سلمان الفارسي سلمان الفارسي: صحابي: من مقدميهم. كان يسمي نفسه سلمان الإسلام: أصله من مجوس أصبهان. عاش عمرا طويلا، واختلفوا فيما كان يسمى به في بلاده. وقالوا: نشأ في قرية جيان، ورحل إلى الشام، فالموصل فنصيبين، فعمورية، وقرأ كتب الفرس والروم واليهود، وقصد بلاد العرب، فلقيه ركب من بني كلب فاستخدموه، ثم استعبدوه وباعوه؛ فاشتراه رجل من قريظة فجاء به إلى المدينة. وعلم سلمان بخبر الإسلام، فأعانه المسلمون على شراء نفسه من صاحبه. فأظهر إسلامه. وكان قوي الجسم، صحيح الرأي، عالما بالشرائع وغيرها. وهو الذي دل المسلمين علىحفر الخندق، في غزوة الأحزاب، حتى اختلف عليه المهاجرون والأنصار، كلاهما يقول: سلمان منا، فقال رسول الله: سلمان منا أهل البيت وسئل عنه علي فقال: امرؤ منا وإلينا أهل البيت، من لكم بمثل لقمان الحكيم، علم العلم الأول والعلم الآخر، وكان بحرا لا ينزف. وجعل أميرا على المدائن، فأقام فيها إلى أن توفي. وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به. ينسج الخوص ويأكل خبز الشيخ من كسب يده. له في كتب الحديث 60 حديثا. ولابن بابويه القمي كتاب ’’أخبار سلمان وزهده وفضائله’’ ومثله للجلودي.
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 111
سلمان الفارسي
ويقال سلمان بن عبد الله.
توفي بالمدائن سنة 35 أو 36 أو 37 أو38 رفي تهذيب التهذيب وهو أشبه لما روي أنه دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت وقد مات ابن مسعود قبل سنة 34 باتفاق "اه" وفي رجال بحر العلوم توفي سنة 34 من الهجرة على الأصح وتوفي بالمدائن ودفن بها وقبره معروف يزار إلى اليوم. وفي الاستيعاب قال الشعبي توفي سلمان في علية لأبي قرة الكندي بالمدائن.
اسمه ونسبه الأصليان
في تهذيب التهذيب قال أبو عبد الله بن مندة اسمه مابة ابن بوذخشان ابن مورسلان بن بهنوذان بن فيروز بن سهرك من ولد أب الملك وفي أسد الغابة كان ذلك اسمه قبل الإسلام وفي الإصابة قيل إن اسمه كان ما به بكسر الموحدة ابن بود قاله ابن مندة بسنده وسادت له نسبا وقيل: اسمه بهبود "اه" وعن إكمال الدين كان اسم سلمان روزبة ابن خشنوذان.
ألقابه
يقال سلمان الخير وسلمان المحمدي وسلمان ابن الإسلام وفي تهذيب التهذيب قال ابن حيان هو سلمان الخير ومن زعم أنهما اثنان فقد وهم وروى الكشي بسنده عن الحسن بن صهيب عن أبي جعفر عليه السلام قال: ذكر عنده سلمان الفارسي فقال أبو جعفر مهلا لا تقولوا سلمان الفارسي ولكن قولوا سلمان المحمدي ذلك رجل منا أهل البيت.
سلمان من المعمرين
قيل عاش 250 سنة وقيل 350 وفي تهذيب التهذيب عن العباس بن زيد: أهل العلم يقولون عاش سلمان 350 سنة فأما 250 فلا يشكون فيه وكان أدرك وصي عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام فيما قيل "اه" وفي رجال بحر العلوم توفي وعمره 350 سنة وقيل 250.
سبب إسلامه
في الاستيعاب: ذكر سليمان القمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه تداوله في الرق بضعة عشر ربا من رب إلى رب حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن الله عليه بالإسلام وقد روي سن وجوه أن النبي اشتراه على العتق وبسنده أن سلمان الفارسي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك فقال: يا سلمان إنا أهل البيت لا تحل لنا الصدقة فرفعها ثم جاءه من الغد بمثلها فقال: هذه هدية كلوا وأكل وفي شرح النهج الحديدي ج4 ص225 فأما حديث إسلام سلمان فقد ذكره كثير من المحدثين ورووه عنه ثم أورده كما يأتي عن أسد الغابة مع بعض الزيادات ونحن ننقله من أسد الغابة فإن كانت زيادة ألحقناها.
في أسد الغابة: كان سلمان ببلاد فارس مجوسيا سادن النار وكان سبب إسلامه ثم روى بأسانيده المتعددة عن ابن عباس قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان من جي ابن رجل من دهاقينها وكان أبي دهقان أرضه وكنت أحب الخلق إليه (أو عباد الله إليه) فأجلسني في البيت كالجواري فاجتهدت في الفارسية (في المجوسية) فكنت في النار التي توقد فلا تخبو وكان أبي صاحب ضيعة وكان له بناء يعالجه في داره فقال لي يوما: يا بني قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون فملت إليهم وأعجبني أمرهم وقلت: والله هذا خير من ديننا فأقمت عندهم حتى غابت الشمس لا أنا أتيت الضيعة ولا رجعت إليه فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم أين أصل هذا الدين قالوا: بالشام فرجعت إلى والدي فقال: يا بني قد بعثت إليك رسلا فقلت: قد مررت بقوم يصلون في كنيسة فأعجبني ما رأيت من أمرهم وعلمت أن دينهم خير من ديننا فقال: يا بني دينك ودين آبائك خير من دينهم فقلت: كلا والله فخافني وقيدني فبعثت إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم وسألتهم إعلامي من يريد الشام ففعلوا وألقيت الحديد من رجلي وخرجت معهم حتى أتيت الشام فسألتهم عن عالمهم فقالوا: الأسقف فأتيته فأخبرته وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك قال: أقم فمكثت مع رجل سوء في دينه كان يأمرهم بالصدقة فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه حتى جمع سبع قلاب مملوءة ذهبا وورقا فتوفي فأخبرتهم بخبره فزبروني فدللتهم على ماله فصلبوه ولم يغيبوه ورجموه وأجلسوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا فألقى الله حبه في قلبي حتى حضرته الوفاة فقلت: أوصني فذكر رجلا بالموصل وكنا على أمر واحد حتى هلك فأتيت الموصل فلقيت الرجل فأخبرته بخبري وأن فلانا أمرني بإتيانك فقال: أقم فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة فقلت له: أوصني فقال: ما أعلم رجلا بقي على الطريقة المستقيمة إلا رجلا بنصيبين فلحقت بصاحب نصيبين قالوا: وتلك الصومعة التي تعبد فيها سلمان قبل الإسلام باقية إلى اليوم ثم احتضر صاحب نصيبين فقلت له: أوصني فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فأتيته بعمورية فأخبرته بخبري فأمرني بالمقام وثاب لي شيء واتخذت غنيمة وبقرات وحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي فقال: قد ترك الناس دينهم ولا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفة مهاجره بأرض بين حرتين ذات نخل وبه آيات وعلامات لا تخفى قلت: فما علامته قال: بين منكبيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت فتخلص إليه فتوفي فمر بي ركب من العرب من كلب فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه وتحملوني إلى بلادكم فحملوني إلى وادي القرى فلما بلغناها ظلموني فباعوني من رجل من اليهود فكنت أعمل له في نخله وزرعه ورأيت النخل فعلمت أنه البلد الذي وصف لي فأقمت عند الذي اشتراني وقدم عليه رجل من بني قريظة (وفي رواية شرح النهج قدم عليه ابن عم له) فاشتراني منه وقدم بي المدينة فعرفتها بصفتها فأقمت معه أعمل في نخله وبعث الله نبيه بمكة ولا أعلم بشيء من أمره فيخز وكفلت عن ذلك حتى قدم المدينة فنزل في بني عمرو بن عوف فإني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي فقال: أي فالآن قاتل الله بني قيلة مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي فو الله ما هو إلا أن سمعتها فأخذني القر والانتقاض ورجفت بي النخلة حتى كدت أن أسقص ونزلت سريعا فقلت: ما هذا الخبر فلكمني صاحبي لكمة وقال: وما أنت وذاك أقبل على شأنك فأقبلت على عملي حتى أمسيت فجمعت شيئا كان عندي من التمر فأتيته به وهو بقباء عند أصحابه فقلت: اجتمع عندي ما أردت أن أتصدق به فبلغني أنك رجل صالح ومعك رجال من أصحابك غرباء ذوو حاجة فرأيتكم أحق به فوضعته بين يديه شكف يده وقاك لأصحابه: كلوا فأكلوا فقلت: هذه واحدة ورجعت وتحول إلى المدينة فجمعت شيئا فأتيته به فقلت: أحببت كرامتك وإني رأيتك لا تأكل الصدقة فأهديت لك هدية وليست بصدقة فمد يده فأكل وأكل أصحابه فقلت: هاتان اثنتان ورجعت فأتيته وقد تبع جنازة إلى بقيع الفرقد وحوله أصحابه فسلمت وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره فعلم ما أردت فألقى رداءه فرأيت الخاتم فقبلته وبكيت فأجلسني بين يديه فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس فأعجبه ذلك وأحب أن يسمع أصحابه.
رواية الحاكم سبب إسلامه
وروى الحاكم في المستدرك خبر سبب إسلامه بما يخالف ما مر ويناقضه فروى بسنده عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا صديقين لزيد أتياه ليكلم لهما سلمان أن يحدثهما كيف كان إسلامه فلقوا سلمان وهو بالمدائن أميرا عليها فوجدوه على كرسي وبين يديه خوص وهو يسفه فسلمنا وقعدنا فقال له زيد: يا أبا عبد القه إن هذين لي صديقان ولهما أخ وقد أحبا أن يسمعا كيف كان بدء إسلامك فقال: كنت يتيما من رام هرمز وكان ابن دهقان رامهرمز يختلف إلى معلم يعلمه فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنيا بنفسه وكنت غلاما قصيرا وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم فإذا تفرقوا أخرج فيضع ثوبه ثم يصعد الجبل وكان يفعل ذلك غير مرة متنكرا فقلت له: أنك تفعل كذا وكذا فلم لا تذهب بي معك فقال: أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء قلت: لا تخف قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيلهم لهم عبادة ولهم صلاح يذكرون الله تعالى ويذكرون الآخرة ويزعموننا عبدة النيران وعبدة الأوثان وإنا على دينهم قلت: فاذهب بي معك إليهم قال: لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أبي فيقتل القوم فيكون هلاكهم على يدي قلت: لن يظهر مني شيء فاستأمرهم فأتاهم فقال: غلام عندي يتيم فأحب آن يأتيكم ويسمع كلامكم قالوا: إن كنت تثق به قال: أرجو أن لا يجيء منه إلا ما أحب قالوا: فجيء به فقال لي: قد استأذنت في أن تجيء معي فإذا كانت الساعة التي رأيتني أخرج فيها فائتني ولا يحلم بك أحد فإن أبي إن علم بهم قتلهم فلما كانت الساعة التي يخرج فيها تبعته فصعدنا الجبل فانتهينا إليهم فإذا هم في برطيلهم وهم ستة أو سبعة وكأن الروح قد خرج منهم من العبادة يصومون النهار ويقومون الليل ويأكلون عند السحر ما وجدوا فقعدنا إليهم فأتى الدهقان على خبرهم فتكلموا فحمدوا الله وأثنوا عليه وذكروا من مضى من الرسل والأنبياء حتى خلصوا إلى ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام فقالوا: بعث الله تعالى عيسى عليه السلام رسولا وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص والأعمى فكفر به قوم وتبعه قوم وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه وقالوا: قبل ذلك يا غلام إن لك ربا وإن لك معادا وإن بين يديك جنة ونارا إليهما تصيرون وإن هؤلاء القوم الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة لا يرضى الله ما يصنعون وليسوا على دين فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام انصرف وانصرفت معه ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن فقالوا لي: يا سلمان إنك غلام وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع فصل ونم وكل واشرب فاطلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال: يا هؤلاء قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءا فعمدتم إلى ابني فأفسدتموه علي قد أجلتكم ثلاثا فإن قدرت عليكم بعد ثلاث أحرقت عليكم برطيلكم هذا فالحقوا ببلادكم فإني أكره أن يكون مني إليكم سوء قالوا: نعم ما تعمدنا مساءتك ولا أردنا إلا الخير فكف ابنه عن إتيانهم فقلت له: اتق الله فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله وأن أباك ونحن على غير دين إنما هم عبدة النار لا يعبدون الله فلا تبع آخرتك بدين غيرك قال: يا سلمان هو كما تقول وإنما أتخلف عن القوم بقيا عليهم إن تبعت القوم طلبني أبي في الجبل وقد خرج في إتياني إياهم وقد أعرف أن الحق في أيديهم فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فيه فقالوا: يا سلمان قد كنا نحذر مكان ما رأيت فاتق الله واعلم أن الدين ما أوصيناك به وأن هؤلاء عبدة النيران لا يعرفون الله تعالى ولا يذكرونه فلا يخدعنك أحد عن دينك قلت: ما أنا بمفارقكم قالوا: أنت لا تقدر أن تكون معنا نحن نصوم النهار ونقوم الليل ونأكل عند السحر ما أصبنا وأنت لا تستطيع ذلك فقلت: لا أفارقكم قالوا: أنت أعلم وقد أعلمناك حالنا فإذا أتيت (لعله أبيت) فخذ مقدار حمل يكون معك شيء تأكله فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن ففعلت ولقينا أخي فعرضت عليه ثم أتيتهم يمشون وأمشي معهم فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل فأتينا بيعة بالموصل فلما دخلوا احتفوا بهم وقالوا: أين كنتم قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى فيها عبدة النيران وكنا نعبد الله فطردونا فقالوا: ما هذا الغلام فطفقوا يثنون علي وقالوا: صحبنا من تلك البلاد فلم نر منه إلا خيرا قال سلمان: فوالله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف جبل فجاء حتى سلم وجلس فحفوا به وعظموه أصحابي الذين كنت معهم وأحدقوا به فقال: أين كنتم فأخبروه فقال: ما هذا الغلام معكم فأثنوا علي خيرا وأخبروه باتباعي إياهم ولم أر مثل إعظامهم إياه فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر من أرسل من رسله وأنبيائه وما لقوا وما صنع بهم وفي مولد عيسى بن مريم عليه السلام وأنه ولد من غير ذكر فبعثه الله عز وجل رسولا و أحيا على يديه الموتى وأنه يخلق من الطين كهيأة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأنزل عليه الإنجيل وعلمه التوراة وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل فكفر به قوم وآمن به قوم وذكر بعض ما لقي عيسى ابن مريم وأنه كان عبد القه أنعم الله عليه فشكر ذلك له ورضي الله عنه حتى قبضه الله عز وجل وهو يعظمهم ويقول: اتقوا الله والزموا ما جاء به عيسى عليه الصلاة والسلام ولا تخالفوا فيخالف بكم ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئا فليأخذ فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام فقام أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه وعظموه وقال لهم: الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا واستوصوا بهذا خيرا وقال لي: يا غلام هذا دين الله الذي تسمعني أقوله وما سواه الكفر قلت: ما أنا بمفارقك قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي إني لا أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد ولا تقدر على الكينونة معي وأقبل على أصحابه فقالوا: يا غلام إنك لا تستطيع أن تكون معه قلت: ما أنا بمفارقك قال له أصحابه: يا فلان إن هذا غلام ويخاف عليه قال لي: أنت أعلم قلت: فإني لا أفارقك فبكى أصحابي الأولون الذين كنت معهم عند فراقهم إياي فقال: يا غلام خذ من هذا الطعام ما ترى أنه يكفيك إلى الأحد الآخر وخذ من الماء ما تكتفي به ففعلت فما رأيته نائما ولا طاعما راكعا وساجدا إلى الأحد الآخر فلما أصبحنا قال لي: خذ جرتك هذه وانطلق فخرجت معه أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه فقعدوا وعاد في حديثه نحو المرة الأولى ثم ذكرني فقالوا له: كيف وجدت هذا الغلام فأثنى علي وقال: خيرا فحمدوا الله تعالى وإذا خبز كثير وماء كثير فأخذوا وجعل الرجل يأخذ ما يكتفي به وفعلت فتفرقوا في تلك الجبال ورجع إلى كهفه ورجعت معه فلبثنا ما شاء الله يخرج في كل يوم أحد ويخرجون معه ويحفون به ويوصيهم بما كان يوصيهم به فخرج في أحد فلما اجتمعوا حمد الله تعالى ووعظهم وقال: مثلما كان يقول لهم ثم قال آخر ذلك يا هؤلاء إنه قد بر سني ودق عظمي وقرب أجلي وإنه لا عهد لي بهذا البيت (بيت المقدس) منذ كذا وكذا ولا بد من إتيانه فاستوصوا بهذا الغلام خيرا فإني رأيته لا بأس به فجزع القوم فما رأيت مثل جزعهم وقالوا: يا فلان أنت كبير فأنت وحدك ولا نأمن أن يصيبك شيء يساعدك أحوج ما كنا إليك قال: لا تراجعوني لا بد من إتيانه ولكن استوصوا بهذا الغلام خيرا وافعلوا و افعلوا قلت: ما أنا بمفارقك قال: يا سلمان قد رأيت حالي وما كنت عليه وليس هذا كذلك أنا أمشي أصوم النهار وأقوم الليل ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره وأنت لا تقدر على هذا قلت: ما أنا بمفارقك قال: أنت أعلم قالوا: يا فلان فإنا نخاف على هذا الغلام قال: فهو أعلم قد أعلمته الحال وقد رأى ما كان قبل هذا قلت: لا أفارقك فبكوا وودعوه وقال لهم: اتقوا الله وكونوا على ما وصيتكم به فإن أعش فعلي أرجع إليكم وإن مت فإن الله حي لا يموت فسلم عليهم وخرج وخرجت معه وقال لي: احمل معك من هذا الخبز شيئا تأكله وخرج وخرجت معه يمشي واتبعته يذكر الله تعالى ولا يلتفت ولا يقف على شيء حتى إذا أمسينا قال: يا سلمان صل أنت ونم وكل واشرب ثم قام يصلي حتى انتهينا إلى بيت المقدس وكان لا يرفع طرفه إلى السماء حتى انتهينا إلى باب المسجد وإذا على الباب مقعد فقال: يا عبد الله ترى حالي فتصدق علي بشيء فلم يلتفت إليه ودخلنا المسجد فجعل يتتبع أمكنة من المسجد فصلى فيها فقال: يا سلمان إني لم أنم منذ كذا وكذا فإن فعلت أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت فإني أحب أن أنام في هذا المسجد وإلا لم أنم فإني أفعل فنام فقلت في نفسي هذا لم ينم منذ كذا وكذا لأدعنه ينام حتى يشتفي من النوم فلم يمض إلا يسيرا حتى استيقظ فزعا بذكر الله تعالى فقال لي: يا سلمان مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر أين ما كنت جعلت على نفسك قلت: أخبرتني أنك لم تنم منذ كذا وكذا فأحببت أن تشتفي من النوم فحمد الله تعالى وكان فيما يمشي يعظني ويخبرني أن لي ربا وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا ويعلمني ويذكرني نحو ما يذكر القوم يوم الأحد حتى قال فيما يقول: يا سلمان إن الله عز وجل سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهمة وكان رجلا عجميا لا يحسن القول (فيقول في تهامة تهمة) علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب أما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه فإن أدركته أنت فصدقه واتبعه قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه قال: أتركه فإن الحق فيما أمر به ورضي الرحمن فيما قال وقام فخرج وتبعته فمر بالمقعد فقال المقعد: يا عبد القه دخلت فسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني فقام ينظر هل يرى أحدا فلم يره فدنا منه فقال ده: ناولني يدك فناوله فقال بسم الله فأقام كأنه نشط من عقال صحيحا لا عيب فيه فقال لي المقعد احمل علي ثيابي حتى انطلق فأسير إلى أهلي فحملت عليه ثيابه وانطلق فخلا عني بعده فانطلق ذاهبا فكان لا يلوى على أحد ولا يقوم عليه فانطلق لا يلوي علي فخرجت في أثره أطلبه فكلما سألت عنه قالوا أمامك حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم لي بعيره فحملني خلفه حتى أتوا بلادهم فباعوني فاشترتني امرأة من الأنصار (وفي تهذيب التهذيب ذكر العسكري اسم المرأة التي اشترته حليسة) فجعلتني في حائط لها وقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرت به ثم ذكر خبر الصدقة والهدية والخاتم ثم قال فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ثم ذكر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكر فاشتراه وأعتقه وهو ينافي ما يأتي عن الإثبات من أنه كاتب عن نفسه فإذا كان أعتقه فلا محل للمكاتبة ثم قال فسلمت عليه وقعدت بين يديه فقلت يا رسول الله ما تقول في دين النصارى قال لا خير فيهم ولا في دينهم فدخلني أمر عظيم فقلت في نفسي هذا الذي كنت معه ورأيت ما رأيته ثم رأيته أخذ بيد المقعد فأقامه الله على يديه فقال لا خير في هؤلاء ولا في دينهم فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله فأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك: {بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} إلى آخر الآية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بسلمان فأتيت الرسول وأنا خائف فجئت حتى قعدت بين يديه فقرأ: {بسم الله الرحمن الرحيم ذلك بأن منهم قسيسين} إلى آخر الآية يا سلمان إن أولئك الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني بإتباعك فقلت له إن أمرني بترك دينك وما أنت عليه قال فاتركه فإن الحق وما يجب فيما يأمرك به قال الحاكم هذا حديث صحيح عال ولم يخرجاه (البخاري ومسلم). قال المؤلف في هذا الحديث مواقع للنظر زيادة على ما مر (أولا) إن ما وقع في نفس سلمان لم يبده لأحد فمن أين علم به صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان علم به فكان يجب ذكره وإلا كان الكلام ناقصا وآية ذلك بأن منهم نازلة في غيرهم كما ستعرف (ثانيا) جواب ما وقع في نفس سلمان ظاهر واضح لا يحتاج إلى انتظار نزول آية ذلك بأن منهم التي لا تصلح جوابا فكان يمكن الجواب بأن الذين كان معهم كانوا من النصرانية الصحيحة والذين لا خير فيهم ولا في دينهم هم الذين غيروا وبدلوا (ثالثا) الذين نزل فيهم ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك فإن منهم قسيسين الآية هم النجاشي ملك الحبشة وأصحابه عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي والذين جاؤوا مع جعفر مسلمين عن مجاهد ففي مجمع البيان وافى جعفر وأصحابه رسول الله في سبعين رجلا اثنان وستون من الحبشة وثمانية من أهل الشام فيهم بحيرا الراهب فقرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة يس إلى آخرها فبكوا حين سمعوا القرآن وآمنوا فأنزل الله فيهم هذه الآيات وقال مقاتل والكلبي كانوا أربعين رجلا اثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من أهل الشام وقال عطاء كانوا ثمانين رجلا أربعون من أهل نجران من بني الحارث بن كعب واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية روميون من أهل الشام (رابعا) قوله لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين فيه أن الظاهر أنهم كانوا نصارى على النصرانية الحقة التي ليس فيها تغيير ثم نسخت بالإسلام والإسلام لم يكن قد جاء بعد فكيف يقول إنما كانوا مسلمين. والحاصل هذا الحديث فيه أشياء كثيرة توجب الريبة في صحته.
رواية أخرى للحاكم في سبب إسلام سلمان فيها مخالفة لما مر
في المستدرك للحاكم وقد روي إسلام سلمان عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن سلمان من وجه صحيح بغير هذه السياقة فلم أجد من إخراجه بدا لما في الروايتين من الخلاف في المتن والزيادة والنقصان ثم روى بسنده عن أبي الطفيل حدثني سلمان الفارسي قال كنت رجلا من أهل جي وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء فقيل ي إن الدين الذي تطلب إنما هو بالمغرب فخرجت حتى أتيت الموصل (وذكر نحوا مما مر) إلى أن قالا فأجرى علي مثل ما كان يجري عليه وحو الخل والزيت والحبوب فلم أزل معه حتى نزل به الموت فجلست عند رأسه أبكيه فقال ما يبكيك فقلت ابكي أني خرجت من بلادي أطلب الخير فرزقني الله صحبتك فحلمتني وأحسنت صحبتي فنزل بك الموت فلا أدري أين أذهب فقال لي أخ بالجزيرة مكان كذا وكذا وهو على الحق فائته فاقرأه مني السلام وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته فلما أن قبض الرجل خرجت فأتيت الرجل الذي وصفه لي فضمني إليه (وذكر نحوا مما مر) فلما نزل به الموت (وذكر نحو مما تقدم) فلما قبض أتيته وذكر نحوا مما تقدم إلى أن قال ولا أدري أين أتوجه فقال لا دين وما بقي أحد أعلمه على دين عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام في الأرض ولكن هذا أوان يخرج فيه نبي أو قد خرج بتهامة فإذا بلغك أنه خرج فإنه النبي الذي بشر به عيسى صلوات الله وسلامه عليهما فكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه فمر بي ناس من أهل مكة فسألتهم فقالوا نعم ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي فقلت هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن تحملوني عقبه وتطعموني من الكسر فإذا بلغتم إلى بلادكم فإن شاء أن يبيع باع وإن شاء أن يستعبد استعبد فقال رجل منهم أنا فصرت عبدا له حتى أتى مكة فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه فسألت امرأة من أهل بلادي فإذا أهل بيتها قد أسلموا قالت لي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس في الحجر هو وأصحابه إذا صاح عصفور بمكة حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا فانطلقت إلى البستان فكنت أختلف فقال لي الحبشان مالك قلت أشتكي بطني وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر حديث خاتم النبوة والصدقة الهدية كما مر فأسلمت.
مكاتبته من الرق
في أسد الغابة بسنده قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كاتب يا سلمان عن نفسك فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته على أن اغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار أعينوا أخاكم بالنخل فأعانوني بالخمس والعشر حتى اجتمع لي فقال لي نقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي ففعلت فأعانني أصحابي حتى فرغت فأتيته فكنت آتيه بالنخلة فيضعها ويسوي عليها ترابا فانصرف والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة وبقي الذهب فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن (المغازي) فقال ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب فقال اد هذه فقلت يا رسول الله وأين تقع هذه مما علي وروى أبو الطفيل عن سلمان قال أعانني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببيضة من ذهب فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه وفي الاستيعاب اشتراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اليهود بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخيل يعمل فيها سلمان حتى تدرك فغرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر فاطعم النخل كله إلا تلك النخلة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غرسها فقالوا عمر فقلعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغرسها بيده فأطعمت من عامها. وروى الحاكم في المستدرك ج 3 ص 604 في حديث بسنده عن سلمان قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فاشتر نفسك فقلت لصاحبي بعني نفسي قال نعم على أن تنبت لي مائة نخلة فما غادرت منها نخلة إلا نبتت فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن النخل قد نبتت فأعطاني قطعة من ذهب فوضعتها في كفة الميزان ووضع في الجانب الآخر نواة فوالله ما استغلت قطعة الذهب من الأرض وجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فاعتقني: وفي ج ص 218 بسنده عن سلمان كاتبت أهلي على أن أغرس خمسمائة فسيلة فإذا علقت فأنا حر فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال اغرس واشرط لهم فإذا أردت أن تغرس فائذني فجاء فجعل يغرس إلا واحدة غرستها بيدي فعلقت جميعا إلا تلك الواحدة. هذا حديث صحيح من حديث عاصم ابن سليمان الأحول على شرط الشيخين ولم يخرجاه وروى الكشي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام الميثب هو الذي كاتب عليه سلمان فأفاءه الله على رسوله فهو في صدقتها يعني صدقة فاطمة عليها السلام. وفي القاموس في باب وثب الميثب بكسر الميم الأرض السهلة ومال بالمدينة إحدى صدقاته صلى الله عليه وآله وسلم هكذا في كتب اللغة وهو غلط صريح والصواب ميث كميل من الأرض الميثاء "اه".
أقوال العلماء فيه
أقوال أصحابنا
قال الشيخ في رجاله في أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم سلمان الفارسي وفي أصحاب علي عليه السلام سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنى أبا عبد الله أول الأركان الأربعة. وفي الخلاصة سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكنى أبا عبد الله أول الأركان الأربعة حاله عظيم جدا مشكور لم يغير وفي أصحاب الحسن عليه السلام أبو عبد الله سلمان ابن الإسلام مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي الفهرست سلمان روى خبر الجاثليق الرومي الذي بعثه ملك الروم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار عن الحميري عمن حدثه عن إبراهيم بن الحكم الأسدي عن أبيه عن شريك ابن عبد الله عن عبد الأعلى الثعلبي عن أبي وقاص وعن سلمان الفارسي وعن كمال الدين أو عن الشهيد الثاني في حاشية كمال الدين فليراجع رجال أبي علي فإن النسخة التي نقلنا عنها منه مغلوطة أن سلمان ما سجد قط لمطلع الشمس وإنما كان يسجد لله عز وجل وكانت القبلة التي أمر بالصلاة إليها شرقية وكان أبواه يظنان أنه إنما يسجد لمطلع الشمس كهيأتهم وكان سلمان وصي وصي عيسى في أداء ما حمل "اه". وفي المستدرك للحاكم بسنده سلمان الفارسي يكنى أبا عبد الله كان ولاؤه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي رجال ابن داود سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أصحاب الرسول وعلي عليه السلام أبو عبد الله أول الأركان الأربعة أجل من أن يوضح حاله. وقال الكشي في رجاله حكي عن الفضل ابن شاذان أنه قال ما نشأ في الإسلام رجل من كافة الناس كان أفقه من سلمان الفارسي. وقال ابن شهراشوب في معالم العلماء أن سلمان أول من صنف في الإسلام بعد جمع أمير المؤمنين عليه السلام كتاب الله عز وجل. وفي رجال بحر العلوم الطباطبائي: سلمان المحمدي ابن الإسلام أبو عبد الله أول الأركان الأربعة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحواريه الذي قال فيه سلمان منا أهل البيت أصله من أصبهان من قرية يقال لها جي هاجر في طلب العلم والدين وهو صبي وآمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يبعث وعرفه بالصفة والنعت لما هاجر إلى المدينة وشهد معه الخندق إلى ما بعده من المشاهد شغله الرق عما قبل ذلك ولما قبض صلى الله عليه وآله وسلم لزم أمير المؤمنين ولم يبايع حتى أكره على البيعة ووجئت عنقه تولى حكومة المدائن في زمان عمر بأمر علي وبها توفي "اه" وألف الفاضل المتتبع الشيخ ميرزا حسين النوري المعاصر كتابا سماه نفس الرحمن في أحوال سلمان عندنا منه نسخة لم تحضرنا حال التأليف.
أقوال غيرنا فيه
في الاستيعاب سلمان الفارسي أبو عبد الله كان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا يقال إنه مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويعرف بسلمان الخير كان أصله من فارس من رامهرمز من قرية يقال لها جي ويقال بل أصله من أصبهان لخبر قد ذكرته في التمهيد وهناك ذكرت حديث إسلامه بتمامه وكان إذا قيل له ابن من أنت قال أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم. وروى أبو إسحق السبيعي عن أبي قرة الكندي عن سلمان الفارسي قال كنت من أبناء أساورة فارس في حديث طويل ذكره وكان سلمان يطلب دين الله تعالى ويتبع من يرجو ذلك عنده فدان بالنصرانية وغيرها وقرأ الكتب وصبر في ذلك على مشقات نالته وذلك كله مذكور في خبر إسلامه. وفي أسد الغابة سلمان الفارسي أبو عبد الله ويعرف بسلمان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلائهم وسئل عن نسبه فقال أنا سلمان ابن الإسلام أصله من فارس من رامهرمز وقيل إنه من جي وهي مدينة أصفهان وفي الإصابة سلمان أبو عبد الله الفارسي ويقال له سلمان ابن الإسلام وسلمان الخير أصله من رام هرمز وقيل من أصبهان وكان قد سمع بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث فخرج في طلب ذلك فأسر وبيع بالمدينة فاشتغل بالرق حتى كان أول مشاهده الخندق وشهد بقية المشاهد وفتوح العراق وولي المدائن وكان عالما زاهدا وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده "اه". وفي شرح النهج الحديدي ج4 ص225 كان سلمان من شيعة علي عليه السلام وخاصمته وتزعم الإمامية أنه أحد الأربعة الذين حلقوا رؤوسهم وأتوه متقلدي سيوفهم في خبر يطول وليس هذا موضع ذكره وأصحابنا لا يخالفونهم في أن سلمان كان من الشيعة وإنما يخالفونهم في أمر أزيد من ذلك. وفي رجال الكشي قال كعب الأحبار سلمان حشي علما وحكمة.
مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
في الاستيعاب أول مشاهده الخندق وهو الذي أشار بحفره فقال أبو سفيان وأصحابه إذ رأوه هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها وقد قيل إنه شهد بدرا وأحدا إلا أنه كان عبدا يومئذ والأكثر أن أول مشاهده الخندق ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي أسد الغابة بسنده قال سلمان فاتني معه بدر وأحد بالرق وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخندق ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق.
عمن روى ومن روى عنه
في الاستيعاب روى عنه من الصحابة ابن عمر وابن عباس وأنس وأبو الطفيل وزاد في أسد الغابة عنه عقبه ابن عامر وأبو سعيد الخدري وكعب بن عجرة من الصحابة ومن التابعين ومن بعدهم أبو عثمان النهدي. وشرحبيل ابن السمط وغير وزاد في تهذيب التهذيب روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنه أم الدرداء الصغرى وزاذان أبو عمرو سعيد بن وهب الهمداني وطارق بن شهاب وعبد الله بن وديعة وعبد الرحمن بن يزيد النخعي وشهر بن حوشب وفي سماعه منه نظر وجماعة "اه".
أخباره وأحواله
في الاستيعاب له أخبار حسان وفضائل جمة ذكر معمر عن رجل من أصحابه دخل قوم على سلمان وهو أمير على المدائن وهو يعمل الخوص فقيل له: تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه وذكر هشام بن حسان عن الحسن كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها وعن مالك كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه ولا يقبل من أحد شيئا ولم يكن له بيت وإنما كان يستظل بالجدر والشجر وأن رجلا قال له: ألا نبني لك بيتا فيه تسكن فقال: ما لي فيه حاجة فما زال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك قال: فصفه لي قال: ابني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه وإذا أنت مددت فيه رجليك أصابهما الجدار قال ة نعم فبنا له بيتا كذلك. وفي أسد الغابة قال حذيفة لسلمان: ألا نبني لك بيتا قال: لم لتجعلني ملكا وتجعل لي دارا مثل بيتك الذي بالمدائن قال: لا ولكن نبني لك بيتا من قصب ونسقفه بالبردي إذا قصت كاد أن يصيب رأسك إذا نمت كاد أن يصيب طرفيك قال: فكأنك كنت في نفسي وكان عطاؤه خمسة آلاف فإذا خرج عطاؤه فرقه وأكل من كسب يده وكان يسف الخوص وهو الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفر الخندق لما جاءت الأحزاب فلما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفره احتج المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلا قويا فقال المهاجرون: سلمان منا وقال الأنصار: سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمان منا أهل البيت" "اه" وفي ذلك يقول أبو فراس الحمداني:
كانت مودة سلمان لهم رحما | ولم يكن بين نوح وابنه رحم |
ولما رأى المشركون الخندق قالوا: هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها فقيل لهم: هذا من الفارسي الذي معه. وروى الكشي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام تزوج سلمان امرأة من كندة فدخل عليها فإذا لها خادمة وعلى بابها عباءة فقال سلمان: إن في بيتكم هذا لمريضا أو قد تحولت الكعبة فيه فقيل: إن المرأة أرادت أن تستر على نفسها فيه قال: فما هذه الجارية قالوا: كان لها شيء فأرادت أن تخدم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أيما رجل كانت عنده جارية فلم يأتها أو لم يزوجها من يأتيها ثم فجرت كان عليه وزر مثلها ومن أقرض قرضا فكأنما تصدق بشطره فإن أقرضه الثانية كان رأس المال وأداء الحق إلى أن يأتيه به في بيته أو في رحله فيقول ها خذه".
خبره يوم السقيفة
روى الكشي بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد الإجبار على البيعة إلى علي عليه السلام فقالوا له: أنت والله أمير المؤمنين وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هلم يدك نبايعك فوالله لنموتن قدامك فقال علي عليه السلام: إن كنتم صادقين فاغدوا غدا علي محلقين فحلق أمير المؤمنين عليه السلام وحلق سلمان وحلق مقداد وحلق أبو ذر ولم يحلق غيرهم ثم انصرفوا فجاؤوا مرة أخرى بعد ذلك فقالوا له كما قالوا أولا وحلفوا فقال لهم كما قال أولا فما حلق إلا هؤلاء الثلاثة قلت: فما كان فيهم عمار قال: لا قلت: فصار من أهل الرجوع فقال: إن عمارا قاتل مع علي عليه السلام بعد وكان سلمان أحد الاثني عشر الذين احتجوا على الخليفة الأولى. وقد ذكر أهل الأخبار أنه لما كان يوم السقيفة قال سلمان بالفارسية كرديد ونكريد وندانيد جكرديد قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 4 ص 225 ما يذكره المحدثون من قوله للمسلمين يوم السقيفة كرديد ونكرديد محمول عند أصحابنا على أن المراد صنعتم شيئا وما صنعتم أي استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم إلا أنكم عدلتم عن أهل البيت فلو كان الخليفة منهم كان أولى والإمامية تقول معناه أسلمتم وما أسلمتم واللفظة المذكورة في الفارسية لا تعطي هذا المعنى وإنما تدل على الفعل والعمل لا غير. ويدل على صحة قول أصحابنا عمل سلمان لعمر على المدائن فلو كان ما تنسبه الإمامية إليه حقا لم يعمل "اه" أقول كرديد معناه في الفارسية فعلتم ونكرديد معناه وما فعلتم ولكن ما هو الذي فعلوه وما فعلوه مقتضى كون سلمان من الشيعة المخلصين وكون هذا الخطاب لمن يراهم أخروا عليا عن مقامه ودفعوه عن حقه أن يكون المراد أسلمتم وما أسلمتم أسلمتم بإظهار الشهادتين والعمل بما هو من شرط الإسلام. وما أسلمتم بترك ما أمرتم به في حق علي عليه السلام يوم الغدير وغيره وزاد ذلك وضوحا قوله: وندانيد جكرديد أي وما علمتم ما فعلتم الذي هو ظاهر في التوبيخ لهم عرفا على ما فعلوا كمن يفعل ما لا يستحسن فنقول له: ما علمت ماذا صنعت وابن أبي الحديد لم ينقل هذه الجملة الأخيرة أصلا وما نقله عن أصحابه من أن المراد استخلفتم خليفة ونعم ما فعلتم لا دلالة للفظ عليه بوجه من الوجوه وما هو الدال على قوله ونعم ما فعلتم وكذلك الباقي لا دلالة للفظ عليه لا تصريحا ولا تلويحا وأما ما استدل به على صحة قول أصحابه من عمل سلمان لعمر على المدائن فلا دلالة فيه بوجه فمن هو الذي يمنع من عمله له إذا قام بالعدل والحق وأي دليل يدل على ذلك صحت إمامته أم لا. وروى الكشي بسند فيه جهالة عن أبي حمزة سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لما مروا بأمير المؤمنين عليه السلام ضرب أبو ذر بيده على الأخرى ثم قال: ليت السيوف قد عادت بأيدينا ثانية وقال مقداد لو شاء لدعا عليه ربه عز وجل وقال سلمان: مولانا أعلم بما هو فيه.
المؤاخاة بينه وبين أبي الدرداء وأخباره معه
في الاستيعاب كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد آخى بينه وبين أبي الدرداء فكان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك فقالت: إن أخاك ليس له حاجة في شيء من الدنيا فلما جاء أبو الدرداء رحب بسلمان وقرب له طعاما فقال: يا سلمان أطعم قال: إني صائم قال: أقسمت عليك إلا ما طعمت إني لست بآكل حتى تطعم وبات سلمان عند أبي الدرداء فلما كان الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان وقال: إن لربك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا وإن لجسدك عليك حقا فأعط لكل ذي حق حقه فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن فقاما فصليا أي النافلة ثم خرجا إلى الصلاة فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه أبو الدرداء وأخبره بما قال سلمان فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما قال سلمان "اه" وفي أسد الغابة كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء وسكن أبو الدرداء الشام وسكن سلمان العراق فكتب إليه أبو الدرداء إلى سلمان سلام عليك أما بعد فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا ونزلت الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان سلام عليك أما بعد فإنك كتبت إلي أن الله رزقك مالا وولدا فاعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يكثر حلمك وأن ينفعك علمك وكتبت إلي أنك نزلت الأرض المقدسة وإن الأرض لا تعمل لأحد اعمل كأنك ترى واعدد نفسك من الموتى. وروى الكشي بسنده عن خزيمة بن ربيعة يرفعه خطب سلمان إلى عمر فرده ثم ندم فعاد إليه فقال: إنما أردت أن أعلم ذهبت حمية الجاهلية عن قلبك أم هي كما هي (وبسنده) عن أبي عبد الله عليه السلام مر سلمان على الحدادين بالكوفة وإذا شاب قد صرع والناس قد اجتمعوا حوله فقالوا: يا أبا عبد الله هذا الشاب قد صرع فلو جئت فقرأت في أذنه فجاء سلمان فلما دنا منه رفع الشاب رأسه فنظر إليه فقال: يا أبا عبد الله ليس في شيء مما يقول هؤلاء لكني مررت بهؤلاء الحدادين وهم يضربون بالمرازب فذكرت قول الله تعالى: {ولهم مقامع من حديد} فدخلت من الشاب في سلمان محبة فاتخذه أخا فلم يزل معه حتى مرض الشاب فجاء سلمان فجلس عند رأسه وهو في الموت فقال: يا ملك الموت ارفق بأخي فقال: يا أبا عبد الله إني بكل مؤمن رفيق (وبسنده) دخل سلمان على رجل من إخوانه فوجده في السياف فقال: يا ملك الموت ارفق بصاحبنا فقال الآخر: يا أبا عبد الله يقول: لا وعزة هذا البناء ليس لنا شيء. وقال الكشي: أبو عبد الله جعفر بن محمد شيخ من جرجان عامي حدثنا محمد بن حميد الرازي حدثنا علي بن مجاهد عن عمرو ابن أبي قيس عن عبد الأعلى عن أبيه عن المسيب ابن نجبة الفزاري قال: لما أتانا سلمان الفارسي قادما تلقيناه فيمن تلقاه فسار حتى انتهى إلى كربا، فقال: ما تسمون هذه قالوا: كربلا فقال: هذه مصارع إخواني هذا موضع رحالهم وهذا مناخ ركابهم وهذا مهراق دمائهم يقتل بها ابن خير الأولين ويقتل بها خير الآخرين ثم سار حتى انتهى إلى حروراء فقال: ما تسمون هذه الأرض قالوا: حروراء فقال: حروراء خرج بها شر الأولين ويخرج بها شر الآخرين ثم سار حتى انتهى إلى بانقيا وبها جسر الكوفة الأول فقال: ما تسمون هذه قالوا: بانقيا ثم سار حتى انتهى إلى الكوفة قال: هذه الكوفة قالوا: نعم قال: قبة الإسلام. واعلم أنه قد ورد في بعض الأحاديث التي رواها الكشي بأسانيده عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ذكرت التقية يوما عند علي عليه السلام فقال: لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله وقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما فما ظنك بسائر الخلق. عن جابر عن أبي جعفر: دخل أبو ذر على سلمان وهو يطبخ قدرا له فانكبت القدر على وجهها على الأرض مرتين فلم يسقط من مرقها ولا من ودكها شيء فعجب من ذلك أبو ذر عجبا شديدا وخرج وهو مذعور فبينما هو متنكر إذ لقي أمير المؤمنين عليه السلام على الباب فسأله ما الذي أخرجك وما الذي أذعرك فأخبره فقال: يا أبا ذر إن سلمان لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم الله فاتل سلمان يا أبا ذر إن سلمان باب الله في الأرض من عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا وإن سلمان منا أهل البيت. عن أبي بصير سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا سلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر يا مقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر" وهذه الأخبار محمولة على تفاوت العلم والمعرفة ودرجات الإيمان بحيث لو اطلع أحدهما على معتقد الآخر لعده تقصيرا وتفريطا موجبا للكفر والقتل والترحم على القاتل أو لعده غلوا وإفراطا موجبا لذلك أو لكفر لأنه يرى من فوقه في المرتبة يعتقد ذلك أو يرى من هو من أهل الصلاح يعتقده وكل ذلك من باب المبالغة لا الحقيقة وفي المنهج والمحكي عن الفوائد النجفية إلى هذا أشار زين العابدين عليه السلام بقوله:
إني لأكتم من علمي جواهره | كي لا يراه أخو جهل فيفتتنا |
وقد تقدم في هذا أبو حسن | إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا |
يا رب جوهر علم لو أبوح به | لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا |
ولاستحل رجال مسلمون دمي | يرون أقبح ما يأتونه حسنا |
ويحكى عن الشريف المرتضى في الغرر والدرر أنه أجاب عن الحديث المتضمن لأن أبا ذر لو اطلع على قلب سلمان لقتله بأن هذا الخبر إذا كان من أخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا تثلج صدرا وكان له ظاهر ينافي المعلوم المقطوع به أو لنا ظاهره على ما يطابق الحق ويوافقه إن كان ذلك مستسهلا وإلا فالواجب إطراحه وإبطاله وإذا كان من المعلوم الذي لا يختل سلامة سريرة كل واحد من سلمان وأبي ذر ونقاء صدر كل واحد منهما لصاحبه وأنهما ما كانا من المدغلين في الدين ولا المنافقين فلا يجوز مع هذا المعلوم أن يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يشهد بأن كل واحد منهما لو اطلع على ما في قلب صاحبه لقتله على سبيل الاستحلال لدمه ومن الأجود ما قيل في تأويله أن الهاء في قوله لقتله راجع إلى المطلع لا إلى المطلع عليه كأنه أراد أنه إذا اطلع على ما في قلبه وعلم موافقة باطنه لظاهره وشدة إخلاصه له اشتد ظنه به ومحبته له وتمسكه بمودته ونصرته فقتله ذاك الظن والود بمعنى أنه كاد يقتله كما يقولون فلان يهوي غيره وتشتد محبته له حتى أنه قد قتله حبه أو أتلف نفسه أو ما جرى مجرى هذه من الألفاظ ويكون فائدة هذا الخبر حسن الثناء على الرجلين وأن باطنهما كظاهرهما في النقاء والصفاء كعلانيتهما "اه" ولا يخفى ما في هذا الذي وصف بأنه أجود من التكلف والتعسف وأن الأولى حمل هذه الأحاديث على ما ذكرناه وفي منهج المقال ما ذكره من التأويل يأباه قول علي عليه السلام لأبي ذر لو حدثك بما يعلم لقلت: رحم الله قاتل سلمان وكذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسلمان لو عرض علمك على مقداد لكفر ولمقداد لو عرض علمك على سلمان لكفر وكذا استشهاد علي بمؤاخاة النبي بينهما وقوله صلى الله عليه وآله وسلم ظنك بسائر الخلق.
كتاب علي أمير المؤمنين عليه السلام إلى سلمان قبل خلافته
في نهج البلاغة ومن كتاب له عليه السلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته: أما بعد فإنما مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها وضع عنك همومها لما يقنت به من فراقها وتصرف حالاتها وكن آنس ما تكون بها احذر ما تكون منها فإن صاحبها كلما اطمأن فيها إلى سرور أشخصته عنه إلى محذور أو إلى إيناس أزالته عنه إلى إيحاش والسلام.
الروايات الواردة فيه
في الاستيعاب روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من وجوه أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان وفي رواية أخرف لناله رجال من فارس وروينا عن عائشة قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفرد به الليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وروي من حديث ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أمرني ربي بحب أربعة وأخبرني أنه سبحانه يحبهم علي وأبو ذر والمقداد وسلمان وفي أسد الغابة بأسانيده إلى أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان" ورواه الحاكم في المستدرك بسنده مثله وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وفي الاستيعاب بسنده مرفوعا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يحب من أصحابي أربعة" فذكره فيهم. وفي الإصابة بسنده عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله يحب من أصحابي أربعة" فذكره فيهم ومر في رواية الكشي ما يدل عليه روى قتادة عن خيثمة عن أبي هريرة كان سلمان صاحب الكتابين قال قتادة يعني الإنجيل والفرقان وبسنده عن أبي البختري عن علي عليه السلام أنه سئل عن سلمان فقال: علم العلم الأولى والآخر بحر لا ينزف وهو منا أهل البيت هذه رواية أبي البختري عن علي وفي رواية زاذان أبي عمرو عن علي سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم ثم ذكر مثل خبر أبي البختري وروى مسلم بسنده أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله (يعنون أبا سفيان) مأخذها فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم وأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فقال: لعلك أغضبتهم إن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك جل وعلا فأتاهم فقال: أغضبتكم قالوا: لا يغفر الله لك. دل على رضا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما قالوه لأبي سفيان وعلى خطأ من اعترض عليهم في ذلك وأنه فعل ما يوجب طلب المغفرة له وفي البخاري قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الدرداء: سلمان أفقه منك وفي المستدرك للحاكم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمان منا أهل البيت" وبسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خط الخندق عام حرب الأحزاب حتى بلغ المذاحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون: سلمان منا وقالت الأنصار: سلمان منا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سلمان منا أهل البيت لما (المذاحج) جمع مذحج كمجلس وكأن المراد بها الآكام وروى الكشي بسنده عن سدير عن أبي جعفر عليه السلام كان الناس أهل رجوع بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ثم عرف الناس بعد يسير وقال هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرها فبايع وذلك قول الله عز وجل: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} الآية وبسنده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عن جده عن علي ابن أبي طالب عليه السلام ضاقت الأرض بسبعة بهم يرزقون وبهم ينصرون وبهم يمطرون منهم سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة رحمة الله عليهم وكان علي عليه السلام يقول: وأنا إمامهم وهم الذين صلوا على فاطمة عليه السلام وبسنده عن الحارث بن المغيرة النصري سمعت عبد الملك بن أعين يسأل أبا عبد الله عليه السلام فلم يزل يسأله حتى قال له: فهلك الناس إذا فقال: إي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون قلت: من في المشرق ومن في المغرب فقال: إنها فتحت على الضلال إي والله هلكوا إلا ثلاثة ثم لحق أبو سلمان وعمار وشتيرة وأبو عمرة فصاروا سبعة وبسنده عن أبي بصير قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجع الناس إلا وبسنده عن حمران قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها فقال: ألا أخبرك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا وأشار بيده ثلاثة وبسنده عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام في حديث إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر الحديث وبسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله أمرني بحب أربعة علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي" ويأتي في روايات غيرنا ما يدل عليه وبسنده عن أبي بكر الحضرمي قال أبو جعفر عليه السلام: رجع الناس إلا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد قلت: فعمار قال: كان جاض جيضة ثم رجع ثم قال: إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شيء فالمقداد فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض أن عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلعة فمر به أمير المؤمنين عليه السلام بالسكون ولم تكن تأخذه في الله لومة لائم فأبى إلا أن يتكلم فمر به رجل فأمر به ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو ساسان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام إلا هؤلاء السبعة وبسنده عن أبي عبد الله عليه السلام أدرك سلمان العلم الأول والعلم الآخر وهو بحر لا ينزح وهو منا أهل البيت بلغ من علمه أنه مر برجل في رهطه فقال له: يا عبد الله تب إلى الله عز وجل من الذي عملت به في بطن بيتك البارحة ثم مضى فقال له القوم: لقد رماك سلمان بأمر ما اطلع عليه إلا الله وأنا (وبسنده) عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال لي: تروي ما تروي الناس أن عليا عليه السلام قال في سلمان: أدرك علم الأول وعلم الآخر قلت: نعم قال: فهل تدري ما عنى قلت: يعني علم بني إسرائيل وعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس هكذا يعني ولكن علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلم علي عليه السلام وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر علي عليه السلام وبسنده عن سدير عن أبي جعفر عليه السلام جلس عدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتسبون وفيهم سلمان الفارسي وأن عمر سأله عن نسبه وأصله فقال: أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد وكنت عائلا فأغناني الله بمحمد وكنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد فهذا حسبي ونسبي ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثه سلمان وشكا إليه ما لقي من القوم وما قال لهم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يا معشر قريش إن حسب الرجل دينه ومروءته خلقه وأصله عقله قال الله تعالى: {إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} يا سلمان ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله وإن كان التقوى لك عليهم فأنت أفضل منهم" (وبسنده) عن سلمان قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا حضرتك أو أخذك الموت حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام" ثم أخرج صرة من مسك فقال: هبة أعطانيها رسول إلثه صلى الله عليه وآله وسلم ثم بلها ونضحها حوله قال لامرأته: قومي أجيفي الباب فقامت فأجافت الباب فرجعت وقد قبض رضي الله عنه.
كان سلمان محدثا ومن المتوسمين
وعلم الاسم الأعظم
روى الكشي بسنده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام كان علي عليه السلام محدثا وكان سلمان محدثا وبسنده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام كان والله علي محدثا وكان سلمان محدثا قلت: اشرح لي قال: يبعث الله إليه ملكا ينقر في أذنه يقول: كيت وكيت (وبسنده) عن الحسن بن منصور قلت للصادق عليه السلام: أكان سلمان محدثا قال: نعم قلت: من يحدثه قال: ملك كريم قلت: فإذا كان سلمان كذا فصاحبه أي شيء هو قال: أقبل على شأنك ثلاثة أبو ذر وسلمان والمقداد فقال: فأين أبو ساسان وأبو عمرة الأنصاري. (وبسنده) عن الصادق عليه السلام أنه قال في الحديث الذي روي فيه أن سلمان كان محدثا قال: إنه كان محدثا عن إمامه لا عن ربه لأنه لا يحدث عن الله عز وجل إلا الحجة أقول ظاهر الأحاديث السابقة خلافه فإن صح الحديثان فلا بد من الحمل على بعض المحامل (وبسنده) عن عبد الرحمن ابن أعين سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان سلمان من المتوسمين (وبسنده) عن أبي بصير سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: سلمان علم الاسم الأعظم.
لا تقولوا الفارسي ولكن المحمدي
روى الكشي بسنده عن الحسن بن صهيب عن أبي جعفر عليه السلام ذكر عنده سلمان الفارسي فقال أبو جعفر عليه السلام: صه لا تقولوا سلمان الفارسي ولمكن قولوا سلمان المحمدي ذلك منا أهل البيت. وقال الكشي نصر بن الصباح وهو غال: حدثني إسحاق بن محمد البصري وهو منهم حدثنا أحمد بن هلال بن علي بن أسباط عن العلاء عن محمد ابن حكيم ذكر عند أبي جعفر عليه السلام سلمان فقال: ذلك سلمان المحمدي إن سلمان منا أهل البيت إنه كان يقول للناس: هربتم من القرآن إلى الأحاديث وجدتم كتابا دقيقا حوسبتم فيه على النقير والقطمير والفتيل وحبة خردل فضاق عليكم ذلك وهربتم إلى الأحاديث التي اتسعت عليكم.
ما رواه من الحديث
في المستدرك للحاكم بسنده عن سلمان دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي ثم قال لي: يا سلمان ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم فيلقي له وسادة إكراما له إلا غفر الله له. وروى الحاكم بسنده عن سلمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر" وسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "أطول الناس شبعا في الدنيا أكثرهم جوعا يوم القيامة" (وبسنده) عن سلمان قلت: يا رسول الله قرأت في التوراة بركة الطعام الوضوء قبله وبعده. وفي مناقب ابن شهراشوب روي عن سلمان أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خير هذه الأمة علي ابن أبي طالب".
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 279
سلمان الفارسي (ب د ع) سلمان الفارسي، أبو عبد الله، ويعرف بسلمان الخير، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل عن نسبه فقال: أنا سلمان بن الإسلام. أصله من فارس، من رامهرمز، وقيل إنه من جي، وهي مدينة أصفهان، وكان اسمه قبل الإسلام ما به بن بوذخشان بن مورسلان بن بهبوذان ابن فيروز بن سهرك، من ولد آب الملك.
وكان ببلاد فارس مجوسيا سادن النار، وكان سبب إسلامه ما أخبرنا أبو المكارم منصور بن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب، أخبرنا أبو القاسم نصر بن محمد بن صفوان المعدل، أخبرنا أبو البركات سعد بن محمد بن إدريس، والخطيب أبو الفضائل الحسن بن هبة الله، قالا: أخبرنا أبو الفرج محمد بن إدريس بن محمد بن إدريس، أخبرنا أبو منصور المظفر بن محمد الطوسي، أخبرنا أبو زكريا يزيد بن محمد بن إياس بن القاسم الأزدي الموصلي، أخبرنا علي ابن جابر، أخبرنا يوسف بن بهلول، أخبرنا عبد الله بن إدريس، حدثنا محمد بن إسحاق (ح) قال أبو زكريا: وأخبرنا عمران بن موسى، أخبرنا جعفر بن محمد الثقفي، أخبرنا زياد بن عبد الله البكائي، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس (ح) قال أبو زكريا: وحدثنا عبد الله بن غنام بن حفص بن غياث، وأخبرنا نمير، أخبرنا يونس، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، قال: حدثني سلمان قال: كنت رجلا من أهل فارس من أصبهان، من جي، ابن رجل من دهاقينها- وفي حديث ابن إدريس: وكان أبي دهقان أرضه، وكنت أحب الخلق إليه- وفي حديث البكائي: أحب عباد الله إليه، فأجلسني في البيت كالجواري، فاجتهدت في الفارسية- وفي حديث على بن جابر: في المجوسية- فكنت في النار التي توقد فلا تخبو، وكان أبي صاحب ضيعة، وكان له بناء يعالجه- زاد ابن إدريس في حديثه: في داره- فقال لي يوما: يا بني، قد شغلني ما ترى فانطلق إلى الضيعة، ولا تحتبس فتشغلني عن كل ضيعة بهمي بك، فخرجت لذلك فمررت بكنيسة النصارى وهم يصلون، فملت إليهم وأعجبني أمرهم، وقلت- هذا والله خير من ديننا. فأقمت عندهم حتى غابت الشمس، لا أنا أتيت الضيعة، ولا رجعت إليه، فاستبطأني وبعث رسلا في طلبي، وقد قلت للنصارى حين أعجبني أمرهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام.
فرجعت إلى والدي، فقال: يا بني، قد بعثت إليك رسلا، فقلت: مررت بقوم يصلون في كنيسة، فأعجبني ما رأيت من أمرهم، وعلمت أن دينهم خير من ديننا. فقال: يا بني، دينك ودين آبائك خير من دينهم، فقلت: كلا والله. فخافني وقيدنى. فبعث إلى النصارى وأعلمتهم ما وافقني من أمرهم، وسألتهم إعلامي من يريد الشام، ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي، وخرجت معهم، حتى أتيت الشام، فسألتهم عن عالمهم، فقالوا: الأسقف، فأتيته، فأخبرته، وقلت: أكون معك أخدمك وأصلي معك؟ قال: أقم.
فمكثت مع رجل سوء في دينه، كان يأمرهم بالصدقة، فإذا أعطوه شيئا أمسكه لنفسه، حتى جمع سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فتوفي، فأخبرتهم بخبره، فزبروني، فدللتهم على ماله فصلبوه، ولم يغيبوه ورجموه، وأحلوا مكانه رجلا فاضلا في دينه زهدا ورغبة في الآخرة وصلاحا، فألقى الله حبه في قلبي، حتى حضرته الوفاة، فقلت: أوصى، فذكر رجلا بالموصل، وكنا على أمر واحد حتى هلك.
فأتيت الموصل، فلقيت الرجل، فأخبرته بخبري، وأن فلانا أمرني بإتيانك، فقال: أقم. فوجدته على سبيله وأمره حتى حضرته الوفاة، فقلت له: أوصى، فقال: ما أعرف أحدا على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية.
فأتيته بعمورية، فأخبرته بخبري، فأمرني بالمقام وثاب لي شيء، واتخذت غنيمة وبقيرات، فحضرته الوفاة فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: لا أعلم أحدا اليوم على مثل ما كنا عليه، ولكن قد أظلك نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، مهاجره بأرض ذات نخل، وبه آيات وعلامات لا تخفى، بين منكبيه خاتم النبوة، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، فإن استطعت فتخلص إليه. فتوفي.
فمر بي ركب من العرب، من كلب، فقلت: أصحبكم وأعطيكم بقراتي وغنمي هذه، وتحملوني إلى بلادكم؟ فحملوني إلى وادي القرى، فباعوني من رجل من اليهود، فرأيت النخل، فعلمت أنه البلد الذي وصف لي، فأقمت عند الذي اشتراني، وقدم عليه رجل من بنى قريظة فاشتراني منه، وقدم بي المدينة، فعرفتها بصفتها، فأقمت معه أعمل في نخله، وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وغفلت عن ذلك حتى قدم المدينة، فنزل في بني عمرو بن عوف، فأني لفي رأس نخلة إذ أقبل ابن عم لصاحبي، فقال: أي فلان، قاتل الله بني قيلة، مررت بهم آنفا وهم مجتمعون على رجل قدم عليهم من مكة، يزعم أنه نبي، فو الذي ما هو إلا أن سمعتها، فأخذني القر ورجفت بي النخلة، حتى كدت أن أسقط، ونزلت سريعا، فقلت: ما هذا الخير؟ فلكمني صاحبي لكمة، وقال: وما أنت وذاك؟ أقبل على شأنك. فأقبلت على عملي حتى أمسيت، فجمعت شيئا فأتيته به، وهو بقباء عند أصحابه، فقلت: اجتمع عندي، أردت أن أتصدق به، فبلغني أنك رجل صالح، ومعك رجال من أصحابك ذوو حاجة، فرأيتكم أحق به، فوضعته بين يديه، فكف يديه، وقال لأصحابه: كلوا. فأكلوا، فقلت: هذه واحدة، ورجعت.
وتحول إلى المدينة، فجمعت شيئا فأتيته به، فقلت: هاتان اثنتان، ورجعت.
فأتيته وقد تبع جنازة في بقيع الغرقد، وحوله أصحابه، فسلمت، وتحولت أنظر إلى الخاتم في ظهره، فعلم ما أردت، فألقى رداءه، فرأيت الخاتم، فقبلته، وبكيت، فأجلسني بين يديه، فحدثته بشأني كله كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجبه ذلك، وأحب أن يسمعه أصحابه، ففاتني معه بدر وأحد بالرق، فقال لي: كاتب يا سلمان عن نفسك، فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته، على أن أغرس له ثلاثمائة ودية وعلى أربعين أوقية من ذهب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعينوا أخاكم بالنخل، فأعانوني بالخمس والعشر، حتى اجتمع لي، فقال لي: فقر لها ولا تضع منها شيئا حتى أضعه بيدي، ففعلت، فأعانني أصحابي حتى فرغت، فأتيته، فكنت آتيه بالنخلة فيضعها، ويسوي عليها ترابا، فانصرف، والذي بعثه بالحق فما ماتت منها واحدة، وبقي الذهب، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة، من ذهب أصابه من بعض المعادن، فقال: ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب، فقال: أد هذه، فقلت: يا رسول الله، وأين تقع هذه مما علي؟ وروى أبو الطفيل، عن سلمان، قال: أعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيضة من ذهب، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه.
وقيل: إنه لقي بعض الحواريين، وفيل: إنه أسلم بمكة، وليس بشيء.
وأول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ولم يتخلف عن مشهد بعد الخندق، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه، وبين أبي الدرداء.
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر، قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد القاري، أخبرنا الحسن بن أحمد بن شاذان، أخبرنا أحمد بن عثمان بن أحمد بن السماك، أخبرنا يحيى ابن جعفر، أخبرنا حماد بن مسعدة، أخبرنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الله بن وديعة، عن سلمان الفارسي أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من اغتسل يوم الجمعة فتطهر بما استطاع من الطهر، ثم ادهن من دهنه أو من طيب بيته، ولم يفرق بين اثنين، فإذا خرج الإمام أنصت، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى.
رواه آدم بن أبي إياس، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد، عن أبيه عن ابن وديعة، عن سلمان. ورواه ابن عجلان، عن سعيد، عن أبيه، عن ابن وديعة، عن أبي ذر. وأخبرنا إبراهيم بن محمد بن مهران، وإسماعيل بن علي بن عبيد الله، وأبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي بإسنادهم إلى محمد بن عيسى السلمي، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، أخبرنا أبي، عن الحسن بن صالح، عن أبي ربيعة الإيادي، عن الحسن، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الجنة تشتاق إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان. وكان سلمان من خيار الصحابة وزهادهم وفضلائهم، وذوي القرب من رسول الله قالت عائشة: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، حتى كاد يغلبنا على رسول الله.
وسئل على عن سلمان، فقال: علم العلم الأول والعلم الآخر، وهو بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت.
وكان رسول الله قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وسكن أبو الدرداء الشام، وسكن سلمان العراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك، أما بعد، فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا، ونزلت الأرض المقدسة. فكتب إليه سلمان: سلام عليكم، أما بعد، فإنك كتبت إلي أن الله رزقك مالا وولدا، فاعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يكثر حلمك، وأن ينفعك علمك، وكتبت إلى أنك نزلت الأرض المقدسة، وإن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى، واعدد نفسك من الموتى.
وقال حذيفة لسلمان: ألا نبني لك بيتا؟ قال: لم؟ لتجعلني مالكا، وتجعل لي دارا مثل بيتك الذي بالمدائن، قال: لا، ولكن بنى لك بيتا من قصب ونسقفه بالبردى، إذا قمت كاد أن يصيب رأسك، وإذا نمت كاد أن يصيب طرفيك، قال: فكأنك كنت في نفسي.
وكان عطاؤه خمسة آلاف، فإذا خرج عطاؤه فرقه، وأكل من كسب يده وكان يسف الخوص.
وهو الذي أشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق لما جاءت الأحزاب، فلما أمر رسول الله بحفره احتج المهاجرون والأنصار في سلمان، وكان رجلا قويا، فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلمان منا أهل البيت. وروى عنه ابن عباس، وأنس، وعقبة بن عامر، وأبو سعيد، وكعب بن عجرة، وأبو عثمان النهدي، وشرحبيل بن السمط، وغيرهم.
أخبرنا أبو منصور بن السيحي، أخبرنا أبو البركات محمد بن محمد بن خميس، أخبرنا أبو نصر بن طوق، أخبرنا أبو القاسم بن المرجى، أخبرنا أبو يعلى الموصلي، أخبرنا محمد بن الصباح، حدثنا جرير، عن منصور عن إبراهيم، عن علقمة، عن قرثع الضبي، عن سلمان الفارسي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تدري ما يوم الجمعة؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: هو الذي جمع الله عز وجل فيه أباكم، أو أباك، آدم عليه السلام، ما من عبد يتطهر يوم الجمعة ثم يأتي الجمعة لا يتكلم، حتى يقضي الإمام صلاته إلا كان كفارة لما قبلها. وتوفي سنة خمس وثلاثين، في آخر خلافة عثمان، وقيل: أول سنة ست وثلاثين، وقيل: توفي في خلافة عمر، والأول أكثر.
قال العباس بن يزيد: قال أهل العلم: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيه.
قال أبو نعيم: كان سلمان من المعمرين، يقال: إنه أدرك عيسى بن مريم!! وقرأ الكتابين، وكان له ثلاث بنات: بنت بإصبهان، وزعم جماعة أنهم من ولدها، وابنتان بمضر.
أخرجه الثلاثة.
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 499
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 2- ص: 510
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 2- ص: 265
سلمان أبو عبد الله الفارسي ويقال له سلمان ابن الإسلام وسلمان الخير.
وقال ابن حبان: من زعم أن سلمان الخير آخر فقد وهم.
أصله من رامهرمز، وقيل من أصبهان. وكان قد سمع بأن النبي صلى الله عليه وسلم سيبعث، فخرج في طلب ذلك، فأسر وبيع بالمدينة، فاشتغل بالرق، حتى كان أول مشاهده الخندق، وشهد بقية المشاهد، وفتوح العراق، وولي المدائن.
وقال ابن عبد البر: يقال إنه شهد بدرا، وكان عالما زاهدا.
روى عنه أنس، وكعب بن عجرة، وابن عباس، وأبو سعيد، وغيرهم من الصحابة.
ومن التابعين: أبو عثمان النهدي، وطارق بن شهاب، وسعيد بن وهب، وآخرون بعدهم.
قيل: كان اسمه مابه- بكسر الموحدة ابن بود، قاله ابن مندة بسنده، وساق له نسبا.
وقيل اسمه بهبود، ويقال إنه أدرك عيسى ابن مريم. وقيل: بل أدرك وصي عيسى.
ورويت قصته من طرق كثيرة، من أصحها ما أخرجه أحمد من حديثه نفسه، وأخرجها الحاكم من وجه آخر عنه أيضا، وأخرجه الحاكم من حديث بريدة، وعلق البخاري طرفا منها، وفي سياق قصته في إسلامه اختلاف يتعسر الجمع فيه.
وروى البخاري في صحيحه، عن سلمان، أنه تداوله بضعة عشر سيدا.
قال الذهبي: وجدت الأقوال في سنه كلها دالة على أنه جاوز المائتين وخمسين، والاختلاف إنما هو في الزائد، قال: ثم رجعت عن ذلك وظهر لي أنه ما زاد على الثمانين.
قلت: لم يذكر مستنده في ذلك، وأظنه أخذه من شهود سلمان الفتوح بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتزوجه امرأة من كندة وغير ذلك، مما يدل على بقاء بعض النشاط، لكن إن ثبت ما ذكروه يكون ذلك من خوارق العادات في حقه، وما المانع من ذلك، فقد روى أبو الشيخ في «طبقات الأصبهانيين» من طريق العباس بن يزيد، قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلاثمائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها
قال أبو ربيعة الإيادي، عن أبي بريدة، عن أبيه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يحب من أصحابي أربعة»
فذكره فيهم.
وقال سلمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أبي الدرداء وسلمان، ونحوه في البخاري من حديث أبي جحيفة في قصته. ووقع في هذه القصة: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء: «سلمان أفقه منك».
مات سنة ست وثلاثين في قول أبي عبيد، أو سبع في قول خليفة. وروى عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس: دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت. فهذا يدل على أنه مات قبل ابن مسعود، ومات ابن مسعود قبل سنة أربع وثلاثين، فكأنه مات سنة ثلاث أو سنة اثنتين.
وكان سلمان إذا خرج عطاؤه تصدق به وينسج الخوص ويأكل من كسب يده.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 3- ص: 118
سلمان الخير فرق بعضهم بينه وبين سلمان الفارسي، وهو هو، ونبه على ذلك ابن حبان.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 3- ص: 238
سلمان الفارسي سلمان، أبو عبد الله الفارسي الرامهرمزي الأصبهاني، سابق الفرس إلى الإسلام رضه. صحب النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه، وروى عنه ابن عباس وأنس وعقبة ابن عامر وأبو سعيد وكعب بن عجرة وعبد الله بن أبي زكرياء الدمشقي وغيرهم، وتوفي سنة ست وثلاثين للهجرة روى له الجماعة. وكان قد صحب ثلاثة أو أربعة ممن كانوا متمسكين بدين المسيح عليه السلام وأخبره الأخير عن مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وصفته ثم استرقته العرب فتداوله بضعة عشر سيدا حتى كانت مكاتبته فكان ولاؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يوم الأحزاب: سلمان منا أهل البيت وآخى بينه وبين أبي الدرداء، وقيل إنه الذي أشار بحفر الخندق وكان له فيه فضل عمل. وكان كثير الزهد في الدنيا، وعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم لمرض أصابه وجعل عمر عطاءه أربعة آلاف درهم. وقال القاسم أبو عبد الرحمن الدمشقي: زارنا سلمان وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة فلقيناه وهو يمشي فلم يبق شريف إلا عرض عليه أن ينزل به، فقال: جعلت في نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد، فلما قدم سأل عن أبي الدرداء فقالوا: مرابط ببيروت، فتوجه قبله. وكان أبوه دهقان أرضه وكان على المجوسية، ثم لحق بالنصارى ورغب عن المجوس، ثم صار إلى المدينة وكان عبد رجل من اليهود، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم أتاه سلمان فأسلم وكاتب مولاه اليهودي فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى عتق. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق أهل فارس. وعن أبي هريرة رضه: إن رسول الله تلا هذه الآية: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم}، قيل: من هم يا رسول الله؟ فضرب على فخذ سلمان، ثم قال: هذا وقومه! ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من فارس، وفي رواية: لو كان الإيمان منوطا بالثريا. ومر بجسر المدائن غازيا وهو أمير على الجيش واشترى رجل علفا لفرسه، فقال لسلمان: يا فارسي تعال فاحمل! فحمل وأتبعه فجعل الناس يسلمون على سلمان فقال: من هذا؟ قال: سلمان الفارسي: قال: والله! ما عرفتك، أقلني! فقال سلمان: لا! إني احتسبت بما صنعت خصالا ثلاثا إحداهن أني ألقيت عن نفسي الكبر والثانية أعين رجلا من المسلمين في حاجته والثالثة لو لم تسخرني لسخرت من هو أضعف مني فوقيته بنفسي. فقال الحسن: كان عطاؤه خمسة آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده، وقبره بالمدائن.
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
قصة سلمان الفارسي "ع":
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: هو سلمان ابن الإسلام أبو عبد الله الفارسي سابق الفرس إلى الإسلام صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وخدمه وحدث عنه.
وروى عنه ابن عباس وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو عثمان النهدي، وشرحبيل بن السمط، وأبو قرة سلمة بن معاوية الكندي، وعبد الرحمن بن يزيد النخعي، وأبو عمر زاذان وأبو ظبيان حصين بن جندب الجنبي، وقرثع الضبي الكوفيون.
له في "مسند بقي" ستون حديثا وأخرج له البخاري أربعة أحاديث ومسلم ثلاثة أحاديث.
وكان لبيبا حازما، من عقلاء الرجال، وعبادهم ونبلائهم.
قال يحيى بن حمزة القاضي: عن عروة بن رويم، عن القاسم أبي عبد الرحمن حدثه قال زارنا سلمان الفارسي فصلى الإمام الظهر ثم خرج وخرج الناس يتلقونه كما يتلقى الخليفة فلقيناه وقد صلى بأصحابه العصر وهو يمشي فوقفنا نسلم عليه فلم يبق فينا شريف إلا عرض عليه أن ينزل به فقال: جعلت على نفسي مرتي هذه أن أنزل على بشير بن سعد. فلما قدم سأل، عن أبي الدرداء فقالوا: هو مرابط فقال: أين مرابطكم؟ قالوا: بيروت فتوجه قبله قال: فقال سلمان: يا أهل بيروت! إلا أحدثكم حديثا يذهب الله به عنكم عرض الرباط سمعت رسول الله صلى الله عله وسلم يقول: "رباط يوم وليلة كصيام شهر وقيامه ومن مات مرابطا أجير من فتنة القبر وجرى له صالح عمله إلى يوم القيامة".
أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق، أنبأنا عبد القوي بن عبد العزيز الأغلبي، أنبأنا عبد الله بن رفاعة، أنبأنا أبو الحسن الخلعي، أنبأنا أبو محمد بن النحاس، أنبأنا أبو محمد بن الورد، أنبأنا أبو سعيد بن عبد الرحيم، أنبأنا عبد الملك بن هشام، حدثنا زياد بن عبد الله، عن ابن إسحاق "ح" وأنبأنا أبو محمد بن قدامة وأبو الغنائم بن علان إجازة أن حنبل بن عبد الله أخبرهم، أنبأنا أبو القاسم الشيباني، أنبأنا أبو علي الواعظ، أنبأنا أبو بكر المالكي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي "ح"، حدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا أبي ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيره، عن يونس بن بكير "ح" وسهل بن عثمان، حدثنا يحيى بن أبي زائدة "ح" وعن يحيى بن آدم، عن عبد الله بن إدريس "ح" وحجاج بن قتيبة، حدثنا زفر بن قرة جميعهم، عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية منها يقال لها: جي وكان أبي دهقانها وكنت أحب خلق الله إليه فلم يزل بي حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار الذي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما فقال لي: يا بني! إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم، عن ضيعتي فاذهب فاطلعها وأمرني ببعض ما يريد فخرجت ثم قال: لا تحتبس علي فإنك إن احتبست علي كنت أهم إلي من ضيعتي وشغلتني، عن كل شيء من أمري فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس بحبس أبي إياي في بيته فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت إليهم أنظر ما يصنعون فلما رأيتهم أعجبتني صلواتهم ورغبت في أمرهم وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام قال: ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته، عن عمله كله فلما جئته قال: أي بني! أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت قلت: يا أبة! مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس قال: أي بني! ليس في ذلك الدين خير دينك ودين آبائك خير منه قلت: كلا والله إنه لخير من ديننا قال: فخافني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته قال: وبعثت إلى النصارى فقلت: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم فقدم عليهم ركب من الشام قال: فأخبروني بهم فقلت إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة فأخبروني قال: ففعلوا. فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة فجئته فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك قال: فادخل فدخلت معه فكان رجل سوء يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئا اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع.
ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتم بها كنزها لنفسه ولم يعط المساكين وأريتهم موضع كنزه سبع قلال مملوءة فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا.
فصلبوه ثم رموه بالحجارة ثم جاؤوا برجل جعلوه مكانه فما رأيت رجلا -يعني لا يصلي الخمس- أرى أنه أفضل منه أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا ما أعلمني أحببت شيئا قط قبله حبه فلم أزل معه حتى حضرته الوفاة فقلت: يا فلان! قد حضرك ما ترى من أمر الله وإني والله ما أحببت شيئا قط حبك فماذا تأمرني وإلى من توصيني؟
قال لي: يا بني والله ما أعلمه إلا رجلا بالموصل فائته فإنك ستجده على مثل حالي.
فلما مات وغيب لحقت بالموصل فأتيت صاحبها فوجدته على مثل حاله من الاجتهاد والزهد فقلت له: إن فلانا أوصاني إليك أن آتيك وأكون معك.
قال: فأقم أي بني فأقمت عنده على مثل أمر صاحبه حتى حضرته الوفاة فقلت له: إن فلانا أوصى بي إليك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني به؟ قال والله ما أعلم -أي بني- إلا رجلا بنصيبين.
فلما دفناه، لحقت بالآخر، فأقمت عنده على مثل حالهم حتى حضره الموت فأوصى بي إلى رجل من أهل عمورية بالروم فأتيته فوجدته على مثل حالهم واكتسبت حتى كان لي غنيمة وبقيرات.
ثم احتضر، فكلمته إلى من يوصي بي؟ قال: أي بني والله ما أعلمه بقي أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه ولكن قد أظلك زمان نبي يبعث من الحرم مهاجره بين حرتين إلى أرض سبخة ذات نخل وإن فيه علامات لا تخفى بين كتفيه خاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة فإن استطعت أن تخلص إلى تلك البلاد فافعل فإنه قد أظلك زمانه.
فلما واريناه، أقمت حتى مر بي رجال من تجار العرب من كلب فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم غنيمتي وبقراتي هذه؟ قالوا: نعم فأعطيتهم إياها وحملوني حتى إذا جاءوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني عبدا من رجل يهودي بوادي القرى فوالله لقد رأيت النخل وطمعت أن يكون البلد الذي نعت لي صاحبي.
وما حقت عندي حتى قدم رجل من بني قريظة وادي القرى فابتاعني من صاحبي فخرج بي حتى قدمنا المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفت نعتها.
فأقمت في رقي وبعث الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمكة لا يذكر لي شيء من أمره مع ما أنا فيه من الرق حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قباء وأنا أعمل لصاحبي في نخلة له فوالله إني لفيها إذ جاءه ابن عم له فقال: يا فلان قاتل الله بني قيلة والله إنهم الآن لفي قباء مجتمعون على رجل جاء من مكة يزعمون أنه نبي.
فوالله ما هو إلا أن سمعتها فأخذتني العرواء -يقول: الرعدة- حتى ظننت لأسقطن على صاحبي ونزلت أقول ما هذا الخبر؟
فرفع مولاي يده فلكمني لكمة شديدة وقال: مالك ولهذا أقبل على عملك فقلت: لا شيء إنما سمعت خبرا فأحببت أن أعلمه.
فلما أمسيت وكان عندي شيء من طعام فحملته وذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بقباء فقلت له: بلغني أنك رجل صالح وأن معك أصحابا لك غرباء وقد كان عندي شيء من الصدقة فرأيتكم أحق من بهذه البلاد فهاك هذا فكل منه.
قال: فأمسك، وقال لأصحابه: "كلوا" فقلت في نفسي: هذه خلة مما وصف لي صاحبي.
ثم رجعت وتحول رسول الله إلى المدينة فجمعت شيئا كان عندي ثم جئته به فقلت: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية فأكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأكل أصحابه فقلت: هذه خلتان.
ثم جئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتبع جنازة وعلي شملتان لي وهو في أصحابه فاستدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف.
فلما رآني استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي فألقى رداءه، عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي.
فقال لي: تحول فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يابن عباس فأعجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يسمع ذلك أصحابه.
ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدر وأحد.
ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كاتب يا سلمان" فكاتبت صاحبي على ثلاث مائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "أعينوا أخاكم" فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين والرجل بخمس عشرة حتى اجتمعت ثلاث مائة ودية فقال: "اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي" ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته وأخبرته فخرج معي إليها نقرب له الودي ويضعه بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي علي المال فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال: "ما فعل الفارسي المكاتب"؟ فدعيت له فقال: "خذها فأد بها ما عليك" قلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: "خذها فإن الله سيؤدي بها عنك" فأخذتها فوزنت لهم منها أربعين أوقية وأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخندق حرا ثم لم يفتني معه مشهد.
زاد إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق فقال: عن يزيد بن أبي حبيب، عن رجل من عبد القيس، عن سلمان قال: لما قلت له: وأين تقع هذه من الذي علي؟ أخذها فقلبها على لسانه ثم قال: "خذها".
وفي رواية ابن إدريس: عن ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر، عن رجل من عبد القيس أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: حدثني من حدثه سلمان أنه كان في حديثه حين ساقه لرسول الله أن صاحب عمورية قال له: إذا رأيت رجلا كذا وكذا من أرض الشام بين غيضتين يخرج من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة في كل سنة مرة يتعرضه الناس ويداوي الأسقام يدعو لهم فيشفون فائته فسله، عن الدين الذي يلتمس فجئت حتى أقمت مع الناس بين تينك الغيضتين.
فلما كان الليلة التي يخرج فيها من الغيضة، خرج وغلبني الناس عليه حتى دخل الغيضة الأخرى وتوارى مني إلا منكبيه فتناولته فأخذت بمنكبيه فلم يلتفت إلي وقال: ما لك؟ قلت: أسأل، عن دين إبراهيم الحنيفية قال: إنك لتسأل، عن شيء ما يسأل الناس عنه اليوم وقد أظلك نبي يخرج من عند هذا البيت الذي بمكة يأتي بهذا الدين الذي تسأل عنه فالحق به ثم انصرف فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لئن كنت صدقتني لقد لقيت وصي عيسى بن مريم".
تفرد به: ابن إسحاق.
وقاطن النار: ملازمها. وبنو قيلة: الأنصار. والفقير: الحفرة. والودي: النصبة.
وقال يونس: عن ابن إسحاق، حدثني عاصم، حدثني من سمع عمر بن عبد العزيز بنحو مما مر وفيه وقد أظلك نبي يخرج عند أهل هذا البيت ويبعث بسفك الدم فلما ذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد رأيت حواري عيسى".
عبيد الله بن موسى وعمرو العنقزي قالا: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي قرة الكندي، عن سلمان قال: كان أبي من الأساورة فأسلمني في الكتاب فكنت أختلف وكان معي غلامان فكانا إذا رجعا دخلا على قس أو راهب فأدخل معهما فقال لهما: ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا أو تعلما بي أحدا؟ فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما فقال لي: يا سلمان! إني أحب أن أخرج من هذه الأرض قلت: فأنا معك فأتى قرية فنزلها وكانت امرأة تختلف إليه فلما حضر قال: احفر عند رأسي فاستخرجت جرة من دراهم فقال: ضعها على صدري قال: فجعل يضرب بيده على صدره ويقول: ويل للقنائين قال: ومات فاجتمع القسيسون والرهبان وهممت أن أحتمل المال ثم إن الله عصمني فقلت لهم: إنه قد ترك مالا فوثب شبان من أهل القرية فقالوا: هذا مال أبينا كانت سريته تختلف إليه.
فقلت: يا معشر القسيسين والرهبان دلوني على عالم أكون معه قالوا: ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص فأتيته فقصصت عليه فقال: ما جاء بك إلا طلب العلم؟ قلت:
نعم قال: فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة في هذا الشهر وإن انطلقت وجدت حماره واقفا فانطلقت فوجدت حماره واقفا على باب بيت المقدس فجلست حتى خرج فقصصت عليه فقال: اجلس حتى أرجع إليك. فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل فقلت: ما صنعت؟ قال: وإنك لها هنا بعد؟ قلت: نعم، قال: فإني لا أعلم أحد في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء وهو نبي وهذا زمانه وإن انطلقت الآن وافقته وفيه ثلاث: خاتم النبوة ولا يأكل الصدقة ويأكل الهدية خاتم النبوة عند غرضوف كتفه كأنها بيضة حمامة لونها لون جلده.
فانطلقت فأصابني قوم من الأعراب فاستعبدوني فباعوني حتى وقعت إلى المدينة فسمعتهم يذكرون النبي -صلى الله عليه وسلم- فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا فخرجت فاحتطبت فبعته بشيء يسير ثم جئت بطعام اشتريته فوضعته بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما هذا"؟ فقلت: صدقة فأبى أن يأكل وأمر أصحابه فأكلوا وكان العيش يومئذ عزيزا فقلت: هذه واحدة ثم أمكث ما شاء الله أن أمكث ثم قلت لأهلي: هبوا لي يوما فوهبوا لي يوما فخرجت فاحتطبت فبعته بأفضل مما كنت بعت به يعني الأول فاشتريت به طعاما ثم جئت فوضعته بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما هذا"؟ قلت: هدية قال: "كلوا" وأكل قلت: هذه أخرى ثم قمت خلفه فوضع رداءه فرأيت عند غرضوف كتفه خاتم النبوة فقلت: أشهد أنك رسول الله فقال: "ما هذا"؟ فحدثته وقلت: يا رسول الله هذا الراهب أفي الجنة هو وهو يزعم أنك نبي الله؟ قال: "إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة". فقلت: إنه أخبرني أنك نبي فقال: "إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة".
رواه الإمام أحمد في "مسنده"، عن أبي كامل ورواه أبو قلابة الرقاشي، عن عبد الله بن رجاء كلاهما، عن إسرائيل.
سعيد بن أبي مريم، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا يزيد بن أبي حبيب، حدثني السلم بن الصلت العبدي، عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه قال: كنت رجلا من أهل جي مدينة أصبهان فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته: أي الدين أفضل؟ قال: ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل.
فذهبت إليه فكنت عنده إلى أن قال: فأتيت حجازيا فقلت: تحملني إلى المدينة وأنا لك عبد؟ فلما قدمت جعلني في نخله فكنت أستقي كما يستقي البعير حتى دبر ظهري ولا أجد من يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تستقي فكلمتها فقلت: أين هذا الذي خرج؟ قالت: سيمر عليك بكرة فجمعت تمرا ثم جئته وقربت إليه التمر فقال: "أصدقة أم هدية"؟.
أبو إسماعيل الترمذي وإسحاق بن إبراهيم بن جميل وغيرهما قالوا: أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القطواني، حدثنا سيار بن حاتم، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي، حدثنا أبو معاذ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن سلمان الفارسي قال: كنت ممن ولد برا مهرمز وبها نشأت وأما أبي فمن أصبهان.
وكانت أمي لها غنى فأسلمتني إلى الكتاب وكنت أنطلق مع غلمان من أهل قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا فمررت ذات يوم وحدي فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب شعر ونعلاه شعر فأشار إلي فدنوت منه فقال: يا غلام أتعرف عيسى بن مريم؟ قلت: لا قال: هو رسول الله آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها قلت ما نعيم الآخرة؟ قال: نعيم لا يفنى فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه فعلقه فؤادي وفارقت أصحابي وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب فأنقطع دونه فعلمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن عيسى رسول الله ومحمدا بعده رسول الله والإيمان بالبعث وعلمني القيام في الصلاة وكان يقول لي: إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة فاحتوشتك النار فلا تلتفت وإن دعتك أمك وأبوك فلا تلتفت إلا أن يدعوك رسول من رسل الله وإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها فإنه لا يدعوك إلا بوحي وأمرني بطول القنوت وزعم أن عيسى -عليه السلام- قال: طول القنوت أمان على الصراط وطول السجود أمان من عذاب القبر وقال: لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله ولا تعصين الله في طمع ولا غضب ولا تحجب، عن الجنة طرفة عين.
ثم قال لي: إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به واقرأ عليه السلام مني فإنه بلغني أن عيسى بن مريم عليه السلام قال: من سلم على محمد رآه أو لم يره كان له محمد شافعا ومصافحا فدخل حلاوة الإنجيل في صدري.
قال: فأقام في مقامه حولا ثم قال: أي بني إنك قد أحببتني وأحببتك وإنما قدمت بلادكم هذه إنه كان لي قريب فمات فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة يقول الله: من وصل قرابته وصلني ومن قطع قرابته فقد قطعني وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك قلت: عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي قال: إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم -عليه السلام- فدع الوالدة والقرابة ثم قال: إن الله يصلح بينك وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة.
فخرجت معه، فأتينا نصيبين فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه ويبسطون له أرديتهم وقالوا: مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا فحمد الله ودمعت عيناه وقال: إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله فأبشروا بالنظر إلى الله ثم قال: إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا فاستوصوا بهذا الغلام فإني رأيته رقيقا سريع الإجابة فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف فقالوا: لو تعرضت له فقلت: أنتم أعظم عليه حقا مني قالوا: أنت ضعيف غريب بن سبيل وهو نازل علينا فلا نقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله فعرضت له فارتعد ثم جثا على ركبتيه ثم قال: ما لك يا بني؟ جائع أنت؟ عطشان أنت؟ مقرور أنت؟ اشتقت إلى أهلك؟ قلت: بل أطعت هؤلاء العلماء قال: أتدري ما يقول الإنجيل؟ قلت: لا قال: يقول من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا فمات فهو صديق وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس فجاء العلماء فقالوا: يا سيدنا امكث يومك تحدثنا وتكلمنا قال: إن الإنجيل، حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره.
فقام فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه كل ذلك يقول: أوصيكم إلا تحتقروا معصية الله ولا تعجبوا بحسنة تعملونها فمشى ما بين نصيبين والأرض المقدسة شهرا يمشي نهاره ويقوم ليله حتى دخل بيت المقدس فقام شهرا يصلي الليل والنهار فاجتمع إليه علماء بيت المقدس فطلبوا إلي أن أتعرض له ففعلت فانصرف إلي فقال لي كما قال في المرة الأولى.
فلما تكلم اجتمع حوله علماء بيت المقدس فحالوا بيني وبينه يومهم وليلتهم حتى أصبحوا فملوا وتفرقوا فقال لي: أي بني إني أريد أن أضع رأسي قليلا فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني قال: وبينه وبين الشمس ذراعان فبلغته الشمس فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة فلما بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها.
فقال: ما لك لم توقظني؟ قلت: رحمتك لطول عنائك قال: إني لا أحب أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده أفلا رحمتني من طول الموقف؟ أي بني إني أريد الشخوص إلى جبل فيه خمسون ومائة رجل أشرهم خير مني أتصحبني؟ قلت: نعم فقام فتعلق به أعمى على الباب فقال: يا أبا الفضل تخرج ولم أصب منك خيرا؟ فمسح يده على وجهه فصار بصيرا فوثب مقعد إلى جنب الأعمى فتعلق به فقال: من علي من الله عليك بالجنة فمسح يده عليه فقام فمضى -يعني الراهب- فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح فجلست حتى انصرف فقلت: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فذكر اسمه فقلت: أتعرف أبا الفضل؟ قال: نعم وودت أني لا أموت حتى أراه أما إنه هو الذي من علي بهذا الدين فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي يخرج من جبال تهامة يقال له: محمد بن عبد الله يركب الجمل والحمار والفرس والبغلة ويكون الحر والمملوك عنده سواء وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه لو قسمت بين الدنيا كلها لم يكن لها مكان بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب باطنها الله وحده لا شريك له محمد رسول الله وظاهرها توجه حيث شئت فإنك المنصور يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ليس بحقود ولا حسود ولا يظلم معاهدا ولا مسلما فقمت من عنده فقلت لعلي أقدر على صاحبي فمشيت غير بعيد فالتفت يمينا وشمالا لا أرى شيئا.
فمر بي أعراب من كلب، فاحتملوني حتى أتوا بي يثرب وسموني ميسرة فجعلت أناشدهم فلا يفقهون كلامي فاشترتني امرأة يقال لها خليسة بثلاث مائة درهم فقالت: ما تحسن؟ قلت: أصلي لربي وأعبده وأسف الخوص قالت: ومن ربك؟ قلت: رب محمد قالت: ويحك ذاك بمكة ولكن عليك بهذه النخلة وصل لربك لا أمنعك وسف الخوص واسع على بناتي فإن ربك يعني إن تناصحه في العبادة يعطك سؤلك.
فمكثت عندها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فبلغني ذلك وأنا في أقصى المدينة في زمن الخلال فانتقيت شيئا من الخلال فجعلته في ثوبي وأقبلت أسأل عنه حتى دخلت عليه وهو في منزل أبي أيوب وقد وقع حب لهم فانكسر وانصب الماء فقام أبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهما لا يكف على النبي -صلى الله عليه وسلم.
فخرج رسول الله فقال: "ما تصنع يا أبا أيوب"؟ فأخبره، فقال: "لك ولزوجتك الجنة". فقلت: هذا والله محمد رسول الرحمة فسلمت عليه ثم أخذت الخلال فوضعته بين يديه فقال: "ما هذا يا بني"؟ قلت: صدقة، قال: "إنا لا نأكل الصدقة" فأخذته وتناولت إزاري وفيه شيء آخر فقلت هذه هدية فأكل وأطعم من حوله ثم نظر إلي فقال: "أحر أنت أم مملوك"؟ قلت: مملوك قال: "ولم وصلتني بهذه الهدية"؟.
قلت: كان لي صاحب من أمره كذا وصاحب من أمره كذا فأخبرته بأمرهما. قال: "أما إن صاحبيك من الذين قال الله: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم} " الآية، ما رأيت في ما خبرك؟ قلت: نعم إلا شيئا بين كتفيك فألقى ثوبه فإذا الخاتم فقبلته وقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.
فقال: "يا بني أنت سلمان" ودعا عليا فقال: "اذهب إلى خليسة فقل لها يقول لك محمد إما أن تعتقي هذا وإما أن أعتقه فإن الحكمة تحرم عليك خدمته". قلت: يا رسول الله أشهد أنها لم تسلم قال: "يا سلمان أولا تدري ما حدث بعدك؟ دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الإسلام فأسلمت" فانطلق علي وإذا هي تذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرها علي فقالت: انطلق إلى أخي تعني النبي -صلى الله عليه وسلم- فقل له: إن شئت فأعتقه وإن شئت فهو لك قال: فكنت أغدو وأروح إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعولني خليسة.
فقال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم: "انطلق بنا نكافئ خليسة". فكنت معه خمسة عشرة يوما في حائطها يعلمني وأعينه حتى غرسنا لها ثلاث مئة فسيلة فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتد عليه حر الشمس وضع على رأسه مظلة لي من صوف فعرق فيها مرارا فما وضعتها بعد على رأسي إعظاما له وإبقاء على ريحه وما زلت أخبأها وينجاب منها حتى بقي منها أربع أصابع فغزوت مرة فسقطت مني.
هذا الحديث شبه موضوع، وأبو معاذ مجهول، وموسى.
إسماعيل بن عيسى العطار: حدثنا إسحاق بن بشر، حدثني أبو عبيد الله التيمي، عن ابن لهيعة، عن أبي قبيل قال: قيل لسلمان: أخبرنا، عن إسلامك قال: كنت مجوسيا فرأيت كأن القيامة قد قامت وحشر الناس على صورهم وحشر المجوس على صور الكلاب ففزعت فرأيت من القابلة أيضا أن الناس حشروا على صورهم وأن المجوس حشروا على صور الخنازير فتركت ديني وهربت وأتيت الشام فوجدت يهودا فدخلت في دينهم وقرأت كتبهم ورضيت بدينهم وكنت عندهم حججا فرأيت فيما يرى النائم أن الناس حشروا وأن اليهود أتي بهم فسلخوا ثم ألقوا في النار فشووا ثم أخرجوا فبدلت جلودهم ثم أعيدوا في النار فانتبهت وهربت من اليهودية فأتيت قوما نصارى فدخلت في دينهم وكنت معهم في شركهم فكنت عندهم حججا فرأيت كأن ملكا أخذني فجاء بي على الصراط على النار فقال: اعبر هذا، فقال صاحب الصراط: انظروا فإن كان دينه النصرانية فألقوه في النار فانتبهت وفزعت ثم استعبرت راهبا كان صديقا لي فقال إن الذي أنت عليه دين الملك ولكن عليك باليعقوبية فرفضت ذلك ولحقت بالجزيرة فلزمت راهبا بنصيبين يرى رأي اليعقوبية فكنت عندهم حججا، فرأيت فيما يرى النائم أن إبراهيم خليل الرحمن قائم عند العرش يميز من كان على ملته فيدخله الجنة ومن كان على غير ملته ذهبوا به إلى النار فهربت من ذلك الراهب وأتيت راهبا له خمسون ومئة سنة وأخبرته بقصتي فقال: إن الذي تطلبه ليس هو اليوم على ظهر الأرض ذاك دين الحنفية وهو دين أهل الجنة وقد اقترب وأظلك زمانه نبي يثرب يدعو إلى هذا الدين قلت: ما اسم هذا الرجل؟ قال: له خمسة أسماء مكتوب في العرش محمد وفي الإنجيل أحمد ويوم القيامة محمود وعلى الصراط حماد وعلى باب الجنة حامد وهو من ولد إسماعيل وهو قرشي فسرد كثيرا من صفته -صلى الله عليه وسلم.
قال: فسرت في البرية فسبتني العرب واستخدمتني سنين فهربت منهم إلى أن قال: فلما أسلمت قبل علي رأسي وكساني أبو بكر ما كان عليه إلى أن قال: "يا سلمان أنت مولى الله ورسوله".
وهو منكر في إسناده كذاب وهو إسحاق مع إرساله ووهن ابن لهيعة والتيمي.
سمويه، حدثنا عمرو بن حماد القناد، حدثنا أسباط بن نصر، عن السدي، عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا} الآية في أصحاب سلمان نزلت وكان من أهل جند سابور وكان من أشرافهم وكان ابن الملك صديقا له ومواخيا وكانا يركبان إلى الصيد فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباء فأتياه فإذا هما برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه ويبكي فسألاه: ما هذا؟ قال: الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما فانزلا فنزلا إليه فقال: هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه بطاعته ونهى عن معصيته فيه أن لا تزني ولا تسرق ولا تأخذ أموال الناس بالباطل فقص عليهما ما فيه وهو الإنجيل فتابعاه فأسلما وقال: إن ذبيحة قومكما عليكما حرام ولم يزل معهما يتعلمان منه حتى كان عيد للملك فجعل طعاما ثم جمع الناس والأشراف وأرسل إلى ابن الملك فدعاه ليأكل فأبى وقال: إني عنك مشغول فلما أكثر عليه أخبر أنه لا يأكل من طعامهم فقال له الملك: من أخبرك بهذا؟ فذكر له الراهب فطلب الراهب وسأله فقال: صدق ابنك فقال: لولا أن الدم عظيم لقتلتك اخرج من أرضنا فأجله أجلا فقمنا نبكي عليه فقال: إن كنتما صادقين فأنا في بيعة في الموصل مع ستين رجلا نعبد الله فائتونا فخرج وبقي سلمان وابن الملك فجعل سلمان يقول لابن الملك: انطلق بنا وابن الملك يقول: نعم فجعل يبيع متاعه يريد الجهاز وأبطأ فخرج سلمان حتى أتاهم فنزل على صاحبه وهو رب البيعة.
فكان سلمان معه يجتهد في العبادة فقال له الشيخ: إنك غلام حدث وأنا خائف أن تفتر فارفق بنفسك قال: خل عني.
ثم إن صاحب البيعة دعاه فقال: تعلم أن هذه البيعة لي ولو شئت أن أخرج هؤلاء لفعلت ولكني رجل أضعف، عن عبادة هؤلاء وأنا أريد أن أتحول إلى بيعة أهلها أهون عبادة فإن شئت أن تقيم ها هنا فأقم.
فأقام بها يتعبد معهم ثم إن شيخه أراد أن يأتي بيت المقدس فدعا سلمان وأعلمه فانطلق معه فمروا بمقعد على الطريق فنادى يا سيد الرهبان ارحمني فلم يكلمه حتى أتى بيت المقدس فقال لسلمان: اخرج فاطلب العلم فإنه يحضر المسجد علماء أهل الأرض.
فخرج سلمان يسمع منهم فخرج يوما حزينا فقال له الشيخ: ما لك؟ قال: أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم.
قال: أجل لا تحزن فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه وهذا زمانه ولا أراني أدركه ولعلك تدركه وهو يخرج في أرض العرب فإن أدركته فآمن به قال: فأخبرني، عن علامته قال: مختوم في ظهره بخاتم النبوة يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة.
ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد، فناداهما: يا سيد الرهبان ارحمني يرحمك الله فعطف إليه حماره فأخذ بيده ثم رفعه فضرب به الأرض ودعا له فقال: قم بإذن الله فقام صحيحا يشتد وسار الراهب فتغيب، عن سلمان وتطلبه سلمان فلقيه رجلان من كلب فقال: هل رأيتما الراهب؟ فأناخ أحدهما راحلته وقال: نعم راعي الصرمة هذا فانطلق به إلى المدينة.
قال سلمان: فأصابني من الحزن شيء لم يصبني قط.
فاشترته امرأة من جهينة فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد -صلى الله عليه وسلم.
فبينما هو يرعى إذ أتاه صاحبه فقال أشعرت أنه قدم المدينة رجل يزعم أنه نبي؟
فقال: أقم في الغنم حتى آتي فهبط إلى المدينة فنظر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ورأى خاتم النبوة،
ثم انطلق فاشترى بدينار بنصفه شاة فشواها وبنصفه خبزا وأتى به فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما هذا"؟ قال صدقة قال: "لا حاجة لي بها أخرجها يأكلها المسلمون".
ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما فأتى به فقال: هذا هدية فأكلا جميعا وأخبره سلمان خبر أصحابه فقال كانوا يصومون ويصلون ويشهدون أنك ستبعث فقال: "يا سلمان هم من أهل النار" فاشتد ذلك على سلمان وقد كان قال لو أدركوك صدقوك واتبعوك.
فأنزل الله {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين} الآية.
الحسن بن يعقوب البخاري، والأصم قالا: حدثنا يحيى بن جعفر، حدثنا علي بن عاصم، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة، عن سماك بن حرب، عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا له صديقين فأتياه ليكلم لهما سلمان ليحدثهما حديثه فأقبلا معه فلقوا سلمان بالمدائن أميرا وإذا هو على كرسي وإذا خوص بين يديه وهو يرتقه قالا: فسلمنا عليه وقعدنا فقال له زيد: يا أبا عبد الله كيف كان بدء إسلامك؟ قال: كنت يتيما من رامهرمز وكان ابن دهقانها يختلف إلى معلم يعلمه فلزمته لأكون في كنفه وكان لي أخ أكبر مني وكان مستغنيا بنفسه وكنت غلاما وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم فإذا تفرقوا خرج فقنع رأسه بثوبه ثم صعد الجبل كان يفعل ذلك غير مرة متنكرا فقلت له: إنك تفعل كذا وكذا فلم لا تذهب بي معك؟ قال: أنت غلام وأخاف أن يظهر منك شيء قلت: لا تخف قال: فإن في هذا الجبل قوما في برطيل لهم عبادة وصلاح يزعمون أنا عبدة النيران وعبدة الأوثان وأنا على غير دينهم قلت: فاذهب بي معك إليهم قال: لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم أو فيقتل القوم فيكون هلاكهم على يدي قلت: لن يظهر مني ذلك فاستأمرهم فقال: غلام عندي يتيم أحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم قالوا: إن كنت تثق به قال: أرجو قال: فقال لي: ائتني في الساعة التي رأيتني أخرج فيها ولا يعلم بك أحد فلما كانت الساعة تبعته فصعد الجبل فانتهينا إليهم قال علي بن عاصم: أراه قال: وهم ستة أو سبعة قال: وكأن الروح قد خرج منهم من العبادة يصومون النهار ويقومون الليل ويأكلون عند السحر ما وجدوا فقعدنا إليهم فتكلموا فحمدوا الله وذكروا من مضى من الأنبياء والرسل حتى خلصوا إلى ذكر عيسى فقالوا: بعث الله عيسى رسولا وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وكفر به قوم وتبعه قوم وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به خلقه وقالوا قبل ذلك: يا غلام إن لك لربا وإن لك لمعادا وإن بين يديك جنة ونار إليها تصير وإن هؤلاء الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة ليسوا على دين.
فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام، انصرفت معه، ثم غدونا إليهم فقالوا مثل ذلك وأحسن ولزمتهم فقالوا لي: يا سلمان إنك غلام وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع فصل ونم وكل واشرب فاطلع الملك على صنيع ابنه فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم فقال: يا هؤلاء قد جاورتموني فأحسنت جواركم ولم تروا مني سوءا فعمدتم إلى ابني فأفسدتموه علي قد أجلتكم ثلاثا فإن قدرت بعدها عليكم أحرقت عليكم برطيلكم قالوا: نعم وكف ابنه، عن إتيانهم فقلت له: اتق الله فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله وأن أباك على غير دين فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك قال: هو كما تقول وإنما أتخلف، عن القوم بقيا عليهم قال: فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا فقالوا: يا سلمان قد كنا نحذر ما رأيت فاتق الله واعلم أن الدين ما أوصيناك به فلا يخدعنك أحد، عن دينك قلت ما أنا بمفارقكم قالوا: فخذ شيئا تأكله فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن ففعلت ولقيت أخي فعرضت عليه بأني أمشي معهم فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل فأتينا بيعة فلما دخلوا أحفوا بهم وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى بها عبدة النيران فطردنا فقدمنا عليكم.
فلما كان بعد قالوا: يا سلمان إن ههنا قوما في هذه الجبال هم أهل دين وإنا نريد لقائهم فكن أنت ههنا قلت: ما أنا بمفارقكم فخرجوا وأنا معهم فأصبحوا بين جبال وإذا ماء كثير وخبز كثير وإذا صخرة فقعدنا عندها فلما طلعت الشمس خرجوا من بين تلك الجبال يخرج رجل رجل من مكانه كأن الأرواح قد انتزعت منهم حتى كثروا فرحبوا بهم وحفوا وقالوا: أين كنتم؟ قالوا: كنا في بلاد فيها عبدة نيران فقالوا: ما هذا الغلام؟ وطفقوا يثنون علي وقالوا: صحبنا من تلك البلاد فوالله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف فجاء فسلم فحفوا به وعظمه أصحابي وقال: أين كنتم؟ فأخبروه فقال: ما هذا الغلام؟ فأثنوا علي فحمد الله وأثنى عليه وذكر رسله وذكر مولد عيسى بن مريم وأنه ولد بغير ذكر فبعثه الله رسولا وأجرى على يديه إحياء الموتى وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأنزل عليه الإنجيل وعلمه التوارة وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل فكفر به قوم وآمن به قوم إلى أن قال: فالزموا ما جاء به عيسى ولا تخالفوا فيخالف بكم ثم قال: من أراد أن يأخذ من هذا شيئا فليأخذ فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشيء فقام إليه أصحابي الذين جئت معهم فسلموا عليه،
وعظموه، وقال لهم: الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا واستوصوا بهذا الغلام خيرا، وقال لي: يا غلام هذا دين الله الذي تسمعني أقوله وما سواه الكفر، قلت: ما أنا بمفارقك. قال: إنك لا تستطيع أن تكون معي، إني ما أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد. قلت: ما أنا بمفارقك. قال له أصحابه: يا أبا فلان! إن هذا لغلام، ويخاف عليه. قال لي: أنت أعلم. قلت: فإني لا أفارقك. فبكى أصحابي لفراقي. فقال: يا غلام خذ من هذا الطعام ما يكفيك للأحد الآخر، وخذ من الماء ما تكتفي به. ففعلته، فما رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا وساجدا إلى الأحد الآخر. فلما أصبحنا قال: خذ جرتك هذه وانطلق فخرجت أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه، فعدوا وعاد في حديثه، وقال: الزموا هذا الدين ولا تفرقوا واذكروا الله، واعلموا أن عيسى كان عبدا لله أنعم عليه. فقالوا: كيف وجدت هذا الغلام؟ فأثنى علي وإذا خبز كثير وماء كثير، فأخذوا ما يكفيهم وفعلت، فتفرقوا في تلك الجبال، ورجعنا إلى الكهف فلبثنا ما شاء الله، يخرج كل أحد ويحفون به. فخرج يوما فحمد الله تعالى ووعظهم، ثم قال: يا هؤلاء إنه قد كبر سني ورق عظمي واقترب أجلي وإنه لا عهد لي بهذا البيت مذ كذا وكذا ولا بد من إتيانه فاستوصوا بهذا الغلام خيرا فإني رأيته لا بأس به.
فجزع القوم، وقالوا: أنت كبير وأنت وحدك فلا نأمن أن يصيبك الشيء ولسنا عندك، ما أحوج ما كنا إليك. قال: لا تراجعوني. فقلت: ما أنا بمفارقك. قال: يا سلمان قد رأيت حالي وما كنت عليه وليس هذا كذلك، أنا أمشي، أصوم النهار وأقوم الليل، ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره وأنت لا تقدر على هذا. قلت: ما أنا بمفارقك. قال: أنت أعلم.
وبكوا، وودعوه، واتبعته يذكر الله، ولا يلتفت، ولا يقف على شيء حتى إذا أمسينا قال: صل أنت، ونم وقم، وكل واشرب، ثم قام يصلي حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس وكان لا يرفع طرفه إلى السماء، فإذا على باب المسجد مقعد، فقال: يا عبد الله قد ترى حالي فتصدق علي بشيء. فلم يلتفت إليه ودخل المسجد، فجعل يتبع أمكنة يصلي فيها. ثم قال: يا سلمان! لم أنم مذ كذا وكذا، فإن أنت جعلت أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت، فإني أحب أن أنام في هذا المسجد، وإلا لم أنم. قلت: فإني أفعل. فنام فقلت في نفسي: هذا لم ينم منذ كذا وكذا لأدعنه ينام. وكان لما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني ويخبرني أن لي ربا، وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا، ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد. حتى قال: يا سلمان إن الله سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة وكان رجلا أعجميا لا يحسن أن يقول محمد علامته أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه فإن أنت أدركته فصدقه واتبعه قلت: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال: نعم فإن رضى الرحمن فيما قال.
فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعا يذكر الله تعالى فقال: يا سلمان مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله أين ما كنت جعلت على نفسك؟ قلت: لأنك لم تنم منذ كذا وكذا فأحببت أن تستوفي من النوم فحمد الله وقام.
وخرج فتبعته فمر بالمقعد، فقال: يا عبد الله دخلت وسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني فقام ينظر هل يرى أحدا فلم ير فدنا منه وقال له: ناولني يدك فناوله فقال: باسم الله فقام كأنه نشط من عقال صحيحا لا عيب فيه فانطلق ذاهبا فكان لا يلوي على أحد ولا يقوم عليه.
فقال لي المقعد: يا غلام احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي فحملت عليه ثيابه وانطلق لا يلوي علي فخرجت في أثره أطلبه فكلما سألت عنه قالوا: أمامك حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره فجعلني خلفه حتى أتوا بي بلادهم فباعوني واشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها.
وقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرت به فأخذت شيئا من تمر حائطي وأتيته فوجدت عنده ناسا وإذا أبو بكر أقرب الناس إليه فوضعته بين يديه فقال: "ما هذا"؟ قلت: صدقة فقال: "كلوا" ولم يأكل ثم لبثت ما شاء الله ثم أخذت مثل ذلك وأتيته به فوجدت عنده ناسا فوضعته بين يديه فقال: "ما هذا"؟ قلت: هدية فقال: "باسم الله" وأكل وأكل القوم فقلت في نفسي هذه من آياته.
كان صاحبي رجلا أعجميا، لم يحسن أن يقول تهامة فقال: تهمة.
قال: فدرت من خلفه ففطن لي فأرخى ثوبه فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر فتبينته ثم درت حتى جلست بين يديه فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال: "من أنت"؟ قلت: مملوك وحدثته حديثي وحديث الذي كنت معه وما أمرني به قال: "لمن أنت"؟ قلت: لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها قال: "يا أبا بكر" قال: لبيك قال: "اشتره" فاشتراني أبو بكر فأعتقني فلبثت ما شاء الله ثم أتيته،
فسلمت عليه وقعدت بين يديه فقلت: يا رسول الله ما تقول في دين النصارى؟ قال: "لا خير فيهم ولا في دينهم" فدخلني أمر عظيم وقلت في نفسي: الذي أقام المقعد لا خير في هؤلاء ولا في دينهم فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله وأنزل الله على نبيه {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون}، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "علي بسلمان" فأتاني الرسول وأنا خائف فجئته فقرأ "بسم الله الرحمن الرحيم {ذلك بأن منهم قسيسين} ثم قال: "يا سلمان إن الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى إنما كانوا مسلمين" فقلت: والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك فقلت له: وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه؟ قال: نعم فاتركه فإنه الحق.
هذا حديث جيد الإسناد حكم الحاكم بصحته.
سعدويه الواسطي وأحمد بن حاتم الطويل وجماعة قالوا: حدثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي، حدثنا عبيد المكتب، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة، حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا من أهل جي وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق وكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء فقيل لي: إن الذي ترومه إنما هو بالمغرب فأتيت الموصل فسألت، عن أفضل رجل فيها فدللت على رجل في صومعة فأتيته فقلت له: إني رجل من أهل جي وإني جئت أطلب العلم فضمني إليك أخدمك وأصحبك وتعلمني مما علمك الله قال: نعم فأجرى علي مثل ما كان يجرى عليه وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب فلم أزل معه حتى نزل به الموت فجلست عند رأسه أبكيه فقال: ما يبكيك؟ قلت: يبكيني أني خرجت من بلادي أطلب الخير فرزقني الله فصحبتك فعلمتني وأحسنت صحبتي فنزل بك الموت فلا أدري أين أذهب قال: لي أخ بالجزيرة مكان كذا وكذا فهو على الحق فائته فأقرئه مني السلام وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته فلما قبض أتيت الرجل الذي وصف لي فأخبرته فضمني إليه فصحبته ما شاء الله ثم نزل به الموت فأوصى بي إلى رجل بقرب الروم فلما قبض أتيته فضمني إليه فلما احتضر بكيت فقال: ما بقي أحد على دين عيسى أعلمه ولكن هذا أوان يخرج نبي أو قد خرج بتهامة وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه وإذا بلغك أنه قد خرج فائته فإنه النبي الذي بشر به عيسى وآية ذلك فذكر الخاتم والهدية والصدقة قال: فمات ومر بي ناس من أهل مكة فسألتهم فقالوا: نعم قد ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي فقلت لبعضهم: هل لكم أن أكون لكم عبدا على أن تحملوني عقبة وتطعموني من الكسر؟ فقال رجل: أنا فصرت له عبدا حتى قدم بي مكة فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه فخرجت وسألت فلقيت امرأة من أهل بلادي فسألتها فإذا أهل بيتها قد أسلموا فقالت لي: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس في الحجر هو وأصحابه إذا صاح عصفور مكة حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا فانطلقت إلى البستان وكنت أختلف ليلتي فقال لي الحبشان: ما لك؟ قلت: أشتكي بطني وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني فلما كانت الساعة التي أخبرتني خرجت أمشي حتى رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا هو محتب وأصحابه حوله فأتيته من ورائه فأرسل حبوته فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه فقلت: الله أكبر هذه واحدة ثم انصرفت فلما كانت الليلة المقبلة لقطت تمرا جيدا فأتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فوضعته بين يديه فقال: "ما هذا؟" فقلت: صدقة إلى أن قال: "فاذهب فاشتر نفسك" فانطلقت إلى صاحبي فقلت: بعني نفسي قال: نعم على أن تنبت لي مئة نخلة فإذا أنبتت جئني بوزن نواة من ذهب فأتيت رسول الله فأخبرته فقال: "اشتر نفسك بذلك وائتني بدلو من ماء البئر الذي كنت تسقي منها ذلك النخل" فدعا لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها ثم سقيتها فوالله لقد غرست مئة نخلة فما غادرت منها نخلة إلا نبتت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فأعطاني قطعة من ذهب فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ووضع في الجانب الآخر نواة فوالله ما استقلت القطعة الذهب من الأرض وجئت رسول الله وأخبرته فأعتقني.
هذا حديث منكر، غير صحيح، وعبد الله بن عبد القدوس متروك وقد تابعه في بعض الحديث الثوري وشريك وأما هو فسمن الحديث فأفسده وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين وخبط في مواضع وروى منه أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن العلاء، عن أبي الطفيل.
ورواه المبارك أخو الثوري، عن أبيه، عن عبيد المكتب فقال: عن أبي البختري، عن سلمان وفي هذه الروايات كلها كنت من أهل جي وقال الفريابي وغيره: عن سفيان، عن عوف، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: كنت رجلا من رامهرمز والفارسية سماها ابن مندة: أمة الله.
الطبراني في "معجمه الكبير"، حدثنا أحمد بن داود المكي، حدثنا قيس بن حفص الدارمي، حدثنا مسلمة بن علقمة، حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له: قدامة فقال: أحب أن ألقى سلمان فخرجنا إليه فسلمنا عليه وجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا ووجدناه على سرير ليف يسف خوصا فقلت: يا أبا عبد الله هذا ابن أخت لي قدم فأحب أن يسلم عليك قال: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته قلت: يزعم أنه يحبك قال: أحبه الله.
فتحدثنا، وقلنا: إلا تحدثنا، عن أصلك؟ قال: أنا من أهل رامهرمز كنا قوما مجوسا فأتاني نصراني من الجزيرة كانت أمه منا فنزل فينا واتخذ ديرا وكنت في مكتب الفارسية فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا يبكي فقلت له يوما: ما يبكيك؟ قال: يضربني أبواي قلت: ولم؟ قال: آتي هذا الدير فإذا علما ذلك ضرباني وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا قلت: فاذهب بي معك فأتيناه فحدثنا، عن بدء الخلق وعن الجنة والنار وكنت أختلف إليه معه ففطن لنا غلمان من الكتاب فجعلوا يجيئون معنا فلما رأى ذلك أهل القرية قالوا له: يا هناة! إنك قد جاورتنا فلم تر منا إلا الحسن وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ونحن نخاف أن تفسدهم اخرج عنا قال: نعم فقال لذلك الغلام: اخرج معي قال: لا أستطيع قد علمت شدة أبوي علي قلت: أنا أخرج معك وكنت يتيما لا أب لي فخرجت فأخذنا جبل رامهرمز نمشي ونتوكل ونأكل من ثمر الشجر حتى قدمنا الجزيرة فقدمنا نصيبين فقال: هنا قوم عباد أهل الأرض فجئنا إليهم يوم الأحد وقد اجتمعوا فسلم عليهم فحيوه وبشوا به وقالوا: أين كانت غيبتك؟ قال: كنت في إخوان لي من قبل فارس ثم قال صاحبي: قم يا سلمان قال: قلت: لا دعني مع هؤلاء قال: إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء يصومون الأحد إلى الأحد ولا ينامون هذا الليل وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ودخل في العبادة فكنت فيهم حتى أمسينا فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه فقال لي: يا سلمان هذا خبز وهذا أدم كل إذا غرثت وصم إذا نشطت وصل ما بدا لك ثم قام في صلاته فلم يكلمني ولم ينظر إلي فأخذني الغم تلك الأيام السبعة حتى كان يوم الأحد فذهبنا إلى مجمعهم إلى أن قال صاحبي: إني أريد الخروج إلى بيت المقدس ففرحت وقلت نسافر ونلقى الناس فخرجنا فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ويصلي الليل كله ويمشي بالنهار فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس وعلى بابه مقعد يسأل الناس فقال: أعطني قال: ما معي شيء فدخلنا بيت المقدس فبشوا به واستبشروا فقال لهم: غلامي هذا استوصوا به فأطعموني خبزا ولحما ودخل في الصلاة فلم ينصرف حتى كان يوم الأحد فقال لي: يا سلمان إني أريد أن أنام فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني فنام فلم أوقظه ماوية له مما دأب فاستيقظ مذعورا فقال: ألم أكن قلت لك؟ ثم قال لي: اعلم أن أفضل الدين اليوم النصرانية قلت: ويكون بعد اليوم دين أفضل منه كلمة ألقيت على لساني؟ قال: نعم يوشك أن يبعث نبي....، إلى أن قال: فطلقاني رفقة من كلب فسبوني فاشتراني بالمدينة رجل من الأنصار فجعلني في نخل ومن ثم تعلمت عمل الخوص أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بدرهمين فأرد درهما في الخوص وأستنفق درهما أحب أن كان من عمل يدي.
قال: فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله قال: فهاجر إلينا إلى أن قال: فقلت: يا رسول الله أي قوم النصارى؟ قال: "لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم". قلت في نفسي: أنا والله أحبهم قال: وذاك حين بعث السرايا وجرد السيف فسرية تدخل وسرية تخرج والسيف يقطر قلت يحدث بي أني أحبهم فيبعث إلي فيضرب عنقي فقعدت في البيت فجاءني الرسول أجب رسول الله فخفت وقلت: اذهب حتى ألحقك قال: لا والله حتى تجيء فانطلقت فلما رآني تبسم وقال: "يا سلمان أبشر فقد فرج الله عنك" ثم تلا علي: {الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون، وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به} إلى قوله: {لا نبتغي الجاهلين} قلت: والذي بعثك بالحق لقد سمعته يقول -يعني صاحبه: لو أدركته فأمرني أن أقع في النار لوقعت فيها إنه نبي لا يقول إلا حقا ولا يأمر إلا بحق.
غريب جدا وسلامة لا يعرف.
قال بقي بن مخلد في "مسنده": حدثنا يحيى الحماني، حدثنا شريك، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل، عن سلمان قال: خرجت في طلب العلم إلى الشام فقالوا لي: إن نبيا قد ظهر بتهامة فخرجت إلى المدينة فبعثت إليه بقباع من تمر فقال: "أهدية أم صدقة"؟ قلت: صدقة فقبض يده وأشار إلى أصحابه أن يأكلوا ثم أتبعته بقباع من تمر وقلت: هذا هدية فأكل وأكلوا فقمت على رأسه ففطن فقال بردائه، عن ظهره فإذا في ظهره خاتم النبوة فأكببت عليه وتشهدت. إسناده صالح.
أخرج البخاري من حديث سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: تداولني بضعة عشر من رب إلى رب.
يحيى الحماني، حدثنا شريك، عن عبيد المكتب، عن أبي الطفيل، عن سلمان قال كاتبت فأعانني النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيضة من ذهب فلو وزنت بأحد كانت أثقل منه.
حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد، عن أبي عثمان، عن سلمان قال كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مئة فسيلة فإذا علقت فأنا حر فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا أردت أن تغرس فآذني" فآذنته فغرس بيده إلا واحدة غرستها فيعلق الجميع إلا الواحدة التي غرست.
قيس بن الربيع، حدثنا أبو هاشم، عن زاذان، عن سلمان قال قرأت في التوراة أن البركة تنزل في الوضوء قبل الطعام فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال "تنزل قبل الطعام في الوضوء وفي الوضوء بعده".
أبو بدر السكوني، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن سلمان قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك" قلت بأبي وأمي كيف أبغضك وبك هداني الله قال: "تبغض العرب فتبغضني".
قابوس بن حسنة قال الترمذي يحيى بن عقبة بن أبي العيزار من الضعفاء، عن محمد بن جحادة، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق الفرس".
ابن علية، عن يونس بن عبيد، عن الحسن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "سلمان سابق الفرس". هذا مرسل ومعناه صحيح.
ابن أبي فديك، عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، عن أبيه، عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خط الخندق عام الأحزاب فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا فقال المهاجرون: منا سلمان وقالت الأنصار: سلمان منا فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا أهل البيت".
كثير متروك.
حماد بن سلمة، عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان مر على سلمان وبلال وصهيب في نفر فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها فقال أبو بكر: تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ثم أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: "يا أبا بكر لعلك أغضبتهم لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك" فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا يا أبا بكر يغفر الله لك.
قال الواقدي: أول مغازي سلمان الفارسي الخندق.
أحمد في "مسنده"، حدثنا ابن نمير، حدثنا شريك، حدثنا أبو ربيعة، عن ابن بريدة، عن أبيه مرفوعا: "إن الله يحب من أصحابي أربعة وأمرني أن أحبهم علي وأبو ذر وسلمان والمقداد". تفرد به أبو ربيعة.
الحسن بن صالح بن حي، عن أبي ربيعة البصري، عن الحسن، عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "الجنة تشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان".
يعلى بن عبيد، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري قال: قيل لعلي: أخبرنا عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: عن أيهم تسألون؟ قيل: عن عبد الله قال: علم القرآن والسنة ثم انتهى وكفى به علما قالوا: عمار؟ قال: مؤمن نسي فإن ذكرته ذكر قالوا: أبو ذر؟ قال: وعى علما عجز عنه قالوا: أبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة ثم خرج منه قالوا: حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمد بالمنافقين قالوا: سلمان؟ قال: أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا يدرك قعره وهو منا أهل البيت قالوا: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت.
مسلم بن خالد الزنجي وغيره، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية: {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم} قالوا: يا رسول الله من هؤلاء؟ قال: فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال: "هذا وقومه لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس".
إسناده وسط.
وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- قول سلمان لأبي الدرداء: إن لأهلك عليك حقا فقال: "ثكلت سلمان أمه لقد اتسع من العلم".
شيبان، عن قتادة في قوله {ومن عنده علم الكتاب} قال سلمان وعبد الله بن سلام.
إسحاق الأزرق، عن ابن عون، عن ابن سيرين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي الدرداء: "يا عويمر سلمان أعلم منك لا تخص ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام".
مسعر، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي قال: سلمان تابع العلم الأول والعلم الآخر ولا يدرك ما عنده.
حبان بن علي: حدثنا ابن جريج، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه وعن رجل، عن زاذان قالا: كنا عند علي، قلنا: حدثنا عن سلمان قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم؟ ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا ينزف.
معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذا الموت قلنا: أوصنا قال: أجلسوني ثم قال: إن الإيمان والعلم مكانهما من ابتغاهما وجدهما -قالها ثلاثا- فالتمسوا العلم عند أربعة أبي الدرداء وسلمان وابن مسعود وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة" رواه الليث وكاتبه عنه.
وعن المدائني: أن سلمان الفارسي، قال: لو حدثتهم بكل ما أعلم لقالوا: رحم الله قاتل سلمان.
معمر، عن قتادة كان بين سعد بن أبي وقاص وبين سلمان شيء فقال: انتسب يا سلمان قال: ما أعرف لي أبا في الإسلام ولكني سلمان ابن الإسلام فنمي ذلك إلى عمر فلقي سعدا فقال: انتسب يا سعد فقال: أنشدك بالله يا أمير المؤمنين قال: وكأنه عرف فأبى أن يدعه حتى انتسب ثم قال: لقد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان ابن الإسلام أما والله لولا شيء لعاقبتك أو ما علمت أن رجلا انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية فكان عاشرهم في النار؟.
عفان: حدثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: كتب عمر إلى سلمان أن زرني فخرج سلمان إليه فلما بلغ عمر قدومه قال: انطلقوا بنا نتلقاه فلقيه عمر فالتزمه وساءله ورجعا ثم قال له عمر: يا أخي أبلغك عني شيء تكرهه؟ قال: بلغني أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم وبلغني أن لك حلتين حلة تلبسها في أهلك وأخرى تخرج فيها قال: هل غير هذا؟ قال: لا قال: كفيت هذا.
الحسن بن سفيان في "مسنده": حدثنا محمد بن بكار الصيرفي، حدثنا حجاج بن فروخ، حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قدم سلمان من غيبة له فتلقاه عمر فقال: أرضاك لله عبدا قال: فزوجني فسكت عنه قال: ترضاني لله عبدا ولا ترضاني لنفسك؟ فلما أصبح أتاه قوم عمر ليضرب، عن خطبة عمر فقال: والله ما حملني على هذا أمره ولا سلطانه ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج من بيننا نسمة صالحة. حجاج: واه.
سعيد بن سليمان الواسطي: حدثنا عقبة بن أبي الصهباء، حدثنا ابن سيرين، حدثنا عبيدة السلماني أن سلمان مر بحجر المدائن غازيا وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف فقال أصحابه أعطنا اللواء أيها الأمير نحمله فيأبى حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف الرجل.
أبو المليح الرقي، عن حبيب، عن هزيم -أو هذيم- قال: رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الأسفل وكان طويل الساقين يتبعه الصبيان فقلت لهم: تنحوا، عن الأمير فقال: دعهم فإن الخير والشر فيما بعد اليوم.
حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن ميسرة: أن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله خشعت لله.
أبو نعيم: حدثنا يزيد بن مردانبة، عن خليفة بن سعيد المرادي، عن عمه قال: رأيت سلمان في بعض طرق المدائن زحمته حملة قصب فأوجعته فأخذ بعضد صاحبها فحركه ثم قال: لا مت حتى تدرك إمارة الشباب.
جرير بن حازم: سمعت شيخا من بني عبس يذكر، عن أبيه قال: أتيت السوق فاشتريت علفا بدرهم فرأيت سلمان ولا أعرفه فسخرته فحملت عليه العلف فمر بقوم فقالوا: نحمل عنك يا أبا عبد الله فقلت: من ذا؟ قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله فقلت له: لم أعرفك ضعه فأبى حتى أتى المنزل.
وروى ثابت البناني نحوها وفيها فحسبته علجا وفيها قال له: فلا تسخر بعدي أحدا.
جعفر بن سليمان، عن هشام بن حسان، عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفرش نصفها ويلبس نصفها وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده -رضي الله عنه.
شعبة، عن سماك بن حرب سمع النعمان بن حميد يقول: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه وأنفق درهما على عيالي وأتصدق بدرهم ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت.
وروى نحوها، عن سماك، عن عمه وفيها فقلت له: فلم تعمل؟ قال: إن عمر أكرهني فكتبت إليه فأبى علي مرتين وكتبت إليه فأوعدني.
معن، عن مالك: أن سلمان كان يستظل بالفيء حيث ما دار ولم يكن له بيت فقيل: إلا نبني لك بيتا تستكن به؟ قال: نعم فلما أدبر القائل سأله سلمان كيف تبنيه؟ قال: إن قمت فيه أصاب رأسك وإن نمت أصاب رجلك.
زائدة، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ظبيان، عن جرير بن عبد الله قال: نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر فإذا رجل نائم في حر الشمس يستظل بشجرة معه شيء من الطعام ومزوده تحت رأسه ملتف بعباءة فأمرته أن يظلل عليه ونزلنا فانتبه فإذا هو سلمان فقلت له: ظللنا عليك وما عرفناك قال: يا جرير! تواضع في الدنيا فإنه من تواضع يرفعه الله يوم القيامة ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده قلت: وكيف؟ قال: أصول الشجر ذهب وفضة
وأعلاها الثمار يا جرير تدري ما ظلمة النار؟ قلت: لا قال: ظلم الناس.
شعبة: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن عبد الله بن بريدة أن سلمان كان يعمل بيده فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه.
سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال قال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء فسكن أبو الدرداء الشام وسكن سلمان الكوفة وكتب أبو الدرداء إليه سلام عليك أما بعد فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا ونزلت الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ولكن الخير أن يعظم حلمك وأن ينفعك علمك وإن الأرض لا تعمل لأحد اعمل كأنك ترى واعدد نفسك من الموتى.
مالك في "الموطأ"، عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس المرء عمله وقد بلغني أنك جعلت طبيبا فإن كنت تبرئ فنعما لك وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ثم أدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله ارجعا أعيدا علي قصتكما.
أبو عبيدة بن معن، عن الأعمش، عن أبي البختري قال: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله فدخلا على سلمان في خص فسلما وحيياه ثم قالا: أنت صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا أدري فارتابا قال: إنما صاحبه من دخل معه الجنة قالا: جئنا من عند أبي الدرداء قال: فأين هديته؟ قالا: ما معنا هدية قال: اتقيا الله وأديا الأمانة ما أتاني أحد من عنده إلا بهدية قالا: لا ترفع علينا هذا إن لنا أموالا فاحتكم قال: ما أريد إلا الهدية قالا: والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجلا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خلا به لم يبغ غيره فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه وأي هدية أفضل منها؟
وكيع، عن الأعمش، عن سليمان بن ميسرة والمغيرة بن شبل، عن طارق بن شهاب، عن سلمان قال: إذا كان الليل كان الناس منه على ثلاث منازل فمنهم من له ولا عليه ومنهم من عليه ولا له ومنهم من لا عليه ولا له فقلت: وكيف ذاك؟ قال: أما من له ولا عليه فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فتوضأ وصلى فذاك له ولا عليه ورجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل فمشى في معاصي الله فذاك عليه ولا له ورجل نام حتى أصبح فذاك لا له ولا عليه.
قال طارق: فقلت: لأصحبن هذا فضرب على الناس بعث فخرج فيهم فصحبته وكنت لا أفضله في عمل إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ فنزلنا منزلا فبتنا فيه وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها فكنت أتيقظ لها فأجده نائما فأقول: صاحب رسول الله خير مني نائم فأنام ثم أقوم فأجده نائما فأنام إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات فلما صلينا الفجر قلت: يا أبا عبد الله كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائما قال: يابن أخي فإيش كنت تسمعني أقول؟ فأخبرته فقال: يابن أخي تلك الصلاة إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت المقتلة يابن أخي عليك بالقصد فإنه أبلغ.
شعبة: عن عمرو بن مرة سمعت أبا البختري يحدث أن سلمان دعا رجلا إلى طعامه قال: فجاء مسكين فأخذ الرجل كسرة فناوله فقال سلمان ضعها فإنما دعوناك لتأكل فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك والوزر عليك.
سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن أبي وائل قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان فقال: لولا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهانا، عن التكلف لتكلفت لكم فجاءنا بخبز وملح فقال صاحبي: لو كان في ملحنا صعتر فبعث سلمان بمطهرته فرهنها فجاء بصعتر فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان: لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة.
الأعمش، عن عبيد بن أبي الجعد، عن رجل أشجعي قال: سمعوا بالمدائن أن سلمان بالمسجد فأتوه يثوبون إليه حتى اجتمع نحو من ألف فقام فافتتح سورة يوسف فجعلوا يتصدعون ويذهبون حتى بقي نحو مائة فغضب وقال: الزخرف يريدون؟ آية من سورة كذا وآية من سورة كذا.
وروى حبيب بن أبي ثابت، عن نافع بن جبير أن سلمان التمس مكانا يصلي فيه فقالت له علجة: التمس قلبا طاهرا وصل حيث شئت فقال: فقهت.
سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب فإذا انصرفوا أظلتها الملائكة بأجنحتها وترى بيتها في الجنة وهي تعذب قال: وجوع لإبراهيم أسدان ثم أرسلا عليه فجعلا يلحسانه ويسجدان له.
معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن أبي عثمان النهدي أن سلمان كان لا يفقه كلامه من شدة عجمته قال: وكان يسمي الخشب خشبان.
تفرد به الثقة يعقوب الدورقي عنه.
وأنكره أبو محمد بن قتيبة -أعني عجمته- ولم يصنع شيئا فقال: له كلام يضارع كلام فصحاء العرب.
قلت: وجود الفصاحة لا ينافي وجود العجمة في النطق كما أن وجود فصاحة النطق من كثير العلماء غير محصل للإعراب.
قال: وأما خشبان: فجمع الجمع أو هو خشب زيد فيه الألف والنون كسود وسودان.
عبد الرزاق: عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: دخل سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت فبكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم نحفظه قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب" وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت وفي قسمك إذا قسمت وعند همك إذا هممت.
قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما نفيقة كانت عنده.
شيبان، عن فراس، عن الشعبي، عن الحارث، عن بقيرة امرأة سلمان أنها قالت: لما حضره الموت دعاني وهو في علية له لها أربعة أبواب فقال: افتحي هذه الأبواب فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي؟ ثم دعا بمسك فقال: أديفيه في تور ثم انضحيه حول فراشي فاطلعت عليه فإذا هو قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه.
بقي بن مخلد، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا أبو معاوية، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن سلمان قال: يأتون محمدا -صلى الله عليه وسلم- فيقولون: يا نبي الله! أنت الذي فتح الله بك وختم بك وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وجئت في هذا اليوم آمنا فقد ترى ما نحن فيه فقم فاشفع لنا إلى ربنا فيقول: "أنا صاحبكم" فيقوم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب فيقرع الباب فيقال: من هذا؟ فيقول: "محمد" فيفتح له فيجيء حتى يقوم بين يدي الله فيستأذن في السجود فيؤذن له فينادى: يا محمد ارفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع وادع تجب فيفتح الله له من الثناء عليه والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق فيقول: "رب أمتي أمتي" ثم يستأذن في السجود.
قال سلمان: فيشفع في كل ما كان في قلبه مثقال حنطة من إيمان أو قال: مثقال شعيرة أو قال: مثقال حبة من خردل من إيمان.
أبو عوانة، عن عاصم، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان قال: فترة ما بين عيسى ومحمد -صلى الله عليه وسلم- ست مائة سنة.
قال الواقدي: مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن وكذا قال ابن زنجويه.
وقال أبو عبيدة: وشباب في رواية عنه وغيرهما توفي سنة ست وثلاثين بالمدائن وقال شباب في رواية أخرى سنة سبع وهو وهم فما أدرك سلمان الجمل ولا صفين.
قال العباس بن يزيد البحراني: يقول أهل العلم عاش سلمان ثلاث مائة وخمسين سنة فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيه.
قال أبو نعيم الأصبهاني: يقال: اسم سلمان ماهويه وقيل: ماية وقيل: بهبود بن بذخشان بن آذر جشيش من ولد منوجهر الملك وقيل: من ولد آب الملك يقال: توفي سنة ثلاث وثلاثين بالمدائن.
قال: وتاريخ كتاب عتقه يوم الاثنين في جمادى الأولى مهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومولاه الذي باعه عثمان بن أشهل القرظي اليهودي وقيل: إنه عاد إلى أصبهان زمن عمر وقيل: كان له أخ اسمه بشير وبنت بأصبهان لها نسل وبنتان بمصر وقيل كان له ابن اسمه كثير فمن قول البحراني إلى هنا منقول من كتاب "الطوالات" لأبي موسى الحافظ.
وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني وذلك منقطع لا إسناد له.
ومجموع أمره وأحواله وغزوه وهمته وتصرفه وسفه للجريد وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم فقد فارق وطنه وهو حدث ولعله قدم الحجاز وله أربعون
سنة أو أقل فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم هاجر فلعله عاش بضعا وسبعين سنة وما أراه بلغ المئة فمن كان عنده علم فليفدنا.
وقد نقل طول عمره: أبو الفرج بن الجوزي وغيره وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه.
روى جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني وذلك في "العلل" لابن أبي حاتم قال: لما مرض سلمان خرج سعد من الكوفة يعوده فقدم فوافقه وهو في الموت يبكي فسلم وجلس وقال: ما يبكيك يا أخي؟ إلا تذكر صحبة رسول الله؟ إلا تذكر المشاهد الصالحة؟
قال: والله ما يبكيني واحدة من اثنتين ما أبكي حبا بالدنيا ولا كراهية للقاء الله قال سعد: فما يبكيك بعد ثمانين؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال: "ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب" وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا.
رواه بعضهم، عن ثابت فقال: عن أبي عثمان وإرساله أشبه قاله أبو حاتم وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين.
وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مائتين وخمسين سنة وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه.
أبو صالح، حدثنا الليث، حدثني يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب قال: التقى سلمان وعبد الله بن سلام فقال أحدهما لصاحبه: إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه؟ فتوفي أحدهما فلقي الحي في المنام فكأنه سأله فقال: توكل وأبشر فلم أر مثل التوكل قط.
قلت: سلمان مات قبل عبد الله بسنوات.
أخبرنا سنقر الزينبي، أنبأنا علي بن محمد الجزري ويعيش بن علي قالا: أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب "ح" وقد أنبئت عن عبد المؤمن بن خلف الحافظ، أنبأنا الأعز بن فضائل أخبرتنا شهدة قالا: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج، أنبأنا الحسن بن عيسى بن المقتدر، أنبأنا أحمد بن منصور اليشكري، حدثنا أبو عبد الله بن عرفة، حدثني محمد بن موسى السامي، أنبأنا روح بن أسلم، أنبأنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن سلمان قال: كان في بني إسرائيل امرأة ذات جمال وكانت عند رجل يعمل
بالمسحاة فكانت إذا جاء الليل قدمت له طعامه وفرشت له فراشه فبلغ خبرها ملك ذلك العصر فبعث إليها عجوزا من بني إسرائيل.
فقالت لها: تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة! لو كنت عند الملك لكساك الحرير وفرش لك الديباج.
فلما وقع الكلام في مسامعها جاء زوجها بالليل فلم تقدم له طعامه ولم تفرش له فراشه فقال لها: ما هذا الخلق يا هنتاه؟ قالت: هو ما ترى أطلقك؟ قالت: نعم فطلقها فتزوجها ذلك الملك فلما زفت إليه نظر إليها فعمي ومد يده إليها فجفت فرفع نبي ذلك العصر خبرها إلى الله فأوحى الله إليه أعلمهما أني غير غافر لهما أما علما أن بعيني ما عملا بصاحب المسحاة.
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 3- ص: 309
سلمان الفارسي ومنهم سابق الفرس، ورائق العرس، الكادح الذي لا يبرح، والزاخر الذي لا ينزح، الحكيم، والعابد العليم، أبو عبد الله سلمان ابن الإسلام، رافع الألوية والأعلام، أحد الرفقاء والنجباء، ومن إليه تشتاق الجنة من الغرباء، ثبت على القلة والشدائد، لما نال من الصلة والزوائد. وقد قيل: «إن التصوف مقاساة القلق في مراعاة العلق»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو حذيفة، ثنا عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس، رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " السباق أربع: أنا سابق العرب، وصهيب سابق الروم، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة "
حدثنا أبو سعيد أحمد بن أبتاه بن شيبان العباداني بالبصرة، ثنا الحسن بن إدريس السجستاني، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الوسيم بن جميل، حدثني محمد بن مزاحم، عن صدقة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن سلمان، " أنه تزوج امرأة من كندة فبنى بها في بيتها، فلما كان ليلة البناء مشى معه أصحابه حتى أتى بيت امرأته، فلما بلغ البيت قال: ارجعوا آجركم الله، ولم يدخلهم عليها كما فعل السفهاء، فلما نظر إلى البيت، والبيت منجد، قال: أمحموم بيتكم أم تحولت الكعبة في كندة؟ قالوا: ما بيتنا بمحموم ولا تحولت الكعبة في كندة، فلم يدخل البيت حتى نزع كل ستر في البيت غير ستر الباب. فلما دخل رأى متاعا كثيرا فقال: لمن [ص:186] هذا المتاع؟ قالوا: متاعك ومتاع امرأتك، قال: ما بهذا أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم، أوصاني خليلي أن لا يكون متاعي من الدنيا إلا كزاد الراكب، ورأى خدما فقال: لمن هذا الخدم؟ فقالوا: خدمك وخدم امرأتك، فقال: ما بهذا أوصاني خليلي، أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا أمسك إلا ما أنكح، أو أنكح، فإن فعلت فبغين كان علي مثل أوزارهن من غير أن ينتقص من أوزارهن شيء، ثم قال للنسوة التي عند امرأته: هل أنتن مخرجات عني، مخليات بيني وبين امرأتي؟ قلن: نعم، فخرجن، فذهب إلى الباب حتى أجافه وأرخى الستر، ثم جاء حتى جلس عند امرأته فمسح بناصيتها ودعا بالبركة، فقال لها: هل أنت مطيعتي في شيء آمرك به؟ قالت: جلست مجلس من يطاع، قال: فإن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا اجتمعت إلى أهلي أن أجتمع على طاعة الله عز وجل، فقام وقامت إلى المسجد فصليا ما بدا لهما، ثم خرجا فقضى منها ما يقضي الرجل من امرأته، فلما أصبح غدا عليه أصحابه فقالوا: كيف وجدت أهلك؟ فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم أعادوا فأعرض عنهم، ثم قال: إنما جعل الله تعالى الستور والخدور والأبواب لتواري ما فيها، حسب امرئ منكم أن يسأل عما ظهر له، فأما ما غاب عنه فلا يسألن عن ذلك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المتحدث عن ذلك كالحمارين يتسافدان في الطريق»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن بكار الصيرفي، ثنا الحجاج بن فروخ الواسطي، ثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه قال: قدم سلمان من غيبة له، فتلقاه عمر فقال: أرضاك لله تعالى عبدا، قال: فزوجني، قال: فسكت عنه، فقال: أترضاني لله عبدا، ولا ترضاني لنفسك، فلما أصبح أتاه قوم عمر، فقال: حاجة؟ قالوا: نعم، قال: وما هي إذا تقضى؟ قالوا: تضرب عن هذا الأمر، يعنون خطبته إلى عمر، فقال: أما والله ما حملني على هذا إمرته ولا سلطانه، ولكن قلت: رجل صالح عسى الله أن يخرج مني ومنه نسمة صالحة. قال: فتزوج في كندة، فلما جاء يدخل على أهله إذا البيت منجد، وإذا فيه نسوة [ص:187] فقال: أتحولت الكعبة في كندة أم هي حمى، أمرني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إذا تزوج أحدنا أن لا يتخذ من المتاع إلا أثاثا كأثاث المسافر، ولا يتخذ من النساء إلا ما ينكح، أو ينكح قال: فقمن النسوة فخرجن فهتكن ما في البيت، ودخل على أهله، فقال: يا هذه أتطيعيني أم تعصيني؟ فقالت: بل أطيع، فمرني بما شئت فقد نزلت منزلة المطاع، فقال: إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا دخل أحدنا على أهله أن يقوم فيصلي، ويأمرها فتصلي خلفه، ويدعو ويأمرها أن تؤمن، ففعل وفعلت، قال: فلما أصبح جلس في مجلس كندة، فقال له رجل: يا أبا عبد الله كيف أصبحت؟ كيف رأيت أهلك؟ فسكت عنه، فعاد فسكت عنه، ثم قال: ما بال أحدكم يسأل عن الشيء قد وارته الأبواب والحيطان، إنما يكفي أحدكم أن يسأل عن الشيء، أجيب أو سكت عنه "
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا بشر بن موسى، ثنا خلاد بن يحيى، ثنا مسعر، ثنا عمرو بن مرة، عن أبي البحتري، قال: سئل علي بن أبي طالب عن سلمان، رضي الله تعالى عنهما فقال: «تابع العلم الأول والعلم الآخر، ولا يدرك ما عنده»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل، ثنا حبان بن علي، ثنا عبد الملك بن جريج، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن أبيه، وعن رجل، عن زاذان الكندي، قالا: كنا عند علي رضي الله تعالى عنه ذات يوم فوافق الناس منه طيب نفس ومزاح، فقالوا: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: عن أي أصحابي؟ قالوا: عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قال: كل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أصحابي، فعن أيهم؟ قالوا: عن الذين رأيناك تلطفهم بذكرك والصلاة عليهم دون القوم، حدثنا عن سلمان، قال: من لكم بمثل لقمان الحكيم؟ ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، بحر لا ينزف "
حدثنا عبد الله بن محمد بن عطاء، ثنا أحمد بن عمرو البزاز، ثنا السري بن محمد الكوفي، ثنا قبيصة بن عقبة، ثنا عمار بن زريق، عن أبي صالح، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، أن سلمان، رضي الله تعالى عنه دخل عليه فرأى امرأته رثة الهيئة فقال: ما لك؟ قالت: إن أخاك [ص:188] لا يريد النساء، إنما يصوم النهار ويقوم الليل، فأقبل على أبي الدرداء فقال: إن لأهلك عليك حقا، فصل ونم، وصم وأفطر. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لقد أوتي سلمان من العلم» رواه الأعمش، عن شمر بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء
حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة، ثنا أحمد بن علي بن المثنى، ثنا زهير بن حرب، ثنا جعفر بن عون، ثنا أبو العميس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: " جاء سلمان يزور أبا الدرداء، فرأى أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك ليست له حاجة في شيء من الدنيا، يقوم الليل ويصوم النهار، فلما جاء أبو الدرداء رحب به سلمان، فقرب إليه طعاما، فقال له سلمان: اطعم، قال: إني صائم، فقال سلمان: أقسمت عليك إلا طعمت، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل معه وبات عنده، فلما كان من الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان ثم قال: يا أبا الدرداء إن لربك عز وجل عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا، أعط كل ذي حق حقه، صم وأفطر، وقم ونم، وائت أهلك. فلما كان عند وجه الصبح قال: قم الآن، فقاما وتوضيا وصليا، ثم خرجا إلى الصلاة، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء فأخبره بما قال سلمان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا». مثل ما قال سلمان "
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد الله بن براد الأشعري، ثنا محمد بن بشر، ثنا مسعر، حدثني عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: " صحب سلمان رضي الله تعالى عنه رجل من بني عبس، قال: فشرب من دجلة شربة، فقال له سلمان: «عد فاشرب»، قال: قد رويت، قال: «أترى شربتك هذه نقصت منها؟» قال: وما ينقص منها شربة شربتها قال: «كذلك العلم لا ينقص، فخذ من العلم ما ينفعك»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن الحسن بن علي بن بحر، ثنا محمد بن مرزوق، ثنا عبيد بن [ص:189] واقد، ثنا حفص بن عمر السعدي، عن عمه، قال: قال سلمان لحذيفة: «يا أخا بني عبس إن العلم كثير، والعمر قصير، فخذ من العلم ما تحتاج إليه في أمر دينك، ودع ما سواه، فلا تعانه»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا قتيبة بن سعيد، وأبو كامل قالا: ثنا أبو عوانة، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، أن جيشا، من جيوش المسلمين كان أميرهم سلمان الفارسي، فحاصروا قصرا من قصور فارس، فقالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ فقال: دعوني أدعهم كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم، فقال لهم: «إنما أنا رجل منكم فارسي، أترون العرب تطيعني؟ فإن أسلمتم فلكم مثل الذي لنا، وعليكم مثل الذي علينا، وإن أبيتم إلا دينكم تركناكم عليه، وأعطيتمونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون»، قال: ورطن إليهم بالفارسية: «وأنتم غير محمودين، وإن أبيتم نابذناكم على سواء»، فقالوا: ما نحن بالذي نؤمن، وما نحن بالذي نعطي الجزية، ولكنا نقاتلكم، قالوا: يا أبا عبد الله ألا ننهد إليهم؟ قال: لا، فدعاهم ثلاثة أيام إلى مثل هذا، ثم قال: «انهدوا إليهم»، فنهدوا إليهم، قال: ففتحوا ذلك الحصن " ورواه حماد وجرير وإسرائيل وعلي بن عاصم، عن عطاء نحوه
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكندي، قال: أقبل سلمان في ثلاثة عشر راكبا، أو اثني عشر راكبا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلما حضرت الصلاة قالوا: تقدم يا أبا عبد الله، قال: إنا لا نؤمكم، ولا ننكح نساءكم، إن الله تعالى هدانا بكم "، قال: فتقدم رجل من القوم فصلى أربع ركعات، فلما سلم قال سلمان: «ما لنا وللمربعة، إنما كان يكفينا نصف المربعة، ونحن إلى الرخصة أحوج» قال عبد الرزاق: يعني في السفر
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا عبد الرزاق، ثنا الثوري، عن أبيه، عن المغيرة بن شبيل، عن طارق بن شهاب، أنه بات عند سلمان لينظر ما اجتهاده، قال: فقام يصلي من آخر الليل، فكأنه لم ير الذي كان يظن فذكر ذلك له، فقال سلمان: " حافظوا على هذه الصلوات الخمس، فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب المقتلة - يعني الكبائر، فإذا صلى الناس العشاء صدروا على ثلاث منازل [ص:190]: منهم من عليه ولا له، ومنهم له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه، فرجل اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فركب رأسه في المعاصي فذلك عليه ولا له، ومنهم من اغتنم ظلمة الليل وغفلة الناس فقام يصلي فذلك له ولا عليه، ومنهم من لا له ولا عليه فرجل صلى ثم نام فذلك لا له ولا عليه "
«إياك والحقحقة، وعليك بالقصد والدوام»
حدثنا القاسم بن أحمد بن القاسم، ثنا محمد بن الحسين الخثعمي، ثنا عباد بن يعقوب، ثنا موسى بن عمير، ثنا أبو ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، رضي الله تعالى عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نزل علي الروح الأمين فحدثني أن الله تعالى يحب أربعة من أصحابي»، فقال له من حضر: من هم يا رسول الله؟ فقال: «علي وسلمان وأبو ذر والمقداد» رضي الله تعالى عنهم "
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا جعفر بن محمد بن عيسى، ثنا محمد بن حميد، ثنا إبراهيم بن المختار، ثنا عمران بن وهب الطائي، عن أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اشتاقت الجنة إلى أربعة: علي والمقداد وعمار وسلمان "
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا الحسين بن علي بن الوليد الفسوي، ثنا أحمد بن حاتم، ثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي، ثنا عبيد المكتب، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة، حدثني سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه قال: " كنت رجلا من أهل جي، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق، فكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء، فقيل لي: إن الدين الذي تطلب إنما هو قبل المغرب، فخرجت حتى أتيت أداني أرض الموصل، فسألت عن أعلم أهلها فدللت على رجل في قبة - أو في صومعة - فأتيته فقلت: إني رجل من المشرق، وقد جئت في طلب الخير، فإن رأيت أن أصحبك وأخدمك وتعلمني مما علمك الله، قال: نعم، فصحبته، فأجرى علي مثل الذي يجري عليه من الحبوب والخل والزيت، فصحبته ما شاء الله أن أصحبه، ثم نزل به الموت، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي، قال: ما يبكيك؟ قلت: انقطعت من بلادي في طلب [ص:191] الخير فرزقني الله تعالى صحبتك، فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أذهب؟ قال: إلى أخ لي بمكان كذا وكذا، فائته فأقرئه مني السلام، وأخبره أني أوصيت بك إليه، واصحبه فإنه على الحق، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي قلت: إن أخاك فلانا يقرئك السلام، قال: وعليه السلام، ما فعل؟ قلت: هلك، وقصصت عليه قصتي ثم أخبرته أنه أمرني بصحبته، فقبلني وأحسن صحبتي وأجرى علي مثل ما كان يجري علي عند الآخر، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكيه، فقال: ما يبكيك؟ فقلت: أقبلت من بلادي فرزقني الله تعالى صحبة فلان فأحسن صحبتي وعلمني مما علمه الله، فلما نزل به الموت أوصى بي إليك، فأحسنت صحبتي وعلمتني مما علمك الله، وقد نزل بك الموت فلا أدري أين أتوجه؟ قال: إلى أخ لي على درب الروم، ائته فأقرئه مني السلام، وأخبره أني أمرتك بصحبته، فاصحبه فإنه على الحق، فلما هلك الرجل خرجت حتى أتيت الذي وصف لي فقلت: إن أخاك فلانا يقرئك السلام، قال: وعليه السلام، ما فعل؟ قلت: هلك، وقصصت عليه قصتي وأخبرته أنه أمرني بصحبتك، فقبلني وأحسن صحبتي وعلمني مما علمه الله عز وجل، فلما نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي، فقال: ما يبكيك؟ فقصصت عليه قصتي ثم قلت: رزقني الله عز وجل صحبتك وقد نزل بك الموت، فلا أدري أين أذهب، قال: لا أين، إنه لم يبق على دين عيسى ابن مريم عليه السلام أحد من الناس أعرفه، ولكن هذا أوان - أو إبان - نبي يخرج، أو قد خرج، بأرض تهامة، فالزم قبتي وسل من مر بك من التجار - وكان ممر تجار أهل الحجاز عليه إذا دخلوا الروم - وسل من قدم عليك من أهل الحجاز: هل خرج فيكم أحد يتنبأ؟ فإذا أخبروك أنه قد خرج فيهم رجل فأته فإنه الذي بشر به عيسى عليه السلام، وآيته أن بين كتفيه خاتم النبوة، وأنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، قال: فقبض الرجل ولزمت مكاني لا يمر بي أحد إلا سألته: من أي بلاد أنتم؟ حتى مر بي ناس من أهل مكة، فسألتهم: من أي بلاد أنتم؟ قالوا: من الحجاز، فقلت: هل خرج فيكم أحد يزعم أنه نبي؟ قالوا: نعم، قلت: هل لكم أن أكون عبدا لبعضكم على أن يحملني [ص:192] عقبه، ويطعمني الكسرة حتى يقدم بي مكة، فإذا قدم بي مكة فإن شاء باع وإن شاء أمسك، قال رجل من القوم: أنا، فصرت عبدا له، فجعل يحملني عقبه ويطعمني من الكسرة حتى قدمت مكة، فلما قدمت مكة جعلني في بستان له مع حبشان، فخرجت خرجة فطفت مكة فإذا امرأة من أهل بلادي فسألتها وكلمتها، فإذا مواليها وأهل بيتها قد أسلموا كلهم، وسألتها عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يجلس في الحجر - إذا صاح عصفور مكة - مع أصحابه، حتى إذا أضاء له الفجر تفرقوا، قال: فجعلت أختلف ليلتي كراهية أن يفتقدني أصحابي، قالوا: ما لك؟ قلت: أشتكي بطني، فلما كانت الساعة التي أخبرتني أنه يجلس فيها، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو محتب في الحجر وأصحابه بين يديه، فجئته من خلفه صلى الله عليه وسلم، فعرف الذي أريد فأرسل حبوته فسقطت فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، قلت في نفسي: الله أكبر هذه واحدة، فلما كان في الليلة المقبلة صنعت مثل ما صنعت في الليلة التي قبلها، لا ينكرني أصحابي، فجمعت شيئا من تمر، فلما كانت الساعة التي يجلس فيها النبي صلى الله عليه وسلم أتيته فوضعت التمر بين يديه، فقال: «ما هذا؟» قلت: صدقة، قال لأصحابه: «كلوا»، ولم يمد يديه، قال: قلت في نفسي: الله أكبر هذه ثنتان، فلما كان في الليلة الثالثة جمعت شيئا من تمر ثم جئت في الساعة التي يجلس فيها فوضعته بين يديه، قال: «ما هذا؟» قلت: هدية، فأكل وأكل القوم، قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، فسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصتي فأخبرته، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انطلق فاشتر نفسك»، فأتيت صاحبي فقلت: بعني نفسي، قال: نعم، أبيعك نفسك بأن تغرس لي مائة نخلة، إذا أثبتت وتبين ثباتها - أو نبتت وتبين نباتها - جئتني بوزن نواة من ذهب. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم [ص:193] فأخبرته، قال: «فأعطه الذي سألك»، وجئني بدلو من ماء البئر الذي يسقى - أو تسقي به - ذلك النخل "، قال: فانطلقت إلى الرجل فابتعت منه نفسي، فشرطت له الذي سألني، وجئت بدلو من ماء البئر الذي يسقى به ذلك النخل، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فانطلقت فغرست به ذلك النخل، فوالله ما غدرت منه نخلة واحدة، فلما تبين ثبات النخل - أو نبات النخل - أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أنه قد تبين ثبات النخل - أو نباته - فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوزن نواة من ذهب فأعطانيها، فذهبت بها إلى الرجل فوضعتها في كفة الميزان، ووضع له نواة في الجانب الآخر، فوالله ما قلت من الأرض، فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لو كنت شرطت له وزن كذا وكذا لرجحت تلك القطعة عليه»، فانطلقت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكنت معه " رواه الثوري عن عبيد المكتب مختصرا ورواه السلم بن الصلت العبدي، عن أبي الطفيل مطولا
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أبو حبيب يحيى بن نافع المصري، ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا ابن لهيعة، حدثني يزيد بن أبي حبيب، ثنا السلم بن الصلت العبدي، عن أبي الطفيل البكري، أن سلمان الخير، حدثه قال: كنت رجلا من أهل جي - مدينة أصبهان - فبينا أنا إذ ألقى الله تعالى في قلبي من خلق السماوات والأرض. فانطلقت إلى رجل لم يكن يكلم الناس يتحرج فسألته: أي الدين أفضل؟ فقال: ما لك ولهذا الحديث، أتريد دينا غير دين أبيك؟ قلت: لا، ولكن أحب أن أعلم من رب السماوات والأرض، وأي دين أفضل؟ قال: ما أعلم أحدا على هذا غير راهب بالموصل، قال: فذهبت إليه فكنت عنده، فإذا هو قد أقتر عليه في الدنيا، فكان يصوم النهار ويقوم الليل، فكنت أعبد كعبادته، فلبثت عنده ثلاث سنين ثم توفي، فقلت: إلى من توصي بي؟ فقال: ما أعلم أحدا من [ص:194] أهل المشرق على ما أنا عليه، فعليك براهب وراء الجزيرة فأقرئه مني السلام. قال: فجئته فأقرأته منه السلام وأخبرته أنه قد توفي، فمكثت أيضا عنده ثلاث سنين ثم توفي، فقلت: إلى من تأمرني أن أذهب؟ قال: ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه غير راهب بعمورية شيخ كبير، وما أرى تلحقه أم لا، فذهبت إليه فكنت عنده فإذا رجل موسع عليه، فلما حضرته الوفاة قلت له: أين تأمرني أذهب؟ قال: ما أعلم أحدا من أهل الأرض على ما أنا عليه، ولكن إن أدركت زمانا تسمع برجل يخرج من بيت إبراهيم عليه السلام - وما أراك تدركه - وقد كنت أرجو أن أدركه، فإن استطعت أن تكون معه فافعل فإنه الدين، وأمارة ذلك أن قومه يقولون: ساحر مجنون كاهن، وأنه يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، وأن عند غضروف كتفه خاتم النبوة. قال: فبينا أنا كذلك حتى أتت عير من نحو المدينة، فقلت: من أنتم؟ قالوا: نحن من أهل المدينة، ونحن قوم تجار نعيش بتجارتنا، ولكنه قد خرج رجل من أهل بيت إبراهيم فقدم علينا، وقومه يقاتلونه وقد خشينا أن يحول بيننا وبين تجارتنا، ولكنه قد ملك المدينة. قال: فقلت: ما يقولون فيه؟ قال: يقولون: ساحر مجنون كاهن، فقلت: هذه الأمارة، دلوني على صاحبكم، فجئته فقلت: تحملني إلى المدينة، فقال: ما تعطيني؟ قلت: ما أجد شيئا أعطيك غير أني لك عبد، فحملني، فلما قدمت جعلني في نخله فكنت أسقى كما يسقى البعير حتى دبر ظهري وصدري من ذلك، ولا أجد أحدا يفقه كلامي حتى جاءت عجوز فارسية تسقي فكلمتها ففهمت كلامي، فقلت لها: أين هذا الرجل الذي خرج؟ دليني عليه، قالت: سيمر عليك بكرة إذا صلى الصبح من أول النهار، فخرجت فجمعت تمرا فلما أصبحت جئت ثم قربت إليه التمر، فقال: ما هذا، أصدقة أم هدية؟ فأشرت أنه صدقة، فقال: «انطلق إلى هؤلاء»، وأصحابه عنده، فأكلوا ولم يأكل، فقلت: هذه الأمارة، فلما كان من الغد جئت بتمر فقال: ما هذا؟ فقلت: هذه هدية، فأكل ودعا أصحابه فأكلوا، ثم رآني أتعرض لأنظر إلى الخاتم فعرف فألقى رداءه، فأخذت أقبله وألتزمه، فقال [ص:195]: «ما شأنك؟» فسألني فأخبرته خبري، فقال: «اشترطت لهم أنك عبد فاشتر نفسك منهم». فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحيي له ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبا، ثم هو حر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اغرس»، فغرس: «ثم انطلق فألق الدلو على البئر ثم لا ترفعه حين يرتفع، فإنه إذا امتلأ ارتفع، ثم رش في أصولها»، ففعل فنبت النخل أسرع النبات، فقالوا: سبحان الله ما رأينا مثل هذا العبد، إن لهذا العبد لشأنا. فاجتمع عليه الناس فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تبرا فإذا فيه أربعون أوقية " ورواه محمد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن ابن عباس، عن سلمان، وقال: كنت فارسيا من أهل أصبهان من قرية جي ورواه داود بن أبي هند، عن سماك، عن سلامة العجلي، عن سلمان بطوله، وقال: كنت من أهل رامهرمز. ورواه سيار، عن موسى بن سعيد الراسبي، عن أبي معاذ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن سلمان بطوله ورواه إسرائيل، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي قرة الكندي، عن سلمان
حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن أحمد، ثنا محمد بن محمد بن سليمان، ثنا عبد الله بن العباس بن البختري، حدثني خالد بن الحباب، ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي، أنه قال: «قد تداولني بضعة عشر من رب إلى رب»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن شعيب التاجر، ثنا محمد بن عيسى الدامغاني، ثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: دخل سعد على سلمان رضي الله عنهم يعوده فقال: أبشر أبا عبد الله، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، قال: كيف يا سعد وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب» كذا رواه الدامغاني، عن جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر ورواه أبو معاوية وغيره، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أشياخه
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا أبو معاوية، ثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن أشياخه، أن سعد بن أبي وقاص، " دخل على سلمان يعوده فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك [ص:196] تلقى أصحابك وترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض؟ فقال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال: «ليكن بلغة أحدكم من الدنيا كزاد الراكب»، وهذه الأساود حولي، وإنما حوله مطهرة - أو إنجانة - ونحوها، فقال له سعد: اعهد إلينا عهدا نأخذ به بعدك، فقال له: اذكر ربك عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت " رواه مورق العجلي والحسن البصري، وسعيد بن المسيب وعامر بن عبد الله، عن سلمان
حدثنا أبي، ثنا زكريا الساجي، ثنا هدبة بن خالد، ثنا حماد بن سلمة، عن حبيب، عن الحسن، وحميد، عن مورق العجلي، أن سلمان، لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب»، قالا: فلما مات نظروا في بيته فلم يروا في بيته إلا إكافا ووطاء ومتاعا، قوم نحوا من عشرين درهما " وممن رواه عن الحسن السري بن يحيى، والربيع بن صبيح، والفضل بن دلهم، ومنصور بن زاذان وغيرهم، عن الحسن
حدثنا أبو يحيى محمد بن الحسن بن كوثر، ثنا بشر بن موسى، ثنا عبد الصمد بن حسان، ثنا السري بن يحيى، عن الحسن، قال: لما حضر سلمان الوفاة جعل يبكي، فقيل له: يا أبا عبد الله، ما يبكيك؟ أليس فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض؟ فقال: والله ما بي جزع الموت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا: «ليكن متاع أحدكم من الدنيا كزاد الراكب»
وحديث سعيد بن المسيب حدثناه أبي، ثنا زكريا الساجي، ثنا هدبة بن خالد، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، أن سعد بن مالك وعبد الله بن مسعود دخلا على سلمان رضي الله تعالى عنهم يعودانه فبكى، فقالا: ما يبكيك أبا عبد الله؟ فقال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحفظه أحد منا، قال: «ليكن بلاغ أحدكم كزاد [ص:197] الراكب»
وحديث عامر بن عبد الله حدثناه أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب، أخبرني أبو هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عامر بن عبد الله، عن سلمان الخير، أنه حين حضره الموت عرفنا فيه بعض الجزع فقالوا: ما يجزعك أبا عبد الله، وقد كان لك السابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحا عظاما؟ فقال: يحزنني أن حبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم عهد إلينا حين فارقنا فقال: «ليكف المؤمن كزاد الراكب»، فهذا الذي أحزنني ". قال: فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا كذا قال عامر بن عبد الله دينارا، واتفق الباقون على بضعة عشر درهما ورواه أنس بن مالك، عن سلمان رضي الله تعالى عنهما
حدثناه عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أحمد بن عمرو البزاز، ثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني، ثنا عبد الرزاق، ثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: دخلت على سلمان فقلت له: لم تبكي؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أن يكون زادك في الدنيا كزاد الراكب "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثني محمد بن عبيد بن ميمون الجدعاني، ثنا عتاب بن بشير، عن علي بن بذيمة، قال: «بيع متاع سلمان رضي الله تعالى عنه فبلغ أربعة عشر درهما»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا أحمد بن داود المكي، قال: ثنا قيس بن حفص الدارمي، ثنا مسلمة بن علقمة المازني، ثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي، قال: جاء ابن أخت لي من البادية يقال له: قدامة، فقال لي: أحب أن ألقى سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه فأسلم عليه، فخرجنا إليه فوجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا، ووجدناه على سرير يسف خوصا، فسلمنا عليه قلت: يا أبا عبد الله، هذا ابن أخت لي قدم علي من البادية فأحب أن يسلم عليك، قال: وعليه السلام ورحمة الله، قلت: يزعم أنه يحبك، قال: «أحبه الله»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا سيار، ثنا جعفر، ثنا هشام، ثنا الحسن، قال: كان عطاء سلمان رضي الله تعالى عنه خمسة آلاف [ص:198] درهم، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده "
حدثنا أبو بكر الطلحي، ثنا عبيد بن غنام، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، ثنا مسعر، ثنا عمر بن قيس، عن عمرو بن أبي قرة الكندي، قال: " عرض أبي على سلمان أخته أن يزوجه، فأبى فتزوج مولاة يقال لها: بقيرة، فبلغ أبا قرة أنه كان بين حذيفة وبين سلمان رضي الله تعالى عنهما شيء، فأتاه فطلبه فأخبر أنه في مبقلة له، فتوجه إليه فلقيه معه زنبيل فيه بقل قد أدخل عصاه في عروة الزنبيل وهو على عاتقه، فانطلقنا حتى أتينا دار سلمان فدخل الدار فقال: السلام عليكم، ثم أذن لأبي قرة، فإذا نمط موضوع وعند رأسه لبنات وإذا قرطاط، فقال: اجلس على فراش مولاتك التي تمهد لنفسها "
حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا محمد بن عبد الله بن عمار، ثنا المعافى بن عمران، عن عبد الأعلى بن أبي المساور، عن عكرمة، عن الحارث بن عميرة، قال: " انطلقت حتى أتيت المدائن فإذا أنا برجل عليه ثياب خلقان ومعه أديم أحمر يعركه، فالتفت فنظر إلي فأومأ بيده: مكانك يا عبد الله، فقمت وقلت لمن كان عندي: من هذا الرجل؟ قالوا: هذا سلمان، فدخل بيته فلبس ثياب بياض ثم أقبل وأخذ بيدي وصافحني وسألني فقلت: يا عبد الله، ما رأيتني فيما مضى ولا رأيتك، ولا عرفتني ولا عرفتك، قال: بلى، والذي نفسي بيده لقد عرفت روحي روحك حين رأيتك، ألست الحارث بن عميرة؟ فقلت: بلى، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الله ائتلف، وما تناكر منها في الله اختلف»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا الحسن بن علي بن الوليد، ثنا محمد بن الصباح، ثنا سعيد بن محمد، ثنا موسى الجهني، عن زيد بن وهب، عن عطية بن عامر، قال: رأيت سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أكره على طعام يأكله، فقال: حسبي حسبي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أكثر الناس [ص:199] شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة»
«يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر»
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي، ومحمد بن عاصم، قالا: ثنا أبو القاسم البغوي، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت أبا البختري، يحدث، عن رجل، من بني عبس قال: صحبت سلمان رضي الله تعالى عنه، فذكر ما فتح الله تعالى على المسلمين من كنوز كسرى، فقال: إن الذي أعطاكموه وفتحه لكم وخولكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حي، ولقد كانوا يصبحون وما عندهم دينار ولا درهم ولا مد من طعام، ثم ذاك يا أخا بني عبس، ثم مررنا ببنادر تذري فقال: إن الذي أعطاكموه وخولكم وفتحه لكم لممسك خزائنه ومحمد صلى الله عليه وسلم حي، لقد كانوا يصبحون وما عندهم دينار ولا درهم ولا مد من طعام، ثم ذاك يا أخا بني عبس " رواه الأعمش ومسعر، عن عمرو مثله. ورواه عطاء بن السائب، عن أبي البختري نحوه
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا وكيع، عن جعفر بن برقان، عن حبيب بن أبي مرزوق، عن ميمون بن مهران، عن رجل، من بني عبد القيس قال: " رأيت سلمان في سرية هو أميرها على حمار وعليه سراويل وخدمتاه تذبذبان، والجند يقولون: قد جاء الأمير، فقال سلمان: «إنما الخير والشر بعد اليوم»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبو صالح الحكم بن موسى، ثنا ضمرة، عن ابن شوذب، قال: " كان سلمان رضي الله تعالى عنه يحلق رأسه زقية، قال: فيقال له: ما هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: «إنما العيش عيش الآخرة»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا مسعدة بن سعد العطار، ثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا سفيان بن حمزة، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، أن سهل بن حنيف، حدثه أنه كان بين سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وبين إنسان منازعة، فقال سلمان [ص:200]: " اللهم إن كان كاذبا فلا تمته حتى يدركه أحد الثلاثة، فلما سكن عنه الغضب قلت: يا أبا عبد الله، ما الذي دعوت به على هذا؟ قال: " أخبرك: فتنة الدجال، وفتنة أمير كفتنة الدجال، وشح شحيح يلقى على الناس إذا أصاب الرجل لا يبالي مما أصابه "
حدثنا محمد بن علي، ثنا عبد الله بن محمد المنيعي، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، أن سلمان، رضي الله تعالى عنه دعا رجلا إلى طعامه، فجاء مسكين فأخذ الرجل كسرة فناوله، فقال سلمان: «ضعها من حيث أخذتها، فإنما دعوناك لتأكل، فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك، والوزر عليك»
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، قال: سمعت حبيب بن الشهيد، يحدث عن عبد الله بن بريدة «أن سلمان، كان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما - أو سمكا - ثم يدعو المجذمين فيأكلون معه»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا سفيان بن وكيع، ثنا أبو خالد الأحمر، عن أبي غفار، عن أبي عثمان النهدي، أن سلمان الفارسي، قال: إني لأحب أن آكل من كد يدي "
حدثنا حبيب بن الحسن، ثنا أبو مسلم الكشي، ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، رضي الله تعالى عنه قال: «لو يعلم الناس عون الله للضعيف ما غالوا بالظهر»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا عبد الله بن سوار، ثنا حماد بن سلمة، ثنا ثابت البناني، أن أبا الدرداء، ذهب مع سلمان رضي الله تعالى عنهما يخطب عليه امرأة من بني ليث، فدخل فذكر فضل سلمان وسابقته وإسلامه، وذكر أنه يخطب إليهم فتاتهم فلانة، فقالوا: أما سلمان فلا نزوجه، ولكنا نزوجك، فتزوجها ثم خرج فقال: إنه قد كان شيء، وإني أستحي أن أذكره لك، قال: وما ذاك؟ فأخبره أبو الدرداء بالخبر، فقال سلمان: «أنا أحق أن أستحي منك أن أخطبها، وكان الله تعالى قد قضاها لك»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، حدثني إسماعيل بن إبراهيم، ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي، قالا: ثنا أيوب، عن [ص:201] أبي قلابة، أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن، فقال: ما هذا؟ فقال: بعثنا الخادم في عمل - أو قال: في صنعة - فكرهنا أن نجمع عليه عملين - أو قال: صنعتين - ثم قال: فلان يقرئك السلام، قال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: فقال: «أما إنك لو لم تؤدها كانت أمانة لم تؤدها»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن أبي عبيدة بن معن، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن الأعمش، عن أبي البختري، قال: جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله البجلي إلى سلمان رضي الله عنهم فدخلا عليه في خص في ناحية المدائن، فأتياه فسلما عليه وحيياه، ثم قالا: أنت سلمان الفارسي؟ قال: «نعم» قالا: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: «لا أدري» فارتابا وقالا: لعله ليس الذي نريد، فقال لهما: «أنا صاحبكما الذي تريدان، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجالسته، وإنما صاحبه من دخل معه الجنة»، فما حاجتكما؟ قالا: جئناك من عند أخ لك بالشام، قال: «من هو؟» قالا: أبو الدرداء، قال: «فأين هديته التي أرسل بها معكما؟» قالا: ما أرسل معنا بهدية، قال: «اتقيا الله وأديا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية» قالا: لا ترفع علينا هذا، إن لنا أموالا فاحتكم فيها، فقال: «ما أريد أموالكما، ولكن أريد الهدية التي بعث بها معكما»، قالا: لا والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال: إن فيكم رجلا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا به لم يبغ أحدا غيره، فإذا أتيتماه فأقرئاه مني السلام، قال: «فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه، وأي هدية أفضل من السلام تحية من عند الله مباركة طيبة؟»
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جرير، عن الأعمش، عن العلاء بن بدر، عن أبي نهيك، وعبد الله بن حنظلة، قال: كنا مع سلمان في جيش فقرأ رجل سورة مريم، قال: فسبها رجل وابنها، قال: فضربناه حتى أدميناه، قال: فأتى سلمان فاشتكى، وقبل ذلك ما كان قد اشتكى إليه، قال: وكان الإنسان إذا ظلم اشتكى إلى سلمان، قال: فأتانا فقال: لم ضربتم هذا الرجل؟ قال: قلنا: قرأنا سورة مريم فسب مريم وابنها، قال: ولم تسمعونهم ذاك؟
ألم تسمعوا قول الله عز وجل: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [الأنعام: 108] بما لا يعلمون، ثم قال: يا معشر العرب، ألم تكونوا شر الناس دينا، وشر الناس دارا، وشر الناس عيشا، فأعزكم الله وأعطاكم، أتريدون أن تأخذوا الناس بعزة الله؟ والله لتنتهن أو ليأخذن الله عز وجل ما في أيديكم فليعطينه غيركم، ثم أخذ يعلمنا فقال: صلوا ما بين صلاتي العشاء؛ فإن أحدكم يخفف عنه من حزبه، ويذهب عنه ملغاة أول الليل فإن ملغاة أول الليل مهدمة لآخره " رواه أبو إسرائيل الملائي عن العلاء نحوه
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا يزيد بن عبد العزيز، عن الأعمش، قال: سمعتهم يذكرون، أن حذيفة، قال لسلمان رضي الله تعالى عنهما: يا أبا عبد الله، ألا أبني لك بيتا؟ قال: فكره ذلك قال: «رويدك حتى أخبرك أني أبني لك بيتا إذا اضطجعت فيه، رأسك من هذا الجانب ورجلاك من الجانب الآخر، وإذا قمت أصاب رأسك» قال سلمان: كأنك في نفسي "
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن سالم، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن جرير، قال: قال سلمان: «يا جرير، تواضع لله؛ فإنه من تواضع لله تعالى في الدنيا رفعه يوم القيامة»
«يا جرير، هل تدري ما الظلمات يوم القيامة؟» قلت: لا أدري، قال: «ظلم الناس بينهم في الدنيا»، قال: ثم أخذ عويدا لا أكاد أن أراه بين أصبعيه، قال: «يا جرير، لو طلبت في الجنة مثل هذا العود لم تجده» قال: قلت: يا أبا عبد الله، فأين النخل والشجر؟ قال: «أصولها اللؤلؤ والذهب، وأعلاها الثمر» ورواه جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، نحوه
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن شمر بن عطية، أن سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه قال: «أكثر الناس ذنوبا يوم القيامة أكثرهم كلاما في معصية الله عز وجل»
حدثنا محمد بن علي، ثنا أبو القاسم البغوي، ثنا علي بن الجعد، أخبرنا زهير، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: قال سلمان رضي الله تعالى عنه: «إني لأعد عراق القدر مخافة أن أظن بخادمي» رواه الثوري، عن أبي إسحاق، مثله
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا أبو العباس السراج، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جرير، عن الأعمش، عن عبيد بن أبي الجعد، عن رجل، من أشجع قال: " سمع الناس، بالمدائن أن سلمان، في المسجد فأتوه فجعلوا يثوبون إليه، حتى اجتمع إليه نحو من ألف، قال: فقام فجعل يقول: اجلسوا اجلسوا فلما جلسوا فتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدعون ويذهبون حتى بقي في نحو من مائة، فغضب وقال: «الزخرف من القول أردتم، ثم قرأت عليكم كتاب الله فذهبتم» كذا رواه الثوري، عن الأعمش، وقال: «الزخرف تريدون؟ آية من سورة كذا، وآية من سورة كذا»
حدثنا إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، قال: جاء رجل إلى سلمان رضي الله تعالى عنه فقال: ما أحسن صنيع الناس اليوم، إني سافرت فوالله ما أنزل بأحد منهم إلا كما أنزل على ابن أبي، قال: ثم قال: من حسن صنيعهم ولطفهم، قال: «يا ابن أخي ذاك طرفة الإيمان، ألم تر الدابة إذا حمل عليها حملها انطلقت به مسرعة، وإذا تطاول بها السير تتلكأ»
حدثنا الحسن بن علان، ثنا محمد بن هارون بن بدينا، ثنا محمد بن الصباح، ثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن سلمان، قال: «لكل امرئ جواني وبراني، فمن يصلح جوانيه يصلح الله برانيه، ومن يفسد جوانيه يفسد الله برانيه» رواه الثوري ووهب وخالد، عن عطاء، مثله
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا جرير، وأبو معاوية، عن الأعمش، عن سليمان بن ميسرة، عن طارق بن شهاب، عن سلمان، رضي الله تعالى عنه قال: «دخل رجل الجنة في ذباب، ودخل آخر النار في ذباب»، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: " مر رجلان ممن كان قبلكم على ناس معهم صنم لا يمر بهم أحد إلا قرب لصنمهم، فقالوا لأحدهم: قرب شيئا، قال: ما معي شيء، قالوا: قرب ولو ذبابا، فقرب ذبابا ومضى فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب شيئا، قال: ما كنت لأقرب لأحد دون الله فقتلوه فدخل الجنة " رواه شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق مثله ورواه جرير، عن منصور، عن المنهال بن عمرو، عن حيان بن [ص:204] مرثد، عن سلمان نحوه
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد، ثنا عبد الله بن شيرويه، ثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: «لو بات رجل يعطي البيض القيان، وبات آخر يتلو كتاب الله عز وجل ويذكر الله تعالى». قال سليمان: كأنه يرى أن الذي يذكر الله أفضل " رواه يحيى القطان، عن سليمان التيمي قال: لو بات رجل يطاعن الأقران لكان الذاكر التالي أفضل حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى القطان به
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا أحمد بن علي الجارود، ثنا عبد الله بن سعيد الكندي، ثنا حفص بن غياث، وأبو يحيى التيمي، قالا: عن ليث، عن عثمان، عن زاذان، عن سلمان، رضي الله تعالى عنه قال: «إن الله تعالى إذا أراد بعبد شرا أو هلكة نزع منه الحياء، فلم تلقه إلا مقيتا ممقتا، فإذا كان مقيتا ممقتا نزعت منه الرحمة فلم تلقه إلا فظا غليظا، فإذا كان كذلك نزعت منه الأمانة فلم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا كان كذلك نزعت ربقة الإسلام من عنقه فكان لعينا ملعنا»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا وكيع، عن محمد بن قيس، عن سلم بن عطية الأسدي، قال: دخل سلمان رضي الله تعالى عنه على رجل يعوده وهو في النزع فقال: أيها الملك ارفق به، قال: يقول الرجل: إنه يقول: «إني بكل مؤمن رفيق»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن زهير، ثنا أبو إسحاق، عن أوس بن ضمعج، قال: سألنا سلمان رضي الله تعالى عنه، عن عمل نعمله، فقال: «تفشي السلام، وتطعم الطعام، وتصلي والناس نيام»
حدثنا أبو محمد بن شعيب، ثنا عبد الله بن محمد البغوي، ثنا عبد الله بن محمد التيمي، حدثنا حماد بن سلمة، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، رضي الله تعالى عنه قال: " ما من مسلم يكون بقي من الأرض فيتوضأ أو يتيمم ثم يؤذن ويقيم إلا أم جنودا من [ص:205] الملائكة لا يرى طرفهم - أو قال: لا يرى طرفاهم "
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني مصعب بن عبد الله، حدثني مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد، أن أبا الدرداء " كتب إلى سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: «إن الأرض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا فتدخل النار». فكان أبو الدرداء إذا قضى بين اثنين فأدبرا عنه نظر إليهما وقال: متطبب والله، ارجعا إلي أعيدا قصتكما " رواه جرير، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن هبيرة، أن سلمان كتب إليه فذكر نحوه
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الصمد بن حسان، ثنا السري بن يحيى، عن مالك بن دينار، أن سلمان، كتب إلى أبي الدرداء: «إنه بلغني أنك جلست طبيبا تداوي الناس، فانظر أن تقتل مسلما فتجب لك النار»
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا القاسم بن محمد العبسي، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن سلمان، رضي الله تعالى عنه قال: " مثل القلب والجسد مثل أعمى ومقعد، قال المقعد: إني أرى ثمرة ولا أستطيع أن أقوم إليها فاحملني، فحمله فأكل وأطعمه "
حدثنا محمد بن علي، ثنا عبد الله بن المنعي، ثنا محمد بن جعفر الوركاني، ثنا أبو معشر، عن محمد بن كعب، عن المغيرة بن عبد الرحمن، قال: لقي سلمان الفارسي عبد الله بن سلام قال: «إن مت قبلي فأخبرني ما تلقى، وإن مت قبلك أخبرك»، قال: فمات سلمان فرآه عبد الله بن سلام فقال: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: «بخير»، قال: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: «وجدت التوكل شيئا عجيبا» رواه علي بن زيد ويحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، مثله وقال سلمان: عليك بالتوكل، نعم الشيء التوكل، ثلاث مرار
حدثنا أبو أحمد، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق بن راهويه، أخبرنا جرير، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: «كانت امرأة فرعون تعذب، فإذا انصرفوا أظلتها [ص:206] الملائكة بأجنحتها، وترى بيتها في الجنة وهي تعذب»
حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد، ثنا عبد الله بن محمد بن شيرويه، ثنا إسحاق بن راهويه، ثنا جرير، ثنا سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن سلمان، قال: «جوع لإبراهيم عليه السلام أسدان ثم أرسلا عليه، فجعلا يلحسانه ويسجدان له»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن نافع بن جبير بن مطعم، أن سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه كان يلتمس مكانا يصلي فيه، فقالت له علجة: «التمس قلبا طاهرا وصل حيث شئت» فقال: فقهت " رواه جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران نحوه
حدثناه إبراهيم بن عبد الله، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران، قال: نزل حذيفة وسلمان رضي الله تعالى عنهما على نبطية فقالا لها: هل ههنا مكان طاهر نصلي فيه؟ فقالت النبطية: طهر قلبك، فقال: أحدهما للآخر: «خذها حكمة من قلب كافر»
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري، قال: أصاب سلمان جارية، فقال لها بالفارسية: «صلي»، قالت: لا، قال: «اسجدي واحدة»، قالت: لا، فقيل: يا أبا عبد الله، وما تغني عنها سجدة؟ قال: «إنها لو صلت صلت، وليس من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له»
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا أبو يحيى الرازي، ثنا هناد بن السري، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن سعيد بن وهب، قال: " دخلت مع سلمان رضي الله تعالى عنه على صديق له من كندة يعوده، فقال له سلمان: «إن الله تعالى يبتلي عبده المؤمن بالبلاء ثم يعافيه فيكون كفارة لما مضى فيستعتب فيما بقي، وإن الله عز اسمه يبتلي عبده الفاجر بالبلاء ثم يعافيه فيكون كالبعير عقلوه أهله ثم أطلقوه، فلا يدري فيم عقلوه حين عقلوه، ولا فيم أطلقوه حين أطلقوه»
حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد، حدثنا عبد الرحمن بن داود، قال: ثنا أحمد بن عبد الوهاب، ثنا أبو المغيرة، ثنا صفوان بن عمرو، ثنا أبو سعيد [ص:207] الوهبي، عن سلمان الخير، رضي الله تعالى عنه قال: " إنما مثل المؤمن في الدنيا كمثل مريض معه طبيبه الذي يعلم داءه ودواءه، فإذا اشتهى ما يضره منعه وقال: لا تقربه؛ فإنك إن أصبته أهلكك، ولا يزال يمنعه حتى يبرأ من وجعه، وكذلك المؤمن يشتهي أشياء كثيرة مما فضل به غيره من العيش فيمنعه الله إياه ويحجزه عنه حتى يتوفاه فيدخله الجنة "
حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا كثير بن هشام، ثنا جعفر بن برقان، قال: بلغنا أن سلمان الفارسي، رضي الله تعالى عنه كان يقول: " أضحكني ثلاث، وأبكاني ثلاث: ضحكت من مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل لا يغفل عنه، وضاحك ملء فيه لا يدري أمسخط ربه أم مرضيه. وأبكاني ثلاث: فراق الأحبة محمد وحزبه، وهول المطلع عند غمرات الموت، والوقوف بين يدي رب العالمين حين لا أدري إلى النار انصرافي أم إلى الجنة "
حدثنا سليمان بن أحمد، ثنا محمد بن علي الصايغ، ثنا محمد بن معاوية، ثنا الهذيل بن بلال الفزاري، عن سالم، مولى زيد بن صوحان قال: كنت مع مولاي زيد بن صوحان في السوق فمر علينا سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه وقد اشترى وسقا من طعام، فقال له زيد: يا أبا عبد الله، تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت، وتفرغت للعبادة، وأيس منها الوسواس»
حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا أبو المعتمر، ثنا سفيان بن عيينة، ثنا ابن أبي غنية، عن أبيه، قال: قال سلمان: «إن النفس إذا أحرزت رزقها اطمأنت»
حدثنا أبو عمرو بن حمدان، ثنا الحسن بن سفيان، ثنا علي بن حجر، ثنا حماد بن عمرو، عن سعيد بن معروف، عن سعيد بن سوقة، قال: " دخلنا على سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه نعوده وهو مبطون، فأطلنا الجلوس عنده فشق عليه فقال لامرأته: «ما فعلت بالمسك الذي جئنا به من بلنجر؟» فقالت: هو ذا، قال: «ألقيه في الماء، ثم اضربي بعضه ببعض، ثم انضحي حول فراشي؛ فإنه الآن يأتينا قوم ليسوا بإنس ولا جن، ففعلت وخرجنا عنه ثم أتيناه فوجدناه قد قبض رضي الله تعالى عنه»
حدثنا [ص:208] سليمان بن أحمد ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو هشام الرفاعي، ثنا عبيد الله بن موسى، ثنا شيبان، عن فراس، عن الشعبي، قال: حدثني الخزل، عن امرأة، سلمان بقيرة قالت: لما حضر سلمان الموت دعاني وهو في علية لها أربعة أبواب فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة، فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي، ثم دعا بمسك له ثم قال: أذيفيه في تور، ففعلت ثم قال: انضحيه حول فراشي ثم انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتريني على فراشي، فاطلعت فإذا هو قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه " - أو نحوا من هذا
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 185
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 185
سلمان الفارسي وذكر سلمان الفارسي أبا عبد الله في أصل الصفة، وقد تقدم ذكرنا لبعض أحواله، وأنه كان أحد النجباء والسباق من الغرباء
حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن حبان، ثنا عمرو بن الحصين، ثنا عبد العزيز بن مسلم، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله تحاتت خطاياه كما تحات عذق النخلة»
حدثنا أبو محمد بن حيان، ثنا محمد بن عبد الرحيم بن [ص:368] شبيب، ثنا إسحاق الطائي الكوفي، ثنا عمرو بن خالد الكوفي، ثنا أبو هاشم الرماني، عن زاذان أبي عمر الكندي، عن سلمان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا شفيع لكل رجلين تحابا في الله، من مبعثي إلى يوم القيامة»
دار الكتاب العربي - بيروت-ط 0( 1985) , ج: 1- ص: 367
السعادة -ط 1( 1974) , ج: 1- ص: 367
سلمان الفارسي أبو عبد الله يقال: إنه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعرف بسلمان الخير، كان أصله من فارس من رامهرمز، من قرية يقال لها جي. ويقال: بل كان أصله من أصبهان لخبر قد ذكرته في التمهيد، وهناك ذكرت حديث إسلامه بتمامه، وكان إذا قيل له: ابن من أنت؟ قال: أنا سلمان ابن الإسلام من بني آدم.
وروى أبو إسحاق السبيعي، عن أبي قرة الكندي، عن سلمان الفارسي، قال: كنت من أبناء أساورة فارس- في حديث طويل ذكره.
وكان سلمان يطلب دين الله تعالى، ويتبع من يرجو ذلك عنده، فدان بالنصرانية وغيرها، وقرأ الكتب، وصبر في ذلك على مشقات نالته، وذلك كله مذكور في خبر إسلامه.
وذكر سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي أنه تداوله في ذلك بضعة عشر ربا، من رب إلى رب، حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومن الله عليه بالإسلام.
وقد روي من وجوه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتراه على العتق.
وروى زيد بن الحباب. قال: حدثني حسين بن واقد، عن عبد الله ابن بريدة، عن أبيه، أن سلمان الفارسي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقال: هذه صدقة عليك وعلى أصحابك. فقال: يا سلمان، إنا- أهل البيت- لا تحل لنا الصدقة. فرفعها ثم جاء من الغد بمثلها، فقال: هذه هدية. فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم، من
اليهود بكذا وكذا درهما، وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل بعمل فيها سلمان حتى تدرك، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل كله إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فأطعم النخل كله إلا تلك النخلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من غرسها؟ فقالوا: عمر. فقلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وغرسها، فأطعمت من عامها. وذكر معمر، عن رجل من أصحابه، قال: دخل قوم على سلمان، وهو أمير على المدائن وهو يعمل هذا الخوص، فقيل له: لم تعمل هذا وأنت أمير يجري عليك رزق؟ فقال: إني أحب أن آكل من عمل يدي.
وذكر أنه تعلم عمل الخوص بالمدينة من الأنصار عند بعض مواليه.
أول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، فقال أبو سفيان وأصحابه، إذ رأوه: هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها. وقد قيل: إنه شهد بدرا، وأحدا، إلا أنه كان عبدا يومئذ، والأكثر أن أول مشاهده الخندق، ولم يفته بعد ذلك مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان خيرا فاضلا حبرا عالما زاهدا متقشفا.
ذكر هشام بن حسان، عن الحسن، قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها.
وذكر ابن وهب وابن نافع عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده، فيعيش منه، ولا يقبل من أحد شيئا. قال: ولم يكن له بيت، وإنما كان يستظل بالجذور والشجر، وإن رجلا قال له: ألا أبنى لك بيتا تسكن فيه؟ فقال: ما لي به حاجة، فما زال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك.
قال: فصفه لي. قال: أبني لك بيتا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه، وإن أنت مددت فيه رجليك أصاب أصابعهما الجدار. قال: نعم، فبنى له بيتا كذلك.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه أنه قال: لو كان الدين عند الثريا لناله سلمان. وفي رواية أخرى: لناله رجال من فارس. وروينا عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي من حديث ابن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أمرني ربي بحب أربعة، وأخبرني أنه سبحانه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان. وروى قتادة، عن خيثمة، عن أبي هريرة، قال: كان سلمان صاحب الكتابين. قال قتادة: يعني الإنجيل والفرقان.
أخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا ابن المفسر، قال: حدثنا أحمد بن علي بن سعيد، قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال حدثنا جرير، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي أنه سئل عن سلمان. فقال: علم
العلم الأول والآخر، بحر لا ينزف، وهو منا أهل البيت. هذه رواية أبي البختري، عن علي.
وفي رواية زادان أبي عمر عن علي قال: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم، ثم ذكر مثل خبر أبي البختري. وقال كعب الأحبار: سلمان حشي علما وحكمة.
وذكر مسلم، حدثنا محمد بن حاتم، أخبرنا بهز، أخبرنا بهز، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن معاوية بن قرة، عن عائذ بن عمرو- أن أبا سفيان أتى على سلمان، وصهيب وبلال في نفر، فقالوا: ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم. وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك جل وعلا، فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه، أغضبتكم؟ قالوا: لا، يا أبا بكر، يغفر الله لك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بينه وبين أبي الدرداء، فكان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء.
وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء فرأى أم الدرداء مبتذلة فقال: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك ليس له حاجة في شيء من الدنيا. قال: فلما جاء أبو الدرداء رحب سلمان وقرب له طعاما. قال سلمان: اطعم. قال: إني صائم. قال: أقسمت عليك إلا ما طعمت، إني لست بآكل حتى تطعم.
قال: وبات سلمان عند أبي الدرداء، فلما كان الليل قام أبو الدرداء فحبسه سلمان.
قال: يا أبا الدرداء، إن لربك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، وإن لجسدك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. قال: فلما كان وجه الصبح قال: قم الآن. فقاما فصليا، ثم خرجا إلى الصلاة. قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه أبو الدرداء وأخبره بما قال سلمان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال سلمان.
ذكره علي بن المديني، عن جعفر بن عون عن أبي العميس، عن عون ابن أبي جحيفة، عن أبيه، وله أخبار حسان وفضائل جمة رضي الله عنه.
توفي سلمان رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان سنة خمس وثلاثين. وقيل: بل توفي سنة ست وثلاثين في أولها. وقيل: توفى في آخر خلافة عمر.
والأول أكثر، والله أعلم.
قال الشعبي: توفي سلمان في علية لأبي قرة الكندي بالمدائن.
روى عنه من الصحابة ابن عمر، وابن عباس، وأنس، وأبو الطفيل.
يعد في الكوفيين. روينا عن سلمان أنه تلا هذه الآية.. {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} فقال له زيد بن صوحان: يا أبا عبد الله، وذكر الخبر.
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 2- ص: 634
سلمان الفارسي.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير.
يعني ابن عبد الله. والأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه أن سلمان كان يكنى أبا عبد الله.
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن عوف عن أبي عثمان النهدي قال: قال لي سلمان أتعلم مكان رام هرمز؟ قلت: نعم. قال: فإني من أهلها.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا سفيان عن عبيد أبي العلاء عن عامر بن واثلة عن سلمان قال: أنا من أهل جي.
قال: أخبرنا يوسف بن البهلول قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال: كنت رجلا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي. وكان أبي دهقان أرضه. وكنت من أحب عباد الله إليه فما زال في حبه إياي حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية. قال فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قاطن النار التي نوقدها لا نتركها تخبو. وكانت لأبي ضيعة في بعض عمله وكان يعالج بنيانا له في داره فدعاني فقال: أي بني إنه قد شغلني بنياني كما ترى فانطلق إلى ضيعتي فلا تحبس علي فإنك إن فعلت شغلتني عن كل ضيعة وكنت أهم عندي مما أنا فيه. فخرجت فمررت بكنيسة للنصارى فسمعت صلاتهم فيها فدخلت عليهم انظر ما يصنعون فلم أزل عندهم. وأعجبني ما رأيت من صلاتهم وقلت في نفسي: هذا خير من ديننا الذي نحن عليه. فما برحتهم حتى غابت الشمس وما ذهبت إلى ضيعة أبي ولا رجعت إليه حتى بعث الطلب في أثري. وقد قلت للنصارى حين أعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام. قال ثم خرجت فرجعت إلى أبي فقال: أي بني أين كنت؟ قد كنت عهدت إليك وتقدمت ألا تحتبس.
قال قلت: إني مررت على ناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من أمرهم وصلاتهم ورأيت أن دينهم خير من ديننا. قال فقال لي: أي بني دينك ودين آبائك خير من دينهم. قال قلت: كلا والله. قال فخافني فجعل في رجلي حديدا وحبسني.
وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني قد رضيت أمرهم وقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام فآذنوني. فقدم عليهم ركب منهم من التجار فأرسلوا إلي فأرسلت إليهم: إن أرادوا الرجوع فآذنوني. فلما أرادوا الرجوع أرسلوا إلي فرميت بالحديد من رجلي ثم خرجت فانطلقت معهم إلى الشام. فلما قدمت سألت عن عالمهم فقيل لي صاحب الكنيسة أسقفهم. قال فأتيته فأخبرته خبري وقلت: إني أحب أن أكون معك أخدمك وأصلي معك وأتعلم منك فإني قد رغبت في دينك. قال: أقم. فكنت معه. وكان رجل سوء في دينه. وكان يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه الأموال اكتنزها لنفسه حتى جمع سبع قلال دنانير ودراهم. ثم مات فاجتمعوا ليدفنوه. قال قلت: تعلمون أن صاحبكم هذا كان رجل سوء. فأخبرتهم ما كان يصنع في صدقتهم.
قال فقالوا: فما علامة ذلك؟ قال قلت: أنا أدلكم على ذلك. فأخرجته فإذا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا. فلما رأوها قالوا: والله لا نغيبه أبدا. ثم صلبوه على خشبة ورجموه بالحجارة وجاؤوا بآخر فجعلوه مكانه. قال سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس كان خيرا منه أعظم رغبة في الآخرة ولا أزهد في الدنيا ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه.
وأحببته حبا ما علمت أني أحببت شيئا كان قبله. فلما حضره قدره قلت له: إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى فماذا تأمرني وإلى من توصي بي؟ قال: أي بني ما أرى أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل. فأما الناس فقد بدلوا وهلكوا. فلما توفي أتيت صاحب الموصل فأخبرته بعهده إلي أن ألحق به وأكون معه.
قال: أقم. فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم على مثل ما كان عليه صاحبه. ثم حضرته الوفاة فقلت: إنه قد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي؟ قال: أي بني والله
ما أعلم أحدا على أمرنا إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به. قال فأتيت على رجل على مثل ما كان عليه صاحباه فأخبرته خبري فأقمت معه ما شاء الله أن أقيم. فلما حضرته الوفاة قلت له: إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان وفلان إلى فلان وفلان إليك.
فإلى من توصي بي؟ قال: أي بني. والله ما أعلم أحدا من الناس على ما نحن عليه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم فإن استطعت أن تلحق به فالحق. فلما توفي لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري وخبر من أوصى بي حتى انتهيت إليه فقال: أقم. فأقمت عنده فوجدته على مثل ما كان عليه أصحابه. فمكثت عنده ما شاء الله أن أمكث وثاب لي شيء حتى اتخذت بقرات وغنيمة. ثم حضرته الوفاة فقلت له: إلى من توصي بي؟
فقال لي: أي بني. والله ما أعلم أنه أصبح في الأرض أحد على مثل ما كنا عليه آمرك أن تأتيه. ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم الحنيفية يخرج من أرض مهاجره وقراره ذات نخل بين حرتين. فإن استطعت أن تخلص إليه فاخلص وإن به آيات لا تخفى. إنه لا يأكل الصدقة وهو يأكل الهدية وإن بين كتفيه خاتم النبوة إذا رأيته عرفته. قال: ومات فمر بي ركب من كلب فسألتهم عن بلادهم فأخبروني عنها فقلت: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني حتى تقدموا بي أرضكم. قالوا: نعم. فاحتملوني حتى قدموا بي وادي القرى فظلموني فباعوني عبدا من رجل من يهود فرأيت بها النخل. وطمعت أن تكون البلدة التي وصفت لي وما حقت لي ولكني قد طمعت حين رأيت النخل. فأقمت عنده حتى قدم رجل من يهود بني قريظة فابتاعني منه ثم خرج بي حتى قدمت المدينة. فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي وأيقنت أنها هي البلدة التي وصفت لي. فأقمت عنده أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم وخفي علي أمره حتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف. فو الله إني لفي رأس نخلة وصاحبي جالس تحتي إذ أقبل رجل من يهود من بني عمه حتى وقف عليه فقال: أي فلان. قاتل الله بني قيلة إنهم آنفا ليتقاصفون على رجل بقباء قدم من مكة فرجفت النخلة حتى ظننت لأسقطن على صاحبي. ثم نزلت سريعا أقول: ماذا تقول. ما هذا الخبر؟ قال فرفع سيدي يده فلكمني لكمة شديدة ثم قال: ما لك ولهذا؟ أقبل على عملك. قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبته هذا الخبر الذي سمعته يذكر. قال: أقبل على شأنك. قال: فأقبلت على عملي ولهيت منه. فلما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه فقلت: إنه بلغني أنك ليس بيدك شيء وإن معك أصحابا لك. وأنكم أهل حاجة وغربة وقد كان عندي شيء وضعته للصدقة فلما ذكر لي مكانكم رأيتكم أحق الناس به فجئتكم به. ثم وضعته له [فقال رسول الله. ص: كلوا]. وأمسك هو. قال قلت في نفسي: هذه والله واحدة. ثم رجعت وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجمعت شيئا ثم جئته فسلمت عليه وقلت له: إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به من هدية أهديتها كرامة لك ليست بصدقة. فأكل وأكل أصحابه. قال قلت في نفسي: هذه أخرى. قال ثم رجعت فمكثت ما شاء الله ثم أتيته فوجدته في بقيع الغرقد قد تبع جنازة وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة مرتديا بالأخرى. قال فسلمت عليه ثم عدلت لأنظر في ظهره فعرف أني أريد ذلك وأستثبته. قال فقال بردائه فألقاه عن ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة كما وصف لي صاحبي. قال فأكببت عليه أقبل الخاتم من ظهره وأبكي. قال فقال: تحول عنك. فتحولت فجلست بين يديه فحدثته حديثي كما حدثتك يا ابن عباس فأعجبه ذلك. فأحب أن يسمعه أصحابه. ثم أسلمت وشغلني الرق وما كنت فيه حتى فاتني بدر وأحد. [ثم قال لي رسول الله. ص: كاتب. فسألت صاحبي ذلك فلم أزل حتى كاتبني على أن أحيي له بثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية من ورق. ثم قال رسول الله. ص: أعينوا أخاكم بالنخل. فأعانني كل رجل بقدره بالثلاثين والعشرين والخمس عشرة والعشر. ثم قال: يا سلمان اذهب ففقر لها فإذا أنت أردت أن تضعها فلا تضعها حتى تأتيني فتؤذنني فأكون أنا الذي أضعها بيدي]. فقمت في تفقيري فأعانني أصحابي حتى فقرنا شربا ثلاثمائة شربة. وجاء كل رجل بما أعانني به من النخل.
ثم جاء رسول الله فجعل يضعها بيده وجعل يسوي عليها شربها ويبرك حتى فرغ منها رسول الله جميعا. فلا والذي نفس سلمان بيده ما ماتت منه ودية وبقيت الدراهم. فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في أصحابه إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابها من بعض المعادن فتصدق بها إليه. [فقال رسول الله. ص: ما فعل الفارسي المسكين المكاتب؟ ادعوه لي. فدعيت له فجئت فقال: اذهب بهذه فأدها عنك مما عليك من المال. قال وقلت: وأين يقع هذا مما علي يا رسول الله؟ قال: إن الله سيؤدي عنك].
[قال ابن إسحاق: فأخبرني يزيد بن أبي حبيب أنه كان في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعها يومئذ على لسانه ثم قلبها ثم قال لي: اذهب فأدها عنك].
ثم عاد حديث ابن عباس ويزيد أيضا. قال سلمان: فو الذي نفسي بيده لوزنت له منها أربعين أوقية حتى وفيته الذي له. وعتق سلمان وشهد الخندق وبقية مشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حرا مسلما حتى قبضه الله.
قال: أخبرنا يوسف بن البهلول قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن رجل من عبد القيس أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: حدثني من حدثه سلمان أنه كان في حديثه حين ساقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن صاحب عمورية قال له: أرأيت رجلا بكذا وكذا من أرض الشام بين غيضتين يخرج من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة في كل سنة ليلة ثم يخرج مثلها من العام القابل ليلة من السنة معلومة فيتعرضه الناس يداوي الأسقام يدعو لهم فيشفون فأت فسله عن هذا الذي تلتمس. قال فجئت حتى أقمت مع الناس بين تينك الغيضتين. فلما كان الليلة التي يخرج فيها من الغيضة إلى الغيضة التي يدخل. خرج وغلبوني عليه حتى دخل الغيضة الأخرى. وتوارى مني إلا منكبه. فتناولته فأخذت بمنكبه فلم يلتفت إلي وقال: ما لك؟ قلت: أسألك عن دين إبراهيم الحنيفية. قال: إنك تسأل عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم. قد أظلك نبي يخرج من عند هذا البيت يأتي بهذا الدين الذي تسأل عنه فالحق به. ثم انصرفت. [قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين حدثه بهذا الحديث: لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد لقيت عيسى ابن مريم].
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي عن سلمان قال: كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمسمائة فسيلة فإذا علقت فأنا حر. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم [فقال: إذا أردت أن تغرس فآذني]. قال فآذنته فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلا واحدة غرستها بيدي فعلقن جمع إلا الواحدة التي غرست.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي قرة الكندي عن سلمان الفارسي قال: كنت من أبناء أساورة فارس وكنت في كتاب.
وكان معي غلامان. فكانا إذا رجعا من عند معلمهما أتيا قسا فدخلا عليه فدخلت معهما فقال لهما: ألم أنهكما أن تأتياني بأحد؟ قال فجعلت أختلف إليه حتى كنت
أحب إليه منهما فقال لي: إذا سألك أهلك ما حبسك؟ فقل معلمي. وإذا سألك معلمك ما حبسك؟ فقل أهلي. ثم إنه أراد أن يتحول فقلت: أنا أتحول معك.
فتحولت معه فنزل قرية فكانت امرأة تأتيه. فلما حضر قال: يا سلمان احفر عند رأسي. فحفرت فاستخرجت جرة من دراهم فقال لي: صبها على صدري. فصببتها على صدره. ثم إنه مات فهممت بالدراهم أن أحويها أو أحولها شك عبيد الله. ثم إني ذكرت ثم آذنت القسيسين والرهبان به فحضروه فقلت: إنه قد ترك مالا. فقام شباب في القرية فقالوا: هذا مال أبينا كانت سريته تأتيه. فأخذوه فقلت للرهبان: أخبروني برجل عالم أتبعه. فقالوا: ما نعلم اليوم في الأرض رجلا أعلم من رجل بحمص. فانطلقت إليه فلقيته فقصصت عليه القصة فقال: وما جاء بك إلا طلب العلم. قال فإني لا أعلم اليوم في الأرض أحدا أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة وإن انطلقت الآن وافقت حماره. قال فانطلقت فإذا بحماره على باب بيت المقدس فجلست عنده حتى خرج فقصصت عليه القصة قال: وما جاء بك إلا طلب العلم. قلت: نعم. قال: اجلس. فانطلق فلم أره حتى الحول فجاء فقلت: يا عبد الله ما صنعت بي؟ قال: وإنك هاهنا؟ قلت: نعم. قال: فإني والله ما أعلم اليوم في الأرض رجلا أعلم من رجل خرج بأرض تيماء. وإن تنطلق الآن توافقه. فيه ثلاث آيات: يأكل الهدية. ولا يأكل الصدقة. وعند غضروف كتفه اليمنى خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة لونها لون جلده. قال فانطلقت ترفعني أرض وتخفضني أخرى حتى مررت على قوم من الأعراب فاستعبدوني فباعوني فاشترتني امرأة بالمدينة.
فسمعتهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم وكان العيش عزيزا فقلت لها: هبي لي يوما. فقالت: نعم. فانطلقت فاحتطبت حطبا فبعته [فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم وكان يسيرا. فوضعته بين يديه فقال: ما هذا؟ فقلت: صدقة. فقال لأصحابه: كلوا. ولم يأكل. قلت هذه من علامته. فمكثت ما شاء الله أن أمكث ثم قلت لمولاتي: هبي لي يوما. قالت: نعم. فانطلقت فاحتطبت حطبا فبعته بأكثر من ذلك وصنعت طعاما فأتيت به النبي وهو جالس بين أصحابه فوضعته بين يديه فقال: ما هذا؟ قلت: هدية. فوضع يده وقال لأصحابه: خذوا بسم الله. فقمت خلفه فوضع رداءه فإذا خاتم النبوة فقلت: أشهد أنك رسول الله. قال: وما ذاك؟ فحدثته عن الرجل ثم قلت: أيدخل الجنة يا رسول الله؟ فإنه حدثني أنك نبي. قال: لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة].
قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الأسدي عن يونس عن الحسن قال: [قال رسول الله. ص: سلمان سابق فارس].
قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال: حدثني كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق من أجم الشيخين طرف بني حارثة عام ذكرت الأحزاب خطة من المذاد فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي. وكان رجلا قويا. فقال المهاجرون: سلمان منا. وقالت الأنصار: لا بل سلمان منا. [فقال رسول الله. ص: سلمان منا أهل البيت].
قال عمرو بن عوف: فدخلت أنا وسلمان وحذيفة بن اليمان ونعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار تحت أصل ذباب فضربنا حتى بلغنا الندى فأخرج الله صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا فقلت لسلمان: ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية. فرقى إليه سلمان فقال: يا رسول الله صخرة بيضاء خرجت من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا فإما أن نعدل عنها والمعدل قريب أو تأمرنا بها بأمرك فإنا لا نحب أن نجاوز خطك. [فقال: أرني معولك يا سلمان. فقبض معوله ثم هبط علينا فكنا على شقة الخندق فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتحا فضرب ضربة صدعها وبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح.
فكبرنا. ثم ضرب الثانية فبرق منها برقة أضاء ما بين لابتيها حتى كأن مصباحا في جوف بيت مظلم. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبير فتح فكبرنا. ثم ضرب الثالثة فكسرها وبرق منها برقة أضاء ما بين قبتيها فكبر تكبير فتح فكبرنا. ثم رقي حتى إذا كان في مقعد سلمان قال سلمان: يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط. فالتفت إلى القوم فقال: هل رأيتم؟ قالوا: نعم. بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله. رأيناك تضرب فخرج برق كالموج فتكبر فنكبر لا نرى ضياء غير ذلك.
قال: صدقتم. ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم فأضاء لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق الذي رأيتم أضاء لي معها قصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب. وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها. ثم ضربت
الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاء لي معها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبرائيل أن أمتي ظاهرة عليها يبلغهم النصر فأبشروا. يرددها ثلاثا. فابتشر المسلمون وقالوا: موعود صادق بار وعدنا النصر بعد الحصر والفتوح. فتراءوا الأحزاب. فقال الله: {ولما رأ المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} الأحزاب: 22 - 23. إلى آخر الآية.]
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني سفيان بن عيينة عن أيوب عن ابن سيرين أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء. وكذلك قال محمد بن إسحاق.
قال: أخبرنا أبو عامر العقدي قال: أخبرنا شعبة عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال قال: أوخي بين سلمان وأبي الدرداء فسكن أبو الدرداء الشام وسكن سلمان الكوفة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عاصم الأحول عن أنس قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة آخى بين سلمان وحذيفة.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبيه قال: وأخبرنا محمد بن عمر قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري أنهما كانا ينكران كل مؤاخاة كانت بعد بدر ويقولان: قطعت بدر المواريث.
وسلمان يومئذ في رق. وإنما عتق بعد ذلك. وأول غزاة غزاها الخندق سنة خمس من الهجرة.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح قال: نزل سلمان على أبي الدرداء. وكان أبو الدرداء إذا أراد أن يصلي منعه سلمان وإذا أراد أن يصوم منعه. فقال: أتمنعني أن أصوم لربي وأصلي لربي؟ فقال: إن لعينك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم. [فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد أشبع سلمان علما].
قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: أخبرنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة فقيل له هو نائم. قال: فقال
ما له؟ قالوا: إنه إذا كان ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة. قال: فأمرهم فصنعوا طعاما في يوم جمعة ثم أتاهم فقال: كل. قال: إني صائم. فلم يزل به حتى أكل. ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك [فقال النبي. ص: عويمر سلمان أعلم منك وهو يضرب على فخذ أبي الدرداء عويمر سلمان أعلم منك ثلاث مرات لا تخص ليلة الجمعة بقيام بين الليالي ولا تخص يوم الجمعة بصيام بين الأيام].
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا أبو عوانة قال: حدثنا قتادة أن سلمان أتى أبا الدرداء فشكت إليه أم الدرداء أنه يقوم الليل ويصوم النهار. فبات عنده فلما أراد القيام حبسه حتى نام. فلما أصبح صنع له طعاما فلم يزل به حتى أفطر. فأتى أبو الدرداء النبي صلى الله عليه وسلم [فقال النبي: عويمر سلمان أعلم منك. لا تحقحق فتقطع ولا تحبس فتسبق. أقصد تبلغ سير الركابات تطأ فيها البردين والخفقتين من الليل].
أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال: [سئل علي عن سلمان فقال: أوتي العلم الأول والعلم الآخر. لا يدرك ما عنده].
قال: أخبرنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن زاذان قال: [سئل علي عن سلمان الفارسي فقال: ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت. من لكم بمثل لقمان الحكيم. علم العلم الأول والعلم الآخر وقرأ الكتاب الأول وقرأ الكتاب الآخر وكان بحرا لا ينزف].
قال: أخبرنا حماد بن عمرو النصيبي قال: حدثنا زيد بن رفيع عن معبد الجهني عن يزيد بن عميرة السكسكي وكان تلميذا لمعاذ أن معاذا أمره أن يطلب العلم من أربعة أحدهم سلمان الفارسي.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن الأعمش عن شمر بن عطية عن رجل من بني عامر عن خال له أن سلمان لما قدم على عمر قال للناس: اخرجوا بنا نتلق سلمان.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن إسماعيل بن سميع عن عمار الدهني عن سالم بن أبي الجعد أن عمر جعل عطاء سلمان ستة آلاف.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: أخبرنا إسرائيل عن إسماعيل بن سميع عن مالك بن عمير قال: كان عطاء سلمان الفارسي أربعة آلاف.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا إسرائيل عن إسماعيل بن سميع عن
مسلم البطين قال: كان عطاء سلمان أربعة آلاف.
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي عن مسلم البطين قال: كان عطاء سلمان أربعة آلاف.
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا أبو المليح عن ميمون قال: كان عطاء سلمان الفارسي أربعة آلاف وعطاء عبد الله بن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة.
فقلت: ما شأن هذا الفارسي في أربعة آلاف وابن أمير المؤمنين في ثلاثة آلاف وخمسمائة؟ قالوا: إن سلمان شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدا لم يشهده ابن عمر.
قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الجرمي قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها. وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يديه.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا يزيد بن مردانبة عن خليفة بن سعيد المرادي عن عمه قال: رأيت سلمان الفارسي بالمدائن في بعض طرقها يمشي فزحمته حملة من قصب فأوجعته فتأخر إلى صاحبها الذي يسوقها فأخذ بعضده فحركه ثم قال: لا مت حتى تدرك إمارة الشباب.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين عن ثابت أن سلمان كان أميرا على المدائن وكان يخرج إلى الناس في أندرورد وعباءة فإذا رأوه قالوا: كرك آمذ كرك آمذ. فيقول سلمان: ما يقولون؟ قالوا: يشبهونك بلعبة لهم. فيقول سلمان: لا عليهم فإنما الخير فيما بعد اليوم.
قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا أبو المليح عن حبيب بن أبي مرزوق عن هريم قال: رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني قصير ضيق الأسفل. وكان رجلا طويل الساقين كثير الشعر. وقد ارتفع القميص حتى بلغ قريبا من ركبتيه. قال ورأيت الصبيان يحضرون خلفه فقلت: ألا تنحون عن الأمير؟ فقال: دعهم فإنما الخير والشر فيما بعد اليوم.
قال: أخبرنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن برقان عن حبيب بن أبي مرزوق عن ميمون بن مهران عن رجل من عبد القيس قال: كنت مع سلمان الفارسي وهو أمير على سرية فمر بفتيان من فتيان الجند فضحكوا وقالوا: هذا أميركم؟ فقلت: يا أبا عبد الله ألا ترى هؤلاء ما يقولون؟ قال: دعهم فإنما الخير والشر فيما بعد اليوم.
إن استطعت أن تأكل من التراب فكل منه ولا تكونن أميرا على اثنين. واتق دعوة المظلوم والمضطر فإنها لا تحجب.
قال: أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثنا ثابت قال: كان سلمان أميرا على المدائن فجاء رجل من أهل الشام من بني تيم الله معه حمل تين. وعلى سلمان أندرورد وعباءة. فقال لسلمان: تعال احمل. وهو لا يعرف سلمان. فحمل سلمان فرآه الناس فعرفوه فقالوا: هذا الأمير. قال: لم أعرفك. فقال له سلمان: لا حتى أبلغ منزلك.
قال: أخبرنا وهب بن جرير بن حازم قال: حدثنا أبي قال: سمعت شيخا من بني عبس عن أبيه قال: أتيت السوق فاشتريت علفا بدرهم فرأيت سلمان ولا أعرفه فسخرته فحملت عليه العلف. فمر بقوم فقالوا: نحمل عنك يا أبا عبد الله. فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سلمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: لم أعرفك. ضعه عافاك الله. فأبى حتى أتى به منزلي فقال: قد نويت فيه نية فلا أضعه حتى أبلغ بيتك.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم وروح بن عبادة قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن خالد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم طأطأ رأسه وقال: خشعت لله.
قال: أخبرنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر بن برقان قال: بلغني أنه قيل لسلمان الفارسي: ما يكرهك الإمارة؟ قال: حلاوة رضاعتها ومرارة فطامها.
قال: أخبرنا وكيع بن الجراح عن هشام بن الغازي عن عبادة بن نسي أن سلمان كان له حبى من عباء وهو أمير الناس.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا مالك بن أنس أن سلمان الفارسي كان يستظل بالفيء حيث ما دار ولم يكن له بيت. فقال له رجل: ألا أبني لك بيتا تستظل به من الحر وتسكن فيه من البرد؟ فقال له سلمان: نعم. فلما أدبر صاح به فسأله سلمان: كيف تبنيه؟ فقال: أبنيه إن قمت فيه أصابك رأسك وإن اضطجعت فيه أصاب رجلك. فقال سلمان: نعم.
قال: أخبرنا أبو داود سليمان بن داود الطيالسي ويحيى بن عباد قالا: أخبرنا شعبة عن سماك قال: سمعت النعمان بن حميد يقول: دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص. فسمعته يقول: أشتري خوصا بدرهم فأعمله فأبيعه دراهم فأعيد درهما فيه وأنفق درهما على عيالي وأتصدق بدرهم. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عنه ما انتهيت.
قال: أخبرنا وهب بن جرير قال: حدثنا شعبة عن حبيب بن الشهيد عن عبد الله بن بريدة قال: كان سلمان إذا أصاب الشيء اشترى به لحما ثم دعا المحدثين فأكلوه معه.
قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا أبو الأحوص عن حصين عن إبراهيم التيمي قال: كان سلمان إذا وضع الطعام بين يديه قال: الحمد لله الذي كفانا المؤونة وأحسن الرزق.
قال: أخبرنا للفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد قال: كان سلمان إذا أكل قال: الحمد لله الذي كفانا المؤونة وأوسع علينا في الرزق.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال حدثنا شعبة. قال أبو إسحاق أنبأني قال: سمعت حارثة بن مضرب قال: سمعت سلمان يقول إني لأعد العراقة على الخادم خشية الظن.
قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا سفيان عن أبي جعفر الفراء عن أبي ليلى الكندي قال: قال غلام سلمان: كاتبني. قال: ألك شيء؟ قال: لا.
قال: فمن أين؟ قال: أسأل الناس. قال: تريد أن تطعمني غسالة الناس.
قال: أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن أبي جعفر قال: سمعت أبا ليلى قال: قال غلام لسلمان: كاتبني. قال: ألك مال؟ قال: لا. قال: أتأمرني أن آكل غسالة أيدي الناس؟ قال وسرق علف دابته فقال لجاريته أو لغلامه: ولولا أني أخاف القصاص لضربتك.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا وهيب بن خالد قال: حدثنا أيوب عن أبي قلابة أن رجلا دخل على سلمان وهو يعجن. قال فقال: أين الخادم؟ قال: بعثناها لحاجة فكرهنا أن نجمع عليها عملين. قال: إن فلانا يقرئك السلام. فقال له سلمان: منذ كم قدمت؟ قال: منذ ثلاثة أيام. قال: أما إنك لو لم تؤدها لكانت أمانة لم تؤدها.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن حجاج عن أبي إسحاق عن عمرو بن أبي قرة قال: قال سلمان لا نؤمكم في مساجدكم ولا ننكح نساءكم. يعني العرب.
قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق وغيره قالوا: كان سلمان يقول لنفسه: سلمان بمير. يقول: مت.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه قالوا: دخل سعد بن أبي وقاص على سلمان يعوده. قال فبكى سلمان فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض. وتلقى أصحابك.
وترد عليه الحوض. قال سلمان: والله ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الدنيا ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا [فقال: لتكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب وحولي هذه الأساود]. قال وإنما حوله جفنة أو مطهرة أو إجانة. قال فقال له سعد: يا أبا عبد الله اعهد إلينا بعهد نأخذه بعدك. فقال: يا سعد اذكر الله عند همك إذا هممت وعند حكمك إذا حكمت وعند يدك إذا قسمت.
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أن سعد بن مسعود وسعد بن مالك دخلا على سلمان يعودانه فبكى فقالا له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يحفظه منا أحد. قال: [ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب].
قال: أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا جبلة بن عطية عن رجاء بن حيوة قال: قال أصحاب سلمان لسلمان: أوصنا. فقال: من استطاع منكم أن يموت حاجا أو معتمرا أو غازيا أو في نقل القراءة فليمت. ولا يموتن أحدكم فاجرا ولا خائنا.
قال: أخبرنا حفص بن عمر الحوضي قال: حدثنا يزيد بن إبراهيم قال: حدثنا الحسن قال: وأخبرنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا أبو الأشهب قال: حدثنا الحسن قال: لما حضر سلمان الفارسي ونزل به الموت بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أما
والله ما أبكي جزعا من الموت ولا حرصا على الرجعة ولكن إنما أبكي لأمر عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخشى أن لا نكون حفظنا وصية نبينا صلى الله عليه وسلم إنه قال [لنا: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب].
قال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا أبو الأشهب قال: حدثنا الحسن قال: عاد الأمير سلمان في مرضه فقال له سلمان: أما أنت أيها الأمير فاذكر الله عند همك إذا هممت وعند لسانك إذا حكمت وعند يدك إذا قسمت. قم عني. والأمير يومئذ سعد بن مالك.
قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا محمد بن سوقة عن الشعبي قال: لما حضرت سلمان الوفاة قال لصاحبة منزله: هلمي خبيك الذي استخبأتك. قالت: فجئته بصرة مسك. قال فقال: ائتيني بقدح فيه ماء. فنثر المسك فيه ثم ماثه بيده ثم قال: انضحيه حولي فإنه يحضرني خلق من خلق الله يجدون الريح ولا يأكلون الطعام ثم اجفئي علي الباب وانزلي. قالت ففعلت وجلست هنيهة فسمعت هسهسة. قالت ثم صعدت فإذا هو قد مات.
قال: أخبرنا عبد الله بن نمير عن الأجلح عن عامر الشعبي قال: أصاب سلمان صرة مسك يوم فتحت جلولاء فاستودعها امرأته. فلما حضرته الوفاة قال: هاتي هذه المسكة. فمرسها في ماء ثم قال: انضحيها حولي فإنه يأتيني زوار الآن. قال ففعلت فلم يمكث بعد ذلك إلا قليلا حتى قبض.
قال: أخبرنا عبيد الله بن موسى قال: حدثنا شيبان عن فراس عن الشعبي قال: حدثني الجزل عن امرأة سلمان بقيرة أنه لما حضرته الوفاة. يعني سلمان. دعاني وهو في علية له لها أربعة أبواب فقال: افتحي هذه الأبواب يا بقيرة فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي. ثم دعا بمسك له فقال: أديفيه في تنور.
ففعلت ثم قال: انضحيه حول فراشي ثم انزلي فامكثي فسوف تطلعين فتري على فراشي. فاطلعت فإذا هو قد أخذ روحه فكأنما هو نائم على فراشه ونحوا من هذا.
قال: أخبرنا عارم بن الفضل قال: حدثنا حماد بن زيد قال: وأخبرنا المعلى بن أسد قال: حدثنا وهيب بن خالد قالا: حدثنا عطاء بن السائب أن سلمان حين حضرته الوفاة دعا بصرة من مسك كان أصابها من بلنجر فأمر بها أن تداف وتجعل حول فراشه. وقال: فإنه يحضرني الليلة ملائكة يجدون الريح ولا يأكلون الطعام.
قال: أخبرنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن سلام أن سلمان قال له: أي أخي. أينا مات قبل صاحبه فليتراء له. قال عبد الله بن سلام: أويكون ذلك؟ قال: نعم إن نسمة المؤمن مخلاة تذهب في الأرض حيث شاءت ونسمة الكافر في سجن. فمات سلمان. فقال عبد الله: فبينما أنا ذات يوم قائل بنصف النهار على سرير لي فأغفيت إغفاءة إذ جاء سلمان فقال: السلام عليك ورحمة الله. فقلت: السلام عليك ورحمة الله أبا عبد الله.
كيف وجدت منزلك؟ قال: خيرا وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل. وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل. وعليك بالتوكل فنعم الشيء التوكل.
قال: أخبرنا معن بن عيسى قال: حدثنا أبو معشر عن محمد بن كعب قال: حدثني المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن سلمان مات قبل عبد الله بن سلام فرآه عبد الله بن سلام في المنام فقال له: كيف أنت أبا عبد الله؟ قال: بخير.
قال: أي الأعمال وجدتها أفضل؟ قال: وجدت التوكل شيئا عجيبا.
قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: توفي سلمان الفارسي في خلافة عثمان بن عفان بالمدائن.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 4- ص: 56
سلمان الفارسي ويكنى أبا عبد الله. أسلم عند قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وكان قبل ذلك يقرأ الكتب ويطلب الدين. وكان عبدا لقوم من بني قريظة فكاتبهم فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتابته. وعتق وهو إلى بني هاشم. وأول مشاهده الخندق. وقد كان نزل الكوفة وتوفي بالمدائن في خلافة عثمان بن عفان.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 6- ص: 95
سلمان الفارسي. أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير بن عبد الله والأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه أن سلمان كان يكنى أبا عبد الله.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن عوف عن أبي عثمان النهدي قال: قال لي سلمان الفارسي: أتعلم مكان رامهرمز؟ قلت: نعم. قال: فإني من أهلها.
أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي قال: حدثنا سفيان عن عبيد أبي العلاء عن عامر بن واثلة عن سلمان قال: أنا من أهل جي.
أخبرنا يوسف بن البهلول قال: حدثنا عبد الله بن إدريس قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن ابن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي قال: كنت رجلا من أهل أصبهان من أهل قرية يقال لها جي. وكان أبي دهقان أرضه فخرجت من عنده ألتمس الدين فأخذني قوم من كلب فباعوني من رجل يهودي. ثم باعني ذلك الرجل من رجل يهودي من يهود بني قريظة فقدم بي المدينة. وهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشغلت عنه بالرق حتى فاتني بدر وأحد. ثم قال لي رسول الله. ص: كاتب. فكاتبت وأعانني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابي بمثل البيضة من ذهب فأديت ما علي من المال وعتقت وشهدت الخندق وبقية مشاهد رسول الله ص. حرا مسلما.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن يونس عن الحسن [قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
سلمان سابق فارس].
أخبرنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك قال: حدثني كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده قال: [اختصم المهاجرون والأنصار في سلمان يوم الخندق فقال رسول الله. ص: سلمان منا أهل البيت].
أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثنا ثابت بن قطبة قال: كان سلمان أميرا على المدائن. قال: وقال محمد بن عمر: توفي سلمان الفارسي في خلافة عثمان بن عفان بالمدائن.
وكان بالمدائن من المحدثين والفقهاء
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1990) , ج: 7- ص: 230
سلمان بن الإسلام أبو عبد الله الفارسي سابق أهل أصفهان وفارس إلى الإسلام، مولى المصطفي صلى الله عليه وسلم، شهد الخندق.
واسمه: ما به بن بوذخشان بن مورسلان بن بهبوذان بن فيروز بن شهرك، من ولد آب الملك.
توفي في خلافة عثمان، وعاش مائتين وخمسين سنة، ويقال: أنه أكثر، وكان أدرك وصي عيسى عليه السلام فيما يقال.
روى عنه: أبو هريرة، وابن عباس، وأنس بن مالك.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن معروف، قال: حدثنا أسلم بن سهل، قال: حدثنا محمد بن أبان بن عمران، قال: حدثنا عمران بن خالد الخزاعي، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، قال: دخل سلمان على عمر بن الخطاب، وهو متكئ على وسادة، فألقاها له، فقال سلمان: الله أكبر، صدق الله ورسوله، فقال عمر: حدثنا يا أبا عبد الله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يدخل على أخيه المسلم، فيلقي له وسادة، إكراما له، إلا غفر الله له» .
هذا حديث غريب، تفرد به عمران، عن ثابت.
مطبوعات جامعة الإمارات العربية المتحدة-ط 1( 2005) , ج: 1- ص: 726
سلمان الفارسي أبو عبد الله أصله من جي موضع بأصبهان وهو الذي يقال له سلمان الخير مات سنة ست وثلاثين
دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع - المنصورة-ط 1( 1991) , ج: 1- ص: 76
سلمان، أبو عبد الله، الفارسي، الخير، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني معاوية، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة الزبيدي، أنه قال: لما حضر معاذ بن جبلٍ الموت، قيل له: يا أبا عبد الرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، فالتمسوا العلم عند أربعة رهطٍ: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند ابن مسعود، وعبد الله بن سلام، الذي كان يهودياً فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرةٍ في الجنة.
حدثني قيس بن حفص، حدثنا مسلمة بن علقمة، حدثنا داود بن أبي هند، عن سماك بن حرب، عن سلامة العجلي، عن سلمان الفارسي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فألقى رداءه، وقال: يا سلمان، انظر إلى ما أمرت به، فرأيت الخاتم بين كتفيه، مثل بيضة الحمامة’’.
دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن-ط 1( 0) , ج: 4- ص: 1
سلمان الفارسي أبو عبد الله
من نجباء الصحابة عنه أنس وأبو عثمان النهدي مات بالمدائن 36 أكثر ما قيل في عمره ثلاثمائة وخمسون والأكثر على 25 ثم ظهر لي أنه من أبناء الثمانين لم يبلغ المائة ع
دار القبلة للثقافة الإسلامية - مؤسسة علوم القرآن، جدة - السعودية-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 1
سلمان الخير الفارسي أبو عبد الله
أصله من حي قرية بأصبهان ويقال من أهل رام هرمز سكن الكوفة وأسلم عن قدوم النبي صلى الله عليه وسلم وكان قبل يقرأ الكتب ويطلب الدين وكان عبد لقوم من بني قريظة فكاتبوه فأدى رسول الله صلى الله عليه كتابته وعتق وأول مشاهده بالخندق له صحبة من النبي صلى الله عليه وسلم ومات في خلافة عثمان بالمدائن ويقال مات في خلافة علي سنة ست وثلاثين بعد الجمل
روى عنه عبد الرحمن بن يزيد في الوضوء وشرحبيل بن السمط وأبو عثمان النهدي
دار المعرفة - بيروت-ط 1( 1987) , ج: 1- ص: 1
سلمان الفارسي
دار الفرقان، عمان - الأردن-ط 1( 1984) , ج: 1- ص: 21
(ع) سلمان الخير الفارسي أبو عبد الله.
قال الطبراني في «معجمه الكبير»: وقد قيل في بعض الروايات أنه أسلم بمكة وإسلامه بالمدينة أثبت، وقال علي بن بذيمة: بيع متاع سلمان فبلغ أربعة عشر درهما.
روى عنه: أبو هريرة، وبريدة بن الحصيب الأسلمي، وأبو الجعد الضمري، وأبو سبرة الجعفي، وأبو وائل شقيق بن سلمة، وزيد بن وهب ومسروق بن الأجدع، وسلامة العجلي، وعامر بن عطية، وأبو بجيلة الكوفي، وأبو الأزهر، وأبو الوقاص، وعبد الرحمن بن مسعود، وعطاء بن يسار.
وفي كتاب «معرفة الرجال» للبلخي: روى شيبان عن أبي إسحاق عن أبي قرة الكندي قال: سمعت سلمان يذكر قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم مكة وإسلامه قال البلخي: وهذا منكر إنما قدم سلمان المدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة.
وقال ابن حبان: وهو سلمان الخير ومن زعم أنهما اثنان فقد وهم سكن الكوفة ومات في خلافة علي سنة ست وثلاثين بعد الجمل.
وفي «الكامل» للمبرد: يروى أن سلمان أخذ من بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرة من تمر الصدقة فوضعها في فيه فانتزعها منه وقال: يا أبا عبد الله إنما يحل لك من هذا ما يحل لنا.
وفي كتاب «الزهد» لأحمد بن حنبل: عن الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين وكان يخطب في عباءة فإذا أخرج عطاؤه أمضاه ويأكل من سفيف يده.
وذكر أبو زيد في كتابه «المنثور في ملح ذوات الخدور» من حديث مجالد عن عامر وسئل كان سلمان من موالي النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم وأفضلهم كان مكاتبا فاشتراه وأعتقه.
وفي كتاب العطار الدمشقي الألقاب لقبه بهبوذ قال: واسم أبيه خشان.
وفي كتاب الصحابة لأبي موسى قال سلمان اشترتني امرأة يقال لها حلبسة حليفة بني النجار بثلاثمائة درهم فمكثت [ق 116 / أ] معها ستة عشر شهرا فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليها عليا إما أن تعتقيه وكانت قد أسلمت فقالت: إن شئت أعتقته وإن شئت فهو لك فقال () أعتقيه أنت فأعتقته قال ففذى لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة فسيلة.
وفي كتاب البغوي: عنه قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا سلمان شفى الله سقمك وغفر ذنبك وعافاك في دينك وجسدك إلى مدة أجلك.
قال أبو القاسم: توفي سنة ست وثلاثين قبل الجمل.
وفي تاريخ أصبهان لأبي نعيم: روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن، والنعمان بن حميد- فيما ذكره ابن حبان في «الثقات».
وفي كتاب العسكري: كان لامرأة من اليهود اسمها حليسة وسماه العرب الذين سبوه مكيا واشترته حليسة بثلاثمائة درهم.
وقال أبو عمر: وقيل إنه شهد بدرا وأحدا وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان الدين معلقا بالثريا لناله رجل من فارس. وفي رواية: سلمان: وقالت عائشة: كان لسلمان مجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفرد به بالليل حتى كاد يغلبنا عليه صلى الله عليه وسلم، وروى بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرني ربي تعالى بحب أربعة فذكر منهم سلمان وقال كعب الحبر سلمان حشي علما وحكمة، توفي سنة خمس وثلاثين في آخرها وقيل أول سنة ست في خلافة عثمان.
وذكر في «الألقاب» أنه كان يلقب بهبوذ واسم أبيه حسان.
روى عنه عقبة بن عامر الجهني عند ابن ماجة.
وفي صحيح محمد بن إسماعيل عن سلمان أنه تداوله بضع عشرة من رب إلى رب.
وذكر ابن حبان، والحاكم في صحيحيهما خبر إسلامه مطولا من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك عن زيد بن صوخان.
زاد الحاكم: هذا حديث صحيح عال في ذكر إسلام سلمان ولم يخرجاه.
وفي كتاب «الأسير» لابن إسحاق: عن عاصم قال حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثت عن سلمان أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالذي رآه في الغيضة يدعو لذوي الأسقام قال له صلى الله عليه وسلم: «لئن كنت صدقتني يا سلمان لقد لقيت عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم».
قال السهيلي: الرجل المجهول هنا الحسن بن عمارة فيما يقال.
وقال ابن زبر في كتاب «الصحابة»: توفي سنة أربع وثلاثين.
وذكر أبو البركات نصر بن سلامة الرستقي في كتاب «الأسدان»: سلمان خطب إلى عمر بن الخطاب فأجابه فشق ذلك على ابن عمر فشكا ذلك إلى عمرو بن العاص فقال: أنا أكفيك فقال: أخشى أن يغضب أمير المؤمنين فقال: لا. ثم أتى سلمان فقال له: هنيئا لك أبا محمد هذا أمير المؤمنين يتواضع بتزويجه إياك فغضب وقال: أي تواضع والله لا تزوجت إليه.
واختلف في جي المنسوب إليها: فياقوت يكسر جيمها والحازمي وأبو عبيد البكري يفتحانها، قال الحازمي: وهي مدينة عند أصبهان، وقال ياقوت: هي مدينة أصبهان العتيقة ثم سموها المدينة وسموها الآن شهر ستان وبينها وبين المدينة التي هي اليوم مدينة أصبهان نحو ميل خراب.
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر-ط 1( 2001) , ج: 5- ص: 1
سلمان الفارسي أبو عبد الله
صله من قرية بأصبهان وهو الذي يقال له سلمان الخير ومن زعم أنهما اثنان فقد وهم سكن الكوفة مات في خلافة على رضي الله عنه بالمدائن سنة ست وثلاثين بعد الجمل ذكرنا ابتداء إسلامه في أول الكتاب
دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند-ط 1( 1973) , ج: 3- ص: 1
سلمان الفارسي
حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي، نا آدم بن أبي إياس، نا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري قال أخبرني أبي، عن عبد الله بن وديعة، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتنظف بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه ويمس من طيب بيته ثم يروح فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى»
حدثنا الحسن بن المثنى بن معاذ، نا مسلم بن إبراهيم، نا زكريا بن يحيى بن عمارة الذارع، نا فايدٌ أبو العوام، عن أبي عثمان، عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الجراد فقال: «ذلك أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه»
مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة-ط 1( 1997) , ج: 1- ص: 1
سلمان الخير أبو عبد الله الفارسي
صاحب النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه ابن عباس وأبو عثمان النهدي وأبو الطفيل وأبو قرة الكندي سمعت أبي يقول ذلك.
طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند-ط 1( 1952) , ج: 4- ص: 1