أبو المهاجر دينار، المعروف بأبي المهاجر: فاتح، من القادة، كان مولى لبني مخزوم. ولما ولي مسلمة بن مخلد مصر وافريقية، استعمله على افريقية، بدلا من عقبة بن نافع، فدخلها سنة 55 هـ ، ونزل بقرب القيروان، ووجه جيشا افتتح به جزيرة شريك (وعرفت بعد ذلك بالجزيرة القبلية) وقاتله كسيلة البربري بقرب تلمسان، فظهر أبو المهاجر. واظهر كسيلة الاسلام، فأستبقاه واستخلصه. واليه تنسب (عيون أبي المهاجر) القريبة من تلمسان. وهو اول امير للمسلمين وطئتخيله المغرب الاوسط. وعزله يزيد بن معاوية سنة 62 هـ ، واعدا عقبة بن نافع، فلما وصل اليها احتفظ بأبي المهاجر، فكان معه في معركة (تهودة) بأرض الزاب، وقد انتفض كسيلة وفاجأ عقبة بجمع من الفرنج، فأستشهد عقبة ومن معه جميعا وكانوا زهاء ثلاثمائة من كبار الصحابة والتابعين، وبينهم أبو المهاجر وقد ابلى في ذلك اليوم بلاءا حسنا.

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 3- ص: 6

أبو المهاجر دينار مولى الأنصار
قال ابن عبد الحكم عزل عقبة يعني ابن نافع في سنة إحدى وستين عزله مسلمة بن مخلد الأنصاري من قبل معاوية يعني ابن أبي سفيان وهو أول من جمعت له مصر والمغرب وولى أبا المهاجر دينارا مولى الأنصار وأوصاه أن يعزل عقبة أحسن العزل فخالفه فسجنه وأوقره حديداً حتى أتاه كتاب الخليفة بتخلية سبيله وإشخاصه إليه فخرج عقبة حتى أتى قصر الماء فصلى ثم دعا وقال اللهم لا تمتني حتى تمكني من أبي المهاجر دينار بن أم دينار فبلغ ذلك أبا المهاجر فلم يزل خائفاً منذ بلغته دعوته
ولما قدم عقبة مصر ركب إليه مسلمة بن مخلد فأقسم له بالله لقد خالفه أبو المهاجر فيما صنع ولقد أوصيته بك خاصة، ثم قدم عقبة على معاوية فقال له فتحت البلاد وبنيت المنازل ومسجد الجماعة ثم أرسلت عبد الأنصار فأساء عزلي فاعتذر إليه معاوية وقال قد عرفت مكان مسلمة بن مخلد من الإمام المظلوم وتقديمه إياه وقيامه بدمه وبذل مهجته وقد رددتك على عملك
قال ويقال إن الذي قدم عليه عقبة هو يزيد بن معاوية بعد موت أبيه فرده والياً على إفريقية وذلك أصح لأن معاوية توفي سنة ستين، فخرج عقبة سريعا لحنقه على أبي المهاجر حتى قدم إفريقية فأوثق أبا المهاجر وأساء عزله
وفي تاريخ أبي إسحاق الرقيق أن أبا المهاجر لما قدم إفريقية كره أن ينزل الموضع الذي اختطه عقبة بن نافع فمضى حتى خلفه بميلين مما يلي طريق تونس فنزل واختط بها مدينة أراد أن يكون له ذكرها ويفسد عمل عقبة وأمر الناس أن يخربوا القيروان ويعمروا مدينته، وذكر ابن عبد الحكم أيضا نحو هذا وقال كان الناس يغزون إفريقية ثم يقفلون منها إلى الفسطاط فأول من أقام بها حين غزاها أبو المهاجر مولى الأنصار أقام بها الشتاء والصيف واتخذها منزلا
وعن غيره أن معاوية تراخى في صرف عقبة بن نافع كما وعده إلى عمله حتى توفي وولى ابنه يزيد بن معاوية فلما علم حال عقبة غضب وقال أدركها قبل أن تهلك وتفسد فولاه إفريقية وقطعها عن مسلمة بن مخلد وأقره على مصر وذلك سنة اثنتين وستين فرحل عقبة من الشام حتى قدم إفريقية وأوثق أبا المهاجر في الحديد وأمر بخراب مدينته ورد الناس إلى القيروان
وكان عقبة في ولايته الأولى لم يعجبه القيروان الذي بناه معاوية بن حديج قبله فركب والناس معه ويقال إنه كان في ثمانية عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائرهم من التابعين فدعا الله وأصحابه يؤمنون عليه وقد أتى موضع القيروان اليوم وكان واديا كثير الشجر تأوي إليه الوحوش والسباع والهوام فنادى بأعلى صوته يا أهل الوادي ارتحلوا فإنا نازلون نادى بذلك ثلاثة أيام وقيل ثلاث مرات فلم يبق من السباع شيء ولا الوحوش ولا الهوام إلا خرج وأمر الناس بالخطط وركز رمحه وقال هذا قيروانكم
ولما قبض عقبة على أبي المهاجر غزا إلى السوس وهو معه في وثاقه ثم انصرف إلى إفريقية وقد جال في بلاد البربر وقتلهم كيف شاء فلما دنا من القيروان أمر أصحابه فافترقوا وبقي في قلة فأخذ على مكان يقال له تهودة فعرض لهم كسيل في جمع كبير من الروم والبربر فاقتتلوا فقتل عقبة ومن معه وقتل أبو المهاجر في الحديد وقيل إن عقبة لما غشيه البربر نزل فركع ركعتين وبلغه أن أبا المهاجر تمثل بقول أبي محجن الثقفي

فأمر بإطلاقه وقال له الحق بالمسلمين فقم بأمورهم وأنا أغتنم الشهادة فقال له أبو المهاجر وأنا أغتنم ما اغتنمت فكسر كل واحد منهما جفن نفسه وكسر المسلمون أغماد سيوفهم وأمرهم عقبة أن ينزلوا ولا يركبوا فقاتلوا قتالاً شديدا حتى قتلوا ولم يفلت منهم أحد وأسر محمد بن أوس الأنصاري ويزيد بن خلف القيسي ونفر معهما ففاداهم ابن مصاد صاحب قفصة وبعث بهم لي زهير بن قيس
وقال ابن عبد الحكم أن ابن الكاهنة البربري خرج على أثر عقبة في توجهه إلى السوس يغور المياه كلما رحل عقبة من منهل دفنه ابن الكاهنة، فلما انتهى عقبة إلى البحر أقحم فرسه فيه حتى بلغ نحره ثم قال اللهم إني أشهدك ألا مجاز ولو وجدت مجازاً لجزت وانصرف راجعا والمياه قد غورت فتعاونت عليه البربر فلم يزل يقاتل وأبو المهاجر معه في الحديد فلما استحر الأمر أمر بفتح الحديد عنه فأبى أبو المهاجر وقال ألقى الله في حديدي فقتلا ومن معهما

  • دار المعارف، القاهرة - مصر-ط 2( 1985) , ج: 2- ص: 2