المحاسني سليمان بن أحمد بن سليمان بن اسماعيل المحاسني: شاعر دمشقي المولد والوفاة، تولى النيابة في المحاكم والامامة والخطابة بالجامع الاموي، له (ديوان شعر - خ).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 121
سليمان المحاسني سليمان بن أحمد بن سليمان بن إسماعيل بن تاج الدين بن أحمد المعروف بالمحاسني الحنفي الدمشقي الخطيب والامام بالجامع الأموي الأديب الحاذق الذكي النبيه كان مطبوعا سخيا له فطنة وقادة وتحصيل للكمالات ولد بدمشق في سنة تسع وثلاثين ومائة وألف وبها نشأ وقرأ على جماعة من مشايخها وبالجملة فقد كان من كمل الناس يتفحص عن الوقائع الأدبية ويكتب ما يستحسنه منها ويشتري الكتب ويقابلها على غيرها ويضبطها ضبطا حسنا بخطه وكان لطيف العشرة حسن المطارحة عفيف النفس وارتحل إلى دار الخلافة في الروم وصرف بها مبلغا من الدراهم وباع كتبا جليلة ثمة ولم يحصل على شيء من سفرته وصارت له رتبة موصلة الصحن لما ولي حكومة دمشق الوزير محمد باشا العظم وكانت قبل ذلك له رتبة الداخل وحين جاء عرض له بذلك وللمولى أسعد بن خليل الصديقي برتبة دار الحديث السليمانية وللمولى السيد حمزة بن علي العجلاني نقيب الأشراف برتبة الصحن فجاءت لكل منهم ذلك من شيخ الاسلام المولى محمد سعيد ميرزا زاده مفتي الدولة العلية ولما توفي رئيس الكتاب في القسمة العسكرية يحيى بن إبراهيم الجالقي أخذ الرياسة عنه وباشرها فلم يجل في بابها وأراد أن ينهض فكبا ولم تطل مدته وتوفي وكان يتولى النيابات بمحاكم دمشق ودرس بالجامع الأموي حين جاءت العساكر المصرية إلى دمشق وأخذتها وواقعة ذلك مشهورة أغرض على آغا اليرلية بدمشق يوسف أغا الشهير بابن جبري ونسبه لأمور خالية عنه وإنه خان الدولة وارتشى من رئيس العسكر الأمير محمد المعروف بأبي الذهب وكان الأمر بخلاف ذلك فبعد تمهيد الأمور وعود أهالي دمشق اليها حصل له رعب شديد من آغا اليرلية المذكور وتحقق أذاه له فبعد مضي مدة قليلة غضب على المذكور والي دمشق الوزير عثمان باشا وخنقه في قلعة دمشق وضبط ماله لطرف الدولة العلية وبعد موته ألف صاحب الترجمة في حقه رسالة سماها البغي والتجري في ظهور ابن جبري وذكر فيها ترجمته وأحواله واشتهرت الرسالة في وقتها ولم يزل المترجم على حالته إلى أن مات وكان من أحباب والدي وأودائه وللوالد عليه حنو وعطف وكان يكرمه كثيرا وله فيه مدائح فمن ذلك قوله ممتدحا والدي بهذه القصيدة ومطلعها
سرت النياق وهزني منها شجن | وغدت نحن بذا المسير إلى الوطن |
وأهاجني برق تراآى اذ حدا | حادي الظعون بهم وروعني الحزن |
لله يا حادي الركاب بمهجة | قد أورثت وجدا وشوقا للدمن |
ما أنت يا حادي بخلي في السرى | دعها ومل نحو الديار إلى العطن |
هذا العلي أبو المكارم من غدا | غيث الزمان إذا به محل قطن |
ذو الرأي والتدبير حبر كامل | مع فضل سحبان له خلق حسن |
فالبحر يزخر من مواهب جوده | والدر والياقوت ليس له ثمن |
لا غر وان السيل يحكي كفه | فالكف أسبق بالنوال إذا هتن |
وعلى ثنائي للجناب ملازم | وسرائري تنبي بذلك والعلن |
ما فيه عيب غير إن يمينه | قد طاولت أعلى السماك بلا وهن |
لا زال يرفل في السيادة دائما | ما طاف عبد بالمقام له وحن |
أو ما ترنم طائر في بانة | يشدو بأخان لدى غصن أغن |
سقاك المزن يا دارا بحزوي | وأخصبك الربيع بها وأروى |
وحياك المهيمن ما تراءت | بدور من مغانيك لمثوى |
بدور قد عهدت بهم وفاء | بذات الضال ما أهناه حبوا |
تذكرني الشبيبة كل وقت | ورغد العيش بالجرعاء مأوى |
رعى الله المعاهد والمغاني | وإن كانت من الأعمار تطوى |
فدع عنك المغاني ثم عرج | لشهم العصر ساميه كرضوى |
امام في العلوم حوى أيادي | بسعد يالها منحا فتروى |
تسامى لا البدور له تحاكي | وأين البدران يحكيه زهوا |
فوافى بابه تجد التهاني | وتمنحك الهداية منه عفوا |
بعز فوق هامات الثريا | ومجد ناله شرفا بتقوى |
فظل النصر يخدمه دواما | ووافته السعادة حيث يهوى |
أحمامة فوق الأراك تبني | قد فاح بالترجيع عرف شذاك |
ما أنت أول من بكى لصبابة | فبحق من أبكاك ما أبكاك |
أما أنا فبكيت من ألم الجوى | متذكرا لمقيل ظل أراك |
أجريت فيض محاجري بتذكري | وفراق من أهوى أأنت كذاك |
سقى الله أرض الشام صيب رحمة | تروم على سحب الهنا برباها |
فكم لي بمغناها سوالف وقفة | تقضت بصفو ما ألذ مناها |
وقفت على ماضي المعاهد أدمعي | إلى أن يعاني الطرف طيب ثراها |
ومني على من حل موطن جلق | لألف سلام من مشوق هواها |
وندى أنس بالأهلة مشرق | وباوج علياهم سناهم يشرق |
قد طاب أنسا بالهناء وغردت | فيه البلابل والمياه تصفق |
والروض فاح عبيره لنسيمه | الخفاق والأزهار فيه تعبق |
وزهت كؤس الصفو في أرجائه | صرفا ليحسوها الفؤاد الشيق |
والروض يعبث بالنسيم تاؤدا | لما غدا ماء العذيب يرقرق |
والورد غض مطرق لرؤسه | شبه الذي هو بالخجالة مطرق |
لم أنس ليلة زارني في تيهه | وعذولي النمام ذاك الأزرق |
لا كان عذالي ولا كان العدا | فالقلب من عذاله متقلق |
وسقى الحيا روضا به نلنا المنى | بأحبة قلبي بهم متعلق |
من كل بدر كالغزالة وجهه | وقوامه غصن بفرع مورق |
وجبينه صبح وطرة وجهه | ليل وصفحته كورد يشرق |
عاطيته كأس المدام وبيننا | عهد أكيد بالمحبة موثق |
عهد يطول وإن تلاحى عاذل | فبوجهه أيدا يذل ويطرق |
وعلى المحبة قد طويت أضالعا | حتى القيام وكل فرد يسبق |
والبدر يفتضح الظلام كما بدا | فلق الصباح على الروابي موثق |
وغدا به قلبي يعذب في الهوى | والجسم مضني والنواظر تحدق |
ااراك تسلو يا خلي مهفهفا | حلو الشمائل بالفؤاد معلق |
صاد القلوب بلحظه فنباله | بالفتك من سهم المنية أسبق |
وحوى جمالا باهرا جل الذي | أنشاه بدرا بالمحاسن يشرق |
من عصبة هم للرياض عبيرها | ونسيمها الفواح فيها يعبق |
حلوا بقلبي شبه سكان الحمى | كل له في القلب شمس تشرق |
ولذاك إني مولع في حبهم | ولسان حمدي بالفصاحة ينطق |
ولطالما إني أشنف مسمعا | في حب من في حبهم أتعشق |
هم أهل نجد والعقيق وحاجر | شنف بذكراهم فقلبي يحرق |
وأدر لنا ذكر العذيب وبارق | مع طيب سلع والأبيرق يبرق |
وانشق به ريح الخزام لعلنا | من عرف ذياك الحمى نتنشق |
دار بها قد حل أشرف مرسل | طه النبي الصادق المتصدق |
ذو الجاه والشرف الرفيع ومن به | كل الأنام إلى علاه تنطق |
صلى عليه الله ما ركب سرى | نحو العقيق وما أشرأبت أنيق |
والآل والأصحاب ثم ومن تلا | من بعدهم في الدين هديا حققوا |
ما غردت ورق الحمام سواجعا | وسرى نسيم الروض فيه يخفق |
شوقي لجلق ذات المنهل العذب | أهاج وجد غرامي زائد اللهب |
يا زاجر العيس شوقا نحوها دنفا | في مهمه الفر يبدي شدة اللغب |
عرج هناك لصحبي ثم بث لهم | وجدا تزايد بالأيقاد كالشهب |
فيا رعي الله حيا بالشام لنا | ذات البشام وذات المبسم الشنب |
قد حال رسم ترى عما عهدت بها | أم ظل يبكيه دمعي زائد السحب |
لم يبرح الشوق مني نحوها أبدا | حتى أوسد رمسا في ثرى الترب |
أم كيف أنسى ربوعا بالهنا عمرت | بين الأحبة لما طال مغتربي |
دار بها البشر واللذات قد سلفت | ما بين أهل الصفا في غاية الطرب |
وأهالها وسقاها الله كل ندى | بكل منسجم الهطال منسكب |
معاهد الألف والأحباب من وطن | قد حن قلبي لمرآها السني العجب |
فعمر الله مغناها بكل مدى | ما حن نازح ألف من جوى نصب |
ما هب شمأل روض في غصون ربا | أو ناح طير على عال من القضب |
دار البشائر الإسلامية / دار ابن حزم-ط 3( 1988) , ج: 2- ص: 163