طلائع بن رزيك طلائع بن رزيك، الملقب بالملك الصالح، أبي الغارات: وزير عصامي، يعد من الملوك. أصله من الشيعة الإمامية في العراق. قدم مصر فقيرا، فترقى في الخدم، حتى ولي منية ابن خصيب (من أعمال الصعيد المصري) وسنحت له فرصة فدخل القاهرة، بقوة، فولي وزارة الخليفة الفائز (الفاطمي) سنة 549هـ. واستقل بأمور الدولة، ونعت بالملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين. ومات الفائز سنة 555 هـ ، وولي العاضد، فتزوج بنت طلائع. واستمر هذا في الوزارة. فكرهت عمة العاضد استيلاءه على أمور الدولة وأموالها، فأكمنت له جماعة من السودان في دهليز القصر، فقتلوه وهو خارج من مجلس العاضد. وكان شجاعا حازما مدبرا، جوادا، صادق العزيمة عارفا بالأدب، شاعرا، له (ديوان شعر - ط) صغير، وكتاب سماه (الاعتماد في الرد على أهل العناد) ووقف أوقافا حسنة. ومن آثاره جامع على باب ’’زويلة’’ بظاهر القاهرة. وكان لا يترك غزو الفرنج في البر والبحر. ولعمارة اليمني وغيره مدائح فيه ومراث.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 228
ابن رزيك رالراء المهملة ثم الزاي اسمه طلائع بن رزيك الملك الصالح.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 265
فارس المسلمين أبو الغارات طلائع بن رزيك الملقب الملك الصالح وزير مصر
ولد تاسع عشر ربيع الأول سنة 495 ومات مقتولا يوم الاثنين 19 رمضان سنة 556.
أقوال العلماء فيه
ذكره ابن شهر أشوب في معالم العلماء في شعراء أهل البيت المجاهرين وذلك أنه ذكرهم أربع طبقات المجاهرين والمقتصدين والمتكلفين وكان مقدما في الدولة الفاطمية بمصر فتارة واليا وأخرى وزيرا.
وذكره ابن خلكان في تاريخه فقال: كان فاضلا سمحا في العطاء سهلا في اللقاء محبا لأهل الفضائل جيد الشعر, وهو الذي بنى الجامع الذي على باب زويلة بظاهر القاهرة وكان واليا بمنية بني الخصيب من أعمال صعيد مصر فلما قتل الظافر إسماعيل صاحب مصر سير أهل القصر إلى الصالح واستنجدوا به على عباس وولده نصر المتفقين على قتله فتوجه الصالح إلى القاهرة ومعه جمع عظيم من العربان فلما قربوا من البلد هرب عباس وولده وأتباعهما ومعهم أسامة بن منقذ لأنه كان مشاركا لهم في ذلك على ما يقال ودخل الصالح إلى القاهرة وتولى الوزارة في أيام الفائز واستقل بالأمور وتدبير أحوال الدولة وكانت ولايته في التاسع عشر من ربيع الأول سنة 549 ولما مات الفائز وتولى العاضد مكانه استمر الصالح على وزارته وزادت حرمته وتزوج العاضد ابنته فاغتر بطول السلامة وكان العاضد تحت قبضته وفي أسره فلما طال عليه ذلك أعمل الحيلة فاتفق مع قوم من أجناد الدولة يقال لهم: أولاد الراعي على ذلك وعين لهم موضعا في القصر يجلسون فيه مستخفين فإذا مر بهم الصالح ليلا أو نهارا قتلوه فقعدوا له ليلة وخرج من القصر فقاموا ليخرجوا إليه فأراد أحدهم أن يفتح غلق الباب فأغلقه وما علم ولم يحصل مقصودهم تلك الليلة لأمر أراده الله في تأخير الأجل ثم جلسوا له يوما آخر فدخل القصر نهارا فوثبوا عليه وجرحوه جراحات عديدة بعضها في رأسه ووقع الصوت فعاد أصحابه إليه فقتلوا الذين جرحوه وحمل إلى داره ودمه يسيل وأقام بعض يوم ومات وخرجت الخلع لولده محيي الدين رزيك ثاني يوم وفاة أبيه ولقب العادل الناصر.
وروى ابن أبي طي في مقتله كما نقل أبو شامة ما يلي:
فيها (أي سنة 556) قتل الصالح ابن رزيك بمصر وكان سبب قتله أن عمة العاضد عملت على قتله وأنفذت الأموال إلى الأمراء فبلغ الصالح ذلك فاستعاد الأموال واحتاط على عمة العاضد. قال: وإنما كرهته عمة العاضد لاستيلائه على الأمور والدولة وحفظه للأموال.
ثم إن عمة العاضد عادت وأحكمت الحيلة عليه وبذلت لقوم من السودان مالا جزيلا حتى أوقعوا به.
وكان الصالح قد دفن بالقاهرة ثم نقله ولده العادل من دار الوزارة التي دفن فيها وهي المعروفة بإنشاء الأفضل شاهنشاه وكان نقله في 19 صفر سنة 557 في تابوت وركب خلفه العاضد إلى تربته التي بالقرافة الكبرى فقال في ذلك عمارة اليمني من قصيدة طويلة تأتي:
وكأنه تابوت موسى أودعت | في جانبيه سكينة ووقار |
ألا هكذا في الله تمضي العزائم | وتنضى لدى الحرب السيوف الصوارم |
ويستنزل الأعداء من طود عزهم | وليس سوى سمر الرماح سلالم |
وتغزى جيوش الكفر في عقر دارها | ويوطى حماها والأنوف رواغم |
ويوفى الكرام الناذرون بنذرهم | وأن بذلت فيها النفوس الكرائم |
نذرنا مسير الجيش في صفر, فما | مضى نصفه حتى انثنى وهو غانم |
بعثناه من مصر إلى الشام قاطعا | مفاوز وخد العيس فيهن دائم |
فما هاله بعد الديار, ولا ثنى | عزيمته جهد الظما والسمائم |
يهجر والعصفور في قعر وكره | ويسري إلى الأعداء والليل نائم |
يباري خيولا ما تزال كأنها | إذا ما هي انقضت نسور قشاعم |
يسير بها الضرغام في كل مأزق | وما يصحب الضرغام إلا الضرغام |
ورفقته عين الزمان, وحاتم | ويحيى, وإن لاقى المنية حاتم |
وواجههم جمع الفرنج بحملة | تهون على الشجعان فيها الهزائم |
فلقوهم زرق الأسنة, وانطووا | عليهم, فلم ينجم من الكفر ناجم |
وما زالت الحرب العوان أشدها | إذا ما تلاقى العسكر المتضاجم |
يشبههم من لاح جمعهم له | بلجة بحر موجها متلاطم |
وعادوا إلى سل السيوف, فقطعت | رؤوس, وحزت للفرنج غلاصم |
فلم ينج منهم يومذاك مخبر | ولا قيل هذا وحده اليوم سالم |
نقتلهم بالرأي طورا, وتارة | تدوسهم منا المذاكي الصلادم |
فقولوا لنور الدين, لا فل حده | ولا حكمت فيه الليالي الغواشم |
تجهز إلى أرض العدو ولا تهن | وتظهر فتورا أن مضت منك حارم |
فما مثلها تبدي احتفالا به, ولا | يعض عليها للملوك الأباهم |
فعندك من ألطاف ربك ما به | علمنا يقينا أنه بك راحم |
أعادك حيا بعد أن زعم الورى | بأنك قد لاقيت ما لاقاه حاتم |
بوقت أصاب الأرض ما قد أصابها | وحلت بها تلك الدواهي العظائم |
وخيم جيش الكفر في أرض شيزر | فسيقت سبايا واستحلت محارم |
وقد كان تاريخ الشآم وهلكه | ومن يحتويه أنه لك عادم |
فقم, واشكر الله الكريم بنهضة | أليهم, فشكر الله للخلق لازم |
فنحن على ما قد عهدت, نروعهم | ونحلف جهدا, أننا لا نسالم |
وغاراتنا ليست تفتر عنهم | وليس ينجي القوم منا الهزائم |
فاسطولنا أضعاف ما كان سائرا | أليهم, فلا حصن لهم منه عاصم |
ونرجو بأن يجتاح باقيهم به | وتحوى الأسارى منهم والغنائم |
يا سيدا يسمو بهمته | إلى الرتب العلية |
فينال منها حين يحرم | غيره أوفى مزيه |
أنت الصديق وأن بعد | ت, وصاحب الشيم الرضيه |
ننبيك أن جيوشنا | فعلت فعال الجاهلية |
سارت إلى الأعداء من | أبطالها مائتا سريه |
فتغير هذي بكرة | وتعاود الأخرى عشيه |
فالويل منها للفرنج | فقد لقوا جهد البليه |
جاءت رؤوسهم تلو | ح على رؤوس السمهريه |
وقلائع قد قسمت | بين الجنود على السويه |
وخلائق كسرت من الأ | سرى تقاد إلى المنيه |
فانهض فقد أنبيت مجد | الدين بالحال الجليه |
والمم بنور الدين واعلمـ | ـه بهاتيك القضيه |
فهو الذي ما زال يخلـ | ـص منه أفعالا ونيه |
ويبيد جمع الكفر بالبيـ | ـض الرقاق المشرفية |
فعساه ينهض نهضة | يفني بها تلك البقية |
أما لنصرة دينه | أو ملكه, أو للحمية |
أيها المفتدى, لأنت على البعـ | ـد صديق لنا, ونعم الصديق |
ليس فيما تأتيه من بر أفعا | لك للطالب الحقوق عقوق |
فلهذا نرى مواصلة الكتب | تباعا إليك مما يليق |
ونناجيك بالمهمات, إذ أنـ | ـت بالقائها إليك خليق |
وأهم المهم أمر جهاد الـ | ـكفر فاسمع فعندنا التحقيق |
واصلتهم منا السراياو فأشجا | هم بكور منا لهم وطروق |
وأباحت ديارهم, فأباد الـ | ـقوم قتل ملازم وحريق |
وانتظرنا بزحفنا برء نور الد | ين, علما منا بأن سيفيق |
وهو الآن في أمان من الله, | وما يعتريه أمر يعوق |
ما لهذا المهم مثلك مجد الدين | فانهض به فأنت حقيق |
قل له, لا عداه رأي, ولا زا | ل له بكل خير طريق |
أنت في حسم داء طاغية الكفـ | ـار ذاك المرجو والمرموق |
فاغتنم بالجهاد أجرك كي تلـ | ـقى رفيقا له ونعم الرفيق |
يا أمير الجيوش ما زال للإسلا | م والدين منك ركن وثيق |
أسمعت دعوة الجهاد, فلبا | ها مليك بالمكرمات خليق |
ملك عادل أنار به الديـ | ـن, فعم الإسلام منه الشروق |
ما له عن جهاده الكفر, والعد | ل, وفعل الخيرات شغل يعوق |
هو مثل الحسام, صدر صقيل | لين مسه, وحد ذليق |
ذو أناة يخالها الغر إهما | لا, وفيها حتف الأعادي المحيق |
فاسلما للإسلام كهفين ما طر | ز ثوب الظلام برق خفوق |
قل لابن منقذ الذي | قد حاز في الفضل الكمالا |
فلذاك قد أضحى الأنا | م على مكارمه عيالا |
كم قد بعثنا نحوك الأ | شعار مسرعة عجالا |
وصددت عنها حين را | مت من محاسنك الوصالا |
هلا بذلت لنا مقا | لا, حين لم تبذل فعالا |
مع أننا نوليك صبـ | ـرا في المودة, واحتمالا |
ونبثك الأخبار أن | أضحت قصارا أو طوالا |
سارت سرايانا لقصـ | ـد الشام تعتسف الرمالا |
تزجي إلى الأعداء جر | د الخيل أتباعا توالى |
تمضي خفافا للمغار | بها, وتأتينا ثقالا |
حتى لقد رام الأعا | دي من ديارهم ارتحالا |
وعلى الوعيرة معشر | لم يعهدوا فيها القتالا |
لما نأت عمن يحف | بها يمينا أو شمالا |
نهضت إليها خيلنا | من مصر تحتمل الرجالا |
والبيض لامعة, وبيـ | ـض الهند, والاسل النهالا |
فغدت كأن لم يعهدوا | في أرضها حيا حلالا |
هذا وفي تل العجا | ل ملآن بالقتلى التلالا |
إذ مر (مري) ليس يلـ | ـوي نحو رفقته اشتغالا |
واستاق عسكرنا له | أهلا يحبهم ومالا |
وسرية ابن فرن جالطا | ئي طال بها وصالا |
سارت إلى أرض الخليـ | ـل, فلم تدع فيها خلالا |
فلو أن نور الدين يجعـ | ـل فعلنا فيهم مثالا |
ويسير الأجناد جهـ | ـرا, كي ينازلهم نزالا |
ووفى لنا, ولأهل دو | لته, بما قد كان نالا |
لرأيت للإفرنج طرافي | معاقلها اعتقالا |
وتجهزوا للسير نحو | الغرب أو قصدوا الشمالا |
وإذا أبى إلا اطرا | حا للنصيحة واعتزالا |
عدنا بتسليم الأمو | ر لحكم خالقنا تعالى |
يا أشرف الوزراء أخلا | قا, وأكرمهم فعالا |
نبهت عبدا طالما | نبهته قدرا وحالا |
وعتبته, فأنلته | فخرا, وحمدا, لن ينالا |
لكن ذاك العتب يشعـ | ـل في جوانبه اشتعالا |
أسفا لجد مال عنـ | ـه إلى مساءته ومالا |
أما السرايا حين تر | جع بعد خفتها ثقالا |
فكذاك عاد وفود با | بك مثقلين ثنا ومالا |
ومسيرها في كل أر | ض تبتغي فيها المجالا |
فكذاك فضلك مثل عد | لك في الدنا سارا وجالا |
فاسلم لنا حتى نرى | لك في بني الدنيا مثالا |
واشدد يديك بنو | ر الدين وألق به الرجالا |
فهو المحامي عن بلا | د الشام جمعا أن تذالا |
ومبيد أملاك الفرن ـ | ـج وجمعهم حالا فحالا |
ملك يتيه الدهر والد | نيا بدولته اختيالا |
جمع الخلال الصالحا | ت فلم يدع منها خلالا |
فإذا بدا للناظرين | رأت عيونهم الكمالا |
فبقيتما للمسلمين | حمى وللدنيا جمالا |
ولعمري أن المناصح في الد | ين على الله أجره محسوب |
وجهاد العدو بالفعل والقو | ل على مسلم مكتوب |
ولك الرتبة العلية في الأمر | ين مذ كنت اذ تشب الحروب |
أنت فيها الشجاع مالك في الطعـ | ـن ولا في الضرب يوما ضريب |
وإذا ما حرضت، فالشاعر المفلـ | ـق فيما يقوله, والخطيب |
وإذا ما أشرت فالحزم لا ينـ | ـكر أن التدبير منك نصيب |
لك رأي يقظان أن ضعف الرأ | ي، على حاملي الصليب |
فانهض الآن مسرعا فبأمثا | لك مازال يدرك المطلوب |
الق منا رسالة عند نور الد | ين ما في إلقائها ما يريب |
قل له, دام ملكه، وعليه | من لباب الإقبال برد قشيب |
أيها العادل الذي هو للد | ين شباب، وللحروب شبيب |
والذي لم يزل قديما عن الإسلا | م بالعزم منه تجلى الكروب |
وغدا منه للفرنج، إذا لا | قوه، يوم من الزمان عصيب |
أن يرم نزف حقدهم فلأشطا | ن قناه في كل قلب قليب |
غيرنا من يقول ما ليس يمضيه | بفعل وغيرك المكذوب |
قد كتبنا إليك ما وضح الآ | ن, بماذا عن الكتاب تجيب |
قصدنا أن يكون منا ومنكم | أجل في مسيرنا مضروب |
فلدينا من العساكر ما ضا | ق بأدناهم الفضاء الرحيب |
وعلينا أن يستهل على الشا | م مكان الغيوث مال صبيب |
أو تراها مثل مثل العروس، ثراها | كله من دم العدا مخضوب |
لطنين السيوف من فلق الصبـ | ـح على هام أهلها تطريب |
ولجمع الحشود من كل حصن | سلب مهمل لهم ونهوب |
وبحول الإله ذاك، ومن غا | لب ربي فإنه مغلوب |
أيها السائر المجد إلى الشا | م، تبارى ركابه والخيول |
خذ على بلدة بها دار مجد | الدين، لا ريع ربعها المأهول |
وتعرف أخباره، وأقره منـ | ـي سلاما فيه العتاب يجول |
قل له: أنت نعم ذخر الصديق الـ | ـيوم، لكنك الصديق الملول |
ما ظننا بأن حالك في القر | ب ولا البعد بالملال يحول |
لا كتاب، ولا جواب، ولا قو | ل به لليقين منا حصول |
غير أنا نواصل الكتب إذا اقصـ | ـر منك البر الكريم الوصل |
ذاكرين الفتح الذي فتح اللـ | ـه علينا، فالفضل منه جميل |
جاءنا بعدما ذكرناه في كتـ | ـب أتاكم بهن منا رسول |
أن بعض الأسطول نال من الافر | نج ما لا يناله التأميل |
سار في قلة، وما زال بالله | وصدق النيات ينمي القليل |
وبقايا الأسطول ليس له بعد | إلى جانب الشام وصول |
فحوى من عكا وانطرسوس | عدة لم يحط بها التحصيل |
جمع ديوية، بهم كانت الإ | فرنج تسطو على الورى وتصول |
قيد في وسطهم مقدمهم، يهد | ى إلينا، وجيدة مغلول |
بعد مثوى جماعة هلكوا بالسيف | منها الغريق والمغلول |
هذه نعمة الإله، وتعد | يد أيادي الإله شيء يطول |
بلغوا قولنا إلى الملك العا | دل، فهو المرجو والمأمول |
قل له: كم تماطل الدين في الكفا | ر، فاحذر أن يغضب الممطول |
سر إلى القدس، واحتسب ذاك في | الله، فبالسير منك يشفي الغليل |
وإذا ما أبطا مسيرك، فالله | إذا حسبنا ونعم الوكيل |
يا أمير الجيوش، يا اعدل الحكا | م في فعله وفي ما يقول |
أنت حليت بالمكارم أهل العصر | حتى تعرف المجهول |
وقسمت الفرنج بالغزو شطر | ين: فهذا عان: وهذا قتيل |
بالغ العبد في النيابة والتحر | يض، وهو المفوه المقبول |
فرأى من عزيمة الغزو ما كاد | ت له الأرض والجبال تميل |
وإذا عاقت المقادير فالله | إذا حسبنا ونعم الوكيل |
هي البدر، لكن الثريا لها قرط | ومن أنجم الجوزاء في نحرها سمط |
ذخرنا سطاها للفرنج، لأنها | بهم دون أهل الأرض أجدر أن تسطو |
وقد كاتبوا في الصلح، لكن جوابهم | بحضرتنا ما تكتب الخط لا الخط |
سطور خيول لا تغب ديارهم | لها بالمواضي والقنا الشكل والنقط |
إذا أرسلت فرعا من النقع فاحما | اثيثا، فأسنان الرماح لها مشط |
رددنا به ابن الفنش عنا، وإنما | يثبته في سرجه الشد والربط |
فقولوا لنور الدين: ليس لخائف | الجراحات إلا الكي في الطب والبط |
وحسم أصول الداء أولى بعاقل | لبيب إذا استولى على الذنف الخلط |
فدع عنك ميلا للفرنج وهدنة | بها أبدا يخطى سواهم ولم يخطوا |
تأمل، فكم شرط شرطت عليهم | قديما، وكم غدر به نقض الشرط |
وشمر فأنا قد أعنا بكل ما | سألت، وجهزنا الجيوش ولن يبطوا |
أما كفاك تلافي في تلافيكا | ولست تنقم إلا فرط حبيكا |
وفيم تغضب أن قال الوشاة سلا | وأنت تعلم أني لست أسلوكا |
لا نلت وصلك أن كان الذي زعموا | ولا شفى ظمأي جود ابن رزيكا |
علي الذي قد كان ناظر قلبه | يريه عيانا ما وراء العواقب |
علي الذي قد كان أفرس من علا | على صهوات الصافنات الشوازب |
كم ذايرينا الدهر من أحداثه | عبرا وفينا الصد والأعراض |
ننسى الممات وليس يجري ذكره | فينا فتذكرنا به الأمراض |
ومهفهف ثمل القوام سرت إلى | أعطافه النشوات من عينيه |
ماضي اللحاظ كأنما سلت يدي | سيفي غداة الروع من جفنيه |
قد قلت إذ خط العذار بمسكه | في خده ألفيه لا لاميه |
ما الشعر دب بعارضيه وإنما | أصداغه نفضت على خديه |
الناس طوع يدي وأمري نافذ | فيهم وقلبي الآن طوع يديه |
فأعجب لسلطان يعم بعدله | ويجور سلطان الغرام عليه |
والله لولا اسم الفرار وأنه | مستبح لفررت منه أليه |
مشيبك قد نضا صبغ الشباب | وحل الباز في وكر الغراب |
تنام ومقلة الحدثان يقظى | وما ناب النوائب عنك نابي |
وكيف بقاء عمرك وهو كنز | وقد أنفقت منه بلا حساب |
يا أمة سلكت ضلالا بينا | حتى استوى إقرارها وجحودها |
قلتم ألا أن المعاصي لم يكن | إلا بتقدير الإله وجودها |
لو صح ذا كان الإله بزعمكم | منع الشريعة أن تقام حدودها |
حاشا وكلا أن يكون إلهنا | ينهى عن الفحشاء ثم يريدها |
ويوم خم وقد قال النبي له | بين الحضور وشالت عضده يده |
من كنت مولى له هذا يكون له | مولى أتاني به أمر يؤكده |
من كان يخذله فالله يخذله | أو كان يعضده فالله يعضده |
والباب لما دحاه وهو في سغب | من الصيام وما يخفى تعبده |
وقلقل الحصن فارتاع اليهود له | وكان أكثرهم عمدا يفنده |
صبوت وما لومي على صبواتي | فما فات يمحوه الذي هو آتي |
وما جزعي من سيئات تقدمت | وها أنا ذا أتبعتها حسنات |
ألا أنني أقلعت في كل شبهة | وجانب عزمي أبحر الشبهات |
شغلت عن الدنيا بحبي معشرا | بهم يصفح الرحمن عن هفواتي |
محمد خاتم الرسل الذي سبقت | به بشارة قس وابن ذي يزن |
وانذر النطقاء الصادقون بما | يكون من أمره والطهر لم يكن |
الكامل الوصف في حلم وفي كرم | والطاهر الأصل من ذام ومن درن |
ظل الإله ومفتاح النجاة وبنبو | ع الحياة وغيث العارض الهتن |
فاجعله ذخرك في الدارين معتصما | به والمرتضى الهادي أبي الحسن |
وما اخضر ثوب الأرض إلا لأنه | عليه إذا زارت باقدانها تخطو |
ولا طاب نشر الزهر إلا لأنه | يجر عليه من جلابيبها مرط |
هم السفينة ما كنا لنطمع أن | ننجو من الهول يوم الحشر لولا هي |
الخاشعون إذا جن الظلام فما | تغشاهم سنة تنفى بإنباه |
ولا بدت ليلة إلا وقابلها | من التهجد منهم كل أواه |
وليس يشغلهم عن ذكر ربهم | تغريد شاد ولا ساق ولا طاهي |
سحائب لم تزل بالعلم هامية | أجل من سحب تهمي بأمواه |
قل للفقيه عمارة يا خير من | أضحى يؤلف خطبة وكتابا |
إقبل نصيحة من دعاك إلى الهدى | قل (حطة) وادخل إلينا (البابا) |
تلق الأئمة شافعين ولا تجد | إلا لدينا سنة وكتابا |
طمع المرء في الحياة غرور | وطويل الآمال فيها قصير |
ولكم قدر الفتى فأتته | نوب لم يحط بها التقدير |
فض ختم الحياة حمام | لا يراعي أذنا ولا يستشير |
ما تخطى إلى جلالك إلا | قدر أمره علينا قدير |
يا أمير الجيوش, هل لك علم | أن حر الأسى علينا أمير |
أن قبرا حللته لغني | أن دهرا فارقته لفقير |
انطوى ذلك البساط, وعهدي | وهو بالعلم والندى معمور |
لا تظن الأيام أنك ميت | لم يمت من ثناؤه منثور |
أن مضى كافل فهذا كفيل | أو وزير يغب فهذا وزير |
دولة صالحية, خلفتها | دولة عادلية لا تجور |
ما شكونا كسر النوائب حتى | قيل في الحال كسركم مجبور |
نصر الناصر العلا بالعوالي | ولنعم المولى ونعم النصير |
قد كنت أشرق من ثماد مدامعي | أسفا, فكيف وقد طمى التيار |
هم الورى يوم الخميس, وخصني | خطب بأنف الدهر منه صغار |
ما أوحش الدنيا غدية فارقت | قطبا رحى الدنيا عليه تدار |
خربت ربوع المكرمات لواحد | عمرت به الأحداث وهي قفار |
نعش الجدود العاثرات مشيع | عشيت برؤية نعشه الأبصار |
نعش تود بنات نعش لو غدت | ونظامها أسفا عليه نثار |
شخص الأنام إليه تحت جنازة | خفضت لرفعة قدرها الأقدار |
سار الأمام أمامها, فعلمت أن | قد شيعتها الخمسة الأبرار |
فكأنها تابوت موسى أودعت | في جانبيه سكينة ووقار |
لكنه ما ضام غير بقية الإ | سلام وهو الصالح المختار |
أقطنته دار الوزارة ريثما | بنيت لنقلته الكريمة دار |
وتغاير الهرمان والحرمان في | تابوته, وعلى الكريم يغار |
آثرت مصرا منه بالشرف الذي | حسدت قرافتها له الأمصار |
وجعلتها أمنا به ومثابة | ترجو مثابة قصدها الزوار |
قد قلت إذ نقلوه نقلة ظاعن | نزحت به دار وشط مزار |
ما كان إلا السيف جدد غمده | بسواه, وهو الصارم البتار |
والبدر فارق برجه متبدلا | برحابه تتشعشع الأنوار |
والغيث روى بلدة ثم انتحى | أخرى, فنوء سحابة مدرار |
يا مسبل الأستار دون جلاله | ماذا الذي رفعت له الأستار |
مالي أرى الزوار بعد مهابة | فوضى, ولا أذن ولا استئمار |
غضب الإله على رجال أقدموا | جهلا عليك, وآخرين أشاروا |
لا تعجبا لقدرا ناقة صالح | فلكل دهر ناقة وقدار |
وأخجلتا للبيض, كيف تطاولت | سفها بأيدي السود وهي قصار |
واحسرتا: كيف انفردت لأعبد | وعبيدك السادات والأحرار |
رصدوك في ضيق المجال بحيث لا | الخطي متسع ولا الخطار |
ما كان أقصر باعهم عن مثلها | لو كنت متروكا وما تختار |
ولقد ثبت ثبات مقتدر على | خذلانهم لو ساعد المقدار |
وتعثرت أقدامهم بك هيبة | لو لم يكن لك بالذيول عثار |
أحللت دار كرامة لا تنقضي | أبدا, وحل بقاتليك بوار |
يا ليت عينك شاهدت أحوالهم | من بعدها, ورأت إلى ما صاروا |
وقع القصاص بهم, وليسوا مقنعا | يرضى, وأين من السماء غبار |
ضاقت بهم سعة الفجاج, وربما | نام العدو ولا ينام الثار |
وتوهموا أن الفرار مطية | تنجي, وأين من القضاء فرار |
طاروا فمد أبو الشجاع لصيدهم | شرك الردى, فكأنهم ما طاروا |
فتهن بالأجر الجزيل وميتة | درجت عليها قبلك الأخيار |
مات الوصي بها, وحمزة عمه | وابن البتول, وجعفر الطيار |
نلت السعادة والشهادة والعلا | حيا وميتا, أن ذا لفخار |
ولقد أقر العين بعدك أروع | لولاه لم يك للعلا استقرار |
الناصر الهادي, الذي حسناته | عن سيئات زماننا أعذار |
لما استقام لحفظ أمة أحمد | عمرت به الأوطان والأوطار |
أفي أهل ذا النادي عليم أسائله | فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله |
سمعت حديثا أحسد الصم عنده | ويذهل واعيه ويخرس قائله |
فهل من جواب يستغيث به المنى | ويعلو على حق المصيبة باطله |
وقد رابني من شاهد الحال أنني | أرى الدست منصوبا وما فيه كافله |
فهل غاب عنه واستناب سليله | أم اختار هجرا لا يرجى تواصله |
فإني أرى فوق الوجوه كآبة | تدل على أن الوجوه ثواكله |
دعوني فما هذا أوان بكائه | سيأتيكم طل البكاء ووابله |
ولا تنكروا حزني عليه فإنني | تقشع عني وابل كنت آمله |
ولم لا نبكيه ونندب فقده | وأولادنا أيتامه وأرامله |
فيا ليت شعري بعد حسن فعاله | وقد غاب عنا ما بنا الله فاعله |
أيكرم مثوى ضيفكم وغريبكم | فيمكث أم تطوى ببين مراحله |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 396
الصالح وزير مصر طلائع بن رزيك
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0
طلائع الملك الصالح وزير مصر طلائع بن رزيك الأرمني ثم المصري الشيعي، أبو الغارات، وزير الديار المصرية الملقب بالملك الصالح؛ كان واليا بمنية بني خصيب، فلما قتل الظافر سير أهل القصر إليه واستصرخوا به، فحشد وأقبل وملك مصر واستقل بالأمور؛ وكان أديبا شاعرا يحب أهل الفضل، وله ديوان شعر. ومات الفائز وبويع العاضد واستمر ابن رزيك وزيره، وتزوج العاضد ابنته وكان من تحت قبضته، فاغتر بالسلامة ومقطع أرزاق الخاصة، فكمن له جماعة منهم في القصر ووثبوا عليه بموافقة العاضد فقتلوه سنة ست وخمسين وخمسمائة. وكان يجمع العلماء ويناظرهم على الإمامة، وكان يرى القدر، وصنف كتابا سماه الاجتهاد في الرد على أهل العناد يقرر فيه قواعد الرفض. وجامع الصالح الذي برا باب زويلة منسوب إليه. ومن شعره:
ومهفهف ثمل القوام سرت إلى | أعطافه النشوات من عينيه |
ماضي اللحاظ كأنما سلت يدي | سيفي غداة الروع من جفنيه |
قد قلت إذ خط العذار بمسكه | في خده ألفيه لا لاميه |
ما الشعر دب بعارضيه وإنما | أصداغه نفضت على خديه |
الناس طوع يدي وأمري نافذ | فيهم وقلبي الآن طوع يديه |
فاعجب لسلطان يعم بعدله | ويجور سلطان الغرام عليه |
والله لولا اسم الفرار وأنه | مستقبح لفررت منه إليه |
ما كان أفتكني لو اخترطت يدي | من ناظريك على عذولي مرهفا |
مشيبك قد نضا صبغ الشباب | وحل الباز في وكر الغراب |
تنام ومقلة الحدثان يقظى | وما ناب النوائب عنك ناب |
وكيف بقاء عمرك وهو كنز | وقد أنفقت منه بلا حساب |
كم ذا يرينا الدهر من أحداثه | عبرا وفينا الصد والإعراض |
ننسى الممات وليس يجري ذكره | فينا فتذكرنا به الأمراض |
أما كفاك تلافي في تلافيكا | ولست تنقم إلا فرط حبيكا |
وفيم تغضب إن قال الوشاة سلا | وأنت تعلم أني لست أسلوكا |
لا نلت وصلك إن كان الذي زعموا | ولا شفى ظمئي جود ابن رزيكا |
أفي أهل ذا النادي عليم أسائله | فإني لما بي ذاهب اللب ذاهله |
سمعت حديثا أحسد الصم عنده | ويذهل واعيه ويخرس قائله |
فهل من جواب تستغيث به المنى | ويعلو على حق المصيبة باطله |
وقد رابني من شاهد الحال أنني | أرى الدست منصوبا وما فيه كافله |
فهل غاب عنه واستناب سليله | أم اختار هجرا لا يرجى تواصله |
فإني أرى فوق الوجوه كآبة | تدل على أن الوجوه ثواكله |
شخص الأنام إليه تحت جنازة | خفضت برفعة قدرها الأقدار |
وكأنه تابوت موسى أودعت | في جانبيه سكينة ووقار |
وتغاير الحرمان والهرمان في | تابوته وعلى الكريم يغار |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 16- ص: 0
الصالح وزير مصر، الملك الصالح، أبو الغارات، طلائع بن رزيك الأرمني المصري الرافضي، واقف جامع الصالح الذي بالشارع.
ولي نواحي الصعيد، فلما قتل الظافر، نفذ آل الظافر وحرمه إلى ابن رزيك كتبا مسخمة في طيها شعور أهله مقصوصة، يستنفرونه ليأخذ بالثأر، فحشد وجمع، وأقبل، واستولى على مصر.
وكان أديبا عالما شاعرا سمحا جوادا ممدحا شجاعا سائسا.
ولد ’’ديوان’’ صغير.
ولما مات الفائز، أقام العاضد، فتزوج العاضد ببنته، وكان الحل والعقد إلى الصالح، وكان العاضد محتجبا عن الأمور لصباه، واغتر الصالح بطول السلامة، ونقص أرزاق الأمراء، فتعاقدوا على قتله، ووافقهم العاضد، وقرر قتله مع أولاد الداعي، وأكمنهم في القصر، فشدوا عليه، وجرحوه عدة جراحات، فبادر مماليكه، فقتلوا أولئك، وحمل، فمات ليومه في تاسع عشر رمضان سنة ست وخمسين وخمس مائة، وخلع على ابنه العادل رزيك، وولي الوزارة.
قال الشريف الجواني: كان في نصر المذهب كالسكة المحماة لا يفرى فريه، ولا يبارى عبقريه، وكان يجمع العلماء، ويناظرهم على الإمامة.
قلت: صنف في الرفض والقدر. ولعمارة اليمني فيه مدائح ومراثي.
ولقد قال لعلي بن الزبد لما ضجت الغوغاء يوم خلافة العاضد وهو حدث: يا علي، ترى هؤلاء القوادين دعاة الإسماعيلية يقولون: ما يموت الإمام حتى ينصها في آخر، وما علموا أني من ساعة كنت أستعرض لهم خليفة كما أستعرض الغنم.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 15- ص: 156