السري الرفاء السري بن أحمد بن السري الكندي، أبو الحسن: شاعر، اديب من أهل الموصل. كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بها، فعرف بالرفاء. ولما جاد شعره ومهر في الادب قصد سيف الدولة بحلب، فمدحه واقام عنده مدة. ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد. ومدح جماعة من الوزراء والاعيان، ونفق شعره إلى ان تصدى له الخالديان (محمد وسعيد ابنا هاشم) وكانت بينه وبينهما مهاجاة فآذياه وابعداه عن مجالس الكبراء، فضاقت دنياه واظطر للعمل في الوراقة (النسخ والتجليد) فجلس يورق شعره ويبيعه، ثم نسخ لغيره بالاجرة. وركبه الدين، مات ببغداد على تلك الحال. وكان عذب الالفاظ، مفتنا في التشبيهات والاوصاف، ولم يكن له رواء ولا منظر. من كتبه (ديوان شعره - ط) و (المحب والمحبوب والمشموم والمشروب - خ).
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 81
الرفا اسمه السري بن أحمد
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 30
أبو الحسن السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الموصلي المعروف بالسري الرفاء الشاعر المشهور
توفي سنة 344 أو 360 أو 63 أو 64 أو 66 ببغداد ودفن بها وحكى ابن خلكان القول بأنه توفي سنة 344.
أقوال العلماء فيه
العلم والأدب يرفع الوضيع في نفسه وصنعته ومكسبه ونسبه وفقره وخصاصته والجهل يضع الرفيع في نسبه وعشيرته ومنصبه وغناه وثروته عند أهل العقل وإن رفعه ذلك عند أهل الجهل مثله فأبو تمام الذي كان أول أمره غلام حائك بدمشق ويسقي الماء من الجرة في جامع مصر رقى به علمه وأدبه إلى معاشرة الملوك والأمراء ومدحهم وأخذ جوائزهم الوفيرة حتى صار يستقل ألف دينار يجيزه بها عبد الله بن طاهر فيفرقها على من ببابه ويحتمل له ابن طاهر ذلك ويجيزه بضعفها ويؤلف ديوان الحماسة فيعطى من الحظ ما لم يعطه كتاب. والسري الرفا ينتقل من صنعة الرفا والتطريز عند أحد الرفائين بأجرة زهيدة وعيش ضنك إلى مدح الملوك والوزراء والأمراء فيأخذ جوائزهم النفيسة ويؤلف في الأدب كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ولا شك أن للزمان والبيئة التأثير العظيم في ذلك فأبو تمام وجد في عصر راجت فيه بضاعة الشعر والأدب أعظم رواج وكثر رائدوه وانتشر طالبوه وزهت رياضه وتفتحت أكمام زهره بما أغدقه عليها الملوك والأمراء من عطاياهم الفياضة والسري الرفا وجد في دولة بني حمدان وعلى رأسهم سيف الدولة الذي اجتمع ببابه من الشعراء والأدباء ما لم يتفق لغيره ويتلوه أمراء بني حمدان الكثيري العدد الذين مدحهم السري وأخذ جوائزهم النفيسة وفيهم يقول من قصيدة:
والحمد حلي بني حمدان نعرفه | والحق أبلج لا يلقى بإنكار |
قوم إذا نزل الزوار ساحتهم | تفيؤا ظل جنات وأنهار |
مؤمرون إذا ثارت قرومهم | أفضت إلى الغاية القصوى من الثار |
فكل أيامهم يوم الكلاب إذا | عدت وقائعهم أو يوم ذي قار |
واتصل بالوزير المهلبي في بغداد وبغيره فمدحهم وأغدقوا عليه من جوائزهم فقد وجد أيضا في زمان كان فيه للشعر والأدب الحظ الوافي والمنهل الصافي فلا جرم أن ارتفع فيه قدر السري بعد الخمول بفضله وأدبه وصار سريا في الصفة بعدما كان سريا في الاسم وحده.
وكان شاعرا مجيدا متفننا في ضروب الشعر مشهورا بين أهل عصره ومن بعدهم. في فهرست ابن النديم ص 241 طبع مصر: السري بن أحمد الكندي من أهل الموصل شاعر مطبوع كثير السرقة عذب الألفاظ مليح المأخذ كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف طالب لها ولو لم يكن لها رواء ولا منظر ولا يحسن من العلوم غير قول الشعر "اه" هكذا يقول ابن النديم إنه كثير السرقة وهو يدعي على الخالديين سرقة شعره ويقول ابن النديم أيضا ص 240عند ذكر أسماء الشعراء المحدثين بعد الثلاثمائة: أبو منصور ابن أبي براك هذا أستاذ السري بن أحمد الكندي شاعر مجود ويقال إن السري سرق شعره وانتحله "اه" وهذا بعض عجائب الكون وكم في هذا الكون من عجائب.
وعده ابن شهراشوب في المعالم في شعراء أهل البيت المتقين (أي العاملين بالتقية) وفي تاريخ بغداد السري ابن أحمد بن السري أبو الحسن الكندي الرفاء الموصلي شاعر مجود حسن المعاني له مدائح في سيف الدولة وغيره من أمراء بني حمدان وفي اليتيمة في الباب العاشر الذي عقده لذكر شعراء الموصل وغرر أشعارهم فقال: منهم السري ابن أحمد الكندي المعروف بالرفاء السري. صاحب سر الشعر
الجامع بين نظم عقود الدر والنفث في عقد السحر ولله دره ما أعذب بحره وأصفى قطره وأعجب أمره وفي شذرات الذهب الرفا الشاعر أبو الحسن السري بن أحمد الكندى الموصلي صاحب الديوان المشهور مدح سيف الدولة والوزير المهلبي والكبار.
أخباره
في اليتيمة: بلغني أنه أسلم صبيا في الرفائين بالموصل فكان يرفو ويطرز إلى أن قضى باكورة الشباب وتكسب بالشعر ومما يدل على ذلك ما قرأته بخطه وذكر أن صديقا له كتبه إليه يسأله عن خبره وهو بالموصل في سوق البزازين يطرز فكتب إليه:
يكفيك من جملة أخباري | يسري من الحب وإعساري |
في سوقه أفضلهم مرتد | نقصا ففضلي بينهم عاري |
وكانت الإبرة فيما مضى | صائنة وجهي وأشعاري |
فأصبح الرزق بها ضيقا | كأنه من ثقبها جاري |
قال وهذه الأبيات ليست في ديوان شعره الذي في أيدي الناس وإنما هي في مجلدة بخط السري استصحبها أبو نصر سهل بن المرزبان من بغداد وهي عنده الآن وكل خبر عندنا من عنده. ولم يزل السري في ضنك من العيش إلى أن خرج إلى حلب واتصل بسيف الدولة واستكثر من المدح له فطلع سعده بعد الأفول وبعد صيته بعد الخمول وحسن موقع شعره عند الأمراء من بني حمدان ورؤساء الشام والعراق ولما توفي سيف الدولة ورد السري بغداد ومدح المهلبي الوزير وغيره من الصدور فارتفق بهم وارتزق معهم وحسنت حاله وسار شعره في الآفاق ونظم حاشيتي الشام والعراق وسافر كلامه إلى خراسان وسائر البلدان "اه".
ونحوه في معجم الأدباء إلا أنه قال: أسلمه أبوه صبيا للرفائين بالموصل. وقال: فلما جاد شعره انتقل من حرفة الرفو إلى حرفة الأدب واشتغل بالوراقة فكان ينسخ ديوان شعر كشاجم وكان مغرى به "اه" وقال ابن خلكان: كان في صباه يرفو ويطرز في دكان بالموصل وهو مع ذلك يتولع بالأدب وينظم الشعر ولم يزل كذلك حتى جاد شعره ومهر فيه وقصد سيف الدولة ابن حمدان بحلب وأقام عنده مدة ثم انتقل بعد وفاته إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وجماعة من رؤسائها ونفق شعره وراج.
وحكر غير واحد من نقلة الأخبار أنه جرى يوما في مجلس سيف الدولة ذكر أبي الطيب فبالغ سيف الدولة في الثناء عليه فقال السري أشتهي أن الأمير ينتخب لي قصيدة من غرر قصائده ويرسم لي بمعارضتها ليتحقق بذلك أنه أركب المتنبي في غير سرجه فقال له سيف الدولة على الفور عارض لنا قصيدته التي مطلعها:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي | وللحب ما لم يبق مني وما بقي |
قال السري فكتبت القصيدة واعتبرها في تلك الليلة فلم أجدها من مختارات أبي الطيب فعلمت أن سيف الدولة إنما قال ذلك لنكتة ورأيت المتنبي يقوك في آخرها في ممدوحه سيف الدولة:
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق | أراه غباري ثم قال له الحق |
فقلت والله ما أشار سيف الدولة إلا لهذا البيت فخجلت وأعرضت عن المعارضة.
أخباره مع الخالديين أبي عثمان سعيد وهو الأصفر وأخيه أبي بكر محمد وهو الأكبر ابني هاشم.
مر طرف منها في عنوان (الخالديان) ج 29 من هذا الكتاب ونعيد ذكر ذلك هنا وإن لزم التكرار لتكون أخباره معهما مجتمعة.
(الخالديان) شاعران مجيدان مشهوران في عصرهما وبعده وقد شهد لهما بجودة الشعر أبو إسحق الصابي فقال من أبيات:
أرى الشاعرين الخالديين سيرا | قصائد يفنى الدهر وهي تخلد |
جواهر من أبكار لفظ وعونه | يقصر عنها راجز ومقصد |
والسري الرفا ينسب إليهما أنهما سرقا شعره وشعر غيره مثل كشاجم وأدخلاه في شعرهما وقد ظلمهما في ذلك فهما إن لم يكونا أشعر من السري وكشاجم فليسا دونهما فما الذي يدعوهما إلى سرقة شعرهما ولكنه حسد الصنعة والغني لا يسرق مال غيره إلا لنهم أو طمع مفرط ولكن حيث يظلن أو يعتقد أن سرقته ستظهر ويفتضح بها لا يقدم عليها وشعر السري وكشاجم مشهور معروف والغني الذي يمكنه تحصيل المال بدون كلفة لا يقدم على سرقته والخالديان غنيان بمواهبهما عن سرقة شعر من هو مثلهما أو دونهما علي أن الثعالبي في اليتيمة صرح بأن السري كان يدس في شعر كشاجم أحسن شعر الخالديين ليشنع عليهما قال في ج 1 ص ا 45 من اليتيمة: ولما جد السري في خدمة الأدب وانتقل عن تطريز الثياب إلى تطريز الكتاب شعر بجودة شعره ونابذ الخالديين الموصليين وناصبهما العداوة وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره وجعل يورق وينسخ ديوان شعر أبي الفتح كشاجم وهو إذ ذاك ريحان أهل الأدب بتلك البلاد والسري في طريقه يذهب وعلى قالبه يضرب وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ماينسخه وينفق سوقه ويغلي سعره ويشنع بذلك على الخالديين ويغض منهما ويظهر مصداق قوله في سرقتهما فمن هذه الجهة وقعت في بعض النسخ من ديوان كشاجم زيادات ليست في الأصول المشهورة منها وقد وجدتها كلها للخالديين بخط أحدهما وهو أبو عثمان سعيد بن هاشم في مجلدة أتحف بها الوراق المعروف بالطرطوسي ببغداد أبا نصر سهيل بن المرزبان وأنفذها إلى نيسابور في جملة ما حصل عليه من طرائف الكتب باسمه ومنها وجدت الضالة المنشودة من شعر الخالدي المذكور وأخيه أبي بكر محمد ابن هاشم ورأيت فيها أبياتا كتبها أبو عثمان لنفسه وأخرى كتبها لأخيه وهي بأعيانها للسري بخطه في المجلدة المذكورة لأبي نصر فمنها أبيات في وصف الثلج واستهداء النبيذ (وبئست الهدية):
يا من أنامله كالعارض الساري | وفعله أبدا عار من العار |
أما ترى الثلج قد خاطت أنامله | ثوبا يزر على الدنيا بأزرار |
نار ولكنها ليست بمبدية | نورا وماء ولكن ليس بالجاري |
والراح قد أعوزتنا في صبيحتنا | بيعا ولو وزن دينار بدينار |
فامنن بما شئت من راح يكون لنا | نارا فإنا بلا راح ولا نار |
ومن قوله أيضا:
ألذ العيش في وصل الصبيح | وعصيان النصيحة والنصيح |
وإصغاء إلى وتر وناي | إذا ناحا على زق جريح |
غداة دجنة وطفاء تبكي | إلى ضحك من الدهر المليح |
وقد حديث قلائصها الحيارى | بحاد من رواعدها فصيح |
وبرق مثل حاشيتي رداء | جديد مذهب في يوم ريح |
قال هكذا بخط السري والذي بخط الخالدي حاشيتي لواء ولست أدري أأنسب هذه الحال إلى التوارد أم إلى المصالتة وكيف جرى الأمر فبينهم مناسبة عجيبة ومماثلة قريبة في تصريف أعنة القوافي وصياغة حلي المعاني "اه" وقال ابن خلكان كان بينه وبين أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد ابني هشام الخالديين الموصليين الشاعرين المشهورين معاداة فادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره وفي تاريخ
بغداد كان بينه وبين أبي بكر وأبي عثمان محمد وسعيد ابني هاشم الخالديين حالة غير جميلة ولبعضهم في بعض أهاج كثيرة فآذاه الخالديان أذى شديدا وقطعا رسمه من سيف الدولة وغيره فانحدر إلى بغداد ومدح بها الوزير أبا محمد المهلبي فانحدر الخالديان وراءه ودخلا إلى المهلبي وثلبا سريا عنده فلم يحظ منه بطائل وحصلا في جملة المهلبي ينادمانه وجعلا هجيراهما ثلب سري والوقيعة فيه ودخلا إلى الرؤساء والأكابر ببغداد ففعلا به مثل ذلك عندهم وأقام ببغداد يتظلم منهما ويهجوهما ويقال إنه عدم القوت فضلا عن غيره ودفع إلى الوراقة فجعل يورق شعره ويبيعه ثم نسخ لغيره بالأجرة وركبه الدين ومات ببغداد على تلك الحال بعد سنة 260.
وقال في الخالديين من قصيدة:
ومن عجب أن الغبيين أبرقا | مغيرين في أقطار شعري وأرعدا |
فقد نقلاه عن بياض مناسبي | إلى نسب في الخالدية أسودا |
وقال في الخالدي الأصغر أبي عثمان سعيد بن هاشم كما في اليتيمة ج ا ص 473 وزعم أنه ادعى كثيرا من شعره:
لا بد من نغثة مصدور | فحاذروا صولة محذور |
قد آنست العالم غاراته | في الشعر غارات المغاوير |
أثكلني غيد قواف غدت | أبهى من الغيد المعاطير |
أطيب ريحا من نسيم الصبا | جاءت بريا الورد من جور |
من بعدما فتحت أنوارها | فابتسمت مثل الأزاهير |
وبات فكري تعبا بينها | ينقشها نقش الدنانير |
با وارث الأغفال ما سيروا | من القوافي والمشاهير |
أعط قفا نبك أمانا فقد | راحت بقلب منك مذعور |
ونقل له في اليتيمة ج 1 ص 478 أبياتا سينية من أرجوزة في الخالديين تضمن قذفا وبذائة أو قذف أو غيرهما:
جملة من أشعار السري التي ينسب فيها للخالديين سرقة شعره:
في اليتيمة ج 1 ص 508 في ترجمة الخالديين قد ذكرت ما شجر بينهما وبين السري في شأن المصالتة والمصادفة وما أقدم عليه السري من دس أحسن أشعارهما في شعر كشاجم وكان أفاضل الشام والعراق إذ ذاك فرقتين إحداهما وهي في شق الرجحان تتعصب عليه لهما لفضل ما رزقاه من قلوب الملوك والأكابر والأخرى تتعصب له عليهما وفي ج 1 ص 471 قال السري يتظلم من الخالديين والتلعفري إلى سلامة ابن فهد:
هل الصبر مجد حين أدرع الصبرا | وهل ناصر للشعر يوسعه نصرا |
تحيف شعري يا ابن فهد مصالت | عليه فقد أعدمت منه وقد أثرى |
وفي كل يوم للغبيين غارة | تروع ألفاظي المحجلة الغرا |
إذا عن لي معنى يضاحك لفظه | كما ضاحك النوار في روضه الغدرا |
غريب كشطر البرق لما تبسمت | مخائله للكفر أودعته سطرا |
فوجه من الفتيان يمسح وجهه | وصدر من الأقوام يسكنه الصدرا |
تناوله مثر من الجهل معدم | من الحلم معذور متى خلع العذرا |
فأبعد ما قربت منه غباوة | وأوزر ما سهلت من لفظه وعرا |
فمهلا أبا عثمان مهلا فإنما | يغار على الأشعار من عشق الشعرا |
لأطفأتما تلك النجوم بأسرها | ودنستما تلك المطارف والأزرا |
فويحكما هلا بشطر قنعتما | وأبقيتما لي من محاسنه شطرا |
وقال من قصيدة يمدح بها أبا البركات لطف الله ابن ناصر الدولة ويتظلم إليه من الخالديين ويزعم أنهما قد ادعيا شعره وشعر غيره ومدحا به المهلبى وغيره.
يا أكرم الناس إلا أن يعد أبا | فات الكرام بآباء وآثار |
أشكو إليك حليفي غارة شهرا | سيف الشقاق على ديباج أفكاري |
ذئبين لو ظفرا بالشعر في حرم | لمزقاه بأنياب وأظفار |
سلا عليه سيوف البغي مصلتة | في جحفل من صنيع الظلم جرار |
وأرخصاه فقل في العطر ممتهنا | لديهما يشترى من غير عطار |
لطائم المسك والكافور فائحة | منه ومنتخب الهندي والغار |
وكل مسفرة الألفاظ تحسبها | صفيحة بين إشراف وإسفار |
أرقت ماء شبابي في محاسنها | حتى ترقرق فيها ماؤها الجاري |
كأنها نفس الريحان يمزجه | صبا الأصائل من أنفاس نوار |
إن قلداك بدر فهو من لججي | أو ختماك بياقوت فأحجاري |
باعا عرائس شعري بالعراق فلا | تبعد سباياه من عون وأبكار |
مجهولة القدر مظلوم عقائلها | مقسومة بين جهال وأغمار |
ما كان ضرهما والدر ذو خطر | لو حلياه ملوكا ذات أخطار |
وما رأى الناس سبيا مثل سبيهما | بيعت نفيسته ظلما بدينار |
والله ما مدحا حيا ولا رثيا | ميتا ولا افتخرا إلا بأشعاري |
هذا وعندي من لفظ أشعشعه | سلافة ذات أضواء وأنوار |
كريمة ليس من كرم ولا التثمت | عروسها بخمار عند خمار |
تنشا خلال شغاف القلب إن نشأت | ذات الحباب خلال الطين والقار |
لم يبق لي من قريض كان لي وزرا | على الشدائد إلا ثقل أوزاري |
أراه قد هتكت أستار حرمته | وسائر الشعر مستور بأستار |
كأنه جنة راحت حدائقها | من الغبيين في نار وإعصار |
عار من النسب الوضاح منتسب | في الخالديين بين العر والعار |
وقال من قصيدة في أبي تغلب ذكر فيها أحد الخالديين:
ولا بد أن أشكو إليك ظلامة | وغارة مغوار سجيته الغضب |
يخيل شعري أنه قوم صالح | هلاكا وأن الخالدي له سقب |
رعى بين أعطان له ومسارح | فلم ترع فيهن العشار ولا النجب |
وكانت رياضا غضة فتكدرت | مواردها واصفر في تربها العشب |
يساق إلى الهجن المقارف حليه | وتسلبه الغر المحجلة القب |
غصبت على ديباجه وعقوده | فديباجه غصب وجوهره نهب |
وأبكاره شتى أذيل مصونها | وريعت عذاراها كما روع السرب |
وكنت إذا ما قلت شعرا حدت به | حداه المطايا أو تغنى به الشرب |
وقال من قصيدة خاطب فيها أبا الخطاب المفضل ابن ثابت الضبي وقد سمع أن الخالديين يريدان الرجوع إلى بغداد وذلك في أيام المهلبي الوزير:
بكرت عليك مغيرة الأعراب | فاحفظ ثيابك يا أبا الخطاب |
ورد العراق ربيعة بن مكدم | وعتيبة بن الحارث بن شهاب |
أفعندنا شك بأنهما هما | في الفتك لا في صحة الأنساب |
جلبا إليك الشعر من أوطانه | جلب التجار طرائف الأجلاب |
فبدائع الشعراء فيما جهزا | مقرونة بغرائب الكتاب |
شنا على الآداب أقبح غارة | جرحت قلوب محاسن الآداب |
فحذار من حركات صليي قفرة | وحذار من وثبات ليثي غاب |
لا يسلبان أخا الثراء وإنما | يتناهبان نتائج الألباب |
إن عز موجود الكلام عليهما | فأنا الذي وقف الكلام ببابي |
أو يهبطا من ذلة فأنا الذي | ضربت على الشرف المطل قبابي |
كم حاولا أمدي فطال عليهما | أن يدركا إلا مثار ترابي |
عجزا ولن تقف العبيد إذا جرت | يوم الرهان مواقف الأرباب |
ولقد حميت الشعر وهو لمعشر | رمم سوى الأسماء والألقاب |
وضربت عنه المدعين وإنما | عن حوزة الآداب كان ضرابي |
فغدت نبيط الخالدية تدعي | شعري وترفل في حبير ثيابي |
قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب | نقضت عمائمهم على الأبواب |
من كل كهل تستطير سباله | لونين بين أنامل البواب |
مغض على ذل الحجاب يرده | دامي الجبين تجهم الحجاب |
ومفوهين تعرضا لحرابتي | فتعرضت لهما صدور حرابي |
نظرا إلى شعر يورق فتربا | منه خدود كواعب أترأب |
شرباه فاعترفا له بعذوبة | ولرب عذب عاد سوط عذاب |
في غارة لم تنثلم فيها الظبى | ضربا ولم تند القنا بخضاب |
تركت غرائب منطقي في غربة | مسبية لا تهتدي لإياب |
جرحى وما ضربت بحد مهند | أسرى وما حملت على الأقتاب |
لفظ صقلت متونه فكأنه | في مشرقات النظم در سحاب |
وكأنما أجريت في صفحاته | حر اللجين وخالص الزرياب |
أغربت في تحبيره فرواته | في نزهة منه وفي استغراب |
وقطعت فيه شبيبة لم تشتغل | عن حسنه بصبا ولا بتصابي |
وإذا ترقرق في الصحيفة ماؤه | عبق النسيم فذاك ماء شبابي |
يصغي اللبيب له فيقسم لبه | بين التعجب منه والإعجاب |
جد يطير شراره وفكاهه | تستعطف الأحباب للأحباب |
أعزز علي بأن أرى أشلاءه | تدمى بظفر للعدو وناب |
أفن رماه بغارة مأفونه | باعت ظباء الروم في الأعراب |
إني نبذت على السواء إليكما | فتأهبا للقادح المنتاب |
وإذا نبذت إلى امرئ ميثاقه | فليستعد لسطوتي وعقابي |
قال الثعالبي وهي طويلة متناسبة في الحسن والعذوبة. وقال من قصيدة في أبي إسحق الصابي وقد ورد عليه كتاب الخالديين بأنهما منحدران إلى بغداد في سرعة.
قد أظلتك يا أبا إسحق | غارة اللفظ والمعاني الدقاق |
فاتخذ معقلا لشعرك تحميـ | ـه مروق الخوارج المراق |
قبل رقراقة الحديد تريق السـ | ـم في صفو مائه الرقراق |
كان شن الغارات في البلد القفـ | ـر فأضحى على سرير العراق |
غارة لم تكن بسمر العوالي | حين شئت ولا السيوف الرقاق |
جال فرسانها علي جلوسا | لا أقلتهم ظهور العتاق |
فجعت أنفس الملوك أبا إلهيـ | ـجاء حربا بأنفس الأعلاق |
يعني أبا الهيجاء حرب بن سعيد أخا أبي فراس الحمداني.
بقواف مثل الرياض تمشت | بين أنوارها جعاد السواقى |
بدع كالسيوف أرهفن حسنا | وسقاهن رونق الطبع ساقي |
مشرقات تريك لفظا ومعنى | حمرة الحلي في بياض التراقي |
يا لها غارة تفرق في الحو | مة بين الحمام والأطواق |
تسم الفارس السميذع بالعا | ر وبعض الأقدام عار باقي |
لو رأيت القريض يرعد منها | بين ذاك الإرعاد والأبراق |
وقلوب الكلام تخفق رعبا | تحت ثنيي لوائها الخفاق |
وسيوف الظلام تفتك فيها | بعذارى الطروس والأوراق |
والوجوه الرقاق دامية الأ | بشار في معرك الوجوه الصفاق |
لتنفست رحمة للخدود الحمر | منهن والقدود الرشاق |
والرياض التي ألح عليها | كاذب الودق صادق الإحراق |
والنجوم التي تظل نجوم الأ | رض حسادها على الإشراق |
بعدما لحن في سماء المعالي | طلعا وانتشرن في الآفاق |
وتخيرت حليهن فلم تعـ | ـد خيار النحور والأعناق |
وقطعت الشباب فيه إلى أن | هم برد الشباب بالإخلاق |
فهو مثل المدام بين صفاء | وبهاء ونفحة ومذاق |
منطق يخجل الربيع إذا حلـ | ـل عليه السحاب عقد النطاق |
يا هلال الآداب يا ابن هلال | صرف الله عنك صرف المحاق |
سوف أهدي إليك من خدم المجـ | ـد اماء تعاف قبح الإباء |
كل مطبوعة على اسمك باد | وسمها في الجباه والآماق |
نبذ مما توافق فيه أبو بكر الخالدي.
مع السري
مما أورده صاحب اليتيمة وقال إنه مما اتفق فيه التوارد مع السري لأبي بكر الخالدي أو التسارق (أقول) وذلك أن مجرد توافق الشاعرين في بيت أو أكثر أو شطر لا يعد سرقة فقد يقع ذلك من باب توارد الخاطر وقد يكون سرقة وإذا كان الشاعران متعاصرين يمكن أن يكون من التوارد ويمكن كونه سرقة لكن لا يعلم أيهما سرق من الآخر واتفق أني قلت في مطلع قصيدة:
أفبعد ما ابيض القذال وشابا | ترجو لوصل الغانيات إيابا |
ثم اطلعت على مطلع قصيدة لشاعر معاصر لم يطلع على قصيدتي كما لم أطلع على قصيدته أو لا فقال:
أفبعد ما ابيض القذال وشابا | أصبو لوصل الغيد أو أتصابى |
قال أبو بكر الخالدي:
قام مثل الغصن الـ | ـمياد في غض الشباب |
يمزج الخمر لنا بالصـ | ـفو من ماء الشراب |
فكأن الكأس لما | ضحكت تحت الحباب |
وجنة حمراء لاحت | لك من تلك الثقاب |
وقال السري:
وكأن كأس مدامها | لما ارتدت بحبابها |
توريد وجنتها إذا | ما لا ح تحت نقابها |
وقال أبو بكر:
ألا فاسقني والليل قد غاب نوره | لغيبة بدر في الغمام غريق |
وقد فضح الظلماء برق كأنه | فؤاد مشوق مولع بخفوق |
مداما كأن الكف من طيب نشرها | وصفرتها قد خلقت بخلوق |
نعاينها نورا جلاء تجسد | ونشربها نارا بغير حريق |
كأن حباب الكأس في جنباتها | كواكب در في سماء عقيق |
أخذ البيت الثاني من قول ابن المعتز:
أمنك سرى يا سر طيف كأنه | فؤاد مشوق مولع بخفوق |
وقال السري في وصف الفالوج:
كأن بياض اللوز فى جنباته | كواكب لاحت في سماء عقيق |
وقال أبو بكر:
مطرب الصبح هيج الطربا | لما قضى الليل نحبه انتحبا |
مغرد تابع الصباح فما | تدري رضا كان ذاك أم غضبا |
ما ما تنكر الطير أنه ملك | لها فبالتاج راح معتصبا |
طوى الظلام البنود منصرفا | حين رأى الفجر ينشر العذبا |
والليل من فتكة الصباح به | كراهب شق جيبه طربا |
فباكره بالخمر التي تركت | بنان كف المدير مختضبا |
كأنما صب في الزجاجة من | لطف ومن رقة نسيم صبا |
وليس نار الهموم خامدة | إلا بنور الكؤوس ملتهبا |
يظل زق المدام ممتهنا | سحبا وذيل المجون منسحبا |
ومنها في وصف كانون نار:
ومقعد لا حراك ينهضه | وهو على أربع قد انتصبا |
مصفر محرق تنفسه | تخاله العين عاشقا وصبا |
إذا نظمنا في جيده سبجا | صيره بعد ساعة ذهبا |
فما خبت نارنا ولا وقفت | خيول لهو جرت بنا خببا |
وساحر الطرف لا نقاب له | إذ كان بالجلنار منتقبا |
تقطف من ثغره ووجنته | أنامل الطرف زهرة عجبا |
شقائقا مذهبا يرى خجلا | وأقحوانا مفضضا شنبا |
حتى إذا ما انثنى ونشوته | تد سهلت منه كل ما صعبا |
غلبت صحبي عليه منفردا | به وهل فاز غير من غلبا |
أرشف ريقا عذب اللمى خصوا | كأن فيه الضريب والضربا |
وللسري في معنى البيت الخامس:
كراهب حن للهوى طربا | فشق جلبابه من الطرب |
وللسري في وصف كانون النار في مثل البيت العاشر والثاني عشر:
وذو أربع لا يطيق النهوض | ولا يألف السير فيمن سرى |
تحمله سبجا أسودا | فيجعله ذهبا احمرا |
وللسري في معنى البيت السادس عشر:
سفرن فلاح الأقحوان مفضضا | على القرب منا والشقيق مذهبا |
مؤلفاته
1 - كتاب المحب والمحبوب والمشموم والمشروب ذكره الثعالبي في تتمة اليتيمة وهذا لا ينافي قول ابن النديم السابق أنه لا يحسن من العلوم غير قول الشعر إذ لعله لا يعتبر تأليفه في ذلك تأليفا في العلم بل يراه غير خارج عن موضوع الشعر وقد حكي عن كتاب المحب والمحبوب أنه قال فيه: الفرق بين الحب والهوى والعشق وإن كان الشعراء مخالفون في هذا الترتيب (أي يجعلون الثلاثة بمعنى واحد) والصواب أن الهوى أعم لوقوعه على كل ما تهواه والثاني الحب وهو أخص وأقصاه العشق والاشتقاق يدل علي ذلك لأن الهوى من زوال الشمس عن موضعها والحب ملازمة المكان ثم الانبعاث منه والعشق مشتق من العشقة وهي اللبلابة وكأن العشق سمي به لذبوله ويقال عشق بالشيء إذا لزمه ولكل من الناس في الحب قول بحسب اعتقاده فالمنجمون يردونه إلى تأثيرات الكواكب والأطباء ومن يجري مجراهم يردونه إلى الطبائع والصوفية ومن ناسبهم يقولون بسائقة التقارب والتعارف وقالت أعرابية في ذلك: (الحب خفي أن يرى وجل أن يخفى فهو كامن كمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر) "اه".
2- كتاب الديرة ذكره ياقوت في معجم الأدباء.
3- ديوان شعره مطبوع مرتب على حروف المعجم قال ابن النديم وقد عمل شعره قبل موته نحو ثلثمائة ورقة ثم زاد بعد ذلك وقد عمله بعض المحدثين الأدباء على الحروف "اه" وفي معجم الأدباء يدخل في مجلدين.
شعره
هو شاعر مطبوع مجيد نظم في جميع فنون الشعر فأجاد ومر قول ابن النديم أنه لا يحسن من العلوم غير قول الشعر وأنه عذب الألفاظ مليح المآخذ كثير الافتنان في التشبيهات والأوصاف ولو لم يكن لها رواء ولا منظر (أقول) وكثيرا ما يعتمد في شعره أنوع البديع لا سيما الجناس. وفي اليتيمة وقد أخرجت من شعره ما يكتب على جبهة الدهر ويعلق في كعبة الفكر فكتبت منه محاسن وملحا وبدائع وطرفا كأنها أطواق الحمام وصدور البزاة البيض وأجنحة الطواويس وسوالف الغزلان ونهود العذارى الحسان وغمزات الحدق الملاح. وكنت أحسب أني قد استغرقت شعره لجمعي فيه بين لمع أنشدنيها وأنسخنيها أبو بكر الخوارزمي أولا وبين ديوان شعره المجلوب من بغداد وهو أول ما رأيته مما أنفذه أبو عبد الله محمد بن حامد الخوارزمي من بغداد إلى أبي بكر وبين المجلدة بخط السري التي وقعت إلي من جهة أبي نصر وفيها زيادات كثيرة على ما في الديوان فقرأت في كتاب الوساطة للقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني أبياتا أنشدها للسري في جملة ما أنشده لأكابر الشعراء مما يتضمن الاستعارة الحسنة مع إحكام الصنعة وعذوبة اللفظ وهي:
أقول لحنان الحشاء المغرد | يهز صفيح البارق المتوقد |
تبسم عن ري البلاد حبيبه=ولم يبتسم إلا لإنجاز موعد
ومنها:
ويا ديرها الشرقي لا زال رائح | يحل عقود المزن فيك ومغتدي |
عليلة أنفاس الرياح كأنما | يعل بماء الورد نرجسها الندي |
يشق جيوب الورد في شجراتها | نسيم متى ينظر إلى الماء يبرد |
فأعجب جدا بها وتعجبت منها وتأسفت على ما فاتني من أخواتها من هذه القصيدة وغيرها ثم قرأت في كتاب تفسر ابن جني لشعر المتنبي بيتا واحدا أنشده السري من قصيدة وذكر أنه أخذه من قول المتنبي:
سقاك وحيانا بك الله إنما=على العيس نور والخدور كمائمه
وهو:
حيا بك الله عاشقيك فقد | أصبحت ريحانة لمن عشقا |
فكدت أقضي بأن لم أسمع في معناه أظرف منه ولا ألطف ولا أعذب ولا أخف وطلبت القصيدتين فعزتا وأعوزنا وعلمت أن الذي حصلت من شعره غيض من فيض مما لم يقع إلي.
شعره الذي ينسب في بعض النسخ إلى كشاجم
لما تقدم من أن السري كان يدسه فيه تشنيعا على الخالدي ونسبته له إلى السرقة كقوله كما في اليتيمة ج 1 ص 511:
قامر بالنفس في هوى قمر | ونال وصل البدور بالبدر |
وافتض أفكار لهوه طربا | إلى عشايا المدام والبكر |
مسرة كيلها بلا حشف | ولذة صفوها بلا كدر |
قد ضربت خيمة الغمام لنا | ورش خيش النسيم بالمطر |
وعندنا عاتقان حمراء كالشمـ | ـس وأخرى صفراء كالقمر |
مدامة كأن من تقادمها | عاصرها آدم أبو البشر |
وبنت خدر تريك صورتها | بدر الدجى في ردائها العطر |
جنت على عودها وقد تركت | مدامنا جمرة بلا شرر |
يسعى علينا بها الوصائف قلد | ن مجونا قلائد الزهر |
يا تاركا طيب يومه لغد | تبيع عين السرور بالأثر |
إن وترت قلبك الهموم فما | مثل انتصار بالناي والوتر |
وقوله:
رق ثوب الدجى وطاب الهواء | وتدلت للمغرب الجوزاء |
والصباح المنير قد نشرت منـ | ـه على الأرض ريطة بيضاء |
فاسقنيها حتى ترى الشمس في الغر | ب عليها غلالة صفراء |
قهوة بابلية كدم الشا | دن بكرا لكنها شمطاء |
قد كستها الدهر أردية الر | ق حتى جفا لديها الهواء |
فهي في خد كأسها صفرة | التبر وفي لخد وردة ح |
عجبا ما رأيت من أعجب الأشـ | ـياء تقدير من له الأشياء |
سبيج يستحيل منه عقيق | وظلام ينسل منه ضياء |
وقوله وهو مما ينسب إلى الوزير المهلبى:
خليلي إني للثريا لحاسد | وإني على ريب الزمان لواجد |
أيبقى جميعا شملها وهي سبعة | وأنقد من أحببته وهو واحد |
وتوله من قصيدة في مرثية الحسين بن على عليهما السلام:
إذا تفكرت في مصابهم | أثقب زند الهموم قادحه |
بعضهم قربت مصارعه | وبعضهم بعدت مطارحه |
أظلم في كربلاء يومهم | ثم تجلى وهم ذبائحه |
لا برح الغيث كل شارقة | تهمي غواديه أو روائحه |
على ثرى حله ابن بنت رسول اللـ | ـه مجروحة جوارحه |
ذل حماه وقل ناصره | ونال أقصى مناه كاشحه |
عفرتم بالثرى جبين فتى | جبريل بعد النبي ماسحه |
يطل ما بينكم دم ابن رسول اللـ | ـه وابن السفاح سافحه |
سيان عنا الأنام كلهم | خاذله منكم وذابحه |
وقوله في دير مران:
محاسن الدير تسبيحي ومسباحي | وخمرة في الدجى صبحي ومصباحي |
أقمت فيه إلى أن صار هيكله | بيتي ومفتاحه للحسن مفتاحي |
منادما في قلاليه رهابنة | راحت خلائقهم أصفى من الراح |
قد عدلوا ثقل أديان ومعرفة | فيهم بخفة أبدان وأرواح |
ووشحوا غرر الآداب فلسفة | وحكمة بعلوم ذات إيضاح |
في طب بقراط لحن الموصلي وفي | نحو المبرد أشعار الطرماح |
ومنشد حين يبديه المزاج لنا | ألمع برق سرى أم ضوء مصباح |
وكم حننت إلى حاناته وغدا | شوقي يكاثر أصواتا بأقداح |
يا دير مروان لا تعدم ضحة ودجى | سجال غيث ملث الودق سحاح |
إن تغن كأسك أكياسي فإن بها | يفل جيش همومي جيش أفراحي |
وإن أقم سوق إطرابي فلا عجب | هذا بذاك إذا ما قام نواحي |
وقوله:
يا نفس موتي فقد جد الأسى موتي | ما كنت أول صب غير مبخوت |
بكى إلي غداة البين حين رأى | دمعي يفيض وحالي حال مبهوت |
فدمعتي ذوب ياقوت على ذهب | ودمعه ذوب در فوق ياقوت |
وقوله:
أنباك شاهد أمري عن مغيبه | وجد جد الهوى بي في تلعبه |
يا نازحا نزحت دمعي قطيعته | هب لي من الدمع ما أبكي عليك به |
وقوله من قصيدة:
لا تطنبن في بكاء النؤى والطنب=ولا تحي كثيب الحي من كثب
ولا تجد بغمام للغميم ولا | تسمح لسرب المهى بالواكف السرب |
ربع تعفى فأعفى من جوى وأسى | قلبي وكان إلى اللذات منقلبي |
سيان بان خليط أو أقام به | فإنما عامر البيداء كالخرب |
أبهى وأجمل من وصف الجمال ومن | إدمان ذكر هوى يهوى على قتب |
مد البنان إلى كأس على سكر | ورفع صوت بتطريب على طرب |
حمراء حين جلتها الكأس نقطها | مزاجها بدنانير من الحبب |
كانت لها أوجل الأعلاج واترة | بالدوس فانتصغت من أرؤس العرب |
يسقيكها من بني الكفار بدر دجى | ألحاظه للمعاصي أو كد السبب |
يومي إليك بأطراف مطرفة | بها خضابان للعناب والعنب |
نسبة سرقة الشعر إليه
مر قول ابن النديم أنه كثير السرقة وأنه سرق شعر أستاذه أبي منصور وأنتحله. وفي اليتيمة: لما وجدت السري أخذ جديد القميص في حسن السرتة وجودة الأخذ من الشعر أكثرت في هذا الفصل من ذكر سرقاته "اه" والغريب أن الناس نسبوا السري إلى كثرة السرقة وهو ينسب الخالديين إلى سرقة شعره ويشنع عليهما بذلك أعظم التشنيع ونسبة كثرة السرقة إلى السري لا يكاد يصدقها العقل إذ لا شك أن السري كان ذا مادة غزيرة في نظم الشعر والفن فيه وأنه من مشهوري شعراء عصره وقد مدح الأمراء والرؤساء من آل حمدان وغيرهم ونال جوائزهم العظام فما الذي يدعوه إلى كثرة السرقة حتى لشعر أستاذه إلا أن يكون ذلك طبعا كمن يسرق المال وهو غني وهو مما يصعب الإذعان به ويمكن أن تكون هذه النسبة من بعض حاسديه كما أن نسبة السرقة إلى الخالديين وهما شاعران أصلها منه للمشاركة في الصنعة وأي شاعر من مشهوري الشعراء لم ينسب إلى السرقة والظنون في سبب ذلك أن الشاعر يرى معنى في شعر غيره فيعجبه فيحب أن ينظم فيه فيأتي بأبدع وأبلغ من قول صاحبه فيكون أحق به منه أو بما يساويه أو بما يقصر عنه. كل ذلك لا يقدح في شاعريته وقد ينظم في معنى قد نظم فيه غيره ولم يطلع هو عليه فينسب إلى السرقة وليس بسارق وقد ينظم في المعاني المشهورة التي تداولها الشعراء فيجيد أو يساوي أو يقصر فينسب في الجميع إلى السرقة وليس كذلك والمعاني كما قال عبد القاهر الجرجاني مطروحة في الطريق إنما يتفاضل الناس بالألفاظ وهذا ما أورده صاحب اليتيمة من سرقات السري قال: قال السري من قصيدة في سيف الدولة وذكر بعض غزواته:
طلعت على الديار وهم نبات | وأغمدت السيوف وهم حصيد |
فما أبقيت إلا مخطفات | حماها الخصر منها والنهود |
وكرر هذا المعنى فقال:
أفنت ظباك الروم حتى أنها | لم تبق إلا ظبية أو ربما |
وإنما سرقه من قول المتنبي:
نلم يبق إلا من حماها من الظبى | لمى شفتيها والثدي النواهد |
وقال السري من قصيدة:
حييت من طلل أجاب دثوره | يوم العقيق سؤال دمع سائل |
نحفى وننزل وهر أعظم حرمة | من أن يزال براكب أو ناعل |
وهو من قول المتنبي:
نزلنا عن الأكوار نمشى كرامة | لمن بان عنه أن نلم به ركبا |
وفي قصيدة السري:
فالدهر يمسح منه غرة سابق | لاقاه أول سابقين أوائل |
وهو من قول مروان ابن أبي حفصة.
مسحت معد وجه معن سابقا | لما جرى وجرى ذوو الأحساب |
وقال السري من قصيدة وذكر الخيال:
وافى يحقق لي الوفاء ولم يزل | خدن الصبابة بالوفاء حقيقا |
ومضى وقد منع الجفون خفوقها | قلب لذكرك لا يقر خفوقا |
فالتجنيس أخذه من قول التنوخي:
يفديك قلب خافق | أبدا وطرف ما خفق |
واللفظ من قول ابن المعتز (ما بال قلبك لا يقر خفوقا) وقال السري من قصيدة:
نضت البراقع عن محاسن روضة | ريضت بمحتفل الحيا أنوارها |
فمن الثغور المشرقات لجينها | ومن الخدود المذهبات نضارها |
أغصان بان أغربت في حملها | فغرائب الورد الجني ثمار |
وهو من قول ابن الرومي:
غصون بان عليها الدهر فاكهة | وما الفواكه مما يحمل البان |
وقال السري:
تلك المكارم لا أرى متأخرا | أولى به منه ولا متقدما |
عفوا أظل ذوي الجرائم كلهم | حتى لقد حسد المطيع المجرما |
وهو من قول أبي تمام:
وتكفل الأيتام عن آبائهم | حتى وددنا أننا أيتام |
والأصل فيه قول أبي دهبل الجمحي:
ما زلت في العفو للذنوب وإطلا | ق لعان بجرمه غلق |
حتى تمنى البراء أنهم | عندك أضحوا في القد والحلق |
وقال السري من قصيدة:
ذا ذكر العقيق لنا نثرنا | عقيق الدمع سحا وانهمالا |
طلول كلما حاولن سقيا | سقتها العين أدمعها سجالا |
تحن جمالنا هونا إليها | فأحسبها ترى منها جمالا |
وتسأل عن معالمها محيلا | فنطلب من إجابتها محالا |
وهو من قول ديك الجن:
قالوا السلام عليك يا أطلال | قلت السلام على المحيل محال |
وقال السري من قصيدة يتشوق بها بني فهد:
تناءوا ولما ينصرم حبل عزهم | وحاشا لذاك الحبل أن يتصرما |
فشرق منهم سيد ذو حفيظة | وغرب منهم سيد فتشأما |
كأن نواحي الجو تنثر منهم | على كا فج قاتم اللون أنجما |
وهو من قول الشاعر:
رمى القفر بالفتيان حتى كأنهم | بأقطار آفاق البلاد نجوما |
وقال من قصيدة:
تناهى فاطمأن إلى العتاب | وأحسن للعواذل في الخطاب |
وصار حبيب غصن غير رطب | وكان حبيب أغصان رطاب |
خلت منه ميادين التصابي | وعري منه أفراس الشباب |
وزهده خضاب الله لما | تولى عنه في زور الخضاب |
وإنما أخذ مصرع البيت الثالث من قول زهير (وعري أفراس الصبا ورواحله) وذكر خضاب الله في البيت الرابع وهو من قول أبي تمام (ورأت خضاب الله وهو خضابي) وفي قصيدة السري:
وكنت كروضة سقيت سحابا | فانثنت النسيم على السحاب |
وهو من قول المتنبي:
وزكي رائحة الرياض كلامها | تبغي الثناء على الحيا فتفوح |
والأصل فيه قول ابن الرومي:
شكرت نعمة الولي على الوسـ | ـمي ثم العهاد بعد العهاد |
فهي تثني على السماء ئناء | طيب النشر شائعا في البلاد |
وقال السري من قصيدة:
ليالينا بأحياء الغميم | |
مضت بك رأفة الأيام فينا | وغفلة ذلك الزمن الحليم |
فكنا منك في جنات عيش | وفت حسنا بجنات النعيم |
رياض محاسن وسنا شموس | وظل دساكر وجنى كروم |
وأجفان إذا لحظت جسوما | خلعن سقامهن على الجسوم |
وإنما أخذ هذا المثال من قول أبي تمام:
فيا حسن الرسوم وما تمشى | إليها الدهر في صور البعاد |
واذ طير الحوادث في رباها | سواكن وهي غناء المراد |
مذاكي حلبة وشروب دجن | وسامر قينة وقدور صادي |
وأعين ربرب كحلت بسحر | وأجساد تضمخ بالجساد |
وممن أخذ هذا المثال مع ركوب هذه القافية القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني حيث قال من قصيدة:
وأجفان تروي كل شيء | سوى قلب إلى الأحباب صادي |
بذاك جزيت إذ فارقت قوما | لبست لبينهم ثوبي حداد |
معادن حكمة وغيوث جدب | وأنجم خبرة وصدور نادي |
وقال السري من قصيدة:
ترتع حولي الظباء آنسة | نظائرا في الجمال أشباها |
رقت عن الوشي نعمة فإذا | صافح منها الجسوم وشاها |
وهو من قول المتنبي:
حسان التثني ينقش الوشي مثله | إذا مسن في أجسامهن النواعم |
وقال من أبيات:
وأغيد مهتز على صحن خده | غلائل من صبغ الحياة رقاق |
أحاطت عيون العاشقين بخصره | فهن له دون النطاق نطاق |
وهو أيضا من قول المتنبي:
وخصر تثبت الأحداق فيه | كأن عليه من حدق نطاقا |
وكتب إلى صديق له كان قد بعث غلامه إليه في حاجة:
أبا بكر أسأت الظن فيمن | سجيته التمتع والخلاف |
وخفت عليه في الخلوات مني | ولم تك بيننا حال تخاف |
جفوت من الصبا ما ليس يجفى | وعفت من الهوى ما لا يعاف |
فلو أني هممت بقبح فعل | لدى الإغفاء أيقظني العفاف |
وإنما أخذه من قول أبي الحسن ابن طباطبا:
ماذا يعيب الناس من رجل | خلص العفاف من الأنام له |
يقظاته ومنامه شرع | كل بكل منه مشتبه |
إن هم في حلم بفاحشة | زجرته عفته فينتبه |
وقال السري من أبيات لصديق له أهدى إليه ماء ورد فارسي في قارورة بيضاء مزينة بقراطيس مذهبة:
بعثت بها عذراء حالية النجر | مشهرة الجلباب حورية النحر |
مضمنة ماء صفا مثل صفوها | فجاءت كذوب التبر في جامد الدر |
ينوب بكفي عن أبيه وقد مضى | كما نبت عن آبائك السادة الغر |
وإنما هو عكس كلام المتنبي.
فإن يك سيار بن مكرم انقضى | فإنك ماء الورد إن ذهب الورد |
وقال من قصيدة في سيف الدولة:
لما تراأى لك الجمع الذي نزحت | أقطاره ونأت بعدا جوانبه |
تركتهم بين مصبوغ ترائبه | من الدماء مخضوب ذوائبه |
فحائر وشهاب الرمح لاحقه | وهارب وذباب السيف طالبه |
يهوي إليه بمثل النجم طاعنه | وينتحيه بمثل البرق ضاربه |
يكسوه من دمه ثوبا ويسلبه | ثيابه فهو كاسيه وسالبه |
وهو من قول البحتري:
سلبوا وأشرقت الدماء عليهم | محمرة فكأنهم لم يسلبوا |
وقال السري من قصيدة في سيف الدولة وذكر العدو:
تروع أحشاءه بالكتب وهولها | خوف الردى ورجاء السلم مستلم |
لا يشرب الماء إلا غص من حذر | ولا يهوم إلا راعه الحلم |
وهو من قول أشجع السلمي:
فإذا تنبه رعته وإذا غفا | سلت عليك سيوفك الأحلام |
وقال من قصيدة:
وقفنا نحمد العبرات لما | رأينا البين مذموم السجايا |
كأن خدودهن إذا استقلت | شقيق فيه من طل بقايا |
وهو من قول الناشي الأوسط:
كأن الدموع على خدها | بقية طل على جلنار |
وقال من قصيدة في مرثية أم أبي تغلب:
تذال مصونات الدموع إزاءها | وتمشي حفاة حولها الرجل والركب |
تساوت قلوب الناس في الحزن إذ ثوت | كأن قلوب الناس في موتها قلب |
ومصرع البيت الأول من قول المتنبي (مشى الأمراء حوليها حفاة) والبيت الثاني من قول ابن الرومي:
سلالة نور ليس يدركها اللمس | إذا ما بدا أغضى له البدر والشمس |
به أضحت الأهواء يجمعها هوى | كان نفوس الناس في حبه نفس |
ولأبي بكر الخالدي في الأخذ منه:
وبدر دجى بمشي به غصن رطب | دنا نوره لكن تناوله صعب |
إذا ما بدا به كل ناظر | كأن قلوب الناس في حبه قلب |
وقال السري من قصيدة:
أيام لي في الهوى العذري مأربة | وليس لي في هوى العذال من أرب |
سقى الغمام رباها دمع مبتسم | وكم سقاها التصابي دمع مكتئب |
وردد المعنى فقال:
ولما اعتنقا خلت أن قلوبنا | تناجي بأفعال الهوى وهي تخفق |
هي الدار لم يخل الغمام ولا الهوى | معالمها من عبرة تترقرق |
وهو من قول أبي تمام:
دمن طالما التقت أدمع المز | ن عليها وأدمع العشاق |
وفي قصيدة السري:
وطوقت قوما في الرقاب صنائعا=كأنهم منها الحمام المطوق
وهو من قول المتنبي:
أقامت في الرقاب له أياد | هي الأطواق والناس الحمام |
وللسري من قصيدة في سيف الدولة:
تبسم برق الغيم فاختال لامعا | وحل عقود الغيث فارفض هاملا |
فقلت علي منك أعلى صنائعا | إذا ما رجوناه وأرجى مخايلا |
وإنما نسج فيه على منوال البحتري حيث قال:
قد قلت للغيم الركام ولج في | إبراقه وألح في إرعاده |
لا تعرضن لجعفر متشبها | بندى يديه فلست من أنداده |
وقال السري من قصيدة:
قامت تميل للعناق مقوما | كالخوط أبدع في الثمار وأغربا |
حملت ذراه الأقحوان مفضضا | يسقي المدامة والشقيق مذهبا |
وأبت وقد أخذ النقاب جمالها=حركات غصن البان أن تتنقبا
وهو من قول أبي تمام:
أرخت خمارا محلى الفرعين وانتقبت | للناظرين بقد ليس ينتقب |
وقال السري في وصف شعره:
وغريبة تجري عليك رياحها | أرجا إذا لفحت عدوك نارها |
ممن له غرر الكلام تفتحت | أبوابها وترفعت أستارها |
تجرى وتطلبه عصائب قصرها | عن شأوه فقصارها إقصارها |
فتعيش بعد مماته أشعاره | وتموت قبل مماتها أشعارها |
وهو من قول دعبل:
يموت رديء الشعر من قبل أهله | وجيده يبقى وإن مات قائله |
وقال من قصيدة:
صادق البشر يرى ماء الندى | يرتقي في وجهه أو ينحدر |
قلت إذ برز سبقا في العلا | أ إلى المجد طريق مختصر |
وهو من قول البحتري:
ما زال يسبق حتى قال حاسده | له طريق إلى العليا مختصر |
وفي قصيدة السري:
قد تقضى الصوم محمودا فعد | لهوى يحمد أو راح يسر |
أنت والعيد الذي عاودته | غرتا هذا الزمان المعتكر |
لذ فيك المدح حتى خلته | سمرا لم أشق فيه بسهر |
وهو من قول ابن الرومي:
يا مشرعا كان لي بلا كدر | يا سمرا كان لي بلا سهر |
وقال من قصيدة ذكر فيها جراحا نالته في بعض أسفاره:
نوب لو علت شماريخ رضوى | أوشكت أن تخر منهن هدا |
عرضتني على الحسام فأضحى | كل عضو مني لحديه غمدا |
وكست مفرقي عمامة ضرب | أرجوانية الذوائب تندى |
وهو من قول ابن المعتز:
ألا رب يوم قد كسوكم عمائما | من الضرب في الهامات حمر الذوائب |
وقال السري من قصيدة في الوزير المهلبي:
وأرى العدو نقيصة في عمره | وأرى الصديق زيادة في حاله |
بوقائع للبأس في أعدائه | ووقائع للجود في أمواله |
عذلوه مي الجدوى ومن يثني الحيا | أم من يسد عليه طرق سجاله |
وهو من قول المتنبي:
وما ثناك كلام الناس عن كرم | ومن يسد طريق العارض الهطل |
وقال من قصيدة في وصف طير الماء:
وآمنة لا الوحش يذعر سربها | ولا الطير منها داميات المخالب |
هي الروض لم تنش الخمائل زهره | ولا اخضل عز دمع من المزن ساكب |
إذا انبعثت بين الملاعب خلتها | زرابي كسرى بثها في الملاعب |
وهو من قول ابن الرومي:
زرابي كسرى بثها في صحونه | ليحضر وفدا أو ليجمع مجمعا |
وفي قصيدة السري:
وأن آنست شخصا من الناس صرصرت | كما صرصرت في الطرس أقلام كاتب |
وهو من قول أبي نواس:
كأنما يصفرن عن ملاعق | صرصرة الأقلام في المهارق |
وقال في وصف رقاص:
إذا اختلجت مناكبه لرقص | نزت طير القلوب إليه نزوا |
أفارس أنت أحسن من تثنى | على صنج وأملح من تلوى |
وهو من قول الصنوبري:
فمن متلو على نأيه | ومن متثن على صنجه |
وقال من قصيدة في سيف الدولة:
بكاهل الملك سيف الدولة اطأدت | قواعد الدين واشتدت كواهله |
من الرماح وإن طالت مخاصره | كما الدروع وإن أوفت غلائله |
وهو من قول البحتري:
ملوك يعدون الرماح مخاصرا | إذا زعزعوها والدروع غلائلا |
وقال في وصف السحاب والبرق من قصيدة:
وعارض أكلأ فيه بارق | كالنار شبت في ذرى طود أشم |
كأنه نشوان جر ذيله | فكلما ريع انتضى عضبا خذم |
وهو من قول ابن المعتز:
كأن الرباب الجون دون سحابه | خليع من الفتيان يسحب ميزرا |
إذا أدركته روعة من ورائه | تلفت واستل الحسام المذكرا |
وفي قصيدة السري:
ورب يوم تكتسي البيض به | لونا فتكسو لونها سود اللمم |
وهو من قول المتنبي:
واستعار الحديد لونا وألقى | لونه في ذوائب الأطفال |
وقال من قصيدة:
وأنا الفداء لمرغم في العدى | إذ زارني وهنا على عدوائه |
قمر إذا ما الوشي صين أذاله | كما يصون بهاءه ببهائه |
وهو من قول المتنبي:
لبسن الوشي لا متجملات | ولكن كي يصن به الجمالا |
وفي قصيدة السري:
ضعفت معاقد خصره وعهوده | فكأن عقد الخصر عقد وفائه |
واللفظ من قول ابن المعتز (وشادن ضفعيف عقد الخصر) وقال السري من قصيدة:
حليه وثناياه وعنبره | كل ينم عليه أو يراقبه |
فلست أدري إذا ما سار في أفق | شمائل الأفق أذكى أم جائبه |
سرى من الخيف يخفي البدر منتقبا | والبدر يأنف أن تخفى مناقبه |
وإنما ألم فيه بقول كشاجم:
بأبي وأمي زائر متقنع | لم يخف ضوء البدر تحت قناعه |
وقال في وصف القلم من قصيدة في أبي إسحاق الصابي:
وفتى إذا هز اليراع حسبته | لمضاء عزمته يهز مناصلا |
من كل ضافي البرد ينطق راكبا | بلسان حامله ويصمت راجلا |
وهو من قول أبي تمام:
فصيح إذا استنطقته وهو راكب | وأعجم إن خاطبته وهو راجل |
وقال السري من قصيدة:
الغيث والليث والهلال إذا | أقمر بأسا وبهجة وندى |
ناس من الجود ما يجود به | وذاكر منه كلما وعدا |
وهو من قول الشاعر:
رأيت يحيى أدام الله بهجته | يأتي من الجود ما لم يأته أحد |
ينسى الذي كان من معروفه أبدا | إلى الرجاء ولا ينسى الذي يعد |
وقال من قصيدة:
بعيد إذا رمت إدراكه | وإن كان في العود سهلا قريبا |
ضرائب أبدعتها في السما | ح فلسنا نرى لك فيها قريبا |
وهو من قول البحتري:
بلونا ضرائب من قد نرى | فما أن رأينا لفتح ضريبا |
وقال من قصيدة:
فتى شرع المجد المؤثل فالعلا | مآربه والمكرمات شراعه |
إذا وعد السراء أنجز وعده | وإن أوعد الضراء فالعفو مانعه |
وهو من بيت تشتمل عليه قصة حكاها المبرد عن أبي عثمان المازني قال: حدثني محمد بن مسعر قال: جمعنا بين أبي عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد في مسجدنا فقال له أبو عمرو: ما الذي يبلغني عنك في الوعيد فقال: إن الله وعد وعدا وأوعد إيعادا فهو منجز وعده ووعيده فقال له أبو عمرو: إنك أعجمي ولا أعني لسانك ولكن فهمك إن العرب لا تعد ترك الإيعاد ذما وتعده مدحا ثم أنشد:
و ما يرهب ابن العم ما عشت صولتي | وما أختشي من صولة المتوعد |
وإني إذا أوعدته أو وعدته | لمخلف إيعادي ومنجز موعدي |
فقال له عمرو: أفليس يسمي تارك الإيعاد مخلفا قال:
بلى قال: أفتسمي الله مخلفا إذا لم يفعل ما أوعد قال: لا قال: فقد أبطلت شاهدك (قال المؤلف) لو سلمنا عدم صحة القول بأن الله مخلف إيعاده لأن في هذا التعبير نوع من سوء الأدب فلا نسلم عدم صحة قولنا الله تارك فعل ما أوعد به أو عاف عمن أوعده أو غير ذلك من العبارات التي هي بمعنى اللفظ الذي قد يكون فيه شيء من سوء الأدب والعبرة بالمعاني لا بالألفاظ والرجل الذي أول لبعض الملوك رؤياه بأنه يموت جميع أقاربه فأمر بحبسه كالرجل الذي أولها بأنه أطول أقاربه عمرا فأنعم عليه لا يزيد معنى كلام أحدهما عن الآخر شيئا ولا ينقص وإنما تختلف العبارة إيحاشا وإيناسا وقال السري من أبيات:
لحظت عزمتي العراق فسلت | همتي للرحيل سيف اعتزامي |
فسلام على جنابك والمنـ | ـهل والظل والأيادي الجسام |
وهو من قول البحتري:
فسلام على جنابك والمنـ | ـهل فيه وربعك المأنوس |
حيث فعل الأيام ليس بمذمو | م ووجه الزمان غير عبوس |
وقال في وصف أشعاره:
خلع غضة النسيم غذاها | صفو ماء العلوم والآداب |
فهي كالخرد الأوانس يخلطـ | ـن شماس الصبا بأنس التصابي |
رقة فوق رقتة الخصر تبدي | فطنة فوق فطنة الأعراب |
وهو من قول الطائى:
لا رقة الخصر اللطيف عدتهم | وتباعدوا عن فطنة الأعراب |
وقال السري من قصيدة:
ألبستني النعم التي غيرن لي | ود الصديق فعاد منها حاسدا |
فليلبسن بها الثناء مسيرا | ومخلدا ما دام يذبل خالدا |
والبيت الأول من قول البحتري:
وألبستني النعمى التي غيرت أخي | علي فأمسى نازح الود أجنبا |
ما تكرر من معانيه
في اليتيمة لا بأس أن أورد بعض ما كرره من معانيه فما منها إلا بارع رائع وإنما كررها إعجابا بها واستحسانا لما اخترعه منها قال من أبيات في الاستزارة:
ألست ترى ركب الغمام يساق | وأدمعه بين الرياض تراق |
ورقت جلابيب النسيم على الثرى | ولكن جلابيب الغيوم صفاق |
وقال قي معناه:
(ص157)
راح الغمام به صفيقا شربه | وغدا به ثوب النسيم رقيقا |
وقال في قريب منه:
فهواؤه سكب الردا | ء وغيمه جافي الإزار |
وقال من تلك الأبيات:
وذو أدب جلت صنائع كفه | ولكن معاني الشعر منه دقاق |
وقال في معناه:
أعلي كم نعم منحت جليلة | |
يلقى الندى برقيق وجه مسفر | |
رحب المنازل ما أقام فإن سرى |
وقال في معناه:
فطورا لكم في العيش رحب منازل | وطورا لكم بين السيوف زحام |
وقال يمدح:
فلتشكرنك دولة جددتها | فتجددت أعلامها ومنارها |
حليتها وحميت بيضة ملكها | فغرار سيفك سوها وسوارها |
وقال ني معناه:
تحلي الدين أو تحمي حماه | فأنت عليه سور أو سوار |
وقال:
نثر الثناء فكان من إعلانه | وطوى الوداد فكان من أسراره |
كالنخل يبدي الطلع من أثماره | حينا ويخفي الغض من جماره |
وقال في معناه:
أصبحت أظهر شكرا عن صنائعه | وأضمر الود فيه أي إضمار |
كيانع النخل يبدي للعيون ضحى | طلعا نضيدا ويخفي غصن جمار |
وقال في وصف الشمع:
أعددت لليل إذا الليل غسق | وقيد الألحاظ من دون الطرق |
قضبان تبر عريت عن الورق | شفاؤها إن مرضت ضرب العنق |
وقال في معناه:
فرجتها بصائح إن تعتلل | فلهن من ضرب الرقاب شفاء |
وقال في معناه:
وإذا عرتها مرضة | فشفاؤها ضرب الرقاب |
وقال في معناه:
سيافها يضرب أعناقها | وهو بذاك الفعل يحييها |
وقال:
قد أغتدي نشوان من خمر الكرى | أجر بردى على برد الثرى |
وقال في مثله: (والصبح حمل في حشى الظلماء) وقال في وصف الخمر:
ألا غادها مخطئا أو مصيبا | وسر نحوها داعيا أو مجيبا |
وخذ لهبا حره في غد | إذا الحر قارن يوما لهيبا |
وقال في معناه:
هات التي هي يوم الحشر أوزار | كالنار في الحسن عقبى شربها النار |
وقال في معناه:
هاتها لم تباشر النار واعلم | أنها في المعاد للشرب نار |
وقال من أبيات:
انظر إلى الليل كيف تصدعه | راية صبح مبيضة العذب |
كراحب حن للهوى طربا | فشق جلبابه من الطرب |
وقال في معناه:
والفجر كالراهب قد مزقت | من طرب عنه الجلابيب |
وقال يمدح:
يخضب الكف بالمدام وطورا | يخضب السيف من دم مهراق |
وقال في معناه:
وتخضب بالراح أيماننا | ونخضب بالدم أرماحنا |
وقال في الغزل وهو من غرره:
بنفسي من أجود له بنفسي | ويبخل بالتحية والسلام |
وحتفي كامن في مقلتيه | كمون الموت في حد الحسام |
وقال ونقل معناه إلى الخمر:
ويريه أعلى الرأي حزم كامن | فيه كمون الموت في حد القضيب |
وقال في معناه:
أما للمحبين من حاكم | فينصفني اليوم من ظالمي |
حمامي في طرفه كامن | كمون المنية في الصارم |
وقال في معنى آخر:
وفتية زهر الآداب بينهم | أبهى وأنضر من زهر الرياحين |
مشوا إلى المرح مشي الرخ وانصرفوا | والراح تمشي بهم مشي الفرازين |
وقال في معناه:
حتى إذا الشمس بها آذنت | خيامها الصفر بقلع الأواخ |
راحوا عن الراح وقد أبدلوا | مشي الفرازين بمشي الرخاخ |
وقال في قلب معناه ووصف الشطرنج:
يبدي لعينك كلما عاينته | قرنين جالا مقدما ومخاتلا |
فكأن ذا صاح يسير مقوما | وكأن ذا نشوان يخطر مائلا |
وقال يصف كانون نار:
وذو أربع لا يطيق النهو | ض ولا يألف السير فيمن سرى |
تحمله سبجا أسودا | فيجعله ذهبا أحمرا |
وقال في معناه:
وأحدقنا بأزهر خا | فقات حوله العذب |
فما ينفك من سبج | يعود كأنه ذهب |
وقال يمدح:
وكم خرق الحجاب إلى مقام | توارى الشمس فيه بالحجاب |
كان سيوفه بين العوالي | جداول يطردن خلال غاب |
وقال في معناه:
كأن سيوف الهند بين رماحه | جداول في غابه سما فتأشبا |
وقال في معناه:
أسدلها من بيضها وسمرها | جداول مطردات واجم |
وصف شعره
في اليتيمة وعلى ذكر الشعر فإني كاسر عليه فضلا لفرط استحساني جودة وصفه له وموافقة الموصوف.
قال في وصف شعره:
إليك زففتها عذراء تأوي | حجاب القلب لا حجب القباب |
أذبت لصوغها ذهب القوافي | فأدت رونق الذهب المذاب |
وقال في معناه:
وخذها كالتهاب الحلي تغني | عن المصباح في الليل التهابا |
مشعشعة كأن الطبع أجرى | على صفحاتها الذهب المذابا |
وقال في وصف شعره من قصيدة:
وما زالت رياح الشعر شتى | فمن ربا الهبوب ومن سموم |
تحيي الصاحب الطلق المحيا | وتعلن شتم ذي الوجه الشتيم |
منحتك من محاسنها ربيعا | مقيم الزهر سيار النسيم |
وقال من أخرى:
قل للعدو إليك عن ذي عدة | ما ثار إلا نال أبعد ثاره |
صل القريض إذا ارتوت أنيابه | من سمه قطرت على أشعاره |
لو أنه جارى عتيقي طيئ | في الحلبتين تبرقعا بغباره |
وقال من أخرى:
شغلتك عن حسن السماع مدائح | |
طلعت عليك أبا الفوارس أنجم | حسنت فما تنفك تطرب سامعا |
زهر إذا صافحن سمع معاند | منهن يخجلن النجوم طوالعا |
جاءتك مثل بدائع الوشي الذي | خفض الكلام وغض طرفا خاشعا |
أو كالربيع يريك أخضر ناضرا | ما زال في صنعاء يتعب صانعا |
وقال من أخرى:
وكم مدحة غب النوال تبسمت | كما ابتسم النوار غب حيا أورى |
وما ضر عقدا من ثناء نظمته | وفصلته أن لا يعيش له الأعشى |
وقال:
جاءتك كالعقد لا تزري بناظمها | حسنا وتزري بما قالوا وما نظموا |
والشعر كالروض ذا ظام وذا خضل | وكالصوارم ذا ناب وذا خذم |
أو كالعرانين هذا حظه خنس | مزرى عليه وهذا حظه شمم |
وقال:
وفكر خواطره ألبست | علاك من الحمد ثوبا خطيرا |
محاسن لو علقت بالقتير | لحسن عند الحسان القتيرا |
إذا ما جفت خلع المادحيـ | ـن عليهن رقت فكانت حريرا |
وقال:
وخلعة من ثناي دبجها الفكـ | ـر ففاقت بحسنها البدعا |
وقرب الحذق لفظها فغدا | من قربها مطمعا وممتنعا |
وقال:
سأبعث الحمد موشيا سبائبه | إلى الأمير صريحا غير مؤتشب |
إن المدائح لا تهدى لناقدها | إلا وألفاظها أصفى من الذهب |
كم رفت بالفكر فيها روضة أنفا=تفتح الزهر منها عن جنا الأدب
لفظ يروح له الريحان مطرحا | إذا جعلناه ريحانا على النجب |
وقال:
أتتك يجول ماء الطبع فيها | مجال الماء في السيف الصقيل |
قواف إن ثنت للمرء عطفا | ثنى الأعطاف في برد جميل |
وقال:
شرقت بماء الطبع حتى خلتها | شرقت لرونقها بتبر ذائب |
ويقول سامعها إذا ما أنشدت | أعقود حمد أم عقود كواكب |
وقال:
والبس غرائب مدحة دبجتها | فكأنما دبجت منها مطرفا |
من كل بيت لو تجسم لغظه | لرأيته وشيا عليك مفوفا |
وقال:
ألفاظه كالدر في أصدافه | لا بل يزيد عليه في لألائه |
من كل رائقة الجمال كأنما | جاد الشباب لها بريقة مائه |
وقال:
والشعر بحر نلت أنفى دره | وتنافس الشعراء في حصبائه |
وقال:
وغرائب مثل السيوف إضاءة | وجدت من الفكر الدقاق صياقلا |
فلو استعار الشيب بعض جمالها | أضحى إلى البيض الحسان وسائلا |
جائتك بين رصينه ودقيقه | تهدى إليك مطارفا وغلائلا |
حسن التخلص
منه قوله من قصيدة في الوزير المهلبي:
عصر مزجت شمائلي بشموله | وظلاله ممزوجة بشماله |
حتى حسبت الورد من أشجاره | يجنى أو الريحان من أغصانه |
وكأنني لما ارتديت ظلاله | جار الوزير المرتدي بظلاله |
وقوله من أخرى:
أكني عن البلد البعيد بغيره | وأرد عنه عنان قلب مائل |
وأود لو فعل الحيا بسهوله | وحزونه فعل الأمير لآمل |
ومن أخرى:
وركائب يخرجن من غلس الدجى | مثل السهام مرقن منه مروقا |
والفجر مصقول الرداء كأنه | جلباب خود أشربته خلوقا |
أغمامة بالشام شمن بروقها | أم شمن من شيم الأمير بروقا |
ومن أخرى:
وبكر إذا جنبتها الجنوب | حسبت العشار تؤم العشارا |
يعارضها في الهواء النسيم | فينشر في الأرض درا صغارا |
كأن الأمير أعار الربى | شمائله فاشتملن المعارا |
مختارات من شعره في جميع الفنون
الغزل
قال من قصيدة ولا توجد في الديوان المطبوع مطلعها:
ما زاره الطيف بعد البين معتمدا | إلا ليدني له الشوق الذي بعدا |
منها:
كأنما من ثناياها وريقتها | أيدي الغمام سرقن البرد والبردا |
وقال ولا توجد في الديوان المطبوع:
لو أشرقت لك شمس ذاك الهودج | لأرتك سالفتي غزال أدعج |
أرعى النجوم كأنها في أفقها | زهر الأقاحي في رياض بنفسج |
والمشتري وسط السماء تخاله | وسناه مثل الزيبق المترجرج |
مسمار تبر أصفر ركبته | في فص خاتم فضة فيروزج |
وتمايل الجوزاء يحكي في الدجى | ميلان شارب قهوة لم تمزج |
وتنقبت بخفيف غيم أبيض | هي فيه بين تحفر وتبرج |
كتنفس الحسناء في المرآة إذ | كملت محاسنها ولم تتزوج |
وقال من مطلع قصيدة:
بلاني الحب فيك بما بلاني | فشاني أن تفيض غروب شاني |
أبيت الليل مرتفقا أناجي | بصدق الوجد كاذبة الأماني |
فتشهد لي على الأرق الثريا | ويعلم ما أجن الفرقدان |
إذا دنت الخيام بهم فأهلا | بذاك الخيم والخيم الدواني |
فبين سجوفها أقمار تم | وبين عمادها أغصان بان |
ومذهبة الخدود بجلنار | مفضضة الثغور بأقحوان |
سقانا الله من رياك ريا | وحيانا بأوجهك الحسان |
ستصرف طاعتي عمن نهاني | دموع فيك تلحى من لحاني |
فيا ولع العواذل خل عني | ويا كف الغرام خذي عناني |
وقال:
بنفسي من أجود له بنفسي | يبخل بالتحية والسلام |
وحتفي كامن في مقلتيه | كمون الموت في حد الحسام |
وقال من قصيدة:
قسمت قلبي بين الهم والكمد | ومقلتي بين فيض الدمع والسهد |
ورحت في الحسن أشكالا مقسمة | بين الهلال وبين الغصن والعقد |
أريتني مطرا ينهل ساكبه | من الجفون وبرقا لاح من برد |
ووجنة لا يروي ماؤها ظمأي | بخلا وقد لذعت نيرانها كبدي |
فكيف أبقي على ماء الشؤن وما | أبقى الغرام على صبري ولا جلدي |
وقال من قصيدة:
لو سالمته سجايا طرفك الساجي | لكان أول صب في الهوى ناج |
سرت أوائل دمع العين حين سرت | أوائل الحي من ظعن وأحداج |
ومن وراء سجوف الرقم شمس ضحى | تجول في جنح ليل مظلم داج |
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها | حقين دون مجال العقد من عاج |
كأن عبرتها يوم الفراق جرت | من ماء وجنتها أو ماء أوداجي |
وقال: ولا توجد في الديوان المطبوع:
قامت وخوط البانة المياس في أثوابها | ويهزها سكران سكر شرابها وشبابها |
تسعى بصهباوين من ألحاظها وشرابها | فكأن كأس مدامها لما ارتدت بحبابها |
وقفنا فظل الشوق يسأل دارها | وتجعل أسراب الدموع جوابها |
ومجدولة جدل العنان منحتها | عناني فأضحت رحلة الهجر دابها |
إذا برزت كان العفاف حجابها | وإن سفرت كان الحياء نقابها |
حمتنا الليالي بعد ساكنة الحمى | مشارب يهوى كل ظام شرابها |
ألاحظها لحظ الطريد محله | وأذكرها ذكر الشيوخ شبابها |
تذكر أيام الصبا
قال من قصيدة:
تأبى الصبابة أن تصيخ لعاذل | أو أن تكف غروب دمع هامل |
عرف المنازل باللوى فبكى دما | إن الهوى فيه اختلاف منازل |
وسبيله أن يستبل وقد رأى | شمل الشباب طريد شيب نازل |
حييت من طلل أجاب دثوره | يوم العقيق سؤال دمع سائل |
يحفى وينزل وهو أعظم حرمة | من أن يزار براكب أو ناعل |
حمرا تلوح خلالها بيض كما | فصلت بالكافور سمط عقائل |
ومرادنا ما بين أبيض صارم | يهتز منه وبين أسمر ذابل |
أسلاسل البرق الذي لحظ الثرى | وهنا فوشح روضه بسلاسل |
أذكرتنا النشوات في ظل الصبا | والعيش في سنة الزمان الغافل |
أيام أستر صبوتي من كاشح | عمدا وأسرق لذتي من عاذل |
وقال من قصيدة:
أجانبها حذارا لا اجتنابا | وأعتب كي تنازعني العتابا |
وأبعد خيفة الواشين عنها | لكي أزداد في الحب اقترابا |
وتأبى عبرتي إلا انسكابا | وتأبى لوعتي إلا التهابا |
مررنا بالعقيق فكم عقيق | ترقرق في محاجرنا فذابا |
ومن مغنى جعلنا الشوق فيه | سؤالا والدموع له جوابا |
وفي الكلل التي غابت شموس | إذا شهدت ظلام الليل غابا |
حملت لهن أعباء التصابي | ولم أحمل من السلوان عابا |
لو بعدت قبابك قاب قوس | من الواشين حيينا القبابا |
نصد عن العذيب وقد رأينا | على ظمأ ثناياك العذابا |
تثنى البرق يذكرني الثنايا | على أثناء دجلة والشعابا |
وأياما عهدت بها التصابي | وأوطانا صحبت بها الشبابا |
وقال يتشوق الموصل ونواحيها وهو مقيم بحلب:
أمحل صبوتنا دعاء مشوق | يرتاح منك إلى الهوى الموموق |
هل أطرقن العمر بين عصابة | سلكوا إلى اللذات كل في طريق |
أم هل أرى القصر المنيف معززا | برداء غيم كالرداء رقيق |
وقلا لي الدير التي لولا النوى | لم أرمها بقلى ولا بعقوق |
محمرة الجدان ينفح طيبها | فكأنها مبنية بخلوق |
ومحل خاشعة القلوب تفردوا | بالذكر بين فروقة وفروق |
أغشاه بين منافق متجمل | ومناضل عن كفره زنديق |
وأغن تحسب جيده إبريقه | ما قام يسفح عبرة الإبريق |
دهر ترفق بي فوافي صرفه | وسطا علي فكان غير رفيق |
فمتى أزور قباب مشرفة الذرى | فأرود بين النسر والعيوق |
وأرى الصوامع في غوارب أكمها | مثل الهوادج في غوارب نوق |
حمرا تلوح خلالها بيض كما | فصلت بالكافور سمط عقيق |
كلف تذكر قبل ناهية النهى | ظلين ظل هوى وظل حديق |
فتفرقت عبراته في خده | إذ لا مجير له من التفريق |
المديح
شعره قي أهل البيت عليهم السلام
في ملحق فهرست ابن النديم ص 6: كان السري الرفا جارا لأبي الحسن علي بن عيسى الرماني بسوق العطش وكان كثيرا ما يجتاز بالرماني وهو جالس على باب داره فيستجلسه ويحادثه يستدعيه إلى أن يقول بالاعتزال وكان السري يتشيع فلما طال ذلك عليه أنشد: (وليست في الديوان المطبوع):
أقارع أعداء النبي وآله | قراعا يفل البيض عند قراعه |
وأعلم كل العلم أن وليهم | سيجزى غداة البعث صاعا بصاعه |
فلا زال من والاهم في علوه | ولا زال من عاداهم في اتضاعه |
ومعتزلي رام عزل ولايتي | عن الشرف العالي بهم وارتفاعه |
فما طاوعتني النفس في أن أطيعه | ولا أذن القرآن لي في اتباعه |
طبعت على حب الوصي ولم يكن | لينقل مطبوع الهوى عن طباعه |
(ص161)
وقال يمدح أهل البيت (غ) وفيها ثلاثة أبيات في رثاء الحسين عليه السلام:
تطوي الليالي علما أن ستطوينا | فشعشعيها بماء المزن واسقينا |
وتوجي بكؤوس الراح أيدينا | فإنما خلقت للراح أيدينا |
قامت تهز قواما ناعما سرقت | شمائل البان من أعطافه اللينا |
تحث حمراء يلقاها المزاج كما | ألقيت فوق جني الورد نسرينا |
فلست أدري أتسقينا وقد نفحت | روائح المسك منها أم تحيينا |
قد ملكتنا زمام العيش صافية | لو فاتنا الملك راحت عنه تسلينا |
ومخطف القد يرضينا ويسخطنا | حسنا ويقتلنا دلا ويحيينا |
لما رأيت عيون الدهر تلحظنا | خزرا (شزرا) تيقنت أن الدهر يردينا |
نمضي ونترك من ألفاظنا تحفا | تنسي رياحينها الشرب الرياحينا |
وما نبالي بذم الأغبياء إذا | كان اللبيب من الأقوام يطرينا |
ورب غراء لم تنظم قلائدها | إلا ليحمد (لتمدح) فيها الفاطميونا |
الوارثون كتاب الله يمنحهم | إرث النبي على رغم المعادينا |
والسابقون إلى الخيرات ينجدهم | عتق النجار إذا كل المجارونا |
قوم نصلي عليهم حين نذكرهم | حبا ونلعن أقواما ملاعينا |
إذا عددنا قريشا في أباطحها | كانوا الذوائب فيها والعرانينا |
أغنتهم عن صفات المادحين لهم | مدائح الله في طاها وياسينا |
فلست أمدحهم إلا لأرغم في | مديحهم أنف شانيهم وشانينا |
أقام روح وريحان على جدث | ثوى الحسين به ظمآن آمينا |
كأن أحشاءنا من ذكره أبدا | تطوى على الجمر أو تحشى السكاكينا |
مهلا فما نقضوا آثار والده | وإنما نقضوا في قتله الدينا |
آل النبي وجدنا حبكم سببا | يرضى الإله به عنا ويرضينا |
فما نخاطبكم إلا بسادتنا | ولا نناديكم إلا موالينا |
فكم لنا من معاد (عدو) في مودتكم | يزيدكم في سواد القلب تمكينا |
(وكم لنا من فخار في مودتكم | يزيدها في سواد القلب تمكينا) |
ومن عدو لكم مخف عداوته | الله يرميه عنا وهو يرمينا |
إن أجر في مدحكم جري الجواد فقد | أضحت رحاب مساعيكم ميادينا |
وكيف يعدوكم شعري وذكركم | يزيد مستحسن الأشعار تحسينا |
مدائحه في سيف الدولة
قال في مدح سيف الدولة أبي الحس علي بن حمدان:
أغرتك الشهاب أم النهار | وراحتك السحاب أم البحار |
خلقت منية ومنى فأضحت=تمور بك البسيطة أو تمار
تحلي الدين أو تحمي حماه | فأنت عليه سور أو سوار |
سيوفك من شكاة الثغر برء | ولكن للعدى فيها بوار |
وكفاك الغمام الجون يسري | وفي أحشائه ماء ونار |
يمين من سجيتها المنايا | ويسرى من عطيتها اليسار |
يحف الوفد منك بأريحي | تحف به السكينة والوقار |
وبدر ما استسر البدر إلا | تعالى أن يحيط به السرار |
حضرنا والملوك له قيام | تغض نواظرا فيها انكسار |
وزرنا منه ليث الغاب طلقا | ولم نر قبله ليثا يزار |
فكان لجوهر المجد انتظام | وكان لجوهر الجود انتشار |
بعثت إلى الثغور سحاب عدل | وبذل لا يغب له انهمار |
وأسكنت السكينة ساحتيها | فقرت بعدما امتنع القرار |
مكارم يعجز المداح عنها | فجل مديحهم فيها اختصار |
فعشت مخيرا لك في الأماني | وكان على العدو لك الخيار |
فضيفك للحيا المنهل ضيف | وجارك للربيع الطلق جار |
وله في سيف الدولة ولا توجد في ديوانه المطبوع وإنما نقلناها من نسخة مخطوطة رأيناها بالعراق في مكتبة الفاضل الشبيبي.
قاد الجياد إلى الجياد عوابسا | شعثا ولولا بأسه لم تنقد |
في جحفل كالسيل أو كالليل أو | كالقطر كافح موج بحر مزبد |
متوقد الجنبات تعتنق القنا | فيه اعتناق تواصل وتودد |
متفجر بظبا الصوارم مبرق | تحت الغبار وبالصواهل مرعد |
رد الظلام على الضحى واسترجع الـ | ـاظلام من ليل العجاج الأربد |
وكأنما نقشت حوافر خيله | للناظرين أهلة في الجلمد |
وكأن طرف الشمر مطروف وقد | جعل الغبار له مقام الإثمد |
وقال يمدح سيف الدولة ويذكر بعض غزواته إلى خرشنة ويصف قلعة افتتحها من قصيدة:
وقائع مثل ما بدأت تعود | وخيل ما تحط لها لبود |
وأيام على الإسلام بيض | وهن على العدا حمر وسود |
ومبرقة الحتوف إذا أسالت | دماء الشيب شاب لها الوليد |
يبيت جلادها شرقا وغربا | حديثا تقشعر له الجلود |
أيرهب جانب الأعداء ميلا | وسيف الدولة الركن الشديد |
وقاد الخيل قبا يقتضيها | ذخيرة جهدها أو يستزيد |
فأرسلها على الصفصاف يخفي | سنا أوضاحها عنه الكديد |
وزارت أرض خرشنة رعالا | فكادت أرض خرشنة تميد |
وجزن على الصعيد مبرقعات | براقعهن ما نسج الصعيد |
وأوردها الخليج وقد تساوت | بجمتها التهائم والنجود |
طلعت على الديار وهم نبات | وأغمدت السيوف وهم حصيد |
إذا ركع القنا الخطي صلوا | صلاة جل واجبها السجود |
فما أبقيت إلا مخطفات | حمى الأخطاف منها والنهود |
ورب ممنع حاولت منه | فلم يمنعه معقله المشيد |
ومشرفة لقاصدها صبوب | على قمم السحائب أو صعود |
تحف بها شواهق شامخات | كما حفت بسيدها الجنود |
أحطت بها الأسنة لامعات | فهن على ترائبها عقود |
رأت أمثال صورتها حديدا | فكادت وهي راسية تميد |
وما زالت جيادك طاويات | تقاد إلى العدو فتستقيد |
ضربت بها على الثغرين سدا | يؤيد ركنه رأي سديد |
وأبت بها وقد أحرزت مجدا | قناك عليه والبيض الشهود |
ولما قابلت طرطوس غرا | محجلة تقابلها السعود |
كففت شذاتها فارتد بأس | كدفاع الحريق وفاض جود |
لقد شرفت بسؤددك القوافي | وفاز بمجدك الشرف التليد |
فيوم الحرب تطربك المذاكي | ويوم السلم يطربك النشيد |
وقال يمدح سيف الدولة ويعتذر إليه من انصرافه عن حلب بغير إذن:
أؤنب الشوق فيهم وهو يضطرم | وأستقل دموع العين وهي دم |
لله أي شموس منهم غربت | بغرب زبدور ضمها أم |
بيض تخبر عنها البيض لامعة | بأنهن نعيم دونه نقم |
أهدت لهن على خوف إشارتنا | تحية ردها العناب والعنم |
هي الظباء ولي من ربعها حرم | وهي الشفاء ولي من لحظها سقم |
سقيا المحبين من أهل الحمى ظمأ | برح وسقياه من أجفانها ديم |
جادتك مذهبة بالبرق مجلبة | بالرعد تربد أحيانا وتبتسم |
كأنها وجنوب الريح تجنبها | بحر يسد فضاء الجو ملتطم |
من اللواتي تقول الأرض إن بسمت | هذي الحياة التي يحيا بها النسم |
كأنها إذ تولت وهي مقلعة | جيش العدو تولى وهو منهزم |
عادت حماتهم سفعا خدودهم | كأنما سفعت أبشارها الحمم |
أطفأت بالكر والإقدام نارهم | وقبل كانت على الإسلام تضطرم |
دفعتهم بغرار السيف عن بلد | رحب تدافع فيه سيلك العرم |
غشيتهم برماح ليس بينهم | وبين أطرافها إل ولا ذمم |
ونلت أمنعهم حصنا وأبعدهم | فليس تعصمهم من بأسك العصم |
وبات ذو الأمر منهم قد ألم به | من خوف إلمامك المودي به لمم |
لا يشرب الماء إلا غص من حذر | ولا يهوم إلا راعه الحلم |
أضحى بنجدتك الإسلام معتصما | وأنت بالله والهندي معتصم |
كأنها والعوالي ملء ساحتها | مغارس الخط فيها للقنا أجم |
فالغزو منتظم والفيء مقتسم | والدين مبتسم والشرك مصطلم |
يا سائلي عن علي كيف شيمته | نظر إلى الشكر مقرونا به النعم |
مدح يغض زهير عنه ناظره | ونائل يتوارى عنده هرم |
إذا بدا الصبح فهو الشمس طالعة | وإن دجا الليل فهو النار والعلم |
لا يستعير له المداح منقبة | ولا يقولون فيه غير ما علموا |
رحب على آمليه ظل رحمته | وليس بينهم قربى ولا رحم |
رمى الصليب وأبناء الصليب فلم | تغمد صوارمه إلا وهم رمم |
بالبيض تنكرها الأغماد مغمدة | والجرد تعرفها الغيطان والأكم |
لا تخلع العذر عنها عند أوبتها | ولا تنفس عن أوساطها الحزم |
كأنما نتجت للحرب مسرجة | مركبات على أفواهها اللجم |
يا صارم الدين إن الدين قد علقت | كفاه منك بحبل ليس ينصرم |
أشيم عفوك علما أن ستنشره | علي تلك السجايا الغر والشيم |
كان انصرافي جرما لا كفاء له | عندي وأي لبيب ليس يجترم |
رأي هفا هفوة زلت لها قدمي | وما هفا الرأي إلا زلت القدم |
هو اضطرار أزال الاختيار وهل | يختار ذو اللب ما يردي وما يصم |
وكيف يجتنب الظمآن مورده | عمدا إذا راح وهو البارد الشبم |
صفحا فلو شق قلبي عن صحيفته | لظل يقرأ منه الخوف والندم |
جاءتك كالعقد لا تزري بناظمها | حسنا وتزري بما قالوا وما نظموا |
والشعر كالروض ذا ظام وذا خضل | وكالصوارم ذا ناب وذا خذم |
أو كالعرانين هذا حظه خنس | مزر عليه وهذا حظه شمم |
وقال يمدح سيفه الدولة ويودعه وقد عزم على المسير من الشام إلى ديار بكر.
الله جارك ظاعنا ومقيما | وضمين نصرك حادثا وقديما |
إن تسر كان لك النجاح مصاحبا | أو تبق كان لك السرور نديما |
تغشاك بارقة السحاب إذا سرت | غيثا وتلقاك الرياح نسيما |
لله همتك التي رجعت بها | همم الملوك الصاعدات هموما |
ورياحك اللاتي تهب جنائبا | ولربما أجريتهن سموما |
وخلالك الزهر التي أنفت لها | قمم المراتب أن تكون نجوما |
كم من عظيم القدر قد لقيته | خطبا بأطراف الرماح عظيما |
ومشهر يدعى الكريم تركته | يدعى وقد هطلت يداك لئيما |
أفنت ظباك الروم حتى أنها | لم تبق إلا ظبية أو ريما |
وظبا محرمة على أغمادها | حتى تبيح من الضلال حريما |
ومكارم أنصفت فيهن العلا | وتركت مالك بينها مظلوما |
منحتك طاعتها القبائل رهبة | فمنحت جمرة عزها تصريما |
أعطاك أصعبها الخطام ولم يكن | ليقود غيرك صعبها مخطوما |
اسمى مرهفة السيوف فضلتها | شيما إذا جد القراع وخيما |
ألبستني نعما رأيت بها الدجى | صبحا وكنت أرى الصباح بهيما |
فغدوت يحسدني الصديق وقبلها | قد كان يلقاني العدو رحيما |
طلب الملوك غبار شأوك فانثنوا | صفر اليدين وخائبا وذميما |
إن يسمحوا في الحين أو يتكلفوا | كرم النفوس فقد خلقت كريما |
وقال يمدح سيف الدولة أيضا:
وهي في الديوان ناقصة ومخالفة لها هنا في الترتيب والزيادة والنقصان وكأن ذلك من النساخ:
أمن العيون يروم رد عنائه | هيهات ظن مقامها بشفائه |
ما كان هذا البين أول جمرة | أذكت لهيب الشوق في أحشائه |
لولا مساعدة الدموع ورفعها | حوب الفراق أتى على حوبائه |
خفر الشمائل لو ملكت عناقه | يوم الودع وهبته لحيائه |
ضعفت معاقد خصره وعقوده | فكأن عقد الخصر عقد وفائه |
لله أي محاجر عفت لنا | بمحجر إذ ريع سرب ظبائه |
وحيا أرقت لبرقه فكأنه | قدح الزمان يطير في أرجائه |
وسقت غمائمه الرياض كأنها | جود الأمير سقى رياض ثنأنه |
يا موجبا حق السماح بنائل | تتقاصر الأنواء عن أنوائه |
والمبتني بيت العلاء ببأسه | فغدا علاء النجم دون علائه |
ومن السيادة لا تليق بغيره | لعظيم سؤدده وفضل غنائه |
كم منة لك ألبستني نعمة | تدع الحسود يذوب من برحائه |
صنت الثناء عن الملوك نزاهة | وجعلته وقفا على آلائه |
ومتى صان الثناء عمن هو دونه ولكنهم الشعراء يقولون ما لا يفعلون.
ألفاظه كالدر في أصدافه | لا بل تزيد عليه في لألائه |
من كل ريقة الكلام كأنما | جاد الشباب لها بريق مائة |
والشعر بحر نلت أنس حليه=وتنافس الشعراء في حصبائه
وقال يمدح سيف الدولة ويذكر بعض غزواته:
(ص164)
من ص 172 إلى 176 بحاجة إلى تدقيق
(ص164)
سحابك في السماح لها انسجام | ونارك في العدو لها ضرام |
وصوب يديك ما جريا حياة | تعم بها البرية أو حمام |
نثرت على الخليج الهام حتى | كأن حصى الخليج طلى وهام |
ويقول المتنبي في مثله:
نثرتهم فوق الأحيدب نثرة | كما نثرت فوق العروس الدراهم |
على بعدت مسافتها ومجد | تعالى أن يهم به همام |
لأغلب عامه في السلم يوم | ولكن يومه في الحرب عام |
يضيع الحزم من نأواه حتى | يبيت وما يشد له حزام |
يؤرقه ويأرق في سراه | إليه فما ينيم ولا ينام |
يهجر والرماح عليه ظل | ويسفر والعجاج له لثام |
وذي لجب تضل البيد فيه | وتفتقد الصحاصح والأكام |
أقمنا لا نريم وسالمتنا | بساحتك الخطوب فما ترام |
فكل زماننا أبل أبدا ربيع | كل شهورنا الشهر الحرام |
علام حرمتني إنشاد شعري | لديك وقد تناشده الأنام |
ولي فيك التي تغلى القوافي | إذا ذكرت ويطرح الكلام |
تقصر عن مداها الريح جريا | وتعجز عن مواقعها السهام |
وقال يمدح سيف الدولة من قصيدة:
أما الخيال فما يغب طروقا | يدني بوصلك شائقا ومشوقا |
ومضى وقد منع الجفون خفوقها | قلب لذكرك لا يقر خفوقا |
أهوى أنيق الحسن مقتبل الصبا | وازور مخضر الجناب أنيقا |
راح الغمام به صفيقا ثوبه | وغدا به ثوب النسيم رقيقا |
وركائب يخرجن من غلس الدجى | مثل السهام مرقن منه مروقا |
أغمامة بالشام شمن بروقها | أم شمن من بشر الأمير بروقا |
ملك تسهل بالسماح يمينه | حزنا وتوسع بالصوارم ضيقا |
يلقى الندى برقيق وجه مسفر | فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا |
رحب المنازل ما أقام فإن سرى | في جحفل ترك الفضاء مضيقا |
مهلا عداة الدين إن لخصمكم | خلقا بإرغام العدو خليقا |
أنذرتكم حامي الحقيقة لا يرى | إلا لمرهفة السيوف حقوقا |
سدت عزائمه الثغور وجالفت | آراؤه التسديد والتوفيقا |
ورمى بلاد الروم بالعزم الذي | ما زال صبحا في الظلام فتيقا |
جيش إذا لاقى العدو صدوره | لم تلق للأعجاز منه لحوقا |
حجبت له شمس النهار وأشرقت | شمس الحديد بجانبيه شروقا |
أخلى معاقلهم وحاز نهابهم | قسرا وفرق جمعهم تفريقا |
فتضرجت تلك البطاح به دما | وتضرمت تلك الفجاج حريقا |
أعلي كم نعم منحت جليلة | منحتك معنى في الثناء دقيقا |
وندى رفعت به لحيي تغلب | شرفا أناف فعانق العيوقا |
وتمل مدحي إنه ريحانة | نفحت فباشرها النسيم طليقا |
قد كان غفلا تبل جودك فاغتدى | علما بجودك في الورى مرهوقا |
وقال يمدح سيف الدولة ويذكر عمارته سور حلب:
ناديك من مطر الإحسان ممطور | ومرتجيك بغمر الجود مغمور |
والبيض ظل عليك الدهر منتشر | والنقع جيب عليك الدهر مزرور |
والشرك قد هتكت أستار بيضته | بحد سيفك والإسلام منشور |
كم وقعة لك شبت في ديارهم | نارا وأشرقت منها في الهدى نور |
بنهضة خر فسطاط الكفور لها | خوفا وأذعن بالفسطاط كافور |
يا من يمن على الأسرى فيأسرهم | علما بأن طليق المن مأسور |
إن تعمر السور أو تهمل عمارته | فإنه بك ما عمرت معمور |
حميته برماح الخط مشرعة | وكل حصن سوى أطرافها زور |
أنت الهمام الذي من همه أبدا | جر الحديد وذيل النقع مجرور |
وقال يمدح سيف الدولة ويذكر وقعته مع الدمستق وبناء حصن الحدث من قصيدة:
فتح أعزبه الإسلام صاحبه | ورد ثاقب نور الملك ثاقبه |
سارت به البردمنشورا صحائفه | على المنابر محمودا عواقبه |
عاد الأمير به خضرا مكارمه | حمرا صوارمه بيضا مناقبه |
مؤيدا يتحامى الدهر صولته | فليس يلقاه إلا وهو هائبة |
سل الدمستق هل عن الرتاد له | وهل يعن له والرعب صاحبه |
ولو أقام فواقا إذ دلفت له | تحت العجاج لقد قامت نوادبه |
لما تراءى لك الجمع الذي نزحت | أقطاره ونأت بعدا جوانبه |
تركتهم بين مصبوغ ترائبه | من الدمائ ومخضوب ذوائبه |
فحائر وشهاب الرمح لاحقه | وهارب وذباب السيف طالبه |
يهوي إليه بمصل النجم طاعنه | وينتحيه بمصل البرق ضاربه |
حميت يا صارم الإسلام حوزته | بصارم الحد حتى عز جانبه |
رفعت بالحدث الحصن الذي خفضت | منه الحوادث حتى زال راتبه |
أعدته عدويا في مناسبه | من بعد ما كان روميا مناسبه |
مصغ إلى الجو أعلاه فإن خفقت | زهر الكواكب خلناها تخاطبه |
يا ناصر الدين لما عز ناصره | وخاطب المجد لما قل خاطبه |
حتام سيفك لا تروى مضاربه | من الدماء ولا تقضى مآربه |
لم تحمل الروم إذ رامتك وثبتها | والليث لا يحمد العقبى مواثبه |
وجربت يا ابن عبد الله منك فتى | قد أمنته الذي يخشى تجاربه |
له من البيض خل لا يباعده | ومن قنا الخط خدن لا يجانبه |
وقال يمدح سيف الدولة من قصيدة:
والليث أصحر حتى لا حصون له | ولا معاقل إلا البيض والأسل |
منه الكتائب والرايات موفية | على الخليج ومنها الكتب والرسل |
لله سيف تمنى السيف شيمته | ودولة حسدتها فخرها الدول |
وعاشق خيلاء الخيل مبتذل | نفسا تصان المعالي حين تبتذل |
أشم تبدي الحصون الشم طاعته | خوفا ويسلم من فيها ويرتحل |
تشوقه ورماح الخط مشرعة | نجل الجراح بها لا الأعين النجل |
كأنه وهجير الروع يلفحه | نشوان مد عليه ظله الأصل |
فالصافنات حشاياه وإن قلقت | والسابغات وإن أوهت له حلل |
يؤم خرشنة العليا فيصحبها | بالخيل تصهل والرايات ترتجل |
وحكم السيف فيها عادلا فغدت | وأهلها جزر للسيف أو نقل |
لولا قراعك لم يهو الصليب ولم | يعل الأذان بها ما أطت الإبل |
لما تمزقت الأغماد عن شعل | تمزقت عن سنا أقمارها الكلل |
أكرم بسيفك فيها صائلا غزلا | يفري الشؤون وتفري غربه المقل |
بحيث يشرب صدر السمهري دما | من الشغاف ويروى الفارس البطل |
ثم انثنيت بخيل الله معلمة | سمر الرماح تثني ثم تعتدل |
بحر من الجيش مسجور غواربه | كأنما البحر في تياره وشل |
حتى طلعت على طرطوس مبتمسا | كما تبسم فيها العارض الهطل |
وجدت جود طباع غير محتفل | يقصر الغيث عنه وهو محتفل |
دعت يمينك بالمصيصة الجفلى | حتى غدا المحل عنها وهو منجفل |
سقاهم البحر ريا من أنامله | فليس فيهم على جيحان متكل |
هو الغمام فهل تثنى صواعقه | أم هل تسد على شؤبوبه السبل |
مستلم لبني الآمال تالده | فليس يعدوه من آمالهم أمل |
مصغ إلى الحمد ما ينفك يطربه | معنى تكد له الأفكار أو مثل |
يصافح الروح من نشريهما أرج | كالريم صافحها الحوذان والنفل |
هم زينوا أخريات الدهر مكرمة | وقبل زينت بهم أيامه الأول |
وقال يمدح أبا اليقظان عمار بن نصر بن حمدان:
أقصر الزاجر عنه فازدجر | وطوى اللائم ما كان نثر |
حمل الغي عليه إصره | فإذا قيل ارعوى عنه أصر |
قائل إن نذر الشيب بدت | في عذاريه وما تغني النذر |
وإذا الدهر رمانا صرفه | فبعمار بن نصر ننتصر |
يا أميرا خضع الدهر له | غدا يفعل طرا ما أمر |
إن تكن تغلب يوما وسعت | صفعة الدهر بيوم مشتهر |
فبنو الحارث فيهم وزر | حين لا ينجي من الدهر وزر |
فعدي غرر المجد إذا | قسم المجد حجولا وغرر |
معشر لولا أحاديث الندى | عنهم لم يعرف الناس السمر |
أخذه من قول أبي تمام:
لولا أحاديث أبقتها أوائلنا | من السدى والندى لم يعرف السمر |
يا أبا اليقظان أيقظت الندى | فملأت البدو منه والحضر |
ولكم أرديت من مستلئم | صادق الإقدام يحمي ويكر |
والضحى أدهم بالنقع فإن | ضحكت فيه الظبا كان أغر |
موقف لو لم يكن نارا إذا | لم تكن زرق عواليه شرر |
ينظم الطعن كلى أبطاله | وعقود الهام فيه تنتثر |
فتوخيت به حد العلى | والقنا يخطر محمود الأثر |
وثنيت الخيل عنه لابسا | حلة النصر محلى بالظفر |
مدائحه في الوزير المهلبي
قال: يمدح الوزير ابا محمد المهلبي من قصيدة:
أسفي على أسفي الذي دلهتني | عن علمه فبه علي خفاء |
مثلت عينك في حشاي جراحة | فتشابها كلتاهما نجلاء |
نفذت على السابري وربما | تندق فيه الصعدة السمراء |
أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت | فإذا نطقت فإنني الجوزاء |
وإذا خفيت عن الغبي فعاذر | أن لا تراني مقلة عمياء |
ووكذا الكريم إذا أقام ببلدة | سال النضار بها وقام الماء |
في خطه من كل قلب شهوة | حتى كأن مغيبه الأقذاء |
من يظلم اللؤماء في تكليفهم | أن يصبحوا وهم له أكفاء |
ونذمهم وبهم عرفنا فضله | وبضدها تتبين الأشياء |
نسب أضاء عموده في رفعة | كالصبح فيه ترفع وضياء |
وشمائل شهد العدو بفضلها | والفضل ما شهدت به الأعداء |
وقال يمداح الوزير المهلبي أيضا:
يأبى إذا خطر العقيق بباله | إلا اطراح العذل من عذاله |
عصر مزجت شمائلي بشموله | وظلاله ممزوجة بشماله |
وكأنني لما ارتديت ظلاله | جار الوزير المرتدي بضلاله |
عذلوه في الجدوى ومن يثني الحيا | أم من يسد عليه طرق سجاله |
ملك تحاذره الملوك فممسك | بحباله أو هالك بصياله |
إن كنت تشتاق الحمام فعاده | أو كنت كنت تختار الحياة فواله |
حمل القنا فاهتز في مهتزه | طربا له واختال في مختاله |
فأرى العدو نقيصة في عمره | وأرى الصديق زيادة في ماله |
متشابه الطرفين أصبح عمه | في ذروة لم تعد ذروة خاله |
شرف أطال قنا المهلب سمكه | حتى أظل وعز في إظلاله |
فإذا بدت زهر الكواكب حوله | كانت عمائمهن من أذياله |
راح المغيرة وهو من أجداده | وغدا قبيصة وهو من أبطاله |
آباؤك الأشراف سيل بطاحه | وفروع دوحته ونبع جباله |
أما السماح فقد تبسم نوره | بعد الذبول وعاد نور ذباله |
أطلقت من أغلاله وشفيت من | إعلاله وفتحت من أقفاله |
كملت مناقبه فلو زاد امرؤ | بعد الكمال لزاد بعد كماله |
مدحه وهب بن هارون الكاتب
قال يمدح أبا العلاء وهب بن هارون الكاتب ويعرض بالخالديين ويهنئه بالبرء من علة نالته من قصيدة:
شغف الحيا بك من ربى وملاعب | لم تخل من شغف ودمع ساكب |
أوحشن إلا من وقوف متيم | وعطلن إلا من حيا وسحائب |
ولقد صحبت العيش في مرضي الهوى | في ظلها الأوفى خليع الصاحب |
أيام لا حكم الفراق بجائر | فيها ولا سهم الزمان بصائب |
ولربما حالت سوارب أسدها | بين المحب وبين سرب ربائب |
وتتبعته ظباؤها بقواضب | من لحظها وحماتها بقواضب |
إذ حيها حي السرور وظلها | رحب الجناب بهم عزيز الجانب |
خفقان ألوية وغر صواهل | وبدور أندية وخرس كتائب |
وغرائب في الحسن إلا أنها | ترمي القلوب من الجوى بغرائب |
أنهبننا ورد الخدود وإنما | أنهبن ذاك الورد لب الناهب |
إن كنت عاتبة علي فما الرضا | عندي ولا العتبى لأول عاتب |
نبئت أن الأغبياء توثبوا | سفها علي مع الزمان الواثب |
دبت عقاربهم إلي ولم تكن | لتدب في ليل النفاق عقاربي |
من منكر فضلي عليه ومدع | شعري ولم أسمع بأخرس خاطب |
هيهات ما جهل الجهول بمسبل | حجبا على نجم العلوم الثاقب |
فليستعد لطعنة من طاعن | شاكي السلاح وضربة من ضارب |
ذنبي إلى الأعداء فضل مواقفي | والفضل ذنب لست منه بتائب |
الله آثرني بوهب دونهم | واختصني من دونهم بمواهب |
ملك أصاخته لأول صارخ | وسجال أنعمه لأول طالب |
فصلت عقد محامدي لخلاله | وكأنما فصلته بكواكب |
قد قلت إذ عاينت فضل بيانه | وبنانه كملت أداة الكاتب |
لله درك يا ابن هارون الذي | أدنى الحماة من السماح العازب |
أغربت في شيم تلوح سماتها | في كاهل للمجد أو في غارب |
وشمائل سارت بهن مدائحي | في الأرض سير شمائل وجنائب |
نضرن وجه المكرمات وطالما | سفرت لنا عن وجه حر شاحب |
فاسعد بعافية الإله فإنها | هبة مقابلة بشكر واجب |
وتمل سائرة عليك مقيمة | ملكت وداد أباعد وأقارب |
يشتاق طلعتها الكريم إذا نأت | شوق المحب إلى لقاء حبائب |
ويقول سامعها إذا ما أنشدت | أعقود حمد أم عقود كواكب |
مدائحه في سلامة بن فهد
قال يمدح أبا الفوارس سلامة بن فهد الأزدي من أبيات:
لو سالمته سجايا طرفك الساجي | لكان أول صب في الهوى ناج |
سارت أوائل دمع العين حين سرت | أوائل الحي من ظعن وأحداج |
ومن راء سجوف الرقم شمس ضحى | تجول في جنح ليل مظلم داج |
مقدودة خرطت أيدي الشباب لها | حقين دون مجاري (مجال) العقد من عاج |
كأن عبرتها يوم الفراق جرت | من ماء وجنتها أو ماء أوداج |
ما للقوافي خطت قوما محاسنها | وأنهجت بابن فهد أي إنهاج |
ثنى المديح إليه عطفه فثنى | أعطافه منه في وشي وديباج |
ومتعب في طلاب المجد همته | مواصل للسرى فيه بإدلاج |
معمورة بذوي التيجان نسبته | فما يعدد إلا كل ذي تاج |
أبا الفوارس إني مطلق هممي | فيما أحاول من نأي وإزعاج |
منافر نفرا رثت حبالهم | فأنهج الجود فيهم أي إنهاج |
ترى الأديب مضاعا بين أظهرهم | كأنه عربي بين أعلاج |
فليس يطربهم أني امتدحتهم | وليس يغضبهم أنيلهم هاج |
وقال يمدحه أيضا من قصيدة:
سواء علينا وعدها ووعيدها | إذا ما تساوى وصلها وصدودها |
وقفنا وقد ريعت مها الحي فانثنت | تصيد بألحاظ المها من يصيدها |
أعن وسن ترنو إلي عيونها | أمن سكر مالت علي قدودها |
وجازعة تعطي الغرام قيادها | وقد راح مقتاد الغرام يقودها |
وساكنة تهتز ساكنة الجوى | إذا اهتز من ماء الشبيبة عودها |
فللورد خداهما وللخمر ريقها | وللغصن عطفاها وللريم جيدها |
وصنت عقود المدح عن كل ممسك | يهون عليه درها وفريدها |
شهدت لقد صبت علي صبابة | دموعي وأنفاسي علي شهودها |
هل المعد إلا في أياد تفيدها | سجايا ابن فهد أو معال تشيدها |
فتى حث جدواه فما نستحثه | وزادت أياديه فما تستزيدها |
له شرف عالي المحل وهمة | يصاعد أنفاس الحسود صعودها |
ترى ين عينيه من البشر أنجما | يلوح لمرتاد السماح وقودها |
سلامة إن الأزد بالبأس والندى | تسود الورى طرا وأنت تسودها |
وقد علم الأعداء أن لست بادئا | برائعة إلا وأنت معيدها |
رأت أسدا يلقى المنية حاسرا | إذا اختال في قمص الحديد أسودها |
وما ستر الكتمان عندي صنيعة | ولا أفسد النعماء في جحودها |
وأشكرها شكر الرياض صنيعة | من الرايحات الغر راحت تجودها |
ودونك من متطرف الوشي خلعة | مطارفها موشية وبرودها |
فما زهرت إلا لديك نجومها | وما حسنت إلا عليك عقودها |
وقال يمدحه أيضا من قصيدة:
وثنى الرجاء إلى ابن فهد عطفه | فغدا على ربع المكارم رابعا |
ملك يمد إلى العفاة أناملا | كادت تكون من السماح ينابعا |
فإذا رآك البشر برقا لامعا | منك رآك الجود غيثا هامعا |
لما استعنت على الزمان بجوده | أعطى المنى قسرا وكان ممانعا |
كم معرك عرك القنا أبطاله | فسقاهم في النقع سما ناقعا |
فتركت من حر الحديد مصائفا | فيه ومن فيض الدماء مرابعا |
شغلتك عن حسن السماع مدائح | حسنت فما تنفك تطرب سامعا |
طلعت عليك أبا الفوارس أنجم | منهن يخجلن النجوم طوالعا |
زهر إذا صافحن سمع معاند | خفض الكلام وغض طرفا خاشعا |
وأهدى إليه أبو الفوارس سلامة بن فهد قدحا حسنا فسقط من يده فانكسر فكتب إليه:
يا من لديه العفاف والورع | وشيمتاه العلاء والرفع |
كأسك قد فرقت مفاصله | بين الندامى فليس تجتمع |
كأنما الشمس بينهم سقطت | فجسمها في أكفهم قطع |
(ص168)
لو لم أكن واثقا بمشبهه | منك لكاد الفؤاد ينصدع |
فجد به بدعة فعندي من | جودك أشياء كلها بدع |
وقال يمدح أبا محمد عبد الله بن محمد بن الفياص الكاتب بحلب ويذكر دارا بناها بحلب من قصيدة:
ليالينا بأحياء الغميم | سقيت عهاد منهل الغيوم |
مضت بك رأفة الأيام فينا | وغفلة ذلك الزمن الحليم |
وغرة مخطف الكشحين يرمي | فؤاد محبه عن طرف ريم |
وكنا منك في جنات عيش | وفت حسنا بجنات النعيم |
رياض محاسن وسنا شموس | وظل دساكر وجنى كروم |
وأجفان إذا لحظت جسوما | خلعن سقامهن على الجسوم |
وساجية الظلام مقرطات | ظروف الراح من زنج وروم |
وهل يشتاق ظل الكرم عاف | ثنى عطفيه في ظل الكريم |
محت رسم الكرى عن مقلتيه | رواسم لا تمل من الرسيم |
إذا طافت بعبد الله لاقت | سمات الحمد في الوجه الوسيم |
أغر تشق غرته الدياجي | وضوح الصبح في الليل البهيم |
لك القلم الذي يضحى ويمسي | به الإقليم محمي الحريم |
أخو حكم إذا بدأت وعادت | حكمن بعجز لقمان الحكيم |
ملكت خطامها فعلوت قسا | برونقها وقيس بن الخطيم |
نجوم لا تفور فمن درار | يسار بضوئهن ومن رجوم |
أراك الله ما تهوى وشيبت | لك النعماء بالحظ الجسيم |
غمام مثل جودك في انسكاب | وعيد مثل وجهك في قدوم |
ودار شيدت بعظيم قدر | يهين كرائم النشب العظيم |
يطوف المادحون بعقوتيها | طوافهم بزمزم والحطيم |
تقامرت القصور لها فأضحت | وقد طلن الكواكب كالرسوم |
فمن شرف على الجوزاء تنبي | فوارعه عن الشرف القديم |
ومن غرف تضيء الليل حسنا | فتحسبها النجوم من النجوم |
وما زالت رياح الشعر شتى | فمن ريا الهبوب ومن سموم |
تحيي الصاحب الطلق المحيا | وتعلن شتم ذي الوجه الشتيم |
منحتك من محاسنها ربيعا | مقيم الزهر سيار النسيم |
وقال من قصيدة في أبي الهيجاء حرب بن سعيد ابن حمدان:
كالغيث يحيي إن همى والسيل ير | دي إن طمى والدهر يصمي إن رمى |
شتى الخلال يروح إما سالبا | نعم العدى قسرا وإما منعما |
مثل الشهاب أصاب فجا معشبا | بحريقه وأضاء فجا مظلما |
أو كالغمام الجون إن بعث الحيا | أحيا وإن بعث الصواعق أضرما |
أو كالحسام إذا تبسم متنه | عبس الردى في حده فتجهما |
كلف بدو الحمد يبرم سلكه | حتى يرى عقدا عليه منظما |
ويلم من شعث العلى بشمائل | أحلى من اللعس الممنع واللمى |
وفصاحة لو أنه ناجى بها | سحبان أو قس الفصاحة أفحما |
لولاه لم أمدد بعارفة يدا | تندى ولم أفغر بقافية فما |
تلك المكارم لا أرى متأخرا | أولى بها منه ولا متقدما |
عفو أظل ذوي الجرائم ظله | حتى لقد حسد المطيع المجرما |
ولرب يوم لا تزال جياده | تطأ الوشيج مخضبا ومحطما |
معقودة غرر الجياد بنقعة | وحجولها مما يخوض به الدما |
يلقاك من وضح الحديد موضحا | طورا ومن وهج السنابك أدهما |
أقدمت تفترس الفوارس جرأة | فيه وقد هاب الردى أن يقدما |
والندب من لقي الأسنة سافرا | وثنى الأعنة بالعجاج ملثما |
إسلم أبا الهيجاء للشرف الذي | نجمت علاك به فكانت أنجما |
والق الهوى غضا بفطرك والمنى | مجموعة لك والسرور متمما |
قد كنت ألقى الدهر أعزل حاسرا | فلقيته بك صائلا مستلثما |
في مدح طبيب
في الديوان قال يصف طبيباص ويذكر حذقه وبراعته وفي شذرات الذهب ج 2 ص 197 عالج إبراهيم بن ثابت بن قرة ابن هارون الطبيب الحراني مرة السري الرفا فأصاب العافية فقال فيه وهو أحسن ما قيل فى طبيب:
هل للعليل سوى ابن قرة شاف | بعد الإله وهل له من كاف |
أحيا لا علم الفلاسفة الذي | أودى وأوضح رسم طب عاف |
فكأنه عيس ابن مريم ناطقا | يهب الحياة بأيسر الأوصاف |
مثلت له قارورتي فرأى بها | ما اكتن بين جوانحي وشغافي |
يبدو له الداء الخفي كما بدا | للعين رضراض الغدير الصافي |
وقال في مثله:
برز إبراهيم في علمه | فراح يدعى وارث العلم |
أوضح نهج الطب في معشر | ما زال فيهم دارس الرسم |
كأنه من لطف أفكاره | يجول بين الدم واللحم |
إذ غضبت روح على جسمها | أصلح بين الروح والجسم |
مدحه ياروخ بن عبد الله
في هامش ديوان السري:
وقال يمدح أبا الحسين ياروخ بن عبد الله مولى ناصر الدولة ويصف بستانه وقصره ويهنئه بالبناء:
باليمن ما رفع الأمير وشيدا | ويجدد النعماء ما قد جددا |
قصر أناف على القصور بحلة | ملك أناف على الملوك مؤيدا |
فلنا وقد أعلاه جد صاعد | في الجو حتى ما يصادف مصعدا |
غرف تألق في الظلام فلو سرى | بضيائها ساري الدجنة لاهتدى |
عني الربيع بها فنشر حولها | حللا تدبج وشيها أيدي الندى |
وكأن ظل النخل حول قبابها | ظل الغمام إذا الهجير توقدا |
من كل خضراء الذوائب زينت | بثمارها جيدا لها ومقلدا |
شجر إذا ما الصبح أسفر لم ينح | للأمن طائره ولكن غردا |
غنيت مغانيها الحسان عن الحيا | ما راح في عرصاتهن وما اغتدى |
بمشمر في السير إلا أنه | يسري فيمنعه السرى أن يبعدا |
مسترفد أمواج دجلة رافد | وجه الثرى أكرم به مسترفدا |
العتاب
قال في أبي الحسن فروخ ينتجز وعدا وعده:
يا أوسع الناس صدرا يوم ملحمة | وأضرب الناس فيها هامة البطل |
ما بال رسمي من جدوى يديك عفا | فصار أوضح منه دارس الطلل |
لقد تجاوزت في وعدي وأي حيا | في غير أبانه يشفي من العلل |
وقد تمهلت شهرا بعده كملا | وإنما خلق الإنسان من عجل |
هو الجواد الذي لولا مكارمه | لم يعرف الجود في الدنيا ولم ينل |
وله من قصيدة:
لا تأنفن من العتاب وقرصه | فالمسك يسحق كي يزيد فضائلا |
ما أحرق العود الذكي لقلة | كلا ولا غم البنفسج باطلا |
وقال يعاتب أبا الفوارس سلامة بن فهد من قصيدة:
سلامة يا خير من يغتدي | سليم الزمان به مستجيرا |
إلى كم أحبر فيك المديح | ويلقى سواي لديك الحبورا |
لهمت عرائسه أن تصد | وهمت كواكبه أن تغورا |
أتسلمني بعد أن قد وجدت | على نوب الدهر جارا مجيرا |
وأسفر حظي لما رآك | بيني وبين الليالي سفيرا |
وكم قيل لي قد جفاك ابن فهد | وقد كنت بالوصل منه جديرا |
فقلت الخطوب ثنت ورده | فلم يبق لي منه إلا يسيرا |
سأهدي إليك نسيم العتاب | وأضمر من حر عتب سعيرا |
وقال يعاتب أبا الهيجاء حب بن سعيد بن حمدان من قصيدة:
وكان القرب منه جمال دنيا | ترى أيامها حسنا قصارا |
نما برح العدى حتى أعادوا | حلاوة نشوتي منه خمارا |
فعوضني من الأنس انحرافا | وبدلني من البشر ازورارا |
فصرت أرى نهاري منه ليلا | وكنت أرى به ليلي نهارا |
أبا الهيجاء أصبحت القوافي | تخب إليك حجا واعتمارا |
عتابا كالنسيم جرى لعتب | يضرم في الحشى مني استعارا |
أيجمل أن أرى منك انحرافا | ولا عارا أتيت ولا شنارا |
ولم أجحد صنائع منك جلت | ولم أسلبك مدحا فيك سارا |
فإن تك هفوة عرضت سرارا | فقد أصحبتها عذرا جهارا |
وقال يعاتب أبا الهيجاء أيضا على جفوة لحقته منه من قصيدة:
أسهرت ليلي إذ عتبت فلم أذق | غمضا ومن تعتب عليه يسهر |
لو لم تكن متنكرا لي لم أكن | لأذم صرف الحادث المتنكر |
وإذا رميت بعتب مثلك خانني | جلدي فلم أصبر ولم أتصبر |
أنسيت غر مدائح حليتها | بعلاك باقية بقاء الأدهر |
تغدو عليك من الثناء بناهد | معشوقة وتروح منك بمعصر |
بدع تضوع نشرها فكأنما | كتبت صحائفها بمسك أذفر |
هذا ولم أجن القبيح فأجتني | غضبا ولم أهجر لديك فأهجر |
وقال يعاتب صديقا أفشى سرا له:
رأيتك تبري للصديق نوافذا | عدوك من أمثالها الدهر آمن |
وتكشف أسرار الأخلاء مازحا | ويا رب مزح راح وهو ضغائن |
سأحفظ ما بيني وبينك صائنا | عهودك إن الحر للعهد صائن |
وألقاك بالبشر الجميل مداهنا | فلي منك خل ما عرفت مداهن |
أنم بما استودعته من زجاجة | ترى الشيء فيها ظاهرا وهو باطن |
وقال في مثل ذلك:
ثنتني عنك فاستشعرت هجرا | خلال فيك لست لها براضي |
وإنك كلما استودعت سرا | أنم من النسيم على الرياض |
وقال في مثل ذلك:
لسانك السيف لا يخفى له أثر | وأنت كالصل لا تبقي ولا تذر |
سري لديك كأسرار الزجاجة لا | يخفى على العين منها الصفو والكدر |
فاحذر من الشعر كسرا لا انجبار له | كسر الزجاجة كسر ليس ينجبر |
وقال في مثل ذلك:
أروم منك ثمارا لست أجنيها | وأرتجي الحال قد حلت أواخيها |
أستودع الله خلا منك أوسعه | ودا ويوسعني غشا وتمويها |
كأن سري في أحشائه لهب | فما تطيق له طيا حواشيها |
قد كان صدرك للأسرار جندلة | ضنينة بالذي تخفي نواحيها |
فصار من بعدما استودعت جوهرة | رقيقة تستشف العين ما فيها |
الهجاء
قال يهجو أبا الجيش فارس بن اليمج وقيل إنه كان في حداثته رقاصا زفافا ببغداد منزله في المخرم ثم تاب بعد ذلك وكان دعا السري إلى الاعتزال فعاداه لذلك فقال يهجوه ويصف زفنه:
تروع بهجرها قلبا مروعا | صدوع الشعب تملأه صدوعا |
أرتها الأربعون هشيم روض | وقبل الأربعين رأت ربيعا |
هزيع شبيبة طلعت عليه | كواكبه فرصعت الهزيعا |
ألا فاعجب لما صنع الغواني | فقد أفسدن بالغدر الصنيعا |
كفرن بذلك الصمنم المغدى | وكن له سجودا أو ركوعا |
يرين بعاده بعد الأماني | وضيق عناقه العيش الوسيعا |
ليالي يخجل الريحان ريحا | إذا اتشحته غانية ضجيعا |
أأبناء الطريق دعوا طريقا | سبقت السابقين به جميعا |
فلست مجاودا إلا جوادا | ولست مقارعا إلا قريعا |
أنام على قوارصكم وعندي | قوارص تسلب المقل الهجوعا |
أهزرها على قوم سيوفا | وأجعلها على قوم دروعا |
إذا سارت مشنعة عليكم | فردوا ذلك الخبر الشنيعا |
أزفان المخرم إن زفني | بمر الشعر أحرى أن يشيعا |
تركت الدف تنقره اكتسابا | وملت علي تنقرني ولوعا |
لقد خلعت بتوبتك الملاهي | ثياب الكبر واكتست الخشوعا |
تركت بها المعازف ضائعات | وعز على المعازف أن تضيعا |
فقد سيمت لقاك لها ولاقت | صبوحك بعدها خطبا فظيعا |
وكيف نسكت بعد مقال قوم | إذا نسك المخنث مات جوعا |
وكنت إذا الزقاق رأتك تشدو | بألحان القريض بكت نجيعا |
أما تشتاق من عرصات عمى | مغاني الجاشرية والوبوعا |
فقد نشرت شآبيب الغوادي | عليهن النمارق والقطوعا |
هجرت الهجر إلا نظم شعر | بهرت بسحره السحر البديعا |
أفارس هل تكون غدا شفيعي | إذا أنا فيك عاديت الشفيعا |
دعوت إلى الضلال دعاء غاو | فلم يكن السميع له سميعا |
أأرغب عن وداد أبي تراب | وقد شحن الترائب والضلوعا |
وأعرض بعد وخط الشيب عنه | وقد أحببته طفلا رضيعا |
إذا لم تتبعوا أبدا رشادي | فلست لغيكم أبدا تبيعا |
ألا متجرد لله ندب | يترب منكم الحين الشنيعا |
فيخضب من دمائكم العوالي | وينقع من صديدكم الجذوعا |
أحاكمكم إلى السبع المثاني | وتلك الشمس أعشتكم طلوعا |
فقد حفظت صائفهن حقا | ولست لما احتفظن به مضيعا |
وقال في ذلك أيضا:
كفرت ولم أشكر نصيحة فارس | وكم من نصيح مثله حرم الشكرا |
أراني طريق الاعتزال ولم يرد | سوى أن أسب الله والعلم الطهرا |
سأستأذن القرآن فيما دعوتني | إليه ولا أعصي لمنزله أمرا |
وقال في رجل تعصب على أبي تمام:
شعر ابن أوس رياض جمة الطرف | فنحن منذ مدى الأيام في تحف |
لكن كرهناه لما سار في طرق | من فيك مكروهة الأنفاس والنطف |
والشعر كالريح إن مرت على زهر | طابت وتخبث إن مرت على الجيف |
وقال يهجو أبا العباس النامي ويحكى أنه كان جزارا بالمدينة من قصيدة:
أرى الجزار هيجني وولى | فكاشفني وأسرع في انكشافي |
ورقع شعره بعيون شعري | فشاب الشهد بالسم الزعاف |
لقد شقيت بمديتك الأضاحي | كما شقيت بغارتك القوافي |
توعر نهجها بك وهو سهل | وكدر وردها بك وهو صافي |
لها أرج السوالف حين تجلى | على الأسماع أو أرج السلاف |
وما عدمت مغيرا منك يرمي | رقيق طباعها بطباع جافي |
معان تستعار من الدياجي | وألفاظ تقد من الأثافي |
وشر الشعر ما أداه فكر | تعثر بين كد واعتساف |
سأشفي الشعر منك بنظم شعر | تبيت له على مثل الأثافي |
وأبعد بالمودة عنك جهدي | فقف لي بالمودة خلف قاف |
وقال يعرض بالتلعغري المؤدب:
ينافسني في الشعر والشعر كاسد | حسود كبا عن غايتي ومعاند |
وكل غبي لو يباشر برده | لظى النار أضحى حرها وهو بارد |
أفيقوا فلن يعطي القريض معلم | وهل يتولى الأغبياء عطارد |
ولا تمنحوا منه الكرام قلائدا | فليس من الحصباء تهدى القلائد |
وقال من قصيدة في أبي الحسن الشمشاطي:
قد كانت الدنيا عليك فسحة | فاليوم أضحت وهي سم خياط |
أسخطتني وجناة عيشك حلوة | فجنيت مر العيش من إسخاطي |
وعلمت إذ كلفت نفسك غايتي | أن الرياح بعيدة الأشواط |
أترومني وعلى السماك محلتي | شرقا وبين الفرقدين صراطي |
من بعدما رفع الأكابر مجلسي | فجلست بين مؤمل وسماط |
وغدت صوارم منطقي مشهورة | بين العراق تهز والفسطاط |
وقد امتحنت دعاويا لك بينت | عن بحر تمويه بعيد الشاطي |
وقال في علي بن العصب الملحي الشاعر وكان شيخا يتطايب ويتعصب للخالديين على السري وكان السري يهجوه جادا وهازلا ولا يبقي ولا يذر في التولع به فمن ملح قوله فيه من قصيدة:
وإن عليا بائع الملح بالنوى | تجرد لي بالسب فيمن تجردا |
وعندي له لو كان كفو قوارصي | قوارص ينثرن الدلاص المسردا |
ومغموسة في الشري والأري هذه | ليردى بها باغ وتلك لترتدى |
لك الويل إن أطلعت بيض سيوفها | وأطلقتها خزر النواظر شردا |
ولست لجد القول أهلا وإنما | أطير سهام الهزل مثنى وموحدا |
وقوله فيه:
طوى وده الملحي عني فانطوى | وقد كان لي خلا فأعرض والتوى |
دعاني فغداني بإنشاد شعره | ولولا انصرافي عنه مت من الطوى |
وقال أتاك الحلي قلت ممازحا | أتاك النوى يا بائع الملح بالنوى |
وفضل في الشعر امرءا غير فاضل | فقلت له أمسك نطقت عن الهوى |
وقوله فيه من قصيدة:
سمل الملحي كيف رأى عقابي | وكيف وقد أثاب رأى ثوابي |
سقاني الهاشمي فسل ضغني | واغمد عنه تأنيبي ونابي |
قال الثعالبي أراه عنى ابن سكرة الهاشمي فإنه كان صديق الملحي:
له قفص إذا استخفيت فيه | أمنت فلم تنلك يد الطلاب |
وقوله فيه من أخرى:
قد وهى ستر رقيق | ومضى ود عليل |
قصرت أيامنا البيـ | ـض وفي يومك طول |
دعوة ينتسب القحـ | ـط إليها والمحول |
ليس إلا العطش الـ | ـقاتل والماء الثقيل |
لست من شكلك والنا | س ضروب وشكول |
فاقطع الرسل فقد أز | رى بنا منك الرسول |
وقوله فيه كان دعاه في يوم حار إلى غرفة له حارة على الشط فأطعمه هريسة وسقاه ماء بثر من محل يعرف بكرخايا.
أرى الشاعر الملحي راح بناصبا | نباغضه عمدا ويوسعنا حبا |
دعانا ليستوفي الثناء فأظلمت | خلائق نستوفي لصاحبها السبا |
تيمم كرخايا فجاد قلبيها | معذبة بالنار مسعرة كربا |
وأحضرنا محبوسة طول ليلها | عليه وما شرب القليب لنا شربا |
تخير من رطب الذؤابة لحمها | ومن يأبس الحب النقي لها حبا |
وساهرها ليلا يضيق سجنها | فلما أضاء الصج أوسعها ضربا |
إذا مسحتها الريح راحت كأنها | تمسح موتى كشفت عنهم التربا |
وقوله فيه من قصيدة:
شققت قذال الخالدي بمنطق | يشق من الأعداء كل قذال |
وناضلني الملحي عنه فأصبعت | جوارحه مجروحة بنبال |
وقوله فيه من أخرى ووصف دعوة دعاه فيها:
على ابن العصب الملحي | يثني اليوم من أثنى |
ضحينا عنده يوما | شديد الحر فالتحنا |
ولم يحو به الأجر | ولم نعدم به المنا |
جياعى نصف الزيتو | ن لو أمكن والجبنا |
ونطري السمك البنـ | ـي والجردق والبنا |
وكنا ننثر الدر | من اللفظ فخلطنا |
فلو طارت بنا ضعفا | صبا لاعبة طرنا |
ولو أنا دعونا اللـ | ـه في دعوته فزنا |
إلى أن كبر العصر | وهللنا فكبرنا |
ونش السمك المقلو | بالقرب فسبحنا |
وقلنا هذه الرحمـ | ـة جاءت فأظلتنا |
وظلنا إذ رأينا الخبـ | ـز ندنو قبل نستدنى |
إلى مائدة حفت | بها أرغفة مثنى |
عليا البقل لا تلحـ | ـقه بالخل أو يفنى |
ومنسوب إلى دجلـ | ـة ما زال لها خدنا |
جرى في مائها قبل | يجاري ماؤها السفنا |
فأضحى لامتداد العمـ | ـر أعلى صيدها سنا |
طوى أقرانه الدهـ | ـر فلم يبق له قرنا |
فلما اكتحلت عيني | به أوسعته لعنا |
حللنا عقد الشوا | ء عن جسم له مضنى |
ومزقنا له درعا | يواري أعظما حجنا |
ترد اليد بالخيبة | عن أقربها مجنى |
فما تم لنا الإطا | ر بالقوت ولا صمنا |
مسكين ابن العصب يدعو السري إلى منزله ويطعمه الهريسة والسمك البني ولا يسلم من لسانه ولا ذنب له إليه إلا ميله للخالديين.
المراثي
قال يرثي ولا توجد في الديوان المطبوع.
نوب الزمان قلائد الأعناق | تزداد إن غولبن ضيق خناق |
حتام نحمل غير محمول على | إزهاقنا ونطيق غير مطاق |
وأرى الزمان يسومنا بطرائق | مطروقة وخلائق أخلاق |
ومنازل عبق المكارم مخبر | روادها عنها بقرب فراق |
اليوم يبكي الجود منك شقيقه | إذ بنتما لا عن قلى وشقاق |
وتؤوب خافقة القلوب عصابة | مختومة الآمال بالإخفاق |
وتجف أنوار الثناء لأنها | فجعت بصيب مزنها الرقراق |
لله أنت مفارقنا لا تنطفي | علل العلى منه بيوم تلاق |
الخمريات
قال ولا توجد في الديوان المطبوع.
ومدامة صفراء في قارورة | زرقاء تحملها يد بيضاء |
فالراح شمس والحباب كواكب | والكف قطب والإناء سماء |
وله
وقد أضاءت نجوم مجلسنا | حتى اكتسى غرة وأوضاحا |
لو جمدت راحنا غدت ذهبا | أو ذاب تفاحنا اغتدى راحا |
وله ولا توجد في الديوان المطبوع.
وصفراء من ماء الكروم شربتها | على وجه صفراء الغلائل غضه |
تبدت وفضل الكأس يلمع فوقها | كأترجة زينت بإكليل فضه |
وله وليست في الديوان المطبوع:
أهلا بشمس مدام من يدي قمر | تكامل الحسن فيه فهو نهياه |
كأن خمرته إذ قام يمزجها | من خده أعتصرت أو من ثناياه |
إذا سقتك من الممزوج راحته | كأسا سقتك كؤوس العرف عيناه |
النرجس الغض عيناه وطرته | بنفسج وجني الورد خداه |
وله من قصيدة ولا توجد في الديوان المطبوع:
وكأنما أبدى لنا بمدامه | وجماله صاع العزيز ويوسفا |
وله ولا توجد في الديوان المطبوع:
قام الغلام يديرها في كأسها | فكأن بدر التم يحمل كوكبا |
وقال وليست في الديوان المطبوع:
وساق بحق الكأس أصبح مغرما | تلألأ منها مثل ضوء جبينه |
سقاني بها صرف الحميا عشية | وثنى بأخرى من رحيق جفونه |
هضيم الحشى ذو وردة عندمية | تريك احمرار الورد في غير حينه |
فأشرب من يمناه ما فوق خده | وألثم من خديه ما بيمينه |
وقال وليست في الديوان المطبوع:
هو الفجر قابلنا بابتسام | ليصرف عنا عبوس الظلام |
ولاح فحلل كأس الشمو | ل صرفا وحرم كأس المدام |
وله كما في معجم البلدان وتوجد في الديوان ناقصة:
عصى الرشاد وقد ناداه مذ حين | وراكض الغي في تلك الميادين |
ما حن شيطانه الآتي إلى بلد | إلا ليقرب من دير الشياطين |
دير الشياطين بين مدينة بلد والموصل.
وفتية زهر الآداب بينهم | أبهى وأنضر من زهر البساتين |
مشوا إلى الراح مشي الرخ وانصرفوا | والراح تمشي بهم إلى مشي الفرازين |
حتى إذا نطق الناقوس بينهم | مزنر الخصر رومي القرابين |
يرى المدامة دينا حبذا رجل | يعد لذة دنياه من الدين |
تفرقوا بين أعطاف الهياكل في | تلك الجنان وأقمار الدواوين |
الحكم
لا يغرس الشر غارس أبدا | إلا اجتنى من غصونه ندما |
إذا العبء الثقيل توزعته | رقاب القوم خف على الرقاب |
وما لمس المغرور شوكة عقرب | ولكنه عن غرة مس أرقما |
وأخلق بكف لا تكف بنانها | عن الرقش أن ترفض لحما وأعظما |
وما نبالي بذم الأغبياء إذا | كان اللبيب من الأقوام يطرينا |
الصفات
قال في وصف القدر:
سوداء لم تنتسب لحام | ولم ترم ساحة الكرام |
يلعب في جسمها لهيب | لعب سنا البرق في الظلام |
لها كلام إذا تناهت | غير فصيح من الكلام |
وهي وإن لم تذق طعاما | مملوءة الجسم من طعام |
كأنما الجن ركبتها | على ثلاث من الآكام |
لها دخان تضل فيه | عجاجة الجحفل اللهام |
ولم يزل ما لنا مباحا | من غير ذل ولا اهتضام |
نأخذ للقوت منه سهما | وللندى سائر المهام |
وله في وصف كانون النار.
وألهبت نارنا فمنظرها | يغنيك عن كل منظر عجب |
إذا ارتمت بالشرائر اطردت | على ذراها مطارد اللهب |
رأيت ياقوتة مشبكة | تطير عنها قراضة الذهب |
وله أيضا في وصفه:
كأن على النار زنجية | تضرج بردا لها أصفرا |
وذو أربع لا يطيق النهوض | ولا يألف السير فيمن سرى |
نحمله (نظمنه) سبجا أسودا | فيجعله ذهبا أحمرا |
وقال يصفه الورد:
لو رحبت كأس بذي زورة | لرحبت بالورد إذ زارها |
جاء فخلناه خدودا بدت | مضرمة من خجل نارها |
وعطر الدنيا فطابت به | لا عدمت دنياه عطارها |
وقال يصف يوم لهو:
وشيخ طاب أخلاقا فأضحى | أحب إلى الشباب من الشباب |
له دار إذا استخفيت فيها | أمنت فلم تنلك يد الطلاب |
فرحب واستمال وقال حطت | رحالكم بأفنية رحاب |
وحض على المناهدة (المنادمة) الندامى | بألفاظ مهذبة عذاب |
وقال تيمموا الأبواب منها | فكل جاء من تلقاء باب |
فتم لهم بذلك يوم لهو | غريب الحسن عذب مستطاب |
إذا العبء الثقيل توزعته | رقاب القوم خف على الرقاب |
وصف الرياص
وقال يصف الرياض:
وحدائق يسبيك وشي برودها | حتى يشبهها سصبائب عبقر |
يجري النسيم خلالها وكأنما | غمست فضول ردائه بالعنبر |
باتت قلوب المحل تخفق بينها | بخفوق رايات السحاب الممطر |
وقال كما في معجم الأدباء ولا توجد في الديوان المطبوع.
وروضة بات ظل الغيث ينسجها | حتى إذا نسجت أضحى يدبجها |
إذا تنفس فيها ريح نرجسها | ناغى نجي خزاماها بنفسجها |
أقول فيها لساقينا وفي يده | كأس كشعلة نار إذ يؤججها |
لا تمزجنها بغير الريق منك وان | تبخل بذاك فدمعي سوف يمزجها |
أقل ما بي من حبيبك أن يدي | إذا دنت من فؤادي كاد ينضجها |
وقال يصف الرياض من قصيدة:
شاقني مستشرف الدير وقد | راح صوب المزن فيه وبكر |
وثرى يشهد بالطيب له | عبق حالف أطراف الأزر |
وغيوم نشرته أعلامها | فلها ظل علينا منتشر |
وقال يصف الرياض من قصيدة:
من كل نائي الحجرتين مولع | بالبرق داني الظلتين مشهر |
تحدى بألسنة الرعود عشاره | فتسير بين مغرد ومزمجر |
طارت عقيقة برقه فكأنما | صدعت فمسك غيمه بمعصغر |
فالروض بين مزنر ومدثر | فيها وبين مسربل ومحبر |
وقال يصف الروض وقوس قزح من أبيات:
في روضة قد لبست | من لؤلؤ الطل سبح |
والجو في ممسك | طرازه قوس قزح |
يبكي بلا حزن كما | يضحك من غير فرح |
وقال من أبيات:
غيوم تمسك أفق السماء | وبرق يكتبه بالذهب |
وخضراء تنثر فيها الصبا | فريد ندى ما له من ثقب |
فأنوارها مثل نظم الحلي | وأنهارها مثل بيض العصب |
حللت بها مع ندامى سلوا | عن الجد واستهتروا باللعب |
وأغناهم عن بديع السماع | بدائع ما ضمنته الكتب |
وأحسن شيء ربيع الحيا | أضيف إليه ربيع الأدب |
وصف الغمام والهلال
قال من أبيات:
وذاكرني بشعر أبي فراس | على روض كشعر أبي نواس |
وغيم مرهفات البرق فيه | عوار والرياض به كواسي |
وقد سلت جيوش الفطر فيه | على شهر الصيام سيوف باس |
ولاح لنا الهلال كشطر طوق | على لبات زرقاء اللباس |
وقال:
جاءك شهر السرور شوال | وغال شهر الصيام مغتال |
أما رأيت الهلال يرمقه | قوم لهم إن رأوه إهلال |
كأنه قيد فضة حرج | فض عن الصائمين فاختالوا |
وصف البراغيث
وليلة من نقمات الدهر | قطعتها نزر الكرى والصبر |
مكلم الظهر جريح الصدر | مقسما بين أعاد خزر |
كمت إذا عاينتها وشقر | كأنها آثارها في الأزر |
وصف الشطرنج
وكتيبتنا زنج وروم أذكيا | حربا يسيل بها الذكاء مناصلا |
في معرك قسم الزمان بقاعه | بين الكماة المعلمين منازلا |
وكأن ذا صاح يسير مقوما | وكأن ذا نشوان يخطر ماثلا |
أعجب بها حربا تثير إذا التظت | فضل الرجال ولا تثير قساطلا |
التشبيهات
قال:
والصبح قد جردت صوارمه | والليل قد هم منه بالمهرب |
والجو في حلة ممسكة | قد كتبتها البروق بالذهب |
وقال يصف مجلسا:
وكأن الشمس فيه نثرت | ورقا ما بين أوراق الشجر |
وقال في وصف جام فالوذج من أبيات:
بأحمر مبيض الزجاج كأنه | رداء عروس مشرب بخلوق |
كأن بياض اللوز في جنباته | كواكب لاحت في سماء عقيق |
الصديق
قال:
ما اطمئن إلى خلق فأخبره | إلا تكشف لي عن سوء مختبر |
وله:
ليس الصديق الذي أعطاك شاهده | شهد الوداد وخان الغيب غائبه |
لأصبرن على إخلال عرفك بي | حتى يثوب إلى المعروف ثائبه |
عسى العتاب يرد العتب منك رضى | وربما أدرك المطلوب طالبه |
الأحوانيات
وله يد عو صديقا له:
وفتية إن تذاكروا ذكروا | من الكلام المليح أرواحا |
وقد أضاءت نجوم مجلسنا | حتى اكتسى غرة وأوضاحا |
عصابة له شهدت مجلسهم | كنت شهابا لهم ومصباحا |
أغلق باب السرور دونهم | فكن لباب السرور مفتاحا |
وله:
وفتية زهر الآداب بينهم | أبهى وأنضر من زهر الرياحين |
راحوا إلى الراح مشي الرخ وانصرفوا | والراح تمشي بهم مشي الفرازين |
وقال في مثله:
لنا روضة في الدار صيغ لزهرها | قلائد من حمل الندى وشنوف |
يطرف بنا منها إذا ما تبسمت | نسيم كعقل الخالدي ضعيف |
حمله بغضه للخالدي على ذمه بكل مناسبة.
وندمان صدق نثره ونظامه | ربيع إذا فاوضته وخريف |
وماء حكى أشعار حمد ببرده | ولكنه محيا وتلك حتوف |
وقد رق ثوب الغيم حتى كأنما | تنشر فوق الأفق منه سجوف |
فزر مجلسا قد فضل الله أهله | وشرفهم أن الأديب شريف |
ولا تعد أفعال الظريف فإنه | زماذ رقيق الحلتين ظريف |
وقال في مثله:
يوم رذاذ ممسك الحجب | يضحك فيه السرور عن كثب |
ومجلس أسبلت ستأثره | على شموس البهاء والحسب |
والتهبت نارنا فمنظرها | يغنيك عن كل منظر عجب |
إذا ارتمت بالشرار واطردت | على زراها مطارد اللهب |
رأيت ياقوتة مشبكة | تطير عنها قراضة الذهب |
فصر إلى المجلس الذي ابتسمت | فيه رياض الجمال والأدب |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 194
السري الرفا مر بعنوان السري بن أحمد.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 7- ص: 217
الرفاء الشاعر السري بن أحمد بن السري الكندي الرفاء الشاعر المشهور. كان في صباه يرفو يطرز في دكان بالموصل وهو مع ذلك يتولع بالأدب والشعر حتى مهر.
وقصد سيف الدولة بن حمدان وأقام عنده بحلب، ثم وقع بينه وبين الخالديين هجاء، وآل الأمر بينهم إلى أن قطع سيف الدولة رسمه، فانحدر إلى بغداد ومدح الوزير المهلبي وغيره من الرؤساء، فراح عندهم. فلما قدم الخالديين بغداد بالغا في أذيته بكل ممكن حتى عدم القوت، فجلس ينسخ ويبيع شعره وادعى عليهما سرقة شعره وشعر غيره. وكان مغرى بنسخ ديوان كشاجم وهو إذ ذاك ريحان تلك البلاد والسري يذهب مذهبه. وكان يدس فيما يكتبه من شعره أحسن شعر الخالديين ليزيد في حجم ما ينسخه وينفق سوقه ويغلي شعره ويغض منهما.
وكان السري شاعرا مطبوعا كثير الافتنان في الوصف والتشبيه، ولم يكن له رواء ولا منظر ولا يحسن من العلوم غير نظم الشعر. وجمع شعره قبل وفاته، وتوفي في حدود الستين والثلاث مائة، فقيل سنة نيف وستين، وقيل: اثنتين وستين، وقيل: أربع. ومن شعر الرفاء:
وبكر شربناها على الورد بكرة | فكانت لنا وردا إلى بكرة الغد |
إذا قام مبيض اللباس يديرها | توهمته يسعى بكم مودد |
كأن المدير لها باليمين | إذا قام للسقي أو باليسار |
تدرع ثوبا من الياسمين | له فرد كم من الجلبار |
وساق لنا في كفه ورضابه | ووجنته واللحظ أربع أكؤس |
إذا حثها أبصرت أبيض ثوبه | له نصف كم من سناها مورس |
عصى الرشاد وقد ناداه من حين | وراكض الغي في تلك الميادين |
ما حن شيطانه العاتي إلى بلد | إلا ليقرب من دير الشياطين |
وفتية زهر الآداب بينهم | أبهى وأنضر من زهر البساتين |
مشوا إلى الراح مشي الرخ وانصرفوا | والراح يمشي بهم مشي الفرازين |
فصرعوا بين أعطان الهياكل في | تلك الجنان وأقمار الدواوين |
حتى إذا نطق الناقوس بينهم | مزنر الخصر رومي القرابين |
يرى المدامة دينا حبذا رجل | يعد لذة دنياه من الدين |
فحث أقداحها بيض السوالف في | حمر الغلائل في خضر الرياحين |
كأنها وبياض الماء يقرعها | ورد تصافحه أوراق نسرين |
بكرت عليك مغيرة الأعراب | فاحفظ ثيابك يا أبا الخطاب |
ورد العراق ربيعة بن مكدم | وعتيبة بن الحارث بن شهاب |
أفعندنا شك بأنهما هما | في الفتك لا في صحة الأنساب |
جلبا إليك الشعر من أوطانه | جلب التجار طرائف الأجلاب |
فبدائع الشعراء فيما جهزا | مقرونة ببدائع الكتاب |
شنا على الآداب أقبح غارة | جرحت قلوب محاسن الآداب |
فحذار من حركات صلي قفرة | وحذار من حركات ليثي عاب |
لا يسلبان أخا الثراء وإنما | يتناهبان نتائج الألباب |
إن عز موجود الكلام عليهما | فأنا الذي وقف الكلام ببابي |
أو يهبطا من ذلتي فأنا الذي | ضربت على الشرف الرفيع قبابي |
كم حاولا أمدي فطال عليهما | أن يدركا إلا مطار ترابي |
عجزا ولن يقف العبيد إذا جروا | يوم الرهان مواقف الأرباب |
ولقد حميت الشعر وهو لمعشر | رمم سوى الأسماء والألقاب |
وضربت عنه المدعين وإنما | عن حوزة الآداب كان ضرابي |
فغدت نبيط الخالدية تدعي | شعري وترفل في حبير ثيابي |
قوم إذا قصدوا الملوك لمطلب | نفضت عمائمهم على الأبواب |
من كل كهل نستطير سباله | لونين بين أنامل البواب |
مغض على ذل الحجاب يرده- | دامي الجبين- تجهم الحجاب |
ومفوهين تعرضا لجرايتي | فتعرضت لهما صدور حرابي |
نظرا إلى شعري يروق فتربا | منه خدود كواعب أتراب |
شرباه فاعترفا له بعذوبة | ولرب عذب عاد سوط عذاب |
في غارة لم تنثلم فيها الظبا | ضربا ولم تند القنا بخضاب |
تركت غرائب منطقي في غربة | مسببة لا تهتدي لإياب |
جرحى وما ضربت بحد مهند | أسرى وما حملت على أقتاب |
لفظ صقلت متونه فكأنه | في مشرقات النظم در سحاب |
وكأنما أجريت في صفحاته | حر اللجين وخالص الزرياب |
أعربت في تحبيره فرواته | في نزهة منه وفي استغراب |
وقطعت فيه سبيبة لن تشتغل | عن حسنه بصبى ولا بتصابي |
وإذا ترقرق في الصحيفة ماؤه | عبق النسيم فذاك ماء شبابي |
يصغي اللبيب له فيقسم لبه | بين التعجب منه والإعجاب |
جد يطير شاعة وفكاهة | تستعطف الأحباب للأحباب |
أعزز علي بأن أرى أشلاءه | تدمى بظفر للعدو وناب |
أفن رماه بغارة مأفونة | باعت ظباء الروم في الأعراب |
وكانت الإبرة فيما مضى | صيانة وجهي وأشعاري |
فأصبح الرزق بها ضيفا | كأنه من ثقبها جار |
يلقى الندى برقيق وجه مسفر | فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا |
رحب المنازل ما أقام فإن سرى | في جحفل ترك الفضاء مضيقا |
ألبستني نعما رأيت بها الدجى | صبحا وكنت أرى الصباح بهيما |
فغدوت يحسدني الصديق وقبلها | قد كان يلقاني العدو رحيما |
بنفسي من أجود له بنفسي | ويبخل بالتحية والسلام |
وحتفي كامن في مقلتيه | كمون الموت في حد الحسام |
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامة | لمن بان عنه أن نلم به ركبا |
نحفى وننزل وهو أعظم حرمة | من أن يدال براكب أو ناعل |
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 15- ص: 0
السري بن أحمد بن السري أبو الحسن الكندي المعروف بالسري الرفاء الموصلي الشاعر المشهور: أسلمه أبوه صبيا للرفائين بالموصل فكان يرفو ويطرز، وكان مع ذلك ينظم الشعر ويجيد فيه، كتب إليه في ذلك الحال صديق له يسأله عن خبره وحاله في حرفته، فكتب إليه:
يكفيك من جملة أخباري | يسري من الحب وإعساري |
في سوقة أفضلهم مرتد | نقصا ففضلي بينهم عاري |
وكانت الابرة فيما مضى | صائنة وجهي وأشعاري |
فأصبح الرزق بها ضيقا | كأنه من ثقبها جار |
أعزمتك الشهاب أم النهار | وراحتك السحاب أم البحار |
خلقت منية ومنى وتضحي | تمور بك البسيطة أو تمار |
تحلي الدين أو تحمي حماه | فأنت عليه سور أو سوار |
حضرنا والملوك له قيام | تغض نواظرا فيها انكسار |
وزرنا منه ليث الغاب طلقا | ولم نر قبله ليثا يزار |
فعشت مخيرا لك في الأماني | وكان على العدو لك الخيار |
ضو ضيفك للحيا المنهل ضيف | وجارك للربيع الطلق جار |
بلاني الحب فيك بما بلاني | فشاني أن تفيض غروب شاني |
أبيت الليل مرتقبا أناجي | بصدق الوجد كاذبة الأماني |
فتشهد لي على الأرق الثريا | ويعلم ما أجن الفرقدان |
إذا دنت الخيام به فأهلا | بذاك الخيم والخيم الدواني |
فبين سجوفها أقمار تم | وبين عمادها أغصان بان |
ومذهبة الخدود بجلنار | مفضضة الثغور بأقحوان |
سقانا الله من رياك ريا | وحيانا بأوجهك الحسان |
ستصرف طاعتي عمن نهاني | دموع فيك تلحى من لحاني |
ولم أجهل نصيحته ولكن | جنون الحب أحلى في جناني |
فيا ولع العواذل خل عني | ويا كف الغرام خذي عناني |
لو رحبت كاس بذي زورة | لرحبت بالورد إذ زارها |
جاء فخلناها خدودا بدت | مضرمة من خجل نارها |
وعطر الدنيا فطابت به | لا عدمت دنياه عطارها |
وروضة بات طل الغيث ينسجها | حتى إذا نسجت أضحى يدبجها |
إذا تنفس فيه ريح نرجسها | ناغى جني خزاماها بنفسجها |
أقول فيها لساقينا وفي يده | كاس كشعلة نار إذ يؤججها |
لا تمزجنها بغير الريق منك وإن | تبخل بذاك فدمعي سوف يمزجها |
أقل ما بي من حبيك أن يدي | إذا دنت من فؤادي كاد ينضجها |
دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 1343
الرفاء الشاعر المحسن، أبو الحسن السري بن أحمد الكندي الموصلي، مدح سيف الدولة، وببغداد المهلبي.
وديوانه مشهور.
وكان بينه وبين الخالديين هجاء وشر، فآذياه، حتى احتاج إلى النسخ، فبقي ينسخ ديوانه ويبيعه.
مات سنة نيف وستين وثلاث مائة ببغداد.
وهو القائل:
وكانت الإبرة فيما مضى | صائنة وجهي وأشعاري |
فأصبح الرزق بها ضيقا | كأنه من خرمها جاري |
يلقى الندى برقيق وجه مسفر | فإذا التقى الجمعان عاد صفيقا |
رحب المنازل ما أقام فإن سرى | في جحفل ترك الفضاء مضيقا |
دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 12- ص: 267