الخالدي سعيد بن هاشم بن وعلة بن عرام من بني عبد القيس، أبو عثمان الخالدي: شاعر، أديب، اشتهر هو وأخوه ’’محمد’’ الآتية ترجمته، بالخالديين، وكانا آية في الحفظ والبديهة، يتهمهما شعراء عصرهما بسرقة شعرهم. وأورد الثعالبي (في اليتيمة) قصائد لأحد معاصريهما في هذاالمعنى وقال ابن النديم: ’’كانا إذا استحسنا شيئا غصباه صاحبه، حيا أو ميتا، لا عجزا منهما عن قول الشعر، ولكن كذا كانت طباعهما وهما من أهل ’’الخالدية’’ من قرى الموصل، ونسبتهما إليها، وقيل: نسبتهما إلى جد لهما اسمه خالد ’’ابن منبه، أو ابن عبد القيس، أو ابن عبد عنبسة، على اختلاف الروايات’’ وعرفهما الزبيدي في التاج بالموصليين. وقال ياقوت في معجم الأدباء: كانا أديبي ’’البصرة’’ وشاعريها في وقتهما ولأبي عثمان هذا (ديوان شعر - ط) واشتركا في تصنيف كتب منها (الأشباه والنظائر، من أشعار المتقدمين والجاهلين والمخضرمين - ط) يعرف بحماسة المحدثين أو (حماسة الخالديين) وجمعا مختارات مما قيل فيهما، في كتاب (التحف والهدايا - ط) ومن كتبهما (أخبار أبي تمام ومحاسن شعره) و (أخبار الموصل) و (اختيار شعر ابن الرومي) و (اختيار شعر البحتري) و (اختيار شعر مسلم بن الوليد).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 103
أبو عثمان الخالدي اسمه سعيد بن هاشم بن وعلة أحد الخالديين الشاعرين المشهورين.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 2- ص: 381
سعيد بن هاشم بن وعلة (وعيلة) البصري العبدي أبو عثمان الخالدي الأصغر
توفي سنة 371.
(الخالدي) نسبة إلى الخالدية قرية من قرى الموصل والعبدي نسبة إلى قبيلة عبد القيس المنتهي نسبه إليهم وكأنه ورث التشيع عنهم وفي معجم الأدباء المطبوع جعله سعدا بغير ياء وهو اشتباه بل هو سعيد بالياء كما في اليتيمة وغيرها.
أقوال العلماء فيه
هو أحد الخالدين الشاعرين المشهورين الذين كانا ينظمان الشعر مشتركين ومنفردين ومدحا الملوك والأمراء وأخذا جوائزهم وهجاهما السري الرفا الموصلي بأهاج كثيرة زعم فيها أنهما سرقا شعره كما مر في ترجمته ومر قول صاحب اليتيمة فيهما في حرف الخاء في الخالديان قال محمد بن إسحاق النديم في الفهرست كانا شاعرين أديبين حافظين على البديهة وكانا مع ذلك إذا استحسنا شيئا غصباه صاحبه حيا كان أو ميتا لا عجزا منهما عن قول الشعر ولكن كذا كان طبعهما ’’اه’’ (ويصعب تصديق ذلك إذ مثله لا يصدر من عاقل نعم نسبهما السري الرفا إلى ذلك) لكنهم الشعراء يتبعهم الغاوون وعن النسب الباطلة لا يتورعون والصواب ما في اليتيمة من أن السري كان يدعي عليهما سرقة شعره وشعر غيره ويدس من سعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه وفي معجم الأدباء كلام ابن النديم فيه موافقة للسري الرفا أو مجاراة له والله أعلم وقال ابن النديم قال لي أبو بكر منها وقد تعجبت من كثرة حفظه أنا أحفظ إني احفظ مائة سفر كل سفر في نحو مائة ورقة ’’اه’’ فهو قد صرح بأن الكلام كان مع أبي بكر محمد لا مع أبي عثمان سعيد لكن ياقوتا في معجم الأدباء وتبعه صاحب فوات الوفيات ذكرا هذا في ترجمة سعيد وذلك يوهم أن هذا الكلام جرى مع سعيد مع تصريح ابن النديم بأنه جرى مع أبي بكر محمد. وفي تاريخ بغداد سعيد بن هاشم أبو عثمان الخالدي شاعر من أهل الموصل مليح الشعر قدم بغداد فمدح بها الوزير أبا محمد المهلبي وأقام مدة في جنبه منقطعا إليه ينادمه ثم رجع إلى الموصل. وفي معجم الأدباء سعد الصواب سعيد ابن هاشم بن سعيد وينتهي نسبه إلى عبد القيس أبو عثمان الخالدي البصري كان أخوه أبو بكر أديبي البصرة وشاعريهما في وقتهما وكان بينهما وبين السري الرفا الموصلي ما يكون بين المتعاصرين من التغابر والتضاغن فكان يدعي ويدس شعرهما في ديوان كشاجم ليثبت مدعاه. فمن قول السري الرفا في المترجم زعم أنه أدعى كثيرا من شعره كما في اليتيمة:
لا بد من نفشة مصدور | فحاذروا صولة محذور |
قد أنست العالم غاراته | في الشعر غارات المغاوير |
أثكلني غيد قواف غدت | أبهى من الغيد المعاطير |
أطيب ريحا من نسيم الصبا | جاءت بريا الورد من جور |
من بعد ما فتحت أنوارها | فابتسمت مثل الأزاهير |
وبات فكري تعبا بينها | ينقشها نقش الدنانير |
يا وارث الأغفال ما حبروا | من القوافي والمشاهير |
وحمائم نبهنني | والليل داجي المشرقين |
شبهتهن=وقد بكيـ | ـن وما ذرفن دموع عين |
بنساء آل محمد | لما بكين على الحسين |
جحدت ولاء مولانا علي | وقدمت الدعي على الوصي |
متى ما قلت إن السيف أمضى | من اللحظات في قلب الشجي |
لقد فعلت جفونك في البرايا | كفعل يزيد في آل النبي |
أنا أن رمت سلوا | عنك يا قرة عيني |
كنت في الأثم كمن شا | رك في قتل الحسين |
لك صوت على قلـ | ـبي بقد كالرديني |
مثل صولات علي | يوم بدر وحنين |
أنا في قبضة الغرام رهين | بين سيفين أرهقا ورديني |
فكأن الهوى فتى علوي | ظن أني وليت قتل الحسين |
وكأني يزيد بين يديه | فهو يختار أوجع القتلتين |
أنظر إلي بعين الصفح عن زللي | لا تتركني من ذنبي على وجل |
موتي وهجرك مقرونان في قرن | فكيف أهجر من في هجره أجلي |
وليس لي أمل إلا وصالكم | فكيف أقطع من في وصله أملي |
هذا فؤادي لم يملكه غيركم | إلا الوصي أمير المؤمنين علي |
تظن بأنني أهوى حبيبا | سواك على القطيعة والبعاد |
جحدت إذا موالاتي عليا | وقلت بأنني مولى زياد |
ومن نكد الدنيا إذا ما تعذرت | أمور وإن عدت صغارا عظائم |
ذا رمت بالمنتاش نتف أشاهبي | أتبحث له من نتفهن الأداهم |
فأنتف ما أهوى بغير إرادتي | وأترك ما أفلى وأنفي راغم |
بنفسي حبيب بأن صبري لبينه | وأودعني الأشجان ساعة ودعا |
وأنحلني بالهجر حتى لو أنني | قذى بين جفني أرمد ما توجعا |
ما هو عبد لكنه ولد | خولنيه المهيمن الصمد |
وشد أزري بحسن خدمته | فهم يدي والذارع والعضد |
صغير سن كبير منفعة | نماذج الضعف فيه والجلد |
في سن بدر الدجى وصورته | فمثله يصطفى ويعتمد |
معشق الطرف كله كحل | مغزل الجيد حليه الجيد |
وورد خديه والشقائق | والتفاح والجلنار منتضد |
رياض حسن زواهر أبدا | فيهن ماء النعيم يطرد |
وغصن بان إذا بدا وإذا | شدا فقمري بانة غرد |
أنسي ولهوي وكل مأدبتي | مجتمع فيه وهو منفرد |
ظريف مزح مليح نادرة | جوهر حسن شرارة تقد |
ومنفق إذا أنا أسرفـ | ـت وبذرت فهو مقتصد |
مبارك الوجه مذ حظيت به | حالي رخي وعيشتي رغد |
مسامري إن دجا الظلام فلي | منه حديث كأنه الشهد |
خازن ما في يدي وحافظه | فليس شيء لدي يفتقد |
يصون كتبي فكلها حسن | يطوي ثيابي فكلها جدد |
وأبصر الناس بالطبيخ فكالمسـ | ـك القلايا والعنبر الثرد |
وهو يدير المدام إن جليت | عروس دني نقابها الزبد |
تمنح كأسي يد أناملها | تنحل من لينها وتنعقد |
ثقف كيس فلا عوج | في بعض أخلاقه ولا أود |
وصيرفي القريض وزان دينا | ر المعاني الجياد منتقد |
ويعرف الشعر مثل معرفتي | وهو على أن يزيد مجتهد |
وكاتب توجد البلاغة في | ألفاظه والصواب والرشد |
وواجد بي من المحبة والرأ | فة أضعاف ما به أجد |
إذا ابتسمت فهو مبتهج | وإن تنمرت فهو مرتعد |
ذا بعض أوصافه وقد بقيت | له صفات لم يحوها أحد |
وليس للقر غير صافية | تدفع ما ليس بدفع الدلق |
درياق أفعى الشتاء وهو إذا | سل علينا سيوفه درق |
هو يوم شك يا علـ | ـي وشره ما كان يحذر |
والجو حلته ممسـ | ـكة ومطرفة معنبر |
والماء عودي القميـ | ـص وطيلسان الأرض أخضر |
ولنا فضيلات تكو | ن ليومنا قوتا مقدر |
ومدامة صفراء أد | رك عمرها كسرى وقيصر |
وحديثنا ما قد علمـ | ـت وشعرنا ما أنت أبصر |
فأنشط لنا لنجث من | كاساتنا ما كان أكبر |
أو لا فإنك جاهل | إن قلت إنك سوف تعذر |
فديتك ما شب من كبرة | وهذي سني وهذا الحساب |
ولكن هجرت فحل المشيـ | ـب ولو قد وصلت لعاد الشباب |
بليت بأحسن الثقليـ | ـن إقبالا ومنصرفا |
فمثل الخشف ملتفتا | ومثل الغصن منعطفا |
يسوفني بنائله | وقد أهدى لي الأسفا |
وآخذ وصله عدة | ويأخذ مهجتي سلفا |
دموعي فيك أنواء غزار | وقلبي ما يقر له قرار |
وكل فتى ثوب سقم | فذاك الثوب مني مستعار |
وقفتني ما بين هم وبؤس | وثنت بعد ضحكة بعبوس |
ورأتني مشطت عاجا بعاج | وهي الآنبوس بالآنبوس |
زنوج إذا خففت بينها | ديادبها جردت بيضها |
صدت مجانية نوار | ونأى بجانبها ازورار |
ورأت ثيابي قد غدت | وكأنها دمن قفار |
يا هذه أن رحت في | خلق فما في ذاك عار |
هذي المدام هي الحيا | ة قميصها خزف وقار |
أما ترى الغيم يا من قلبه قاسي | كأنه أنا مقياسا بمقياس |
قطر كدمعي وبرق مثل نار جوى | في القلب مني وريح مثل أنفاسي |
يا نديمي أطلق الـ | ـفجر فما للكأس حبس |
قهوة تعطيكها قبل | طلوع الشمس شمس |
وهي كالمريخ لكن | هي سعد وهو نحس |
يا قضيبنا يميس تحت هلال | وهلالا يرنو فوق كل منى |
منك يا شمسنا تعلمت الشمـ | ـس دنو السنا وبعد المنال |
إذا تغنت بعودها شغف | جاء سرور يفوق كل منى |
واحدة الحذق لا نظير لها | كالمسك لونا وبهجة وغنا |
تركتنا بطيبها إذ تغنت | شغف بين أنة ونحيب |
طبة بالغناء فهي لا سقا | م الندامى لطافة كالطبيب |
الفتها القلوب لما رأتها | صاغها الله من سواد القلوب |
لا خلص الله قلبي من يدي رشأ | رؤيا رجائي له اضغاث أحلام |
ياحسننا نحن في لهو وليلتنا | بزهر أنجمها ترمي العفاريت |
وقد تضايق في السكر العناق بنا | كما تضايق في النظم اليواقيت |
متبرم بعتابه | مستعذب لعذابه |
هجر العميد تعمدا | فغدا وراح لما به |
وكساه ثوب مشيبه | في عنفوان شبابه |
فتراه يؤذن في أوا | ن مجيئه بذهابه |
هتف الصبح بالدجى فأسقنيها | قهوة تترك الحليم سفيها |
لست تدري لرقة وصفاء | هي في كأسها أم الكأس فيها |
ظالم لي وليته الدهـ | ـر يبقى لي ويظلم |
وصله جنة ولكـ | ـن جفاء جهنم |
ورضاه وسخطه الدهـ | ـر عرس ومأتم |
فكأن الورد المضعف في الصو | م حبيب يمشي بجنب رقيب |
وليلة ليلاء في اللون كلون المفرق | كأنما نجومها في مغرب ومشرق |
صغير صرفت إليه الهوى | وهل خاتم في سوى خنصر |
فإن شئت فأعذر ولا تلحني | وإن شئت فالح ولا تعذر |
وليس دنياه ولا دينه | إلا مهى مثل الدمى حور |
ذيل الصبا في الغي مجرور | والعمر باللذات معمور |
أقبلن كالروض تغشاه من | در وياقوت أزاهير |
على خصور أرهفت دقة | ففي الزنانير زنانير |
فما درينا أو جوه الدمى | والبدر إن تاه فمعذور |
مصغر التفاح في | خد مليح الضرج |
خشمه الشعر وما | ذاك لطول الحجج |
وإنا عارضه | شنفه بالسبج |
يا حسن دير سعيد إذ حللت به | والأرض والروض في وشي وديباج |
فما ترى غصنا إلا وزهرته | تجلوه في جبة منها وداج |
وللحمائم ألحان تذكرنا | أحبابنا بين أرمال وأهزاج |
وللنسيم على الغدران رفرفة | يزورها فتلقاه بأمواج |
وكلنا من أكاليل البهار على | رؤوسنا كأنو شروان في التاج |
ونحن في فلك اللهو المحيط بنا | كأننا في سماء ذات أبراج |
ولست أنسى ندامى وسط هيكله | حتى الصباح غزالا طرفه ساجى |
أهز عطفي قضيب البان معتنقا | منه وألثم عيني لعبة العاج |
وقولتي والتفاتي عند منصرفي | والشوق يزعج قلبي أي إزعاج |
يا دير يا ليت داري في فنائك أو | يا ليت أنك لي في درب دراج |
قمر بدير الموصل الأعلى | أنا عبده وهواه لي مولى |
لثم الصليب فقلت من حسد | قبل الحبيب فمي بها أولى |
جد لي بإحداهن تجي بها | قلبي فحبته على المقلى |
فأحمر من خجل وكم قطفت | عيني شقائق وجنة خجلى |
وثكلت صبري عند فرقته | فعرفت كيف مصيبة الثكلى |
إنا لنرحل والأهواء أجمعها | لديك مستوطنات ليس ترتحل |
لهن من خلقك الروض الأريض ومن | نداك يغمرهن العارض الهطل |
لكن كل فقير يستفيد غنى | دعاه شوق إلى أوطانه عجل |
وكل غاز إذا جلت غنيمته | فإن آثر عنده القفل |
وكنت أرى في النوم هجرك ساعة | فأجفو لذيذ النوم حولا تطيرا |
وتأمرني بالصبر والقلب كلما | تقاضيته صبرا تقاضيت معسرا |
فلما رأيت الغدر من شأنك اغتدى | غدير التصافي بيننا متكدرا |
فو الله ما أهواك إلا تكلفا | ولا أشتكي الهجران إلا تخمرا |
يا من أحل به الزرية | وأعاد نعمته بليه |
حظي الردى بك إذ غدت | لك بنت عمار حظيه |
أنت البعوضة قلة | وكأنها جمل الضحيه |
من ليس تشبعه الهريـ | ـسة كيف تشبعه القلبه |
قل لمن يشتهي المديح ولكن | دون معروفه مطال ولي |
سوف أهجوك بعد مدح وتحريـ | ـك وعتب وآخر الداء كي |
بغداد قد صار خيرها شرا | صيرها الله مثل سامرا |
أطلب وفتش وأحرص فلست ترى | في أهلها حرة ولا حرا |
نيل المطالب بالهندية البتر | لا بالأماني والتأميل للقدر |
فإن عفا طلل أو باد ساكنه | فلا تقف فيه بين البث والفكر |
في شمك المسك شغل عن مذاقته | وفي سنا الشمس ما يغني عن القمر |
أو لم يكن ماء علمي قاهرا فكري | لأحرقتني في نيرانها فكري |
تزايدني قسوة الأيام طيب ثنا | كأنني المسك بين الفهر والحجر |
ألفت من حادثات الدهر أكبرها | فما أعوج على أطفالها الأخر |
لا شيء أعجب عندي في تباينه | إذا تأملته من هذه الصور |
أرى ثيابا وفي أثنائها بقر | بلا قرون وذا عيب على البقر |
قالت رقدت فقلت الهم أرقدني | والهم يمنع أحيانا من السهر |
كم قد وقعت وقوع الطير في شرك | فضعضعت منتي منه قوى المرر |
إني لأسير في الآفاق من مثل | فرد وأكلا للآفاق من قمر |
أصفو وأكدر أحيانا لمختبري | وليس مستحسنا صفو بلا كدر |
إذا تشككت فيما أنت مبصره | فلا تقل إنني في الناس ذو بصر |
وكيف يفرح إنسان بمقلته | إذ نضاها فلم تصدقه في النظر |
لقد فرحت بما عانيت من عدم | خوف القبيحين من كبر ومن بطر |
وربما أبتهج الأعمى بحالته | لأنه قد نجا من طيرة العور |
ولست أبكي لشيب قد منيت به | يبكي على الشيب من يأسى على العمر |
كن من صديقك لا من غيره حذرا | إن كان ينجيك منه سدة الحذر |
ما أطمئن إلى خلق فأخبره | ألا تكشف لي عن لؤم مختبر |
وقد نظرت إلى الدنيا بمقلتها | فاستصغرتها جفوني غاية الصغر |
وما شكرت زماني وهو يصعدني | فكيف أشكره في حال منحدري |
لا عار يلحقني أني بلا نشب | وأي عار على عين بلا حور |
فإن بلغت الذي أهوى فعن قدر | وأن حرمت الذي أهوى فعن عذر |
أدن من الدن بي فداك أبي | وأشرب وسق الكبير وتنخب |
أما ترى الطل كيف يلمع في | عيون نور تدعو إلى الطرب |
في كل عين للطل لؤلؤة | كدمعة في جفون منتحب |
والصبح قد جردت صوارمه | والليل قد هم منه بالهرب |
والجو في حلة ممسكة | قد كتبتها البروق بالذهب |
فهاتها بالعروس محمرة الخد | ين في معجز من الحبب |
كادت تكون الهواء في أرج العنـ | ـبر لو بم تكن من العنب |
في كف راض عند الصدود وقد | غضبت من حبه على الغضب |
فلو ترى الكأس حين يمزجها | رأيت شيئا من اعجب العجب |
نار حواها الزجاج يلهبها الـ | ـماء ودر يدور في لهب |
يا شبيه البدر حسنا | وضياء وجكالا |
وشبيه الغصن لينا | وقواما واعتدالا |
أنت مثل الورد لونا | ونسيما وملالا |
زارنا حتى إذا ما | سرنا بالقرب زالا |
ومدامة حمراء في قارورة زرقا | تحملها يد بيضاء |
فالراح شمس والحباب كواكب | والكف قطب والإناء سماء |
شعر عبد السلام فيه رديء | ومحال وساقط وبديع |
فهو مثل الزمان فيه مصيف | وخريف وشتوة وربيع |
لم يغد شكرك في الخلائق مطلقا | إلا ومالك في النوال حبيس |
خولتنا شمسا وبدرا أشرقت | بهما لدينا الظلمة الحنديس |
رشأ أتانا وهو حسنا يوسف | وغزالة هي بهجة بلقيس |
هذا ولم تقنع بذاك وهذه | حتى بذلت المال وهو نفيس |
أتت الوصيفة وهي تحمل بدرة | وأتى على ظهر الوصيف الكيس |
وحبوتنا مما أجادت حوكه | مصر وزادت حسنه تنيس |
فغدا لنا من جودك المأكول والمـ | ـشروب والمنكوح والملبوس |
لآل المصطفى شرف محيط | تضايق عن تضمنه البسيط |
إذا كثر البلايا والرزايا | فكل عنده الجأش الربيط |
إذا ما قام قائمهم بوعظ | فإن كلامه در لقسط |
إذا ما قست عدلهم بعدل | تقاعس دونه الدهر القسوط |
عهم العلماء أن جهل البرايا | هم الموفون إن خان الخليط |
بنو أعمامهم جاروا عليهم | ومال الدهر إذ مال الغبيط |
لهم في كل يوم مستجد | برغم الأصدقاء دم عبيط |
فمات محمد وارتد قوم | بنكث العهد وانبرت الشروط |
تناسوا ما مضى بغدير خم | فأدركهم لشقوتهم هبوط |
على آل الرسول صلاة ربي | طوال الدهر ما طلع الشميط |
قسيم النار ذو خير وخير | يخلصني الغداة من السعير |
فكان محمد في الناس شمسا | وحيدر كان كالبدر المنير |
هما فرعان من عليا قريش | مصاص الخلق بالنص الشهير |
وقال له النبي لأنت مني | كهرون وأنت معي وزيري |
ومن بعدي الخليفة في البرايا | وفي دار السرور على سريري |
وأنت غياثهم والغوث فيهم | لدى الظلماء والصبح السفور |
مصيري آل أحمد يوم حشري | ويوم النصر قائمهم مصيري |
بنو الزهراء آباء اليتامى | إذا ما خوطبوا قالوا السلاما |
هم حجج الإله على البرايا | فمن ناواهم يلق أثاما |
يكون نهارهم في الدهر صوما | وليلهم كما تدري قياما |
ألم يجعل رسول الله يوم | الغدير عليا المولى إماما |
ألم يك حيدر أحوى علوما | ألم يك حيدر أعلى مقاما |
بنوه العروة الوثقى تولى | عطاؤهم اليتامى والأيامى |
هم الراعون في الدنيا الذماما | هم الحفاظ في الأخرى الأناما |
إمامي علي كالهزبر لدى العشا | وكالبدر وهاجا إذا الليل أغطشا |
إمامي علي خيرة الله لا الذي | تخيرتم والله يختار من يشا |
أخو المصطفى زوج البتول هو الذي | إلى كل حسن في البرية قد عشا |
بمولده البيت العتيق كما روى | رواة وفي حجر النبوة قد نشا |
موالوه قوامون بالقسط في الورى | معادوه أكالون للسحت والرشا |
له أوصياء قائمون مقامه | أرى حبهم القلب والحشا |
هم حجج الرحمن عترة أحمد | أئمة حق لا كمن جار وارتشى |
مودتهم تهدي إلى جنة العلى | ولكنما سبابهم يورث العشا |
وإني بريء من فعيل فإنه | لأكفر من فوق البسيطة قد مشى |
محمد وعلي ثم فاطمة | مع الشهيدين زين العابدين علي |
والصادقان وقد سارت علومهما | والكاظم الغيظ والراضي الرضاء علي |
ثم التقي النقي الأصل طاهره | محمد ثم مولانا النقي علي |
ثم الزكي ومن يرجى بنهضته | أن يظهر العدل بين السهل والجبل |
أني بحبهم يا رب معتصم | فأغفر بحرمتهم يوم القيامة لي |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 256
أبو عثمان الخالدي سعيد بن هاشم بن وعلة بن عرام بن يزيد بن عبد الله، ينتهي إلى عبد القيس، الخالدي أبو عثمان، وهو أحد الخالديين، وقد تقدم ذكر أخيه أبي بكر في المحمدين. قال محمد بن إسحاق النديم؛ قال لي أبو بكر -وقد تعجبت من كثرة حفظه ومذكراته: أنا أحفظ ألف سمر كل سمر مائة ورقة. وكانا مع ذلك إذا استحسنا شيئا غصباه صاحبه حيا كان أو ميتا، لا عجزا منهما عن قول الشعر، ولكن كذا كان طبعهما، وقد عمل أبو عثمان شعره وشعر أخيه قبل موته. ولهما تصانيف، منها حماسة شعر المحدثين، كتاب أخبار الموصل، كتاب أخبار أبي تمام ومحاسن شعره، اختيار شعر ابن الرومي، اختيار شعر البحتري، اختيار شعر مسلم بن الوليد وأخباره، الأشباه والنظائر وهو جيد، والهدايا والتحف، الديارات.
ومن شعره:
ومن نكد الدنيا إذا ما تعذرت | أمور وإن عدت صغارا عظائم |
إذا رمت بالنقاش نتف أشاهبي | أتيحت له من بينهن الأداهم |
فأنتف ما أهوى بغير إرادتي | وأترك ما أقلى وأنفي راغم |
دموعي فيك أنوء غزار | وجنبي ما يقر له قرار |
وكل فتى علاه ثوب سقم | فذاك الثوب مني مستعار |
يا هذه إن رحت في | سمل فما في ذاك عار |
هذي المدام هي الحيا | ة قميصها خزف وقار |
هتف الصبح بالدجى فاسقنيها | قهوة تترك الحليم سفيها |
لست أدري من رقة وصفاء | هي في كأسها أم الكأس فيها |
بنفسي حبيب بان صبري لبينه | وأودعني الأشجان ساعة ودعا |
وأنحلني بالهجر حتى لو أنني | قذى بين جفني أرمد ما توجعا |
ما هو عبد لكنه ولد | خولنيه المهيمن الصمد |
وشد أزري بحسن خدمته | فهو يدي والذراع والأعضد |
صغير سن كبير منفعة | تمازج الضعف فيه والجلد |
في سن بدر الدجى وصورته | فمثله يصطفى ويعتقد |
معشق الطرف كحله كحل | مغزل الجيد حليه الجيد |
وورد خديه والشقائق والـ | ـتفاح والجلنار منتضد |
رياض حسن زواهر أبدا | فيهن ماء النعيم مطرد |
وغصن بان إذا بدا وإذا | شدا فقمري بانة غرد |
مبارك الوجه مذ حظيت به | بالي رخي وعيشتي رغد |
أنسي ولهوي وكل مأربتي | مجتمع فيه لي ومنفرد |
مسامري إن دجا الظلام فلي | منه حديث كأنه الشهد |
ظريف مزح مليح نادرة | جوهر حسن شرارة تقد |
حازن ما في يدي وحافظه | فليس شيء لدي يفتقد |
ومنفق مشفق إذا أنا أسـ | ـرفت وبذرت فهو مقتصد |
يصون كتبي فكلها حسن | يطوي ثيابي فكلها جدد |
وأبصر الناس بالطبيخ فكالـ | ـمسك القلايا والعنبر الثرد |
وهو يدير المدام إن جليت | عروس دن نقابها الزبد |
يمنح كأسي يدا أناملها | تنحل من لينها وتنعقد |
ثقفه كيسه فلا عوج | في بعض أخلاقه ولا أود |
وصيرفي القريض وزان ديـ | ـنار المعاني الجياد منتقد |
ويعرف الشعر مثل معرفتي | وهو على أن يزيد مجتهد |
وكاتب توجد البلاغة في | ألفاظه والصواب والرشد |
وواجد بي من المحبة والـ | ـرأفة أضعاف ما به أجد |
إذا تبسمت فهو مبتهج | وإن تنمرت فهو مرتعد |
ذا بعض أوصافه وقد بقيت | له صفات لم يحوها أحد |
ما هو عبد كلا ولا ولد | إلا عناء تضنى به الكبد |
وفرط سقم أعيا الأساة فلا | جلد عليه يبقى ولا جلد |
أقبح ما فيه كله فلقد | تساوت الروح منه والجسد |
أشبه شيء بالقرد فهو له | إن كان للقرد في الورى ولد |
ذو مقلة حشو جفنها غمض | تسيل دمعا وما بها رمد |
ووجنة مثل صبغة الورس ولـ | ـكن ذاك صاف ولونها كمد |
كأنما الخد في نظافته | قد أكلت فوق صحنه غدد |
يقطر سما فضحكه أبدا | شر بكاء وبشره حرد |
يجمع كفيه من مهانته | كأنه في الهجير مرتعد |
يطرق لا من حيا ولا خجل | كأنه للتراب منتقد |
ألكن إلا في الشتم ينبح كالـ | ـكلب ولو أن خصمه الأسد |
يشتمني الناس حين يشتمهم | إذ ليس يرضى بشتمه أحد |
كسلان إلا في الأكل فهو إذا | ما حضر الأكل جمرة تقد |
كالنار يوم الرياح في الحطب الـ | ـيابس تأتي على الذي تجد |
يرفل في حلة منبتة | من قمله رقم طرزها طرد |
أجمل أوصافه النميمة والـ | ـكذب ونقل الحديث والحسد |
كل عيوب الورى به اجتمعت | وهو بأضعاف ذاك منفرد |
إن قلت لم يدر ما أقول وإن | قال كلانا في الفهم متحد |
كأن مالي إذا تسلمه | مني ماء وكفه سرد |
حملته لي دوية حسنت | كنت عليها في الظرف أعتمد |
كمثل زهر الرياض ما وجدت | عيني لها شبهها ولا تجد |
فمر يوما بها على رجل | لديه علم اللصوص ينتقد |
أودعها عنده ففر بها | وما حواه من بعدها البلد |
فجاء يبكي فظلت أضحك من | فعلي وقلبي بالغيظ متقد |
وقال لي لا تخف فحليته | مشهورة الشكل حين يفتقد |
عليه ثوب وعمة وله | ذقن ووجه وساعد ويد |
وقائل بعه قلت خذه ولا | وزن تجازي به ولا عدد |
ففي الذي قد أضاعه عوض | وهو على أن يزبد مجتهد |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0