عائشة الباعونية عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الباعوني، ام عبد الوهاب: شاعرة اديبة فقيهة. نسبتها إلى باعون (من قرى عجلون، في شرقي الاردن) ومولدها ووفاتها في دمشق. تلقت اللغة والادب. ورحلت إلى مصر سنة 919هـ ، فمدحت المقر الاشرفي بقصيدة، وعادت. وزارت حلب في السنة التي توفيت بآخرها (922هـ). لها:بديعية - ط) شرحتها شرحا حسنا، و (الفتح الحقى من منح التلقى’’ يشتمل على كلمات نحت بها منحى الصوفية، و (الملامح الشريفة في الآثار اللطيفة’’ اشارات صوفية، و (در الغائص في بحر الخصائص - خ) منظومة رائية، و (الاشارات الخفية في المنازل العلية’’ ارجوزة في التصوف، و (فيض الفضل - خ) ديوان، و (المورد الاهنى في المولد الاسنى - خ).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 241
عائشة الباعونية عائشة الباعونية: عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الدين، الشيخ الأريبة، العالمة، العاملة أم عبد الوهاب الصوفية، الدمشقية بنت الباعوني. أحد أفراد الدهر، ونوادر الزمان فضلا، وعلما، وأدبا، وشعرا، وديانة، وصيانة. تنسكت على يد السيد الجليل إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفة المحيوي يحيى الأرموي، ثم حملت إلى القاهرة، ونالت من العلوم حظا وافرا، وأجيزت بالإفتاء والتدريس، وألفت عدة كتب منها ’’الفتح الحنفي’’ يشتمل على كلمات لدنية، ومعان سنية، وكتاب ’’الملامح الشريفة، والأثار المنيفة’’، يشتمل على إنشادات صوفية، ومعارف ذوقية، وكتاب ’’در الغائص، في بحر المعجزات والخصائص’’، وهو قصيدة رائية، وكتاب ’’الإشارات الخفية، في المنازل العلية’’، وهي أرجوزة اختصرت فيها منازل السائرين للهروي، وأرجوزة أخرى لخصت فيها ’’القول البديع، في الصلاة على الحبيب الشفيع’’، للسخاوي، ومن كلامها: وكان مما أنعم الله تعالى به علي أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار الإيجاد، في رفاهية لطائف البر الجواد، إلى أن خرجت إلى هذا العالم المشحون بمظاهر تجلياته، الطافح بعجائب قدرته وبدائع آياته، المشوب موارده بالأقذار والأكدار، الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار، دار ممر لا بقاء لها إلى دار القرار، فرباني اللطف الرباني في مشهد النعمة والسلامة، وغذاني بلبان مدد التوفيق لسلوك سبيل الاستقامة، في بلوغ درجة التمييز، أهلني الحق لقراءة كتابه العزيز، ومن علي بحفظه على التمام، ولي من العمر ثمانية أعوام، ثم لم أزل في كنف ملاطفات اللطيف، حتى بلغت درجة التكليف، في كلام آخر ذكرته في ترجمتها ودخلت إلى القاهرة في سنة تسع عشرة وتسعمئة، فأصيبت في الطريق بشيء كان معها من مؤلفاتها ومنظوماتها، ولما دخلت إلى القاهرة ندبت لقضاء مآرب لها تتعلق بولدها وكان في صحبتها المقر أبو الثنا محمود بن آجا الحلبي صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية، فأكرمها وولدها، وأنزلها في حريمه، وكانت قد مدحته بقصيدة أولها:
روى البحر أصباب العطا عن نداكم | ونشر الصبا عن مستطاب ثناكم |
وافت تترجم عن حبر هو البحر | بديعة زانها مع حسنها الخفر |
قل لمن بالقريض بز الفحولا | فانثنى عن قصورهم مستطيلا |
وأرانا عرائس الثغر تجلي | بمعان أضحى علاها جليلا |
رافيات من زاهيات المعاني | في مروط تجر فيها الذيولا |
مسفرات عن حسن معنى بديع | من سناه تبغي البدور الأفولا |
وتود الرياض أن لو اعيرت | من أفانين وشيها أكليلا |
كل طرف إذا ترجع منها | عاد من حسنه حسيرا كليلا |
وإذا ما ظبا اللواحظ غاز | لن ظباها أولت شباها فلولا |
ما اسم شيء حروفه عاطلات | وهو في الدهر لا يرى تعطيلا |
ولع القلب دائما بثلاث | فيه لم تستطع إليه وصولا |
ولنا فيه في الخواطر ود | لم نجد للسلو عنه سبيلا |
وإذا الحذف حل في طرفيه | رادف اسما يحبوك منه خليلا |
وإذا ما استقل منه ثان | بتاليه حباه منه ثوابا جزيلا |
وإذا ما قلبته دون ترتـ | ـيب ترى سؤددا وقدرا نبيلا |
وإذا ما اعتبرته دون قلب | لن تداني مقامه تبجيلا |
وإذا ما عكست منه أخيرا | لثلاث وجدت روحا ظليلا |
وهو صف يخص من قد تعالى | عن زوال وأن يلاقي مثيلا |
وإذا ما نقصته واحدا صار لر | بع الظليم سوطا طويلا |
مثل ما في العلا تصورت فردا | من غدا بابه لعاف مقيلا |
كاتب السر رقية الدهر | تاريخ المعالي من قد سما تفضيلا |
ذو السجايا التي تريك المزايا | قد تعالت عن أن تعد عديلا |
دام في ظل نعمة وبقاء | لا يرى الدهر عنهما تحويلا |
يا حسيبا قد حاز مجدا أثيلا | وفخارا بالمصطفى لن يحولا |
وإماما فيما حوى لا يجارى | في علوم حوت له التفضيلا |
جئتنا بالعجاب نظما تحلى | من لآلي البديع عقدا جميلا |
سافرا عن وجوه معجز لغز | كل فكر أضحى لديه كليلا |
قد سمعنا وما سمعنا لمعنى | لغزك الفائق البديع مثيلا |
وعلى كل حالة فهو | محمود صفات مكمل تكميلا |
رائقا واسم كاتب السر فيه | زاده رونقا فأضحى جميلا |
سيدا كاملا وجيها نبيها | عالما عاملا عطوفا وصولا |
زاده الله رفعة وحباه | من جميل الهناء حظا جزيلا |
وحمى ذاته وأبقى بقاه | في سرور ونعمة لن تزولا |
ما سرت نسمة وفاح أريج | وزها الروض بكرة وأصيلا |
ليهنك مجد طارف وتليد | يخصك آباء به وجدود |
وقدر له أعلا السماكين منزل | وفوق متون الفرقدين قعود |
وأصل زكا والفرع يتبع أصله | وليس له عما انتحاه محيد |
فيا روضة العلم التي بان فضلها | وليس من الفيض السري مديد |
فمنثور ما تبديه قد ضاع نشره | ومنظومه فوق النحور عقود |
وورق المعاني فوق دوح بيانها | له ببديع السجع فيه نشيد |
إذا ما تغنى مطربا عندليبها | تميل قلوب لذة وتميد |
تساميت مرمى فاللحاق بعيد | وحسبك ما أبدعت فهو شهيد |
حصلت على الغايات مجدا وسؤددا | وفضلا مبينا ليس فيه جحود |
وأصحبت في روض العلوم مفكها | تجول وتجني ما تشا وتفيد |
وكم بوجيز اللفظ أصدرت منهلا | يطيب به للطالبين ورود |
موارد آداب صفا سلسبيلها | وحام عليها مهتد ورشيد |
حبيبي أنت من قلبي قريب | وعن سري جمالك لا يغيب |
خلعت الحسن في خلع التجلي | فشاهدت الجمال ولا رقيب |
وأبدت الوصال فلا صدود | ولا وهم ولا شيء يريب |
وطفت علي في حان التصابي | بكأس عيش شاربه يطيب |
براح نلت أقصى الري منه | وفي زي تراءت لي الغيوب |
وزالت باستوا شمسي ظلالي | تجل ليس يعقبه غروب |
وصرت إلى مقام ليس فيه | سواك حبيب قلبي له نصيب |
تنادمني، وتسقيني مدامي | ويحضرني لديك فلا أغيب |
وتذكرني، وتشهدني جمالا | تقدس أن يكون له ضريب |
فلا خوف وأنت أمان قلبي | ولا سقم وأنت لي الطبيب |
ولا حزن وأنت سرور سري | ولا سؤل وأنت لي الحبيب |
يا من أفنى في معناه | بمن معنى في هواه |
جد لي جد لي ومتعني | وجلدني بالعيان في اتصالي |
يا محبوبي يا مطلوبي | يا مقصودي ياموجودي |
كن لي كن لي واجبر كسري | واغن فقري بالتداني والوصال |
حبك تيم فيك المغرم | ولى هيم لا بل أعدم |
عقلي عقلي وأحيرني | وأسهرني وأضناني بالدلال |
مجلى المظهر فيما أظهر | أفنى مني لما نور |
ظلي ظلي وأجردني | وأفردني وأفناني بالجلال |
غبت عني رحت مني | زالت حجبي وافى قربي |
وصلي وصلي قد أدهشني | وأنعشني وأحياني بالجمال |
في مجلاه لما حيا | من وافاه بالحميا |
خلي خلي قم وتردى | وتملى بالإحسان من نوالي |
هذي الخمرة فيض المنان | عند العرفان لها ندمان |
أهلي أهلي وسادتي | وأحبابي وإخواني في أحوالي |
نزه الطرف في دمشق ففيها | كلما تشتهي وما تختار |
هي في الأرض جنة فتأمل | كيف تجري من تحتها الأنهار |
كم سما في ربوعها كل قصر | أشرقت من وجوهها الأقمار |
وتناغيك بينها صادحات | خرست عند نطقها الأوتار |
كلها روضة وماء زلال | وقصور مشيدة وديار |
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1977) , ج: 1- ص: 288