إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم (ب د ع) إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه مارية القبطية، أهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية هي وأختها سيرين. فوهب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرين لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، فهو وإبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم ابنا خالة.
وكان مولده في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة وسر النبي صلى الله عليه وسلم بولادته كثيرا وولد بالعالية، وكانت قابلته سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم مرأة أبي رافع، فبشر أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا، وحلق شعر إبراهيم يوم سابعه، وسماه، وتصدق بزنته ورقا، وأخذوا شعره فدفنوه كذا قال الزبير، ثم دفعه إلى أم سيف: امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف، ترضعه.
أخبرنا أبو الفضل المنصور بن أبي الحسن بن عبد الله الطبري المخزومي المعروف بالديني بإسناده إلى أبي يعلى أحمد بن علي، حدثنا شيبان وهدبة بن خالد، قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«ولد لي الليلة ولد فسميته باسم أبي إبراهيم، ثم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة». وفي حديث شيبان: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنه فاتبعته، فانتهى إلى أبي سيف، وهو ينفخ في كبره، وقد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف، فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي، فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول، قال: فلقد رأيته بعد ذلك وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث هدبة: «وعين رسول الله صلى الله عليه وسلم تدمع».
وفي حديث شيبان: فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا». وفي حديث شيبان «والله إنا بك يا إبراهيم لمحزونون». وقال الزبير أيضا: إن الأنصار تنافسوا فيمن يرضعه، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي صلى الله عليه وسلم لميله إليها، فجاءت أم بردة، اسمها: خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار زوج البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ترضعه، فكانت ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار، وترجع به إلى أمه، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل.
وتوفي وهو ابن ثمانية عشر شهرا قاله الواقدي.
وقال محمد بن مؤمل المخزومي: كان ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام.
وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون، ودفنه بالبقيع. روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه يجود بنفسه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره، ثم قال: «يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئا» ثم ذرفت عيناه، ثم قال: «يا إبراهيم لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق أولنا، لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب». أخبرنا عبد الله بن أحمد بن عبد القاهر الطوسي بإسناده عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم: «إن له مرضعا في الجنة». ولما توفي إبراهيم اتفق أن الشمس كسفت يومئذ فقال قوم: إن الشمس انكسفت لموته، فخطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك، فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة. وروى البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وكبر أربعا. هذا قول جمهور العلماء وهو الصحيح.
أخبرنا أبو أحمد عبد الوهاب بن علي بن علي بن عبيد الله الأمين بإسناده إلى أبي داود السجستاني، حدثنا هناد بن السري، أخبرنا محمد بن عبيد، عن وائل بن داود قال: سمعت البهي قال: «لما مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد».
وبالإسناد عن أبي داود قال: قرأت على سعيد بن يعقوب الطالقاني، حدثكم بن المبارك، عن يعقوب بن القعقاع عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على إبراهيم.
وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر، عن عمرة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على إبراهيم. قال أبو عمر: وهذا غير صحيح، والله أعلم لأن جمهور العلماء قد أجمعوا على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا وراثة و عملا مستفيضا عن السلف والخلف.
قيل: إن الفضل بن العباس غسل إبراهيم، ونزل في قبره هو وأسامة بن زيد، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر.
قال الزبير: ورش على قبره ماء، وعلم قبره بعلامة، وهو أول قبر رش عليه الماء.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لو عاش إبراهيم لأعتقت أخواله، ولوضعت الجزية عن كل قبطي». وروي عن أنس بن مالك أنه قال: لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا. قال أبو عمر: لا أدري ما هذا القول؟ فقد ولد نوح غير نبي، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل أحد نبيا، لأنهم من ولد نوح عليه السلام.
أخرجه ثلاثتهم.
دار ابن حزم - بيروت-ط 1( 2012) , ج: 1- ص: 9
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1994) , ج: 1- ص: 152
دار الفكر - بيروت-ط 1( 1989) , ج: 1- ص: 49
إبراهيم ابن سيد البشر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم. أمه مارية القبطية، ولدته في ذي الحجة سنة ثمان.
قال مصعب الزبيري. ومات سنة عشر، جزم به الواقدي، وقال: يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول.
وقالت عائشة: عاش ثمانية عشر شهرا. وقال محمد بن المؤمل: بلغ سبعة عشر شهرا وثمانية أيام. وأخرج ابن مندة، من طريق ابن لهيعة، عن عقيل ويزيد بن أبي حبيب، كلاهما عن ابن شهاب، عن أنس: لما ولد إبراهيم من مارية جاريته كان يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أتاه جبريل عليه السلام، فقال: «السلام عليك يا أبا إبراهيم»، هذا حديث غريب من حديث الزهري.
وقال أحمد في مسندة: حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني عبد الله بن أبي بكر، عن عروة، عن عائشة، قالت: لقد توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه. إسناده حسن، ورواه البزار وأبو يعلى، وصححه ابن حزم، لكن قال أحمد في رواية حنبل عنه: حديث منكر.
وقال الخطابي: حديث عائشة أحسن اتصالا من الرواية التي فيها أنه صلى عليه، قال ولكن هي أولى.
وقال ابن عبد البر: حديث عائشة لا يصح. ثم قال: وقد يحتمل أن يكون معناه لم يصل عليه في جماعة، أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم.
وروى ابن ماجة من حديث ابن عباس، قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن له مرضعا في الجنة، فلو عاش لكان صديقا نبيا، ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط، وما استرق قبطي».
وفي سنده أبو شيبة الواسطي إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف.
وأخرجه ابن مندة من هذا الوجه، ووقع لنا من طريقة بعلو. وقال: غريب.
وروى ابن سعد، وأبو يعلى من طريق عطاء بن عجلان، وهو ضعيف، عن أنس- أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم وكبر عليه أربعا.
وروى البزار من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد- مثله، وفيه عبد الرحمن بن مالك بن معقل- وهو ضعيف.
وروى أحمد من طريق جابر الجعفي- أحد الضعفاء، عن الشعبي، عن البراء. قال: قد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم. ومات وهو ابن ستة عشر شهرا، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، فلم يذكر البراء، وكذا عبد الرزاق.
وروى البيهقي في «الدلائل» - من طريق سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات.
قال النووي: الذي ذهب إليه الجمهور أنه صلى عليه وكبر عليه أربع تكبيرات.
وفي صحيح البخاري أنه عاش سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على الشك.
وأخرج ابن مندة، من طريق أبي عامر الأسدي، عن سفيان، عن السدي، عن أنس، قال: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ابن ستة عشر شهرا، فقال: «ادفنوه بالبقيع، فإن له مرضعا تتم رضاعه في الجنة»، وقال: غريب، لا نعرفه من حديث الثوري إلا من هذا الوجه.
قلت: أخرج البخاري من طريق محمد بن بشر، عن إسماعيل بن أبي خالد، قلت: لعبد الله بن أبي أوفى: رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم أكبر؟ قال: مات صغيرا، ولو قضى أن يكون بعد محمد نبي عاش ابنه إبراهيم، ولكني لا نبي بعده.
وأخرجه أحمد عن وكيع، عن إسماعيل: سمعت ابن أبي أوفى يقول: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم.
وروى إسماعيل السدي، عن أنس، كان إبراهيم قد ملأ المهد، ولو بقي لكان نبيا، لكن لم يكن ليبقى، فإن نبيكم آخر الأنبياء.
وأخرج ابن مندة أيضا، من طريق إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل بن أبي خالد، قلت لابن أبي أوفى: هل رأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كان أشبه الناس به، مات وهو صغير.
وقد استنكر ابن عبد البر حديث أنس، فقال- بعد إيراده في التمهيد: لا أدري ما هذا؟ فقد ولد نوح عليه السلام غير نبي، ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل أحد نبيا، لأنهم من ولد نوح، ولا يلزم من الحديث المذكور ما ذكره لما لا يخفى.
وقال النووي في ترجمة إبراهيم من تهذيبه: وأما ما روي عن بعض المتقدمين: لو
عاش إبراهيم لكان نبيا فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات، ومجازفة وهجوم على عظيم. انتهى.
وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له وجه تأويله فبالغ في إنكاره. وجوابه أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، ولا نظن بالصحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه، والله أعلم.
قال ثابت البناني: قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم....» الحديث.
أخرجه البخاري ومسلم، وفيه قصة موته، وأنه دخل عليه وهو يجود بنفسه، فجعلت عيناه تذرفان، وفيه: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون».
ولمسلم من طريق عمرو بن سعيد عن أنس: ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة، وكان ينطلق ونحن معه فيأخذه ويقبله، فذكر قصة موته.
وكانت وفاة إبراهيم في ربيع الأول. وقيل: في رمضان: وقيل في ذي الحجة. وهذا الثالث باطل على القول بأنه مات سنة عشر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في حجة الوداع إلا إن كان مات في آخر ذي الحجة. وقد حكى البيهقي قولا بأنه عاش سبعين يوما فقط، فعلى هذا يكون مات سنة ثمان والله أعلم.
دار الكتب العلمية - بيروت-ط 1( 1995) , ج: 1- ص: 318
ابن النبي عليه السلام إبراهيم بن محمد، ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدته ليلة له سريته مارية القبطية في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وذكر الزبير عن أشياخه أن أم إبراهيم بن مارية ولدته بالعالية في المال الذي يقال له اليوم مشربة أم إبراهيم بالقف وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع فبشر به أبو رافع النبي صلى الله عليه وسلم فوهب له عبدا، فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبش وحلق رأسه حلقه أبو هند وسماه يومئذ وتصدق بوزن شعره ورقا على المساكين وأخذوا شعره فدفنوه في الأرض ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة وتنافست الأنصار فيمن يرضعه وأحبوا أن يفرغوا مارية له لما يعلمون من هواه فيها. وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة من ضأن ترعى بالقف ولقاح بذي الجدر تروح عليها وكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقي ابنها. فجاءت أم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصاري زوجة البراء بن أوس فكلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن ترضعه بلبن ابنها من بني مازن بن النجار وترجع به إلى أمه فأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل فناقلت بها إلى مال عبد الله بن زمعة. وتوفي إبراهيم في بني مازن عند أم بردة وهو ابن ثمانية عشر شهرا في ذي الحجة سنة ثمان وقيل توفي سنة عشر وغسلته أم بردة وحمل من بيتها على سرير صغير وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع وقال: ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون، وعن عطاء بن جابر قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فأتى به النخل فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه وهو يجود بنفسه فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره ثم قال: يا إبراهيم إنا لا نغني عنك من الله شيئا، ثم ذرفت عيناه ثم قال: يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ووعد صدق وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون تبكي العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب، وقال غيره: وافق موته كسوف الشمس فقال قوم: انكسفت الشمس لموته، فخطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ’’إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله والصلاة’’، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’إن له مرضعا في الجنة تتم رضاعه’’، وقيل إن الفضل بن العباس غسل إبراهيم ونزل في قبره أسامة بن زيد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على شفير القبر، قال الزبير: ورش عليه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ’’لو عاش إبراهيم لأعتقت أخواله ولوضعت الجزية عن كل قبطي، وقال: إذا دخلتم مصر فاستوصوا بالقبط فإن لهم ذمة ورحما.’’
دار فرانز شتاينر، فيسبادن، ألمانيا / دار إحياء التراث - بيروت-ط 1( 2000) , ج: 6- ص: 0
إبراهيم بن النبي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولدته أمه مارية القبطية في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وذكر الزبير عن أشياخه أن أم إبراهيم مارية ولدته بالعالية في المال الذي يقال له اليوم مشربة أم إبراهيم بالقف، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع، فبشر أبو رافع به النبي صلى الله عليه وسلم، فوهب له عبدا، فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبش، وحلق رأسه، حلقه أبو هند، وسماه يومئذ، وتصدق بوزن شعره ورقا على المساكين، وأخذوا شعره فدفنوه في الأرض.
هكذا قال الزبير: سماه يوم سابعه. والحديث المرفوع أصح من قوله وأولى إن شاء الله عز وجل.
حدثنا سعيد بن نصر، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن وضاح، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم، قال الزبير: ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين بالمدينة يقال له أبو سيف. قال أبو عمر رضي الله عنه في حديث أنس: تصديق ما ذكره الزبير أنه دفعه إلى أم سيف، قال أنس في حديثه في موت إبراهيم قال: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانطلقت معه، فصادفنا أبا سيف ينفخ في كيره، وقد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف، فقلت: يا أبا سيف، أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه، وقال: ما شاء الله أن يقول. قال: فلقد رأيته يكيد بنفسه، قال: فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم المحزونون. قال الزبير أيضا: وتنافست الأنصار فيمن يرضعه، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي صلى الله عليه وسلم، لما يعلمون من هواه فيها، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعة من الضأن ترعى بالقف، ولقاح بذي الجدر تروح عليها، فكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقي ابنها، فجاءت أم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصاري زوجة البراء بن أوس، فكلمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أن ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار وترجع به إلى أمه، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة من نخل فنا قلت بها إلى مال عبد الله بن زمعة، وتوفي إبراهيم في بني مازن عند أم بردة، وهو ابن ثمانية عشر شهرا، وكانت وفاته في ذي الحجة سنة ثمان، وقيل: بل ولد في ذي الحجة سنة ثمان، وتوفي سنة عشر، وغسلته أم بردة، وحمل من بيتها على سرير صغير، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبقيع، وقال: ندفنه عند فرطنا عثمان بن مظعون.
وقال الواقدي: توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر، ودفن بالبقيع، وكانت وفاته في بني مازن عند أم بردة بنت المنذر من بني النجار، ومات وهو ابن ثمانية عشر شهرا، وكذلك قال مصعب الزبيري، وهو الذي ذكره الزبير.
وقال آخرون: توفي وهو ابن ستة عشر شهرا، قال محمد بن عبد الله بن مؤمل المخزومي في تاريخه: ثم دخلت سنة عشر، ففيها توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكسفت الشمس يومئذ على اثنتي عشر ساعة من النهار، وتوفى وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام. وقال غيره: توفي وهو ابن ستة عشر شهرا وستة أيام، وذلك سنة عشر.
وأرفع ما فيه ما ذكره محمد بن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت: توفي إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا.
قال أبو عمر: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى على ابنه إبراهيم دون رفع صوت، وقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو بشر الدولابي حدثنا إبراهيم بن يعقوب البغدادي، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف، فأتى به النخل، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه، وهو يكيد بنفسه، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، ثم قال: يا إبراهيم. إنا لا نغني عنك من الله شيئا. ثم ذرفت عيناه، ثم قال: يا إبراهيم، لولا أنه أمر حق، ووعد صدق، وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب. وحدثنا خلف بن قاسم، قال: حدثنا الحسن، حدثنا أبو بشر، حدثنا إبراهيم بن يعقوب، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت عن أنس، قال: لقد رأيت إبراهيم وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون. ووافق موته كسوف الشمس، فقال قوم: إن الشمس انكسفت لموته، فحطبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله عز وجل والصلاة. وقال صلى الله عليه وآله وسلم حين توفي ابنه إبراهيم: إن له مرضعا في الجنة تتم رضاعه. حدثنا سعيد، حدثنا قاسم، حدثنا أبو بكر، حدثنا وكيع عن شعبة، عن عدي بن ثابت قال: سمعت البراء بن عازب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما مات إبراهيم: أما إن له مرضعا في الجنة. وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبر أربعا، هذا قول جمهور أهل العلم، وهو الصحيح، وكذلك قال الشعبي، قال: مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن ستة عشر شهرا، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفن ابنه إبراهيم ولم يصل عليه. وهذا غير صحيح، والله أعلم، لأن الجمهور قد أجمعوا على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا وراثة وعملا مستفيضا عن السلف والخلف، ولا أعلم أحدا جاء عنه غير هذا إلا عن سمرة بن جندب، والله أعلم.
وقد يحتمل أن يكون معنى حديث عائشة أنه لم يصل عليه في جماعة أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم، فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك، وهو أولى ما حمل عليه حديثها ذلك، والله أعلم.
وقد قيل إن الفضل بن العباس غسل إبراهيم ونزل في قبره مع أسامة ابن زيد، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس على شفير القبر.
قال الزبير: ورش قبره، وأعلم فيه بعلامة. قال: وهو أول قبر رش عليه، وروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو عاش إبراهيم لأعتقت أخواله، ولوضعت الجزية عن كل قبطي. وقال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا دخلتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما. وكانت مارية القبطية قد أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المقوقس صاحب الإسكندرية ومصر هي وأختها سيرين، فوهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيرين لحسان بن ثابت الشاعر، فولدت له عبد الرحمن بن حسان.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا يعقوب بن المبارك أبو يوسف، قال: حدثنا داود بن إبراهيم، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال حدثنا عمرو بن محمد، قال: حدثنا أسباط بن نصر الهمداني عن السدي، قال: سألت أنس بن مالك: كم كان بلغ إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: قد كان ملأ مهده، ولو بقي لكان نبيا، ولكن لم يكن ليبقى، لأن نبيكم آخر الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو بشر الدولابي، قال: حدثنا إبراهيم بن يعقوب، قال: حدثنا أحمد بن جناب قال: حدثنا عيسى بن يونس عن ابن أبي خالد قال: قلت لابن أبي أوفى: أرأيت إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: مات وهو صغير، ولو قدر أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي لعاش، ولكنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال أبو عمر: هذا لا أدرى ما هو؟ وقد ولد نوح عليه السلام من ليس نبيا، وكما يلد غير النبي نبيا فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي والله أعلم. ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا، لأنه من ولد نوح عليه السلام، وذا آدم نبي مكلم، وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث.
حدثنا خلف بن قاسم، قال حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن أحمد، قال: حدثنا زكريا بن يحيى السجزي قال: حدثنا عمرو بن على، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا ورقاء عن ابن أبي بجيح عن مجاهد في قوله عز وجل: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}. قال: بمحمد وأصحابه رضي الله عنهم.
دار الجيل - بيروت-ط 1( 1992) , ج: 1- ص: 54