التصنيفات

النقيب أبو جعفر يحيى بن زيد ’’أو ابن أبي زيد’’ الحسني العلوي نقيب البصرة
ذكره تلميذه الشيخ عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح النهج فقال: كان النقيب أبو جعفر غزير العلم صحيح العقل منصفا بالجدل غير متعصب فإنه كان علويا وكان يعترف بفضائل الصحابة وكان لا يجحد الفاضل فضله.
وذكره تلميذه المذكور في عدة مواضع سن شرح نهج البلاغة وذكر أمورا كثيرة تدل على تشيعه ولم نعثر له على ترجمة في غير شرح النهج وفيما ينقله عنه ابن أبي الحديد دلالة واضحة على غزارة علمه وسعة اطلاعه. قال ابن أبي الحديد في شرح النهج بعد أن تكلم على سياسة أمير المؤمنين علي عليه السلام كان أبو جعفر بن أبي زيد الحسيني نقيب البصرة إذا حدثناه في هذا يقول إنه لا فرق عند من قرأ السيرة بين سيرة النبي صلى الله عليه وسلم سياسة أصحابه أيام حياته وبين سيرة أمير المؤمنين (ع) وسياسة أصحابه أيام حياته فكما أن عليا لم يزل أمره مضطربا معهم بالمخالفة والعصيان والهرب إلى أعدائه وكثرة الفتن والحروب كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل ممنوا بنفاق المنافقين وأذاهم وخلاف أصحابه عليه وهرب بعضهم إلى أعدائه وكثرة الحروب والفتن. وكان يقول ألست ترى القرآن العزيز مملوء بذكر المنافقين والشكوى منهم والتألم من أذاهم له كما أن كلام علي (ع) مملوء بالشكوى من منافقي أصحابه والتألم من أذاهم له والتوائهم عليه نحو قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير} (وقوله) {إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا} ’’الآية’’ (وقوله) {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون} (السورة بأجمعها). وقوله: {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم}. وقوله: {رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم}. وقوله: {أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم} وقوله: {سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا}. وقوله: {سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا}. قال وأصحابه الذين نازعوا في الأنفال وطلبوها لأنفسهم حتى أنزل الله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين} وهم الذين التووا عليه في الحرب يوم بدر وكرهوا لقاء العدو حتى خيف خذلاناهم وذلك قبل أن تتراءى الفئتان وأنزل فيهم: {يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون}. وهم الذين كانوا يتمنون لقاء العير دون لقاء العدو حتى أنهم ظفروا برجلين في الطريق فسألوهما عن العير فقالوا لا علم لنا منها وإنما رأينا جيش قريش من وراء ذلك الكثيب فضربوهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي فقالا بل العير أمامكم فأطلبوها فلما رفعوا الضرب عنهما قالا والله ما رأينا العير ولا رأينا إلا الخيل والسلاح والجيش فأعادوا الضرب عليهما فقالا العير أمامكم فخلوا عنهما فانصرف صلى الله عليه وسلم من الصلاة فقال: إذا أصدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما ونزل قوله تعالى: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين} وكان صلى الله عليه وسلم قد وعدهم بإحدى الكائنتين فكرهوا الحرب وأحبوا الغنيمة وهم الذين فروا عنه يوم أحد وأسلموه وأصعدوا الجبل وتركوه حتى شج الأعداء وجهه وكسروا ثنيته وضربوه على البيضة حتى وقع عن فرسه إلى الأرض وهو يستصرخ بهم ويدعوهم فلا يجيبه أحد منهم إلا من كان جاريا مجرى نفسه وشديد الاختصاص به وذلك قوله تعالى: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم}. أي ينادي فيمنع نداءه آخر الهاربين لأن أولهم أوغلوا في الفرار ومنهم الذين عصوا أمره ذلك اليوم حيث أقامهم على الشعب ورغبوا في الغنيمة ففارقوا مركزهم حتى دخل الوهن على الإسلام بطريقهم وذلك قوله تعالى:{حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة} وهم الذين عصوا أمره في غزاة تبوك بعد أن أكد عليهم الأوامر فلم يشخصوا معه فأنزل فيهم: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير} وهذه الآية خطاب مع المؤمنين لا مع المنافقين ثم أكد عتابهم وتقريعهم بقوله تعالى: {لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون}. ثم عاتب رسوله صلى الله عليه وسلم على إذنه لهم في التخلف وإنما أذن لهم لعلمه إنهم لا يجيبونه فأراد أن تكون له المنة عليهم فقال: عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذي صدقوا وتعلم الكاذبين. وكانوا وعدوه بالخروج معه كلهم وكان بعضهم ينوي عدم الوفاء بالوعد ثم قال: لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون وقال لهم يوم الحديبية أحلقوا وأنحروا مرارا فلم يفعلوا، وقال له بعضهم
وهو يقسم الغنائم: أعدل يا محمد فإنك لم تعدل. وقالت الأنصار له مواجهة يوم حنين: أتأخذ ما أفاء الله علينا بسيوفنا فتدفعه إلى أقاربك من أهل مكة، وقال لهم في مرض موته: ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم ما لا تضلون بعده فلم يأتوه بذلك وقالوا ما قالوا وهو يسمع.
قال وكان أبو جعفر يقول من هذا ما يطول شرحه وكان يقول: من تأمل حال الرجلين وجدهما متشابهين في جميع أمورهما أو في أكثرها لأن حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المشركين كانت سجالا انتصر يوم بدر وانتصر عليه المشركون يوم أحد وكان يوم الخندق كفافا فقتلوا رئيس الأوس سعد بن معاذ وقتل فارس قريش عمرو بن عبد ود وكان الظفر له يوم الفتح وهكذا كانت حروب علي (ع) انتصر يوم الجمل وفي حرب صفين قتل من أصحابه رؤساء ومن أصحاب معاوية رؤساء وكان الظفر له يوم النهروان ومن العجب أن أول حروب رسول الله بدر وكان هو المنصور فيها وأول حروب علي الجمل وكان هو المنصور فيها ثم كان من صحيفة الصلح والحكومة يوم صفين نظير ما كان يوم الحديبية ثم دعا معاوية في آخر أيام علي إلى نفسه وتسمى بالخلافة كما دعا مسيلمة والأسود العنسي إلى نفسيهما في آخر أيام رسول الله وتسميا بالنبوة وأبطل الله أمرهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وبطل أمر معاوية وبني أمية بعد وفاة علي (ع) ولم يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد من العرب إلا قريش عدا يوم حنين ولم يحارب عليا أحد من العرب إلا قريش عدا يوم النهروان ومات علي شهيدا بالسيف ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا بالسم، وهذا لم يتزوج على خديجة أم أولاده حتى ماتت وهذا لم يتزوج على فاطمة أم أشرف أولاده حتى ماتت، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث وستين سنة ومات علي عن مثلها.
وكان يقول: انظروا إلى أخلاقهما وخصائصهما هذا شجاع وهذا شجاع وهذا فصيح وهذا فصيح وهذا سخي وهذا سخي جواد وهذا عالم بالشرائع والأمور الإلهية وهذا عالم بالفقه والشريعة والأمور الإلهية الدقيقة الغامضة وهذا زاهد في الدنيا غير نهم عليها ولا مستكثر منها وهذا زاهد في الدنيا تارك لها غير متمتع بلذاتها وهذا مدئب لنفسه في الصلاة والعبادة وهذا مثله وهذا ابن عبد المطلب بن هاشم وهذا في قعدده وأبواهما إخوان لأب وأم دون غيرهما وربي محمد في حجر أبي طالب فكان كأحد أولاده ولما كبر وشب استخلصه من بني أبي طالب وهو غلام فرباه في حجره فامتزج الخلقان وتماثلت السجيتان وإذا كان القرين مقتديا بالقرين فما ظنك بالتربية والتثقيف الدهر الطويل فواجب كون أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم كأخلاق أبي طالب وأخلاق علي كأخلاق أبي طالب أبيه ومحمد مربيه وأن يكون الكل شيمة واحدة ونفسا غير منقسمة ولا متجزية وأن لا يكون بينهم فرق ولا فضلى لولا أن الله اختص محمدا برسالته واصطفاه لوحيه فامتاز بذلك على من سواه وبقي ما عدا الرسالة على أمر الاتحاد وإلى هذا المعنى أشار صلى الله عليه وسلم بقوله لعلي: أخصمك بالنبوة فلا نبوة بعدي وتخصم الناس بسبع. وقال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. فأبان نفسه منه بالنبوة وأثبت له ما عداها من الفضائل والخصائص.
ثم حكى عنه أنه سأله عن رأي المعتزلة فأجابه أن الذي استقر عليه رأيهم بعد اختلاف كثير أن عليا أفضل الجماعة وأنهم تركوا الأفضل لمصلحة وأنه لم يكن هناك نص وإنما كانت إشارة وإيماء وأن عليا نازع ثم بايع.
فقال قد بقي بيني وبينكم قليل أنا أذهب إلى النص وأنتم لا تذهبون إليه فقلت له أنه لم يثبت النص عندنا بطريق يوجب العلم وما تذكرونه أنتم صريحا فأنتم تنفردون بنقله وما عدا ذلك من الأخبار التي نشارككم فيها فلها تأويلات معلومة. فقال لي وهو ضجر لو فتحنا باب التأويلات لجاز أن تتناول الشهادتين دعني من التأويلات الباردة التي تعلم القلوب والنفوس أنها غير مرادة وأن المتكلمين تكلفوها وتعسفوها فإنما أنا وأنت في الدار ولا ثالث لنا فيستحي أحدنا من صاحبه أو يخافه. فلما بلغنا إلى هذا الموضع دخل قوم ممن كان يخشاه فتركنا ذلك الأسلوب من الحديث وخضنا في غيره ’’انتهى’’.
ومر في الجزء الأول من هذا الكتاب عند الكلام على ما انفردت به الشيعة في أصول الفقه أن المترجم أخرج رسالة زعم أنها لبعض الزيدية واستظهرنا هناك أنها له وهي مشتملة على أمور نفيسة فيما يتعلق بعدالة جميع الصحابة فلا نطيل بإعادة ذكرها.
وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج سألته فقلت له أتقول لو أن حمزة وجعفرا كانا حيين يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أكانا يبايعانه بالخلافة فقال نعم كانا أسرع إلى بيعته من النار في يبس السفرفج فقلت له أظن أن جعفرا كان يبايعه وما أظن حمزة كذلك لأنه كان قوي النفس شديد الشكيمة وهو العم والأعلى سنا وأظنه كان يطلب الخلافة لنفسه فقال الأمر في أخلاقه كما ذكرت ولكنه كان صاحب دين متين ولو عاش لرأى من أحوال علي مع الرسول صلى الله عليه وسلم ما يوجب أن يكسر له نخوته وأن يقدمه على نفسه ثم قال أين حمزة السبعي من خلق علي الروحاني اللطيف الذي جمع بينه وبين خلق حمزة فاتصفت بهما نفس واحدة وأين هيولانية نفس حمزة وخلوها من العلوم من نفس علي القدسية التي أدركت بالفطرة لا بالقوة التعليمية ما لم تدركه نفوس مدققي الفلاسفة الإلاهيين لو أن حمزة حي حتى رأى من علي ما رآه غيره لكان اتبع له من ظله وأطوع له من أبي ذر والمقداد وأما قولك هو العم والأعلى سنا فقد كان العباس العم الأعلى سنا وقد عرفت ما بذله له وندبه إليه وما زالت الأعمام تخدم أبناء الإخوة وتكودن أتباعا لهم ألست ترى داود وعبد الله وصالح وسليمان وعيسى وإسماعيل وعبد الصمد أبناء علي بن عبد الله بن العباس خدموا ابن أخيهم عبد الله السفاح بن محمد بن علي وبايعوه وتابعوه وكانوا أمراء جيوشه وأنصاره وأعوانه ألست تعلم أن أبا طالب كان رئيس بني هاشم وشيخهم والمطاع فيهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتيمه ومكفوله وجاريا مجرى أحد أولاده عنده ثم خضع له واعترف بصدقه حتى مدحه بالشعر كما يمدح الأدنى الأعلى فقال:

وإن سرا أقام أبا طالب وحاله معه حاله مقام المادح له سر عظيم وإن في هذا لمعتبر عبرة أن يكون هذا الإنسان الفقير الذي لا أنصار له ولا يستطيع الدفاع عن نفسه تعمل دعوته وأقواله في الأنفس ما تعمله الخمر في الأبدان المعتدلة المزاج حتى تطيعه أعمامه ويعظمه مربيه وكافله ومن هو إلى آخر عمره القيم بنفقته حتى يمدحه بالشعر كما يمدح الشعراء الملوك والرؤساء وهذا في باب المعجزات عند المنصف أعظم من انشقاق القمر وانقلاب العصا وأنباء القوم بما يأكلون ويدخرون في بيوتهم ثم قال: كيف قلت أظن أن جعفرا كان يبايعه ويتابعه ولا أظن ذلك في حمزة، إن كنت قلت ذلك لأنه أخوه فإنه أعلى منه سنا لأنه أكبر من علي بعشر سنين وقد كانت له خصائص ومناقب كثيرة ثم ذكر بعض مناقبه وذكرناه في ترجمته. ثم قال: فقلت له وقد وقفت لأبي حيان التوحيدي في كتاب البصائر على فصل عجيب يمازج ما نحن فيه، قال في الجزء الخامس منه: سمعت قاضي القضاة أبا بشر بن الحسين وما رأيت رجلا أقوى منه في الجدل في مناظرة جرت بينه وبين أبي عبد الله الطبري وقد جرى حديث جعفر وإسلامه والتفاضل بينه وبين أخيه علي فقال القاضي أبو سعد، ثم ذكر ما حاصله أن إسلام جعفر كان بعد بلوغ وإسلام البالغ لا يكون إلا بعد استبصار وإسلام علي مختلف في حاله وذلك أنه قد ظن أنه كان عن تلقين وكلاهما قتلا وقتلة جعفر شهادة بالإجماع وقتلة علي فيها أشد الاختلاف ولو انعقد الإجماع على أن القتلتين شهادة فجعفر قتل مقبلا غير مدبر وعلي اغتيل اغتيالا وقاتل جعفر ظاهر الشرك وقاتل علي من أهل القبلة. قال النقيب: اعلم فداك شيخك أن أبا حيان رجل ملحد زنديق يحب التلاعب بالدين ويخرج ما في نفسه فيعزوه إلى قوم لم يقولوه وأقسم بالله أن القاضي أبا سعد لم يقل من هذا الكلام لفظة واحدة ولكنها من موضوعات أبي حيان وأكاذيبه وترهاته كما يسند إلى القاضي أبي حامد المروروذي كل منكر، ثم قال يا أبا حيان مقصودك أن تجعلها مسألة خلاف تثير بها فتنة بين الطالبيين لتجعل بأسهم بينهم، وكيف تقلبت الأحوال فالفخر لهم لم يخرج عنهم، ثم ضحك حتى استلقى ومد رجليه وقال: هذا كلام يستغنى عن الإطالة في أبطاله بإجماع المسلمين فإنه لا خلاف بينهم في أن عليا أفضل من جعفر وإنما سرق أبو حيان ما ذكره من رسالة المنصور إلى محمد بن عبد الله بن الحسن، قال له: وكانت بنو أمية يلعنون أباك في أدبار الصلوات المكتوبات كما يلعن الكفرة فعنفناهم وكفرناهم وبينا فضله وأشدنا بذكره فاتخذت ذلك علينا حجة وظننت أنه لما ذكرناه من فضله إنا قدمناه على حمزة والعباس وجعفر أولئك مضوا سالمين مسلمين وابتلي أبوك بالدماء. فقلت له إذا لا إجماع في المسألة لأن المنصور لم يقل بتفضيله عليهم، فقال إن الإجماع سبقه.
ثم ذكر ابن أبي الحديد بحثه في ذلك مع أحمد بن جعفر الواسطي وذكرناه في ترجمته.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 293