الشيخ موسى ابن الشيخ أمين شرارة العاملي ولد سنة 1267 في قرية (بنت جبيل) بلفظ مؤنث ابن مضافا إلى مصغر جبل وتوفي ليلة الخميس قريب الفجر 11 شعبان سنة 1304 في بنت جبيل ودفن فيها.
(وآل شرارة) بيت علم في جبل عامل ومر منهم الشيخ محمد حسين شرارة ويحتمل كونهم من القبيلة العربية البدوية المعروفة بالشرارات والظاهر أن أصلهم من جزين ونزحوا عنها مع من نزح منها من الشيعة بدليل وجود مكان فيها يدعى عريض بيت شرارة إلى اليوم.
(صفاته)
كان عالما فاضلا معاصرا محققا مدققا فقيها أصوليا شاعرا أديبا واعظا خطيبا فصيحا حسن الأخلاق عالي الهمة كثير الحفظ حسن الخط جميل الصفات جامعا لأنواع الكمالات.
وذكره في تكملة أمل الآمل فقال: كان من حسنات العصر فاضلا في كل العلوم الإسلامية خصوصا في علم الأدب والفقه وأصوله وله إلمام بعلمي الكلام والحكمة قوي الحافظة جدا لا ينسى ما حفظ كثير الاستحضار لكل ما قرأه من العلوم وللشعر والخطب وتواريخ العلماء وأيام العرب حسن الأخلاق كثير التواضع حسن المحاضرة جدا كثير المحبة لأهل العلم كثير الترويج لهم أبي الطبع للغاية عالي الهمة لم يقبل من أحد من علماء عصره شيئا ويكتفي ما يرسله إليه أبوه ’’اه’’.
(أحواله)
بعدما حفظ القرآن في خمسة أشهر أشتغل بعلوم العربية في جبل عامل فقرأ النحو والصرف والمنطق والبيان وقرأ عليه الطلاب في هذه العلوم وقرأ المعالم في الأصول وقرأ شرح ألفية ابن مالك لولده بدر الدين وشرح الرضي على الكافية عدة مرار في جبل عامل والنجف الأشرف سنة 1288 فقرأ القوانين في الأصول وشرح اللمعة في الفقه ثم قرأ الرسائل في الأصول وهو في تلك المدة يباحث في علوم العربية والبيان والمنطق والأصول والفقه ثم صار يقرأ في الأصول والفقه خارجا عند علماء العرب والفرس واختلط بالعراقيين اختلاطا تاما أمثال السيد محمد سعيد حبوبي والشيخ أحمد ابن صاحب الجواهر والسيد مهدي الحكيم والسيد حسن الصدر وغيرهم وأقام في العراق نحوا من تسع سنين ثم رجع إلى جبل عامل سنة 1297 وقد أصابه مرض السل واستمكن منه وظهرت إماراته بملازمة السعال وبحة الصوت لكنه بقي ملازما لشرب الشاي صبحا وعصرا سفرا وحضرا الذي ربما كان أحد أسباب عروض السل له أو هو السبب كما عرض ذلك لجماعة من العامليين الذين اعتادوه في العراق وهي من البلاد الحارة وقد نشأوا في بلاد باردة فكانوا شهداءه، وكان أول رجل شربه في رجل عامل وسماوره أول سماور دخلها. وصادف في جبل عامل حظا وافرا وأقبل الخاصة والعامة عليه إقبالا تاما فنشر بها العلم وأحيا معالم الدين ورفع أعلام الشرع المبين وجدد معاهد الشعر والأدب وأشاع فيها إقامة العزاء لسيد الشهداء صلوات الله عليه بترتيب المجالس الأسبوعية في بنت جبيل والنبطية وغيرهما وأنشأ في بنت جبيل مدرسة اجتمع إليها جل طلاب العلم الذين كانوا في جبل عامل وكان يجمعهم كل ليلة جمعة ويسأل كل واحد منهم عن دروسه ومن لم يحضر يرسل وراءه وكان يتعاهد أمور الطلبة والمدرسين وينحي باللأئمة على المقصر وينوه بالمجتهد وبالغ في احترام السادة والأشراف وأهل العلم وإكرامهم وتعظيم العلماء وحث الناس على ذلك واستعمل الوعظ في المجالس العامة وتلاوة خطب نهج البلاغة وبرع في ذلك وسن مجالس الفاتحة في وفيات العلماء والعظماء ونظم القصائد في رثاء العلماء وحث الأدباء على ذلك ونشطهم فاتبعوه وتليت تلك القصائد في مجالس الفاتحة والمجالس العامة وراج سوق الأدب وحث الناس على إطعام الطعام في الثلاثة الأيام بعد الوفيات وكان شديد الوطأة على المتقعرين والمتكبرين. وفي عهده زار الأمير عبد القادر الجزائري قرية ديشوب التي يقطنها المغاربة وهي مجاورة لجبل عامل فدعاه الحاج محمد البزي أحد وجهاء جبل عامل إلى ضيافته في بنت جبيل فامتنع أولا فقال له أن جدك كان يكرم ذا شيبة شابت في الإسلام وعليك أن تقتدي بطريقته فقال له قد أجبتك فلما حضر إلى بنت جبيل وزاره المترجم ورأى فضله ومعرفته وحسن محاضرته أحترمه كثيرا وجعل لا يفارقه وكان كلما اجتمع بأحد من أهل السنة من حاكم أو عالم أو غيرهما يكون حديثه في الغالب مقصورا على التأليف بين الطائفتين وسعى في بناء المسجد الكبير في بنت جبيل على ما هو عليه اليوم من أموال المرحومين الحاج محمد وأخيه الحاج سليمان البزي وكان بانيه المعمار الشهير الحاج حميدي الصفدي ومعاونه صالح الصفدي وأدخل تحسينا كثيرا على طريقة التدريس بالالتزام بتفسير العبارة والاقتصار على ذلك إلا قليلا مما يتعلق بها وكان عادة كثير من المدرسين الإكثار من ذكر المطالب الخارجة عن العبارة وإطالة المدة في تدريس العلوم العربية وربما كان أول من درس القوانين بعد المعالم في جبل عامل وكانت العادة فيها تدريس شرح العميدي على تهذيب العلامة بعد المعالم كما كانت العادة كذلك في العراق قبل ظهور القوانين وأدخل تحسينا كثيرا على إقامة العزاء بترتيب المجالس الأسبوعية والوعظ فيها بقراءة بعض خطب نهج البلاغة وما يقتضيه الحال بشكل مؤثر في النفوس وقراءة الأحاديث على النحو الذي يتلى في مجالس العزاء في العراق وكانت العادة القراءة في عشر المحرم خاصة من الكتب المسماة بالمجالس من ترتيب بعض البحارنة المشتملة على الغث إلا ما ندر وهي عشرة مجالس مطولة في مجلد ضخم لكل ليلة من ليالي عشر المحرم مجلس يبتدئ بذكر خطبة من إنشاء مؤلف الكتاب أولها: أيها المؤمنون المجتمعون وقصيدة من شعر الخليعي غالبا وحديث طويل ملفق مما دب ودرج ولا تكون القراءة غالبا إلا في عشر المحرم وربما تكون في غيره لكن لا على وجه منظم بل كيفما اتفق وصادف فإذا كان يوم العاشر قرئ مقتل أبي مخنف أو غيره ولكنه كان لا يخلو من زيادات الناسخين والمرتبين. وبعد حضوره لجبل عامل صار يقرأ يوم العاشر مقتل ابن طاووس واتبعه أكثر الناس في ذلك ولما ألفنا لواعج الأشجان واشتهر وطبع مرارا صار الناس يقرؤون فيه وأحضر معه من العراق مجموعة جمعها له بعض قراء التعزية مما يتعارف قراءته هناك ونسخ الناس منها نسخا كثيرة وتداولوها وكان ينسخها الشيخ حسين شمس الدين بأجرة لكنه كان فيها الصحيح والسقيم ولم يكن هو ولا غيره يعلم بسقيمها ولا يلتفت أحد لذلك لقلة الاطلاع على التاريخ وقلة الاعتناء به عموما وبذلك خصوصا حتى إنه كان يعجب ببعض ما يذكر في مقتل أمير المؤمنين من الكلام المشتمل على هذه العبارات: إن البرد لا يزلزل الجبل الأشم ولفحة الهجير لا تجفف البحر الخضم والليث يضرى إذا خدش والصل يقوى إذا ارتعش وأمثال ذلك مع أنه من تنميق بعض القراء لا أصل له ولما ألفنا المجالس السنية جهدنا أن نجد لذلك ذكرا ولو في بعض الكتب الغير المعتبرة فلم نجد وأمثال ذلك كثير يطول الكلام باستقصائه وكانت هذه الأحاديث تقرأ في العراق على مسامع العلماء وبمحضر منهم فلا ينكرها أحد إلا النادر ولما ألفنا المجالس السنية هذبناها والحمد لله من جميع ذلك وميزنا القشر من اللباب والخطأ من الصواب وقد طبعت مرارا وانتشرت. وأدخل تحسينا كثيرا على الشعر والأدب بتغيير أسلوبه عما كان عليه فقد كان أكثر الشعراء العامليين يقتصرون في الغزل على أسلوب خاص وفي المديح على ألفاظ مخصوصة كالمكارم والمعالي والماجد والبحر والحبر وأمثال ذلك وكذلك في الرثاء فنبه الأفكار إلى التففن في أساليب الشعر والتجنب عما ينتقد منه وعقد لذلك المجالس وانتقد فيها الأشعار وفتح باب الانتقاد لغيره وسن للأدباء طريقة جديدة مما دعا الشعراء إلى تغيير أساليبه وتحسينه وتهذيبه وظهر في الأدب العاملي فرق واضح. وكان له على هذا الفقير (مؤلف الكتاب) فضل كبير بإظهاره العناية بي والتنويه باسمي في صغر السن وكان والدي رحمه الله لما زار العتبات الشريفة طلب إليه بنو عمي أن يرسلني إلى العراق فلما حضر إلى جبل عامل وزاره المترجم نهاه عن ذلك وأشار عليه ببقائي في جبل عامل وقال له إن الذين في النجف لا يفضلونه في التحصيل ولا يصلون إليه وكانت إشارته هي الصواب وقرأت في مدرسته حاشية ملا عبد الله وشرح الشمسية للقطب في المنطق والمطول في علم البلاغة والمعالم وشيئا من الشرائع قراءة تحقيق وإتقان وكتبت في حال القراءة حواشي على المطول والمعالم وغيرهما وأذكر أني رأيته في قرية عيتا وكنت في مدرستها وسني في نحو الثالثة عشرة فسأل عني وسألني فيما أقرأ فأخبرته فألقى علي بعض الأسئلة في النحو فأجبته وأسدى إلي بعض النصائح فعملت بها ثم دعاني إلى العشاء معه ثم ألقى علي أسئلة أخرى فأجبته وسررت بذلك ولما تحولت إلى مدرسته في بنت جبيل كان يطلب مني إلقاء الأسئلة على بعض الطلبة الذين كان يجمعهم كل ليلة جمعة وطلب مني القراءة في نهج البلاغة في المجالس العامة وتمرنت في أيامه على نظم الشعر وكان يثني على قصائدي إذا تليت في المجالس العامة وينشطني كثيرا جزاه الله عني خيرا. (وفي تكملة أمل الآمل): أنه ترقى في الاشتغال في العراق وتقدم على جميع طبقته حتى صار يشار إليه بالأكف وصار له محبة في قلوب عموم أهل العراق حتى بغداد والحلة وشاع ذكره بالفضل والجامعية وترتب على وجوده بعض المطالب الخيرية وكان إذا جلس في مجلس أو ركب في سفينة لزيارة الحسين عليه السلام لا يخرج من ذلك المجلس أو من تلك السفينة إلا وهو مالك لقلوب الكل حتى اتفق أنه تكلم في فضل تعلم العلم في بعض أسفاره إلى كربلاء وهو في الطرادة (السفينة الصغيرة) فلما رجعنا إلى النجف ترك جماعة الكسب والتجارة وصاروا يطلبون العلم ويراجعونه المشورة فيمن يقرؤون عنده وصار بعض هؤلاء علماء كالشيخ قاسم قسام والشيخ علي الخياط وغيرهما وبالجملة كانت فيه جاذبية ربانية لربانيته وصفائه وبينما هو كذلك إذ عرض له سعال وبحة في صوته فأوجب عليه الأطباء إما المعالجة أو تغيير الهواء بالذهاب إلى وطنه جبل عامل فجاء إلى بلاده ولما اطلع أهل البلاد على فضله وعلمه وكماله في قوتيه العلمية والعملية أكبوا عليه وعرفوا قدره فتصدى لإحياء السنن الشرعية وترتب على وجوده ترويج الدين وإعلاء كلمة المؤمنين وإعزاز الشرع المبين وصارت البلاد تزهو بنور علمه وتتضوع بنفحات قدسه فاجتمع عنده جماعة يطلبون العلم فرباهم وهداهم إلى الطريقة المستقيمة في طلب العلم ’’اه’’.
(مشايخه)
قرأ في جبل عامل على الشيخ جعفر بن علي آل مغنية ولازمه ملازمة تامة وكان هذا الشيخ ماهرا في العلوم العربية مشهورا بحسن التدريس وعلى الشيخ مهدي آل شمس الدين وقرأ القوانين في النجف وبعض الرسائل على الشيخ مرتضى الأنصاري وكان المدرس الأول في النجف في الأصول وقرأ شرح اللمعة عند الفقيه الشيخ عبد الحسين الطريحي وكان وحيدا في تدريسها في النجف وكانت قراءته لهذين الكتابين عندهما قراءة تحقيق وتدقيق ونقل كلام المحشين وأتم قراءة الرسائل على الشيخ ملا كاظم الخراساني مع حاشيته على الكتاب المذكور وقرأ في الفقه على الشيخ محمد حسين الكاظمي وعلى الشيخ محمد طه نجف وكان تلاميذه يومئذ لا يزيدون على الخمسة منهم الشيخ حسين محيي والشيخ جعفر الشروقي سبط صاحب الجواهر.
(مؤلفاته)
له منظومة في الأصول كبيرة جيدة شرع في نظمها حال قراءته على الشيخ ملا كاظم وأخرى في المواريث.
(أشعاره)
له أشعار جيدة منها ما قاله على ما حدثني به حين طلب منه بعض أصدقائه في النجف نظم قصيدة عن لسانه تهنئة في زفاف صديق له فقال ائتني من الغد فلما جاءه ناوله رقعة فيها:
تكلفني شعرا وبيني وبينه | على بعد ما بين السماء إلى الأرض |
وما أحد يهواه إلا هوى به | من المنصب الأعلى إلى موضع الخفض |
خليلي ما للدهر أقذى نواظري | وأضرم نارا في الحشى والضمائر |
عشية قد أودى بي البعد والسرى | وضعضع أعضاد المطي الضوامر |
سلام على حي ببطن زرود | سقت رمله غراء ذات رعود |
وصبحه غادي النسيم مرقرقا | ودبجه روض زها بورود |
فللقلب فيه منية ولبانة | أذابته وجدا في لظى ووقود |
وما تلك إلا ترب أروع ماجد | تفرع من عليا مقاول صيد |
به ضربت أعراق مجد فروعها | تسامت ولما تنته بصعود |
له مأثرات كالنجوم لوامع | قد انتظمت في الدهر نظم عقود |
فيا أيها الغادي على متن ضامر | يجوب قفار البيد غبر وئيد |
فتأكل منه اللحم طامسة الصوى | بإدلاج ليل في مهامه بيد |
فلم يبق إلا جلده وعظامه | من الجهد والجد الحثيث فأودي |
بجدك عج واستوقف العيس في حمى | به من بني العلياء خير عميد |
وقل واجد يرعى النجوم مسهد | وما ذاق بعد البعد طعم هجود |
سعدت وقد أشقيته أنت بالنوى | وكم من شقي في الهوى وسعيد |
فسيقا لأيام كأحلام نائم | وسالف عيش بالغري رغيد |
ولست أرى بعد الجسوم بضائر | فإن الذي في القلب غير بعيد |
كم ذا يقاطعني من لا أقاطعه | وتشرب اللوم جهلا بي مسامعه |
إن مال عني لأوهام ووادعني | فإنني وذمامي لا أوادعه |
ليس التلون من خيمي ومن شيمي | إذا تلون من ساءت صنائعه |
ولا أصانع إخوانا صحبتهم | فما خليلك يوما من تصانعه |
وشمت برق التجافي من أخ ذهبت | به الظنون بواد ضاق واسعه |
سرى يؤم بها غربا ومسلكها | شرق فسدت بداجيه مطالعه |
فمل بها للقضاء الرحب وأسر بها | مع الصباح فلا تخفي شوارعه |
جرى الهوى منه مجرى النفس فانصبغت | به على يد هماز وشائعه |
شربت رنقا إجاجا من موارده | وماء حبي له راقت مشارعه |
أفي كل يوم لي خليل مفارق | ودمع به إنسان عيني غارق |
وفي كل يوم لوعة ترقص الحشا | وقلب إذا ما أومض البرق خافق |
أبى الدهر إلا أن يرفق مشرعي | فلا مورد لي منه صاف ورائق |
أمن ذكر دار بالحمى أنت شائق | ومع دمعك الجاري شهيد وسائق |
تحن حنين النيب شوقا وتنثني | إذا لاح منه تلقاء مدين بارق |
أجل أن قلبي قد أصابته أسهم | من البين فهو الدهر صديان خافق |
وأخفي جوى بين الأضالع كامنا | ويبديه شجوي كلما جن غاسق |
أراعي السهى والطرف لا يألف الكرى | وكيف ينام الليل صب مفارق |
لي عزم كمرهف الحد ماض | ومقام على السماك تسامى |
كم مزايا ورثتها من أصول | زاكيات تضوعت كالخزامى |
أيها الدهر سوف تنظر بأسي | وترى أينا أشد خصاما |
لا ترمني وخذ حذارك مني | فسأسقيك من يدي حماما |
أترى جانبي بلين وحصني | غاية الخلق من أقام النظاما |
بكر النعي بعامل فأمادها | ونعى معالم دينها ورشادها |
هدمت به الأيام هضبة عزها | والدهر قوض ركنها وعمادها |
ونعى بفيه رغامها من هاشم | فردا به اختلس الردى أفرادها |
طود تداعي بالعراق فزلزلت | أرض الشئام وزايلت أطوادها |
وبها هوى العلم الرفيع فنكست | أعلامها ولت له أجيادها |
وتناثرت زهر النجوم وأعلنت | للعالمين بفقدها وقادها |
ثلمت يد الأقدار سيفا قاطعا | من هاشم فلتثلمن حدادها |
وقناة عز لا تلين لغامز | حطم الردى فتحطمن ضعادها |
كان اللسان لها وكان سنانها | إن أظهرت لد الخصوم لدادها |
ما للمنية لا تزال سهامها | ترمي حشاشة هاشم وفؤادها |
ولكم لها من لوعة ورزية | قدحت فأورت بالقلوب زنادها |
ما لنفسي ذابت وطارت شعاعا | ولقلبي أثر الظعائن ضاعا |
ذهب الصبر والأسى يوم بانوا | وتنادوا فيه الوداع الودعا |
غادروني مثل الخيال صريعا | وألفت الآلام والأوجاعا |
أخذوا مهجتي ولبي وأبقوا | نفسا خافتا جوى والتياعا |
وهجرت الرقاد إلا لزور | في خيال أذوقه تهجاعا |
’’العاملي’’ تقر فيك عيونه | وأرد منك بصفقة المغبون |
فلأجلبن على ’’العوامل’’ غارة | من كل حائلة النسوع صفون |
يحملن فوق متونهن أجادلا | ولجوا عرينة ليث كل عرين |
سلبوا سويداء الفؤاد وظنهم | سلبي عليا ليس بالمظنون |
ألا أيها القلب الذي قاده الحب | أفق أن أمر الحب أيسره صعب |
إذا كان لا يسليك طول تجنب | وصد ولا يشفيك من غلة قرب |
فما أنت إلا هالك ومعذب | رهين بأيدي الشوق ملتهب صب |
تكلفني ما لا أطيق من الهوى | وترحل عني حين حل بي الخطب |
كمن شن نحوي غارة البين والجفا | وليس سوى ودي عليا له ذنب |
ولي عزمة قد أرهف الحزم حدها | تقاصر عن إدراكها الأنجم الشهب |
سألقي عصا تسعى إليه كحية | تكاد له الأحشاء تذهب واللب |
وعندي من السمر الرماح ’’عوامل’’ | وبيض صقال شأنها الطعن والضرب |
تراهم إذا ما أبدت الحرب نابها | ينالون شأوا ليس تبلغه النجب |
كماة إذا دارت رحى الحرب تحتهم | نجائب في يوم الهزاهز لا تكبو |
وإن بهم من لا يهاب بموقف | ولي عزمة من دونها الصارم العضب |
عليكم سلام بالرحيق ختمته | تساقط من منثوره اللؤلؤ الرطب |
أكذا تكون جنابة الأقدار | أذكت بقلب الدين حر أوار |
هدمت من الإسلام أية قبة | ورمت منار هدى وأي منار |
فجمعت قلبي باليدين وهاجني | خبر أتى من أفظع الأخبار |
علم هوى فلوت له أعناقها | غلب الرجال خواشع الأبصار |
ومهند شحذ الإله غراره | للدين فلله القضاء الجاري |
غيث العباد إذا السنون تتابعت | هطلت يداه بعارض مدرار |
ذهبت به أيدي القضاء فصوحت | كل الربوع بسائر الأقطار |
والري جف وأقلعت ديم الحيا | والأرض ترضع بلة الأشجار |
من للأرامل واليتامى بعده | ومن المقيل لزلة وعثار |
أين المؤمل للخطوب إذا دجت | يوما فكن لها الشهاب الواري |
أين الذي كانت به أيامنا | عيد السرور وليلنا كنهار |
فغدا نهار الناس ليلا بعده | والعيد رزء جل في الأعصار |
أين الذي بلسانه فصل القضا | في المشكلات ومعضل الأخطار |
ذهبت به أيدي المنون وإنما | ذهبت ببحر معارف زخار |
فلقد قضى هو والمكارم والعلى | ومضى ونور العلم والأنظار |
أدعوك يا من كان شمسا للهدى | يجلو الظلام بساطع الأنوار |
يا غيث منتجع ومزنة آمل | إن عم عام المحل بالإعسار |
عشيت بلاد الشام بعدك ظلمة | عشواء نقبت الورى بسرار |
كانوا يعون بك الهدى ويرونه | فذهبت بالإسماع والأبصار |
ورمتهم شهب السنين بأزمة | تدع العزيز بذلة وصغار |
فارقت دهرك ساخطا لفعاله | وجواره فسكنت أرفع دار |
وتركت في الأحشاء بعدك لوعة | لم تبق في الآماق طعم غرار |
لما نأيت نأى التصبر والأسى | فغدت عليك صوارخا أشعاري |
من ذا نرجيه لدفع ملمة | وزوال معضلة وفك أسار |
أم من يلوذ العالمون بظله | بعد العماد وأين أمن الجار |
رفعته أسرار القضاء لروضة | في جنة المأوى مع الأبرار |
حملوا سريرا ضم آيات الهدى | وحوى الكمال ومعدن الأسرار |
هو ذلك التابوت فيه سكينة | وبقية من حكمة الجبار |
يمشون والأقدام طائشة الخطا | جزعا ووجدا والعيون جواري |
حثوا التراب على الرؤوس فجللوا | وجه السماء بعثير وغبار |
وطووه والتقوى بقبر ضمه | وشريعة الهادي وسر الباري |
جدث إذا تاه الوفود له اهتدوا | بنسيمه الذاكي بعرف عرار |
دفنوا محمد عز دين محمد | من كان يحيي الليل بالإذكار |
من كان يزهر ليله بتخشع | وترهب لله في الأسحار |
وتراجعوا والأرض ترجف فيهم | من بعده وقلوبهم في نار |
فتحاويت آفاقها بمآتم | تستفرغ العبرات باستعبار |
يا دهر إن غيبت شمس محمد | فله خلائف كالنجوم سواري |
فعلي خير خليفة لمحمد | يهدي لا هدى سنة وشعار |
متجليا كالبدر يشرق وجهه | يوم النوال لأعين النظار |
وإذا تسابقت الكرام لغاية | حاز الرهان بحلبة المضمار |
وجرى بمستن المآثر سابقا | دون الورى حسن بغير عثار |
فرعان من دوح المكارم والعلى | بسقا بأرسى ضئضئى ونجار |
قمران في وجه الزمان تلألآ | نورا وأين مطالع الأقمار |
أملان للراجي وغيظا حاسد | وهما شجا في حلق كل مماري |
وهما له وعلي ابن محمد | خلفاء خير خلائف أخيار |
هم أنجم للسائرين وإنما | بسنا النجوم الزهر يهدي الساري |
وهضاب حلم لا تخف بنكبة | والحلم حيث العلم بالأسرار |
والأكبر الزاكي علي أنه | أمن المورع ومنعة للجار |
صبرا بني التقوى فإن محمدا | حي بما أحيا من الآثار |
فالصبر أجمل من الأمور مغبة | وبه رضاء القادر المختار |
نعى الدين والدينا فغم ظلامها | وجلل وجه النيرات قتامها |
وطبقها شرقا وغربا مآتما | وحار بظلماء الموامي أنامها |
وشاعت بآفاق البلاد رزية | وذر عليها من شواظ سمامها |
ومادت رواسي الأرض والأرض زلزلت | بأطرافها مذ زال عنها شمامها |
وأوترت الأقدار قوسا فأقصدت | حياة قلوب العالمين سهامها |
وجال الردى فابتز من قبة الهدى | عمودا فلما زال زال نظامها |
وتلك الخطوب السود جرت على الورى | مصائب في الأحشاء أضحى مقامها |
مضت بغياث العالمين وغوثهم | وغاب على رغم البرايا أمامها |
فمن بعده للمجتدين ينيلهم | إذا ما السنون الشهب أمحل عامها |
لقد كان من كفيه عشر غمائم | تسح إذا الأيام جف غمامها |
ومن بعده للمجتلين يريهم | سنا الشمس في عشواء داج ظلامها |
ومن للقضايا المشكلات يحلها | بفصل القضا إن ثار يوما خصامها |
به سلك الناس السبيل إلى الهدى | فغاب فعجت بالمراثي كرامها |
وطارت شعاعا من جسوم نفوسها | وذابت قلوب شب فيها ضرامها |
دهاها نعى ناع بفيه رغامها | فقرح أكباد الأنام أوامها |
وصاح جنا المصباح والنعمة انطوت | عن الأرض فارتجت وضجت شئامها |
وفلت يد الأيام سيفا بعامل | فأضحت يدا شلاء بان حسامها |
وعط الجوى مني الجوايا وأرسلت | عيوني دما من ذوب قلبي انسجامها |
وبت كأني بين أنياب أرقش | مسهد عين بان عنها منامها |
خليلي هبا وأنشدا أين مهجتي | فقد ظعنت عيني وشط مرامها |
وأنحلني رزء جليل فلو على | ثمام أراني لا يميل ثمامها |
وإني لفي شغل بنفسي عن الورى | وشغلي بها عمن سواها جمامها |
ولم يبق لي في خلة الناس مطمع | فقد قل من يرعى لديه ذمامها |
أأرجو صفاء من قلوب كأنها | صفا الصم أن تصدع عناك التئامها |
وما كل أرض تنبت الزرع يانعا | وإن أنبتت كان النتاج حطامها |
أرى واحدا كالألف لكن كواحد | ألوف وإن لم تحص عدا فئامها |
وكم فيهم من يعجب الناس منظرا | ويعجب بين السحب مرآى جهامها |
وما الناس إلا خابط أثر خابط | بليل على عمياء مرخى زمامها |
فدعني ونفسي والجوى لرزية | يسيل لها من سحب دمعي ركامها |
بها ثلم الإسلام والعلم ثلمة | وتلك لعمري لا يسد انثلامها |
مصاب دهى الدنيا بفقد عميدها | وغيب شمس الكون عنها حمامها |
وحامت قلوب الناس حول سريره | لتروى كما للورد حام حمامها |
وحفوا اعتصاما من حوادث دهرهم | به وبه الأيام كان اعتصامها |
وساروا به والأرض مادت كأنما | هي الساعة العظمى دهاهم قيامها |
وأموا به من جنة الخلد روضة | فحل بها طود البلاد همامها |
طووا في الثرى من كان آمنا لخائف | وصمصامة ما كان يخشى انحطامها |
طووا مزنة التأميل بحر معارف | ونجما به في الأرض يهدي أنامها |
هو الحبر عبد الله نعمة ربه | مضى وعرى العلياء بان انفصامها |
مضى علم الأعلام عنها فنكست | وأعناقها مالت وطأطأ هامها |
والصبح جئنا قرية الرمادي | ميلا من الإدلاج والسهاد |
ومذ دنا وقت الأصيل أوجفوا | مثل سهام أو كريح تعصف |
وقد أتينا بقعة وعرسوا | بها إلى الصبح وقلبي يوجس |
وفي الصباح هجهجوا وساورا | وللنوى في مهجتي أوار |
وجاءت النوى بنا ’’لهيت’’ | قد أحرقت بالقير والكبريت |
مغبرة الأرجاء والجوانب | فلا سقاها صيب السحائب |
نلت بها من الأذى ما لم يطق | من الغبار وتواتر العرق |
ثم ارتحلنا ساعة تكاد | من حرها تلتهب الأكباد |
وقد أتى الليل بوجه عابس | مرتديا بحلة الحنادس |
ونحن نطوي البيد حزنا سهلا | ومهجتي في حر نار تصلى |
وقد أتى السير بنا راد الضحى | إلى مكان بالرياض أتشحا |
وفيه جبة بوسط الماء | مبنية محكمة البناء |
قد غرست حدائق النخيل | بها فطابت منزل النزيل |
يخفق في أرجائها النسيم | فطاف في كؤسه النديم |
وهاجني سواجع الأطيار | بها على منابر الأشجار |
بها أقمنا ليلة ويوما | والركب نالوا راحة ونوما |
وثور الحادي بنا صباحا | وجد جدا يسبق الرياحا |
ولم نزل نسري وقلبي هائم | على حمى الغري شوقا حائم |
والتزموا من السري حثيثه | حتى أتينا قرية الحديثه |
وهذه كجبة مبنيه | لكن سجايا أهلها رديه |
قد سرقوا منا إناء السمن | فبت فيها فاقدا للأمن |
أرعى ثيابي تارة وصحبي | مسهدا طرفي حذار النهب |
ومذ أضاء الصبح صرنا نبتغي | عناء عانة ولما نبلغ |
حتى اعتلى نهارنا فخيموا | في جنب خان ليته يهدم |
والعصر قد صرنا نجوب البيدا | سير ظليم جد لا وئيدا |
وما بلغنا عانة حتى ذهب | صبري وأوهى جلدي أذى التعب |
فصرت ساعتين في الأشجار | جدا على قناطر الأنهار |
وكم بها غرس من الحدائق | عن حصره يحصر فكر الحاذق |
وما بلغنا منزل النزال | في وسطها إلا بقلب بال |
فبت والعظام مني واهيه | ومهجتي في حر نار صاليه |
ونمت فيها وصبا محموما | موزع القلب جوى مغموما |
ومذ أضاء الصبح والنهار | تفرق القوم لكي يمتاروا |
فاشتروا الأدنى بأغلى ثمن | فقبحت من بلد ومسكن |
وجاءنا النائب فيها عصرا | مبتغي الأنس فقلنا بشرا |
وجئته بالكؤوس كالدرر | ثم استحالت كعقيق أحمر |
وجاءنا الحاكم وهو القيم | مقام والي الأمر فيما يحكم |
وصاح قبل الصبح حادي السفر | فهجهجوا ثم غدونا نسري |
نطوي بأرض عانة الحزونا | وأعيني قد هملت شجونا |
وبينما نسري إذا بالنائب | أضحى سميري وغدا في جانبي |
ثم تسامرنا بأخبار السلف | وذكر أرباب المعالي والشرف |
والظهر جئنا لمكان خالي | ما فيه غير النؤي والأطلال |
هواؤه نار تلظى فاستقل | قلبي وجسمي قد أذابته العلل |
حتى إذا ما الليل وافى وهجم | ببرده والحر ولى وانهزم |
وانتصف الليل فصرنا نقطع | أحشاءه ودمع عيني يهمع |
مولع القلب بسكان الحمى | وبعدهم نارا بقلبي أضرما |
ألهج في ليت أعود ولعل | مشتكيا لله فيما بي نزل |
ولم نزل نشق جلباب الدجى | حتى مضى بجنده مهجهجا |
والصبح كالسيف بهام المجرم | عمدا بدا أو غرة في أدهم |
والشمس لاحت مثل خد لطما | فأحمر أو مبيض خد لثما |
وقد أضر الجد والمسير | بنا وجاء الحر والهجير |
ومالت الشمس إلى الزوال | فخيم الركب بلا إمهال |
وارتفع النهار والغبار | وفر عني الصبر والقرار |
في منزل به لئام الناس | فقبحوا من فئة إنكاس |
وعرس الركب وعند الفجر | سروا وآماقي دموعا تجري |
وفي الضحى جئنا أبا كمال | ضد المسمى بل أبا الأهوال |
وفيه قوم من صخور خلقوا | وهم عن الوحوش لم يفترقوا |
وفيه مأمور يرد الساري | عن قصده لسائر الأمصار |
وما به شيء من الأشياء | يلزم للإنسان غير الماء |
فلا سقاه صيب الغمام | ولا الذي فيه من الأنام |
فكم غليظ الوجه والطباع | منتبه في أخبث البقاع |
فشكله قذى على النواظر | غم على القلوب والضمائر |
وفيه ظلما قد بقينا مده | ستة أيام بأي شده |
ثم ارتحلنا ثامن الليالي | على مصاعيب من البغال |
نطوي قفار البيد والموامي | ومهجتي تلهب في أوام |
وفي الضحى حط الرحال الركب | بمربع فيه فريق عرب |
والعصر صرنا نقطع القفارا | حتى أتى الليل وقد أنارا |
ومنذ غاب القمر المنير | عنا نزلنا وانتهى المسير |
وريثما كانوا نياما رحلوا | وفي الميادين ضحى قد نزلوا |
وهي على ماء الفرات عاليه | في هضبة حوت كلابا عاويه |
والعصر صرنا وزناد البعد | يقدح في الأحشاء نار الوجد |
والليل بالبدر أتانا مقبلا | فطاب مسرانا إلى أن أفلا |
والركب قد مالوا على الركائب | تشق فيهم ظلمة الغياهب |
ثم نزلنا بمكان لم نجد | به سوى المانع للذي يفد |
فقال مهلا فانزلوا فخيموا | هنا بأمر جاء ممن يحكم |
فلم نجد من النزول بدا | وازداد قلبي لوعة ووقدا |
وقد أقمنا فيه سبعة على | بؤس من الكرب الذي قد نزلا |
في موضع قفر من السكان | ما فيه ما يلزم للإنسان |
إلا غبار دائم وريح | عاصفة زاد بها التبريح |
بين أناس شأنهم شرب العرق | لا سيما القاضي عليه ما استحق |
ثم ارتحلنا ودخلنا الديرا | ولم ننل شرا به وخيرا |
هواؤه معتدل رقيق | وربعه مرتبع أنيق |
وقد خرجنا منه نبتغي حلب | عصرا وقد زال عن الركب التعب |
وأقبل الغروب والبدر ظهر | كوجه ورد أحمر من النظر |
وعلقت أهدابي الأعالي | بالنجم أبكي سالف الليالي |
وطارت الشهب إلى السماء | من نفسي في ليلة الأحياء |
ذكرت أوقاتي بها في كربلاء | رب العلى ما بين أرباب العلى |
ثم نزلنا منزلا قد أقفرا | به توجهت لسيد الورى |
وبعدما ناموا قليلا رحلوا | ومن الضحى عند الفرات نزلوا |
فخيموا بها وعصرا قوضوا | عنه وللركاب كلا نهضوا |
وجشموها قطع طامس الصوى | من الفيافي فأذابها الطوى |
تخدي بهم في الهضب والسهوب | ضمر وقد ضجت من اللغوب |
ولم نزل نسري بضوء القمر | ليلا وقد رق نسيم السحر |
يحمل من أرض الحمى أرواحا | يحيي بها النفوس والأرواحا |
ومذ أتينا الماء قبل الفجر | ألقوا عصا السير بجنب النهر |
وقد هووا صرعى من الإنضاء | من شدة الإدلاج والإسراء |
وعندما أشرقت الشمس علوا | على المطايا وحثيثا قد سروا |
وهم يجوبون من البقاع | أحزنها منه سهل أو تلاع |
والظهر قد عجنا على فريق | في جانب الفرات بالطريق |
وما سقونا غير مذق من لبن | لكن بأغلى قيمة من الثمن |
وعرسوا ثم سروا صباحا | جابوا هضاب الأرض والبطاحا |
وقد أراحوا العيس عند العصر | بمنزل على الفرات قفر |
به بقينا ليلة في وجل | من سطوة الليث بذاك المنزل |
وحين عمر الليل أضحى يذهب | نادى منادي الركب هاؤم اركبوا |
ثم سروا ينتهبون التربا | ويقطعون البيد حزنا سهبا |
وحينما جاء الزوال ضربوا | خيامهم وفي المكان عرب |
وما أتونا بسوى المخيض | فليتهم في النار بالحضيض |
وقربهم أبو هريرة دفن | والأمر في مدفنه لم يستبن |
وقد بقينا ليلة ومذ دنا | أن يطلع الفجر قصدنا مسكنا |
وما برحنا في الفيافي نسري | حتى أتيناها قبيل الظهر |
وهي لعمري اسم بلا مسمى | بها الفرات قد طمى خضما |
منها فقدنا سائغ الفرات | وماؤه كان من الحياة |
وأوجفوا ليلا على الرحال | والخيل والحمير والبغال |
وغرد الحادي ومذ طال السرى | مالوا نشاوى قد سقاهم الكرى |
ومذ مضى النهار والليل انقضى | عارضنا فريق عرب قوضا |
يحدون خمصا ضمرا وقودا | أشاعثا خمصا تشق البيدا |
يحملن أقمارا على الحدائج | أنجما تزهر في الهوادج |
وفي الضحى جئنا إلى نهر الذهب | وهو مكان ناضر لدى العرب |
كسته أيدي السحب روضا أخضر | من سندس ومطرفا محبرا |
وقد بقينا فيه للعشاء | ثم ارتحلنا في جى الظلماء |
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل | خلوت ولكن قل علي رقيب |
ولا تحسبن الله يغفل ساعة | ولا أن ما يخفى عليه يغيب |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 172