الكلاعي سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري، أبو الربيع: محدث الاندلس وبليغها في عصره، من أهل بلنسية ولي قضاءها وحمدت سيرته، قال النباهي: (وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم، والمبين عنهم لما يريدونه، على المنبر في المحافل) له شعر رقيق اكثره في الوصف، وكان فرادا في الانشاء. وصنف كتبا، منها (الاكتفا بسيرة المصطفى والثلاث الخلفا - ط) الجزء الاول منه، وبقيته مخطوطة، وهو في اربعة اجزاء، و (اخبار البخاري وترجمته) وكتاب حافل في (معرفة الصحابة والتابعين). توفي شهيدا، والراية في يده، في وقعة انيشة (على ثلاث فراسخ من بلنسية).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 136
أبو الربيع ابن سالم سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي الأندلسي البلنسي الحافظ الكبير. ولد في شهر رمضان سنة خمس وستين وخمس مائة، وتوفي سنة أربع وثلاثين وست مائة. كان بقية أعلام الحديث ببلنسية. عني أتم عناية بالتقييد والرواية، وكان إماما في صناعة الحديث بصيرا به حافظا حافلا عارفا بالجرح والتعديد ذكرا للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك وفي حفظ أسماء الرجال خصوصا من تأخر من زمانه وعاصره. وكتب الكثير وكان الخط الذي يكتبه لا نظير له في الإتقان والضبط مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة فردا في إنشاء الرسائل مجيدا في النظم. وكان هو المتكلم عن الملوك في مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه في المحافل على المنبر. ولي خطابة بلنسية. وله تصانيف مفيدة في عدة فنون: ألف الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم والثلاثة الخلفاء في أربع مجلدات، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب مصباح الظلم. يشبه الشهاب وكتاب في أخبار البخاري وسيرته وكتاب الأربعين سوى ما صنف في الحديث والأدب والخطب. ومن شعره:
أشجاه ما فعل العذار بخده | قلبي شجا وهواي فيه هيجا |
ما رابه والحسن يمزج ورده | آسا ويخلط بالشقيق بنفسجا |
ولقد علمت بأن قلبي صائر | كرة لصدغيه غداة تصولجا |
ولما تحلى خده بعذاره | تسلوا وقالوا ذنبه غير مغفور |
وهل تنكر العين اللجين منيلا | أو المسك مذرورا على صحن كافور |
وحسبي منه لو تغير خده | تمايل غصن والتفاته بعفور |
قالوا اكتست بالعذار وجنته | هل في الذي قلتموه من باس |
أكلف بالورد وهو منفرد | فكيف أسلوا إذ شيب بالآس |
قالوا التحى واشتكى عينيه قلت لهم | نعم صدقتم وهل في ذاك من عار |
بنفسج عيض من ورد ونرجسة | تحولت وردة زينت بأشفار |
ما مر من حسنه شيء بلا عوض | حسن بحسن وأزهار بأزهار |
رياض كالعروس إذا تجلت | وقل لها مشابهة العروس |
فمن زهر ضحوك السن طلق | بجهم من سحائبه عبوس |
وقضب تحسب الأرواح سقت | معاطفها سلافة خندريس |
ونهر مثل هندي صقيل | تجرد فوق موشي نفيس |
تولت نسجه السحب الغوادي | وحالت وشيه أيدي الشموس |
بنفسي من أخلائي خليل | سري لا يرى كالحمد مالا |
متى يعدم ممالأة الليالي | على ما يبتغي منهن مالا |
وأكثر ما يكون إليك ميلا | إذا الزمن المساعد عنك مالا |
نعم وقف عليك لسائليه | كأن لم يدر في الألفاظ مالا |
تهوى محلي النجوم | يا بعد ما قد تروم |
كم لمة لكعاب | بها النفوس تهيم |
سريت فيها شهابا | حواه ليل بهيم |
ما صاغني من لجين | إلا ظريف كريم |
مشط الحسان بعظم | ظلم لعمري عظيم |
إن شئت يا دهر حارب | أو شئت يا دهر سالم |
فصارمي ومجني | أبو الربيع ابن سالم |
نعم فجاوب وسالم | وصل معلانا وصارم |
أنا المجن الذي لا | تحيك فيه الصوارم |
أنا الحسام الذي لا | يزال للضيم حاسم |
فاحكم بما شئت إني | بعضد صحبي حاكم |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
أبو الربيع بن سالم الإمام العلامة الحافظ المجود الأديب البليغ شيخ الحديث والبلاغة بالأندلس أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي البلنسي.
ولد سنة خمس وستين وخمس مائة.
وكان من كبار أئمة الحديث.
ذكره أبو عبد الله ابن الأبار في ’’تاريخه’’ فقال: سمع ببلنسية من أبي العطاء بن نذير، وأبي الحجاج بن أيوب، وارتحل فسمع: أبا بكر بن الجد، وأبا القاسم بن حبيش، وأبا عبد الله بن زرقون، وأبا محمد بن بونه، وأبا الوليد بن رشد، وأبا محمد بن الفرس، وأبا عبد الله بن عروس، وأبا محمد بن جهور، وأبا الحسن نجبة بن يحيى، وخلقا سواهم.
وأجاز له أبو العباس بن مضاء، وأبو محمد عبد الحق الأزدي مؤلف ’’الأحكام’’، وعني كل العناية بالتقييد والرواية.
قال: وكان إماما في صناعة الحديث، بصيرا به، حافظا حافلا، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكرا للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال، خصوصا من تأخر زمانه وعاصره، وكتب الكثير وكان خطه لا نظير له في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة، فردا في إنشاء الرسائل، مجيدا في النظم، خطيبا، فصيحا، مفوها، مدركا، حسن السرد والمساق لما يقوله، مع الشارة الأنيقة، والزي الحسن، وهو كان المتكلم عن الملوك في المجالس، والمبين عنهم لما يريدونه على المنبر في المحافل. ولي خطابة بلنسية في أوقات، وله تصانيف مفيدة في فنون عديدة، ألف كتاب ’’الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا’’ وهو في أربع مجلدات، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب ’’مصباح الظلم’’ يشبه كتاب ’’الشهاب’’، وكتاب ’’أخبار البخاري’’، وكتاب ’’الأربعين’’، وغير ذلك، وإليه كانت الرحلة للأخذ عنه.
إلى أن قال: انتفعت به في الحديث كل الانتفاع، وأخذت عنه كثيرا.
قلت: روى عنه: ابن الأبار، والقاضي أبو العباس ابن الغماز، وطائفة من المشايخ لا أعرفهم. ورأيت له إجازة كتبها الكمال بن شاذي الفاضلي وطولها، وذكر شيوخه وما روى عنهم، منهم: عبد الرحمن بن مغاور، حدثه عن أبي علي بن سكرة، وأجاز له من الإسكندرية أبو الطاهر بن عوف الزهري، والقاضي أبو عبد الله ابن الحضرمي.
قال: ومن تصانيفي كتاب ’’الاكتفا في مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والثلاثة الخلفا’’، وكتاب ’’الصحابة’’، إذا كمل يكون ضعف كتاب ابن عبد البر وكتاب ’’المصباح’’ على نحو ’’الشهاب’’، و’’سيرة البخاري’’ أربعة أجزاء، و’’حلية الأمالي في الموافقات العوالي’’ أربعة أجزاء، و’’الأبدال’’ أربعة أجزاء، و’’مشيخة’’ خرجها لشيخه ابن حبيش ثلاثة أجزاء، و’’المسلسلات’’ جزء، وعدة تواليف صغار، و’’الخطب’’ له نحو من ثمانين خطبة.
قال الحافظ ابن مسدي: لم ألق مثله جلالة ونبلا، ورياسة وفضلا، كان إماما مبرزا في فنون من منقول ومعقول ومنثور وموزون، جامعا للفضائل، برع في علوم القرآن والتجويد. وأما الأدب فكان ابن بجديه، وأبا نجدته، وهو ختام الحفاظ، ندب لديوان الإنشاء فاستعفى، أخذ القراءات عن أصحاب ابن هذيل، وارتحل، واختص بالحفاظ أبي القاسم بن حبيش بمرسية، أكثرت عنه.
وقال الكلاعي في إجازته للقاضي الأشرف وآله: قرأت جميع ’’صحيح البخاري’’ على ابن حبيش بسماعه من يونس بن مغيث سنة 503، قال سمعته في سنة 465 بقراءة الغساني على أبي عمر ابن الحذاء، حدثنا به عبد الله بن محمد بن أسد الجهني البزاز الثقة سنة خمس وتسعين وثلاث مائة، أخبرنا أبو علي بن السكن بمصر سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة عن الفربري عنه. وقرأت ’’مصنف النسائي’’ على ابن حبيش، وسمعه من ابن مغيث، قال: قرأته على مولى الطلاع، قال: سمعته على يونس بن عبد الله، قال: قرأته على ابن الأحمر عنه.
قال أبو عبد الله ابن الأبار: كان -رحمه الله- أبدا يحدثنا أن السبعين منتهى عمره لرؤيا رآها، وهو آخر الحفاظ والبلغاء بالأندلس، استشهد في كائنة أنيشة، على ثلاث فراسخ من مرسية، مقبلا غير مدبر، في العشرين من ذي الحجة، سنة أربع وثلاثين وست مائة.
وقال الحافظ أبو محمد المنذري: توفي شهيدا بيد العدو. قال: وكان مولده بظاهر مرسية، في مستهل رمضان، سنة خمس وستين، وسمع ببلنسية ومرسية وشاطبة وإشبيلية
وغرناطة ومالقة ودانية وسبتة، وجمع مجاميع تدل على غزارة علمه وكثرة حفظه ومعرفته بهذا الشأن، كتب إلي بالإجازة في سنة أربع عشرة وست مائة.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جابر القيسي، أخبرنا أحمد بن محمد الحاكم بتونس، أخبرنا العلامة أبو الربيع بن سالم الكلاعي، أخبرنا عبد الله بن محمد الحجري، أخبرنا محمد بن عبد العزيز بن زغيبة، أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر العذري، أخبرنا أحمد بن الحسن الرازي، أخبرنا محمد بن عيسى، أخبرنا إبراهيم بن سفيان، حدثنا مسلم بن الحجاج، حدثنا عبد الله بن مسلمة، حدثنا أفلح بن حميد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: ’’طيبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي لحرمه حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف بالبيت’’.
أخبرناه عاليا أحمد بن هبة الله، وزينب بنت كندي، عن المؤيد بن محمد، أخبرنا محمد بن الفضل أخبرنا عبد الغافر الفارسي، أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه فذكره.
مات مع ابن سالم في العام: المحدث العالم الملك المحسن أحمد ابن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وله سبع وخمسون سنة، والشيخ إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي زاهد بغداد، ومحدث مصر المفيد وجيه الدين بركات بن ظافر بن عساكر، والفقيه موفق الدين حمد بن أحمد بن محمد بن صديق الحراني، وأبو طاهر الخليل بن أحمد الجوسقي، والمعمر سعيد بن محمد بن ياسين السفار، والإمام الناصح عبد الرحمن بن نجم ابن الحنبلي، ومفتي حران الناصح عبد القادر بن عبد القاهر بن بعد المنعم، والمفتي شرف الدين عبد القادر بن محمد بن الحسن ابن البغدادي المصري، وخطيب بلنسية أبو الحسن علي بن أحمد بن خيرة المقرئ، والمسند أبو نزار عبد الواحد بن أبي نزار البغدادي الجمال، والمسند أبو الحسن علي بن محمد بن كبة ببغداد، والحافظ المؤرخ أبو الحسن محمد ابن أحمد بن عمر القطيعي، والمسند المحدث أبو الحسن مرتضى بن حاتم الحارثي المصري، والمسند أبو بكر هبة الله بن عمر بن حسن بن كمال الحلاج، والمعمرة ياسمين بنت سالم بن علي ابن البيطار.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 16- ص: 357
سليمان بن موسى بن سالم بن حسان بن سليمان: يكنى أبا الربيع ويعرف بابن سالم الكلاعي الحميري كان بقية الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشرقي حافظا للحديث مبرزا في نقده تام المعرفة بطرقه ضابطا لأحكام أسانيده ذاكرا لرجاله ريانا من الأدب كاتبا خطيبا بليغا خطب بجامع بلنسية واستقضي فعرف بالعدل والجلالة. وكان من أولي العزم والبسالة والإقدام يحضر الغزوات ويباشر بنفسه
القتال ويبلي البلاء الحسن: آخرها الغزوة التي استشهد فيها.
روى عن أبي القاسم بن حبيش وأكثر عنه وأبي عبد الله بن زرقون وأبي عبد الله بن حميد وأبي بكر بن الجد وأبي محمد بن بونه وأبي محمد: عبد المنعم بن الفرس وأبي بكر بن أبي جمرة وأبي الحسن بن كوثر وأبي خالد بن رفاعة وأبي عبد الله بن الفخار وأبي محمد الصدفي وأبي العباس بن مضاء وأبي القاسم بن سمحون وأبي محمد: عبد الحق الأزدي وأبي الطاهر بن عوف الإسكندري وغيرهم من أهل المشرق والمغرب.
روى عنه أبو عبد الله بن حزب الله وأبو الحسين بن عبد الملك بن مفوز وابن الأبار وابن المواق وابن الغماز وأبو محمد بن برطلة وأبو جعفر الطنجالي وأبو الحجاج بن حكم وغيرهم ممن يطول ذكرهم.
وله تآليف منها: مصباح الظلام في الحديث والأربعون عن أربعين شيخا لأربعين من الصحابة والأربعون السباعية والسباعيات من حديث الصدفي وحلية الأمالي في الموافقات العوالي وتحفة الوارد ونخبة الرائد والمسلسلة والإشادات وكتاب الاكتفا في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفا وميدان السابقين وحلية الصادقين المصدقين في عرض كتاب الاستيعاب ولم يكمله والمعجم فيمن وافقت كنيته كنية زوجته من الصحابة والأعلام بأخبار البخاري والمعجم في مشيخة أبي القاسم بن حبيش وبرنامج في رواياته وجنى الرطب في سنى الخطب ونكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال وجهد النصيح في معارضة المقري في خطبة الفصيح وامتثال المنال في ابتداع الحكم واختراع الأمثال ومفاوضة القلب العليل في منابذة الأمل الطويل بطريقة أبي علي المقري في ملقى السبيل ومجازفة اللحن للاحن الممتحن يشتمل على مائة مسألة ملغاة ونتيجة الحب الصميم وزكاة المنظوم والمنثور والصحف المنتشرة في القطع المعشرة وديوان رسائل وديوان شعره: ومن نظمه رحمه الله تعالى:
أحن إلى نجد ومن حل في نجد | وماذا الذي يغني حنيني أو يجدي؟ |
وقد أوطنوها وادعين وخلفوا | محبهم رهن الصبابة والوجد |
وضاقت علي الأرض حتى كأنها | وشاح بخصر أو سوار على زند |
إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى | وبعض الذي لاقيته من جوى يردي |
فراق أخلاء وصد أحبة | كأن صروف الدهر كانت على وعد |
ليالي نجني الأنس من شجر المنا | ونقطف زهر الوصل من شجر الصد |
أتعلم ما يلقى الفؤاد لبعدكم | ألا مذ نأيتم لا نعيد ولا نبدي |
عسى الله أن يدني السرور بقربكم | فيبدو منا الشمل منتظم العقد |
أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى | وما أحد يا رب منك بذا أولى |
تبرأت من حولي إليك وقوتي | فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا |
وهب لي الرضا ما لي سوى ذاك مبتغى | ولو لقيت نفسي على نيله الهولا |
دار التراث للطبع والنشر - القاهرة-ط 1( 2005) , ج: 1- ص: 385
أبو الربيع الإمام الحافظ البارع محدث الأندلس وبليغها سليمان ابن موسى بن سالم بن حسان الكلاعي الحميري البلنسي
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة
وسمع أبا القاسم بن حبيش وخلقاً وأجاز له ابن مضا وأبو محمد عبد الحق صاحب الأحكام واعتنى بهذا الشأن أتم عناية وكان إمامًا في صناعة الحديث بصيرًا به حافظًا عارفًا بالجرح والتعديل ذاكرًا للمواليد والوفيات مقدم أهل زمانه في ذلك وفي حفظه أسماء الرجال مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة فردا في الإنشاء
له الاكتفا في المغازي وكتاب في معرفة الصحابة والتابعين
حافل وغير ذلك
ولد سنة خمس وستين وخمسمائة مستهل رمضان ومات شهيدا بيد العدو في عشري ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة أجاز للمنذري
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1403) , ج: 1- ص: 500
والحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي البلنسي الخطيب
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 197
أبو الرَّبيع ابن سالم
أبو الرَّبيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسّان الحميري الكلاعي الخطيب من أهل بلنسية، علم الأعلام، واللعوب في جدّه بأطراف الكلام، الَّذي فاز بالجنّة يوم فاد، وأفاد علوم السنة في ما أفاد. ولد في شهر رمضان سنة خمس وستين وخمسمائة، واستشهد - رحمه الله - مقبلاً غير مدبر في وقعة أنيشة على ثلاثة فراسخ من بلنسية ضحى يوم الخميس الموفي عشرين لذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستمائة. وكان بقيّة أعلام الحديث ببلنسيّة، عني أتمّ عناية بالتقييد والرواية، وكان إماماً في صناعة الحديث بصيراً به حافظاً حافلاً عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدّم أهل زمانه في ذلك وفي حفظ أسماء الرجال خصوصاً من تأخر من زمانه وعاصره. وكتب الكثير، وكان الخطّ الَّذي يكتبه لا نظير له في الإتقان والضبط، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار بالبلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل مجيداً في النظم. وكان هو المتكلّم عن الملوك في مجالسهم والمبين عنهم لما يريدونه في المحافل على المنبر. ولي خطابة بلنسيّة. وله تصانيف مفيدة في عدّة فنون: ألّف “الاكتفاء في مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلّم والثلاثة الخلفاء” في أربعة مجلّدات، وله كتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب “مصباح الظلم” يشبه “الشهاب” و “كتاب في أخبار البخاري وسيرته” و “كتاب الأربعين” سوى ما صنّف في الحديث والأدب والخطب. ومن شعره يرثي أبا بحر من كلمة:
أما وأبي بحرٍ لقد راع خاطري | مُصابُ القوافي والعُلا بأبي بحرِ |
ليبكِ عليه المجدُ ملءَ جفونهِ | ويبكِ عليه رائقُ النظمِ والنثرِ |
ويا دوحَ روضٍ كان زهرُ كِمامهِ | عزاءك في الرَّوضِ الأنيقِ من الزهرِ |
ويأسكَ عن رَوْحٍ من الطيبِ بعده | سوى ما تؤدِّي الرِّيحُ عنه من الذكر |
أحقاً أبا بحرٍ تجهزتَ غادياً | إلى غايةٍ ناءٍ مداها على السَّفْرِ |
فإن قصَّرَ المقدارُ عمرك إنَّ في | نفائسِ ما خلَّدتَ عمراً إلى عمرِ |
أشجاه ما فعل العِذارُ بخدِّه | قلبي شجا وهواي فيه هيّجا |
ما رابه والحسنُ يمزجُ وردَه | آساً ويخلط بالشَّقيق بَنَفْسجا |
ولقد علمتُ بأنَّ قلبي صائرٌ | كُرَةً لصدغيه غَداةَ تَصَوْلجا |
ولمّا تحلَّى خدُّه بِعِذاره | تسلَّوا وقالوا ذَنبُه غيرُ مغفورِ |
وهل تنكر العينُ اللجينَ مُنَيَّلاً | أو المسك مذروراً على صحن كافورِ |
وحسبيَ منه لو تغيَّرَ خدُّه | تَمايلُ غُصْنٍ والتفاتةُ يعفورِ |
قالوا اكتَسَتْ بالعِذارِ وجنتُه | هل في الَّذي قلتموه من باسِ |
أكْلَفُ بالورد وهو منفردٌ | فكيف أسلو إذ شيبَ بالآسِ |
قالوا التحى واشتكى عينيه قلتُ لهم | نعم صدقتم وهل في ذاك من عارِ |
بنفسجٌ عيضَ من وردٍ ونرجسةٌ | تحَوَّلتْ وردةً زينت بأشفارِ |
ما مرَّ من حسنه شيءٌ بلا عِوَضٍ | حُسْنٌ بحسنٍ وأزهارٌ بأزهارِ |
رياضٌ كالعروسِ إذا تجَلَّتْ | وقَلَّ لها مُشابهةُ العَروسِ |
فمن زهرٍ ضحوكِ السنِّ طَلْقٍ | بجهمٍ من سحائِبه عبوسِ |
وقضبٍ تحسبُ الأرواح سقَّتْ | معاطفها سلافة خندريسِ |
ونهرٍ مثل هنديٍّ صقيلٍ | تجرَّدَ فوقَ مَوْشيٍّ نفيسِ |
توَلَّت نَسجَه السُّحبُ الغوادي | وحاكتْ وَشْيَه أيدي الشُّموسِ |
بنفسَ من أخلاَّئي خليلٌ | سريٌّ لا يرَى كالحمدِ مالا |
متى يعدمْ مُمالأةَ اللَّيالي | على ما يبتغي منهنَّ مالا |
وأكثر ما يكونُ إليك ميلاً | إذا الزمنُ المساعد عنك مالا |
نَعَمْ وقفٌ عليه لسائليه | كأنْ لم يدرِ في الألفاظ ما لا |
يا غزالاً غزْوَ أرض الرُّ | وم يَبغي ويَرومُ |
ما يَفي أجرُك بالغَز | وِ بقتلي يا ظَلومُ |
أوصيكُمُ بالقلب خيراً فإنَّه | أبَى يومَ بِنتُم أن يُصاحب جُثماني |
فقلتُ له أين المُقام فقال لي | بكفِّي أبيٌّ ذو حِفاظٍ وإحسانِ |
أيحسنُ في شَرع الصَّبابة تركُ من | تكنَّفني إحسانُهُ منذُ أزمانِ |
أيحسُن أن أُصغي لداعية النَّوى | إذاً فرماني الله منه بهجرانِ |
فقلتُ له أُكرمتَ يا قلبُ فاغتبطْ | ولو أن لي أمري لكنتُ لك الثاني |
تعجَّبوا لفُؤادي الشَّهمِ أن آسى | ما لي وقد جَدَّ جِدُّ العمرِ لا آسَى |
لو لم تَعِظْنيَ نفسي لاتَّعظتُ بأنْ | أرى مثالَ نعيمِ الدَّهرِ إبئاسا |
هاتيك أربُعُ صَحبي بعد ساكنها | لم تُبقِ فيها النَّوى نُؤياً ولا آسا |
فارجعْ إلى الله يا قلباً عتا صَلَفاً | فذو النَّدى في الورى إن يُستَعنْ آسَى |
ولا يروقُكَ توريدُ الخدودِ فما | تُبقي لياليك ورداً لا ولا آسا |
تجرَّعِ الصابَ في الدُّنيا عساك تُرى | معوَّضاً منه في دار الرِّضا آسا |
تهوى محلِّي النجومُ | يا بُعدَ ما قد ترومُ |
كم لمَّةٍ لكَعابٍ | بها النفوسُ تهيمُ |
سرَيْتُ فيها شهاباً | حَواه ليلٌ بهيمُ |
ما صاغني من لُجَيْنٍ | إلاَّ ظريفٌ كريمُ |
مَشْطُ الحِسان بعَظْمٍ | ظُلمٌ لعمري عظيمُ |
إنْ شئتَ يا دهرُ حارِبْ | أو شئتَ يا دهرُ سالِمْ |
فصارمي ومِجَنّي | أبو الرَّبيع ابن سالمْ |
نعم فحارب وسالمْ | وصلْ مُعاناً وصارمْ |
أنا المِجَنُّ الَّذي لا | تحيكُ فيه الصوارمْ |
أنا الحُسامُ الَّذي لا | يزالُ للضَّيْم حاسمْ |
فاحكمْ بما شئتَ إنِّي | بعَضْدِ صحبيَ حاكمْ |
دار الغرب الإسلامي - تونس-ط 1( 1986) , ج: 1- ص: 201
الكلاعي
الإمام، الحافظ البارع، محدث الأندلس، أبو الربيع، سليمان بن موسى بن سالم بن حسان، الحميري، البلنسي.
ولد بظاهر مرسية في مستهل رمضان سنة خمس وستين وخمس مئة.
قال الأبار: فسمع ببلنسية أبا العطاء بن نذير، وأبا الحجاج بن أيوب، وارتحل، فسمع أبا القاسم بن حبيش، وأبا بكر بن الجد، وأبا عبد الله بن زرقون، وأبا عبد الله بن الفخار، وأبا محمد بن عبيد الله، وأبا محمد بن بونه، وأبا الوليد بن رشد، وخلقاً سواهم.
وأجاز له أبو العباس بن مضاء، وأبو محمد عبد الحق الأزدي، وعني أتم عناية بالتقييد والرواية، وكان إماماً في صناعة الحديث، بصيراً به، حافظاً حافلاً، عارفاً بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات يتقدم أهل زمانه في ذلك، وفي حفظ أسماء الرجال، خصوصاً من تأخر زمانه وعاصره، كتب الكثير، وكان خطه لا نظير له في الإتقان والضبط مع الاستبحار في الأدب، والاشتهار بالبلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل، مجيداً في النظم، خطيباً، فصيحاً، مفوهاً، مدركاً، حسن السرد والمساق لما يقوله، مع الشارة الأنيقة، والزي الحسن، وهو كان المتكلم عن الملوك في المجالس، والمبين عنهم لما يريدونه على المنبر في المحافل، وولي خطابة بلنسية في أوقات.
وله تصانيف مفيدة في فنونٍ عديدة، ألف كتاب ’’الاكتفاء في مغازي المصطفى والثلاثة الخلفاء’’ في أربع مجلدات، وله كتاب حافلٌ في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وكتاب ’’مصباح الظلم’’ بشبه ’’الشهاب’’، وكتاب ’’أخبار البخاري’’، وكتاب ’’الأربعين’’، وغير ذلك.
وإليه كانت الرحلة للأخذ عنه، انتفعت به في الحديث كل الانتفاع، وأخذت عنه كثيراً.
وقال ابن مسدي: لم ألق مثله جلالةً ونبلاً ورياسةً وفضلاً، كان إماماً مبرزاً في فنونٍ من منقول ومعقول، ومنثورٍ وموزون، جامعاً للفضائل، برع في علوم القرآن والتجويد، وأما الأدب فكان ابن بجدته وأبا نجدته، وهو ختام الحفاظ، ندب لديوان الإنشاء فاستعفى، أخذ القراءات عن أصحاب ابن هذيل، وارتحل، واختص بأبي القاسم بن حبيش بمرسية؛ أكثرت عنه.
وقال المنذري: سمع ببلنسية ومرسية وإشبيلية وغرناطة وشاطبة ومالقة وسبتة ودانية، وجمع المجاميع، تدل على غزارة علمه، وكثرة حفظه، ومعرفته بهذا الشأن، كتب إلينا بالأجازة سنة أربع عشرة، وتوفي شهيداً بيد العدو.
وقال الأبار: كان - رحمه الله - أبداً يحدثنا أن السبعين منتهى عمره لرؤيا رآها، وهو آخر الحفاظ والبلغاء بالأندلس، استشهد بكائنة أنيشة على ثلاثة فراسخ من مرسية مقبلاً غير مدبر في العشرين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وست مئة.
وفيها: مات الإمام ناصح الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن نجم بن شرف الإسلام عبد الوهاب بن الإمام الشيخ أبي الفرج بن الشيرازي الحنبلي الأنصاري. وفقيه حران ناصح الدين عبد القادر بن عبد القاهر بن عبد المنعم الحنبلي. والمحدث المؤرخ مسند العراق أبو الحسن محمد بن أحمد بن عمر بن حسين بن القطيعي، وله ثمانٍ وثمانون سنة، وآخرون.
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان-ط 2( 1996) , ج: 4- ص: 1