السيد موسى بن عبد السلام بن زين العابدين ابن عباس صاحب نزهة الجليس الموسوي العاملي
المعروف بالسيد موسى عباس
توفي في النجف سنة 1253.
في بغية الراغبين: كان من العلماء المتبحرين في الفقه والأصول وعلوم العربية وهو من شعراء عصره وشعره محفوظ سائر وقد بلغني أن له ديوانا يبلغ أربعة آلاف بيت أكثره في مدح أهل البيت عليهم السلام وله رسالة فيما انفردت به الإمامية من المسائل الفقهية ورسالة في صلاة المسافر وأخرى في مناسك الحج. وفي جواهر الحكم: كان من العلماء المتبحرين نشأ بالعراق وقرأ الدرس ولكن تغلب عليه الشعر زار أمراء جبل عامل مرارا ورجع إلى العراق ومدحهم بأشعار كثيرة وما قصروا عن نصرته ومن شعره قوله من قصيدة في مدح جده أمير المؤمنين عليه السلام:
هي مهجة ملك الغرام قيادها | وإلى الهوى داعي الهوى قد قادها |
واستحكمت فيها الصبابة والجوى | واعتادها من وجدها ما اعتادها |
تحكي لواعجها لظى مسجورة | فكأن من إيقاده إيقادها |
ونواظرا لف السهاد جفونها | حتى تعودت الجفون سهادها |
ولنار وجد في الفؤاد تسعرت | كاد الفؤاد بأن يكون رمادها |
ما باخ يوما حرها وضرامها | إلا وعاودها الهوى فأعادها |
بالله ما برح الجوى من مهجتي | كلا ولا عيني تلذ رقادها |
حتى يعود العيش غضا مونقا | في أربع جاد الربيع عهادها |
ما بين أكناف الغري لدى حمى | مولى تنال به النفوس مرادها |
عم الأنام فضائلا وفواضلا | لن يستطيع ذوو النهى تعدادها |
ساد الورى بعد النبي محمد | وسواه بعد محمد ما سادها |
لولاه ما عرف الإله موحد | كلا ولم تخش النفوس رشادها |
لكنما بهداه قد ظهر الهدى | حتى تبصرت النفوس رشادها |
كم ظل يتفرس الفوارس خائضا | في كل ملحمة يشن طرادها |
يغشى الوغى بعزائم لو أنها | تغشى الجبال لزلزلت أطوادها |
لم يلق في يوم الهياج كتائبا | إلا وفرق جمعها وأبادها |
حتى أتت منقادة لنبيها | لولاه لم تعط النبي قيادها |
لكن رأت في الغاب ليثا قانصا | كم راح يقتنص الليوث فصادها |
يسطو فتنفر خيفة من بأسه | فكأنها حمر رأت آسادها |
ما عذر من جحدت علاه وفضله | حتى أرته بغضها وعنادها |
من حيث تم له الكمال فأصبحت | من نقصها تبدي له أحقادها |
آلام آلهي في معاصيك أدأب | أشرق فيها دائما وأغرب |
أبا حسن حر المصيف يضرني | فكيف لظى لو لوحتني وهبهب |
أتعلو على متن الصراط وتحته | وليك باك يستغيث ويندب |
أفي هذه الدنيا أقاسي بك العدى | وعند مماتي في الجحيم أكبكب |
فما الفرق بيني يوم حشري وبين من | غدا لك في نصب العداوة يدأب |
أبا حسن أنت الأمان إذا أتى النـ | ـداء خذوه والموازين تنصب |
ويا ملكي قبري أبعدا وتنحيا | فحي علي المرتضى لي مذهب |
حنانيكما لا تذعراني فإنني | إليه بآبائي أمت وأنسب |
فلله أم أرضعتني ولاءه | وقد كان في صدق الولا مثلها الأب |
يسلب أثواب الحياة مغسلي | وثوب ولاه ثابت لا يسلب |
أمن منكر أم من نكير أراع لا | إذا أنا في نص الغدير مكذب |
فمن مبلغ عني المسيتين أنني | وهبت خطايا جمة ليس توهب |
ألمع بروق أم بريق الصوارم | أم ابتسمت عن ثغرها أم سالم |
أجل تلك سلمى سلمت فتبسمت | دجى فأضاءتنا بروق المباسم |
سلام وتسليم على أم سالم | وإن كنت من وجدي بها غير سالم |
شكوت لها ما بي من الوجد والجوى | وهل تنفع الشكوى إلى غير راحم |
أمالكتي والملك لله فأفقي | بصب كئيب موجع القلب هائم |
ولا تحرميني من جمالك نظرة | ولا تجعلي الأعراض ضربة لازم |
سقى عصرنا بالرقمتين فطالما | نعمنا بدعد في رباه وفاطم |
بديعة حسن لو تراءت لراهب | لناح عليها نوح ورق الحمائم |
وأصبح عن دين المسيح بمعزل | ولم يثنه عن حبها لوم لائم |
تميس كغصن البان رنحه الصبا | بفرع كمسود الدجنة فاحم |
ووجه يحاكي الشمس في رونق الضحى | كما انجلت المرآة أبيض ناعم |
بدت روضة للحسن فيه أنيقة | حمتها بألحاظ كبيض الصوارم |
فمن نرجس غض تريه لحاظها | ومن إقحوان يجتلى في المباسم |
ومن جلنار أظهرته شفاها | وورد جني في الخدود النواعم |
مليكة حسن والأنام عبيدها | لها الحكم فلتحكم على كل حاكم |
كما تلك الأعناق بالجود والندى | يدا حمد المحمود عند العظائم |
أخو المحمد مشتق من الحمد اسمه | ووالده المحمود فرد الأكارم |
كذاك أخوه أسعد الناس أسعد | فتى جاور الرحمن أرحم راحم |
وأبقى لنا من بعده خلفا له | عليا علي القدر سامي الدعائم |
أولئك قوم ما لهم من مماثل | قد اقتسموا الحمد اقتسام الغنائم |
لهم شرف من جدهم وأبيهم | وفارسهم ليث الوغى والملاحم |
لئن أصبحت آباؤهم وجدودهم | رمائم فالآثار غير رمائم |
فذكرهم في الناس ما زال باقيا | وآثارهم مثل النجوم النواجم |
يجددها من بعدهم خير مالك | تملك أسباب العلى والمكارم |
هو ابن أبي الهيجاء مردي كماتها | وفارسها المعروف عند التصادم |
وغوث الورى في كل خطب إذا عرا | ومفزعهم في الحادث المتفاقم |
هو الغيث قد عم الأنام مواهبا | هو البحر من جدواه فيض الغمائم |
وهيهات أين الغيث من جود كفه | وهل غير باق زائل مثل دائم |
على أنه يعطي نضارا وعسجدا | وذاك بغير الماء ليس بساجم |
ولا يتبع المعروف بالمن والأذى | وإن وهب الدنيا فليس بنادم |
تراه إذا ما جاءه الضيف باسما | وحين يراه راحلا غير باسم |
تكاد مغانيه تهش عراصها | فتقدم من شوق إلى كل قادم |
ويرتاح للجدوى ويطرب للندى | كأطرابه عند اقتحام الملاحم |
طويل نجاد السيف سام إلى العلى | بهمته من قبل عقد التمائم |
كريم دعاه الحمد يا حمد الندى | ويا ابن النجيبات العفاف الكرائم |
ويا مولي العافين فضلا ونائلا | ويا حاملا للغرم عن كل غارم |
ويا حاكما بين الأنام بعدله | ويا منصف المظلوم من كل ظالم |
ويا ناظما شمل المكارم والعلى | ويا خاصما بالسيف كل مخاصم |
ويا مورد الأبطال في هوة الردى | ويا تارك الأموال غنما لغانم |
ويا ناهب الأرواح في حومة الوغى | ويا تارك الأجساد طعم القشاعم |
وكم وقعة مشهورة لك في العدى | سرى ذكرها في عربها والأعاجم |
تركت بها الأبطال صرعى على الثرى | خواشع أشلاء بغير جماجم |
وكم مادح أهدى إليك مديحه | وليس بما تقضي الحقوق بقائم |
فكان كمن أهدى إلى البحر جرعة | على أنها من لجه المتلاطم |
همام إذا ما جئته في مهمة | قضاها ولو كانت بحز الغلاصم |
كريم إذا استمطرته فاض نائلا | وجودا لفيض العارض المتراكم |
سريع إلى الجلى فإن تدعه تجد | أخا نجدة كالسيف ماضي العزائم |
غيور إذا ما هجته هجت ضيغما | من الغاب يسطو بالأسود الضياغم |
هو الليث إن سالمته كنت سالما | وأن لم تسالمه فلست بسالم |
صبور إذا ما أعجز الصبر ذا حجى | حليم وإن يظلم فليس بحالم |
وقور ولكن المديح يهزه | طروب ولكن عند وقع الصوارم |
خبير بصير بالأمور وناقد | لها نقد صراف لزيف الدراهم |
يرى ما تراه العين بالرأي والحجى | ينام ولكن قلبه غير نائم |
به عامل أضحت تفاخر غيرها | يدبرها تدبير أروع حازم |
فلا غرو إن أضحى عليها مؤمرا | من الملك المنصور صدر الأعاظم |
فيا حمد المحمود في الناس فعله | ونائله يا ابن الكرام الأكارم |
سموت على هام السماكين رفعة | وفقت على الفضل بن يحيى وحاتم |
إليك أنت تطوي الفيافي ركائبي | من النجف الأعلى إلى دير قاسم |
براها السرى لم يبق غير أهابها | يقوم على أضلاعها والقوائم |
وها هي في مثواك ألقت رحالها | وأنت لها دون الورى خير راحم |
فخذها ابن أم المجد كالشمس بهجة | شريفة قدر من شريف وهاشمي |
إليك الشريف الموسوي يزفها | منظمة كالدر في سلك ناظم |
ودم سالما ما دامت الأرض والسما | وضدك منكوس اللوا غير سالم |
ولولا علاكم ما نظمت قصيدة | ولا شاقني سلمى ولا أم سالم |
إلى عامل شوقي وفي القلب عامل | فيها ويح قلبي ما به الشوق عامل |
يحملني ما لا أطيق وأنه | ليثقل رضوى بعض ما أنا حامل |
فراق ووجد واشتياق ولوعة | وحزن وإن طال المدى متطاول |
وذكر حبيب نازح ومنازل | بعدن وفي قلبي لهن منازل |
وأجفان عين لا تجف دموعها | ونار لها بين الضلوع مشاعل |
تشاغل كل الناس فيما يهمهم | وعن كل شغل لي من الوجد شاغل |
وقائلة والنار تسعر في الحشى | وأجفان عيني بالدموع هوامل |
أراك أطلت الحزن والنوح والبكا | وما تحت هذا الطول للمرء طائل |
وعهدي بذاك الطود لا تستفزه | صروف الليالي والخطوب النوازل |
فقلت لها كفي الملام فربما | جهلت وقد يستصغر الأمر جاهل |
عذلت امرأ لا يخرق العذل سمعه | إلا فليطل ما شاء في العذل عاذل |
أمثلي من يلحى على طول حزنه | وتطمع مني في السلو العواذل |
فما أنسى لا أنسى الزمان الذي مضى | بعاملة والدهر عني غافل |
ويا حبذا لبنان من سفح عامل | ويا حبذا أجباله والسواحل |
ولا سيما منها ’’الزريرية’’ التي | أقام بها بحر له البحر ساحل |
يفيض على العافين فضلا ونائلا | فلا برحت تنهل منه الفواضل |
لقد خاب من أمسى يؤمل غيره | فما كل برق بعده الغيث هاطل |
وكم قد رأينا من سراب بقيعة | إذا جاءه الظامي فما الري حاصل |
إلى كل ملك في الأنام وسائل | وأن أياديه إليه وسائل |
كأن نداه الغيث والغيث سائل | إذا أمه مسترفد منه سائل |
تعود بسط الكف حتى لو أنه | ثناها لقبض لم تطعه الأنامل |
فكل حديث في الندى عنه مسند | كما كل فضل عنه يرويه فاضل |
لقد طال حتى لم يجد من مطاول | وساجل حتى لم يجد من يساجل |
وقال فلم يترك مقالا لقائل | وأن الصواب ألحق ما هو قائل |
لئن فخرت يوما بسحبان وائل | ففي حمد فلتفخر الدهر عامل |
على أنه أن يعز مجد لوائل | نمته إلى جرثومة المجد وائل |
بديع زمان والبديع ابتداعه | وقس أياد والأيادي هواطل |
يليغ فلا عبد الحميد ببالغ | مداه وما أن واصل منه واصل |
إذا ما جرى في الطرس يوما يراعه | رأيت القضا يجري على ما يحاول |
فمن أجل يقضى لمن جار واعتدى | ومن أمل يقضى لمن هو آمل |
يطول على السمر الطوال يراعه | ولا يفعل الخطي ما هو فاعل |
فيا حبذا ذاك اليراع وحبذا | بنان غدت تجري به وتساجل |
فهن لعمري الغيث والغوث للورى | وهن بحور والبحور جداول |
وهن على الأعداء يمطرن أبؤسا | ومن يسرهن اليسر للعسر قاتل |
فلله كم أحيت نفوسا وقتلت | بؤوسا فهن المحييات القواتل |
عداك الردى والبؤس يا ابن محمد | وغالت عداك الحادثات الغوائل |
ولا زلت منصور الكتائب في الوغى | تمدك من جند الإله قبائل |
حميت بلاد المسلمين وصنتها | وأنت لدين الله كافي وكافل |
وجمعت شمل العدل وهو مبدد | وفرقت شمل الجور والجور شامل |
وكم لك في يوم الحروب مواقف | ثبت لها والجو بالنقع حائل |
إذا صلت في الأعداء فروا كأنهم | سوام عليها الليث عاب وصائل |
وما زلت تروي من دمائهم الثرى | وتصدر ظمآنا وسيفك ناهل |
تبددهم في البيد شرقا ومغربا | كما بددت شمك البغاة الأجادل |
طلعت على الأعداء طلعة عارض | أطل المنايا منه طل ووابل |
وتقري الوغى يا ابن الوغى كل باسل | كمي تحاماه الكمات البواسل |
فتثني عليك الوحش والطير في السما | إذ الكل منها ناله منك نائل |
وتثني عليك البيض والسمر في الوغى | كما لم تزل تثني الجياد الصواهل |
لما البيض إلا في يديك صوارم | ولا السمر إلا في يديك عوامل |
ما الخيل إلا حيث تعلو متونها | جياد إذا ما قابلتك القبائل |
فلولاك ما ثارت جياد إلى الوغى | ولولاك لم تعقد لسيف حمائل |
ثقف السمر العوالي مثقف | ولا صقلت بيض المواضي صياقل |
لولاك زند المجد ما كان قادحا | وجيد العلى من حلية الفضل عاطل |
عدت الندى حيا وقد كان ميتا | فماتت ملمات وعاشت أرامل |
لما خاب من جاب الموامي قاصدا | إليك ولم تكذبه فيك المخايل |
ما أمك العافون إلا وأنجعوا | وقد رحلوا تثني عليك الرواحل |
لما جاد فيما جدت فيه ابن حرة | ولا بذل المعروف مثلك باذل |
غرب من عنقاء ما قد رأيته | جهول بذي في الجهالة واغل |
عدا يدعي ما أنت فيه من العلى | ويا رب دعوى ما عليها دلائل |
لويل أمه أين القصبا من القنا | وأين من البيض الرقاق المناجل |
لما كل ذي طول يطول على الورى | فرب طويل ما لديه طوائل |
جريت فما جاراك إلا ابن أسعد | على أنه من سعدك السعد نائل |
علي سما في ذروة المجد والعلى | مقاما عليا دونه النجم نازل |
فلا غرو إن أضحى يماثل عمه | فشبل العفرنا للعفرنا مماثل |
حنانيك قد أغرقت في طلب العلى | رويدا فما فوق النجوم منازل |
خطبت العلى حتى ملكت زمامها | وطلت علا ما طالها قط طائل |
سموت سمو الفرقدين على السهى | وقمت مقام البدر والبدر كامل |
إذا عامل في عامل جار واعتدى | سقته زعافا من يديك العوامل |
فكم من شديد البأس عبل شمردل | أتيح له منك الحمام المعاجل |
وكم لك من يوم أغر محجل | لك الخطب فيه ذل والخطب هائل |
رمى الله إبراهيم منك وجيشه | بغائلة فاغتالهم منك غائل |
ثبت لهم والحرب فاغرة اللهى | فما حلتهم فيها وأنت المماحل |
وفرقتهم أيدي سبا فكأنهم | قطاريع من أوكاره وهو قائل |
وما ملت إلا نحو مجد مؤثل | وغيرك نحو المال والسلب مائل |
فأبت وقد زملتهم بدمائهم | ونسوتهم ثكلى حيارى أرامل |
تروح وتغدو السافيات عليهم | وتندبهم في النادبات الثواكل |
تزورهم العقبان صبحا ومغربا | وتصدر عنهم وهي منيم نواهل |
وما برحت تعوي الذئاب عليهم | وقد ملئت منها البطون الهوازل |
تنوح عليهم في البراري وحوشها | وما كل من تبدي النياحة ثاكل |
وعدت فعادت بعدك الحرب أيما | وأنت الذي ألقحتها وهي حائل |
لا زلت للهيجاء يا ابن زعيمها | زعيما تحييك القنا والقنابل |
كم لك من أمثالها يا ابن قطبها | كفاك بيوم الجسر ما أنت فاعل |
عدوت عليهم عدوة الليث إذ رأى | فرائسه ندنو إليها الفراعل |
فمزقتهم بالبيض كل ممزق | وألبستهم ثوب الردى وهو شامل |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 190