وضاح اليمن عبد الرحمن بن إسماعيل بن عبد كلال الحميري الخولاني، المعروف بوضاح اليمن. قيل: هو من الفرس الذين قدموا اليمن مع وهرز لنصرة سيف ابن ذي يزن على الحبشة. وكان من حسنه يتقنع في المواسم مخافة العين، وكان يهوى امرأة من اليمن اسمها روضة ويشبب بها. فمن ذلك قوله:
قالت ألا لا تلجا دارنا | إن أبانا رجل غاير |
قلت فإني طالب غرة | وإن سيفي صارم باتر |
قالت فإن القصر من دوننا | قلت فإني فوقه طائر |
قالت فإن البحر من دوننا | قلت فإني سابح ماهر |
قالت فحولي إخوة سبعة | قلت فإني لهم حاذر |
قالت فليث رابض دوننا | قلت فإني أسد عاقر |
قالت فإن الله من فوقنا | قلت فربي راحم غافر |
قالت فقد أعييتنا حجة | فأت إذا ما هجع السامر |
واسقط علينا كسقوط الندى | ليلة لا ناه ولا آمر |
قلت: هذه الأبيات عدها أرباب البديع في المراجعة، وأما هذا المعنى وهو قوله واسقط علينا كسقوط الندى، فقد اشتهر ونظم الشعراء في معناه كثيرا، وأصله لامرئ القيس حيث قال:
سموت إليها بعد ما نام أهلها | سمو حباب الماء حالا على حال |
وقيل إن بعض الظرفاء وقف على هذه الأبيات وكتب في الحاشية عند قوله: فربي راحم غافر، هذا نياك بالدبوس ما يرجع.
ولما استأذنت أم البنين بنت عبد العزيز من الوليد بن عبد الملك في الحج أذن لها وهو خليفة، وهي زوجته، وكتب الوليد يتوعد الشعراء جميعا أن يذكرها أحد منهم أو يذكر أحدا ممن تبعها، فقدمت مكة وتراءت للناس. وتصدى لها أهل الغزل والشعراء، ووقعت عينها على وضاح فهويته، وأنفذت إلى كثير وإلى وضاح أن انسبا بي، فكره ذلك كثير وشبب بجاريتها غاضرة، وذلك في قوله:
#شجا أظعان غاضرة الغوادي
وأما وضاح فإنه صرح فبلغ ذلك الوليد فقتله. وقيل إنه مدح الوليد، فوعدته أن تعينه على رفده وتقوي أمره، فقدم عليه وأنشده:
صبا قلبي إليك ومال ميلا | وأرقني خيالك يا أثيلا |
يمانية تلم بنا فتبدي | ودقيق محاسن وتكن غيلا |
وهي أبيات مشهورة فأحسن رفده، ثم نمي إليه أنه يشبب بأم البنين، فجفاه وحجبه ودبر في قتله، واختلسه ودفنه في داره. وقيل إن أم البنين كانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق كان عندها، فأهدي إلى الوليد جوهر فأعجبه ودعى خادما وبعث به إلى أم البنين فدخل عليها مفاجأة ووضاح عندها، فرآه وقد وارته فقال لها: يا مولاتي هبي لي منه حجرا، فقالت: لا يا ابن اللخناء ولا كرامة! فرجع إلى الوليد وأخبره الخبر، فقال له: كذبت، وأمر به فوجئت عنقه، ثم أتى أم البنين وهي تمتشط في بيتها، وقد وصف له الخادم ذلك الصندوق فجاء فجلس عليه وقال لها: يا أم البنين ما أحب إليك هذا البيت من بين بيوتك، فلم تختارينه؟ قالت: أختاره لأنه يجمع حوائجي كلها فأتناولها منه من قرب على ما أريد. فقال لها: هبي لي صندوقا من هذه الصناديق، فقالت: كلها لك يا أمير المؤمنين، فقال: ما أريد كلها، إنما أريد واحدا منها، فقالت: خذ أيها شئت، قال: هذا الذي جلست عليه، قالت: غيره خذ فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها، قال: ما أريد غيره، قالت: خذه فدعا بالخدم وأمرهم بحمله حتى انتهى به إلى مجلسه، وحفر بئرا عميقة في المجلس إلى الماء تحت بساطه ووضع الصندوق على شفير البئر ودنا منه وقال: يا صاحب الصندوق إنه بلغنا شيء فإن كان حقا فقد كفيناك ودفناك ودفنا ذكرك وقطعنا أثرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلا فإنما دفنا الخشب وما أهون ذلك، ثم قذف به في البئر وهيل عليه التراب وسويت الأرض ورد البساط وجلس عليه الوليد، وما رأى الوليد ولا أم البنين في وجه واحد منهما أثرا حتى فرق الدهر بينهما.
قال البلاذري: أم البنين صاحبة وضاح اليمن ليست ببنت عبد العزيز بن مروان، وإنما هي أم البنين بنت المحرم من حمير من أهل اليمن، وكانت جميلة عشقها وضاح وعشقته فتزوجها وخرج بها إلى مكة وطلقها، فحج الوليد وهي بمكة فبلغه حسنها وجمالها فتزوجها وخرج بها إلى الشام، وخرج وضاح خلفها ففعل به الوليد ما فعل.
قلت: أنا في حيرة من أمر أم البنين وما جرى لها مع وضاح. إن قلنا إنها بنت عبد العزيز فنحاشيها من ذلك لأنها كانت من العفائف العابدات، وقد قيل إنها كانت توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت يوما مكبوبة على وجهها ميتة. وهذا لا يصح أيضا فإنها توفيت سنة سبع عشرة ومائة، والوليد توفي سنة تسع وستين، وكان أبوه قد زوجه إياها في حال حياته.
وإن قلنا أن أم البنين هي بنت المحرم الحميرية فلا يصح احتمال الوليد قصتها مع وضاح اليمن وأنه ما واجهها بذلك، لأنه إنما فعل ذلك مع أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان لشرفها ومكانها من قومها، والله أعلم بحقيقة الحال في ذلك.
وضاح اليمن اسمه: عبد الرحمن بن إسماعيل