ابن حمديس عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس الازدي الصقلي، أبو محمد: شاعر مبدع. ولد وتعلم ف يجزيرة صقلية، ورحل إلى الاندلس سنة 471هـ ، فمدح المعتمد بن عباد، فأجزل له عطاياه. وانتقل إلى افريقية سنة 484هـ ، فمدح صاحبها يحيى بن تميم الصنهاجي، ثم ابنه عليا، فأبنه الحسن، سنة 516هـ. وتوفى بجزيرة ميورقة، عن نحو 80 عاما. له (ديوان شعر - ط).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 274
ابن حمديس الصقلي عبد الجبار بن أبي بكر بن محمد بن حمديس، أبو محمد الصقلي الشاعر، امتدح ملوك الأندلس بعد السبعين وأربع مائة واختص بالمعتمد، وامتدح بعده ملك إفريقية يحيى بن تميم. وتوفي سنة ست عشرة وخمس مائة ومن شعره:
والثريا رجح الغرب بها | كابن ماء ضم للوكر جناح |
وكأن الغرب منها ناشق | باقة من ياسمين أو أقاح |
وكأن الصبح بالأنوار من | ظلم الليل على الظلماء صاح |
ومغرب طعنته غير نابية | أسنة هن إن حققتها شهب |
ومشرق كيمياء الشمس في يده | ففضة الماء من إلقائها ذهب |
ورب ليل سريناه وقد طلعت | بقية البدر في أولى بشائره |
كأنما أدهم الإظلام حين نجا | من أشهب الصبح ألقى نعل حافره |
ووردية في اللون والفوح شعشعت | فأبدت نجوما في شعاع من الشمس |
نفيت هموم النفس منها بشربة | دبيب حمياها يدق عن الحس |
كأن يدي من فضة فإذا حوت | زجاجتها عادت مذهبه الخمس |
حمراء يشرب الأنوف سلافها | لطفا مع الأسماع والأحداق |
بزجاجة صور الفوارس نقشها | فترى لها حربا بكف الساقي |
وكأنما سفكت صورامها دما | لبست به غرقا إلى الأعناق |
وكأن للكاسات حمر غلائل | أزرارها درر على الأطواق |
يجري ولمع البرق في آثاره | من كثرة الكبوات غير مفيق |
ويكاد يخرج سرعة من ظله | لو كان يرغب في فراق رفيق |
يرعى الرعايا بعين من حفيظته | ويبسط العدل منه لين قاس |
كأن سورة كسرى عند سورته | سكون صورة كسرى وهي في الكاس |
ومودع في المطايا لسعة حمة | فيزعج الروح مسراها من الجسد |
يحك من دمها القاني يدا بيد | كما تحك بحناء يدا بيد |
يغشى السوام مناقيرا فتحسبها | مباضعا مدميات كل مفتصد |
وداخلات على بهماء سبسبها | بكل خرق عريق في العلى ندس |
كأنها وهي ترمي المقفرات بهم | من الوجيف نبال والهزال قسي |
مثل الحواجب لاذت وهي ظامئة | بأعين بالفلا مطموسة درس |
من ذا يقول ولج الآل يحملها | إن السفينة لا تجري على يبس |
حرر لمعناك لفظا كي تزان به | وقل من الشعر سحرا أو فلا تقل |
فالكحل لا يفتن الأبصار منظره | حتى يصير حشو الأعين النجل |
ولي شبابي وراع شيبي | مني سرب المها وفضه |
كأنما المشط في يميني | يجر منه خيوط فضه |
وقد سكرت صعاد الخط حتى | تأود كل لدن مستقيم |
وما شربت سوى خمر التراقي | ولا نشقت سوى ورد الكلوم |
والروع تثقل بالردى ساعاته | وتخف بالأبطال فيه الضمر |
نكص النهار به على أعقابه | حتى حسبت الشمس فيه تكور |
والنقع منه دجنة لا تنجلي | والصبح منه ملاءة لا تنشر |
قم هاتها من كف ذات الوشاح | فقد نعى الليل بشير الصباح |
واحلل عرى نومك من مقلة | تمقل أحداقا مراضا صحاح |
خل الكرى عنك وخذ قهوة | تهدي إلى الروح نسيم ارتياح |
باكر إلى اللذة واركب لها | سوابق اللهو ذوات المراح |
من قبل أن ترشف شمس الضحى | ريق الغوادي من ثغور الأقاح |
كأنك لم تجعل قناك مراودا | تشق من الليل البهيم مآقيا |
ولم تزد الإظلام بالنقع ظلمة | إذا بيض الإصباح منه حواشيا |
قضت في الصبا النفس أوطارها | وأبلغها الشيب إنذارها |
نعم وأحلت قداح الهوى | عليها فقسمن أعشارها |
وما غرس الدهر في تربة | غراسا ولم يجن أثمارها |
فأفنيت في الحرب آلاتها | وأفنيت في السلم أوزارها |
كميتا لها مرح بالفتى | إذا حث باللهو أدوارها |
ينازلها الكوب من دنها | فتحسبه كان مضمارها |
وساقية زررت كفها | على عنق الظبي أزرارها |
تدير بياقوتة درة | فتغمس في مائها نارها |
وفتيان صدق كزهر النجوم | كرام النحائز أحرارها |
يديرون راحا تفيض الكؤوس | على ظلم الليل أنوارها |
كأن لها من نسيج الحباب | شباكا تعقل أطيارها |
وراهبة أغلقت ديرها | فكنا مع الليل زوارها |
هدانا إليها شذا قهوة | تذيع لأنفك أسرارها |
فما فاز بالمسك إلا امرؤ | تيمم دارين أو دارها |
كأن نوافجه عندها | دنان مضمنة قارها |
طرحت بميزانها درهمي | فسيل في الكاس دينارها |
خطبنا بنات لها أربعا | ليفترع اللهو أبكارها |
تريك عرائسها أيديا طوالا | تصافح أخصارها |
من اللأى أعمار زهر النجوم | تكاد تطاول أعمارها |
تفرس في طيبها شمها | مجيد الفراسة فاختارها |
فتى دارس الكاس حتى درى | عصير الخمور وأعصارها |
يعد لما شئت من قهوة | سنيها ويعرف خمارها |
وعدنا إلى هالة أطلعت | على قضب البان أقمارها |
نفى ملك اللهو عنا الهموم | ولو ثرن قتل ثوارها |
وقد سكنت حركات الأسى | قيان تحرك أوتارها |
فهذي تعانق لي عودها | وتلك تقبل مزمارها |
وراقصة لقطت رجلها | حساب يد نقرت طارها |
وقضب من الشمع مصفرة | تريك من النار نوارها |
كأن لها عمدا صففت | وقد وزن العدل أقطارها |
تقل الدياجي على هامها | وتهتك بالنور أستارها |
كأنا نسلط آجالها | عليها فتمحق أعمارها |
ذكرت صقلية والأسى | يهيج للنفس تذكارها |
ومنزلة للصبا قد خلت | وكان بنو الظرف عمارها |
فإن كنت أخرجت من جنة | فإني أحدث أخبارها |
ولولا ملوحة ماء البكاء | حسبت دموعي أنهارها |
ضحكت ابن عشرين من صبوة | بكيت ابن ستين أوزارها |
فلا تعظمن عليك الذنوب | إذا كان ربك غفارها |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 18- ص: 0