عضد الدين الإيجي عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل، عضد الدين الايجي: عالم بالاصول ولمعاني والعربي. من أهل ايج (بفارس) ولي القضاء، وانجب تلاميذ عظاما. وجرت له محنة مع صاحب كرمان، فحبسه بالقلعة، فمات مسجونا. من تصانيفه (المواقف - ط) في علم الكلام، و (العقائد العضدية - ط) و (الرسالة العضدية - ط) في علم الوضع، و (جواهر الكلام - خ) مختصر المواقف، و (شرح مختصر ابن الحاجب - ط) في اصول الفقه، و (الفوائد الغياثية - خ) في المعاني والبيان، و (اشرف التواريخ) و (المدخل في علم المعاني والبيان والبديع - خ).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 295
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الأيجي عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الأيجي ولد بايج من نواحي شيراز بعد السبعمائة وأخذ عن مشايخ عصره ولازم الشيخ زين الدين الهنكي تلميذ البيضاوي وغيره وكانت أكثر اقامته بالسلطانية ثم ولى أيام أبي سعيد قضاء الممالك وكان إماما في المعقول قائما بالأصول والمعاني والعربية مشاركا في الفنون وله شرح المختصر والمواقف في علم الكلام وغير ذلك وأنجب تلامذة عظاما اشتهروا في الآفاق مثل شمس الدين الكرماني وضياء الدين العفيفي وسعد الدين التفتازاني وغيرهم ووقع بينه وبين الأبهري منازعات وماجريات وكان كثير المال جدا كريم النفس يكثر الإنعام على الطلبة وجرت له محنة مع صاحب كرمان فحبسه بالقلعة فمات مسجونا في سنة 756 أرخه السبكي وأرخه الاسنوي قبل ذلك
مجلس دائرة المعارف العثمانية - صيدر اباد/ الهند-ط 2( 1972) , ج: 1- ص: 0
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار بن أحمد الإيجي
بكسر الهمزة ثم إسكان آخر الحروف ثم جيم مكسورة
المطرزي
قاضي القضاة عضد الدين الشيرازي
يذكر أنه من نسل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
كان إماما في المعقولات عارفا بالأصلين والمعاني والبيان والنحو مشاركا في الفقه
له في علم الكلام كتاب المواقف وغيرها وفي أصول الفقه شرح مختصر ابن الحاجب وفي المعاني والبيان القواعد الغياثية
وكانت له سعادة مفرطة ومال جزيل وإنعام على طلبة العلم وكلمة نافذة
مولده بإيج من نواحي شيراز بعد سنة ثمانين وستمائة
واشتغل على الشيخ زين الدين الهنكي تلميذ القاضي ناصر الدين البيضاوي وغيره
وكان أكثر إقامته أولا بمدينة سلطانية وولي في أيام أبي سعيد قضاء الممالك
ثم انتقل بالآخرة إلى إيخ
وتوفي مسجونا بقلعة دريميان وهي بكسر الدال المهملة وفتح الراء ثم آخر الحروف ساكنة ثم ميم مكسورة ثم آخر الحروف ثم ألف ونون وإيج بلحف هذه القلعة
غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها فاستمر محبوسا إلى أن مات سنة ست وخمسين وسبعمائة
رحمه الله تعالى
مكاتبة القاضي عضد الدين مع الشيخ فخر الدين الجاربردي
كتب القاضي عضد الدين سؤالا صورته يا أدلاء الهدى ومصابيح الدجا حياكم الله وبياكم وألهمنا الحق بتحقيقه وإياكم ها هو من نوركم مقتبس وبضوء أنواركم للهدى ملتبس ممتحن بالقصور لا ممتحن ذو غرور ينشد بأنطق لسان وأرق جنان
ألا قل لساكن وادي الحبيب | هنيئا لكم في جنان الخلود |
أفيضوا علينا من الماء فيضا | فنحن عطاش وأنتم ورود |
قد استبهم قول صاحب الكشاف أفيضت عليه سجال الألطاف {من مثله} متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله (... فأتوا
والضمير للعبد حيث جوز في الوجه
الأول كون الضمير لما نزلنا تصريحا وحظره في الوجه الثاني تلويحا فليت شعري ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة وهل ثم حكمة خفية أو نكتة معنوية أو هو تحكم بحت بل هذا مستبعد من مثله فإن رأيتم كشف الريبة وإماطة الشبهة والإنعام بالجواب أثبتم أجزل الثواب إن شاء الله تعالى
فكتب في الجواب العلامة الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي رحمه الله تمني الشعور متعلقا بالاستعلام لما وقع بالدخيل مع الأصيل الأدخل في الاستبهام أشعر بأن المتمني يحقق ثبوت شيء ما منها أو الانتفاء رأسا ولا يستراب أن انتفاء الفائدة اللفظية والعائدة المعنوية يجعل التخصيص تحكما فإن رفع الإبهام ينصب البعض للكثير الباقي خبر ما وضحه بفتح جزء المعنى فما مغزى التخصيص على البيان فاضرب عن الكشف صفحا مجانبا الاستدراك كما في الاستكشاف وإن ريم ما يعني بالتحقيق فيه والأخص في الاستعمال فزيغ الداله لا زلة خبير كعثرة عثارها للأدخل
بمنزلة في أنزلنا أولا بشهادة الدعدعة لعثوره عليها في نزلنا ثانيا والتبيين جنس التعيين فإنها من بنات خلعت عليهن الثياب ثم دفنتهن وحثوت عليهن التراب
فبح باسم من تهوى وذرني من الكنى | فلا خير في اللذات من دونها ستر |
إني امرؤ أسم القصائد للعدى | إن القصائد شرها أغفالها |
والحمد لله رب العالمين صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله
كتبه الجاربردي ابن الحسن أحمد حامدا
ثم كتب المولى العلامة عضد الدين رحمه الله جواب هذا الجواب
أعوذ بالله من الخطأ والخطل وأستعفيه من العثار والزلل الكلام على هذا الجواب من وجوه
الأول أنه كلام تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع ككلمات المبرسم غير منظوم وكهذيان المحموم ليس له مفهوم كم عرض على ذي طبع سليم وذي ذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤداه وكفى وكيلا بيني وبينك كل من له حظ من العربية وذكاء ما مع الممارسة لشطر من الفنون الأدبية
الثاني أنه أجمل الاستفهام لشدة الإبهام ففسره بما لا يدل عليه بمطابقة ولا بتضمن ولا بالتزام وحاصله أن ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقق وأن التردد في التعيين فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو فإنه سؤال عن أصل الثبوت
الثالث أنه لا نسلم تحقق أحد الأمرين لجواز أن لا يكون لحكمة خفية ولا نكتة معنوية بل لأمر بين في نفسه على السائل أو لشبهة قد تخيلت للحاكم وتضمحل بتأمل ما فلا يكون تحكما بحتا
وإن سلمنا الحصر فلم لا يجوز أن يتجاهل السائل تأدبا واعترافا بالتقصير وتجنبا للتيه والغرور
الرابع أن أو هذه هي الإضرابية أفهذا باعك في الأوجه الإعرابية فأين أنت من قولهم لا تأمر زيدا فيعصيك أو تحسبه غلامك وأقل خدامك أو لا تدري من أمامك أبعيد ما آذيت نفسك ليلا ونهارا في شعب من العربية مذ نيطت بك العمائم إلى أن اشتعل الرأس شيبا يخفى عليك هذا الجلي الظاهر الذي هو مسطور في الجمل لعبد القاهر
الخامس هب هذا خطأ صريحا لا يمكن أن تحمل له محملا صحيحا أليس المقصود هنا كالصبح يتبلج أو كالنار في حندس الظلم على رأس العلم تتأجج فما كان لو اشتغلت بعد ما يعنيك عن الجواب ويطبق مفصل الصواب عما لا يعنيك من التخطئة في السؤال
السادس قد أوجب الشرع رد التحية والسلام وندب إلى التلطف في الكلام فمن زوى عنه فقد اقترف الإثم وأساء الأدب وتجنب الأمم وأشعر بأن ليس له من الخلق خلاق ولم يرزق متابعة من بعث لتتميم مكارم الأخلاق
السابع أنه أعرض صفحا عن الجواب وزعم أنه من بنات خلع عليهن الثياب ثم حثى عليهن التراب فإن كان هذا فلا ريب في أنها تكون ميتة أو بالية ومع هذا فمصداق كلامه أن ينبش عنها أو أن يأتي بمثلها فنرى ماهية
الثامن أن السؤال لم يخص به مخاطب دون مخاطب بل أورد على وجه التعميم والإجمال مرعيا فيه طريق التعظيم والإجلال موجها إلى من وجه إليه ويقال تصدق أنت من أدلاء الهدى ومصابيح الدجا فأنى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب متعينا للجواب وهلا رده عن نفسه معرفة بقدره وعلما بغوره ومحافظة على طوره إلى من هو أجل منه قدرا وأنور بدرا في هذه البلدة من زعماء التحرير وفحولة العلماء النحارير الذين لا يفوتهم سابق ولا يشق غبارهم لاحق وإن كان لا يرى فوقه أحدا
فإنه للعمه والعمى والحماقة العظمى وما لداء القول دواء وليس لمرض الجهل المركب من شفاء
التاسع البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته
أما من لا يأمن مع الدعدعة سوء العثار ويحتاج إلى من يقود عصاه في ضوء النهار فإذا سابق العتق الجياد وناضل عند الرهن ذوي الأيدي الشداد فقد جعل نفسه سخرة للساخرين وضحكة للضاحكين ودريئة للطاعنين وغرضا لسهام الراشقين
العاشر أظنك قد غرك رهط قد احتفوا من حولك وألقوا السمع إلى قولك يصدقونك في كل هذر ويصوبونك في كل ما تأتي وما تذر ولم تمر بقريع الأبطال اللهاميم ولم تدفع إلى مماسك يعركك عرك الأديم فظننت بنفسك الظنون ورسخ في دماغك هذا الفن من الجنون ولم ترزق أديبا ولا ناصحا لبيبا
فما كل ذي لب بمؤتيك نصحه | ولا كل مؤت نصحه بلبيب |
فها أنا أقول لك قول الحق الذي يأتي في غيرة نفس أبية ولا يصرفني عنه هوى ولا عصبية فاقبل النصيحة واتق الفضيحة ولا ترجع بعد هذا إلى مثل هذا فإنه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب هدانا الله وإياك سبيل الرشاد
ومن فوائد المولى المعظم كمال الدين عبد الرزاق
لما قال جار الله العلامة من مثله متعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله والضمير لما نزلنا أو لعبدنا ويجوز أن يتعلق بقوله فأتوا والضمير للعبد
أوهم قوله إن الضمير إذا كان لما نزلنا كان الكلام مشعرا بثبوت مثل له حتى تأتوا بسورة من جملة ذلك المثل فاحترز عن ذلك بما معناه أن من بيانية لا تبعيضية والمراد بالمثل ما هو على صفته من جنس النظم أي بسورة من جنس كلام هو على صفته من غير قصد إلى مثل له كما ذكر يعني بسورة هي كلام موصوف بصفته كقولك عندي مال من الماشية أي مال هو الماشية فعلى هذا إذا علق من مثله بفأتوا كان المعنى على تقدير عود الضمير إلى المنزل فأتوا من جنس كلام موصوف بصفته بسورة فيكون من مثله إما حالا من السورة مبينة لهيأتها بأنها مثل هذا المنزل والحال من المعمول يقيد عامله وإما صلة للإتيان وكيف كان يقيد الفعل فيكون الإتيان المأمور إتيانا مقيدا بأنه كائن من كلام مثله بسورة
فإن كان المراد به السورة كما قررنا كان المعنى فأتوا إتيانا مقيدا بكونه من سورة مثله بسورة وذلك فاسد لا شك فيه
وإن كان المراد فأتوا من جملة كلام يماثله بسورة واحدة فإن كان ذلك المثل
موجودا لزم المحذور وهو ثبوت المثل وكذا إن كان المراد إتيانا مستندا من كلام مثله بسورة وإن لم يكن موجودا كان الفعل المقيد بابتدائه منه ممتنعا فإن الممكن المقيد وجوده بوجود المعدوم ممتنع الوجود وذلك ينافي التحدي لأن التحدي إنما يكون إذا كان أصل الفعل ممكنا مقدورا للنوع مطلقا لكنه أخص بشيء من زيادة أو تعلق بمفعول لا يسع أحدا من بني نوع الفاعل مثل ذلك الفعل المختص بتلك الزيادة أو بذلك الفعل فيدل على أن ذلك الاختصاص إنما هو لمزية وتأييد من عند الله تعالى لصاحبه وهاهنا أصل الفعل ليس بممكن وإن جعل الأصل مطلق الإتيان والمعجزة الإتيان المقيد كان المتحدى به هو الفعل لا المفعول والمقدر خلافه فإنه إتيان مقيد بوجود معدوم لا نفس الإتيان
فتبين أن كون الضمير عائدا إلى المنزل على تقدير تعلق من مثله بفأتوا لا يخلو عن أقسام كلها باطلة سواء كان من ابتدائية أو تبعيضية أو بيانية
والله أعلم
من فوائد المولى المعظم أمين الدين الحاجي دادا رحمه الله
إن قيل ما وجه تخصيص الضمير بالعبد على تقدير تعلق من مثله بفأتوا مع تجويز كونه له وللمنزل على تقدير تعلقه بالسورة
قلت الجواب يقتضي تقديم مقدمتين الأولى أن مثله يحتمل وجهين
الأول أن يكون المراد من مثل الكلام المنزل والعبد المذكور نفس ذلك
الكلام وذلك من العبد فيكون معنى المثل ملغى كما في مثل قول الشاعر
حاشا لمثلك أن تكون بخيلة | ولمثل وجهك أن يكون عبوسا |
وفي بحث تقدير المثل في السورة يستقيم المعنى وإلا لزمك كون المتحدي بإتيان سورة كائنة من القرآن أو صادرة من النبي صلى الله عليه وسلم وهو محال
الثاني أن يكون معنى المثل بحاله ويكون المراد منه كلاما آخر مثل القرآن أو شخصا آخر مثل النبي صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر
المقدمة الثانية أن الأقسام على ما ذكره صاحب الكشاف أربعة
الأول من مثله إما يتعلق بسورة أو بالإتيان وعلى التقديرين الضمير إما أن يكون للعبد أو للمنزل وهذه أربعة وإذا تقرر ذلك فنقول القسم الأول صحيح على الوجهين لأنه التقدير فيه فأتوا بمثل سورة صادرة من مثل النبي صلى الله عليه وسلم وهما مستقيمان
والثاني صحيح على الأول دون الثاني وإلا لم يكن التحدي بإتيان السورة فقط بل يشترط أن يكون بعضا من كلام مثل القرآن وهو باطل
والثالث صحيح على الثاني دون الأول لأن تقديره فيه فأتوا من هذا العبد بمثل سورة وهو لغو
فيكون القسم الرابع فاسدا على الوجهين
من فوائد المولى الفاضل عز الدين التبريزي
جعل {مثله} صفة لسورة فإن كان الضمير للمنزل فمن للبيان وإن كان للعبد فمن للابتداء وهو ظاهر
فعلى هذا إن تعلق {من مثله} بقوله {فأتوا} فلا يكون الضمير للمنزل لأنه يستعدي كونه للبيان والبيان يستدعي تقديم مبهم فإذا تعلق بالفعل فلا يتقدم مبهم فتعين أن تكون للابتداء لفظا أو تقديرا أي أصدروا أو أنشئوا أو استخرجوا من مثل العبد سورة لأن مدار الاستخراج هو العبد لا غير
فتعين في الوجه الثاني عود الضمير إلى العبد والله أعلم بالصواب
من فوائد المولى المعظم قدره صدر فضلاء خوارزم همام الدين
قوله ويجوز أن يتعلق بقوله {فأتوا} والضمير للعبد لأنه إذا كان ظرفا مستقرا على أنه صفة سورة بمعنى سورة كائنة من مثله لم يتعين الضمير للعبد بل كما احتمل العود إلى العبد احتمل العود إلى المنزل أما إذا كان ظرفا لغوا متعلقا بقوله {فأتوا} لم يحتمل العود إلا إلى العبد لأنك لما علقته به فقد جعلته مبتدأ الإتيان بالسورة ومنشأها فيكون هو المنشئ لها والآتي بها والمصدر أو المملي حتى يتحقق الابتداء منه حقيقة كما إذا قلت ائتني بشعر من فلان كان هو المملي والمنشئ على ما لا يخفى
ولو رجعت الضمير على هذا إلى المنزل أحلت وأما نحو قولك ائتني بماء من دجلة وثمر من بستانك وآية من القرآن وبيت من الحماسة فليس منه على أن في الحمل عليه فسادا لأنه يفيد ثبوت المثل للقرآن أو يوهم والغرض نفي المثل على ما قال ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك قال وفي ثبوت التحدي لأن المعنى فأتوا من مثل القرآن أي من كلام مثل القرآن في الأسلوب والفصاحة بخلاف ما إذا علقته بالسورة لأن حقيقة المعنى على إقحام كلمة من فكأنه قيل بسورة مماثلة نظما وأسلوبا فلا يلزم فيه ما يلزم في الأول وهذا كما إذا قلت ائتني بدرهم كائن من مثل هذه الدراهم المضروبة
كان المعنى أن تأتي بما ينطبع على وجهها ويتكون من مثلها مطلقا لا أن تأتي من مثلها الموجود والله أعلم بالصواب
من فوائد مولانا وسيدنا شيخ الإسلام محيي السنة قامع البدعة خلاصة المجتهدين تقي الملة والحق والدين علي السبكي أعلى الله درجته في عليين مع النبيين والصديقين
قوله تعالى {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله} قال الزمخشري رحمه الله من مثله يتعلق بسورة صفة لها أي بسورة كائنة من مثله وليس مراده التعلق الصناعي لأن الصفة إنما تتعلق بمحذوف وقد صرح هو به ومراده أنه لا يتعلق بقوله {فأتوا}
ثم قال والضمير لما نزلنا أو لعبدنا والأحسن عندي أن يتعلق بعبدنا وإن علق بما نزلنا فيكون بالنظر إلى خصوصيته فيشمل صفة المنزل في نفسه والمنزل عليه وإنما قلت ذلك لأن الله تعالى تحدى بالقرآن في أربع سور في ثلاث منها بصفته في نفسه فقال تعالى {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}
وقال تعالى {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله}
وقال تعالى {أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات} والسياق في ذكر القرآن من حيث هو هو ولذلك لم يذكر في هاتين الآيتين لفظة من المحتملة للتبعيض ولابتداء الغاية فتركها يعين الضمير للقرآن
وفي سورة البقرة لما قال {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا} قال {فأتوا بسورة من مثله} فيكون من لابتداء الغاية والضمير في {مثله} للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون قد تحداهم فيها بنوع آخر من التحدي غير المذكور في السور الثلاث
وذلك أن الإعجاز من جهتين
إحداهما من فصاحة القرآن وبلاغته وبلوغه مبلغا تقصر قوى الخلق عنه وهو المقصود في السور الثلاث المتقدمة المتحدى به فيها
والثانية من إتيانه من النبي الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب وهو المتحدى به في هذه السورة ولا يمتنع إرادة المجموع كما قدمناه
فإن أراد الزمخشري بعود الضمير على ما نزلنا المجموع بالطريق التي أشرنا إليها
فصحيح وحينئذ يكون ردد بين ذلك وعود الضمير على الثاني فقط وإن لم يرد ذلك فما قلناه أرجح ويعضده أنه أقرب وعود الضمير على الأقرب أوجب ويعضده أيضا أنهم قد تحدوا قبل ذلك وظهر عجزهم عن الإتيان بسورة مثل القرآن لأن سورة يونس مكية فإذا عجزوا عنه من كل أحد فهم عن الإتيان بمثله ممن لم يقرأ ولم يكتب أشد عجزا فالأحسن أن يجعل الضمير لقوله {عبدنا} فقط
وهذان النوعان من التحدي يشتملان على أربعة أقسام لأن التحدي بالقرآن أو ببعضه بالنسبة إلى من يقرأ ويكتب وإلى من ليس كذلك والتحدي بالنبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى مثل المنزل وإلى أي سورة كانت فإن من لم يكتب لا يأتي بها فصار الإتيان بسورة من مثل النبي صلى الله عليه وسلم ممتنعا شابهت القرآن أم لم تشابهه والإتيان بسورة من مثل القرآن ممتنعا كانت من كاتب قارئ أم من غيره فظهر أنها أربعة أقسام
ثم قال الزمخشري رحمه الله ويجوز أن يتعلق بقوله {فأتوا} والضمير للعبد وهذا صحيح وتكون {من} لابتداء الغاية
ولم يذكر الزمخشري على هذا الوجه احتمال عود الضمير على {مما نزلنا} ولعل ذلك لأن السورة المتحدى بها إذا لم يوجد معها المنزل عليه لا بد أن يخصص بمثل المنزل كما في سورة يونس وهود فإذا علقنا الصلة هنا في سورة البقرة بقوله {فأتوا} وعلقنا الضمير بالمنزل كانوا قد تحدوا بأن يأتوا بسورة مطلقة ليست موصوفة ولا من شخص مخصوص فليست على نوع من نوعي التحدي
فإن قلت من على هذا التقدير للتبعيض فتكون السورة بعض مثله يقتضى مماثلتها
قلت المأمور به السورة المطلقة ومن يحتمل أن تكون لابتداء الغاية وإن سلم أنها للتبغيض فالمماثلة إنما يعلم حصولها للسورة بالاستلزام فلم يتحدوا ولم يؤمروا إلا بها من حيث هي مطلقة لا من حيث ما اقتضاه الاستلزام من المماثلة فإن المماثلة بالمطابقة في الكل المبعض لا في البعض فإن لزم حصولها في البعض فليس من اللفظ
وبهذا يعرف الجواب عن قول من قال ما الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة فنقول الفرق بينهما ما ذكرناه فإن المأمور به في الأول سورة مخصوصة وفي الثاني سورة مطلقة من حيث الوضع وإن كانت بعضا من شيء مخصوص
والله أعلم
وما ذكره الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي في جواب الجواب لعضد الدين الشيرازي نصرة لوالده الشيخ فخر الدين أحمد الجاربردي تجاوز الله عن الجميع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبه أستعين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله عليه وسلم على خاتم النبيين وإمام المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين
أما بعد فيقول الفقير إلى الله تعالى إبراهيم الجاربردي بينما كنت أقرأ كتاب
الكشاف في سنة ستين وسبعمائة بين يدي من هو أفضل الزمان لا بالدعاوي بل باتفاق أهل العلم والعرفان أعني من خصه الله تعالى بأوفر حظ من العلاء والإحسان مولانا وسيدنا وسندنا الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام والمسلمين الداعي إلى رب العالمين قامع المبتدعين وسيف المناظرين إمام المحدثين حجة الله على أهل زمانه والقائم بنصرة دينه في سره وإعلانه بقلمه ولسانه خاتمة المجتهدين بركة المؤمنين أستاذ الأستاذين قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب السبكي لا زالت رباع الشرع معمورة بوجوده ورياض الفضل مغمورة بجوده ويرحم الله عبدا قال آمين إذ وصلت إلى قوله تعالى {فأتوا بسورة من مثله} فرأيت عند بعض الفضلاء الحاضرين شيئا من كلام القاضي عضد الدين الشيرازي على كلام والدي الذي كتبه على سؤاله المشهور عن الفرق بين فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا وفأتوا من مثل ما نزلنا بسورة
فأخذته منه رجاء أن أطلع على بدائع من رموزه وودائع من كنوزه فوجدته قد فطم عن ارتضاع أخلاف التحقيق وحرم عن الاغتراف من بحر التدقيق جعل الإيراد عنادا والمنع ردا والرد صدا والسؤال نضالا والجواب غيابا ركب عميا وخبط خبط عشوا وقال ما هو تقول وافترا وكلام والدي منه برا كأنه طبع على اللغا أو جبل طينه من المرا فمزج الشهد بالسم وأكل الشعير وذم فأضحت حركة
الهمة في استيفاء القصاص فكتبت هذه الرسالة المسماه بالسيف الصارم في قطع العضد الظالم ولأجازيه عن حسناته العشر بأمثالها قال الله تعالى {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل} وقال تعالى {والجروح قصاص} وجراحة اللسان أعظم من جراحة السنان
قال الشاعر
جراحات السنان لها التئام | ولا يلتام ما جرح اللسان |
وقال آخر
وبعض الحلم عند الجهل | للذلة إذعان |
وفي الشر نجاة حين | لا ينجيك إحسان |
وقال آخر
لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم | وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا |
وأسأل الله تعالى التوفيق وبيده أزمة التحقيق
أقول أيها السائل رحمك الله أما قولك في الجواب إنه كلام تمجه الأسماع وتنفر عنه الطباع إلى آخره فنقول بموجبه لكن بالنسبة إلى من كانت حاسته غير سليمة أو سد عن الإصاغة إلى الحق سمعه وأبى أن ينطق بالحق لسانه وهذا قريب مما حكى الله سبحانه وتعالى عن الكفار المعاندين {وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب}
وقولك كم عرض على ذي طبع سليم وذي ذهن مستقيم فلم يفهم معناه ولم يعلم مؤداه
نقول هذا كلام متهافت إذ لو كانوا ذا طبع سليم وذهن مستقيم لفهموا معناه وتفطنوا لموجبه ومتقضاه فإن ذا الطبع السليم من يدرك اللمحة وإن لطف شأنها ويتنبه على الرمزة وإن خفي مكانها ويكون مسترسل الطبيعة منقادها مشتعل القريحة وقادها ولكنهم كانوا مثلك كزا جاسيا وغليظا جافيا غير دارين بأساليب النظم والنثر غير عالمين كيف يرتب الكلام ويؤلف وكيف ينظم ويرصف {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} أما سمعت قول بعض الفضلاء
علي فحص المعاني من مكامنها | وما علي إذا لم تفهم البقر |
أو نقول فرضنا أنهم كما زعمت ذا فهم سليم وطبع مستقيم لكنهم ما اشتغلوا بالعلوم حق الاشتغال فأين هم من فهم هذا المقال أما سمعوا قول من قال
لو كان هذا العلم يدرك بالمنى | ما كان يبقى في البرية جاهل |
وقول آخر
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله | لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا |
ومع أن أمثال هذه الغوامض كما نبه عليه الزمخشري لا يكشف عنها من الخاصة
إلا أوحدهم وأخصهم وإلا واسطتهم وفصهم وعامتهم عماة عن إدراك حقائقها بأحداقهم عناة في يد التقليد لا يمن عليهم بجز نواصيهم وإطلاقهم هذا مع أن مقامات الكلام متفاوتة فإن مقام الإيجاز يباين مقام الإطناب والمساواة وخطاب الذكي يباين خطاب الغبي فكما يجب على البليغ في موارد التفصيل والإشباع أن يفصل ويشبع فكذلك الواجب عليه في خطاب الإجمال والإيجاز أن يجمل ويوجز
أنشد الجاحظ
يرمون بالخطب الطوال وتارة | وحي الملاحظ خيف الرقباء |
وأئمة صناعة البلاغة يرون سلوك هذا الأسلوب في أمثال هذه المقامات من كمال البلاغة وإصابة المحز
فنقول إنما أوجز الكلام وأوهم المرام اختبارا لتنبيهك أو مقدار تنبهك أو نقول عدل عن التصريح احترازا عن نسبة الخطأ إليك صريحا والعدول عن التصريح باب من البلاغة يصار إليه كثيرا وإن أورث تطويلا
ومن الشواهد لما نحن فيه شهادة غير مردودة رواية صاحب المفتاح عن القاضي شريح أن رجلا أقر عنده بشيء ثم رجع ينكر فقال له شريح شهد عليك
ابن أخت خالتك آثر شريح التطويل ليعدل عن التصريح بنسبة الحماقة إلى المنكر لكون الإنكار بعد الإقرار إدخالا للعنق في ربقة الكذب لا محالة
وأما قولك ثانيا فسره بما لا يدل عليه بمطابقة ولا بتضمن ولا بالتزام ثم تقول حاصله كذا
فنفيت أولا الدلالات ثم أثبت ثانيا له معنى وذكرته فأنت كاذب إما في الأول أو الثاني
وأيضا قد قلت أولا بأنه كهذيان المحموم ليس له مفهوم ثم قلت حاصله كذا
فقد أدخلت عنقك في ربقة الكذب اتقي الله فإن الكذب صغيرة والإصرار عليها كبيرة والمعاصي تجر إلى الكفر قال الله تعالى {ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله}
ثم إن قولك حاصله أن ثبوت أحد الأمرين هاهنا متحقق وأن التردد في التعيين فحقيق أن يسأل عنه بالهمزة مع أم دون هل مع أو فإنه سؤال عن أصل الثبوت
يوهم أنك الذي استنبطت هذا المعنى من كلامه وفهمته منه وليس كذلك بل لما بلغك هذا الجواب بقيت حائرا مليا لا تفهم مؤداه ولا تعلم معناه وكنت تعرضه على نمن زعمت أنهم كانوا ذا طبع سليم وفهم مستقيم فما فهموا معناه وما عثروا على مؤداه فصرت ضحكة للضاحكين وسخرة للساخرين فلما حال الحول وانتشر القول
جاء ذاك الإمام الألمعي أعني الشيخ أمين الدين حاجي دادا وتمثل بين يدي والدي وقال كما قلت
أفيضوا علينا من الماء فيضا | فنحن عطاش وأنتم ورود |
فقرأه عليه قراءة تحقيق وإتقان وتدقيق فلما كشف الوالد له الغطاء ظهر له أن كلامك كان {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء} فجاء إليك وأفرغ في صماخيك وأقر عينيك فكان من الواجب عليك أن تقول حاصله كذا على ما فهمته من بعض تلامذته لئلا يكون انتحالا فإن ذلك خيانة والله لا يحب الخائنين
فإن كابرت وجعلتني من المدعين فقل {فأت بها إن كنت من الصادقين} فأقول أما بالنسبة إلى الآخرة فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم وأما بالنسبة إلى الدنيا ففضلاء تبريز فإنهم عالمون بالحال عارفون بأن الأمر على هذا المنوال ولهذا ما وسعك أن تكتب هذه الهذيانات وأنت في تبريز مخافة أن تصير هزأة للساخرين وضحكة للناظرين بل لما انتقلت إلى أهل بلد لا يدرون ما الصحيح تكلمت بكل قبيح لكن وقعت فيما خفت منه
وأما قولك ثالثا لا نسلم تحقق أحد الأمرين حقيقة إلى آخر ما قلتم فكله مخالف للظاهر والأصل عدمه وتحقيق الجواب فيه يظهر مما أذكره في آخر الجواب الرابع
وأما قولك رابعا إن أو هذه هي الإضرابية أفهذا باعك في الأوجه الإعرابية
فنقول
أولا لا شك أنك عند تسطير هذا السؤال ما خطر لك هذا بالبال بل لما اعترض عليك تمحلت هذا المقال
وثانيا المثال الذي ذكرته غير مطابق لكلامك لو فرضنا أنه من كلام الفصحاء
وثالثا أنه لا يستقيم أن تكون أو في كلامك للإضراب لفوات شرطه فإن إمام هذا الفن سيبويه إنما أجاز أو الإضرابية بشرطين أحدهما تقدم نفي أو نهي والثاني إعادة العامل نحو ما قام زيد أو ما قام عمرو ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو نقله عنه ابن عصفور هكذا مذكور في مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب ثم قال مصنفه ابن هشام المصري رحمه الله ومما يؤيد نقل ابن عصفور أن سيبويه رحمه الله قال في {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} ولو قلت أو لا تطع كفورا انقلب المعنى يعني يصير إضرابا عن النهي الأول ونهيا عن الثاني فقط
انتهى
فلا يمكن حمل أو في كلامك على الإضراب فظهر من التقصير باعه في علم الإعراب أمثلك يعرض بهذا لمن كان أدنى تلامذته فارسا في علم الإعراب مقدما في جملة الكتاب لكن نحوك انحصر في الجمل الذي صنف لصبيان الكتاب وحرمت من الكنوز التي أودعها سيبويه في الكتاب
ثم على تقدير تسليم إتيان أو للإضراب مطلقا كما ذهب إليه بعضهم لا يندفع الإيراد لأن من شرط ارتفاع شأن الكلام في باب البلاغة صدوره من بليغ عالم بجهات البلاغة بصير يطرق حسن الكلام وأن يكون السامع معتقدا أن المتكلم قصد هذا في تركيبه عن علم منه لا أنه وقع منه اتفاقا بلا شعور منه فإنه إذا أساء
السامع اعتقاده بالمتكلم ربما نسبه في تركيبه ذلك إلى الخطأ وأنزل كلامه منزلة ما يليق به من الدرجة النازلة
ومما يشهد لك ما نقل صاحب المفتاح عن علي رضي الله عنه أنه كان يشيع جنازة فقال له قائل من المتوفي بلفظ اسم الفاعل سائلا عن المتوفى فلم يقل فلان بل قال الله تعالى ردا لكلامه عليه مخطئا إياه منبها له بذلك على أنه كان يجب أن يقول من المتوفى بلفظ المفعول ويقال إن هذا الواقع كان أحد الأسباب التي دعته إلى استخراج علم النحو فأمر أبا الأسود الدؤلي بذلك فأخذ فيه فهو أول أئمة علم النحو رضي الله عنهم أجمعين
ولا شك أنه يقال توفى على البناء للفاعل أي أخذ وحينئذ يكون كناية عن مات بمعنى أن الميت أخذ بالتمام مدة عمره فمات فالمتوفي هو الميت بطريق الكناية ويقال توفي على البناء للمفعول أي أخذ روحه وحينئذ يكون الميت هو المتوفى حقيقة والمتوفي هو الله ولما سأل من هو من الأوساط من علي كرم الله وجهه
عن الميت بلفظ المتوفي الذي هو من تركيب البلغاء أجابه بما يليق به أن المتوفي هو الله تعالى وفيه بيان أنه يجب أن يقول من المتوفى بلفظ اسم المفعول الذي يليق به كما يقوله الأوساط لأنه لا يخشى الكناية
وإذا سمعت ما تلونا عليك وتأملت المقصود من إيرادنا هذا الكلام عليك يتنفس الجواب عن الثالث والرابع في ذهنك النفس الجلي
وأما قولك خامسا هب هذا خطأ صريحا أليس المقصود هنا كالصبح فما كان لو اشتغلت بالجواب
فنقول الجواب عنه من وجهين أحدهما أن الأئمة قد صرحوا بأنه لا يكتب على الفتوى إلا بعد تصحيح السؤال
والثاني أنه يحتمل أن يكون قد أحسن الظن في حقك بأن مثل هذا لا يخفى عليك ومع ذلك يكون قد خطر له أنك قد فعلت هذا امتحانا هل يتفطن أحد لتركيبك أم لا فعلى هذا كيف يتعدى عن التنبيه إلى المقصود
وأما قولك سادسا قد أوجب الشرع رد التحية والسلام
فالجواب عنه أيضا من وجهين
أحدهما أن الواجب هو الرد لا الكتابة فيحتمل أن يكون قد رد بلسانه وما كتب وما أعرف أحدا من الأصحاب قال بوجوب الكتابة أو ما سمعت ما أجاب الفضلاء عن المزني حيث قيل إنه لم يكتب أول المختصر بسم الله الرحمن الرحيم
والثاني أنك زعمت في الوجه الثامن أنك ما خصصته بالسؤال بل أوردته على وجه التعميم والإجمال
فنقول حينئذ لا يجب عليه بعينه رد السلام بل على واحد لا بعينه لكن أعذرك
في مسألة رد التحية لأنك في الفقه ما وصلت إلى باب الطهارة فكيف بمسائل تذكر في أواخر الفقه
وأما قولك سابعا زعم أنه من بنات خلع عليهن الثياب
فالجواب عنه أن الزعم قول يكون مظنة للكذب وما ذكره من الحق الأبلج ومن ظن خلاف ذلك فقد وقع في الباطل اللجلج لأن مراده ببنات خلع عليهن الثياب نتائج فكره التي انتشرت في البلاد كشرح المنهاج والمصباح وشرح التصريف والنكات وحواشي شرح المفصل والمفصل والمفتاح وحواشي المصابيح وشرح السنة وحواشي الكشال وحواشي الطوالع والمطالع وشرح الإشارات وغير ذلك مما يطول ذكره
وقولك فلا ريب في أنها تكون ميتة أو بالية دال على جهلك لأن قول العالم لا يموت ولو مات العالم ولهذا يحتج به أما قال بعضهم العلماء باقون ما بقي الدهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة
قولك مصداق كلامه أن ينبش عنها فنرى ماهيه
قلت الحذر الحذر فإنها نار حامية
وقولك أو يأتي بمثلها فنرى ماهيه
قلت نعم لكن بشرط أن تنزع من صماخيك صمام الصمم حتى أفرغ فيها شيئا من مباحث الحكم
فأقول وبالله التوفيق فما ذكره والدي في الفرق أن صاحب الكشاف إنما حكم بأن قوله {من مثله} إذا كان صفة سورة يجوز أن يعود الضمير إلى {ما} وإلى {عبدنا} وإذا كان متعلقا بفأتوا تعين أن يكون الضمير للعبد لأنه إذا كان صفة فإن عاد الضمير إلى {ما} تكون {من} زائدة كما هو مذهب الأخفش في زيادة من إذ المعنى حينئذ فأتوا بسورة من مثل القرآن في حسن النظم واستقامة المعنى وفخامة الألفاظ وجزالة التركيب وليس النظر إلى أن يكون مثل بعض القرآن أو كله بل لا وجه لهذا الاعتبار يؤيده قوله تعالى في موضع آخر {فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله} وقال تعالى في موضع آخر {فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله} فلا تكون من لتبعيض ولا ابتدائية لأنه ليس المقصود أن يكون مبتدأ الإتيان هذا أو ذاك
وإن عاد الضمير إلى {عبدنا} تكون من ابتدائية وهو ظاهر
وأما إذا كان {من مثله} متعلقا بفأتوا فلا يجوز أن تكون من زائدة لأن حرف الجر إذا كان زائدا لا يكون متعلقا بشيء فتعين أن يكون المعنى فأتوا بسورة من مثل عبدنا وتكون من ابتدائية
ثم قال أو نقول إنما قال صاحب الكشاف إن {من مثله} إن كان صفة سورة
يحتمل عود الضمير إلى {ما} وإلى {عبدنا} لصحة أن يقال سورة كائنة من مثل ما نزلنا بأن تكون السورة بعض مثل ما نزل أو يكون مثل ما نزل مبتدأ نزوله ولصحة أن يقال سورة كائنة من مثل عبدنا بأن يكون قد قاله ويكون تركيبه وكلامه
وأما إن كان {من مثله} متعلقا بفأتوا فيتعين أن يكون عائدا إلى {عبدنا} لاستقامة أن يقال فأتوا من مثل عبدنا أي من عبد مثله بأن يكون كلامه ولا يستقيم أن يقال فأتوا من عبد مثل ما نزلنا أي من جهته إذ لا يستقيم أن يقال أتى هذا الكلام من فلان إلا إذا كان ذلك الفلان ممن يمكن أن يكون هذا كلامه ويكون هذا الكلام منقولا منه مرويا عنه وهذا ظاهر ولهذا ما بسط الزمخشري الكلام فيه بل اقتصر على ذكره والله أعلم
وأما قولك ثامنا إن السؤال لم يخص به مخاطب دون مخاطب
فهذا كلام المجانين لأنك بعثت هذا السؤال على يد الشيخ علاء الدين الباوردي إلى خدمته وطلبت منه الجواب لكن لما اشتبه عليك القول أخذت تبدي النزق والعول فتارة تمنع وتخاله صوابا وأخرى ترد وتظنه جوابا أما تستحيي من الفضلاء الذين كانوا مطلعين على هذا الحال ولقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت
ثم إن الذي يقضى منه العجب حالك في قلة الإنصاف وفرط الجور والاعتساف وذلك أن هذا ما هو أول سؤال سألته عنه بل ما زلت منذ توليت القضاء كلا عليه حيث سرت غير منفك من اقتباس الأحكام من فتاويه أينما توجهت تسأله في الأحكام الشرعية عن النقير والقطمير ثم في تضاعيف ذلك لما سألته عن آية من التفسير ونبهك على تصحيح التقرير جاشت منك الحمية فشرعت تجحد فضله وتنكر سبقه هيهات هيهات
#اتسع الخرق على الراقعوقولك راعيت فيه طريق التعظيم والإجلال
نعم هذا كان الواجب عليك لأنك أنت السائل والسائل كالمتعلم والمسئول كالمعلم فالواجب عليك تعظيمه وعليه أن يرشدك وقد فعل بأن هداك إلى تصحيح السؤال
وقولك فأنى رأى نفسه أهلا لهذا الخطاب
قلت من فضل الله العظيم أن جعله أستاذ العلماء في زمانه {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما} ولقد أحسن بديع الزمان حيث قال
أراك على شفا خطر مهول | بما أودعت رأسك من فضول |
طلبت على تقدمنا دليلا | متى احتاج النهار إلى دليل |
وقولك فهل لا رده عن نفسه إلى من هو أجل منه قدرا وأنور منه بدرا
فالجواب عنه من وجهين
الأول أنك بعثت إليه وسألته عنه فصار كفرض العين بالنسبة إليه فلذا قال ما حاصله أن السؤال يحتاج إلى التصحيح بالنظر الدقيق ليصير مستحقا للجواب من أهل التحقيق
والثاني قل لي من كان في البين في ذلك الزمان ممن يماثله أو يدانيه
وقولك في هذه البلدة من زعماء التحرير وعلماء النحارير
فمسلم لكن كلهم أو أكثرهم تلامذته أو من تلامذة تلامذته وهذا مما لا ينكره غير جاهل مارد أو حاسد معاند أو ما كانوا يهذبون إلى درر فوائده من كل فج عميق ويتزاحمون على اجتلاب درر مباحثه فريقا بعد فريق وما أحسن قول من قال
وجحود من جحد الصباح إذا بدا | من بعد ما انتشرت له الأضواء |
ما دل أن الشمس ليس بطالع | بل أن عينا أنكرت عمياء |
وأما قولك تاسعا البليغ من عدت هفواته والجواد من حصرت عثراته إلى آخر ما هذيت
فالجواب عنه حاشا أن يكون من البلغاء الذين تكون هفواتهم معدودة أو من الجواد الذي تكون عثراته محصورة فإنك قد عثرت في هذا السؤال والجواب تعثيرا كثيرا كما ترى ولولا دعدعتنا لك لبقيت عاثرا أبدا وقد قيل
لحى الله قوما لم يقولوا لعاثر | ولا لابن عم كبه الدهر دعدعا |
بل أنت مثل قول الشاعر
فضول بلا فضل وسن بلا سنا | وطول بلا طول وعرض بلا عرض |
وأما قولك عاشرا أظنك قد غرك رهط قد احتفوا من حولك وألقوا السمع إلى قولك إلى الآخر
فالجواب أن هذا ظن فاسد قد نشأ من سوء فهمك وخطأ قياسك لأنك قسته على نفسك والأمر على عكس ذلك لأنك قد ركبت الشطط والأهوال وبذلت العمر والأموال حتى اجتمع عندك جمع من الفسقة الجهال لا يعرفون الحرام من الحلال ولا يميزون الجواب عن السؤال يعظمونك في خطاب ويصدقونك في الغياب يمثلونك بذوي الرقاب فقل بالله قولا صادقا هل تقدمت في مدة حياته في مجالس التدريس وحلق المناظرة وهل عليك للعلم جمال وأبهة أو ما كنت بالعامة مشتبه وبالأتراك مقتده يجرونك إلى كل بلد سحيق ويرمونك في كل فج عميق وهل لا سفهت رأي مخدومك محمد بن الرشيد وزير السلطان أبي سعيد حين بنى باسمه المدرسة الحجرية في الربع الرشيدية وحضرت بين يديه يوم الإجلاس صامتا كالبرمة عند الهراس وفقدت الحواس وكنت كالوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس فنعوذ بالله من أمثالك من الجنة والناس
وأما الذين اجتمعوا عند والدي واشتغلوا عليه وتمثلوا بين يديه فهم العلماء الأبرار والصلحاء الأخيار بذلوا له الأنفس والأموال منهم الإمام الهمام الشيخ شرف الدين الطيبي شارح الكشاف والتبيان وهو كالشمس لا يخفى بكل مكان
ومنهم الإمام المدقق نجم الدين سعيد شارح شرح الحاجبية والعروض الساوية وهو الذي سار بذكره الركبان
ومنهم النوران فرج بن أحمد الأردبيلي ومحمد بن أبي الطيب الشيرازي وهما كالتوأمين تراضعا بلبان وأي لبان ورتعا من أكلأ العلوم في عشب أخصب من نعمان
ومنهم قاضي القضاة نظام الدين عبد الصمد وهو مما لا يشق غباره ولا يخفى عن غير المعترض مقداره
فكم لوالدي من مثلهم من التلامذة في كل بلد بحيث إني لو أريد أن أذكرهم ببعض تراجمهم أحتاج إلى مجلدات فيكون تضييعا للقرطاس وتضييقا للأنفاس فهؤلاء لعمري رجال إذا أمعن المتأمل فيهم عرف أن ماءهم بلغ قلتين فلم يحمل خبثا
وقولك فاقبل النصيحة
فنقول يا أيها المستنصح لم لا نصحت نفسك حتى كنا سلمنا من هذه الهذيانات أما سمعت قوله تعالى {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم}
وقول الشاعر
لا تنه عن خلق وتأتي مثله | عار عليك إذا فعلت عظيم |
فأنت الباعث لي على هذه الكلمات وإلا أين أنا والبحث عن أمثال هذه الأسرار والخوض في الجواب عن نتائج قرائح الأخيار قال الشاعر
وما النفس إلا نطفة في قرارة | إذا لم تكدر كان صفوا غديرها |
لكن الضرورة إلى هذا المقدار دعتني وفي المثل لو ذات سوار لطمتني
قال الشاعر
فنكب عنهم درء الأعادي | وداووا بالجنون من الجنون |
ثم إني أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم غفار الذنوب ستار العيوب وأتوب إليه وأحلف بالله العظيم أن القاضي عضد الدين تغمده الله برحمته ما كان يعتقد في والدي رحمه الله الذي عرض به في الجواب بل كان معظما له غاية التعظيم حضورا وغيبة وحاش لله أن أعتقد أيضا فيه ما تعرضت له في بعض المواضع بل أنا معظم له معتقد أنه كان من أكابر الفضلاء وأماثل العلماء وكذا والدي رحمه الله كان يعظمه أكثر من ذلك نعم إنما يعرف ذا الفضل من الناس ذووه والشيطان قد ينزغ بين الأحبة والإخوة وإنما كتبت هذه الكلمات استيفاء للقصاص فلا يظن ظان أني محقر له فإنه قد يستوفى القصاص مع التعظيم ويعرف هذا من يعرف دقائق الفقه
ثم إني أرجو من كرم الله سبحانه وتعالى أن يتجاوز عنا جميع ما زلت به القدم وطغى به القلم وأن يجعلنا ممن قال في حقهم {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} والحمد لله رب العالمين صلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
دار هجر - القاهرة-ط 2( 1992) , ج: 10- ص: 46
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين الإيجي
ولد بإيج من نواحي شيراز بعد السبع مائة وأخذ عن مشايخ عصره ولازم زين الدين تلميذ البيضاوي وكان إماماً في المعقول قائما بالأصول والمعاني والبيان والعربية مشاركاً في سائر الفنون وله شرح مختصر المنتهى وقد انتفع الناس به من بعده وسار في الأقطار واعتمده العلماء الكبار وهو من أحسن شروح المختصر من تدبره عرف طول باع مؤلفه فإنه يأتي بالشرح على نمط سياق المشروح ويوضح ما فيه خفاء ويصلح ما عليه مناقشة من دون تصريح بالاعتراض كما يفعله غيره من الشراح وقل أن يفوته شيء مما ينبغى ذكره مع اختصار في العبارة يقوم مقام التطويل بل يفوق وله المواقف في الكلام ومقدماته وهو كتاب يقصر عنه والوصف لا يستغنى عنه من رام تحقيق الفن وله السؤال المشهور الذي حرره إلى المحقق الجاربردي في كلام صاحب الكشاف على قوله تعالى {فأتوا بسورة من مثله} وأجابه بجواب فيه بعض خشونة فاعترضه صاحب الترجمة باعتراضات وتلاعب به وبكلامه وهو شيخه ولكنه لم ينصفه في الجواب حتى يستحق التأدب معه وقد أجاب عن اعتراضات
صاحب الترجمة ابن الجاربردي وأودع ذلك مؤلفاً مستقلا وقد ولي قضاء المالكية في أيام أبي سعيد وكان كثير الأفضال على الطلبة كريم النفس وجرت بينه وبين الأبهري منازعات وما جريات وله تلامذة نبلاء منهم السعد التفتازاني صاحب التصانيف المشهورة سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى ومنهم شمس الدين الكرماني وغيرهما وجرت له محنة مع صاحب كرمان فحبسه بالقلعة ومات مسجوناً في سنة 756 ست وخمسين وسبعمائة
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 0) , ج: 1- ص: 326
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار القاضي عضد الدين
الشافعي الشهير بالعضد.
كان إماما في المعقول، قائما بالأصول. والمعاني، مشاركا في الفنون، كريم النفس، كثير المال، كثير الإنعام على الطلبة.
ولد بعد 700 وأنجب تلامذته: شمس الدين الكرماني، والتفتازاني.
له شرح على مختصر ابن الحاجب الأصلي، والمواقف، والفوائد الغياثية في البيان، ورسالة في المنطق.
وقعت له محنة مع صاحب «كرمان» فمات مسجونا سنة 750.
دار التراث العربي - القاهرة-ط 1( 1972) , ج: 3- ص: 0
عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار المعروف بقصد.
شارح المختصر، و’’المواقف’’، و’’الجواهر’’ وغيرها، كان إماماً في علوم محققاً، وصنف في المعانى والبيان أيضاً، تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد، وكان جواداً، مات سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة.
دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1