الشيخ نصر الله حدرج العاملي عالم فاضل أديب شاعر من تلاميذ جدنا الأعلى السيد أبي الحسن موسى قال يرثيه بهذه القصيدة ويعزي عنه ولديه السيد محمد الأمين والسيد حسين:
لما لا تجود العين بالمدمع الغمر | وتجري دما إن لم يكن دمعها يجري |
وكيف يقل الصدر من نفثاته | ويعلم أنا قد أصبنا بذي الصدر |
بخير بني حواء أصلا ومحتدا | وأعلا بني العلياء والعز والفخر |
أبي الحسن الزاكي سليل محمد | وفاطمة والمرتضى حيدر الطهر |
فتبا لقلب لم يذب يوم فقده | وسحقا لطرف يألف الغمض في الدهر |
وكيف يلذ العيش من بعدما مضى | على فجأة واستقبلت حيرة الأمر |
وما تبلغ الأقوال من وصف سيد | بعيد المدى في العلم أغزر من بحر |
وأسمح من غيث السماء إذا همى | وأفصح من قس وأجرأ من عمرو |
على فقده فليبك للعلم طالب | حفي به وليبك ذو العدم والفقر |
فكم جاهل أحيا بفيض علومه | وكم معدم أغنى بنائله الغمر |
هو الفاضل النحرير والمصقع الذي | له دان أهل الفضل من غير ما نكر |
هو الماجد المجدي الذي عم مجده | وإحسانه أهل البسيطة كالقطر |
تهاوت نجوم الأفق يوم وفاته | وحق عليه الكسف للشمس والبدر |
وما غسله إلا امتثال لسنة | وهل طاهر يحتاج يوم إلى طهر |
سنبكيك يا من كان شمسا لعصرنا | ومذ غاب عاينا الظلام بذا العصر |
ستبكيك يا فرد الزمان مدارس | بدرسك كانت تستطيل على الزهر |
سيبكيك تهذيب الأصول وزبدة | وعلم المعاني والتفاسير للذكر |
سيبكيك علم الصرف والمنطق الذي | وضعت به الوافي بقصد أولي الفكر |
سيبكيك في النحو الجليل وسيلة | سمحت بها مما حويت من الدر |
ستبكي لك الأخبار والفقه حسرة | فلولاك داما في غطاء وفي ستر |
ولولاك لم تدر الدراية في الورى | ولا شاع علم في الشآم ولا مصر |
سيبكيك من علم الحساب خلاصة | إلى أن ينادى بالحساب وبالحشر |
سيبكي عليك المسجد الجامع الذي | به طالما بالغت في الوعظ والزجر |
سيبكيك طلاب العلوم فإنهم | بك افتقدوا أحنى من الوالد البر |
وليس بأحرى بالكآبة والبكا | عليك من التوحيد يا واحد العصر |
فلو أن صدرا كان قبرا لميت | لما كان قبر يحتويك سوى صدري |
ولم تبلغ الخنسا رثائي ولم تكن | بأفجع مني في البكاء على صخر |
فقد كنت لي شيخا مفيدا ومحسنا | إلي ومن دون الورى كنت لي ذخري |
سقى جدثا فيه حللت سحائب | غدا ودقها يهمي على ذلك القبر |
فيا آله صبرا وإن جل خطبه | فربك يجزي الصابرين على الصبر |
وما مات من كان الأمين محمد | له خلفا يحيا به طيب الذكر |
وكان حسين صنوه خلفا له | سبوقا إلى نيل المكارم والفخر |
سري جرى مجرى أبيه مجليا | وما زال سباقا لغاياته يجري |
حري بحل المشكلات مبدل | إذا أمه الوفاد للعسر باليسر |
فواضله تحكي غزارة فضله | وضوء محياه يفوق سنا البدر |
تفجر من فيه الفصاحة والندى | يسيل ويهمي من أنامله العشر |
فوائده للمستفيد معدة | فما لامرئ لم يستفدهن من عذر |
فلا زال كشاف الغوامض مبرزا | دقائقها بعد الخفاء إلى الجهر |
دعيني فجرح فؤادي ليس يندمل | والنار في الصدر والأحشاء تشتعل |
والجفن مني طيب الهجوع وها | صوب الدموع كوكف السحب منهمل |
والهم مقترب والأمر مضطرب | والصبر مغترب عني ومرتحل |
وكيف يفرح من أودى بمهجته | صرف الزمان وغالت جسمه العلل |
وما السرور بذي الدنيا وقد ظعن الـ | ـإخوان منها إلى الأجداث وارتحلوا |
ناداهم للقاه الله فابتدروا | لما دعاهم وفي دار الهنا نزلوا |
بسط الرغائب مرغوب لديه كبسـ | ـط العلم لم يلهه مال ولا ملل |
معتادة كفه أن لا تكف عن الـ | ـأفضال أن يكفف السؤال أو يسلوا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 220