زينب الكبرى بنت مولانا أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه وعليها السلام وتعرف بالعقيلة
أمها فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت زينب عليها السلام من فضليات النساء. وفضلها أشهر من أن يذكر وأبين من أن يسطر. وتعلم جلالة شأنها وعلو مكانها وقوة حجتها ورجاحة عقلها وثبات حنانها ونصاحة لسانها وبلاغة مقالها حتى كأنها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام من خطبها بالكوفة والشام واحتجاجها على يزيد وابن زياد بما أفحمهما حتى لجآ إلى سوء القول والشتم وإظهار الشماتة والسباب الذي هو سلاح العاجز عن إقامة الحجة وليس عجيبا من زينب أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية والأرومة الهاشمية جدها الرسول وأبوها الوصي وأمها البتول وأخواها لأبيها وأمها الحسنان ولا بدع إن جاء الفرع على منهاج أصله. كانت زينب الكبرى متزوجة بابن عمها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وولد له منها علي الزينبي وعون ومحمد وعباس وأم كلثوم وعون ومحمد قتلا مع خالهما الحسين عليه السلام بطف كربلاء. وأم كلثوم هي التي خطبها معاوية لابنه يزيد فزوجها خالها الحسين عليه السلام من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر ابن أبي طالب. وسميت أم المصائب وحق لها أن تسمى بذلك فقد شاهدت مصيبة وفاة جدها الرسول صلى الله عليه وسلم ومصيبة وفاة أمها الزهراء عليه السلام ومحنتها ومصيبة قتل أبيها أمير المؤمنين عليه السلام ومحنته ومصيبة شهادة أخيها الحسن بالسم ومحنته والمصيبة العظمى بقتل أخيها الحسين عليه السلام من مبتداها إلى منتهاها وقتل ولداها عون ومحمد مع خالهما أمام عينها وحملت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة وأدخلت على ابن زياد إلى مجلس الرجال وقابلها بما اقتضاه لؤم عنصره وخسة أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة الممضة وحملت أسيرة من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذه الحال وأدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مقرنون بالحبال. قال المفيد فرأى هيئة قبيحة وأظهر السخط على ابن زياد ثم أفرد لهن ولعلي بن الحسين دارا وأمر بكسوتهم وقال لزين العابدين كاتبني من المدينة وأنه إلي كل حاجة تكون ولما عادوا أرسل معهم النعمان بن بشير وأمره أن يرفق بهم في الطريق ولما غزا جيشه المدينة أوصى مسرف بن عقبة بعلي بن الحسين عليها السلام. وذلك لما رأى من نقمة الناس عليه فأراد أن يتلافى ما فرط منه وهيهات كما قال الشريف الرضي:
وود أن يتلافى ما جنت يده | وكان ذلك كسرا غير مجبور |
وكان لزينب في وقعة الطف المكان البارز في جميع الحالات وفي المواطن كلها فهي التي كانت تمرض العليل وتراقب أحوال أخيها الحسين (ح) ساعة فساعة وتخاطبه وتسأله عند كل حادث وهي التي كانت تدبر أمر العيال والأطفال وتقوم في ذلك مقام الرجال وهي التي دافعت عن زين العابدين لما أراد ابن زياد قتله وخاطبت ابن زياد بما ألقمه حجرا حتى لجأ إلى ما لا يلجأ إليه ذو نفس كريمة وبها لاذت فاطمة الصغرى وأخذت بثيابها لما قال الشامي ليزيد هب لي هذه الجاريه فخاطبت يزيد بما فضحه وألقمته حجرا حتى لجأ إلى ما لجأ إليه ابن زياد. والذي يلفت النظر أنها في ذلك الوقت كانت متزوجة بعبد الله بن جعفر فاختارت محبة أخيها على البقاء عند زوجها وزوجها راض بذلك مبتهج به وقد أمر ولديه بلزوم خالهما والجهاد بين يديه ففعلا حتى قتلا وحق لها ذلك فمن كان لها أخ مثل الحسين وهي بهذا الكمال الفائق لا يستغرب منها تقديم أخيها على بعلها.
أخبارها المتعلقة بوقعة الطف حتى رجوعها للمدينة
روى ابن طاوس أن الحسين عليه السلام لما نزل الخزيمية أقام بها يوما وليلة فلما أصبح أقبلت إليه أخته زينب فقالت يا أخي ألا أخبرك بشيء سمعته البارحة فقال الحسين عليه السلام وما ذاك فقالت خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف ويقول:
ألا يا عين فاحتفلي بجهد | ومن يبكي على الشهداء بعدي |
على قوم تسوقهم المنايا | بمقدار إلى إنجاز وعد |
فقال لها الحسين عليه السلام يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن. وقال المفيد لما كان اليوم التاسع من المحرم زحف عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام بعد العصر والحسين عليه السلام جالس أمام بيته محتب بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه فسمعت أخته الضجة (الصيحة) فدنت من أخيها فقالت يا أخي ما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين رأسه فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الساعة في المنام فقال لي إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل فقال لها الحسين ليس لك الويل يا أختاه اسكتي رحمك الله والمراد بأخته في هذه الرواية هي زينب بلا ريب لأنها هي التي كانت تراقب أحوال أخيها في كل وقت ساعة فساعة وتتبادل معه الكلام فيما يحدث من الأمور والأحوال وقد روى ابن طاوس هذه الرواية مع بعض الزيادة وصرح بأن اسمها زينب فقال فسمعت أخته زينب الضجة (إلى أن قال) فلطمت زينب وجهها وصاحت ونادت بالويل فقال لها الحسين عليه السلام ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله لا تشمتي القوم بنا. وقال ابن الأثير ج 4 ص 29 نهض عمر بن سعد إلى الحسين عشية الخميس لتسع مضين من المحرم بعد العصر والحسين جالس أمام بيته محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه على ركبته وسمعت أخته زينب الضجة فدنت منه فأيقظته في فرفع رأسه فقال إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال انك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها وقالت يا ويلتاه قال ليس لك الويل يا أخية اسكتي رحمك الله وقال المفيد قال علي ابن الحسين إني لجالس في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جوين مولى أبي ذر الغفاري وهو (أي جوين) يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل | كم لك بالإشراق والأصيل |
من صاحب أو طالب قتيل | والدهر لا ينفع بالبديل |
وإنما الأمر إلى الجليل | وكل حي سالك سبيلي (السبيل) |
فأعاده مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل وأما عمتي فإنها لما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرقة والجزع فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه فقالت واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال لها يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان وترقرقت عيناه بالدموع وقال: (لو ترك القطا ليلا لنام) فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها فشقته وخرت مغشيأ عليها فقام إليها الحسين وصب على وجهها الماء وقال لها إيها يا أختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وأن كل شيء هالك إلا وجهه (إلى أن قال) فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا أخية إني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت ثم جاء بها حتى أجلسها عندي. وروى ابن طاوس في الملهوف هذا الخبر بنحو ما رواه المفيد وصرح باسم أخته زينب وزاد في الأبيات (ما أقرب الوعد من الرحيل) قال فسمعت أخته زينب بنت فاطمة عليهما السلام ذلك فقالت يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل فقال نعم يا أختاه فقالت زينب واثكلاه ينعى الحسين إلي نفسه الحديث وقال ابن الأثير في الكامل سمعته أخته زينب تلك العشية وهو في خباء له يقول وعنده حوي مولى أبي ذر الغفاري يعالج سيفه (يا دهر أف لك من خليل) الأبيات الثلاثة المتقدمة ثم ذكر تمام الخبر بنحو مما ذكره المفيد وابن طاوس ثم ذكر ابن طاوس أنه خاطب النساء وفيهن زينب وأم كلثوم فقال انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيبا ولا تخمشن علي وجها ولا تقلن هجرا. وقال المفيد لما قتل علي بن الحسين الأكبر خرجت زينب أخت الحسين مسرعة تنادي يا حبيباه ويا ابن أخياه وجاءت حتى أكبت عليه فأخذ الحسين برأسها فردها إلى الفسطاط. قال ابن الأثير حمل الناس على الحسين عن يمينه وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا فما رئي مكثور قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا وأجرأ مقاما منه إن كانت الرجالة لتنكشف عن يمينه وشماله أنكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب فبينما هو كذلك إذ خرجت زينب وهي تقول ليت السماء أطبقت على الأرض وقد دنا عمر بن سعد فقالت يا عمر أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها. قال ابن طاوس لما كان اليوم الحادي عشر بعد قتل الحسين عليه السلام حمل ابن سعد معه نساء الحسين فمروا بهن على المصرع فلما نظر النسوة إلى القتلى فوالله لا أنسى زينب بنت على وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب يا محمداه صلى عليك مليك السماء هذا حسينك مرمل بالدما مقطع الأعضاء وبناتك سبايا إلى الله المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى علي المرتضى والى فاطمة الزهرا والى حمزة سيد الشهدا يا محمداه هذا حسين بالعرا تسفي عليه ريح الصبا قتيل أولاد البغايا واحزناه واكرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمد هؤلاء ذرية المصفى يساقون سوق السبايا وفي بعض الروايات وامحمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردا بأبي من أضحى عسكره يوم الاثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى بأبي من نفسي له الفدا بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى بأبي من شيبته تقطر بالدما بأبي من جده رسول إله السما بأبي من هو سبط نبي الهدى بأبي محمد المصطفى بأبي خديجة الكبرى بأبي علي المرتضى بأبي فاطمة الزهرا بأبي من ردت له الشمس حتى صلى فأبكت والله كل عدو وصديق. ولما دخلوا الكوفة جعل أهلها يناولون الأطفال الخبز والجبن والتمر والجوز فكانت زينب تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وترمي به وتقول يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام.
خطبة زينب عليها السلام بالكوفة
روى ابي طاوس أنه لما جيء بسبايا أهل البيت إلى الكوفة جعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون قال بشر بن خزيم الأسدي ونظرت إلى زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ فلم أر خفرة أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس ثم قالت: الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطاهرين (أما بعد) يا أهل الكوفة يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا قطعت الرنة إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم ألا وهل فيكم إلا الصلف النطف والصدر الشنف وملق الإماء وغمر الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنتحبون إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعل فا أبدا وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ حيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدره ألسنتكم ألا ساء ما تزرون وبعدا لكم وسحقا فلقد خاب السعي وتبت الأيدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وسلم فريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم سفكتم وأي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء نأناء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملء السما أفعجبتم أن مطرت السماء دما فلعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يححزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم بالمرصاد قال فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد رفعوا أيديهم في أفواههم ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى. قال المفيد أدخل عيال الحسين عليه السلام على ابن زياد فدخلت زينب أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحفت بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه التي انحازت فجلست ناحية ومعها نساؤها فلم تجبه زينب فأعاد ثانية وثالثة يسأل عنها فقال له بعض إمائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكأن هذه الأمة أرادت لفت نظره إلى لزوم تعظيمها واحترامها بكونها بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفى ذلك في لزوم تعظيمها واحترامها ولكن أبى له كفره وخبثه ولؤم عنصره إلا أن يتجهم لما في جوابه ويجيبها بأقبح جواب وهو الذي صرح بالكفر لما وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه بقوله يوم بيوم بدر) فأقبل عليها ابن زياد فقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم (فأجابته جواب الركين الرصين العارف بمواقع الكلام) فقالت زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وطهرنا من الرجس تطهيرا إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله فقال ابن زياد كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك فقال كتب الله عليهم اقتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتتحاجون إليه وتختصمون عنده وفي رواية غير المفيد أنها قالت ما رأيت إلا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل برزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك أمك يا ابن مرجانة قال المفيد فغضب ابن زياد واستشاط (لما أفحمه جوابها) فقال له عمر ابن حريث أيها الأمير إنها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذم على خطائها (فعاد حينئذ إلى ما جبل عليه من سوء القول) فقال لها ابن زياد قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك فرقت زينت وبكت وقالت له لعمري لقد قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي فإن يشفك هذا فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسجاعة إن لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث بما قلت.
وسأل علي بن الحسين من أنت فأخبره فقال أليس قد قتل الله علي بن الحسين فقال كان لي أخ يسمي عليا قتله الناس قال بل الله قتله قال الله يتوفى الأنفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال ولك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به فاضربوا عنقه (وهكذا يكون حال من يعجز عن الجواب الحق من الظلمة أن يلجأ إلى السيف) فتعلقت به زينب عمته وقالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت لا والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد إليها واليه ساعة ثم قال عجبا للرحم والله إني لأظنها ودت أني قتلتها معه دعوه فإني أراه لما به. وفي رواية أن عليا عليه السلام قال لعمته اسكتي يا عمة حتى أكلمه ثم أقبل عليه فقال أبالقتل تهددني أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة ثم أمر ابن زياد بهم فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم فقالت زينب بنت علي عليهما السلام لا تدخل علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا وهدا غاية ما في وسع زينب من إظهار الحزن والتألم لما أصابهم وإظهار فضائح الظالمين ثم إن ابن زياد بعث بهم إلى الشام إجابة لطلب، يزيد بن معاوية ومعهم الرؤوس وفيها رأس الحسين عليه السلام فدعا بالرأس الشريف فوضه بين يديه (قال المفيد) ثم دعا يزيد بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية فأرعدت وظننت أن ذلك جائز عندهم فأخذت بثياب عمتي زينب وكانت تعلم أن ذلك لا يكون (وكانت أكبر منها) فقالت عمتي للشامي كذبت والله ولؤمت ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد وقال كذبت إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت قالت كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك قالت زينب بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلما قال كذبت يا عدوة الله قالت له أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكأنه استحيا وسكت وقال ابن طاوس إن زينب بنت علي لما رأت رأس أخيها بين يدي يزيد أهوت إلى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصفى قال الراوي فأبكت والله كل من كان حاضرا في المجلس ويزيد ساكت.
خطبة زينب عليها السلام بالشام
روى ابن طاوس في كتاب الملهوف على قتلى الطفوف أنه لما جيء برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد بالشام دعا قضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام ويقول من جملة أبيات:
ليت أشياخي ببدر شهدوا | جزع الخزرج من وقع الأسل |
لأهلوا واستملوا فرحا | ثم قالوا يا يزيد لا تشل |
فقامت زينب بنت علي عليهما السلام فقالت:
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله كذلك حيث يقول:
{ثم كان عاقبة الذين أساؤوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون} أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء أن بنا هوانا على الله وبك عليه كرامة وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رآيت الدنيا لك مستوثقة والأمور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا لا تطش جهلا أنسيت قول الله تعالى:
{ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين} أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وأبديت وجوههن تحدو بهن الأعداء من بلد إلى بلد ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدنيء والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي وكيف ترتجى مراقبة ابن دز لفظ فوه أكباد الأزكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء وكيف يستبطئ في بغضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ثم تقول غر متأثم ولا مستعظم.
لأهلوا واستهلوا فرحا | ثم قالوا يا يزيد لا تشل |
منحنيا على ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخمرتك وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن أنك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا فوالله ما فريت إلا جلدك ولا حززت إلا لحمك ولتردن على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ لهم بحقهم
{ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون} وحسبك بالله حاكما وبمحمد صلى الله عليه وسلم خصيما وبجبرئيل ظهيرا وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين
{بئس للظالمين بدلا وأيكم شر مكانا وأضعف جندا} ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك وأستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الأيدي تنطف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعقرها أمهات الفراعل ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حيث لا تجد إلا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد فإلى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد وجمعك إلا بدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة إنه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل فقال يزيد:
يا صيحة تحمد من صوائح | ما أهون النوح علي النوائح |
قال ابن الأثير أمر يزيد النعمان بن بشر أن يجهزهم بما يصلحهم ويسير معهم رجلا أمينا من أهل الشام ومعه خيل يسير بهم إلى المدينة فخرج بهم فكان يسايرهم ليلا فيكونون أمامه بحيث لا يفوتون طرفه فإذا نزلوا تنحى عنهم هو وأصحابه فكانوا حولهم كهيئة الحرس وكان يسألهم عن حاجتهم ويلطف بهم حتى دخلوا المدينة فقالت فاطمة بنت علي لأختها زينب لقد أحسن هذا الرجل إلينا فهل لك أن نصله بشيء فقالت والله ما معنا ما نصله به إلا حلينا فأخرجتا سوارين ودملجين لهما فبعثتا بهما إليه واعتذرتا فرد الجميع وقال لو كان الذي صنعت للدنيا لكان في هذا ما يرضيني ولكن والله ما فعلته إلا لله ولقرابتكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه نبذة مما جرى على أهل بيت الرسالة من الظلم والفظائع الفادحة من أمة جدهم الرسول صلى الله عليه وسلم فكانت الأمة يدن مقاتل وخاذل إلا نفرا يسيرا قاتلوا فقتلوا أو عمهم الخوف فسكتوا لا يقدرون لقلتهم على كثير ولا قليل فكان هذا جزاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمة هداها إلى الإسلام وطهرها من عبادة الأوثان والأصنام وأوصاها بعترته وأهل بيته وأكد الوصية فجعلها أحد الثقلين كتاب الله والعترة وجعلها بمنزلة سفينة نوح وباب حطة وجعل المتقدم عليها هالكا والمتأخر عنها مارقا فكيف تكون بعد هذا خير أمة أخرجت للناس بجميعها لا بمجموعها وكيف يكون خير القرون قرنه ثم الذي يليه ثم الذي يليه وإنما مهدت القرون طريق ظلم أهل البيت للذي يليها.
بعض ما نسب إليها من المواعظ والحكم
في مجلة العرفان ج 1 ص 86 ذكر في كتاب بلاغات النساء حدثني أحمد بن جعفر بن سليمان الهاشمي كانت زينب بنت علي تقول من أراد أن يكون الخلق شفعاءه إلى الله فليحمده ألم تسمع إلى قولهم سمع الله لمن حمده فخف الله لقدرته عليك واستح منه لقربه منك ’’اه’’ ولم أجد هذا الكلام في كتاب بلاغات النساء تأليف أحمد ابن أبي طاهر المطبوع بمصر عام 1326.
محل قبرها
يجب أن يكون قبرها في المدينة المنورة فإنه لم يثبت أنها بعد رجوعها للمدينة خرجت منها وإن كان تاريخ وفاتها ومحل قبرها بالبقيع مجهول وكم من أهل البيت أمثالها من جهل محل قبره وتاريخ وفاته خصوصا النساء وفيما ألحق برسالة نزهة أهل الحرمين في عمارة المشهدين في النجف وكربلا المطبوعة بالهند نقلا عن رسالة تحية أهل القبور بالمأثور عند ذكر قبور أولاد الأئمة عليهم السلام ما لفظه: ومنهم زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام وكنيتها أم كلثوم قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر الطيار خارج دمشق الشام معروف جاءت مع زوجها عبد الله ابن جعفر أيام عبد الملك بن مروان إلى الشام سنة المجاعة ليقوم عبد الله بن جعفر في ما كان له من القرى والمزارع خارج الشام حتى تنقضي المجاعة فماتت زينب هناك ودفنت في بعض تلك القرى هذا هو التحقيق في وجه دفنها هناك وغيره غلط لا أصل له فاغتنم فقد وهم في ذلك جماعة فخبطوا العشواء له بحروفه. وفي هذا الكلام من خبط العشواء مواضع (أولا) إن زينب الكبرى لم يقل أحد من المؤرخين أنها تكنى بأم كلثوم فقد ذكرها المسعودي والمفيد وابن طلحة وغيرهم ولم يقل أحد منهم أنها تكنى أم كلثوم بل كلهم سموها زينب الكبرى وجعلوها مقابل أم كلثوم الكبرى وما استظهرناه من أنها تكنى أم كلثوم ظهر لنا أخيرا فساده كما مر في ترجمة زينب الصغرى (ثانيا) قوله قبرها في قرب زوجها عبد الله بن جعفر ليس بصواب ولم يقله أحد فقبر عبد الله بن جعفر بالحجاز ففي عمدة الطالب والاستيعاب وأسد الغابة والإصابة وغيرها أنه مات بالمدينة ودفن بالبقيع وزاد في عمدة الطالب القول بأنه مات بالأبواء ودفن بالأبواء ولا يوجد قرب القبر المنسوب إليها براوية قبر ينسب لعبد الله بن جعفر (ثالثا) مجيئها مع زوجها عبد الله بن جعفر إلى الشام سنة المجاعة لم نره في كلام أحد من المؤرخين مع مزيد التفتيش والتنقيب وإن كان ذكر في كلام أحد من أهل الأعصار الأخيرة فهو حدس واستنباط كالحدس والاستنباط من صاحب التحية فإن هؤلاء لما توهموا أن القبر الموجود في قرية راوية خارج دمشق منسوب إلى زينب الكبرى وأن ذلك أمر مفروغ منه مع عدم ذكر أحد من المؤرخين لذلك استنبطوا لتصحيحه وجوها بالحدس والتخمين لا تستند إلى مستند فبعض قال إن يزيد عليه اللعنة طلبها من المدينة فعظم ذلك عليها فقال لها ابن أخيها زين العابدين عليه السلام إنك لا تصلين دمشق فماتت قبل دخولها وكأنه هو الذي عده صاحب التحية غلطا لا أصل له ووقع في مثله وعده غنيمة وهو ليس بها وعد غيره خبط العشواء وهو منه فاغتنم فقدوهم كل من زعم أن القبر الذي في قرية راوية منسوب إلى زينب الكبرى وسبب هذا التوهم أن من سمع أن في راوية قبرا ينسب إلى السيدة زينب سبق إلى ذهنه زينب الكبرى لتبادر الذهن إلى الفرد الأكمل فلما لم يجد أثرا يدل على ذلك لجأ إلى استنباط العلل العليلة. ونظير هذا أن في مصر قبرا ومشهدا يقال له مشهد السيدة زينب وهي زينب بنت يحيى وتأتي ترجمتها والناس يتوهمون أنه قبر السيدة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين عليه السلام ولا سبب له إلا تبادر الذهن إلى الفرد الأكمل وإذا كان بعض الناس اختلق سببا لمجيء زينب الكبرى إلى الشام ووفاتها فيها فماذا يختلقون لمجيئها إلى مصر وما الذي أتى بها إليها لكن بعض المؤلفين من غيرنا رأيت له كتابا مطبوعا بمصر غاب عني الآن اسمه ذكر لذلك توجيها بأنه يجوز أن تكون نقلت إلى مصر بوجه خفي على الناس. مع أن زينب التي بمصر هي زينب بنت يحيى حسنية أو حسينية كما يأتي وحال زينب التي براوية حالها (رابعا) لم يذكر مؤرخ أن عبد الله بن جعفر كان له قرى ومزارع خارج الشام حتى يأتي إليها ويقوم بأمرها وإنما كان يفد على معاوية فيجيزه فلا يطول أمر تلك الجوائز في يده حتى ينفقها بما عرف عنه من الجود المفرط فمن أين جاءته هذه القرى والمزارع وفي أي كتاب ذكرت من كتب التواريخ (خامسا) إن كان عبد الله بن جعفر له قرى ومزارع خارج الشام كما صورته المخيلة فما الذي يدعوه للإتيان بزوجته زينب معه وهي التي أتي بها إلى الشام أسيرة بزي السبايا وبصورة فظيعة وأدخلت على يزيد مع ابن أخيها زين العابدين وباقي أهل بيتها بهيأة مشجية فهل من المتصور أن ترغب في دخول الشام ورؤيتها مرة ثانية وقد جرى عليها بالشام ما جرى وإن كان الداعي للإتيان بها معه هو المجاعة بالحجاز فكان يمكنه أن يحمل غلات مزارعه الموهومة إلى الحجاز أو يبيعها بالشام ويأتي بثمنها إلى الحجاز ما يقوتها به فجاء بها إلى الشام لإحراز قوتها فهو مما لا يقبله عاقل فابن جعفر لم يكن معدما إلى هذا الحد مع أنه يتكلف من نفقة إحضارها وإحضار أهله أكثر من نفقة قوتها فما كان ليحضرها وحدها إلى الشام ويترك باقي عياله بالحجاز جياعا (سادسا) لم يتحقق أن صاحبة القبر الذي في راوية تسمى زينب لو لم يتحقق عدمه فضلا عن أن تكون زينب الكبرى وإنما هي مشهورة بأم كلثوم كما مر في ترجمة زينب الصغرى لا الكبرى على أن زينب لا تكنى بأم كلثوم وهذه مشهورة بأم كلثوم.