكون إماما له طريقته وأساليبه الخاصة في التاريخ ولم يخلق ليكون محدثا أو فقيها فحسب ولهذه العلة صار هدفا لسهام المحدثين وطعن من طعن منهم في عدالته وعقيدته وحوسب على قلة تحرزه واحتياطه وتمرده على العرف والعادات المألوفة وفي هذه السنة المشار سنة ست عشرة وسبعمائة مات السلطان خربنده في تبريز فاشتد بموته تنافس وكثرت الدسائس بين أحزاب المغول وتضعضع مركز صاحبه رشيد الدين بل عزل فعلا فسافر ابن الفوطي إلى بغداد ثم رجع إلى السلطانية وتبريز سنة سبع عشرة وسبعمائة وقد تضائل شأن صاحبه المذكور وشرع خصومه بتنظيم المؤامرة التي أفضت إلى قتله سنة ثماني عشرة وسبعمائة وذلك في أيام السلطان أبي سعيد.
ليس يعنينا من نتائج هذه الفتنة التي قتل فيها رشيد الدين إلا ما يتعلق بمؤرخنا المشار إليه أو بتاريخ تلك النهضة التي ازدهرت في عهده فقد ذهبت الحادثة بكثير من آثار صاحبه رشيد الدين وأحرقت كتبه وكانت له مكتبة فيها خمسون ألف مجلد والأنكى من ذلك أن تذهب بكثير من كتب ابن الفوطي وآثاره طعمة للنار في تلك الحادثة الهوجاء على ما يتراءى لنا فيذهب بذهابها تاريخ العراق بل تاريخ حضارته في تلك العصور ولا يصل إلينا منها إلا النزر اليسير.
ليس لدينا الآن من آثار ابن الفوطي التي بلغت المئات وملئت الخزائن في أيامه إلا أجزاء يسيرة ومما يدعو إلى العجب إنها وجدت في أماكن نائية عن العراق فلا يعرف له الآن إلا الحوادث الجامعة وقد وجدت نسخة الأصل في القاهرة وجزء من معجمه في التراجم وقد وجد في الشام ويوجد جزء من تاريخ الكامل لابن الأثير بخطه في المكتبة الأهلية بباريز ولا سبب لضياع آثاره فيما نرى إلا فتنة تبريز التي قتل فيها صاحبه رشيد الدين فاحترقت كتبه كما احترقت في الفتنة المذكورة كتب صاحبه المذكور ولا سيما إذا علمنا بأنه ألف كثيرا من كتبه خلال إقامته الطويلة في حواضر المغول.
ويبدو لنا أنه زهد في الإقامة بأذربيجان بعدد الحوادث المذكورة وعزم على قضاء أواخر أيامه في بغداد فغادر تبريز إلى بغداد وتوفي بعد مضي خمس سنوات على حادثة تبريز ودفن رحمه الله في مقابر الشونيزية مقابر الصوفية والصالحين.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 5
ابن الفوطي عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن الصابوني، الشيخ الإمام المحدث المؤرخ العلامة الإخباري النسابة الفيلسوف الأديب كمال الدين الشيباني البغداذي ابن الفوطي صاحب التصانيف، ولد سنة اثنتين وأربعين وست مائة، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة.
قال الشيخ شمس الدين: أفردت له ترجمة في جزء ذكر أنه من ولد معن بن زائدة الأمير، أسر في كائنة بغداذ، ثم صار للنصير الطوسي سنة ستين، فاشتغل عليه بعلوم الأوائل، وبالآداب وبالنظم والنثر، ومهر في التاريخ، وله يد بيضاء في ترصيع التراجم، وذهن سيال، وقلم سريع، وخط بديع إلى الغاية، قيل إنه يكتب من ذلك الخط الفائق الرائق أربع كراريس، ويكتب وهو نائم على ظهره، وله بصر بالمنطق وفنون الحكمة. باشر كتب خزانة الرصد أزيد من عشرة أعوام بمراغة، ولهج بالتاريخ، واطلع على كتب نفيسة، ثم تحول إلى بغداذ وصار خازن كتب المستنصرية، فأكب على التصنيف وسود تاريخا كبيرا جدا، وآخر دونه سماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب في خمسين مجلدا عشرون كراسا، وألف كتاب درر الأصداف في غرر الأوصاف مرتب على وضع الوجود من المبدإ إلى المعاد يكون عشرين مجلدا، وكتاب تلقيح الأفهام في المختلف والمؤتلف مجدولا، والتاريخ على الحوادث من آدم إلى خراب بغداذ، والدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة. قال: ومشائخي الذين أروي عنهم ينيفون على الخمس مائة شيخ منهم: الصاحب محيي الدين بن الجوزي، والأمير مبارك بن المستعصم بالله حدثنا عن أبيه بمراغة. وخلف ولدين، وله شعر كثير بالعربي والعجمي، وكتب الشيخ شمس الدين مروياته.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 18- ص: 0
ابن الفوطي المؤرخ كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 24- ص: 0
ابن الفوطي كمال الدين المؤرخ، عبد الرزاق بن أحمد.
دار الفكر المعاصر، بيروت - لبنان / دار الفكر، دمشق - سوريا-ط 1( 1998) , ج: 4- ص: 47
عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عمر عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبن المعالي محمد ابن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي المفضل بن عباس بن عبد الله ابن معن بن زائدة الشيباني ابن الصابوني المعروف بابن الفوطي وهو جده لأمه كمال الدين أبو الفضل المروزي الأصل البغدادي كان يقول أنه من ذريه معن بن زائدة ولد في المحرم سنة 642 وأسر في كائنة بغداد فاتصل بالنصير الطوسى فخدمه ستغل عليه وسمع من محي الدين ابن الجوزي وباشر كتب خزانة الرصد بمراغة وهو على ما نقل أربعمائة ألف مصنف أو مجلد واطلع على نفائس الكتب فعمل تاريخا حافلا جدا ثم أختصره في آخر سماه مجمع الآداب ومعجم الأسماء على الألقاب في خمسين مجلدا وله درر الأصداف في بحور الأوصاف وله الدرر الناصعة في شعراء المائة السابعة وولي خزن كتب المستنصرية إلى أن مات وعنى بالحديث وقرأ بنفسه وكتب بخطه المليح كثيرا جدا وذكر أنه سمع من محي الدين ابن الجوزي ومبارك بن المستعصم في آخرين قال إنهم يبلغون خمسمائة إنسان وكان له نظم حسن وخط بديع جدا قلت ملكت بخطه خريدة القصر للعماد الكاتب في أربع مجلدات في قطع الكبير وقدمتها لصاحب اليمن فأثابني عليها ثوابا جزيلا جدا وكان له نظر في علوم الأوائل وكان مع حسن خطه يكتب في اليوم أربع كراريس قال الصفدي أخبرني من رآه ينام ويضع ظهره إلى الأرض ويكتب ويداه إلى جهة السقف وقال الذهبي كانت له يد بيضاء في النظم وترصيع التراجم وله ذهن سيال وقلم سريع وخط بديع وبصر بالمنطق والحكمة ويقال أنه كان يتناول المسكر ثم تاب وصلح حاله في الآخر وكان روضة معارف وبحر أخبار وقد ذكر في بعض تواليفه أنه طالع تواريخ الإسلام فسردها فمن المستغرب تاريخ خوارزم تاريخ أصبهان لحمزة ولابن مردويه ولابن منده تاريخ قزوين للرافعي تاريخ الري للابي تاريخ مراغة تاريخ آران تاريخ البصرة لابن دهجان تاريخ الكوفة لابن مجالد تاريخ واسط للدبيثي تاريخ سامرا تاريخ تكريت تاريخ الموصل تاريخ ميافارقين تاريخ العميد ابن القلانسي تاريخ صقلية تاريخ اليمن وسرد شيئا كثيرا جدا قال ابن رجب تكلم في عقيدته وفي عدالته سمعت من شيوخنا ببغداد شيئا من ذلك روى عنه ولده ببغداد وسمع منه محمود بن خليفة ومات في ثالث المحرم سنة 723
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0
ابن الفوطي عبد الرزاق بن أحمد الصابوني الحنبلي
المعروف بابن الفوطي. م سنة 723 هـ. رحمه الله تعالى.
مؤرخ نسابة أخباري محدث.
له: 1 - دور الأصداف في غرر الأوصاف. كبير جداً، ذكر أنه جمعه من ألف مصنف.
وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها. وقد تكلم في عقيدته وعدالته. والله أعلم.
2 - كتاب النسب المشجر.
3 - مجمع الآداب في معجم الألقاب. طبع عام 1382 هـ.
4 - تلقيح الأفهام في المؤتلف والمختلف.
5 - بدائع التحف في ذكر من نسب من الأشراف إلي الحرف.
دار الرشد، الرياض-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 137
ابن الفوطي العالم البارع المحدث الحافظ المفيد مؤرخ الآفاق معجز أهل العراق كمال الدين أبو الفضائل عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الشيباني
ولد في محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة وصحب خواجا نصير الطوسي وأخذ عنه علوم الأوائل ومهر على غيره في الأدب ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس وله النظم والنثر وعني بهذا الشأن وجمع وأفاد وصنف وقر بعير منها تاريخ كبير والمؤتلف والمختلف رتبه مجدولاً مات سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 519