دعبل الخزاعي دعبل بن علي بن رزين الخزاعي، ابو علي: شاعر هجاء. اصله من الكوفة. اقام ببغداد. له اخبار، وشعره جيد. وكان صديق البحتري. وصنف كتابا في (طبقات الشعراء). قال ابن خلكان في ترجمته: كان بذئ اللسان مولعا بالهجو والحط من اقدار الناس، وهجا الخلفاء - الرشيد والمأمون والمعتصم والواثق - فمن دونهم، وطال عمره فكان يقول: لي خمسون سنة احمل خشبتي على كتفي ادور على من يصلبني عليها فما اجد من يفعل ذلك ! توفي ببلدة تدعى الطيب (بين واسط وخوزستان) وكان طوالا ضخما اطروشا

  • دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 339

دعبل بن علي الخزاعي

ولد سنة 148 وفي لان الميزان 142 وتوفي سنة246 في تاريخ بغداد بالطيب (وهي بلدة بين واسط العراق وكور الأهواز) وعاش 97 سنة وشهورا من سنة ثمان وفي عقد الجمان للشيخ مفلح بن حسين الضيمري مختصر مرآة الجنان لليافعي إنه توفي سنة 244 وقيل 246 اه. وفي رسالة ما اشتهر من العلوم والعلماء المجهولة المؤلف أنه توفي سنة 244 وفي الأغاني توفي بقرية من نواحي السوس ودفن بتلك القرية وقيل: بل حمل إلى السوس فدفن فيها.

سبب موته

في تاريخ دمشق اختلف في سبب موته فقيل: هجا المعتصم فقتله وقيل: هجا ابن طوق التغلبي فأرسل إليه من سمه بالسوس وفي الأغاني أنه لما هجا مالك بن طوق بعث مالك رجلا حصيفا مقداما وأعطاه سما وأمره أن يغتاله كيف شاء وأعطاه على ذلك عشرة آلاف درهم فلم يزل يطلب حتى وجده في قرية من نواحي السوس فاغتاله بعد صلاة العتمة فضرب ظهر قدمه بعكاز لهازج مسموم فمات من الغد ودفن بتلك القرية وقيل: بل حمل إلى السوس فدفن فيها.

ولما مات وكان صديق البحتري وكان أبو تمام قد مات قبله رثاهما البحتري بقوله:

نسبه

في الأغاني هو دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس ابن حزيمة بن سلامان بن أسلم بن أقصى بن حارثة بن عمرو ابن عامر بن مزيقيا. وفي تاريخ بغداد دعبل بن علي بن رزين ابن عثمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي الشاعر ومثله في تاريخ دمشق وزاد يتصل نسبه بمضر الشاعر المشهور. وفي معجم الأدباء والأكثر على الثاني.

هو خزاعي بالولاء أم بالنسب

في لسان الميزان هو خزاعي بالولاء. كان جده رزين مولى عبد الله بن خلف الخزاعي والد طلحة الطلحات وقيل: إنه من ولد بديل بن ورقاء الصحابي اه. وعلى القول الثاني فهو خزاعي بالنسب لا بالولاء ويأتي في أخباره مع المطلب بن عبد الله الخزاعي شهادة أبي دلف له أمام المأمون بأنه من خزاعة أنفسهم لا من مواليهم.

كنيته

في الأغاني وتاريخ بغداد وتاريخ دمشق وغيرها إن كنيته أبو علي وعن محمد بن أيوب أن كنيته أبو جعفر والمشهور في كنيته هو الأول ولعله يكنى بهما.

الخلاف في اسمه

في تاريخ بغداد زعم أحمد بن القاسم أخو أبي الليث الفرائضي أن اسمه الحسن وقال ابن أخيه إسماعيل بن علي بن علي اسمه عبد الرحمن وقال غيرهما اسمه محمد. ولوقوع الخلاف في اسمه ذكرناه بلقبه مع أنه مشهور به لا باسمه.

ما هي كلمة دعبل

في تاريخ بغداد زعم أحمد بن القاسم أخو أبي الليث الفرائضي أن دعبلا لقب. وبسنده عن إسماعيل بن علي الخزاعي إنما لقبته دايته دعبلا لدعابة كانت فيه فأرادت ذعبلا فقلبت الزال دالا. وفي الأغاني بسنده عن محمد بن أيوب أن دعبلا لقب لقب به. وبسنده عن أبي هفان عن دعبل قال لي أبو زيد الأنصاري ممن اشتق دعبل قلت: لا أدري قال: الدعبل الناقة التي معها ولدها. وعن أبي عمرو الشيباني الدعبل البعير المسن أو الناقة المسنة وفي لسان الميزان هو اسم الناقة الشارف ويقال أيضا للشيء القديم وعن حذيفة بن محمد الطائي الدعبل الشيء القديم. وفي القاموس: الدعبل كزبرج بيض الضفادع والناقة القوية والشارف وشاعر خزاعي رافضي. وفي الأغاني عن الأخفش عن المبرد عن دعبل: كنت جالسا مع بعض أصحابنا فلما قمت سأل رجل عنه فقالوا: هذا دعبل فقال: قولوا في جليسكم خيرا كأنه ظن اللقب شتما وبهذا السند عن دعبل قال: صرع مجنون مرة بحضرتي فصحت في أذنه دعبل ثلاث مرات فأفاق. وفي رواية أفاق من جنونه اه. فهل ذلك من بركة هذا اللقب أو من عدم إطاقه المصروع لسماعه.

أبوه

في الأغاني بسنده عن دعبل قال لي أبي علي بن رزين ما قلت شعرا قط إلا هذين البيتين:

وبيتين آخرين وهما:

يظهر أن مياحا هذا كان من البخلاء.

صفته

في تاريخ بغداد بسنده عن أبي بكر أحمد بن القاسم أخي أبي الليث الفرائضي كان دعبل بن علي أطروشا وكان في قفاه سلعة وفي رواية في عنفقته. في الأغاني بسنده: نظر دعبل يوما في المرآة فجعل يضحك وكان في عنفقته سلعة فقلت له: من أي شيء تضحك قال: نظرت إلى وجهي في المرآة ورأيت هذه السلعة التي في عنفقتي فذكرت قول الفاجر أبي سعد:

مجمل القول فيه

كان شاعرا مفلقا فصيحا شهد له بذلك أشعر شعراء عصره ونقله حسن شعره من الفقر والخمول إلى الغنى والظهور وكان سببا في منادمة الرشيد له وكان متفننا في فنون الشعر مادحا هجاء لاذع الهجاء يستميح بشعره على عادة أكثر الشعراء فيمدح الخلفاء والملوك والأمراء ويهجو من لم يرض عطاءه منهم جريئا على الملوك والأمراء شجاع القلب قوي النفس فطنا ذكيا عالما مؤلفا متشيعا لأهل البيت ذابا عنهم وتائيته فيهم أشهر من قفا نبك وروى الأخبار ورويت عنه أصله من الكوفة أو قرقيسيا وسكن بغداد وجاب البلاد خراسان والشام ومصر وبلاد المغرب وحكى صاحب الأغاني أنه كان يخرج فيغيب سنين يدور الدنيا كلها ويرجع وقد أفاد وأثرى وأنه أنشد لنفسه في بعض أسفاره قوله:

ومدح الملوك والأمراء وأخذ جوائزهم وهجا جملة منهم ويلوح من كلام ابن طاهر فيما حكاه عنه صاحب تاريخ دمشق أن هجاءه لهم بعد إحسانهم إليه كان قلة وفاء منه والحق أنه ليس كذلك وإنما كان هجاؤه لهم لسوء عقيدته فيهم بإساءتهم إلى أهل البيت الذين أخلص بالتشيع لهم وبلغ الغاية في ذلك فهو كوفي المنبت والكوفة منبع التشيع خزاعي المنسب في خزاعة كانت حلفاء هاشم في الجاهلية وعرفت بالتشيع لأهل البيت في الإسلام أو يهجوهم لابتدائهم بالإساءة إليه كما ستعرف عند الكلام على شعره.

أقوال أصحابنا فيه

في الخلاصة دعبل بكسر الدال وإسكان العين المهملتين وكسر الباء الموحدة وبعدها لام ابن علي الخزاعي أبو علي الشاعر مشهور في أصحابنا حالة المشهور في الإيمان وعلو المنزلة عظيم الشأن رحمه الله تعالى وقال النجاشي دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي أبو علي الشاعر مشهور في أصحابنا صنف كتاب طبقات الشعراء كتاب الواحد في مثالب العرب ومناقبها أخبرنا القاضي أبو إسحاق إبراهيم بن مخلد بن جعفر حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة حدثنا موسى بن حماد اليزيدي حدثنا دعبل وقال الشيخ في رجاله في أصحاب الرضا عليه السلام دعبل بن علي وقال الكشي في رجاله دعبل بن علي الخزاعي الشاعر من أصحاب الرضا عليه السلام وقال النجاشي في ترجمة أخيه علي عن إسماعيل بن علي قال: ولد عمي دعبل سنة 148 في خلافة المنصور ورأى موسى ولقي الرضا عليهما السلام ومات سنة 245 أيام المتوكل وروى الكليني في الكافي ما يدل على أنه لقي الجواد عليه السلام أيضا فروى أنه دخل على الرضا فأعطاه شيئا فلم يحمد الله فقال: لم لم تحمد الله ثم دخل على الجواد فقال فأعطاه فقال: الحمد لله فقال: تأدبت. وفي روضات الجنات أدرك أربعة من أئمة أهل البيت عليهم السلام وولد سنة وفاة الصادق عليه السلام اه والأربعة هم الصادق والكاظم والرضا والجواد وإدراكه للصادق بمعنى أنه ولد في حياته.

وفي النبذة المختارة من كتاب تلخيص أخبار شعراء الشيعة للمرزباني كما في النسخة المخطوطه التي عندنا وفيها ذكر 28 ترجمة لثمانية وعشرين شاعرا منهم دعبل هو الثاني والعشرون منهم قال دعبل بن علي الخزاعي كان شاعرا مجيدا وكان على غاية من الفقر ثم ذكر خبره مع الرشيد الذي كان سببا في حسن حاله وسيأتي.

وفي مجالس المؤمنين عن دولتشاه السمرقندي أنه قال في تذكرته ما تعريبه: دعبل بن علي الخزاعي له فضل وبلاغة زيادة عن الوصف وكان متكلما أديبا شاعرا عالما وفي أيام هارون الرشيد جاء من بلاد العرب إلى بغداد فأكرمه الرشيد واحترمه. وذهب دعبل إلى خراسان في خدمة الإمام الرضا عليه السلام وكان عديله في المحمل محمد بن أسلم الطوسي وقائد بعيره إسحاق بن راهويه الحنظلي وكان دعبل في هذا السفر مسليا للرضا عليه السلام بنوادره وأمثاله وأشعاره اه التذكرة. وفي مجالس المؤمنين: قوله: إن دعبل في سفره إلى خراسان كان في صحبة الإمام الرضا مخالف للخبر المذكور في الكتب مثل كشف الغمة وغيره من أن دعبل قال: لما نظمت قصيدتي مدارس آيات قصدت بها الإمام أبا الحسن علي بن موسى الرضا في خراسان الخبر الدال على أنه ذهب إلى خراسان بعد ذهاب الرضا عليه السلام إليها ولم يذهب معه.

أقوال سائر العلماء المترجمين والعلماء فيه

في ميزان الذهبي دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المفلق رافضي بغيض هرب من المتوكل وعاش نحوا من تسعين سنة وله عن مالك مناكير ثم قال دعبل أو دغفل عن مالك مهمل في كتاب الدارقطني ضعفه أبو العباس البناني (النباتي). قلت: هو دعبل الشاعر مات بعد 240 وقد شاخ اه. وفي لسان الميزان: هو دعبل بن علي بن رزين بن سليمان الخزاعي أبو علي الشاعر المشهور من الكوفة وتعاطى في أول أمره الأدب حتى مهر فيه وقال الشعر الفائق قال: وقال ابن خلكان كان شاعرا مجيدا إلا أنه كان بذيء اللسان مولعا بالهجو هجا الخلفاء فمن دونهم وطال عمره فكان يقول لي: ثلاثون سنة أحمل خشبتي على كتفي ما أجد من يصلبني عليها وذكر ابن المعتز عن الترمذي قيل لابن الزيات: لم لا تجيب دعبلا عن القصيدة التي هجاك بها فقال: وكل من قال خشيتي على كتفي يدلي بما قال أو قيل له.

وفي الأغاني شاعر متقدم مطبوع هجاء خبيث اللسان لم يسلم منه أحد من الخلفاء ولا من وزرائهم ولا أولادهم ولا ذو نباهة أحسن إليه أو لم يحسن ولا أفلت منه كثير أحد. وكان من الشيعة المشهورين بالميل إلى علي صلوات الله عليه ولم يزل مرهوب اللسان وخائفا من هجائه للخلفاء فهو دهره كله هارب متوار. وفيه عن القاسم بن مهرويه ختم الشعر بدعبل.

وقد حكى جامع ديوانه حمزة بن الحسن الأصبهاني عن ابن دريد في أماليه في أثناء أوصاف خمسة وعشرين شاعرا منهم دعبل فقال ما لفظه قلت: فدعبل قال شديد الأسر محكم الصنعة قليل الطلاوة مفحش الهجاء غير مقنع المديح اه. وعلى تائيته شرح للمولى علي بن عبد الله العلياري التبريزي وأوردها بتمامها علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة والمجلسي في الجزء الثاني عشر من البحار.

وفي تاريخ بغداد أصله من الكوفة ويقال من قرقيسيا وكان ينتقل في البلاد وأقام ببغداد مدة ثم خرج منها هاربا من المعتصم لما هجاه وعاد إليها بعد ذلك وكان خبيث اللسان قبيح الهجاء وقد روي عنه أحاديث مسندة عن مالك بن أنس وعن غيره وكلها باطلة نراها من وضع ابن أخيه إسماعيل بن علي الدعبلي فإنها لا تعرف إلا من جبهته وروى عنه قصيدته التي أولها. مدارس آيات وغيرها من شعره أحمد بن القاسم أخو أبي الليث الفرائضي.

وفي لسان الميزان حديث دعبل وقع عاليا في جزء هلال الحفار. وفي معجم الأدباء: شاعر مطبوع يقال إن أصله من الكوفة وقيل من قرقيسيا وكان أكثر مقامه ببغداد وسافر إلى غيرها من البلاد فدخل دمشق ومصر وكان هجاء خبيث اللسان لم يسلم منه أحد من الخلفاء ولا من الوزراء ولا أولادهم ولا ذو نباهة أحسن إليه أم لم يحسن وكان بينه وبين الكميت بن زيد وأبي سعد المخرومي مناقضات وكان من مشاهير الشيعة. وفي تاريخ دمشق له شعر رائق وديوان مجموع وصف كتابا في طبقات الشعراء قدم دمشق ومدح بها نوح بن عمرو بن حوى السكسكي بعدة قصائد ذكر في بعضها قصده إليه ورحلته نحوه وخرج منها إلى مصر وامتدح بها. وفي الأغاني بسنده عن الحسين بن علي: قلت لابن الكلبي إن دعبلا قد قطعنا فلو أخبرت الناس إنه من خزاعة فقال لي: يا فاعل مثل دعبل تنفيه خزاعة والله لو كان من غيرها لرغبت فيه حتى تدميه دعبل والله يا أخي خزاعة كلها (أقول) إنما طلب ذلك من ابن الكلبي لأنه نسابة يقبل الناس قوله.

شاعريته

كان دعبل شاعرا مفلقا متفننا وحسبك بشاعريته أن يقول له أبو نواس أشعر شعراء زمانه: أحسنت ملء فيك وأسماعنا وأن يكون الرشيد بمجرد سماعه شعرا له يرغب فيه ويبعث إليه أسنى جائزة ويستحضره ويقول للرسول: إن أبى فلا تجبره رفقا به وإكراما واحتراما له. وأن يقول فيه المأمون ومعرفته لا تنكر الله دره ما أغوصه وأنصفه وأوصفه وأن تكون بعض أبياته نصب عينيه إذا عزم على سفر ومسلية له في تاريخ دمشق أنشد المأمون أبا دلف شعرا لدعبل قاله في بعض غيباته وهو:

وفي الأغاني ثم قال المأمون: ما سافرت قط إلا كانت هذه الأبيات نصب عيني في سفري وهجيري ومسليتي حتى أعود.

وفي تاريخ دمشق: يا قاسم ما عزمت على سفر قط إلا هيأت هذه الأبيات مخاطبة لي ونصبا بين عيني وعدة في أذني ومسلية لي في غربتي أن الفهم إذا فهم المعنى يستحسنه والمستغلق إذا لم يفهمه استبرمه وأن يقول فيه المبرد ومكانته في العلم والأدب مكانته: كان دعبل والله فصيحا وأن يقول فيه القاسم بن مهرويه ختم الشعر بدعبل وصار قوله:

الشغل الشاغل للعلماء والأدباء والشعراء وأن يتداوله الشعراء بينهم فأبو هفان يقول: أخذه من قول مسلم بن الوليد:

فجاء به أجود من قول مسلم فصار أحق به منه والأصمعي يستحسنه ويقول: أخذه من قول الحسين بن مطير الأسدي.

والمبرد يقول أخذ ابن مطير قوله هذا من قول دكين الراجز:

وصاحب معاهد التنصيص يقول: تداول الشعراء معنى بيت دعبل فقال الراضي القرطبي:

وقال ابن نباتة المصري:

وفي الأغاني عن الحمدوني الشاعر سمعت دعبل بن علي يقول: أنا ابن قولي أي به أعرف.

وسمعت أبا تمام يقول أنا ابن قولي:

قال الحمد وفي وأنا ابن قولي في الطيلسان:

وفي تاريخ بغداد بسنده عن أبي طالب الدعبلي أنشدنا علي بن الجهم - وليست له - وظاهره أنهما لغير دعبل وكان ابن عساكر في تاريخ دمشق صرح بأنهما له فقال وله - أي لدعبل - وكان علي بن الجهم يستحسنها:

قال أبو طالب ومن أحسن ما قيل في هذا المعنى قول جدي (دعبل):

وكان لهذه الأبيات قسط عظيم من الشهرة والتداول بين الأدباء والشعراء والملوك والأمراء شاعت وحفظها الناس حتى أن أبا نواس أشعر شعراء عمره قال فيها ما لا يقال إلا في أحسن الشعر إعجابا بها. في تاريخ بغداد بسنده عمن سمع دعبلا يقول: أنشدت أبا نواس (أين الشباب) البيت (لا تعجبي) البيت فقال: أحسنت ملء فيك وأسماعنا قال: وكان والله فصيحا وحتى أن مسلم بن ألوليد أستاذه لم يأذن له في إظهار شعره حتى سمعها في الأغاني بسنده قال دعبل: ما زلت أقول الشعر وأعرضه على مسلم فيقول لي: اكتم هذا حتى قلت (أين الشباب وأية سلكا) فلما أنشدته هذه القصيدة قال: اذهب الآن فأظهر شعرك كيف شئت لمن شئت وحتى غنى به المغنون الجواري والرجال ففي الأغاني عن عمه عن أحمد بن الطيب السرخسي حضرت مجلس محمد بن علي بن طاهر فغنت مغنية:

ثم غنت بعده:

فقلت لها ما أكثر تعجب سلمى هذه فعلمت إني أعبث بها لأسمع جوابها فقالت: متمثلة غير متوقفة ولا متنكرة:

فعجبت والله من جوابها وحدته وسرعته وقلت لمن حضر والله لو أجاب الجاحظ هذا الجواب لكان كثيرا منه مستظرفا (وبسنده) قال دعبل خرجت إلى الجبل هاربا من المعتصم والمكاري يسوق بي بغلا وقد أتعبني كثيرا فتغنى بقوله:

فقلت له - وأنا أريد أن أتقرب إليه ليكف عن حث البغل - تعرف لمن هذا الشعر قال لمن فعل كذا - وأفحش. وغرم درهمين فما أدري من أيهما أعجب من هذا الجواب أم من قلة الغرم على عظم الجناية.

(وبسنده) عن أبي ناجية كنت مع دعبل في شهر زور فدعاه رجل إلى منزله فغنت جارية بقول دعبل: (أين الشباب وأية سلكا) فارتاح دعبل لهذا الشعر وقال: قد قلته مذ سبعين سنة وحتى جعلها أبو تمام معرفا لدعبل وقائمة مقام النسب ففي الأغاني بسده عن الفتح غلام أبي تمام كان أبو سعيد الثغري اشتراه له بثلثمائة دينار لينشد شعره وكان غلاما أديبا فصحيا وكان إنشاد أبي تمام قبيحا فكان يشد شعره عنه فقال: سألت مولاي أبا تمام عن نسب دعبل فقال هو دعبل ابن علي الذي يقول: (ضحك المشيب برأسه فبكى). ويأتي أن الرشيد لما سمع قوله لا تعجبي البيت استحسنه وأجازه بعشرة آلاف درهم وخلعة ومركب ونادمه وأجرى عليه رزقا سنيا.

وفي الأغاني عن أبي هفان: أنشدت يوما بعض البصريين الحمقى قول دعبل (ضحك المشيب برأسه فبكى) فجاءني بعد أيام فقال: قد قلت أحسن من هذا (قهقه في رأسك القتير) ونوادر المتشاعرين الحمقى كثيرة فمنها ما في الأغاني بسنده عن دعبل كان لي صديق يقول شعرا فاسدا وأنا أنهاه فأنشدني يوما:

فقلت له: هذا لا يجوز البيت الأول على الراء والثاني على الزاي فقال لا تنقطه فقلت: الأول مرفوع والثاني مخفوض فقال: أنا أقول له لا تنقطه وهو يشكله. ومما ينتظم في هذا السلك ما حدثنا به بعض الأصحاب عن شاعر عراقي أنه قال في موشحة له:

وقال فيها (ثم حاكته تباهى قعضبا) فقلت له: ما قعضب قال: اسم حائك أما سمعت قول الحاج هاشم الكعبي في الحسين عليه السلام وأصحابه:

فقلت له: قعضب هنا السيف لا اسم حائك واشتهر بالهجاء اللاذع حتى أن بني مخزوم لما هاجاه رجل منهم يكنى أبا سعد نفوا أبا سعد عن نسبهم وأشهدوا على ذلك خوفا أن يعمهم دعبل بهجاه وهذه غاية في الخوف من هجاه ليس فوقها غاية.

المفاضلة بينه وبين مسلم بن ألوليد

كان مسلم أستاذ دعبل وقد فضله البحتري على مسلم في الأغاني بسنده على البحتري أنه قال دعبل بن علي أشعر عندي من مسلم بن الوليد لأن كلام دعبل أدخل في كلام العرب من كلام مسلم ومذهبه أشبه بمذاهبهم وكان يتعصب له.

جرأته على الكبراء وقوة قلبه

كان دعبل جريئا قوي القلب مقدما على هجو الخلفاء والأمراء وما كان هجوه لهم مخالفا لعقيدته وقد تفنن في ذلك وأتى بالعجب العجاب وقول من قال إنه هجا من أحسن إليه ومن لم يحسن مبني على الظاهر وإلا فهجوه لهم كان لما يراه من سوء أفعالهم ولا سيما بالنسبة إلى أهل البيت ولم يمنعه إحسانهم إليه من المجاهرة برأيه فيهم فهو يقول للمأمون كالمتهدد:

يشير إلى قتل عبد الله بن طاهر الخزاعي الأمين في سبيل خلافة المأمون فلما سمع المأمون الأبيات لم يتغير على دعبل ولا غضب عليه ولا ناله بسوء بل كان غاية ما جرى له أن قال كذب والله متى كنت خاملا وإني لخليفة وابن خليفة ومتى كنت خاملا فرفعني دعبل ويقول له إبراهيم ابن المدبر أنت أجرأ الناس وأقدمهم حيث تقول هذا فقال: أنا أحمل خشبتي منذ أربعين سنة فلا أجد من يصلبني عليها ويقول في الرشيد وابنه المأمون خليفة متسلط:

ويقول في أبي عباد وزير المأمون المعروف بشراسته:

ودير هرقل مستشفى المجانين وبقية الحداد أحدهم وقيل للمأمون: إنه هجاك فقال: من أقدم على هجو أبي عباد مع جنونه كيف لا يقدم على هجوي مع حلمي ولما بلغت المأمون أبياته هذه في أبي عباد ضحك وكان إذا نظر إلى أبي عباد يضحك ويقول لمن بقربه والله ما كذب دعبل في قوله وكان المأمون بكمال عقله يحتمل ما يصدر من دعبل ويحلم عنه ولا يؤاخذه ولعل لميل المأمون إلى أهل البيت النبوي الطاهر أثرا في ذلك أما المعتصم فكان لا يحتمل من دعبل ما يحتمله منه المأمون بل كان يبغضه لما يبلغه عنه من قوله في بني العباس ولا بد أن يكون بلغه ما قاله في أبيه الرشيد بعد موته حتى أنه هم بقتله فبلغه ذلك فهرب إلى الجبل وقال يهجوه بهجاء مقذع في الأبيات البائية الآتية في خبره معه مع أن الدولة في عصره كانت في أبان عظمتها وإنما بدأت بالانحطاط بعد ذلك ثم هجاه بعد موته كما يأتي هناك أيضا وهجا المتوكل بهذا البيت فيما حكاه محمد بن جرير عن عبد الله بن يعقوب بأقبح الهجاء ولا يعرف له ثان:

ومر أنه لما ليم على تعرضه لهجاء من تخشى سطوته قال: أنا أحمل خشبتي منذ أربعين سنة فلا أجد من يصلبني عليها ثم ليم بعد ذلك فقال: إني أحمل خشبتي منذ خمسين سنة ولست أجد أحدا يصلبني عليها وهذا أكبر دليل على جرأته وإقدامه على هجاء من يستحق الهجاء في نظره ولو أدى به إلى الصلب وفي الأغاني بسنده إلى أبي خالد الخزاعي الأسلمي قلت لدعبل: ويحك قد هجوت الخلفاء والوزراء والقواد ووترت الناس جميعا فلو كففت عن هذا وصرفت هذا الشر عن نفسك فقال: إني وجدت أكثر الناس لا ينتفع بهم إلا على الرهبة ولا يبالي بالشاعر وان كان مجيدا إذا لم يخف شره وعيوب الناس أكثر من محاسنهم وليس كل من شرفته شرف ولا كل من وصغته بمحاسن الصفات ولم تكن فيه انتفع بقولك فإذا رآك قد أوجعت ظهر غيره أتقاك على نفسه فضحكت من قوله وقلت: هذا والله مقال من لا يموت حتف أنفه اه والذي يلوح لنا أن هذا الجواب إن صح فإنما يراد به مجرد الإقناع وإن الباعث له سواه وهو ما مرت إليه الإشارة من اعتقاده أنهم أهل ذلك على أن أكثر من هجاهم اعتدوا عليه فهجاهم فالمعتصم استخف به بأنه يؤجل جائزته إلى مائة سنة والفضل بن العباس عابه ونال منه فهجاه وابن أبي داؤد كان يطعن عليه ويسبه فهجاه والعكلي وعثعث جرتهما القافية لبلاء صبه الله عليهما والخاركي هجاه وسبه فهجاه دعبل والجارية عبثت به فهجاها وصالح العبدي وضيوفه ذبحوا ديكه وأكلوه فهجاهم بقدر جنايتهم ولم يفرط وأبو سعد المخرومي هجاه فأجابه ولما توهم أنه يريد صلحه فرح دعبل بذلك إلى غير ذلك.

وفي ألأغاني بسنده قال إبراهيم بن المهدي للمأمون قولا في دعبل يحرضه عليه فضحك المأمون وقال: إنما تحرضني عليه لقوله فيك (ذلك حين أقام العباسيون إبراهيم المغني هذا في الخلافة ببغداد لما بايع المأمون الرضا بولاية العهد وهو بخراسان).

قال وزاد فيها جعفر بن قدامة:

وذلك إنه قل المال عنده فخرج رسوله إلى الناس وقد اجتمعوا فصرح لهم إنه لا مال عنده فقال بعض الغوغاء أخرجوا إلينا خليفتنا ليغني لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات فتكون عطاء لهم فأنشد دعبل بعد أيام هذه الأبيات فقال له إبراهيم: قد والله هجاك أنت يا أمير المؤمنين فقال: دع هذا عنك فقد عفوت عنه في هجائه إياي لقوله هذا وضحك ثم دخل أبو عباد فلما رآه المأمون من بعد قال لإبراهيم دعبل يجسر على أبي عباد بالهجاء ويحجم عن أحد فقال له وكأن أبا عباد أبسط يدا منك قال: لا ولكنه حديد جاهل لا يؤمن وأنا أحلم وأصفح والله ما رأيت أبا عباد مقبلا إلا أضحكني قول دعبل فيه:

جذبه القلوب في حسن شعره ومنادمته

يظهر من مجاري أحواله أن حديثه كان جذابا للقلوب ساحرا للألباب فالرشيد حين سمع أبياتا له أستحسنها وأرسل إليه قبل أن يراه عشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه ومركبا من مراكبه وطلب حضوره أن اختار ذلك فلما حضر أمره بملازمته وأجرى عليه رزقا.

ونادم عبد الله بن طاهر فأعجب به حتى صار ينادمه في الشهر خمسة عشر يوما ويجيزه بعشرة آلاف درهم.

معرفته باللغة

الأغاني بسنده عن محمد بن زكريا بن ميمون الفرغاني: سمعت دعبل بن علي يقول في كلام جرى ليسك فأنكرته عليه فقال: دخل زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا زيد ما وصف لي رجل إلا رأيته دون وصفه ليسك يريد غيرك.

إعجابه بشعر بكر بن خارجه

الأغاني بسنده عن علي بن عبد الله بن سعد قال لي دعبل وقد أنشدته قصيدة بكر بن خارجة في عيسى بن البراء النصراني الحربي:

فقال: والله ما أعلمني حسدت أحدا على شعر كما حسدت بكرا على قوله كأنه من كبدي مقدود.

أخباره

في تاريخ دمشق: من أخباره على ما حكاه (عبد الله) ابن طاهر أنه كان في مبدأ أمره غلاما خاملا لا يؤبه به وكان بينه وبين مسلم بن الوليد (أستاذه) إزار لا يملكان غيره فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم في البيت عاريا وإذا خرج مسلم جلس دعبل كذلك وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلاصقان فيطرح هذا شيئا منه عليه والآخر الباقي وكانا يعبثان بالشعر فلما قال دعبل (أين الشباب وأية سلكا) الأبيات تلقفه بعض المغنين فغنى به هارون الرشيد فسأله عن قائله فقال بعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له وهو دعبل فأرسل له هارون عشرة آلاف درهم وحلة من حلله ومركبا من مراكبه وأجاز المغني وقال للرسول: أعطه هذا ومره بالحضور إلي وإذا أبى فلا تجبره فلم يمتنع عن الحضور فقربه هارون ورحب به حتى سكن روعه ثم استنشده الشعر فأنشده وأعجب به وأقام عنده يمتدحه وأجرى عليه الرشيد أجزل جراية وأسناها وكان الرشيد أول من جرأه على قول الشعر وبعثه عليه ثم إنه ما غيب هارون الرشيد في حفرته حتى أنه أنشا يمتدح آل الرسول صلى الله عليه وسلم ويهجو الرشيد كما يأتي هذا المضمون في أخباره مع الرشيد ثم ذكر الأبيات الرائية المكسورة المذكورة هناك ثم قال ابن طاهر: فوالله ما كافاه وما كان سبب نعمته بعد الله إلا هارون فهذه واحدة وذكرنا هناك أن هجاءه الرشيد لم يكن قلة وفاء منه قال: وأما الثانية فإن المأمون لما استخلف قال دعبل (علم وتحكيم وشيب مفارق) إلى آخر الأبيات الآتية ثم ذكر رضا المأمون عنه وإعطاءه الأمان واستنشاده إياه (مدارس آيات) قال: ولكنه عتب على المأمون وأرسل إليه يقول: (أيسومني المأمون) وذكر الأبيات السابقة ثم قال عبد الله بن طاهر: فوالله ما كافأه ولا كافى أبي ما أسدى إليه وذلك أنه لما توفي أنشأ يقول:

وأوردها صاحب الأغاني بسنده عن أبي طالب الحراني مع بعض الاختلاف فقال: كان دعبل منحرفا عن آل طاهر مع ميلهم إليه وأياديهم عنده فأنشدني لنفسه فيهم:

ولا يبعد أن يكون الصواب في البيتين الثالث والرابع ما ذكره ابن عساكر وما في الأغاني تحريف والله أعلم.

قال ابن طاهر هذه الثالثة ولكن صاحب الأغاني روى عن ابن أخي دعبل بيتين في طاهر بن الحسن وكان قد نقم عليه أموا أنكره منه.

فيوشك أن يكون هجاؤه له لأجل ذلك لا قلة وفاء منه قال ابن طاهر: فأما الرابعة فإنه لما استخلف المعتصم دخل عليه دعبل فأنشده قصيدة فقال: أحسنت والله يا دعبل فاسألني ما أحببت قال: مائة بدرة قال: نعم على أن تمهلني مائة سنة وتضمن لي أجلي معها فقال: قد أمهلتك ما شئت وخرج مغضبا فلقي خصيا كان عوده أن يدخل مدائحه إلى الخليفة ويجعل له سهما من الجائزة فقال: ويحك إني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجة لي أن أذكرها له أفأذكرها في أبيات وتدخلها عليه قال: نعم ولي نصف الجائزة فماكسه ساعة ثم أجابه فأخذ الرقعة وفيها:

وختمها ودفعها إلى الخصي فلما رآها المعتصم قال: من صاحبها قال دعبل وقد جعل لي نصف الجائزة فطلب فكأن الأرض انطوت عليه فلم يعرف له خبر فقال المعتصم: أجيزوا الخصي بألف سوط فإنه زعم أن له نصف الجائزة.

قال ابن طاهر وأما الخامسة فإن ابن أبي دؤاد كان يعطيه الجزيل من ماله ويقسم له على أهل عمله فعتب عليه فقال فيه ما يأتي في أخباره معه.

قال: وكان أهل قم يعطونه الكثير من أموالهم ويمنعون الخلفاء منه فكافأهم بأن قال فيهم:

وقال فيهم أيضا:

قال: وهذا المطلب بن عبد الله الخزاعي كان يعطيه فمدحه ثم هجاه كما يأتي في أخباره معه.

قال: وهؤلاء بنو أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه هجاهم وقال فيهم ما يأتي في خبره معهم.

قال: وهذا الهيثم بن عثمان الغنوي قد دل شعره على أنه قد كان إليه محسنا إذ يقول فيه:

وقال فيه يهجوه (ويشرك معه أحمد بن أبي دؤاد):

خبره مع الرشيد

(الأغاني) بسنده عن عبد الله بن طاهر كان دعبل أيام ترعرع خاملا لا يؤبه له وكان ينام هو ومسلم بن الوليد في إزار واحد لا يملكان غيره ومسلم أستاذه وهو غلام أمرد يخدمه ودعبل حينئذ لا يقول شعرا يفكر فيه حتى قال:

وشاع فغني به بين الرشيد فطرب وسأل عن قائله فقيل دعبل بن علي وهو غلام نشأ من خزاعة فأمر بإحضار عشرة آلاف درهم وخلعة من ثيابه ومركب من مراكبه ودفع ذلك إلى خادم من خاصته وقال: اذهب إلى خزاعة فاسأل عن دعبل بن علي وأعطه هذا وقل له ليحضر إن شاء وإن لم يحب ذلك فدعه فسار الغلام إلى دعبل وأعطاه الجائزة وأشار عليه بالمسير إليه فلما دخل عليه وسلم أمره بالجلوس واستنشده الشعر فأنشده فاستحسنه وأمره بملازمته وأجرى عليه رزقا سنيا فكان أول من حرضه وجرأه على قول الشعر وبعثه عليه قال عبد الله بن طاهر: فوالله ما بلغه أن الرشيد مات حتى كافأه على ما فعله من العطاء السني والغنى بعد الفقر والرفعة بعد الخمول بأقبح مكافأة وقال فيه من قصيدة مدح بها أهل البيت عليهم السلام وهجا الرشيد. ثم ذكر أبياتا من القصيدة الرائية الآتية في أخباره مع المأمون التي يقول فيها:

يعني قبر الرضا عليه السلام (أقول) ذمه الرشيا لم يكن قلة وفاء منه ولكن لما فغله مع أهل البيت الطاهر الذين يقولاهم دعبل.

وفي النبذة المختارة من كتاب تلخيص أخبار شعراء الشيعة للمرزباني المشار إليها الإشارة: كان دعبل على غاية من الفقر وكان له صديق مغن فلما قال:

أصلح المفني في ذلك لحنا وغنى به بحضرة الرشيد فاستحسن شعره وقال: لمن هذا الشعر فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل ووصف له علمه وأدبه وفاقته فقال: يوجه إليه من ثيابي بثياب ومن مراكبي بمركب وعشرة آلاف درهم فحمل ذلك إليه ودخل على الرشيد فقربه وأدناه وأجرى عليه رزقا إلى أن مات الرشيد فقال القصيدة التي يقول فيها:

خبره مع الأمين

قال: فلما قام ابن زبيدة قال دعبل:

واستتر من ابن زبيدة اه ولكن سيأتي في أخباره مع المعتصم أنه قال البيتين الأولين لما مات المعتصم وقام الواثق.

أخباره مع المأمون

قال: فلما قام المأمون هجاه فقال من قصيدة:

فطلبه فاستتر منه إلى أن بلغه أنه هجا إبراهيم بن المهدي بقوله:

فضحك المأمون وقال: قد وهبته ذنبه فليظهر فصار إليه فكان أول داخل عليه. ولما قدم ملى المأمون وأمنه استنشده القصيدة الكبيرة فأنكرها فقال: لك الأمان أيضا على إنشادها فقال:

فلما أتم دعبل إنشاد هذه القصيدة ضرب المأمون الأرض بعمامته وقال: صدقت والله يا دعبل.

(في الأغاني) عن عبد الله بن طاهر أن المأمون لم يزل يطلب دعبلا وهو طائر على وجهه حتى دس إليه دعبل قوله:

(ابن شكلة) إبراهيم بن المهدي المعني الذي بايعه بنو العباس بالخلافة لما بايع المأمون الرضا بولاية العهد (ومضطلعا بها) أي بالخلافة (ومخارق وزلزل) مغنيان مشهوران (والمارق) من مرق من الدين فلما قرأها المأمون ضحك وقال: قد صفحت عن كل ما هجانا به إذ قرن إبراهيم بمخارق في الخلافة وولاه عهده وكتب إلى أبي (يعني طاهر بن الحسين) أن يكاتبه بالأمان ويحمل إليه مالا وإن أراد أن يقيم عنده أو يصير إلى حيث شاء فليفعل فكتب إليه أبي بذلك وكان واثقا به فصار إليه فحمله وخلع عليه وأجازه وأشار عليه بقصد المأمون فلما دخل وسلم عليه تبسم في وجهه ثم قال: أنشدني (مدارس آيات خلت من تلاوة) فجزع فقال له: لك الأمان فلا تخف وقد رويتها ولكني أحب سماعها من فيك فأنشده إياها إلى أخرها والمأمون يبكي حتى اخضلت لحيته بدمعه فما شعرنا به إلا وقد شاعت له أبيات يهجو بها المأمون بعد إحسانه إليه وأنسه به حتى كان أول داخل وآخر خارج من عنده (أقول) لعلها الأبيات التي يقول فيها (ويسومني المأمون خطة عاجز) وقد تقدمت وهي إن دلت على شيء فإنما قال على إباء نفسه وعدم خنوعه وجرأته وقوة قلبه لا على قلة وفائه. ويأتي عند الكلام على القصيدة التائية خبره مع المأمون فيما يرجع إلى هذه القصيدة.

وعن أمالي الشيخ الطوسي عن يحيى بن أكثم قال: طلب المأمون دعبلا بعد وفاة الرضا عليه السلام وأعطاه الأمان فبينما أنا جالس عنا المأمون إذ دخل عليه دعبل فلما قرب من مجلس المأمون قال له: أنشدني قصيدتك الرائية الكبيرة فأنكر دعبل معرفتها وأن يكون قال قصيدة بهذه الصفة فقال له المأمون: أنشدها ولك الأمان فأنشد (تأسفت جارتي) القصيدة السابقة.

قال يحيى بن أكثم: فلما وصل دعبل إلى قوله: (خلفتموه على الأبناء) البيت أرسلني المأمون بمهمة فلما رجعت وجدت دعبلا قد وصل إلى قوله: (وليس حي من الأحياء) إلى آخر القصيدة اه وهذا يدل على أن القصيدة أكثر من هذا وأن هذا هو الذي رواه يحيى منها وقد فاته سماع بعضها فلم يحفظه ولم يروه.

وفي كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي أبي علي محسن بن القاضي أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم النتوخي: حكى الصولي أنه لما هجا دعبل المأمون قال لهم: اسمعوني ما قال فأنشدوه:

فقال المأمون قبحه الله: ما أبهته متى كنت خامل الذكر وفي حجر الخلافة ربيت وبدرها غذيت خليفة وأخو خليفة وابن ثلاثة خلفاء ثم جد في طلب دعبل حتى ظفر به فلم يشك أحد في أنه قاتله فلما دخل عليه قال لدعبل: (واستنقذوك من الحضيض الأوهد) فقال: يا أمير المؤمنين قد عفوت عن من هو أعظم جرما منه فقال: صدقة لا بأس عليك أنشدني (مدارس آيات) قال: أنشدها وأنا آمن قال:

نعم فأنشده إياها فجعل المأمون يبكي لما فيها إلى قوله:

أخباره مع المعتصم

قد مر شطر منها فيما سلف مثل أن المعتصم كان يبغضه لهجائه إياه ولغير ذلك وأنه مدحه فقال: أحسنت فأسألني ما أحببت فطلب مائة بدرة فاستخف به المعتصم وقال: نعم على أن تمهلني مائة سنة وتضمن لي أجلي معها وكأنه استكثر هذا الطلب فأجاب بهذا الجواب وكان ينبغي له أن لا يقول له: اسألني ما أحببت إذا كان لا يوطن نفسه على إعطاء الكثير وإنه أرسل إليه أبياتا مؤلمة مع خصي احتال عليه وفي تاريخ دمشق أنه لم يلبث أن كتب إليه أبياتا من قم يهجوه بها وقد ذكرها صاحب الأغاني وبين ما ذكراه اختلاف بالزيادة والنقصان ونحن نجمع بينهما وأولها:

ولئن روى صاحب الأغاني أنه لما سئل عن الذي يقول: (ملوك بني العباس في الكتب سبعة) قال: من أضرم الله قبره نارا إبراهيم بن المهدي فقد روى أيضا أنه سئل عنها فاعترف بها.

وفي تاريخ دمشق قال دعبل: دخلت على المعتصم فقال لي: يا عدو الله أنت تقول في بني العباس إنهم في الكتب سبعة وأمر بضرب عنقي وما كان في المجلس إلا من كان عدوا لي وأشدهم علي بن شكلة (إبراهيم بن المهدي) فقام وقال: يا أمير المؤمنين أنا الذي قلت هذا ونميته إلى دعبل فقال له: وما أردت بهذا قال: لما يعلم ما بيني وبينه من العداوة فأردت أن أشيط بدمه فقال: أطلقوه فلما كان بعد مدة قال لابن شكلة: سألتك الله أنت الذي قلته قال: لا والله يا أمير المؤمنين وليس أحد أبغض إلي من دعبل ولكنه نظر إلي بعين العداوة ورأيته بعين الرحمة فجزاه المعتصم خيرا اه.

ولم يقتصر هجاؤه المعتصم على زمن حياته بل هجاه بعد وفاته فإنه لما مات المعتصم قال ابن الزيات يرثيه ويمدح الواثق:

فقال دعبل يعارضه في ذلك:

وحدث محمد بن جرير قال: كنت مع دعبل بالصيمرة وقد جاءنا خبر المعتصم وقيام الواثق فقال لي دعبل: أمعك ما تكتب فيه قلت: نعم فأملى علي بديها:

أخباره مع عبد الله بن طاهر

في الأغاني بسنده عن أبي حفص النحوي مؤدب آل طاهر: دخل دعبل على عبد الله بن طاهر فأنشده وهو ببغداد وفي تاريخ دمشق: وفد دعبل بن أبي علي الخزاعي إلى عبد الله بن طاهر فقام تلقاء وجهه وأنشأ يقول:

فانتعل عبد الله ودخل إلى الحرم ووجه إليه برقعة معها ستون ألف درهم وفي الرقعة بيتان وهما:

وفي تاريخ دمشق قال أحمد بن أبي دؤاد خرج دعبل إلى خراسان فنادم عبد الله بن طاهر فأعجب به فكان كل يوم ينادمه فيه يأمر له بعشرة ألاف درهم وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوما وكان ابن طاهر يصله في كل شهر بمائة وخمسين ألف درهم فلما كثرت صلاته عليه توارى عنه دعبل يوم منادمته فطلبه فلم يقدر عليه فشق ذلك على ابن طاهر فلما كان من الغد كتب إليه دعبل:

ثم قال: حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير فوصله بثلاثمائة ألف درهم وانصرف".

تاريخ دمشق: كان علي بن القاسم الخوافي مدح أحمد بن نصير وتردد إليه بعد أن مدحه فلم يخرج الجواب كما أحبه فكتب إليه رقعة يقول فيها قال علي بن الجهم في مثل ما نحن فيه:

وكتب في رقعته ومن أحسن ما يذكر لعبد الله بن طاهر:

وكتب في رقعته أن دعبلا كتب إلى عبد الله بن طاهر:

أخباره مع أبي القاسم المطلب

ابن عبد الله بن مالك الخزاعي

الأغاني بسنده قال دعبل: حججت أنا وأخي رزين وأخذنا كتبا إلى المطلب بن عبد الله بن مالك وهو بمصر يتولاها فصرنا من مكة إلى مصر فصحبنا رجل يعرف بأحمد السراج فما زال يحدثنا ويؤانسنا طول طريقنا ويتولى خدمتنا ورأيناه حسن الأدب وكان شاعرا ولم نعلم وكتمنا نفسه وعلم ما قصدنا له وعرضنا عليه أن ننحله قصيدة في المطلب ينشده إياها وينتفع بها فأظهر سرورا بذلك ووردنا مصر ودخلنا على المطلب وأوصلنا إليه الكتب التي معنا وأنشدناه فسر بموضعنا وكانت القصيدة التي مدح بها دعبل المطلب قصيدته المشهورة التي يقول فيها:

ووصفنا له أحمد السراج فأذن له ودخل عليه ونحن نظن أنه سينشده القصيدة التي نحلناه إياها فعدل عنها وأنشده:

وأشار إلى الكتب التي أوصلتها إليه وهي بين يديه فكان ذلك أشد من كل شيء مر بي ثم أنشده:

فصاح مطلب لبيك لبيك ثم قام إليه فأخذه بيده وأجلسه معه وقال: يا غلمان البدر فأحضرت ثم قال: الخلع فنشرت ثم قال: الدواب فقيدت فأمر له من ذلك بما ملأ عينه وأعيننا وصدورنا وحسدناه عليه وكان حسدنا بما اتفق له من القبول وجودة الشعر وغيظا بكتمه إيانا نفسه واحتياله علينا أكثر وأعظم فخرج بما أمر به وخرجنا صفرا (أقول) قوله باستارين هو تثنية أستار جمع ستر فإن الجمع ثنيته كما قالوا جمالين تثنية جمال. جمع جمل في الأغاني عن محمد بن المرزبان حدثني من سأل الرياشي عن قوله: أستارين قال: يجوز على معنى كذا وأستار كذا وأنشدنا الرياشي:

(العقال) زكاة عام من الإبل والغنم قال ابن الأثير نصب عقالا على الظرف أراد مدة عقال اه والساعي عامل الزكاة. قال في تمام الخبر السابق فمكثنا أياما ثم ولى دعبل بن علي أسوان وكان دعبل قد هجا المطلب غيظا منه فقال:

وقال فيه:

وبلغ المطلب هجاؤه إياه بعد أن ولاه فعزله عن أسوان وأنفذ إليه كتب العزل مع مولى له وقال: انتظره حتى يصعد المنبر يوم الجمعة فإذا علاه فأعطه الكتاب وأمنعه من الخطبة وأنزله عن المنبر وأصعد مكانه فلما علا المنبر وتنحنح ليخطب ناوله الكتاب فقال له: دعني أخطب فإذا نزلت قرأته قال: لا قد أمرني أن أمنعك من الخطبة حتى تقرأه فقرأه وأنزله عن المنبر معزولا فحدثني عبد الله بن أبي الشيص عن دعبل قال المطلب ما تفكرت في قولك قط.

إلا كنت أحب الناس إلي وما تفكرت والله في قولك لي:

إلا كنت أبغض الناس إلي. وفي تاريخ دمشق بعد ذكر هجوه إياه بقوله: (أضرب ندى) البيتين قال: فدعاه بعد ذلك المطلب وقال له: والله لأقتلنك لهجائك لي فقال له: أشبعني إذا ولا تقتلني جائعا فقال: قبحك الله هذا أهجى من الأول ثم وصله فحلف أنه يمدحه ما عاش فقال فيه:

قال القاضي زكريا بن المعافى في هذا الخبر ما يدل على دهاء دعبل ولطف حيلته وأنباء عن ذكاء المطلب ودقة فطنته وقد روي مثل هذا عن معن بن زائدة فإنه أتى بجماعة فأمر بقتلهم فقال له أحدهم: أعيذك تالله أن تقتلنا عطاشى فأمر بسقيهم فلما شربوا قالوا: أيها الأمير لا تقتل أضيافك فأمر بتخليتهم اه (قال المؤلف) قصة معن لا تشبه قصة المطلب فمعن تحرموا بشرابه والمطلب نسبه دعبل إلى البخل إذ علق قتله على أمر لا يقع بادعائه ولهذا قال له المطلب هذا أهجى من الأول.

(الأغاني) بسنده: لما قصد دعبل المطلب بن عبد الله بن مالك إلى مصر ولم يرض ما كان منه إليه قال فيه:

وفي الأغاني بسنده عن إبراهيم بن المدبر كنت أنا وابراهيم بن العباس رفيقين نستكتب الشعر وأنشدني قصيدة دعبل هذه في المطلب بن عبد الله قال: وقال لي دعبل نصفها لي ونصفها لإبراهيم بن العباس كنت أقول مصراعا ويجيزه ويقول مصراعا وأجيزه.

(قال المؤلف) مرت أبيات أربعة له برواية الأغاني على الوزن والقافية وهي موجودة في ضمن هذه القصيدة مع بعض التغيير والظاهر أن سببه اختلاف الرواية.

(1) (تلعق مصر بك المخزيات) وهنا (تنوط مصر) البيت.

(2) وعاديت قوما فما ضرهم وهنا (وضعت رجالا) البيت.

(3) (شعارك عد الحروب النجا) البيت وهنا (شعارك في الحرب) البيت.

(4) (فأنت إذا ما التقوا آخر) البيت وهنا (فأنت لأولهم) البيت.

وقد جعل هجاء دعبل له مما عيب به دعبل بأنه هجا من هو من عشيرته مع إحسانه إليه ولكن دعبلا كما ذكرنا في غير الموضع لم يهج غالبا إلا من أساء إليه ولم تكن تمنعه هيبة أحد ولا إحسانه من هجوه إذا أساء إليه. وكانت إساءته إليه ما مر في قصة أحمد السراج. في الأغاني بسنده أن المأمون قال لأبي دلف أي شيء تروي لأخي خزاعة يا قاسم قال: أي أخي خزاعة يا أمير المؤمنين؟ قال: ومن تعرف فيهم شاعرا قال: أما من أنفسهم فأبو الشيص وابنه ودعبل وداود بن أبي رزين وأما من مواليهم فطاهر وابنه عبد الله فقال: من عسى في هؤلاء أن يسأل عن شعره سوى دعبل فقال: وأي شيء أقول في رجل لم يسلم عليه أهل بيته حتى هجاهم فجعل كل حسنة منهم بإزاء سيئة حين يقول في المطلب بن عبد الله بن مالك وهو أصدق الناس له وأقربهم منه وقد وفد إليه إلى مصر فأعطاه الجزيلة وولاه ولم يمنعه ذلك إن قال فيه:

فقال المأمون قاتله الله ما أغوصه وألطفه وأدهاه وجعل يضحك اه. يستفاد من هذا الخبر فوائد:

(1) مكانة شعر دعبل في نفس المأمون حتى جعل يسأل عنه أبا دلف.

(2) امتياز دعبل عمن ذكره أبو دلف معه من الشعراء فإذا سئل عن شعر أخي خزاعة لم يبادر إلى الذهن غيره.

(3) تجاهل أبي دلف المسؤول عنه ومدم عده دعبلا في شعراء خزاعة يدل على شيء في نفسه من دعبل ولعله قد هجاه وإلا فلم يكن يخفى عليه أنه هو المسؤول عن شعره.

(4) المأمون لم يلتفت إلى قدح أبي دلف فيه بل أعجب بغوصه على المعاني ولطفه ودهاه.

(5) إن دعبلا من خزاعة أنفسهم وأن آل طاهر من موالي خزاعة لا من أنفسهم.

(الأغاني) بسنده كان سبب سخط دعبل على المطلب أن رجلا من العلويين كان قد تحرك بطنجة فكان يبث دعاته إلى مصر وخافه المطلب فوكل بالأبواب من يمنع الغرباء دخولها فلما جاء دعبل منع فأغلظ للذي منعه فقنعه بالسوط وحبسه فمضى رزين فأخبر المطلب فأمر بإطلاقه ودعا به فخلع عليه فقال له: لا أرضى أو تقتل المتوكل بالباب فقال له: هذا لا يمكن لأنه قائد من قواد السلطان فغضب اه (أقول) طلب دعبل قتل المتوكل بالباب نوع من الجنون يبعد صدوره من دعبل والمعقول أنه طلب معاقبته فلم يعاقبه المطلب فغضب دعبل وانضاف إلى ذلك ما سبق من أمر أحمد البراج ويمكن أن يكون انضاف ما لم نطلع عليه والله أعلم ولكنه لما مات المطلب رثاه بأحسن الرثاء وأجوده.

خبره مع هاشمي يتولى ناحية الشام

الأغاني بسنده استدعى بعض بني هاشم دعبلا وهو يتولى للمعتصم ناحية من نواحي الشام فقصده إليها فلم يقع منه بحسن ظن وجفاه فكتب إليه دعبل:

خبره مع رجل من ولد الزبير بن العوام

(الأغاني) عن الحسن بن علي عن ابن مهرويه عن أبيه قدم دعبل الدينور فجرى بينه وبين رجل من ولد الزبير بن العوام كلام فاستعدى عليه الزبيري عمرو بن حميد القاضي وقال: هذا شتم صفية بنت عبد المطلب (وهي أم الزبير) واجتمع عليه الغوغاء فهرب دعبل وبعث القاضي إلى دار دعبل فوكل بها وختم بابه فوجه إليه دعبل برقعة فيها ما رأيت قط أجهل منك إلا من ولاك تحكم على خصم غائب ويقبل عقلك إني شيعي أشتم صفية بنت عبد المطلب سخنت عينك أفمن دين الشيعة شتم صفية قال ابن مهرويه قال أبي فسألني القاضي عن هذا الحديث فحدثته فقال: صدق والله دعبل في قوله لو كنت مكانك لوصلته وبررته.

أخباره مع أبي سعد المخزومي عيسى بن الوليد

كان بين دعبل وأبي سعد المخزومي عداوة ومهاجاة وكان أبو سعد شاعرا وقد روى صاحب الأغاني في سبب المهاجاة بينهما أن دعبلا ورزينا نزلا بقوم من بني مخزوم فلم يقروهما ولا أحسنوا ضيافتهما فقال فيهم دعبل:

ثم قال لرزين أجز فقال:

قال محمد بن الأشعث فكان هذا أول الأسباب في مهاجاته لأبي سعد (قال المؤلف) كان أولى بدعبل وأخيه أن يقولا كما قال الحماسي الطائي:

فلله دره إذ قسم الذين ينزل بهم إلى ثلاثة أقسام كرام مؤسرون وكرام معسرون ولثام مؤسرون أو معسرون فالقسم الأول لا بد أن يقدموا لي من الزاد ما يكفيني فلماذا أهجوهم والقسم الثاني لا يقصرون إلا عن عجز فيجب أن أعذرهم والقسم الثالث يمنعني الحياء من هجائهم. ويأتي في المناقضة بين دعبل والكميت أن دعبلا كان يتعصب للنزارية على القحطانية وأنه قال قصيدة يرد فيها على الكميت في قصيدته التي هجا بها قبائل اليمن فناقض أبو سعد دعبلا بقصيدة فكان هذا هو الذي هاج الهجاء بينهما وقال أبو سعد في دعبل:

وروى صاحب الأغاني أن أبا سعد المخزومي لما ناقض دعبلا في قصيدته التي رد فيها على الكميت وهاجاه وتطاول الشر بينهما خاف بنو مخزوم لسان دعبل وأن يعمهم بالهجاء فنفوا أبا سعد عن نسبهم وأشهدوا بذلك على أنفسهم وكتبوا عليه كتابا أنه ليس منهم فأتى أبو سعد بخاتمه إلى النقاش فنقش عليه أبو سعد العبد بن العبد بريء من بني مخزوم تهاونا بما فعلوه.

وفي الأغاني كان أبو سعد يجلس مع بني مخزوم في دار المأمون فتظلموا منه إلى المأمون وذكروا أنهم لا يعرفون له فيهم نسبا فأمرهم المأمون بنفيه فانتفوا منه وكتبوا بذلك كتابا فقال دعبل يذكر ذلك من قصيدة طويلة:

وقال فيه أيضا:

وفي الأغاني: كان سبب مناقضة دعبل أبا سعد المخزومي وما خرج إليه الأمر بينهما قول دعبل قصيدته التي هجا فيها قبائل نزار فحمي لذلك أبو سعد فهجاهم فأجابه دعبل ولج الهجاء بينهما. وفي الأغاني بسنده أن سبب وقوع الهجاء بين دعبل وأبي سعد قول دعبل في قصيدة له يفخر فيها بخزاعة ويهجو نزارا وهي التي يقول فيها:

فغضب أبو سعد وقال قصيدته التي يقول فيها لدعبل وهي مشهورة:

ثم التحم الهجاء بينهما وبسنده عن أحمد بن مروان مولى الهادي: لقيني أبو سعد المخزومي فقال: يا أحمد أنا أريد شكايتك إلى أبيك فقلت: ولم أبقاك الله قال: ما فعل دفتر النزاريات (القصائد التي قالها أبو سعد في النزاوية فيظهر أنه كان عند أحمد هذا أخذه ولم يرده لأبي سعد) قلت: هو ذا أجيئك به ومررت بدعبل فقال: ما هذا معك قلت: دفتر فيه شعر أبي سعد في النزاريات فأخذه فنظر فيه وابنه علي معه فلما نظر إلى قوله: (مالت إلى قلبك أحزانه) قال له ابنه: ما كان عليه لو قال: (عادت إلى قلبك أحزانه) فقال دعبل: صدقت والله يا بني أنت والله أشعر منه ثم صرت إلى أبي سعد فقال: من أين أقبلت قلت: من عند دعبل قال: وما دعبلت عنده فأخبرته بما قال ابنه في شعره فقال: صدق والله في أي سن هو قلت: قد بلغ.

(الأغاني) عن علي بن سليمان الأخفش عن المبرد كان أبو سعد المخزومي يستعلي على دعبل في أول أمره وكان يدخل إلى المأمون فينشده هجاء دعبل له وللخلفاء يحرضه عليه فلم يجد عند المأمون ما أراده فيه وكان يقول: الحق في يدك والباطل في يد غيرك والقول لك ممكن فقل ما يكذبه فأما القتل فإني لست أستعمله إلا فيمن عظم ذنبه.

(وبسنده) عن أبي سعد المخزومي - واسمه عيسى بن الوليد - أنشدت المأمون قصيدتي الدالية التي رددت فيها على دعبل قوله:

وأول قصيدتي:

ثم قلت له: يا أمير المؤمنين أئذن لي أن أجيئك برأسه قال: لا هذا رجل فخر علينا فافخر عليه كما فخر علينا فأما قتله بلا حجة فلا.

(وبسنده) عن محمد بن علي الطالبي: أنشدت دعبلا قول أبي سعد فيه من قصيدة:

قال محمد: فلما أنشدتها دعبلا قال: أنا أشتمه وهو يشتمني فما إدخال المعتصم بيننا وشق ذلك عليه وخافه ونقض هذه القعيدة بقصيدة أولها: (منازل الحي من عمران فالنضد) وهي طويلة مشهورة في شعره لكنه لم يذكرها.

(وبسنده) عن أحمد بن هارون دخلت على أبي سعد المخزومي يوما وهو يقول: وأي شيء ينفعني أجود الشعر فلا يروى ويرذل فيروى ويفضحني برديئه ولا أفضحه بجيدي فقلت: من تعني قال: من تراني أعني إلا دعبلا قلت فيه:

فراثه ما التفت إليها في مصرنا إلا علماء الشعر وقال هو في (يا أبا سعد قوصره) - وذكر ثلاثة أبيات فيها فحش - فوالله لقد رواه صبيان الكتاب ومارة الطريق والسفل.

(والأغاني) بسنده عن إسماعيل بن إبراهيم بن أبي ضمرة الخزاعي: سألت دعبلا أن أقرأ عليه قصيدته التي يناقض بها الكميت.

فقال لي فيها أخبار وغريب فليكن معك رجل يقرأها علي وأنت معه فاخترت صديقا لي يقال له علي من شيبان ربيعة فقال: تأتيني برجل أسمعه ما يكره في قومه فقلت له: إنه يحتمل ويحب أن يسمع ما له وما عليه فقال في مثل هذا أريحية فائتني به فقرأنا عليه القصيدة حتى انتهينا إلى قوله:

فقال دعبل: معاذ الله أن يكون هذا البيت لي ثم قال: انتقم الله منه يعني أبا سعد المخزومي دسه والله في هذا الشعر وجرد البيت بحد سكين كان معه. ثم قال: أنا أحدثكم عنه بحديث ظريف. جاءني يوما ببغداد أشد ما كان بيني وبينه من الهجاء وبين يدي صحيفة ودواة إذ دخل الغلام وقال أبو سعد المخزومي بالباب قلت: كذبت قال: بلى والله وهو به عارف وأمرته برفع الدواة والجلد وأذنت له في الدخول وجعلت أقول في نفسي: الحمد لله الذي أصلح ما بيني وبينه من هتك الأعراض وذكر القبيح وكان الابتداء منه فقمت إليه وسلمت عليه وهو ضاحك مسرور وأنا كذلك ثم قلت: أصبحت والله حاسدا لك قال: على ماذا قلت: بسبقك إياي إلى الفضل قال: أنا اليوم في دعوة عندك قلت: قل ما أحببت فطرح ثيابه ورد دابته فتغدينا ثم طلب مني أن ينشدنا غلامي هجائي فيه فقلت له: قد اصطلحنا فما حاجتك إلى هذا فقال: سألتك بالله ألا فعلت فليس يشق علي ولو كرهته لما سألته فأنشد الغلام فيه هجاء قبيحا ثم ودعني وانصرف وأمرت غلماني فخرجوا معه إلى الباب فعاد أحدهم وبيده قرطاس وقال: دفعها إلي أبو سعد المخزومي وأمرني أن أدفعها إليك فإذا فيها:

#أدخلنا داره فأطعمنا

وبعده شطر فيه فحش كالبيت الذي أنشده الغلام فقلت: هاتوا الجلد والدواة فردوهما فعدت إلى هجائه ولقيته بعد ذلك فما سلم علي ولا سلمت عليه.

خبره مع الفضل ين العباس بن الأشعث

(الأغاني) بسنده عن الحسيل بن دعبل كان أبي يختلف إلى الفضل بن العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث وهو خرجه وفهمه وأدبه فظهر له منه جفاء وبلغه أنه يعيبه وينال منه فقال يهجوه:

(وبسنده) عن الحسين بن أبي السري: غضب دعبل على أبي نصر بن محمد بن الأشعث وكان دعبل مؤدبه قديما لشيء بلغه عنه فقال يهجو أباه:

فلقيه عثعث فقال له: أي شيء كان بيني وبينك حتى ضربت بي المثل في خسة الآباء فضحك وقال: لا شيء والله إلا اتفاق اسمك واسم ابن الأشعث في القافية أو لا ترضى أن أجعل أباك وهو أسود خيرا من آباء الأشعث بن قيس اه وهذا جرته القافية.

ما وقع بينه وبين مسلم بن الوليد

قال ابن خلكان كان بين دعبل ومسلم بن الوليد اتحاد كثير وعليه تخرج دعبل في الشعر فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان أو فارس وهي جرجان ولاه إياها الفضل بن سهل فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما فلم يلتفت مسلم إليه ففارقه وعمل (غششت الهوى حتى تداعت أصوله) الأبيات الآتية:

وفي الأغاني بسنده عن الفتح غلام أبي تمام قال: حدثني مولاي أبو تمام قال: ما زال دعبل مائلا إلى مسلم بن الوليد مقرا بأستاذيته حتى ورد عليه جرجان فجفاه مسلم وكان فيه بخل فهجره دعبل وكتب إليه:

ويروى وحملت قلبي فقدها ثم تهاجرا فما التقيا بعد ذلك اه.

خبره مع إبراهيم بن العباس

في تاريخ دمشق قال لإبراهيم بن العباس (وكأنه الصولي) أريد أن أصحبك إلى خراسان فقال له إبراهيم: حبذا أنت صاحبا مصحوبا إن كنا على شريطة بشار فقال له: وما شريطته فقال قوله:

قال ذلك ومزية فاصطحبا.

خبره مع علي بن عيسى الأشعري

في تاريخ دمشق عن عبد الله بن طاهر أن دعبلا قال في علي بن عيسى الأشعري يمدحه:

ثم قال يهجوه:

هكذا جاء في تاريخ دمشق المطبوع فنسبه أولا الأشعري ثم قوله: أخزاعة يدل على إنه خزاعي والأشعرون ليسوا من خزاعة فيوشك أن يكون وقع سقط في البيت والله أعلم.

بعض أخباره

وفي تاريخ دمشق قال دعبل: كنت بالثغر فنودي بالنفير فخرجت مع الناس فإذا أنا بفتى يجر رمحه بين يدي فالتفت فنظر إلي فقال لي: أنت دعبل قلت: نعم قال: اسمع مني بيتين فأنشدني:

ثم قال: كيف ترى قلت: جيد قال: والله ما خرجت إلا هاربا من الحب فلما إلتقينا كان أول قتيل قال ابن يونس قدم دعبل مصر هاربا من المعتصم لهجوه إياه وخرج منها إلى المغرب إلى بني الأغلب وكان يجالس بمصر جماعة من أهل الأدب وكان خبيث اللسان قبيح الهجو.

خبره مع بني مكلم الذئب من خزاعة

(الأغاني) بسنده فخر قوم من خزاعة على دعبل يقال لهم بنو مكلم الذئب كان جدهم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه أن الذئب أخذ من غنمه شاة فتبعه فلما غشيه بالسيف قال له: ما لي ومالك تمنعني رزق الله فقلت: يا عجبا الذئب يتكلم فقال: أعجب مني أن محمدا نبي قد بعث بين أظهركم وأنتم لا تتبعونه فبنوه يفخرون بتكليم الذئب جدهم فقال دعبل فيهم:

وزاد فيها ابن عساكر:

(السنيدي) كأنه تصغير السندي وهو الفيال والفيل من أفهم الحيوانات وأقبلها للتعليم وإذا كان السنيدي يكلم الفيل فيفهم ما يأمره به لا ينفي ذلك فصيلة تكليم الذئب أباهم إلا على وجه شعري سوفسطائي نعم يمكن أن يقول قائل: إن ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لا فضيلة لأبيهم فيجلب بأن جريان ذلك على يد أبيهم إذا مع نوع فضيلة له.

خبره مع أعرابي

ومن أخباره في تاريخ بغداد عن أحمد بن القاسم المار ذكره كان دعبل بن علي يجيء إلى علوي كان بالقرب منا قد سماه وكان ينشده واسمع منه. وبسنده عن إسحاق بن محمد بن أبان كنت قاعدا مع دعبل بن علي بالبصرة وعلى رأسه غلام يقال له نفنف فمر به إعرابي يرفل في ثياب خز فقال لغلامه: ادع هذا الأعرابي إلينا فأومأ الغلام إليه فجاء فقال له دعبل: ممن الرجل قال: من بني كلاب قال: من أيهم قال: من ولد أبي بكر قال: أتعرف الذي يقول:

يعني بني تميم وهم أعدى الناس لليمن. قال أبو يعقوب: هذا الشعر لدعبل في عمرو بن عاصم الكلابي فقال له الأعرابي: ممن أنت فكره أن يقول من خزاعة فيهجوه فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر:

وهذا الشعر أيضا له فوثب الأعرابي وهو يقول محمد وجبريل والقرآن والسورات ما إلى هؤلاء مرتقى. ما إلى هؤلاء مرتقى.

من أخباره

الأغاني بسنده كان دعبل قد جني جناية بالكوفة وهو غلام فأخذه العلاء بن منظور الأسدي وكان على شرطة الكوفة من قبل موسى بن عيسى فحبسه فكلمه فيه عمه سليمان بن رزين فقال: اضربه لعله يتأدب فضربه ثلثمائة سوط فخرج من الكوفة فلم يدخلها بعد ذلك إلا عزيزا.

(وبسنده) كان دعبل يغيب سنين ويرجح وقد أفاد وأثرى وكانت الشراة والصعاليك يلقونه فلا يؤذونه ويواكلونه ويشاربونه ويبرونه وكان إذا لقيهم وضع طعامه ودعاهم إليه فكانوا قد عرفوه وألفوه لكثرة أسفاره وكانوا يواصلونه ويصلونه قال أحمد بن كامل: أنشدني دعبل لنفسه في بعض أسفاره:

ومرت عند الكلام على شاعريته أبيات عينية قالها في بعض غيباته.

(وبسنده) دخل دعبل الري في أسام الربيع فجاءهم ثلج لم يروا مثله في الشتاء فقال شاعر منهم أبياتا وكتبها في رقعة وألقاها في دهليز دعبل وهي:

فلما قرأها ارتحل عن الري.

ما روي من طريقه

أخرج في تاريخ دمشق عنه عن مالك بن أنس عن أبي الزبير جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم الإدام الخل وبسنده عنه سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يحدث هارون الرشيد مسندا عن أبي هريرة: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه حتى قبضه الله إليه وروى دعبل بسنده إلى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة }: قال في القبر إذا سئل المؤمن.

طرائفه

(الأغاني) بسنده: أنشد رجل دعبل بن علي شعرا له ساقطا فجعل يعيبه وينبهه على خطئه فيه بيتا بيتا إلى أن مر له بيت جيد فقال دعبل: أحسنت أحسنت ما شئت فقال: يا أبا علي أتقول لي هذا بعد ما مضى فقال: يا حبيبي لو أن رجلا أسمع سبعين مرة ما كان بمنكر أن يكون فيها دستنبوبة واحدة.

بعض ما حكاه من الطرائف

(الأغاني) بسنده عن دعبل دخلت على أبي الحارث جمين وقد فلج وكان صديقي لأعوده فقلت: ما هذا قال: أخذت من شعرات ودخلت الحمام فغلط بي الفالج وظن أني قد احتجمت فقلت له: لو تركت خفة الروح والمجون في موضع لتركتهما في هذا الموضع.

(معاهد التنصيص) قال دعبل: كنا يوما عند سهل بن هارون الكاتب البليغ وكان شديد البخل فأطلنا ألحديث واضطره الجوع إلى أن دعا بغداء له فأتي بقصعة فيها ديك جاس هرم لا تخرقه سكين ولا يؤثر فيه ضرس فأخذ كسرة خبز فخاض بها مرقته وقلب جميع ما في القصعة ففقد الرأس فبقي مطرقا ساعة ثم رفع رأسه وقال للطباخ: أين الرأس فقال: رميت به فقال: ولم؟ قال: ظننتك لا تأكله قال: بئسما ظننت والله إني لأمقت من يرمي برجليه فكيف من يرمي برأسه والرأس رئيس وفيه الحواس ألأربع ومنه يصيح ولولا صوته لما فضل وفيه فرقه الذي يتبرك به وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل فيقال: شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكليتين ولم ير عظم قط أهش من عظم رأسه أو ما علمت أنه خير من طرف الجناح ومن الساق ومن العنق فإن كان قد بلغ من نبلك إنك لا تأكله فانظر أين هو قال: لا أدري والله أين هو رميت به قال: لكني أدري أين هو رميت به في بطنك فالله حسيبك.

مشايخه

في تاريخ دمشق حدث عن المأمون ومالك بن أنس ويقال: إنه حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وسالم بن نوح ومحمد بن عمر الواقدي وجماعة سواهم اه ومن مشايخه في الأدب مسلم بن الوليد تخرج به وتعلم منه وفي لسان الميزان له رواية عن مالك وشريك والواقدي والمأمون وعلي بن موسى الرضا ويقال: إن له رواية عن شعبة والثوري.

تلاميذه

في تاريخ دمشق روى عنه أحمد بن أبي دؤاد ومحمد بن موسى الترمذي وأخوه إسماعيل اه ومر أن أحمد بن القاسم روى عه تصيدته التائية وفي الأغاني أنه خرج الفضل بن العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث وفهمه وأدبه ولعله هو أبو نصر بن جعفر بن محمد بن الأشعث الذي قال صاحب الأغاني أيضا أن دعبلا كان مؤدبه قديما. مر في لسان الميزان روى عنه أخوه علي بن علي ولم يذكر رواية أخيه إسماعيل عنه وقد مر عن النجاشي أنه يروي عنه موسى بن حماد اليزيدي. وعن جامع الرواة أنه نقل رواية علي بن الحكم عنه في باب مولد أبي جعفر الثاني عليه السلام من الكافي.

مؤلفاته

(1) كتاب طبقات الشعراء.

(2) كتاب الواحد في مثالب العرب ومناقبها ذكرهما النجاشي.

(3) ديوان شعره.

شعره

له شعر كثير مجموع في ديوان وقد كان هذا الديوان مشهورا في العصر السابق لكنه اليوم مفقود كما فقد غيره من نفائس الدواوين الشعرية مثل ديوان السيد الحميري وغيره ويدل على كثرة شعره ما حكي في الأغاني عن هاشم بن محمد الخزاعي عن الجاحظ عن دعبل: مكثت نحو ستين سنة ليس من يوم ذر شارقه إلا وأنا أقول فيه شعرا وقد نظم في جميع فنون الشعر ومر جملة من شعره في مطاوي ما سبق ونورد هنا بقية ما عثرنا عليه من مقطعاته كلا في بابه.

المديح

نبدأ منه بالتائية المشهورة في أهل البيت لطول الكلام عليها ونستوفي كل ما يتعلق بها من الروايات وأقوال العلماء فيها واستنشاد المأمون إياها وتطلعه إلى سماعها وما قاله الرضا عليه السلام حين أنشده دعبل إياها وما جرى لأهل قم مع دعبل في أمر الخلعة التي خلعها عليه وما جرى له مع لصوص الأكراد وغير ذلك مما يرتبط به.

الكلام على قصيدته التائية في أهل البيت عليهم السلام.

شهرتها

بلغت هذه القصيدة في الشهرة إلى حد أنه لم يبق مؤرخ ولا رجالي إلا وذكرها أو أشار إليها أو ذكر أبياتا منها وأشار إليها الشعراء في أشعارهم قال الشيخ عبد الحسين الأعسم من قصيدة مخاطبا عليا أمير المؤمنين عليه السلام:

وفي لسان الميزان: له القصيدة المشهورة المطولة في أهل البيت التي أولها:

وفي الأغاني قصيدته (مدارس آيات خلت من تلاوة) من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في أهل البيت عليهم السلام وكتبها فيما يقال على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في أكفانه. وفي معجم الأدباء قصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدائح اه وبلغ من شهرتها أن يحفظها لصوص الأكراد وينشدوها ويتمثلوا بها وتكون سببا في نجاة دعبل وأصحابه منهم ورد مسلوباتهم إليهم كما يأتي ومر قول المأمون قد رويتها الدال على أنها شاعت حتى رواها المأمون.

استنشاد المأمون إياها واهتمامه بها

مر في أخباره مع المأمون أنه استنشده هذه القصيدة فجزع فأمنه وقال: قد رويتها ولكني أحب سماعها من فيك وأنه أنشده إياها كلها والمأمون يبكي حتى اخضلت لحيته بدمعه.

وفي تاريخ دمشق أن المأمون لما ثبت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه أقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل:

فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل فقال له: أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها فأنا أعرفها وقد رويتها إلا إني أحب أن أسمعها من فيك فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع:

فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته وجرت دموعه على نحره وكان دعبل أول داخل وآخر خارج من عنده ولم يشعر بأسى منه اه.

إنشادها الرضا ثم المأمون بحضرة الرضا عليه السلام

وأخذه الجائزة من المأمون والرضا والفضل بن سهل

وخبره مع اللصوص الأكراد والقميين في أمر الجبة

ذكر جماعة أنه أنشدها الرضا عليه السلام بمرو. وفي النبذة المختارة للمرزباني المتقدم إليها الإشارة: قال دعبل: لما قلت مدارس آيات نذرت أن لا أسمعها أحدا قبل الرضا عليه السلام فسرت إليه وكان ولي عهد المأمون بخراسان فلما وصلت إليه أنشدته إياها فاستحسنها وقال: لا تنشدها أحدا حتى آمرك واتصل خبري بالمأمون فأحضرني وأمرني بإنشادها فقلت: لا أعرفها فقال: يا غلام سل ابن عمي الرضا أن يحضر فلما حضر قال له: يا أبا الحسن قلت لدعبل ينشدني مدارس آيات فذكر أنه لا يعرفها فالتفت إلي الرضا عليه السلام وقال: أنشدها فاندفعت أنشد ولم ينكر علي المأمون إلى أن بلغت إلى قولي:

فقال: والله لا نحلنها ثم تممتها وأمر لي بخمسين ألف درهم وأمر لي الرضا عليه السلام بمثلها فقلت: يا سيدي أريد أن تهب لي ثوبا يلي بدنك أتبرك به وأجعله كفنا فوهب لي قميصا ابتدله ومنشفة وقيل ومبطنة ووصلني الفضل بن سهل وحملني على برذون أصفر وكنت أسايره في يوم مطير وعليه ممطر خزسوسي وبرنس منه فأمر لي به ودعا بغيره وقال: إنما آثرتك بذاك لأنه خير الممطرين فأعطيت به ثمانين دينارا فلم تطب نفسي ببيعه وقضيت حوائجي وكررت إلى العراق فلما صرت ببعض الطريق خرج علينا أكراد يعرفون بالشاذنجان فسلبوني وسلبوا القافلة وكان ذلك في يوم مطير فاعتزلت في قميص خلق قد بقي علي وكبر أسفي على الثوب والمنشفة التي وهبها لي الرضا عليه السلام وجعلت أحدث نفسي إنني أسألهم إياها فبينا أنا في غمرة الفكر إذ مر بي أحد الأكراد وتحته البرذون الأصفر الذي حملني عليه ابن سهل وعليه الممطر فوقف بالقرب مني فلما رأى نهاب القافلة أنشد:

ثم بكى توجعا لأهل البيت عليهم السلام واستمر في إنشاد القصيدة وهو يبكي فلما رأيت ذلك عجبت من لص كردي يتشيع وطمعت في القميص والمنشفة فدنوت منه فقلت: يا سيدي لمن هذا الشعر فقال: ما أنت وذاك ويلك قلت: لي فيه سبب أخبرك به قال: هذه القصيدة صاحبها أشهر من أن يجهل قلت فمن هو قال: دعبل شاعر آل محمد صلوات الله عليهم وجزاه خيرا قلت: فأنا والله دعبل وهذه قصيدتي فقال: أتدري ما تقول قلت: الأمر أشهر من ذلك سل من أحببت من أهل القافلة يخبرك بصحة قولي قال: إذا والله لا يذهب لأحد من القافلة خلال فما فوقه والحمد لله الذي أقدرني على قضاء حقك يا شاعر آل محمد ثم نادى في الناس من أخذ شيئا فليرده على صاحبه فرد علي وعلى الناس جميع أموالهم حتى لم يضع لأحد منا عقال فلما وصلت قم أعطيت بالمبطنة ألف دينار فقلت: لا والله ولا خرقة منها فلما خرجت منها وقف لي بعض أحداث قم فقطعوا علي الطريق وأخذوا المبطنة فعدت إلى قم وناشدتهم بصاحب المبطنة فاعترفوا لي بها وقالوا: لم نفعل هذا إلا رغبة في التبرك بها وما كنا نطوي عنك علم ما فعلنا فخذ الألف دينار وأعطنا أي القشرين شئت فاخترت البطانة لقربها من جسمه صلى الله عليه وأعطوني ألف دينار ثمن الظهارة اه.

وفي الأغاني قصد دعبل بهذه القصيدة أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم من الدراهم المضروبة باسمه وخلع عليه خلعة من ثيابه فأعطاه بها أهل قم ثلاثين ألف درهم فلم يبعها فقطعوا عليه الطريق فأخذوها فقال لهم: إنها إنما تراد لله عز وجل وهي محرمة عليكم فدفعوا له ثلاثين ألف درهم فحلف أن لا يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في كفنه فأعطوه فرد كم فكان في أكفانه وفي رجال الكشي. قال أبو عمرو (الكشي) بلغني أن دعبل بن علي وفد على أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فلما دخل عليه قال: إني قد قلت قصيدة وجعلت في نفسي أن لا أنشدها أحدا أولى منك فقال: هاتها فأنشد قصيدته التي يقول فيها:

فلما فرغ من إنشادها قام أبو الحسن عليه السلام ودخل منزله وبعث إليه بخرقة فيها ستمائة دينار وقال للجارية قولي له يقول لك مولاي استعن بهذه على سفرك واعذرنا فقال دعبل: لا والله ما هذا أردت ولا له خرجت ولكن قولي له هب لي ثوبا من ثيابك فردها عليه أبو الحسن (ح) وقال له: خذها وبعث إليه بجبة من ثيابه فخرج دعبل حتى ورد قما فنظروا إلى الجبة فأعطوه بها ألف دينار فأبى عليهم وقال: لا والله ولا خرقة منها بألف دينار ثم خرج من قم فاتبعوه وقد جمعوا عليه وأخذوا الجبة فرجع إلى قم وكلمهم فيها فقالوا: ليس إليها سبيل ولكن إن شئت فهذه ألف دينار وخرقة منها. وروى الصدوق في العيون في هذا الخبر بوجه أبسط فروى بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: دخل دعبل بن علي الخزاعي على أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع ) بمرو فقال: يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحدا قبلك فقال: (مدارس آيات) البيت فلما بلغ إلى قوله: (أرى فيأهم) البيت بكى أبو الحسن وقال: صدقت يا خزاعي فما بلغ إلى قوله:

جعل أبو الحسن يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات فلما بلغ إلى قوله:

قال الرضا عليه السلام: آمنك الله يوم الفزع الأكبر فلما وصل إلى قوله:

قال الرضا عليه السلام: أفلا ألحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك قال: بلى فقال عليه السلام:

ثم نهض الرضا عليه السلام بعد فراغ دعبل من إنشاد القصيدة وأمره أن لا يبرح من موضعه فدخل الدار ثم خرج الخادم إليه بمائة دينار رضوية فقال له: يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك فقال دعبل: والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعا في شيء يصل إلي ورد الصرة وسأل ثوبا من ثياب الرضا عليه السلام ليتبرك ويتشرف به فأنفذ إليه الرضا جبة خز مع الصرة وقال له الخادم: خذ هذه الصرة فأنت ستحتاج إليها ولا تراجعني فيها فأخذ الصرة والجبة وسار من مرو في قافلة فلما بلغ ميات قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا القافلة بأسرها وكتفوا أهلها ومعهم دعبل وجعلوا يقتسمون السلب فتمثل أحدهم بقول دعبل: (أرى فيأهم) البيت فقال له دعبل: لمن هذا البيت قال لرجل من خزاعة اسمه دعبل فقال: أنا قائل هذه القصيدة التي منها هذا البيت فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي على رأس تل وكان من الشيعة فأخبره فجاء وأطلق دعبلا ومن معه واستنشده القصيدة فأنشدها ورد عليهم ما أخذ منهم كرامة لدعبل وسار دعبل حتى أتى قم فسألوه أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في المسجد الجامع فاجتمعوا وصعد المنبر فأنشدهم القصيدة فوصلوه من المال والخلع بشيء كثير واتصل بهم خبر الجبة فجرى له معهم ما مر عن الكشي وانصرف دعبل إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله فباعه بمائة دينار التي كان وصله بها الرضا من الشيعة كل دينار بمائة درهم (وإنما قيمته عشرة دراهم) فذكر قول الرضا عليه السلام إنك ستحتاج إليها اه.

وفي الأغاني بسنده عن موسى بن عيسى المرزوي وكان منزله بالكوفة: سمعت دعبل بن علي وأنا صبي يتحدث في مسجد المروزية قال: دخلت على علي بن موسى الرضا عليهما السلام فقال لي: أنشدني شيئا مما أحدثت فأنشدته:

حتى انتهيت إلى قولي:

فبكى حتى أغمي عليه وأومأ إلي خادم كان على رأسه أن اسكت فسكت ساعة ثم قال لي: أعد فأعدت حتى انتهيت إلى هذا البيت أيضا فأصابه مثل ما أصابه في المرة الأولى وأومأ الخادم إلي أن اسكت فسكت فمكثت ساعة أخرى ثم قال لي: أعد فأعدت حتى انتهيت إلى آخرها فقال لي: أحسنت ثلاث مرات ثم أمر لي بعشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه ولم تكن وقعت إلى أحد وأمر لي من في منزله بحلي كثير أخرجه إلي الخادم فقدمت العراق فبعت كل درهم منها بعشرة دراهم اشتراها مني الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أول مال استفدته. قال أبو الفرج وحدثني حذيفة بن محمد أن دعبلا قال له: إنه استوهب من الرضا عليه السلام ثوبا قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبة كانت عليه فأعطاه إياها وبلغ أهل قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إياها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصبا وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال فافعل وإلا فأنت أعلم فقال لهم: إني والله لا أعطيكم إياها طوعا ولا تنفعكم غصبا وأشكوكم إلى الرضا عليه السلام فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين الألف الدرهم وفرد كم من بطانتها فرضي بذلك اه.

وقد وقع بعض الاختلاف بين هذه الروايات ففي رواية المرزباني إن جائزة الرضا كانت خمسين ألف درهم وفي رواية الأغاني إنها كانت عشرة آلاف درهم مما ضرب باسمه وفي رواية الكشي إنها ستمائة دينار ولم يقيد بالرضوية وفي رواية العيون إنها مائة دينار رضوية ويمكن الجمع بتفاوت الدراهم في ذلك العصر وأن الرضوية كانت تزيد عن أعلى الدراهم المتعارفة وأما الاختلاف في التعبير بين الدراهم والدنانير فبأن أحدهما يؤول إلى الآخر وأن الستمائة دينار لم تكن رضوية والمائة دينار كانت رضوية كل واحد منها مقابل ستة والمبطنة والجبة لعل معناها واحد. وفي خبر المرزباني والكشي إنهم أعطوه بالمبطنة ألف دينار وفي رواية الأغاني أنهم أعطوه بالخلعة ثلاثين ألف درهم ويمكن الجمع بأن الدنانير الرضوية يعادل الواحد منها ثلاثة من غيرها والدينار المتعارف يعادل عشرة دراهم وفي بعضها إنهم أعطوه البطانة وأخذوا الظهارة وفي بعضها إنهم أعطوه كما منها وفي بعضها خرقة ويمكن الجمع بأنه صارت المقاولة أولا على شيء من ذلك ثم اتفقوا على غيره أما التعبير بأن أهل قم قطعوا عليه الطريق فالمراد به بعضهم وهم الأحداث كما صرح به في الخبر الآخر وإلا فأهل قم معدن التقوى في كل عصر وفيهم العلماء ورواة الأخبار فلم يكونوا ليستحلوا أخذ الجبة من دعبل قهرا ليتبركوا بها وأهل قم بحبهم لأهل البيت عليهم السلام وتهالكهم في محبة الإمام الرضا عليه السلام والتبرك بآثاره دفعوا في جبة لعلها لا تساوي مائة درهم ثلاثين ألفه درهم. ولما أبى دعبل أن يبيعها أخذها منه الأحداث قهرا شاء أو أبى إذ كيف تفوتهم بركة هذه الجبة وقد مرت ببلدهم ويذهب بها دعبل ولا يرضى ببيعها وقد دفعوا له أضعاف قيمتها إذا فدعبل مستحق لأن تؤخذ منه قهرا ويتركها مرغما وأراد دعبل أن يقنعهم بأنهم إنما يريدونها للبركة والبركة لا تحصل مع أخذها قهرا لأنه مرغم فلم ينفع فيهم ذلك وأصروا على أنه إما أن يرضى بثلاثين ألف درهم أو لا سبيل إلى إرجاعها إليه فلما رأى دعبل ذلك ذكر وجها جامعا للصلح وهو أخذه الدراهم وقطعة منها فهي إنما تراد للبركة لا للبس فقبلوا وانتهى الأمر فلله دركم يا أهل قم يا أهل الإيمان وأهل الحب الخالص لأهل البيت عليهم السلام والله أنتم يا شبان قم وأهل الفتوة فيها بما فعلتم وإن كان أوله غصبا محرما ولا بد أن يكون الباري تعالى غفر لكم ما فرض بخلوص نيتكم. هذا ما كان من أهل قم في شأن الجبة.

أما رئيس هؤلاء اللصوص التقي الورع الذي كان يصلي عل رأس التل وأصحابه يقتسمون المسلوبات فبماذا كان يناجي ربه في صلاته ويتضرع إليه أكان يقول له: يا رب استرنا بسترك ولا تطلع أحدا علينا لنفوز بما سلبناه أم كان يقول: يا رب اغفر لنا ذنبنا الذي اقترفناه فيجيبه الله تعالى لا مغفرة لكم إلا برد المسلوبات لأهلها وهل قرأ في صلاته مع الفاتحة وما جزاء الذين يسعون في الأرض فسادا إلا أن يقتلوا أو يسلبوا الآية لا شك أنه كان يقرأ غيرها ولو قرأها لرد المسلوب إلى أهله. وتذكرنا هذه القصة بما حكاه لي بعض الإيرانيين حين تشرفي بزيارة الإمام الرضا عليه السلام عام 1353 قال: خرج اللصوص الأكراد على قافلة فسلبوها وفي جملة المسلوبات قرآن شريف فلحق الذي أخذه صاحب القرآن وطلب منه أن يجعله في حل منه لأنه يريد أن يعلم ولده القراءة فيه فجعله في حل لخوفه منه.

شرح القصيدة واختلاف نسخها

على هذه القصيدة شرح للشيخ كمال الدين محمد بن معين محمد القنوي الفارسي مطبوع فرغ من تأليفه سنة 1103.

وفي معجم الأدباء نسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن إنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة. (وأقول) لعل اختلاف نسخها لأن بعضهم لطولها أورد بعضها وترك البعض ونفسها واحد لا تفاوت فيه فالظن بأن الزيادات مصنوعة لا شاهد له ولعل ظنه بأن الزيادة مصنوعة لأن فيها ما لم تألفه نفسه وأورد منها خمسة وأربعين بيتا أولها: قوله مدارس آيات وقالوا: إن ذلك ما صح منها وهذه هي القصيدة التائية المنوه عنها بتمامها:

***

فقال الرضا عليه السلام: أفلا ألحقت لك بيتين بهذا الموضع بهما تمام قصيدتك فقال: بلى يا ابن رسول الله فقال الرضا عليه السلام:

فقال دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر من؟ قال الرضا عليه السلام: هو قبري والحق مجهول بهما هذا البيت:

***

وفي تاريخ دمشق من شعره قوله في أهل البيت عليهم السلام:

وهي قصيدة أورد منها ابن عساكر في تاريخ دمشق هذه الأبيات الأربعة وترك الباقي ثم قال: ولما تليت هذه القصيدة عند المأمون قال: لله دره ما أغرمه وأنصفه وأوصفه. وفي الأغاني بسنده دخل عبد الله بن طاهر على المأمون فقال له: أي شيء تحفظ لدعبل قال: احفظ أبياتا له في أهل بيت أمير المؤمنين فأنشده (سقيا ورعيا لأيام الصبابات) الأبيات المتقدمة فقال المأمون: إند قد وجد والله مقالا فقال ونال ببعد ذكرهم ما لا يناله في وصف غيرهم اه. وظاهر تاريخ دمشق إنها في الطالبيين ويحتمل أن يريد بني هاشم وظاهر الأغاني إنها في العباسيين ويحتمل إرادة الطالبيين.

وله في مدح أهل البيت من قصيدة كما في لسان الميزان:

وله:

الهجاء

مر جملة منه في تضاعيف أخباره وأقوال المترجمين فيه كما مر أن هجاءه مقذع ولسانه في الهجاء لا يطاق.

في الأغاني عن الأخفش عن المبرد: بلغ إسماعيل بن جعفر بن سليمان أن دعبلا هجاه فتوعده بالمكروه وشتمه وكان واليا على الأهواز فهرب من زيد بن موسى بن جعفر لما ظهر وبيض في أيام أبي السرايا فقال دعبل يعير إسماعيل بذلك:

(الأغاني) بسنده كان عمير الكاتب أقبح الناس وجها فلقي دعبلا يوما بكرة وقد خرج لحاجة له فتطير منه دعبل وقال فيه:

هجاؤه دينارا ويحيى ابني عبد الله

(الأغاني) بسنده كان دعبل قد مدح دينار بن عبد الله وأخاه يحيى فلم يرض ما فعلاه فقال يهجوهما:

هجاؤه لهما وللحسن بن سهل

والحسن بن وجاء وأخيه وأبيه

وفي تاريخ دمشق إنه هجا بهذه الأبيات الحسن بن رجاء وابني هشام ودينار بن عبد الله ويحيى بن أكثم وكانوا ينزلون المخرم ببغداد فقال فيهم يهجوهم كلهم وذكر بدل وابني رجاء وابني هشام.

وقال أيضا في يحيى بن أكثم كما في تاريخ دمشق:

هجاؤه أحمد بن أبي دؤاد

الأغاني كان أحمد بن أبي دؤاد يطعن على دعبل بحضرة المأمون والمعتصم ويسبه تقربا إليهما لهجاء دعبل إياهما فتزوج ابن أبي دؤاد امرأتين من بني عجل في سنة واحدة فقال دعبل يهجوه:

فلقيه فزارة العكلي فقال له: يا أبا علي ما حملك على ذكري حتى فضحتني وأنا صديقك قال: يا أخي والله ما اعتمدتك بمكروه ولكن كذا جاءني الشعر لبلاء صبه الله عز وجل عليك لم أعتمدك به اه. وهذا يدل على أن شعر دعبل ينتشر بين الناس بسرعة فلذلك عد فزارة ذكره في شعره الهجائي فضيحة له.

وفي تاريخ دمشق قال في ابن أبي دؤاد وقد تزوج في بني عجل:

قال وعتب عليه فقال فيه:

هجاؤه محمد بن عبد الملك الزيات

(الأغاني) بسنده كان دعبل قد مدح محمد بن عبد الملك الزيات فأنشده ما قال فيه وفي يده طومار قد جعله على فمه كالمتكئ عليه وهو جالس فلما فرغ أمر له بشيء لم يرضه فقال:

هجاؤه مالك بن طوق

(الأغاني) بسنده قصد دعبل مالك بن طوق ومدحه فلم يرض ثوابه فخرج عنه وقال فيه:

فبعث مالك إليه من قتله كما مر في صدر الترجمة (وبسنده) هجا دعبل مالك بن طوق فقال:

فبلغت الأبيات مالكا فطلبه فهرب وأتى البصرة فبعث إليه مالك من ضرب ظهر قدمه بعكاز لهازج مسموم فمات كما مر في صدر الترجمة.

هجاؤه صالح بن عطية الأضجم

(الأغاني) بسنده: عرضت لدعبل حاجة إلى صالح بن عطية الأضجم فقصر عنها ولم يبلغ ما أحبه دعبل فيها فقال يهجوه:

(وبعده بيت تركناه) فتحمل عليه صالح بجماعة من إخوانه حتى كف عنه وعرض عليه قضاء الحاجة فأباها وقال فيه أيضا وخاطب فيها المعتصم:

هجاؤه رجلين من أهل حمص

يقال لأحدهما أشعث وللآخر الصناع.

في (الأغاني) بسنده: نزل دعبل بحمص على قوم من أهلها فبروه ووصلوه سوى رجلين منهم يقال لأحدهما أشعث وللآخر الصاع فارتحل من حمص وقال فيهما يهجوهما (ويمدح آل عيسى):

#إذا نزل الغريبه بأرض حمص رأيت عليه عز الامتناع

ثم ذكر بيتا في هجاء أشعث وأبي الصناع نزهنا كتابنا عن ذكره وبعده:

هجاؤه نصر بن بسام

(الأغاني) بسنده: سأل دعبل نصر بن منصور بن بسام حاجة فلم يقضها بشغل عرض له فقال يهجو بني بسام:

هجاؤه جارية عبثت به

(الأغاني) بسنده عن أبي خالد الأسلمي الكوفي: اجتمعت مع دعبل في منزل بعض أصحابنا وعنده جارية صفراء فوقع لها العبث بدعبل فنهيناها عنه فما انتهت فقال: اسمعوا ما قلت في هذه الفاجرة فقلنا: قد نهيناها عنك فلم تنته فقال:

#أشبه شيء استها بخدها

فجلست الجارية تبكي واشتهرت الأبيات فما انتفعت بنفسها بعد ذلك اه. والأبيات تدل على أن الجارية كانت سوداء والراوي يقول إنها صفراء فليلاحظ.

هجاؤه أخاه وزوجته

وقال في أخيه رزين بن علي الخزاعي يهجوه كما في تاريخ دمشق:

وهجا امرأته فقال كما في تاريخ دمشق:

وبعدها ثلاثة أبيات اكتفينا عنها بما ذكر فلا تفاوت بينها وقال في جاريته غربال:

في أبيات ثلاثة أخر اكتفينا عنها بما ذكر فكلها من واد واحد. وله في الزطاطي:

وله فيمن استشفع به في حاجة فاحتاج إلى شفيع يشفع له:

وله في الجار:

وله أيضا:

وقال في الهجو أيضا كما في تاريخ دمشق:

وقال أيضا:

وقال أيضا:

المناقضة والمهاجاة بينه وبين الشعراء

ناقض دعبل الكميت وأبا تمام والثلاثة من مشاهير الشيعة السابقين في التشيع وكان أبو تمام صديق علي بن الجهم المغالي في نصبه وهذا من الغريب.

مناقضته مع الكميت

في الأغاني كان دعبل شديد التعصب على النزارية للقحطانية وقال قصيدة يرد فيها على الكميت بن زيد ويناقضه في قصيدته المذهبة التي هجا بها قبائل اليمن (ألا حييت عنا يا مرينا) وفي موضع آخر من الأغاني يا ردينا وفي مروج الذهب: يا مدينا فرأى النبي صلى الله عليه وسلم (وآله) في النوم فنهاه عن ذكر الكميت بسوء وناقضه أبو سعد المخزومي في قصيدته وهاجاه كما يأتي في خبره مع أبي سعد.

وفي الأغاني أيضا بسنده عن القاسم بن مهرويه لم يزل دعبل عند الناس جليل المقدر حتى رد على الكميت بن زيد (ألا حييت عنا يا مرينا) وذلك بعد موت الكميت فكان ذلك مما وضعه اه.

وقصيدة الكميت أورد منها المسعودي في مروج الذهب هذه الأبيات وفيها تعريض باليمن فيما كان من أمر الحبشة وغيرهم فيها:

أورد من قصيدة دعبل التي يرد فيها على الكميت هذه الأبيات وهي طويلة وفيها تعريض بما كان من مسخ مسخوا قردة وخنازير.

وقال ابن أبي عيينة أيضا قصيدة يهجو بها نزارا فأمر إسحاق بن العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب وكان واليا على البصرة شاعرا يقال له الحسن بن زيد ويكنى أبا الذلفاء فنقض قصيدتي دعبل وابن أبي عيينة بقصيدة أولها:

ذكر ذلك أبو الفرج في الأغاني.

المهاجاة بينه وبين أبي تمام

في الأغاني بسنده: مدح دعبل أبا نضير بن حميد الطوسي فقصر في أمره فقال فيه دعبل:

فشكا أبو نضير إلى أبي تمام الطائي واستعان به عليه (والعلاقة بين بني حميد وأبي تمام وثيقة فهو مادحهم أحياء وأمواتا مع علاقة النسب ولا أنجع من تسليط شاعر على شاعر) فقال أبو تمام يجيب دعبلا عن قوله ويهجوه ويتوعده:

قال العنزي: يقول إنك تزاحم خزاعة تدعي إنك منهم ولا يقبلونك اه. ومر في ترجمة أبي تمام أنه كان صديق ابن الجهم وأن دعبلا كان منافرا للكميت وإن ذلك مما يتعجب منه والثلاثة عريقون في التشيع وابن الجهم عريق في النصب.

تاريخ دمشق بلغ دعبلا أن أبا تمام قد هجاه عند قوله قصيدته التي رد فيها على الكميت فقال أبو تمام:

فقال دعبل:

ولكن صاحب الأغاني قال: إن هذه الأبيات له في الخاركي فذكرها مع بعض التغيير كما يأتي.

المهاجاة بينه وبين الخاركي النصري

في الأغاني بسنده عن محمد بن أحمد بن أيوب: تعرض الخاركي النصري وهو رجل من الأزد لدعبل بن علي فهجاه وسبه فقال فيه دعبل:

العتاب

في تاريخ بغداد بسنده أهدى بعض العمال إلى دعبل بن علي برذونا فوجده رديئا فرده وكتب إليه:

وفي الأغاني بسنده عن دعبل مدحت عبد الرحمن بن خاقان وطلبت منه برذونا فحمله إلي غامرا فكتبت إليه:

فبعث إلي ببرذون غيره فاره بسرجه ولجامه وألف درهم.

(وبسنده) قدم صديق لدعبل من الحج فوعده أن يهدي له نعلا فأبطأت عليه فكتب إليه:

الرثاء

قال في رثاء أهل البيت عليهم السلام:

وفي معجم الأدباء مما يختار من شعر دعبل قصيدته العينية التي رثى بها الحسين عليه السلام قال:

وقال يرثي الرضا عليه السلام كما في المناقب:

وقال في رثاء الرضا عليه السلام:

وقال في رثائه أيضا:

رثاؤه المطلب بن عبد الله الخزاعي

في تاريخ دمشق لابن عساكر:

لما مات المطلب قال دعبل يرثيه:

الأغاني - علي بن سليمان الأخفش عن محمد بن يزيد المبرد قال دعبل يرثي ابن عم له قال المبرد ولقد أحسن فيها ما شاء والمرثي هو أبو القاسم المطلب بن عبد الله بن مالك.

الغزل

من شعره في الغزل ما ذكر في الأغاني وهو قوله:

محاورة بينه وبين جارية

وفي تاريخ دمشق بينما دعبل جالس على باب داره بالكرخ إذ مرت جارية لابن الأحدب تخطر في مشيتها وتنظر في أعطافها وكانت شاعرة فقال لها:

#فقالت مسرعة:

فقال:

فقالت:

قال: فعدلت بها عن ذلك الروي فقلت:

فقالت:

الوداع

في تاريخ دمشق قال عون بن المزرع أنشدني دعبل لنفسه:

فقلت له: قد أحسنت غير إنك سرقت النصف الأول من بيت القطامي:

والنصف الثاني من ابن بجرة حيث يقول:

وسقط هنا بيت ابن بجرة من النسخة المطبوعة وذكر مكانه:

مع أن هذا البيت لليلى بنت طريف والصواب أن قوله عليك السلام مأخوذ من بيت ليلى بنت طريف عليك سلام الله البيت. قال: فقال لي: بل الطائي والله سرق هذا البيت بأسره في قصيدته التي تعرف بالمسروقة يرثي بها محمد بن حميد الطوسي التي أولها:

الحماسة

النصيحة

في الأغاني عن الحسين بن دعبل عن أبيه أنه قال في الفضل بن مروان هذه الأبيات المتحدة القافية نصحت فأخلصت النصيحة للفضل:

وقلت فسيرت المقالة في الفضل.

فبعث إليه الفضل بن مروان بدنانير وقال له: قد قبلت نصحك فاكفني خيرك وشرك.

في جيد الشعر ورديئه

وأورد له الشريف المرتضى في الأمالي هذه الأبيات:

في الصديق الذي لا ينفع

في معجم الأدباء من مختارات شعره قوله:

وله في العلم كما في تاريخ دمشق:

وله في الإخاء كما في تاريخ دمشق:

وله في الهدية كما في تاريخ دمشق:

وله في الضيف:

ما قاله حين حضره الموت

في مجالس المؤمنين عن الشيخ أبي الفتوح الرازي الخزاعي أنه قال في تفسيره عند تفسير قوله: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} الآية: لما حضر دعبل الخزاعي الموت قال: وقال محمد بن الحسن الكرخي أنه رأى ذلك مكتوبا على قبره.

الأمثال في شعره

المنقول من مجموعة الأمثال التي في الخزانة الرضوية. قال:

وله:

وله:

وله في النساء:

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 6- ص: 400

دعبل الخزاعي الشاعر دعبل بن علي أبو علي الخزاعي الشاعر المشهور. له شعر رائق صنف كتابا في طبقات الشعراء. قال: إن أصله من الكوفة وقيل من قرقيسيا وكان أكثر مقامه ببغداد. وسفر إلى غيرها من البلاد وقدم دمشق ومدح نوح بن عمرو بن حوي السكسكي بعدة قصائد. وخرج منها إلى مصر.
وقيل: إن اسمه محمد وكنيته أبو جعفر ودعبل لفب له ويقال الدعبل للبعير المسن ويقال: الشيء القديم.
وخرج إلى خراسان ونادم عبد الله بن طاهر. قال أبو سعيد ابن يونس: قدم إلى مصر هاربا من المأمون لهجو هجاه به، وخرج منها إلى المغرب إلى الأغلب. قال الخطيب: وعاد إلى بغداد بعد ذلك وكان خبيث اللسان قبيح الهجاء وقيل كان أطرش في قفاه سلعة. واسمه الحسن وقيل عبد الرحمن وقيل محمد وكنيته أبو جعفر.
ولد سنة ثمان وأربعين ومائة وتوفي سنة ست وأربعين ومائتين وله سبع وتسعون سنة. وقيل قتله المعتصم سنة عشرين، وقيل هجا مالك بن طوق فجهز عليه من ضربه بعكازة مسمومة في قدمه فمات من ذلك بعد يوم. ولقبته دايته لدعابته التي كانت فيه. قال أبو شامة: وكان مداحا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم هجاء لبني العباس وغيرهم.
أنشد المأمون من شعره:

فلما أتى على القصيدة قال: لله دره! ما أغوصه وأنصفه وأوصفه.
ثم قال: إنه وجد والله مقالا فقال.
وقيل: إن المأمون أقبل يجمع الآثار في فضائل آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى إليه فيما انتهى من فضائلهم قول دعبل:
فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال: أنشدني قصيدتك التائية ولا بأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها فإني أعرفها وقد رويتها إلا أني أحب أن أسمعها من فيك. فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع:
فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته وجرت دموعه على نحره.
ومن شعره فيهم:
ويقال: إن دعبلا من ولد بديل بن ورقاء. ويقال: إنه روى عن الثوري وشعبة ولا يصح وحديثه يقع عاليا في جزء الحفار. ووصله عبد الله بن طاهر بأموال بلغت ثلاث مائة ألف درهم. وكان يقول: لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك.

ودخل إبراهيم بن المهدي على المأمون فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله فضلك في نفسك علي وألهمك الرأفة والعفو عني والنسب واحد وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه. فقال: ما قال؟ لعل قوله:
فقال: هذا من بعض هجائه. فقال المأمون: لك بي أسوة فقد قال في قوله:
وهجا ابن أبي دؤاد بعد كثرة إنعامه عليه حتى قيل إنه هجا خزاعة قبيلته فقال:
وقال يهجو أخاه ونفسه:
وقال يهجو امرأته:
وقال يهجو المعتصم:

  • دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 14- ص: 0

دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم بن نهشل بن خداش بن خالد بن عبد بن دعبل بن أنس بن خزيمة: كذا قال أبو الفرج، وقال آخرون: دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء، يتصل نسبه بمضر، أبو علي الخزاعي، وعلى هذا الأكثر: شاعر مطبوع مفلق، يقال إن أصله من الكوفة، وقيل من قرقيسيا، وكان أكثر مقامه ببغداد، وسافر إلى غيرها من البلاد فدخل دمشق ومصر، وكان هجاء خبيث اللسان لم يسلم منه أحد من الخلفاء ولا من الوزراء ولا أولادهم ولا ذو نباهة أحسن إليه أو لم يحسن، وكان بينه وبين الكميت بن زيد وأبي سعد المخزومي مناقضات، وكان من مشاهير الشيعة، وقصيدته التائية في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدائح، قصد بها علي بن موسى الرضا بخراسان فأعطاه عشرة آلاف درهم وخلع عليه بردة من ثيابه فأعطاه بها أهل قم ثلاثين ألف درهم فلم يبعها، فقطعوا عليه الطريق ليأخذوها فقال لهم: إنها تراد لله عز وجل وهي محرمة عليكم، فدفعوا له ثلاثين ألف درهم فحلف أن لا يبيعها أو يعطوه بعضها ليكون في
كفنه، فأعطوه كما واحدا فكان في أكفانه. ويقال إنه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه وأوصى بإن يكون في أكفانه، ونسخ هذه القصيدة مختلفة في بعضها زيادات يظن أنها مصنوعة ألحقها بها أناس من الشيعة، وإنا موردون هنا ما صح منها قال:

ومما يختار من شعر دعبل قصيدته العينية التي رثى بها الحسين عليه السلام، قال:
ومن مختاراته أيضا قوله:
ومن مختار شعره قوله:
ولدعبل كتاب طبقات الشعراء. وديوان شعر. مات سنة ست وأربعين ومائتين.

  • دار الغرب الإسلامي - بيروت-ط 0( 1993) , ج: 3- ص: 1284

دعبل ابن علي، شاعر زمانه، أبو علي الخزاعي. له ’’ديوان’’ مشهور، وكتاب ’’طبقات الشعراء’’. وكان من غلاة الشيعة، وله هجو مقذع.
رأى مالكا الإمام. يروي عنه: محمد بن موسى البربري، وغيره.
بلغت جوائز عبد الله بن طاهر له ثلاثمائة ألف درهم. وقيل: كان أحدب أصم.
وقيل: هجا المأمون والكبار، وكان خبيث اللسان، والنفس حتى إنه هجا قبيلته خزاعة.
ويقال: هجا مالك بن طوق، فدس عليه من طعنه في قدمه بحربة مسمومة، فمات من الغد، سنة ست وأربعين ومائتين.
يقال: لامه صاحب له في هجاء الخلفاء، فقال: دعني من فضولك، أنا -والله- أستصلب مذ سبعين سنة، ما وجدت من يجود بخشبة.

  • دار الحديث- القاهرة-ط 0( 2006) , ج: 9- ص: 407

دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المفلق، رافضي بغيض سباب. هرب من المتوكل، وعاش نحوا من تسعين سنة.
وله عن مالك مناكير.

  • دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان-ط 1( 1963) , ج: 2- ص: 27