الأنسي عبد الرحمن بن يحيى الانسي ثم الصنعاني: قاض، من شعراء اليمن. من أهل صنعاء. تعلم بها وولي القضاء في بلاد حجة، وتوفى بصنعاء. له نظم جيد جمع ولم يطبع. وكان مكثرا من الشعر الملحون المسمى بالحميني، وهو قريب الشبه بالزجل المصري، وله فيه ديوان كبير سمي (ترجيع الاطيار بمرقص الاشعار - ط).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 341
عبد الرحمن بن يحيى الآنسي ثم الصنعاني
ولد في شهر ذي القعدة سنة 1168 ثمان وستين ومائة وألف ونشأ بصنعاء فأخذ في علم العربية وغيره عن جماعة كالسيد إسمعيل بن إسمعيل ابن ناصر الدين والسيد العلامة عبد الله بن محمد الأمير وغيرهما وأخذ في الفقه على شيخنا العلامة أحمد بن محمد الحرازي وفي الحديث على المحدث العلامة لطف الباري بن أحمد الورد واكب على المطالعة واستفاد بصافي ذهنه الوقاد ووافي فكرة النقاد علوماً جمة ولاسيما في العلوم الأدبية فهو فيها أحد أعيان العصر المجيدين وولاه خليفة العصر حفظه الله القضاء في بعض البلاد اليمنية ثم نقله إلى بلاد حجة وولاه قضاء تلك الجهات وما والاها وباشره مباشرة حسنة بعفة وصيانة وحرمة ومهابة وصرامة بحيث صار أمره فيها أنفذ من أمر العمال وقد يغزو بعض المبطلين أو المخالفين للشرع بجماعة معه ويقدم إقداماً يدل على شجاعة ويسلك مسالك يقوده إليها حسن التدبير فبمجموع هذه الأوصاف صار لا يسد غيره مسده ولا يقوم مقامه سواه مع أن هذه الولاية هي دون جليل قدره ولكن مثل تلك الجهات مع شرارة أهلها وتعجر فهم وقوة صولتهم لا ينفذ الأحكام الشرعية فيهم الأمثلة ومع هذا فهو عاكف على مطالعة العلوم على اختلاف أنواعها مستغرق غالب ساعاته في ذلك كثير المذاكرة والمباحثة في المسائل الدقيقة مغرم بنظم الأشعار الفائقة الجارية على نمط العرب المحبرة بخالص اللغة وغريبها وله من النثر البليغ ما يفوق الوصف وقد اجتمعت به فرأيت من حسن محاضرته وطيب منادمته وقوة ذهنه وسرعة فهمه ما يقصر عنه الوصف وقد كتب إلى رسالة مشتملة على عشرة أسئلة أجبت عليها برسالة سميتها طيب النشر في جواب المسائل العشر وهى موجودة في مجموع رسايلي وكتب إلي هذه القصيدة الطنانة بعد أن قدم بين يديها هذا النثر الفائق ولفظه من عبد الرحمن ابن يحيى غفر الله لهما إلى المولى المنسوب إلى كل علم نسبة مؤثرة في العين عن ملكة قوية البنا على عناية وعنا الموضوع بأول الأولى من طبقات أهله لا تقتضيه المعاجيم بل بأحقية التقديم المسلمة إليه من كل عظيم الموصوف به على أفعل التفضيل وصيغ التكثير التامة وتأنيث المبالغة ذي العلامة من الأعلم والعلام والعلامة
علامة العلماء والبحر الذي | لا ينتهي ولكل بحر ساحل |
قاض اذا اشتبه الأمر إن عن له | رأي يفرق بين الماء واللبن |
بحر الإسلام حسنة الأيام أكرم | من شرب ماء الغمام مدت مدته |
وعدت عدته وحرست مهجته | وحسنت نهجته وأونست بهجته |
باهل إلى سرحة الوادي مؤوبة | قبل الممات بذي وجدبها ناشي |
ألم إلمامة لم تجتن ثمراً | ولا تفيأ ظلاً غير أكباش |
أعلل النفس بالآمال أرقبها | ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل |
وإنما الشعر لب المرء يعرضه | على المجالس ان كيساوان حمقا |
وإن اصدق بيت أنت قائله | بيت يقال إذا أنشدته صدقا |
ألا قامت تنازعنى ردائى | غداة نفضت أحلاس الثواء |
مفهفهة كخوط البان تهفو | إلي بعنق خاذلة الظباء |
يلوح القرط منه على هواء | يروقك ذاهباً فيه وجائي |
وحابسة لذي نظر طموح | عليه بلا أمام ولا وراء |
وقد أرخى مدامعها ارتحالي | وكانت ليس تدري بالبكاء |
وقالت لو أقمت لكان ماذا | حنانيك التفرق والتنائي |
وعيشك لو تركت وما تشائي | لما بعدت سماؤك من سمائى |
ولكن الزمان له صروف | وقد تعدو على القوم البراء |
وقبلي ما نبت أرض بحر | ففارقها بحب أو قلاء |
فعني لست بالرجل المروي | ولا طوع الحسان من النساء |
وعزمي قد علمت إذا ستطارت | به نية تغلغل ذا مضاء |
فكم أغرى إلى وادي هبوطي | ذياباً بالتضور والعواء |
وراع العصم في نيق صعودي | وهاج الربد في خبت نجائي |
على وجناء تخترق الموامي | وتجتاز المياه على الظماء |
يعارضها اللصوص ليدركوها | ومن يعلق براكبة الهواء |
فقادتها الادلة اقتبالى | وساقتها لثانية انثنائى |
وما انقشعت غيابتها وفيها | من الابطاء من ايلى بلائي |
وكنت على معسكرها وحكمي | لهم أما علمت على سوائي |
بوضاح ضمان المال عاف | جنايا العمد شداخٍ الدماء |
وسل عنى العداة فعندهم من | ممارستي مصدقة ادعائي |
وما أنا بالبخيل بنائيات الحقوق | على الإضافة والثراء |
ولا كل على الأخوان عى | ولا شاكى الصديق من الجفاء |
ولا بمفحم أن ناغمتني | بنات الشعر منه بالحداء |
وقد جربت هذا الدهر حتى | مرنت على المراضي والمسائي |
ولم أعدم على الخطب اصطباري | ولم افقد على الهول اجترائي |
ولا استوحشت من شيء أمامى | ولم أحزن على شيء ورائي |
ولولا عالم المصر الذي سر | ت عنه لما حننت إليه نائي |
لنعم محمد رجلا وحق | له وعليه طيبة الثناء |
هوالبحر الذي جاشت بعلم | غوارب موجه ذات ارتماء |
فطبقت البلاد وعاد منها | إليه الفضل عن عذر ملاء |
تعالى الله معطية امتناناً | وليس الله محظور العطاء |
لقد آتاه علماً من لدنه | يضيق بوسعه ذات القضاء |
ولكن صدره المشروح أضخى | كما بين الثريا والثراء |
وحين لقيته بادي بداء | بوقت مثل ابهام القطاء |
لقيت به الأئمة في فنون | بفرد الشخص متحد الرواء |
ففي علم الكلام أبا علي | وفي علم اللغات أبا العلاء |
وفي التصريف عثمان بن جني | وفي النحو المبرد والكسائي |
وجار الله في علم المعاني | وإبراز النكات من الخفاء |
وابن كثير الشيخ المعالي | من التفسير خافقة اللواء |
وزين الدين في التحديث حفظاً | لإسناد ومتن ذا وكاء |
ويحيى في الرجال بنقد قول | جرى فيه بصفو أو جفاء |
وفي التاريخ والأخبار جما | عها الذهبي فهاق الإناء |
وفي الفقه ابن رشد من تحلت | نهايته بحسن الابتناء |
وعند قضائه ولدى فتاواه | عن تبريزه كشف الغطاء |
فلو لازمته من بعد أوكا | ن حظى منه تكرار اللقاء |
اذا لغدوت رأسا في علوم | يكون بهديه فيها اهتدائى |
أنادي قائلا قولاً سديداً | يصدق بين مستمعي النداء |
بانك صاحب السهم المعلا | بين سهام إرث الأنبياء |
وأنك عالم القطر المسمى | ومجتهد الزمان بلا مراء |
وأن مجدد المائة التي نحن | فيها لهو أنت بلا امتراء |
وأنك لا نرى لك من مثيل | ولم تر مثل نفسك في المرائي |
وأن شريعة الدين استنارت | بما سميت فيها للقضاء |
أصاب بك الخليفة فرض عين | عليك مضيقاً وقت الأداء |
فلو لم تقض بين الناس طوعاً | أثمت بما جنحت إلى الآباء |
جزيت عن اليتيم وأمه والضعيف | وقومه خير الجزاء |
أخذت لهم بحقهم فباتوا | وقد أمنوا تعدي الأقوياء |
وطائفة على قاض ومفت | ترادوها بثوب الأعمياء |
وساعة ما أتتك فككت منها | معماها بواضحة السناء |
وهذا ربح علمك فاستف خيره | في الابتداء والانتهاء |
ولا برحت سوارى الغيث صنعاء | ما طرفتك حيافى الحواء |
فإن تهلك فلا شامت عليها | عيون الناس بارقة الحياء |
ولا حملت عقيب الطهر أنثى | ولا ولدت غلاما ذا ذكاء |
ليس على الله بمستنكر | أن بجمع العالم في واحد |
وما الشعر هذا من شعاري وإنما | أجرب فكري كيف يجري نجيبه |
وأنما الشعر صعب سلمه | إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه |
يريد أن يعربه فيعجمه | زلت به إلى الحضيض قدمه |
لولابس الصخر الأصم بعض ما | يلقاه قلبي فض أصلاد الصفا |
دعي لومي على فرط الهواء | وداوي أن قدرت على الدواء |
وكوني عن سلوى في سلو | إذا أنوى الحبيب على النواء |
أبانوا يوم بانوا عن فؤادى | عرى صيرى فبانوا بالعراء |
فلا حملت هوادجها الهوادي | ولا سمعت تراجيع الحداء |
تخب بكل عامرة وقفر | وتخترق الموامي للتنائي |
فانحي حاذر يوماً عليها | وضرج قادميها بالدماء |
وناشتها السباع ومزقتها | القشاعم بين أدلاج الفضاء |
وياحادى المطى إلا رثاء | وشر الناس مسلوب الرثاء |
حدوت فكم عقول طايشات | وأرواح تروح إلى الفناء |
فلا رفعت يداك إليك سوطاً | ولا نقلتك مسرعة الخطاء |
تروعنى ببين بعد بين | طويل في قصير من لقاء |
امابسوى الفراق لقيت قلبي | لتعلم في الحوادث ما عنائي |
فإني إن ألم الخطب يوماً | وضاق بحمله وجه الثراء |
وطاشت عنده أحلام قوم | وحاد الآخرون إلى الوراء |
أقوم به إذا قعدوا لديه | وادفعه إذا أعيا سواي |
وما المرء المكمل غير حر | له عند العنا كل الغناء |
تساوي عنده خير وشر | يرى طعم المنية كالمناء |
يحوز السبق في أمن وخوف | ويكرم عند فقر أو غناء |
تراه وهو ذو طمرين يمشي | بهمته على هام السماء |
تقدمه فضائله إذا ما | تفاخر بالملا كل الملاء |
ألا أن الفتى رب المعالي | إذا حققت لارب الثراء |
ومن حاز الفضائل غير وان | فذاك هو الفتى كل الفتاء |
فما الشرف الرفيع بحسن ثوب | ولا دار مشيدة البناء |
ولا بنفوذ قول في البرايا | فإن نفوذه أصل البلاء |
فرأس المجد عند الحر علم | يجود به على غاد وجائي |
إذا ما المرء قام بكل فن | قياما في السمو إلى السماء |
وصار له بمدرجة صعود | إلى عين الحقيقة والجلاء |
وقام لدفع معضلة وحل | لمشكلة ورفع للخفاء |
فذاك الفرد في ملأ المعالي | كما الفرد ابن يحيى في الملاء |
فتى يهتز عطف الدهر شوقاً | إليه لأنه رب العلاء |
إذا ما جال في بحث ذكاه | تنحى عنه أرباب الذكاء |
وإن ما راه ذو لدد أتاه | بما يثنيه عن فرط المراء |
تقاصر عن مداه كل حبر | لما يلقاه من بعد المداء |
فيامن صار في سلك المعالي | هو الدر النفيس لكل راء |
وضمخ مسمع الأيام طيباً | بما قد طاب من حسن الثناء |
وقام بفترة الآداب يدعو | وفي يمناه خافقة اللواء |
بلغت من العلوم إلى مكان | تمكن في السمو وفي السناء |
قعدت من البلاغة في محل | به الصابي يعود إلى الصباء |
وصغت من القريض بنات فكر | دفعت بها الورى نحو الوراء |
وجيه الدين دمت لكل فن | تبهرج فيه أهل الإدعاء |
تذود الشائنين له بجهل | فيصفو العلم عن شوب القذاء |
علومك زانها سمت بهى | وحسن السمت من حلل البهاء |
أتانى يابن يحيى منك نظم | تعالى عن نظام أبي العلاء |
على نمط الأعارب في لغات | وفي حسن الروي وفى الرواء |
تحدى من تعاوزه هموم | يعود بها الجلي إلى الخفاء |
يعاني من خصوم أو خصام | خطوباً في الصباح وفي المساء |
فحيناً في صراخ أو عويل | وحيناً في شكاء أو بكاء |
وأن يصفو له وقت تراه | يوقع في رقاع الادعاء |
ويمضى الليل في نشر وطى | لاسجال قد يمات البناء |
وقفنا يابن ودي في شفير | ومن زار الشفير على شفاء |
بذا قد جاءنا نص صريح | فما ذاك السبيل إلى النجاء |
فإن قلت النصوص بعكس هذا | أتتنا بالأجور وبالرجاء |
كما في أجر من يقضى بحق | ويعمل باجتهاد في القضاء |
ويعدل في حكومته برفق | ويلتف المكاره بالرضاء |
ويلبس بالقنوع رداء عز | يطرزه بوشي الاتقاء |
ويدرع التصبران دهاه | من الخصمين لافحة البلاء |
فذاك كما يقول وأين هذا | هو العنقاء بين أولي النهاء |
قصارى ما تراه بغير شك | مراء أو فضول من مرائى |
ومن لم يعقل البرهان يوماً | فأنى ينتحيه في القضاء |
إذا لم يفطن التركيب قاض | فقل لي كيف يفطن بالخطاء |
ومن خفيت عليه الشمي حيناً | فكيف تراه يظفر بالسهاء |
ومن أعياه نور من نهار | فكيف يروم إدراك البهاء |
وهذي نفثة من صدر حر | أطال ذيولها صدق الإخاء |
وانزر ما يبوح بها شجي | إلى أحبابه بث الشجاء |
وأعظم مستفاد من عهاد | تواصلنا باصناف الدعاء |
ودم يابن الكرام في نعيم | عظيم في الصفات وفي الصفاء |
وأوله سيطت بقلبي من الهوى | فقل بالهوى بالأولية بادي |
وفود حبيب أم ورود عهاد | وصوت بشير أم ترنم شاد |
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 340