عبد الرحمن الداخل عبد الرحمن بن معاوية، الملقب بصقر قريش، ويعرف بالداخل، الاموي: مؤسس الدولة الاموية في الاندلس، وأحد عظماء العالم. ولد في دمشق، ونشأ يتيما (مات ابوه وهو صغير) فتربى في بيت الخلافة. ولما انقرض ملك الامويين في الشام. وتعقب العباسيون رجالهم بالفتك والاسر، افلت عبد الرحمن، واقام في قرية على الفرات. فتتبعته الخيل، فأوى إلى بعض الادغال حتى أمن، فقصد المغرب، فبلغ افريقية. فلج عاملها (عبد الرحمن بن حبيب الفهري) بطلبه، فانصرف إلى مكناسة وقد لحق به مولاه (بدر) بنفقة وجواهر كان قد طلبها من اخت له تدعى (ام الاصبع) ثم تحول إلى منازل نفزاوة وهم جيل من البربر، امه منهم. فأقام مدة يكاتب من في الاندلس من الامويين. وبعث اليهم بدرا مولاه، فأجابوه وسيروا له مرككبا فيه جماعة من كبرائهم، فأبلغوه طاعتهم له، وعادوا به إلى الاندلس فأرسى بهم مركبهم (سنة 138هـ) في المنكب (Almunecar) وانتقلوا إلى اشبيلية، ومنها إلى قرطبة، فقاتلهم والى الاندلس (يوسف ابن عبد الرحمن الفهري) فظفر عبد الرحمن الاموي، ودخل قرطبة واستقر. وبنى فيها القصر وعدة مساجد. وجعل الخطبة للمنصور العباسي، فطمأن اليه أهل الاندللس. ولما انتظم له الامر، ووثق بقوته، قطع خطبة العباسيين واعلن امارته استقلالا. والمنصور العباسي اول من لقبه بصقر قريش. ولقب بالداخل لانه اول من دخل الاندلس من ملوك الامويين. وكان (كما وصفه ابن الاثير) حازما، سريع النهضة في طلب الخارجين عليه، لايخلد إلى راحة، ولايكل الامور إلى غيره، ولا ينفرد برأيه، شجاعا، مقداما شديد الحذر، سخيا، لسنا، شاعرا، عالما، يقاس بالمنصور في حزمه وشدته وضبطه الملك. وبنى الرصافة بقرطبة تشبها بجده هشام باني رصافة الشام. وتوفى بقرطبة ودفن في قصرها. ولعلي ادهم كتاب (صقر قريش - ط) في سيرته.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 338

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ذكر دخول الإمام عبد الرحمن بن معاوية الأندلس
وهو: عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم ابن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.
قال أحمد: دخل الإمام: عبد الرحمن بن معاوية (رحمه الله) ؛ الأندلس: سنة ثمان وثلاثين ومائة؛ واستولى على الملك؛ ودخل القصر: يوم الجمعة - يوم الأضحى -: سنة ثمان وثلاثين ومائة: وتوفي (رحمه الله) في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائة.
وكانت ولايته: ثلاثا وثلاثين سنة، وأربعة أشهر.
وقال الرازي: تفي الإمام: عبد الرحمن بن معاوية (رحمه الله): يوم الثلاثاء لست بقين من ربيع الآخر، سنة اثنتين وسبعين ومائة؛ ودفن: في القصر بقرطبة؛ وصلى عليه ابنه: عبد الله؛ المعروف: بالبلنسي؛ وهو: ابن تسع وخمسين سنة، وأربعة أشهر.
وولد: بدير حمينا؛ من دمشق؛ سنة ثلاث عشرة ومائة.
فلبث في خلافته - من يوم بويع له، إلى أن مات -: ثلاثا وثلاثين سنة، وأربعة أشهر، وأربعة عشر يوما.

  • مكتبة الخانجي - القاهرة-ط 2( 1988) , ج: 1- ص: 11

عبد الرحمن الداخل عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الأموي الداخل إلى الأندلس، وهو أول من ملك الأندلس، وانفلت من بين يدي بني العباس وأبعد إلى المغرب. أقام ببرقة خمس سنين، ودخل بدر مولاه يتجسس له الأخبار، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلا من أهل الخلافة أكنتم تبايعونه؟ فقالوا: وكيف لنا بذلك؟ فقال بدر: هذا عبد الرحمن بن معاوية فأتوه فبايعوه، فولي عليهم ثلاثا وثلاثين سنة، وكان دخوله الأندلس سنة تسع وثلاثين ومائة، وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وسبعين ومائة، وكانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة وأربعة أشهر. وكان يوسف الفهري أول من قطع الدعوة عنهم، وكانوا من قبله يدعون لولد عبد الملك بن مروان بالخلافة فأبطل يوسف ذلك، فلما دخل عبد الرحمن قاتل يوسف واستولى على البلاد، وبقي ملك الأندلس بأيدي أولاده إلى رأس الأربع مائة.
وكان عبد الرحمن من أهل العلم، على سيرة جميلة من العدل في قضائه، وكانوا يقولون: ملك الدنيا ابنا بربريتين، يعنون المنصور وعبد الرحمن، وكان المنصور إذا ذكر له عبد الرحمن قال: ذاك صقر قريش دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية حتى تملك. قال ابن حزم: خطب عبد الرحمن بالخلافة لأبي جعفر المنصور أعواما، ثم ترك الخطبة، ولم تهجه بنو العباس ولا تعرض هو لهم. وكان بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن، وكان فيها نخلة تولدت منها كل نخلة بالأندلس. وتوفي في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين ومائة.
وقيل إن رجلا ممن كان له علم رأي فيه علامة فقال له: إن أمر الأندلس صائر إليك، فهو الذي حثه على التوجه إلى الأندلس، وبويع بطتيانة من قرى الوادي بإشبيلية، وطلبت قناة تعقد له فيها راية فلم توجد، فعقدوا له ملحفة في قصبة، وكانت الأندلس غفلا من سمة الملك، فدون الدواوين وجند الأجناد وفرض الأعطية وأقام للملك أبهة وشعارا.
ومن شعره:

ومنه:
ومنه:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 18- ص: 0

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أمير الأندلس وسلطانها، أبو المطرف الأموي، المرواني، المشهور: بالداخل؛ لأنه حين انقرضت خلافة بني أمية من الدنيا، وقتل مروان الحمار، وقامت دولة بني العباس، هرب هذا، فنجا، ودخل إلى الأندلس، فتملكها.
وذلك أنه فر من مصر، في آخر سنة اثنتين وثلاثين، إلى أرض برقة، فبقي بها خمس سنين، ثم دخل المغرب، فنفذ مولاه بدرا يتجسس له، فقال للمضرية: لو وجدتم رجلا من
بيت الخلافة، أكنتم تبايعونه؟ قالوا: وكيف لنا بذلك؟ فقال: هذا عبد الرحمن بن معاوية. فأتوه، فبايعوه، فتملك الأندلس ثلاثا وثلاثين سنة، وبقي الملك في عقبه إلى سنة أربع مائة. ولم يتلقب بالخلافة، لا هو ولا أكثر ذريته، إنما كان يقال: الأمير فلان.
وأول من تلقب بأمير المؤمنين منهم: الناصر لدين الله، في حدود العشرين وثلاثمائة، عندما بلغه ضعف خلفاء العصر، فقال: أنا أولى بإمرة المؤمنين.
دخل عبد الرحمن بن معاوية الأندلس في سنة ثمان وثلاثين.
ومولده بأرض تدمر سنة ثلاث عشرة ومائة، في خلافة جده.
وأما أبو القاسم بن بشكوال الحافظ، فقال: فر من المشرق عند انقراض ملكهم، هو وأخوان أصغر منه، وغلام لهم، فلم يزالوا يخفون أنفسهم، والجعائل قد جعلت عليهم، والمراصد، فسلكوا حتى وصلوا وادي بجاية، فبعثوا الغلام يشتري لهم خبزا، فأنكرت الدراهم، وقبض على الغلام، وضرب، فأقر فأركبوا خيلا، فرأى عبد الرحمن الفرسان، فتهيأ للسباحة، وقال لأخويه: اسبحا معي. فنجا هو، وقصرا، فأشاروا إليهما بالأمان، فلما حصلا في أيديهم، ذبحوهما، وأخوهما ينظر من هناك، ثم آواه شيخ كريم العهد، وقال: لأسترنك جهدي. فوقع عليه التفتيش ببجاية، إلى أن جاء الطالب إلى دار الشيخ، وكان له امرأة ضخمة، فأجلسها تتسرح، وأخفى عبد الرحمن تحت ثيابها، وصيح الشيخ: يا سبحان الله! الحرم. فقالوا: غط أهلك. وخرجوا، وستره الله مدة، ثم دخل الأندلس في قارب سماك، فحصل بمدينة المنكب.
وكان قواد الأندلس وجندها موالي بني أمية، فبعث إلى قائد، فأعلمه بشأنه، فقبل يديه، وفرح به، وجعله عنده، ثم قال: جاء الذي كنا نتحدث أنه إذا انقرض ملك بني أمية بالمشرق، نبغ منهم عبد الرحمن بالمغرب. ثم كتب إلى الموالي، وعرفهم، ففرحوا، وأصفقوا على بيعته، واستوثقوا من أمراء العرب، وشيوخ البربر. فلما استحكم الأمر، أظهروا بيعته بعد ثمانية أشهر، وذلك في ربيع الآخر، سنة ثمان وثلاثين ومائة، فقصد قرطبة، ومتولي الأندلس يومئذ: يوسف الفهري، فاستعد جهده، فالتقوا، فانهزم يوسف، ودخل عبد الرحمن بن معاوية الداخل قصر قرطبة يوم الجمعة، يوم الأضحى من العام. ثم حاربه يوسف ثانيا ودخل قرطبة، واستولى عليها، وكر عبد الرحمن عليه، فهرب يوسف، والتجأ إلى غرناطة، فامتنع بإلبيرة. فنازله عبد الرحمن، وضيق عليه، ورأى يوسف اجتماع الأمر للداخل، فنزل بالأمان بمحضر من قاضي الأندلس يحيى بن يزيد التجيبي، وكان رجلا
صالحا، استعمله على القضاء عمر بن عبد العزيز، فزاده الداخل إجلالا وإكراما، فبقي على قضائه إلى أن مات سنة اثنتين وأربعين ومائة، فاستعمل على القضاء معاوية بن صالح. فلما أراد معاوية هذا، الحج، وجهه الداخل إلى أختيه بالشام، وعمته رملة بنت هشام، ليعمل الحيلة في إدخالهن إلى عنده، وأنشد عند ذلك:

فلما وصل إليهن، قلن: السفر، لا نأمن غوائله على القرب، فكيف وقد حالت بيننا بحار ومفاوز، ونحن حرم، وقد آمننا هؤلاء القوم على معرفتهم بمكاننا منه، فحسبنا أن نتملى المسرة بعزة وعافية.
فانصرف بكتابهما، وبعثا إليه بأعلاق نفيسة من ذخائر الخلافة، فسر بها الأمير عبد الرحمن، وقضى لرأيهما بالرجاحة، ثم بعد وصل آخر من الشام بكتاب منهن، وبهدايا وتحف منها: رمان من رصافة جدهم هشام، فسر به الداخل، وكان بحضرته سفر بن عبيد الكلاعي من أهل الأردن، فأخذ من الرمان، وزرع من عجمه بقريته حتى صار شجرا، وزاد حسنا، وجاء بثمره إلى الأمير، وكثر هناك، ويعرف بالسفري، وغرس منه بمنية الرصافة.
ورأى الداخل نخلة مفردة بالرصافة، فهاجمت شجنه، وتذكر وطنه، فقال:
قال ابن حيان: وحين افتتح المسلمون قرطبة، شاطروا أهلها كنيستهم العظمى، كما فعل أبو عبيدة وخالد بأعاجم دمشق، فابتنوا فيه مسجدا، وبقي الشطر بأيدي الروم إلى أن كثرت عمارة قرطبة، وتداولتها بعوث العرب، فضاق المسجد، وعلق منه سقائف، وصار الناس ينالون مشقة لقصر السقائف إلى أن أذخر الله فيه الأجر لصحيفة الداخل، وابتاع الشطر الثاني من النصارى بمائة ألف دينار، وقبضوها على ملأ من الناس، ورضوا بعد تمنع، وعمل هذا
الجامع الذي هو فخر الأرض وشرفها من مال الأخماس، وكمل على مراده، وكان تأسيسه في سنة سبعين ومائة، فتمت أسواره في عام. وبلغ الإنفاق فيه إلى ثمانين ألف دينار، فقال دحية البلوي:
وقال أيضا:
وكملت أبهاء الجامع سبعة أبهاء، ثم زاد من بعده حفيده الحكم الربضي بهوين، ثم زاد عبد الرحمن بن الحكم بهوين، فصارت أحد عشر بهوا، ثم زاد المنصور بن أبي عامر ثمانية أبهاء، وعمل جامع إشبيلية وسورها بعد المائتين.
قال ابن بشكوال: كان عدد القومة لجامع قرطبة في مدة المنصور وقبلها ثلاث مائة رجل.
وقال ابن مزين: في قبلته انحراف. وقد ركب الحكم المستنصر بالله مع الوزراء والقاضي منذر البلوطي، وقد هم بتحريف القبلة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، قد صلى بهذه القبلة خيار الأئمة والتابعون، وإنما فضل من فضل بالاتباع، وأمير المؤمنين أولى من اتبع، فترك القبلة بحالها.
قال ابن حيان: بلغ الإنفاق في المنبر الحكمي إلى خمسة وثلاثين ألف دينار وسبعمائة دينار ونيف، وقام من ستة وثلاثين ألف وصلة من الأبنوس، والصندل، والعناب، والبقم في مدة أربع سنين، وأول من خطب عليه منذر بن سعيد البلوطي، وبلغت أعمدة جامع قرطبة إلى ألف وأربعمائة سارية وتسع سواري، وعمل الناصر صومعة ارتفاعها من الأرض إلى موقف المؤذن أربعة وخمسون ذراعا، وعرضها ثمانية عشر ذراعا، وبأعلى ذروتها سفود طويل فيه ثلاث رمانات: إحداهما فضة، والأخرى ذهب إبريز، وفوقها سوسنة ذهب
مسدسة، فهذه المنارة إحدى عجائب الدنيا، وذرع المحراب إلى داخل ثمانية أذرع ونصف، ومن الشرق إلى الغرب سبعة أذرع ونصف، وارتفاع قبوه ثلاثة عشر ذراعا ونصف، وذراع المقصورة من الشرق إلى الغرب خمسة وسبعون ذراعا، وعرضها من جدار الخشب إلى القبلة اثنان وعشرون ذراعا، وطول الجامع ثلاثمائة وثلاثون ذراعا، ومن الشرق إلى الغرب مائتان وخمسون ذراعا.
وأما الإسلام فكان عزيزا منيعا بالأندلس في دولة الداخل، فانظر إلى هذا الأمان الذي كتب عنه للنصارى:
بسم الله الرحمن الرحيم: كتاب أمان ورحمة، وحقن دماء وعصمة، عقده الأمير الأكرم الملك المعظم عبد الرحمن بن معاوية، ذو الشرف الصميم، والخير العميم، للبطارقة والرهبان، ومن تبعهم من سائر البلدان، أهل قشتالة وأعمالها، ما داموا على الطاعة في أداء ما تحملوه، فأشهد على نفسه أن عهده لا ينسخ ما أقاموا على تأدية عشرة آلاف أوقية من الذهب، وعشرة آلاف رطل من الفضة، وعشرة آلاف رأس من خيار الخيل، ومثلها من البغال، مع ذلك ألف درع وألف بيضة، ومن الرماح الدردار مثلها في كل عام، ومتى ثبت عليهم النكث بأسير يأسرونه، أو مسلم يغدرونه، انتكث ما عوهدوا عليه، وكتب لهم هذا الأمان بأيديهم إلى خمس سنين، أولها صفر عام اثنين وأربعين ومائة.
وذكر ابن عساكر بإسناد له: أن عبد الرحمن لما عدى إلى الجزيرة، فنزلها، اتبعه أهلها، ثم مضى إلى إشبيلية، فاتبعه أهلها، ثم مضى إلى قرطبة، فاتبعه من فيها، فلما رأى يوسف الفهري العساكر قد أظلته، هرب إلى دار الشرك، فتحصن هناك، وغزاه عبد الرحمن بعد ذلك، فوقعت نفرة في عسكره، فانهزم، ورد عبد الرحمن بلا حرب، وجعل لمن أتاه برأس يوسف جعلا، فأتاه رجل من أصحاب يوسف برأسه.
وقال الحميدي: دخل عبد الرحمن الأندلس، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف عبد الرحمن الفهري متولي الأندلس، فهزمه، وكان عبد الرحمن من أهل العلم على سيرة جميلة من العدل.
وقال أبو المظفر الأبيوردي في ’’أخبار بني أمية’’: كان الناس يقولون: ملك الأرض ابنا بربريتين -يعني: عبد الرحمن، والمنصور.
وكان المنصور يقول عن عبد الرحمن بن معاوية: ذاك صقر قريش، دخل المغرب وقد قتل قومه، فلم يزل يضرب العدنانية بالقحطانية حتى ملك.
وقال سعيد بن عثمان اللغوي المتوفى سنة أربع مائة: كانت بقرطبة جنة اتخذها عبد الرحمن بن معاوية، كان فيها نخلة أدركتها.
وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن معاوية:
وقد ولي على الأندلس عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي في أيام عمر بن عبد العزيز، فبنى تلك القناطر بقرطبة بقبلي القصر والجامع، وهي ثمانية عشر قوسا، طولها ثمانمائة باع، وعرضها سوى ستائرها عشرون باعا، وارتفاعها ستون ذراعا، وهي من عجائب الدنيا.
ولما انقرضت دولة بني أمية، اتفق الناس على تقديم يوسف بن عبد الرحمن بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، فعمرت البلاد في أيامه، واتسعت، فلما أراد الله ظهور ملك بني أمية بالأندلس، ذلت لعبد الرحمن قبائل العرب، وسلم له الأمر، وقتل يوسف الفهري بوادي الزيتون، وخطب لعبد الرحمن بجميع الأمصار بها، وشيد قرطبة وعزا عدة غزوات.
من ذلك: غزوة قشتالة، جاز إليها من نهر طليطلة، وفرت الروم أمامه، وتعلقت بالحبال، فلم يزل حتى وصل مدينة برنيقة، من مملكة قشتالة، فنزل عليها، وأمر برفع الخيام، وشرع في البناء، وأخذ الناس يبنون، فسلموا إليه الأمان عند إياسهم من النجدة، وخرجوا بثيابهم فقط، وما يزودهم، ثم كتب لأهل قشتالة ذلك الأمان الذي تقدم، وهو بخط الوزير بشر بن سعيد الغافقي.
ولما صفا الأمر لعبد الرحمن بعد مقتل عثمان بن حمزة، من ولد عمر ابن الخطاب، وذلك بعد سبعة أعوام من تمنعه بطليطلة، عظم سلطانه، وامتدت أيامه، وعاش ستين سنة، ثم توفي سنة اثنتين وسبعين ومائة، وأيست بنو العباس من مملكة الأندلس لبعد الشقة.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 7- ص: 274

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان
الداخل إلى الأندلس ويقال له صقر قريش سماه أبو جعفر المنصور بذلك وكنيته أبو المطرف وهو الأشهر في كنيته وقيل أبو زيد وقيل أبو سليمان
هرب في أول دولة بنى العباس إلى المغرب وتردد بنواحي إفريقية وأقام دهر في أخواله نفزة من قبائل البربر وكانت أمه منهم راح ثم لحق بالأندلس في غرة شهر ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين ومائة وهزم أميرها يوسف ابن عبد الرحمن الفهري في يوم الخميس لتسع خلون من ذي الحجة من هذه السنة واستوسقت له الخلافة ليوم آخر يوم الجمعة يوم الأضحى وهو ابن ست وعشرين سنة
ودعا لنفسه عند استغلاظ أمره واستيلائه على دار الإمارة قرطبة ويقال إنه أقام أشهراً دون السنة يدعو لأبي جعفر المنصور متقيلا في ذلك يوسف الفهري الوالي قبله إلى أن أفرد نفسه بالدعاء ويقال إن عبد الملك بن عمر ابن مروان بن الحكم أشار عليه بذلك عند خلوصه إليه فقبله إلا أنه لم يعد أسم الإمارة وسلك الأمراء من ولده سنته في ذلك إلى أبى عهد عبد الرحمن بن محمد الناصر لدين الله فهو الذي تسمى بالخلافة بعد سنين من سلطانه ودعي بأمير المؤمنين لما أستفحل أمره وأستبان له ضعف ولد العباس وانتثار سلطانهم بالمشرق وذلك في آخر خلافة المقتدر بالله جعفر بن أحمد المعتضد منهم ذكر ذلك أبو مروان حيان بن خلف بن حيان صاحب تاريخ الأندلس
ومن شعر عبد الرحمن بن معاوية يتشوق معاهده بالشام أنشده الحميدي في تاريخه

وقال أيضا في حيوة بن ملامس الحضرمي من جند حمص النازلين إشبيلية وكانت له منه منزلة لطيفة في أول ملكه
وحكى عيسى بن أحمد الرازي أن عبد الرحمن بن معاوية أول نزوله منية الرصافة بقرطبة واتخاذه لها نظر إلى نخلة مفردة فهاجت شجنه وتذكر بلد المشرق فقال بديهاً
وقال أيضا فيها
وقد قيل إن الأبيات الأربعة الأول لعبد الملك بن بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان بن الحكم قالها عند دخوله الأندلس فراراً من بني العباس في صدر أيام الأمير عبد الرحمن بن معاوية وقيل في الأبيات الأخيرة إنها لعبد الملك بن عمر بن مروان بن الحكم وقد اجتاز في قصده قرطبة حضرة الأمير عبد الرحمن بن معاوية على ما حكى الحافظ بمدينة إشبيلية فرأى في موضع منها يعرف ب النخيل إلى اليوم نخلة مفردة فلحقته رقة عند النظر إليها وقال بديهاً الأبيات المذكورة
ومما يرد هذا القول ويقوى نسبتها أعني الأبيات الأخيرة لعبد الرحمن ابن معاوية ما حكى الحافظ أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال في تاريخه وقرأته على القاضي أبي الخطاب أحمد بن محمد بن واجب القيسي بمدينة بلنسية عنه قراءة عليه بحضرة قرطبة قال: قال أبو بكر محمد بن موسى بن فتح يعرف بابن الغراب دخلت يوماً على أبي عثمان بن القزاز وهو يعلق فقلت له رأيت الساعة في توجهي إليك القاضي والوزراء والحكام والعدول قد نهضوا بجمعهم إلى حيازة الجنة المعروفة ب ربنالش وهبها هشام للمظفر بن أبي عامر قال فقال لي ابن القزاز إن هشاماً لضعيف هذه الجنة المذكورة
هي أول أصل أتخذه عبد الرحمن بن معاوية وكان فيها نخلة أدركتها بسنى ومنها توالدت كل نخلة بالأندلس قال وفي ذلك يقول عبد الرحمن بن معاوية وقد تنزه إليها فرأى تلك النخلة فحن يا نخل أنت غريبة مثلي وذكر الأبيات إلى آخرها
وحكى أبو عمر أحمد بن محمد بن فرج صاحب كتاب الحدائق المؤلف للحكم المستنصر بالله من أشعار الأندلسيين قال بلغني أن بعض الوفود من قريش كتب إلى الإمام عبد الرحمن بن معاوية رحمه الله يستعظم حقه عليه بالرحم ويستقل حظه منه بالمسطمع فوقع في ظهر كتابه
وبعض هذا الشعر عن ابن حيان وأوله عنده
فجاب قفراً البيت
وبعده
إلا أن ابن حيان ذكر عن معاوية بن هشام الشبينسي أن جلساء عبد الرحمن القادمين عليه من فل أهله بالشام حدثوه يوماً ما كان من
الغمر بن يزيد بن عبد الملك بن مروان ابن عمه أيام محنتهم وكلامه للعباس الساطي بهم ونسب ذلك إلى عبد الله بن علي وفي الأوراق للصولى أن السفاح عبد الله بن محمد بن علي تولى قتل الغمر وقد فخر في مجلسه بمناقب قومه وكثر القوم في وصف ذلك وعجوا به فكأن الأمير عبد الرحمن أحتقر ذلك في جنب ما كان منه هو في الذهاب بنفسه لاقتطاع قطعة من مملكة الإسلام عن عدوه وقام من مجلسه فصاغ هذه الأبيات بديهة
قال ابن الفرج وأتاه في بعض غزواته آتٍ ممن كان يعرف كلفه بالصيد فأخبره عن غرانيق واقعة في جانب من مضطرب العسكر وحركه إلى اصطيادها فقال
#أولا فأنت أرذل الخلائق ...

  • دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 1- ص: 1

عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان يكنى أبا المطرف
مولده بالشام سنة عشرة ومائة، وأمه أم ولد اسمها راح هرب لها ظهرت دولة بني العباس، ولم يزل مستتراً إلى أن دخل الأندلس في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثين ومائة في زمن أبي جعفر المنصور، فقامت معه اليمانية، وحارب يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري، الوالي على الأندلس، فهزمه واستولى عبد الرحمن على قرطبة يوم الأضحى من العام المذكور، فاتصلت ولايته إلى أن مات سنة اثنتين وسبعين ومائة وكان من أهل العلم، وعلى شهرة جميلة من العدل. ومن قضاته معاوية بن صالح الحضرمي الحمصي، وله أدب وشعر، ومن شعره يتشوق إلى معاهده بالشام قال:

  • دار الكاتب المصري - القاهرة - دار الكتاب اللبناني - بيروت - لبنان-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 1