أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم: مؤسس الدولة العباسية، واحد كبار القادة. ولد في ماه البصرة (مما يلي اصبهان) عند عيسى ومعقل ابني ادريس العجلي، فربياه إلى ان شب، فاتصل بابراهيم بن الامام محمد (من بني العباس) فأرسله ابراهيم إلى خراسان، داعية، فأقام فيها واستمال اهلها. ووثب على ابن الكرماني (والى نيسابور) فقتله واستولى على نيسابور، وسلم عليه بأمرتها، فخطب باسم السفاح العباسي (عبد الله بن محمد) ثم سير جيشأ لمقاتلة مروان بن محمد (آخر ملوك بني امية) وانهزمت جنود مروان إلى الشام، وفر مروان إلى مصر، فقتل في بوصير، وزالت الدولة الاموية الاولى (سنة 132هـ) وصفا الجو للسفاح إلى ان مات، وخلفه اخوه المنصور، فرأى المنصور من أبي مسلم ما اخافه ان يطمع بالملك، وكانت بينهما ضغينة، فقتله برومة المدائن. عاش أبو مسلم سبعا وثلاثين سنة بلغ بها منزلة عظماء العالم، حتى قال فيه المأمون: (اجل ملوك الارض ثلاثة، وهم الذين قاموا بنقل الدول وتحويلها: الاسكندر، وأزدشير، و أبو مسلم الخرساني). وكان فصيحا بالعربية والفارسية، مقداما، داهية حازما، راوية للشعر، يقوله؛ قصير القامة، اسمر اللون، رقيق البشرة حلو المنظر، طويل الظهر قصير الساق، لم ير ضاحكا ولاعبوسا، تأتيه الفتوح فلايعرف بشره في وجهه، وينكب فلايرى مكتئبا؛ خافض الصوت في حديثه، قاسي القلب: سوطه سيفه. وفي (الروض المعطار): كان اذا خرج رفع اربعة آلاف اصواتهم بالتكبير، وكان بين طرفي موكبه اكثر من فرسخ، وكان يطعم كل يوم مئة شاة. وفي (البدء والتاريخ): كان اقل الناس طمعا: مات وليس له دار ولا عقار ولا عبد ولا أمة ولا دينار. وقال الذهبي: (كان ذا شأن عجيب، شاب دخل خراسان ابن تسع عشرة سنة، على حمار بإكاف، وحزمة وعرمة، فما زال يتنقل حتى خرج من مرو، بعد سنين، يقود كتائب امثال الجبال، فقلب دولة واقام دولة، وذلت له رقاب الامم، وراح تحت سيفه ستمائة الف او يزيدون!) وللمرزبانيمحمد ابن عمران المتوفي سنة 378 كتاب (اخبار أبي مسلم) في نحو مئة ورقة.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 337

أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم، أبو مسلم وقيل إبراهيم بن عثمان بن يسار الخراساني صاحب الدعوة. كان قصيرا أسمر جميلا حلوا، نقي البشرة، أحور العين، عريض الجبهة، حسن اللحية، طويل الشعر طويل الظهر، خافض الصوت، فصيحا بالعربي والفارسي، حلو المنطق، راوية للشعر، عالما بالأمور، لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته، ولا يكاد يقطب في شيء من أحواله، تأتيه الفتوحات العظائم فلا يظهر عليه أثر السرور، وتنزل به الفادحة فلا يرى مكتئبا، لا يأتي النساء في السنة إلا مرة، ويقول: الجماع جنون ويكفي الإنسان أن يجن في السنة مرة واحدة.
ولد سنة مائة من الهجرة، وقتل سنة سبع وثلاثين ومائة. وأول ظهوره بمرو، وكان في سنة تسع وعشرين ظهر في خمسين رجلا، ويروى أنه من ولد بزرجمهر، ولد بأصبهان ونشأ بالكوفة. وروى عن عكرمة مرسلا، وعن ثابت البناني وابن الزبير وإسماعيل السدي ومحمد بن علي العباسي وجماعة: كان اسمه إبراهيم فقال له إبراهيم الإمام: غير اسمك، فسمى نفسه عبد الرحمن. قيل إن أباه رأى في نومه كأنه جلس للبول فخرج من إحليله نار وارتفعت في السماء وسدت الآفاق وأضاءت الأرض، ووقعت بناحية المشرق. فقص رؤياه على عيسى بن معقل العجلي فقال له: ما أشك أن في بطن جاريتك غلام، وكانت جاريته حاملا فوضعت أبا مسلم. فلما ترعرع اختلف مع ولده إلى المكتب فخرج أديبا لبيبا أريبا يشار إليه في صغره، فاجتمع بجماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن العباس الخراسانية، فأعجبهم عقله وأدبه وكلامه ومعرفته، ومال هو إليهم وخرج معهم إلى مكة. فأورد النقباء على إبراهيم بن محمد الإمام وقد تولى الإمامة بعد وفاة أبيه عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم وأهدوا إليه أبا مسلم، فأعجب بمنطقه وأدبه وقال لهم: هذا عضلة من العضل وأقام بخدمه سفرا وحضرا. ثم إن النقباء عادوا إلى إبراهيم وسألوه رجلا يقوم بأمر خراسان فقال: إني جربت هذا الأصبهاني وعرفت باطنه وظاهره فوجدته حجرا لأرض، فدعا أبا مسلم وقلده أمر خراسان. وكان إبراهيم قد أرسل إلى أهل خراسان سليمان بن كثير الحراني يدعوهم إلى أهل البيت، فلما بعث أبا مسلم أمر من هناك بالسمع والطاعة وأمره أن لا يخالف سليمان، فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان، وكان مروان بن محمد يحتال على الوقوف على حقيقة الأمر وإلى من يدعو أبو مسلم، فلم يزل حتى ظهر له أن الدعاء لإبراهيم، فأرسل مروان وقبض عليه وهو عند إخوته بالحميمة وأحضره إلى حران فأوصى إبراهيم لأخيه عبد الله السفاح، وقتل إبراهيم الإمام على ما مر في ترجمته، وأخذ أبو مسلم يدعو إلى عبد الله السفاح ولما ظهر بمرو كان الوالي بخراسان نصر بن سيار الليثي، فكتب نصر إلى مروان:

وكان مروان مشغولا بغيره من الخوارج بالجزيرة الفراتية وغيرها، منهم: الضحاك بن قيس الحروري وغيره فلم يجبه عن كتابه، فكتب إليه ثانية قول ابن مريم، عبد الله بن إسماعيل البجلي الكوفي، وكان له مكتب بخراسان:
فكتب مروان الجواب: نمنا حين وليناك خراسان والشاهد يرى ما لا يرى الغائب فاحسم الشولول قبلك، فقال نصر: قد أعلمكم أن نصر عنده، ثم كتب ثالثا فأبطأ الجواب عنه، وقويت شوكة أبي مسلم وهرب نصر من خراسان فمات بناحية ساوة، ووثب أبو مسلم على علي بن جديع بن علي الكرماني فقتله بنيسابور بعد أن قيده وحبسه وقعد في الدست وسلم عليه بالإمرة، وصلى وخطب ودعا للسفاح وصفت له خراسان وانقطعت عنها ولاية بني أمية. ثم إنه سير العساكر لقتال مروان وظهر السفاح بالكوفة وبويع بالخلافة، وتجهزت العساكر لمروان وعليها عبد الله بن علي بن العباس، فتقدم مروان إلى الزاب، وهو نهر بين الموصل وإربل، وكانت الوقعة على كساف، وانكسر عسكر مروان فتبعه عبد الله بن علي بجيوشه فهرب إلى مصر، فأقام عبد الله بدمشق وأرسل وراءه جيشا بصبغ الأصفر، فأدرك مروان عند قرية بوصير بالفيوم وقتل على ما يذكر في ترجمته إن شاء الله تعالى، واجتز رأسه وبعثوه إلى السفاح فبعثه إلى أبي مسلم وأمره أن يطيف به في بلاد خراسان.
وكان السفاح كثير التعظيم لأبي مسلم لما صنعه ودبره، وكان أبو مسلم ينشد:
ولما مات السفاح، وتولى أخوه أبو جعفر المنصور، صدرت من أبي مسلم أسباب وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله، وبقي حائرا في أمره بين الاستبداد برأيه أو الاستشارة في أمره، فقال يوما لسلم بن قتيبة ابن مسلم الباهلي: ما ترى في أمر أبي مسلم؟ فقال: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}، فقال: حسبك يا ابن قتيبة، لقد أودعتها أذنا واعية.
وكان أبو مسلم قد حج، ولما عاد نزل الحيرة عند الكوفة، وكان بها نصراني كبير السن يخبر بالكوائن، فسأله أبو مسلم فقال له: تقتل وإن صرت إلى خراسان سلمت، فعزم على الرجوع. فلم يزل أبو جعفر يخدعه بالرسائل إلى أن عاد. وكان أبو مسلم ينظر في كتب الملاحم ويجد خبره فيها وأنه مميت دولة ومحيي دولة وأنه يقتل ببلاد الروم. وكان المنصور برومية المدائن التي بناها كسرى، ولم يخطر لأبي مسلم أنها موضع قتله. فلما دخل على المنصور رحب به وأمره بالانصراف إلى مخيمه. وركب أبو مسلم إليه مرارا وأظهر له التجني، ثم جاءه يوما فقيل له إنه يتوضأ للصلاة فقعد تحت الرواق، ورتب له المنصور جماعة يقفون وراء السرير الذي خلف أبي مسلم، فإذا عاتبه لا يظهرون، فإذا ضرب يدا على يد ظهروا وضربوا عنقه. ثم جلس المنصور ودخل أبو مسلم فسلم فرد عليه وأذن له في الجلوس وحادثه ثم عاتبه، فقال: فعلت وفعلت، فقال أبو مسلم: ما يقال هذا إلي بعد سعيي واجتهادي وما كان مني، فقال المنصور: يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا ولو كان مكانك أمة سوداء لعملت عملك، ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك قبلي، ألست الكاتب تخطب عمتي آسية وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن العباس؟ لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعبا، فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه، فقال له المنصور: قتلني الله إن لم أقتلك، ثم صفق بيده على الأخرى فخرج إليه القوم وخبطوه بسيوفهم، والمنصور يقول: اضربوا قطع الله أيديكم، وكان أبو مسلم قد قال عند أول ضربة: استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك، فقال: لا أبقاني الله أبدا إذا، وأي عدو أعدى منك؟ ثم أدرج في بساط فدخل جعفر ابن حنظلة فقال له المنصور: ما تقول في أمر أبي مسلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل ثم اقتل، فقال المنصور: وفقك الله، ها هو في البساط، فلما نظره قتيلا قال: يا أمير المؤمنين عد هذا اليوم أول خلافتك، فأنشد المنصور:
ثم أقبل المنصور على من حضره وأبو مسلم بين يديه طريحا وأنشد:
وفيه يقول أبو دلامة:
وكان المنصور بعد قتله أبا مسلم كثيرا ما ينشد لجلسائه:
وفي سنة إحدى وأربعين ومائة ظهر الريوندية، وهم قوم من خراسان على رأي أبي مسلم الخراساني، يقولون في ما زعم بتناسخ الأرواح، وأن روح آدم حلت في عثمان بن نهيك، وأن المنصور هو ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم، وأن الهيثم بن عدي هو جبريل. أتوا قصر المنصور وجعلوا يطيفون به ويقولون هذا، فقبض المنصور منهم نحو المائتين من الكبار وحبسهم، فغضب الباقون لأجل ذلك وحملوا نعشا ومروا به على باب السجن، يوهمون أنها جنازة، واقتحموا السجن وأخرجوا أصحابهم وقصدوا المنصور وهم ست مائة، فتنادى الناس وأغلقت المدينة ثم أبادوهم قتلا.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 18- ص: 0

أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن بن مسلم.

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 25- ص: 0

أبو مسلم الخراساني:

اسمه عبد الرحمن بن مسلم ويقال: عبد الرحمن بن عثمان بن يسار الخرساني، الأمير، صاحب الدعوة، وهازم جيوش الدولة الأموية، والقائم بإنشاء الدولة العباسية.

كان من أكبر الملوك في الإسلام، كان ذا شأن عجيب، ونبأ غريب، من رجل يذهب على حمار بإكاف من الشام حتى يدخل خراسان، ثم يملك خراسان بعد تسعة أعوام، ويعود بكتائب أمثال الجبال، ويقلب الدولة، ويقيم دولة أخرى.

ذكره القاضي شمس الدين بن خلكان فقال: كان قصيرا، أسمر، جميلا، حلوا، نقي البشرة، أحور العين، عريض الجبهة، حسن اللحية، طويل الشعر طويل الظهر خافض الصوت فصيحا بالعربية وبالفارسية حلو المنطق، وكان راوية للشعر عارفا بالأمور لم ير ضاحكا ولا مازحا إلا في وقته وكان لا يكاد يقطب في شيء من أحواله.

تأتيه الفتوحات العظام، فلا يظهر عليه السرور، وتنزل به الفادحة الشديدة فلا يرى مكتئبا وكان إذا غضب لم يستفزه الغضب إلى أن قال: وكان لا يأتي النساء في العام إلا مرة، يشير إلى شرف نفسه وتشاغلها بأعباء الملك.

قيل: مولده في سنة مائة، وأول ظهوره كان بمرو في شهر رمضان يوم الجمعة من سنة تسع وعشرين ومائة، ومتولي خراسان إذ ذاك الأمير نصر بن سيار الليثي نائب مروان بن محمد الحمار خاتمة خلفاء بني مروان ....، إلى أن قال: فكان ظهوره يومئذ في خمسين رجلا، وآل أمره إلى أن هرب منه نصر بن سيار قاصدا العراق، فنزل به الموت بناحية ساوة، وصفا إقليم خراسان لأبي مسلم صاحب الدعوة في ثمانية وعشرين شهرا.

قال: وكان أبوه من أهل رستاق فريذين، من قرية تسمى: سنجرد، وكانت هي وغيرها ملكا له، وكان يجلب في بعض الأوقات مواشي إلى الكوفة، ثم إنه قاطع على رستاق فريذين -يعني: ضمنه- فغرم، فنفذ إليه عامل البلد من يحضره فهرب بجاريته وهي حبلى، فولدت له هذا فطلع ذكيا واختلف إلى الكتاب وحصل. ثم اتصل بعيسى بن معقل، جد الأمير أبي دلف العجلي، وبأخيه إدريس بن معقل فحبسهما أمير العراق على خراج انكسر فكان أبو مسلم يختلف إليهما إلى السجن ويتعهدهما وذلك بالكوفة في اعتقال الأمير خالد بن عبد الله القسري، فقدم الكوفة جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس والد المنصور، والسفاح فدخلوا على الأخوين يسلمون عليهما فرأوا عندهما أبا مسلم فأعجبهم عقله، وأدبه، وكلامه، ومال هو إليهم، ثم إنه عرف أمرهم ودعوتهم يعني إلى بني العباس،ثم هرب الأخوان عيسى وإدريس من السجن فلزم هو النقباء وسار صحبتهم إلى مكة فأحضروا إلى إبراهيم بن الإمام وقد مات الإمام محمد عشرين ألف دينار ومئتي ألف درهم وأهدوا له أبا مسلم فأعجب به وقال إبراهيم لهم هذا عضلة من العضل. فأقام مسلم يخدم الإمام إبراهيم ورجع النقباء إلى خراسان.

فقال: إني جربت هذا الأصبهاني، وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض ثم قلده الأمر، وندبه إلى المضي إلى خراسان فكان من أمره ما كان.

قال المأمون: أجل ملوك الأرض ثلاثة الذين قاموا بنقل الدول وهم الإسكندر وأزدشير وأبو مسلم.

قال أبو القاسم بن عساكر: ذكر أبو الحسن محمد بن أحمد بن القواس في "تاريخه" قدم أبو مسلم هو وحفص بن سلمة الخلال على إبراهيم بن محمد الإمام فأمرهما بالمصير إلى خراسان وكان إبراهيم بالحميمة من أرض البلقاء، إذ ذاك سمع أبو مسلم من عكرمة.

هكذا قال الحافظ أبو القاسم وهذا غلط، لم يدركه.

قال: وسمع ثابتا البناني، وأبا الزبير المكي، ومحمد بن علي الإمام، وابنه، وإسماعيل السدي، وعبد الرحمن بن حرملة.

روى عنه: إبراهيم بن ميمون الصائغ، وابن شبرمة الفقيه، وعبد الله بن منيب، وعبد الله بن،المبارك، وغيرهم.

قلت: ولا أدرك ابن المبارك الرواية عنه، بل رآه.

قال أبو أحمد علي بن محمد بن حبيب المروزي: حدثنا أبو يوسف محمد ابن عبدك، حدثنا مصعب بن بشر، سمعت أبي يقول: قام رجل إلى أبي مسلم وهو يخطب، فقال: ما هذا السواد عليك؟ فقال: حدثني أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة يوم الفتح، وعليه عمامة سوداء"، وهذه ثياب الهيبة، وثياب الدولة، يا غلام اضرب عنقه!.

وقال جماعة: حدثنا أبو حاتم أحمد بن حسن بن هارون الرازي، أنبأنا محمد بن محمد بن أبي خراسان، حدثني أحمد بن محمد المروزي، حدثنا عبد الله بن مصعب، حدثنا أبو حامد الداوودي قال: دخل رجل وعلى رأس أبي مسلم عمامة سوداء، فقال: ما هذا؟ قال: اسكت، حدثني أبو الزبير، عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- "دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء" يا غلام اضرب عنقه!.

ورويت القصة بإسناد ثالث مظلم.

قلت: كان أبو مسلم سفاكا للدماء يزيد على الحجاج في ذلك وهو أول من سن للدولة لبس السواد.

قال محمد بن جرير في "تاريخه": ذكر علي بن محمد -يعني: المدائني -أن حمزة بن طلحة السلمي حدثه، عن أبيه، قال: كان بكير بن ماهان كاتبا لبعض عمال السند، فقدم، فاجتمعوا بالكوفة في دار، فغمز بهم، فأخذوا فحبس بكير، وخلي، عن الآخرين، وكان في الحبس أبو عاصم وعيسى العجلي، ومعه أبو مسلم الخراساني فحدثه، فدعاهم بكير فأجابوه إلى رأيه فقال لعيسى العجلي: ما هذا الغلام قال: مملوك قال: تبعه قال: هو لك قال: أحب أن تأخذ ثمنه فأعطاه أربع مائة درهم.

ثم أخرجوا من السجن، وبعث به إلى إبراهيم بن محمد، فدفعه إبراهيم إلى موسى السراج، فسمع منه وحفظ، ثم اختلف إلى خراسان.

وقال غيره: توجه سليمان بن كثير، ومالك بن الهيثم، ولاهز، وقحطبة بن شبيب من بلاد خراسان للحج، في سنة أربع وعشرين ومائة، فدخلوا الكوفة فأتوا عاصم بن يونس العجلي، وهو في الحبس فبدأهم بالدعاء إلى ولد العباس، ومعه عيسى بن معقل العجلي، وأخوه حبسهما عيسى بن عمر أمير العراق فيمن حبس من عمال خالد القسري هكذا في هذه الرواية قال ومعهما أبو مسلم يخدمهما فرأوا فيه العلامات فقالوا: من أين هذا الفتى؟ قال: غلام معنا من السراجين وقد كان أبو مسلم إذا سمع عيسى، وإدريس يتكلمان في هذا الرأي بكى فلما رأو ذلك دعوه إلى ما هم عليه يعني: من نصرة آل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأجاب.

قال أبو الحسن بن رزقويه: أنبأنا مظفر بن يحيى، حدثنا أحمد بن محمد المرثدي، حدثنا أبو إسحاق الطلحي، حدثني أبو مسلم محمد بن المطلب ابن فهم من ولد أبي مسلم صاحب الدعوة قال: كان اسم أبي مسلم إبراهيم بن عثمان بن يسار من ولد بزرجمهر، وكان يكنى أبا إسحاق ولد بأصبهان، ونشأ بالكوفة، وكان أبوه أوصى إلى عيسى السراج فحمله إلى الكوفة، وهو ابن سبع سنين فقال له: إبراهيم بن محمد بن علي لما عزم على توجيهه إلى خراسان: غير اسمك فإنه لا يتم لنا الأمر إلا بتغيير اسمك على ما وجدته في الكتب فقال: قد سميت نفسي عبد الرحمن بن مسلم ثم تكنى أبا مسلم ومضى لشأنه وله ذؤابة فمضى على الحمار فقال له: خذ نفقة. قال: ثم مات عيسى السراج، ومضى أبو مسلم لشأنه، وله تسع عشرة سنة وزوجه إبراهيم الإمام بابنة أبي النجم عمران الطائي، وكانت بخراسان فبنى بها.

ابن دريد: حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال حدثني رجل من خراسان، عن أبيه قال: كنت أطلب العلم، فلا آتي موضعا إلا وجدت أبا مسلم قد سبقني إليه، فألفته فدعاني إلى منزله ودعا بما حضر ثم لاعبته بالشطرنج وهو يلهو بهذين البيتين:

قال رؤبة بن العجاج: كان أبو مسلم عالما بالشعر.

وقال أبو أحمد الجلودي: حدثنا محمد بن زكويه، قال: روي لنا: أن أبا مسلم صاحب الدولة، قال: ارتديت الصبر، وآثرت الكتمان، وحالفت الأحزان، والأشجان، وسامحت المقادير والأحكام حتى أدركت بغيتي. ثم أنشد:

ورويت هذه عن الحسن بن عقيل التبعي، عن أبيه.

قال محمد بن عبد الوهاب الفراء: سمعت علي بن عثام يقول: قال إبراهيم الصائغ: لما رأيت العرب وصنيعها، خفت إلا يكون لله فيهم حاجة، فلما سلط الله عليهم أبا مسلم رجوت أن تكون لله فيهم حاجة.

قلت: كان أبو مسلم بلاء عظيما على عرب خراسان، فإنه أبادهم بحد السيف.

قال أحمد بن سيار في "تاريخ مرو": حدثنا الحسن بن رشيد العنبري، سمعت يزيد النحوي يقول: أتاني إبراهيم بن إسماعيل الصائغ، فقال لي: ما ترى ما يعمل هذا الطاغية، إن الناس معه في سعة، غيرنا أهل العلم؟ قلت: لو علمت أنه يصنع بي إحدى الخصلتين لفعلت، إن أمرت ونهيت يقيل أو يقتل، ولكني أخاف أن يبسط علينا العذاب، وأنا شيخ كبير، لا صبر لي على السياط. فقال الصائغ: لكني لا أنتهي عنه. فذهب، فدخل عليه، فأمره ونهاه، فقتله.

وذكر بعضهم: أن أبا مسلم كان يجتمع -قبل أن يدعو- بإبراهيم الصائغ، ويعده بإقامة الحق، فلما ظهر وبسط يده، دخل عليه، فوعظه.

قال محمد بن سلام الجمحي: دخل أبو مسلم على أبي العباس السفاح، فسلم عليه، وعنده أخوه أبو جعفر، فقال له: يا أبا مسلم هذا أبو جعفر فقال: يا أمير المؤمنين هذا موضع لا يؤدى فيهإلا حقك.

وكانت بخراسان فتن عظيمة، وحروب متواترة، فسار الكرماني في جيش في سنة تسع وعشرين ومائة، فالتقاه سلم بن أحوز المازني؛ متولي مروالروذ، فانهزم أولا الكرماني، ثم كر عليهم بالليل فاقتتلوا، ثم إنهم تهادنوا. ثم سار نصر بن سيار، فحاصر الكرماني ستة أشهر، وجرت أمور يطول شرحها، أوجبت ظهور أبي مسلم، لخلو الوقت له، فقتل الكرماني، ولحق جموعه شيبان بن مسلمة السدوسي الخارجي، المتغلب على سرخس وطوس، فحاربم نصر بن سيار نحوا من سنة ونصف ثم اصطلح نصر وجديع بن الكرماني على أن يحاربوا أبا مسلم فإذا فرغوا من حربه وظهروا، نظروا في أمرهم فدس أبو مسلم إلى ابن الكرماني يخدعه ويقول إني معك فوافقه ابن الكرماني وانضم إليه فحاربا نصرا، وعظم الخطب.

ثم إن نصر بن يسار كتب إلى أبي مسلم: أنا أبايعك، وأنا أحق بك من ابن الكرماني فقوي أمر أبي مسلم، وكثرت جيوشه، ثم عجز عنه نصر، وتقهقر إلى نيسابور، واستولى أبو مسلم على أسبابه وأهله ثم جهز أبو مسلم جيشا إلى سرخس، فقاتلهم فقتل شيبان وقتلت أبطاله ثم التقى جيش أبي مسلم، وجيش نصر، وسعادة أبي مسلم في إقبال فانهزم أصحاب نصر، وتأخر هو إلى قومس، ثم ظفر أبو مسلم بسلم بن أحوز الأمير فقتله، واستولى على مدائن خراسان في أواخر سنة ثلاثين، وظفر بعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الهاشمي، فقتله.

ثم جهز أبو مسلم قحطبة بن شبيب، فالتقى هو ونباتة بن حنظلة الكلابي على جرجان فقتل الكلابي، وتمزق جيشه، وتقهقر نصر بن سيار إلى وراء، وكتب إلى متولي العراق يزيد بن عمر بن هبيرة والي الخليفة مروان يستصرخ به ولات حين مناص، وكثرت البثوق على مروان من خوارج المغرب، ومن القائمين باليمن، وبمكة، وبالجزيرة وولت دولته فجهز ابن هبيرة جيشا عظيما، فنزل بعضهم همدان وبعضهم بماه فالتقاهم قحطبة ابن شبيب بنواحي أصبهان في رجب سنة إحدى وثلاثين، فانكسر جيش ابن هبيرة، ثم نازل قحطبة نهاوند يحاصرها، وتقهقر نصر بن سيار إلى الري.

ذكر ابن جرير: أن جيش ابن هبيرة كانوا مائة، ألف عليهم عامر بن ضبارة، وكان قحطبة في عشرين ألفا، فنصب قحطبة رمحا عليه مصحف ونادوا: يا أهل الشام ندعوكم إلى ما في المصحف فشتموهم فحمل قحطبة فلم يطل القتال حتى انهزم جند مروان ومات نصر بن سيار بالري. وقيل بساوة وأمر أولاده أن يلحقوا بالشام وكان ينشد لما أبطأ عنه المدد:

وكتب ابن هبيرة إلى مروان الخليفة يخبره بقتل ابن ضبارة، فوجه لنجدته حوثرة بن سهيل الباهلي في عشرة آلاف من القيسية، فتجمعت عساكر مروان بنهاوند وعليهم مالك بن أدهم فحاصرهم قحطبة أربعة أشهر، وضايقهم حتى أكلوا دوابهم من الجوع، ثم خرجوا بالأمان في شوال، وقتل قحطبة وجوه أمراء نصر بن سيار وأولاده وأقبل يريد العراق، فبرز له ابن هبيرة، ونزل بقرب حلوان، فكان في ثلاثة وخمسين ألف فارس، وتقارب الجمعان.

ففي هذه السنة، سنة إحدى وثلاثين: تحول أبو مسلم من مرو، فنزل بنيسابور، ودان له الإقليم جميعه ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين، فبلغ ابن هبيرة أن قحطبة توجه نحو الموصل، فقال لأصحابه: ما بالهم تنكبونا؟ قيل: يريدون الكوفة فرحل ابن هبيرة راجعا نحو الكوفة، وكذلك فعل قحطبة ثم جاز قحطبة الفرات في سبع مائة فارس وتتام إلى ابن هبيرة نحو ذلك واقتتلوا، فطعن قحطبة بن شبيب، ثم وقع في الماء، فهلك، ولم يدر به قومه، ولكن انهزم أيضا أصحاب ابن هبيرة، وغرق بعضهم، وراحت أثقالهم.

قال بيهس بن حبيب: أجمع الناس بعد أن عدينا، فنادى مناد: من أراد الشام فهلم! فذهب معه عنق من الناس، ونادى آخر: من أراد الجزيرة .... ونادى .... آخر من أراد الكوفة وتفرق الجيش إلى هذه النواحي فقلت من أراد واسط فهلم. فأصبحنا بقناطر المسيب مع الأمير ابن هبيرة، فدخلناها يوم عاشوراء وأصبح المسودة قد فقدوا أميرهم قحطبة ثم أخرجوه من الماء، ودفنوه وأمروا مكانه ولده الحسن بن قحطبة فسار بهم إلى الكوفة فدخلوها يوم عاشوراء أيضا فهرب متوليها زياد بن صالح إلى واسط.

وترتب في إمرة الكوفة للمسودة أبو سلمة الخلال. ثم سار ابن قحطبة، وحازم بن خزيمة، فنازلوا واسط، وعملوا على أنفسهم خندقا، فعبأ ابن هبيرة جيوشه، والتقاهم فانكسر جمعه ونجوا إلى واسط.

وقتل في المصاف: يزيد أخو الحسن بن قحطبة، وحكيم بن المسيب الجدلي وفي المحرم: قتل أبو مسلم جماعة، منهم ابن الكرماني، وجلس على تخت الملك، وبايعوه وخطب ودعا للسفاح.

وفي ثالث يوم من ربيع الأول: بويع السفاح بالخلافة، بالكوفة، في دار مولاه الوليد بن سعد. وسار الخليفة مروان في مائة ألف فارس، حتى نزل الزابين دون الموصل، يقصد العراق فجهز السفاح له عمه عبد الله بن علي فكانت الوقعة على كشاف في جمادى الآخرة فانكسر مروان وتقهقر وعدى الفرات وقطع وراءه الجسر وقصد الشام ليتقوى ويلتقي ثانيا.

فجد في طلبه عبد الله بن علي حتى طرده عن دمشق ونازلها، وأخذها بعد أيام، وبذل السيف، وقتل بها في ثلاث ساعات نحوا من خمسين ألفا، غالبهم من جند بني أمية.

وانقضت أيامهم، وهرب مروان إلى مصر في عسكر قليل، فجدوا في طلبه إلى أن بيتوه بقرية بوصير فقاتل حتى قتل، وطيف برأسه في البلدان وهرب ابناه إلى بلاد النوبة.

قال محمد بن جرير في "تاريخه" كان بدو أمر بني العباس: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما قيل أعلم العباس أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك.

قلت: لم يصح هذا الخبر، ولكن آل العباس كان الناس يحبونهم، ويحبون آل علي، ويودون أن الأمر يؤول إليهم، حبا لآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبغضا في آل مروان بن الحكم، فبقوا يعملون على ذلك زمانا حتى تهيأت لهم الأسباب، وأقبلت دولتهم وظهرت من خراسان.

وعن رشدين بن كريب: أن أبا هاشم بن محمد بن الحنفية خرج إلى الشام، فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، والد السفاح، فقال: يا ابن عم إن عندي علما أريد أن ألقيه إليك، فلا تطلعن عليه أحدا، إن هذا الأمر الذي يرتجيه الناس هو فيكم قال: قد علمته فلا يسمعنه منك أحد.

قلت: فرحنا بمصير الأمر إليهم، ولكن والله- ساءنا ما جرى لما جرى من سيول الدماء والسبي والنهب- فإنا لله وإنا إليه راجعون- فالدولة الظالمة مع الأمن وحقن الدماء ولا دولة عادلة تنتهك دونها المحارم، وأنى لها العدل؟ بل أتت دولة أعجمية خراسانية جبارة ما أشبه الليلة بالبارحة.

روى أبو الحسن المدائني، عن جماعة: أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله قال لنا ثلاثة أوقات: موت يزيد بن معاوية ورأس المئة وفتق بإفريقيا فعند ذلك يدعو لنا دعاة ثم يقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب.

فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بأفريقية، ونقضت البربر، بعث محمد الإمام رجلا إلى خراسان وأمره أن يدعو إلى الرضا من آل محمد ولا يسمي أحدا، ثم إنه وجه أبا مسلم وكتب إلى النقباء فقبلوا كتبه، ثم وقع في يد مروان بن محمد كتاب لإبراهيم بن محمد إلى أبي مسلم جواب كتاب، يأمر أبا مسلم بقتل كل من تكلم بالعربية بخراسان.

فقبض مروان على إبراهيم، وقد كان مروان وصف له صفة السفاح التي كان يجدها في الكتب، فلما جيء بإبراهيم، قال: ليست هذه الصفة ورد أعوانه في طلب المنعوت له، وإذا بالسفاح وإخوته وأعمامه قد هربوا إلى العراق، واختفوا بها عند شيعتهم.

فيقال: إن إبراهيم كان نعى إليهم نفسه، وأمرهم بالهرب فهربوا من الحميمة، فلما قدموا الكوفة أنزلهم أبو سلمة الخلال، وكتم أمرهم.

فبلغ الخبر أبا الجهم، فاجتمع بكبار الشيعة، فدخلوا على آل العباس، فقالوا: أيكم عبد الله بن محمد بن الحارثية؟ قالوا: هذا فسلموا عليه بالخلافة ثم خرج أبو الجهم وموسى بن كعب والأعيان فهيؤوا أمرهم وخرج السفاح على برذون فصلى بالناس الجمعة وذلك مستوفى في ترجمة السفاح وفي "تاريخي الكبير" وفي ترجمة عم السفاح عبد الله.

وفي سنة ثلاث وثلاثين ومائة سار أبو جعفر المنصور إلى خراسان إلى أبي مسلم، ليأخذ رأيه في قتل أبي سلمة حفص بن سليمان الخلال وزيرهم، وذلك أنه نزل به السفاح وأقاربه حدثته نفسه بأن يبايع علويا ويدع هؤلاء، وشرع يعمي أمرهم على قواد شيعتهم، فبادر كبارهم وبايعوا لسفاح، وأخرجوه فخطب الناس فما وسعه أعني أبا سلمة إلا المبايعة فاتهموه.

فعن أبي جعفر قال: انتدبني أخي السفاح للذهاب إلى أبي مسلم، فسرت على وجل، فقدمت الري، ثم شرفت عنها فرسخين، فلما صار بيني وبين مرو فرسخين، تلقاني أبو مسلم في الجنود، فلما دنا مني، ترجل ماشيا، فقبل يدي ثم نزلت، فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني، عن شيء ثم سألني فأخبرته فقال فعلها أبو سلمة؟ أنا اكفيكموه فدعا مرارا بن أنس الضبي فقال: انطلق إلى الكوفة، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته. قال: فقتله بعد العشاء وكان يقال له: وزير آل محمد.

ولما رأى أبو جعفر عظمة أبي مسلم، وسفكه للدماء، رجع من عنده، وقال للسفاح: لست بخليفة إن أبقيت أبا مسلم قال وكيف؟ قال: ما يصنعإلا ما يريد. قال: فاسكت، واكتمها.

وأما ابن هبيرة، فدام ابن قحطبة يحاصره بواسط أحد عشر شهرا، فلما تيقنوا هلاك مروان، سلموها بالأمان، ثم قتلوا ابن هبيرة، وغدروا به، وبعدة من أمرائه.

وفي عام ثلاثة وثلاثين: خرج على أبي مسلم شريك المهري ببخارى، ونقم على أبي مسلم كثرة قتله وقال: ما على هذا اتبعنا آل محمد. فاتبعه ثلاثون ألفا فسار عسكر أبي مسلم، فالتقوا، فقتل شريك.

وفي سنة خمس وثلاثين: خرج زياد بن صالح الخزاعي من كبار قواد أبي مسلم عليه، وعسكر بما وراء النهر، وكان قد جاءه عهد بولاية خراسان من السفاح وأن يغتال أبا مسلم إن قدر عليه.

فظفر أبو مسلم برسول السفاح، فقتله، ثم تفلل عن زياد جموعه، ولحقوا بأبي مسلم، فلجأ زياد إلى دهقان، فقتله غيلة، وجاء برأسه إلى أبي مسلم.

وفي سنة ست: بعث أبو مسلم إلى السفاح يستأذنه في القدوم، فأذن له، واستناب على خراسان خالد بن إبراهيم فقدم في هيئة عظيمة فاستأذن في الحج فقال لولا أن أخي حج لوليتك الموسم.

وكان أبو جعفر يقول للسفاح: يا أمير المؤمنين أطعني، واقتل أبا مسلم، فوالله إن في رأسه لغدرة فقال: يا أخي قد عرفت بلاءه وما كان منه، وأبو جعفر يراجعه.

ثم حج أبو جعفر وأبو مسلم، فلما قفلا تلقاهما موت السفاح بالجدري فولي الخلافة أبو جعفر.

وخرج عليه عمه عبد الله بن علي بالشام، ودعا إلى نفسه، وأقام شهودا بأنه ولي عهد السفاح، وأنه سار لحرب مروان، وهزمه، واستأصله.

فخلا المنصور بأبي مسلم، وقال: إنما هو أنا وأنت، فسر إلى عبد الله عمي، فسار بجيوشه من الأنبار، وسار لحربه عبد الله، وقد خشي أن يخامر عليه الخراسانية، فقتل منهم بضعة عشر ألفا صبرا، ثم نزل نصيبين وأقبل أبو مسلم فكاتب عبد الله إني لم أومر بقتالك وإن أمير المؤمنين ولاني الشام وأنا أريدها وذلك من مكر أبي مسلم ليفسد نيات الشاميين.

فقال جند الشاميين لعبد الله: كيف نقيم معك وهذا يأتي بلادنا، فيقتل، ويسبي؟ ولكن نمنعه، عن بلادنا.

فقال لهم: إنه ما يريد الشام، ولئن أقمتم، ليقصدنكم قال: فكان بين الطائفتين القتال مدة خمسة أشهر، وكان أهل الشام أكثر فرسانا، وأكمل عدة، فكان على ميمنة عبد الله: الأمير بكار بن مسلم العقيلي، وعلى الميسرة: الأمير حبيب بن سويد الأسدي.

وكان على ميمنة أبي مسلم: الحسن بن قحطبة، وعلى ميسرته: حازم بن خزيمة، وطال الحرب، ويستظهر الشاميون غير مرة، وكاد جيش أبي مسلم أن ينهزم، وأبو مسلم يثبتهم ويرتجز:

ثم إنه أردف ميمنته، وحملوا على ميسرة عبد الله، فمزقوها فقال عبد الله لابن سراقة الأزدي: ما ترى؟ قال: أرى أن تصبر وتقاتل، فإن الفرار قبيح بمثلك، وقد عبته على مروان قال: إني أذهب إلى العراق. قال: فأنا معكم. فانهزموا وتركوا الذخائر والخزائن والمعسكر، فاحتوى أبو مسلم على الكل، وكتب بالنصر إلى المنصور.

واختفى عبد الله، وأرسل المنصور مولاه ليحصي ما حواه أبو مسلم فغضب من ذلك أبو المسلم، وهم بقتل ذلك المولى، وقال: إنما للخليفة من هذا الخمس.

ومضى عبد الله وأخوه عبد الصمد بن علي إلى الكوفة، فدخلا على عيسى ابن موسى، ولي العهد، فاستأمن لعبد الصمد فأمنه المنصور، وأما عبد الله فقصد أخاه سليمان بن علي بالبصرة، وأقام عنده مختفيا.

ولما علم المنصور أن أبا مسلم قد تغير كتب إليه يلاطفه وإني قد وليتك مصر والشام فانزل بالشام، واستنب عنك بمصر فلما جاءه الكتاب أظهر الغضب، وقال يوليني هذا، وخراسان كلها لي، وشرع في المضي إلى خراسان.

ويقال: إنه شتم المنصور، وأجمع على الخلاف، وسار وخرج المنصور إلى المدائن، وكاتب أبا مسلم ليقدم عليه، فكتب إليه أبو مسلم، وهو قاصد طريق حلوان: إنه لم يبق لك عدو إلا أمكنك الله منه، وقد كنا نروي، عن ملوك آل ساسان إن أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهماء فنحن نافرون من قربك حريصون على الوفاء بعهدك ما وفيت فإن أرضاك ذلك فأنا كأحسن عبيدك وإن أبيت نقضت ما أبرمت من عهدك ضنا بنفسي والسلام.

فرد عليه الجواب يطمئنه ويمنيه مع جرير بن يزيد بن جرير البجلي، وكان داهية وقته فخدعه ورده.

وأما علي بن محمد المدائني فنقل، عن جماعة، قالوا: كتب أبو المسلم: أما بعد، فإني اتخذت رجلا إماما ودليلا على ما افترضه الله، وكان في محلة العلم نازلا، فاستجهلني بالقرآن فحرفه، عن مواضعه، طمعا في قليل قد نعاه الله إلى خلقه، وكان كالذي دلي بغرور وأمرني أن أجرد السيف وأرفع الرحمة ففعلت توطئة لسلطانكم ثم استنقذني الله بالتوبة فإن يعف عني فقدما عرف به ونسب إليه، وإن يعاقبني، فبما قدمت يداي.

ثم سار نحو خراسان مرغما.

فأمر المنصور من حضره من بني هاشم يكتبون إلى أبي مسلم، يعظمون شأنه، وأن يتم على الطاعة ويحسنون له القدوم على المنصور.

ثم قال المنصور للرسول أبي حميد المروروذي: كلم أبا مسلم بألين ما تقدر عليه، ومنه وعرفه أني مضمر له كل خير، فإن أيست منه فقل له قال والله لو خضت البحر لخضته وراءك ولو اقتحمت النار لا قتحمتها حتى أقتلك.

فقدم على أبي مسلم بحلوان. قال: فاستشار أبو مسلم خواصه، فقالوا: احذره.

فلما طلب الرسول الجواب، قال: ارجع إلى صاحبك، فلست آتيه، وقد عزمت على خلافه فقال: لا تفعل.

فلما آيسه من المجيء كلمه بما أمره به المنصور فوجم لها طويلا ثم قال قم وكسره ذلك القول وأرعبه.

وكان المنصور قد كتب إلى أبي داود خليفة أبي مسلم على خراسان، فاستماله، وقال إمرة خراسان لك فكتب أبو داود إلى أبي مسلم يلومه ويقول: إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله، وأهل بيت النبوة فلا تخالفن إمامك.

فوافاه كتابه وهو على تلك الحال فزاده هما ورعبا ثم إنه أرسل من يثق به من أمرأته إلى المنصور فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب وقال له المنصور اصرفه، عن وجهه ولك إمرة بلاده فرجع وقال لم أر مكروها ورأيتهم معظمين لحقك فارجع، واعتذر.

فأجمع رأيه على الرجوع، فقال رسوله أبو إسحاق:

خار الله لك، إحفظ عني واحدة، إذا دخلت على المنصور فاقتله، ثم بايع من شئت فإن الناس لا يخالفونك.

ثم إن المنصور سير أمراء لتلقي أبي مسلم، ويظهرون أنه بعثهم ليطمئنه، ويذكرون حسن نية المنصور له فلما سمع ذلك انخدع المغرور وفرح.

فلما وصل إلى المدائن، أمر المنصور أكابر دولته فتلقوه، فلما دخل عليه، سلم عليه قائما فقال: انصرف يا أبا مسلم فاسترح وادخل الحمام ثم اغد. فانصرف وكان من نية المنصور أن يقتله تلك الليلة فمنعه وزيره أبو أيوب المورياني.

قال أبو أيوب: فدخلت بعد خروجه، فقال لي المنصور: أقدر على هذا، في مثل هذه

الحال، قائما على رجليه، ولا أدري ما يحدث في ليلتي، ثم كلمني في الفتك به. فلما غدوت عليه، قال لي: يا ابن اللخناء! لا مرحبا بك، أنت منعتني منه أمس؟ والله ما نمت البارحة، ادع لي عثمان بن نهيك. فدعوته، فقال: يا عثمان كيف بلاء أمير المؤمنين عندك؟ قال: إنما أنا عبدك، ولو أمرتني أن أتكىء على سيفي حتى يخرج من ظهري، لفعلت. قال: كيف أنت إن أمرتك بقتل أبي مسلم؟ قال: فوجم لها ساعة لا يتكلم. فقلت: مالك ساكتا؟ فقال قولة ضعيفة: أقتله.

فقال: انطلق، فجىء بأربعة من وجوه الحرس، شجعان. فأحضر أربعة، منهم شبيب بن واج، فكلمهم، فقالوا: نقتله فقال: كونوا خلف الرواق فإذا صفقت فاخرجوا فاقتلوه.

ثم طلب أبا مسلم، فأتاه.

قال أبو أيوب: وخرجت لأنظر ما يقول الناس، فتلقاني أبو مسلم داخلا، فتبسم، وسلمت عليه، فدخل، فرجعت، فإذا هو مقتول. ثم دخل أبو الجهم فقال: يا أمير المؤمنين! إلا أرد الناس؟ قال: بلى.

فأمر بمتاع يحول إلى رواق آخر، وفرش. وقال أبو الجهم للناس: انصرفوا، فإن الأمير أبا مسلم يريد أن يقيل عند أمير المؤمنين. ورأوا الفرش والمتاع ينقل، فظنوه صادقا، فانصرفوا.

وأمر المنصور للأمراء بجوائزهم.

قال أبو أيوب: فقال لي المنصور: دخل علي أبو مسلم، فعاتبته، ثم شتمته، وضربه عثمان بن نهيك، فلم يصنع شيئا، وخرج شبيب بن واج، فضربوه، فسقط، فقال وهم يضربونه: العفو. قلت: يا ابن اللخناء! العفو والسيوف تعتورك؟ وقلت: اذبحوه فذبحوه.

وقيل: ألقى جسده في دجلة.

ويقال: لما دخل وهم خلوة، قال له المنصور: أخبرني، عن سيفين أصبتهما في متاع عبد الله بن علي فقال: هذا أحدهما قال: أرنيه. فانتضاه، فناوله، فهزه أبو جعفر، ثم وضعه تحت مفرشه، وأقبل عليه يعاتبه.

وقال: أخبرني عن كتابك إلى أبي العباس أخي تنهاه عن الموات، أردت أن تعلمنا الدين؟ قال ظننت أخذه لا يحل. قال: فأخبرني، عن تقدمك علي في طريق الحج. قال:

كرهت اجتماعنا على الماء، فيضر ذلك بالناس. قال: فجارية عبد الله، أردت أن تتخذها؟ قال: لا ولكن خفت عليها أن تضيع فحملتها في قبة، ووكلت بها. قال: فمراغمتك وخروجك إلى خراسان؟ قال: خفت أن يكون قد دخلك مني شيء، فقلت: أذهب إليها، وإليك أبعث بعذري، والآن فقد ذهب ما في نفسك علي؟ قال: تالله، ما رأيت كاليوم قط. وضرب بيده فخرجوا عليه.

وقيل: إنه قال له: ألست الكاتب إلي، تبدأ بنفسك؟ والكاتب إلي تخطب أمينة بنت علي عمتي؟ وتزعم أنك ابن سليط بن عبد الله بن عباس؟.

وأيضا، فما دعاك إلى قتل سليمان بن كثير، مع أثره في دعوتنا، وهو أحد نقبائنا؟

قال: عصاني، وأراد الخلاف علي، فقتلته قال: وأنت قد خالفت علي، قتلني الله إن لم أقتلك. وضربه بعمود، ثم وثبوا عليه، وذلك لخمس بقين من شعبان.

ويقال: إن المنصور لما سبه، انكب على يده يقبلها، ويعتذر.

وقيل: أول ما ضربه ابن نهيك لم يصنع أكثر من قطع حمائل سيفه، فصاح: يا أمير المؤمنين استبقني لعدوك قال: لا أبقاني الله إذا وأي عدو أعدى لي منك.

ثم هم المنصور بقتل الأمير أبي إسحاق صاحب حرس أبي مسلم، وبقتل نصر بن مالك الخزاعي، فكلمه فيهما أبو الجهم، وقال: يا أمير المؤمنين! إنما جنده جندك، أمرتهم بطاعته فأطاعوه.

ثم إنه أعطاهما مالا جزيلا، وفرق عساكر أبي مسلم، وكتب بعهد للأمير أبي داود خالد بن إبراهيم على خراسان.

وقد كان بعض الزنادقة، والطغام من التناسخية، اعتقدوا أن الباري -سبحانه وتعالى- حل في أبي مسلم الخراساني المقتول، عندما رأوا من تجبره، واستيلائه على الممالك، وسفكه للدماء، فأخبار هذا الطاغية يطول شرحها.

قال خليفة بن خياط: قدم أبو مسلم على أبي جعفر بالمدائن، فسمعت يحيى بن المسيب يقول: قتله وهو في سرادقاته -يعني: الدهليز- ثم بعث إلى عيسى بن موسى ولي العهد فأعلمه وأعطاه الرأس والمال فخرج به فألقاه إليهم ونثر الذهب فتشاغلوا بأخذه.

وقال خليفة في مكان آخر: فلما حل أبو مسلم بحلوان، ترددت الرسل بينه وبين أبي جعفر، فمن ذلك كتب إليه أبو جعفر: أما بعد، فإنه يرين على القلوب، ويطبع عليها

المعاصي، فقع أيها الطائر، وأفق أيها السكران، وانتبه أيها الحالم، فإنك مغرور بأضغاث أحلام كاذبة، وفي برزخ دنيا قد غرت قبلك سوالف القرون، فـ: {هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا} وإن الله لا يعجزه من هرب، ولا يفوته من طلب، فلا تغتر بمن معك من شيعتي، وأهل دعوتي فكأنهم قد صاولوك إن أنت خلعت الطاعة، وفارقت الجماعة، فبدا لك ما لم تكن تحتسب، فمهلا مهلا، احذر البغي أبا مسلم، فإن من بغى واعتدى تخلى الله عنه ونصر عليه من يصرعه لليدين وللفم.

فأجابه أبو مسلم بكتاب فيه غلظ يقول فيه: يا عبد الله بن محمد إني كنت فيكم متأولا فأخطأت. فأجابه: أيها المجرم تنقم على أخي، وإنه لإمام هدى، أوضح لك السبيل، فلو به اقتديت ما كنت، عن الحق حائدا ولكنه لم يسنح لك أمران،إلا كنت لأرشدهما تاركا، ولأغواهما موافقا تقتل قتل الفراعنة وتبطش بطش الجبارين ثم إن من خيرتي أيها الفاسق أني قد وليت خراسان موسى بن كعب، فأمرته بالمقام بنيسابور، فهو من دونك بمن معه من قوادي وشيعتي، وأنا موجه للقائك أقرانك، فاجمع كيدك وأمرك غير موفق ولا مسدد وحسب أمير المؤمنين الله ونعم الوكيل.

فشاور البائس أبا إسحاق المروزي فقال له: ما الرأي؟ هذا موسى بن كعب لنا دون خراسان، وهذه سيوف أبي جعفر من خلفنا، وقد أنكرت من كنت أثق به من أمرائي!

فقال: أيها الأمير! هذا رجل يضطغن عليك أمورا متقدمة، فلو كنت إذ ذاك هذا رأيك، وواليت رجلا من آل علي، كان أقرب، ولو أنك قبلت توليته إياك خراسان والشام والصائفة مدت بك الأيام، وكنت في فسحة من أمرك فوجهت إلى المدينة فاختلست علويا فنصبته إماما فاستملت أهل خراسان، وأهل العراق، ورميت أبا جعفر بنظيره لكنت على طريق تدبير أتطمع أن تحارب أبا جعفر، وأنت بحلوان، وعساكره بالمدائن وهو خليفة مجمع عليه؟ ليس ما ظننت لكن بقي لك أن تكتب إلى قوادك وتفعل كذا وكذا.

فقال: هذا رأي، إن وافقنا عليه قوادنا. قال: فما دعاك إلى خلع أبي جعفر وأنت على غير ثقة من قوادك؟ أنا أستودعك الله من قتيل! أرى أن توجه بي إليه حتى أسأله لك الأمان فإما صفح وإما قتل على عز قبل أن ترى المذلة والصغار من عسكرك إما قتلوك وإما أسلموك.

قال: فسفرت بينه وبين المنصور السفراء، وطلبوا له أمانا، فأتى المدائن، فأمر أبو جعفر،

فتلقوه، وأذن له، فدخل على فرسه، ورحب به، وعانقه، وقال: انصرف إلى منزلك، وضع ثيابك وادخل الحمام. وجعل ينتظر به الفرص. فأقام أياما يأتي أبا جعفر، فيرى كل يوم من الإكرام ما لم يره قبل.

ثم أقبل على التجني عليه، فأتى أبو مسلم الأمير عيسى بن موسى، فقال: اركب معي إلى أمير المؤمنين، فإني قد أردت عتابه. قال: تقدم، وأنا أجيء قال: إني أخافه. قال: أنت في ذمتي قال: فأقبل، فلما صار في الرواق الداخل، قيل له: أمير المؤمنين يتوضأ، فلو جلست. وأبطأ عليه عيسى، وقد هيأ له أبو جعفر عثمان بن نهيك في عدة وقال: إذا عاينته وعلا صوتي فدونكموه.

قال نفطويه: حدثنا أبو العباس المنصوري، قال: لما قتل أبو جعفر أبا مسلم قال: رحمك الله أبا مسلم بايعتنا وبايعناك، وعاهدتنا وعاهدناك، ووفيت لنا ووفينا لك وإنا بايعنا علىإلا يخرج علينا أحدإلا قتلناه فخرجت علينا فقتلناك.

وقيل: قال لأولئك: إذا سمعتم تصفيقي فاضربوه فضربه شبيب بن واج ثم ضربه القواد فدخل عيسى وكان قد كلم المنصور فيه فلما رآه قتيلا استرجع.

وقيل: لما قتله ودخل جعفر بن حنظلة، فقال: ما تقول في أمر أبي مسلم؟ قال: إن كنت أخذت من شعره، فاقتله. فقال: وفقك الله ها هو في البساط قتيلا. فقال: يا أمير المؤمنين عد هذا اليوم أول خلافتك وأنشد المنصور:

وقرأت في كتاب: أن المنصور لم يزل يخدع أبا مسلم، ويتحيل عليه، حتى وقع في براثنه بعهود وأيمان.

وكان أبو مسلم ينظر في الملاحم، ويجد أنه مميت دولة، ومحيي دولة، ثم يقتل ببلد الروم وكان المنصور يومئذ برومية المدائن وهي معدودة من مدائن كسرى بينها وبين بغداد سبعة فراسخ قيل بناها الإسكندر لما أقام بالمدائن فلم يخطر ببال أبي مسلم أن بها مصرعه وذهب وهمه إلى الروم.

وقيل: إن المنصور كان يقول: فعلت وفعلت. فقال أبو مسلم: ما يقال لي هذا بعد بيعتي واجتهادي

قال: يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك بجدنا وحظنا، ولو كان مكانك أمة سوداء لعملت عملك وتفعل كذا وتخطب عمتي، وتدعي أنك عباسي، لقد ارتقيت مرتقى صعبا.

فأخذ يفرك يده، ويقبلها، ويخضع، وأبو جعفر يتنمر.

وعن مسرور الخادم، قال: لما رد أبو مسلم، أمره أبو جعفر أن يركب في خواص أصحابه، فركب في أربعة آلاف غلام، جرد مرد، عليهم أقبية الديباج والسيوف بمناطق الذهب. فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه، وكان قد بقي من عمومته: صالح، وسليمان، وداود. فلما أن أصحر سايره صالح بجنبه، فنظر إلى كتائب الغلمان، ورأى شيئا لم يعهد مثله فأنشأ صالح يقول:

فبكى أبو مسلم، ولم يحر جوابا.

قال أبو حسان الزيادي، ويعقوب الفسوي، وغيرهما: قتل في شعبان، سنة سبع وثلاثين ومائة.

قلت: وعمره سبعة وثلاثين عاما.

ولما قتل، خرج بخراسان سنباذ للطلب بثأر أبي مسلم، وكان سنباد مجوسيا، فغلب على نيسابور والري وظفر بخزائن أبي مسلم، واستفحل أمره. فجهز المنصور لحربه جمهور بن مرار العجلي، في عشرة آلاف فارس، وكان المصاف بين الري وهمذان، فانهزم سنباد، وقتل من عسكره نحو من ستين ألفا وعامتهم كانوا من أهل الجبال، فسبيت ذراريهم ثم قتل سنباد بأرض طبرستان.

أنبأتنا فاطمة بنت علي، أنبأنا فرقد بن عبد الله الكناني سنة ثمان وست مائة، أنبأنا أبو طاهر السلفي، أنبأنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد ابن سليم المعلم، أنبأنا أبو علي الحسين بن عبد الله بن محمد بن المرزبان بن منجويه، أنبأنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المقرىء حدثني أبو نصر غلام ابن الأنباري سمعت ابن الأنباري سمعت محمد بن يحيى النحوي سمعت مسرورا الخادم يقول لما استرد المنصور أبا مسلم من حلوان أمره أن ينصرف في خواص غلمانه فانصرف في أربعة آلاف غلام جرد مرد عليهم أقبية الديباج والسيوف ومناطق الذهب فأمر المنصور عمومته أن يستقبلوه وكان قد بقي من عمومته يومئذ صالح وسليمان وداود. فلما أن أصحروا، سايره صالح بجنبه، فنظر إلى كتائب الغلمان، فرأى شيئا لم يعهد مثله، فأنشأ يقول:

فبكى أبو مسلم، ولم يجر جوابا، ولم ينطق حتى دخل على المنصور، فأجلسه بين يديه، وجعل يعاتبه، ويقول: تذكر يوم كذا، وكذا فعلت كذا وكذا وكتبت إلي بكذا وكذا ثم أنشأ يقول:

ثم أمر أهل خراسان، فقطعوه إربا إربا.

وبه إلى منجويه: حدثنا أبو أحمد بن عبد الله بن عبد الوهاب الأنماطي، حدثنا إسماعيل بن علي بن إسماعيل، حدثنا حسين بن فهم، حدثنا محمد بن سلام، حدثنا محمد بن عمارة سمعت أبا مسلم صاحب الدولة يقرأ: {فلا يسرف في القتل}. بالتاء.

قال ابن منجويه: حكى لي الثقة، عن أبي أحمد، أنبأنا الإمام: أن عبد الله بن مندة كتب عنه هذا. وحسين بن فهم: هو ابن بنت أبي مسلم.

وبه حدثنا محمد بن أحمد بن عبد الواحد الطبري إملاء من أصله، حدثنا أبو الحسين محمد بن موسى الحافظ، حدثنا أحمد بن يحيى بن زكير، حدثنا عبد الرحمن بن خالد بن نجيح، حدثنا أبي، حدثنا عبد الله بن منيب الخراساني، حدثنا أبي، عن أبي مسلم صاحب الدولة، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "من أراد هوان قريش أهانه الله عز وجل".

وبه أخبرناه أحمد بن موسى الحافظ، حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثني محمد بن جعفر الرقي بحران، حدثني جعفر بن موسى بدمشق، حدثني عبد الرحمن بن خالد بهذا لم يقل: ابن منيب، عن أبيه وهو أشبه.

آخر سيرة أبي مسلم، والله -سبحانه- أعلم.

يزيد بن الطثرية، مروان بن محمد:

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 6- ص: 219

عبد الرحمن بن مسلم [أبو مسلم] الخراساني، صاحب الدعوة
العباسية.
يروي عن أبي الزبير وغيره.
ليس بأهل أن يحمل عنه شئ، هو شر من الحجاج وأسفك للدماء، كان ذا شأن عجيب، ونبأ غريب، من شاب دخل إلى خراسان ابن تسع عشرة سنة على حمار بإكاف، فما زال بمكره وحزمه وعزمه ينتقل
[110 / 3] حتى خرج من مرو بعد عشر سنين يقود كتائب / أمثال الجبال، فقلب دولة وأقام دولة، وذلت له رقاب الامم، وحكم في العرب والعجم، وراح تحت سيفه ستمائة ألف أو يزيدون، وقامت به الدولة العباسية، وفي آخر أمره قتله أبو جعفر المنصور سنة سبع وثلاثين ومائة.

  • دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 2- ص: 589