مهدي بن مرتضى بن محمد الحسني المعروف ببحر العلوم السيد مهدي ويقال محمد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد الحسني البروجردي المعروف ببحر العلوم الطباطبائي من نسل إبراهيم الملقب (طباطبا) من ذرية الحسن المثنى
ولد بكربلاء ليلة الجمعة في شوال سنة 1155 وتوفي بالنجف الغروي سنة 1212 ودفن قريبا من قبر الشيخ الطوسي وقبره مشهور.
(أقوال العلماء فيه)
هو الإمام العلامة الرحلة رئيس الإمامية وشيخ مشايخهم في عصره نادرة الدهر وإمام العصر الفقيه الأصولي الكلامي المفسر المحدث الرجالي الماهر. في المعقول والمنقول المتضلع بالأخبار والحديث والرجال التقي الورع الأديب الشاعر الجامع لجميع الفنون والكمالات الملقب ببحر العلوم عن جدارة استحقاق ذو همة عالية وصفات سامية نفس عصامية وأخلاق كريمة وسخاء هاشمي ورياسة عامة. قال أبو علي محمد بن إسماعيل في رجاله (منتقى المقال): السيد السند والركن المعتمد مولانا السيد مهدي ابن السيد مرتضى ابن السيد محمد الحسني الحسيني الطباطبائي النجفي أطال الله بقاءه وأدام علوه ونعماءه الإمام الذي لم تسمح بمثله الأيام وعقمت عن إنتاج شكله الأعوام سيد العلماء الأعلام ومولى فضلاء الإسلام وعلامة دهره وزمانه ووحيد عصره وأوانه، إن تكلم في المعقول قلت هذا الشيخ الرئيس أو في المنقول قلت هذا المحقق العلامة في الفروع والأصول أو ناظر في الكلام قلت: هذا علم الهدى أو فسر القرآن المجيد قلت إنه الذي أنزل عليه ’’اه’’.
وقال بعض أهل العصر: أما وفور تبحره وتوسع علمه وإحاطته بالفنون وحقائقها وتوغله في تنقير أعماق المطالب وكشف دقائقها فشيء يبهر العقول كما هو ظاهر لمن راجع مصابيحه في الفقه حتى قال تلميذه السيد صدر الدين العاملي عند ذكره: وهو عند أهل النجف أفضل من الأستاذ الأكبر (الشيخ جعفر) قال: وهو ليس عندي ببعيد. وقال تلميذه الآخر الشيخ أسد الله في المقابيس عند ذكر مشايخه: ومنهم الأستاذ الشريف ثمرة الدهر وناموس العصر.
(أحواله)
قرأ مدة على والده في كربلاء وعلى الشيخ يوسف البحراني ثم انتقل إلى النجف سنة 1669 وعمره 15 سنة تمام سن البلوغ كما ذكره في بعض مجاميعه وتلمذ على جماعة من فضلائها منهم الشيخ مهدي بن بهاء الدين محمد الفتوني العاملي والشيخ محمد تقي الدورقي وغيرهما ثم عاد إلى كربلاء وأشتغل على الآقا محمد باقر البهبهاني ثم رجع إلى النجف وأقام بها قال أبو علي: وداره الميمونة الآن محط رحال العلماء ومفزع الجهابذة والفضلاء وهو بعد الآغا البهبهاني إمام أئمة العراق وسيد الفضلاء على الإطلاق إليه يفزع علماؤها ومنه يأخذ عظماؤها وهو كعبتها التي تطوى إليها المراحل وبحرها الذي لا يوجد له ساحل مع كرامات باهرة ومآثر آيات ظاهرة ’’اه’’.
ولما عاد إلى النجف كان قد أجتهد في الفروع والأصول وبرع في المعقول والمنقول مع مشاركة جيدة في الأدب وسائر الفنون فرأس فيها وأذعن له جميع معاصريه في ذلك وصارت الرحلة إليه من سائر الأقطار وجدد دولتي العلوم والآداب وأحيا مآثر الأسلاف والأصحاب وخرج جماعة من مشاهير العلماء والأدباء وأثمرت سائر الفنون على عهده مما يقل نظيره إلا في الأدوار مضافا إلى ما اتفق على عهده من سخاء هذا العصر بكثير من الأفاضل والأماثل من معاصريه أعانوا في هذه النهضة فكان والي العراق إذا ذاك سليمان باشا الشهير وأمير العرب حمد آل حمود شيخ خزاعة المشهور بدهائه ومواهبه العظيمة ومن علمائه الفتوني العاملي والدورقي والبهبهاني والشيخ يوسف البحراني والشيخ جعفر والسيد جواد العاملي والشيخ حسين نجف. ومن شعرائه وأدبائه الفحام وآل الأزري وآل النحوي والشيخ علي زيني والسيد محمد زيني وآل الأعسم والشيخ مسلم بن عقيل وغيرهم كثير وقد لاحظ هو مزايا عصره هذا فكان يفتخر بذلك ويرى أنه غرة شاذة في جبين العصور، وقد كان على جانب عظيم من مكارم الأخلاق تقيا كبير النفس علي الهمة سخيا مجتهدا مخلصا يكره التزلف والرياء ويؤثر الحقائق على الظواهر واللباب على القشور. ويعتقد السواد الأعظم إلى الآن أنه من ذوي الأسرار الآلهية الخاصة ومن أولي الكرامات والعنايات والمكاشفات ومما لا ريب فيه أنه كان ذا نزعة من نزعات العرفاء والصوفية يظهر ذلك من زهده وميله إلى العبادة والسياحة.
(سيرته)
كان يحب الشعر وإنشاده فيستنشد الشعراء ويرتاح إلى محاضراتهم ومطارحاتهم ويحكمونه بينهم ويمدحونه فيجيزهم الجوائز الجليلة وهو نفسه شاعر مطبوع ينظم الشعر كثيرا ويجاري الشعراء في محاضراتهم ومطارحاتهم، خمس الشيخ محمد رضا النحوي أحد شعراء ذلك العصر مقصورة ابن دريد وجعلها في مدحه فسأل بكم أجاز الشاه ابن مكيال ابن دريد على هذه القصيدة فقيل ألف دينار فأجازه ألف تومان ذهبا ولا يمنعه ما هو فيه من الزعامة والإمامة والاشتغال بالأمور العامة عن صرف شيء من غالي وقته في مثل ذلك وكانت داره مجمع العلماء والأدباء يجري فيها من المحاضرات والمسامرات والنوادر والملح الشيء الكثير مثل معركة الخميس ومسألة التحكيم.
وقلده في الميل إلى ذلك غير واحد من معاصريه فكان أكثر شعراء ذلك العصر علماء وأكثر علمائه شعراء كل ذلك ببركة أنفاسه وقد تخرج عليه كثير من الفريقين فمن العلماء الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء والشيخ حسين نجف والسيد جواد العاملي وابن عمه السيد حسين العاملي والسيد مرتضى الطباطبائي والسيد محسن الأعرجي والشيخ محمد علي الأعسم والشيخ حسن نصار كل هؤلاء فصحاء بلغاء أدباء ومن تصفح آثارهم مثل المحصول وكشف الغطاء ومفتاح الكرامة علم من بلاغة عباراتهم صحة ما نقول وأما الأدباء فمثل من ذكرنا من آل الفحام والنحوي والأعسم والأزري وغيرهم.
وبعد رحلته للنجف بسبع عشرة سنة زار المشهد الرضوي في ذي القعدة سنة 1186 وهي سنة الطاعون كما ذكره في بعض مجاميعه وفي هذه الزيارة لقبه الميرزا مهدي الشهيد الخراساني ببحر العلوم وبقي هذا اللقب لازما له إلى اليوم ورجع إلى النجف أواخر شعبان سنة 1193 فكانت مدة هذه السفرة سبع سنين وفي تلك السنة حج بيت الله الحرام الحجة الأولى ولما ورد مكة المشرفة جعل يدرس بالمذاهب الأربعة وكان لا يكاد يفارق مكانا إلا ترك أثرا فيه وآثاره من هذا القبيل كثيرة. وقد وضع في حجته هذه أو في التي بعدها العلامات الكافية لأداء الحجاج المناسك على وفق أهل البيت (عليهم السلام) التي بقيت بعده يستفيد بها الخلق وعين المواقيت في حدود الإحرام للحج والعمرة والمزدلفة والمشاعر وأظهر منها ما كان مخفيا وحسبك بذلك علو همة وثبات جأش في ذلك العصر الذي ساد فيه التعصب والنصب. ثم حج في السنة التي بعدها سنة 1194 ورجع من مكة المشرفة إلى النجف سنة 1195 وقيل في تاريخ ذلك ’’ظهر المهدي’’ ومدة السفرين أي سفر الزيارة وسفر الحج تسع سنين هكذا وجد بخطه الشريف الذي كتبه سنة 1205 في بعض مجاميعه قال: ’’ومدة ما مضى من العمر إلى هذا خمسون سنة وتسعة أشهر ومدة الإقامة الثانية في النجف عشر سنين وفقنا الله لتدارك الماضي والعسي للباقي ’’اه’’.
والتواريخ السابقة تبطل ما أشتهر من أنه بقي في الحجاز سنة كاملة إلا أن يكون بقي في كل سفرة قبل الحج وبعده نحو ستة أشهر وهو غير بعيد، ودفن أرض مسجد الكوفة وكانت أرضه الأصلية مساوية لأرض السفينة وأرض السرداب المعروف ببيت الطشت وعين المقامات في المسجد وبنى فيها العلامات والمحاريب كما هي اليوم ووضع المحاريب الحاضرة فوق المحاريب الأصلية ووضع صخرة في محراب النبي صلى الله عليه وسلم وهي بمنزلة الشاخص لمعرفة الأوقات وهي عامود من الرخام وبنى في هذا المسجد أيضا الحجر للقاصدين وبنى القبة التي في مسجد السهلة وعين أنها مقام الحجة وعين قبر هود وصالح في وادي السلام وكان بالقرب من المكان الموجود اليوم. وبلغ من شدة تقواه وورعه وسمو أخلاقه وحبه للإصلاح تقسيم الوظائف الدينية على علماء بلده فكان يرشد إلى تقليد الشيخ جعفر ويأمر بالصلاة خلف الشيخ حسين نجف وبالمرافعة إلى الشيخ شريف محيي الدين ويأمر صاحب مفتاح الكرامة بالتأليف وكان يدرس الوافي من كتب الأخبار فيأتي بفوائد جمة لم تصل إلى أكثرها الأنظار ودون تلميذه السيد جواد العاملي صاحب مفتاح الكرامة بأمره أبحاث درسه تلك فكانت من أنفس ما كتب في هذا الموضوع.
واستخرج في علم الرجال فوائد مبتكرة ذهل عنها القدماء وأتبعه فيها المتأخرون وذكر في أحوال الرجال الذين جمعهم في كتابه فوائد وتنقيبات ليست لغيره. فمما ابتكره ما حققه أن إسحاق بن عمار ليس هو ابن الساباطي وليس فطحيا كما كان عليه الفقهاء والمحدثون إلى ذلك الوقت فأبان في كتاب رجاله بأدلة جلية كثيرة أن عمار الساباطي الفطحي ليس هو والد إسحاق بن عمار وليس إسحاق فطحيا وأن سبب توهم العلماء سهو صدر من قلم الشيخ في فهرسته عند ذكر ترجمة إسحاق بن عمار، فزاد الساباطي لما هو متكرر في ذهنه من ذكر عمار الساباطي الفطحي فسبق قلمه إلى ذكر الساباطي والفطحي بعد عمار فتبعه الناس في ذلك ولم يتنبه لذلك غيره من عصر الشيخ إلى عصره الذي كان حافلا بفحول العلماء، وبالجملة: فمناقب هذا الإمام العظيم جمة وفضائله كثيرة تعسر الإحاطة بها.
مشايخه
قد عرفت أنه قرأ على أبيه وعلى الشيخ يوسف البحراني وعلى الوحيد البهبهاني الآغا محمد باقر وهو أكبر أساتيذه وعلى الشيخ مهدي الفتوني العاملي والشيخ محمد تقي الدورقي، ويروي بالإجازة عن البهبهاني والبحراني وعن محمد باقر الهزارجريبي والشولسناني والسيد حسين الخوانساري المتوفى سنة 1191 والسيد عبد الباقي الأصبهاني سنة 1193 والسيد حسين ابن السيد محمد إبراهيم الحسيني القزويني 1194.
تلاميذه
تلمذ عليه جماعة منهم الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء والسيد جواد صاحب مفتاح الكرامة وابن عمه السيد حسين ابن السيد أبي الحسن موسى الحسيني العاملي والشيخ عبد النبي القزويني صاحب ذيل أمل الآمل ويروي عنه إجازة ويروي عنه بالإجازة أيضا السيد عبد الكريم بن محمد جواد بن عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري والسيد حيدر بن الحسين بن علي الموسوي اليزدي والآقا محمد بن محمد صالح اللاهجي والسيد دلدار علي بن محمد معين النقوي الهندي النصير آبادي والشيخ محمد حسن ابن الحاج معصوم القزويني الحائري صاحب رياض الشهادة وغيرهم، ولا يبعد أن يكون هؤلاء أيضا أو أكثرهم من تلاميذه في القراءة.
الراوون عنه بالإجازة
الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء والسيد جواد صاحب مفتاح الكرامة وملا أحمد النراقي والسيد محسن صاحب المحصول والسيد محمد المجاهد المتوفى سنة 1242 والسيد محمد رضا شبر والد السيد عبد الله شبر المتوفى سنة 1230 والسيد أبو القاسم الخوانساري جد صاحب روضات الجنات والشيخ أسد الله التستري صاحب المقابيس والشيخ تقي محمد الشهير بملا كتاب الأحمدي البياتي والميرزا شفيع التبريزي الطباطبائي واليمرزا محمد النيسابوري الأخباري والسيد صدر الدين العاملي والسيد باقر ابن السيد أحمد القزويني النجفي المتوفى سنة 1199 والشيخ عبد علي بن أسد علي الرشتي النجفي شارح الشرائع والمولى محمد حسن ابن الحاج معصوم القزويني الحائري المتوفى سنة 1240 والشيخ محمد سعيد ابن الشيخ يوسف الدينوري والشيخ عبد النبي القزويني اليزدي صاحب تتمة أمل الآمل المتوفى سنة 1200 والميرزا عبد الوهاب والسيد عبد الكريم حفيد السيد نعمة الله الجزائري المتوفى سنة 1215 والسيد حيدر ابن السيد حسين اليزدي النيسابوري المتوفى في حدود سنة 1260 والآقا محمد بن محمد صالح اللاهجي والسيد دلدار علي ابن السيد محمد صالح اللاهجي والسيد دلدار علي ابن السيد محمد معين الهندي النصير آبادي المتوفى سنة 1235 والشيخ عبد علي بن محمد بن عبد الله البحراني الخطي تاريخ الإجازة سنة 1199 والسيد محمد باقر حجة الإسلام الرشتي والحاج ملا أسد الله البروجردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي نزيل طهران والشيخ عبد الرحيم ساكن المشهد الرضوي والسيد محمد باقر العراقي السلطان آبادي والشيخ ملا علي البروجردي والأخوند ملا حسن والأقا باقر الشيخ محمود السلطان آبادي الطهراني وميرزا ضياء الدين ساكن قلعة من أعمال بروجرد وملا أحمد الخوانساري ساكن ملاير والملا محمد علي المحلاتي ساكن شيراز والملا محمد تقي الكلبايكاني المتوفى في النجف والسيد علي البروجردي.
مؤلفاته
(1) المصابيح في الفقه ثلاثة مجلدات (2) الفوائد في الأصول (3) مشكاة الهداية لم يخرج منه إلا الطهارة عليه شرح لتلميذه الشيخ جعفر باقتراح منه (4) كتاب الرجال متداول وبين نسخه اختلاف فكأنه بعد أن استنسخه الناس غير منه زاد فيه ونقص منه مرتب على حروف المعجم لكنه لا يذكر فيه جميع الرجال بل من له في أحوالهم شيء لم يذكره غيره عندنا منه نسخة وجدناها في جبل عامل وقد خرم أولها فعرفنا من نفسها أنها رجال السيد ولم نكن رأيناها قبل (5) الدرة النجفية أرجوزته المشهورة سيدة الأراجيز في الفقه لم يسبق إلى مثلها عني بها كثير من الفقهاء من بعده وطبعت غير مرة وعليها شرح للميرزا محمود الطباطبائي البروجردي مطبوع في مجلدين وعليها شرح لجدنا السيد علي لم يتم (6) رسالة في العصير العنبي مدرجة في كتاب المصابيح (7) رسالة في العصير الزبيبي (8) رسالة في معرفة الباري تعالى فارسية وفي تتمة أمل الآمل أنها ليست له على التحقيق ’’اه’’ والظاهر أنها هي الرسالة التي في السير والسلوك وهي مشتملة على أمور تناسب التصوف ولا توافق الشرع فلذلك جزم بعدم صحة نسبتها إليه وقد أخبرنا السيد أبو القاسم الموسوي الرياضي أنه رأى نسخة منها كتب عليها إنها للسيد ابن طاووس مع فساد هذه النسبة قطعا ومما يوجد فيها أنه عند قول إياك نعبد وإياك نستعين يلزم أن يستحضر صورة المرشد وأن فيه الاستعانة بروحانية عطارد وأنه استشهد بهذه الأبيات:
عطارد أيم الله طال ترقبي | صباحا مساء كي أراك فأغنما |
فها أنا فامنحني قوى أدرك المنى | بها والعلوم الغامضات تكرما |
أف لدهر ما رعى | حرمة آل المصطفى |
ينفث سهم غدره | بقصد آساد الشرى |
قد صدعت لما نأى | المهدي أركان الهدى |
مضى السيد المهدي فليبك من بكى | من الدين والإسلام والمجد والفخر |
وأي فتى ساء الهدى يوم أرخوا | لفقد الفتى المهدي دمع الهدى يجري |
سلام على الإسلام من بعد أهله | فقد غل فيه كل عات ومعتدي |
وراح فؤاد الدين ينعى مؤرخا | عليك سلام الله يا خير سيد |
اليوم جدد رزء آل محمد | وقضى بحزن للأنام مجدد |
حاولت أعلى القول في تاريخه | بمصيبة المهدي ناح المهتدي |
وقصدت ثاني ما نظمت مؤرخا | ودعت يا مهدي شرع محمد |
مهما نسيت فلا أنس الحسين وقد | كرت على قتله الأفواج والزمر |
كم قام فيهم خطيبا منذرا وتلا | أيا فما أغنت الآيات والنذر |
هل من نصير محام أو أخي حسب | يرعى النبي فلا حاموا ولا نصروا |
تلك الرزايا لو أن القلب من حجر | أصم كان لأدناهن ينفطر |
ودائع المصطفى أوصى بحفظهم | فضيعوها فلم تحفظ ودائعه |
صنائع الله بدءا والأنام لهم | صنائع شد ما لاقت صنائعه |
أزال أول أهل البغي أولهم | عن موضع فيه رب العرش واضعه |
كل الرزايا وإن جلت وقائعها | تنسى سوى الطف لا تنسى وقائعه |
عين جودي لمسلم بن عقيل | لرسول الحسين سبط الرسول |
شهيد بين الأعادي وحيد | وقتيل لنصر خير قتيل |
وقليل من مسلم طلع دمع | لدم بعد مسلم مطلول |
كان يوما على الحسين عظيما | وعلى الآل أي يوم مهول |
كم فدى بالنفوس آل علي | أل خير الأنام آل عقيل |
آل من كان للحبيب حبيبا | كأبي طالب أبيه النبيل |
خصه المصطفى بحبين حب | من أبيه له وحب أصيل |
قال فيه الحسين أي مقال | كشف الستر عن مقام جليل |
ابن عمي أخي ومن أهل بيتي | ثقتي قد أتاكم ورسولي |
فأتاهم وقد أتى أهل غدر | بايعوه وأسرعوا في النكول |
تركوه لدى الهياج وحيدا | لعدو مطالب بذحول |
أسلموا مسلما إليه وطاروا | لا ترى غير مسلم وخذول |
صال كالليث ضاربا كل جمع | بشبا حد سيفه المسلول |
فرأى القوم منه كر علي | عمه في النزال عند النزول |
أسد الملتقى وليث عرين | وهزبر الوغى وضرغام غيل |
كان يرمي الرجال من فضل أيد | فوق عالي البناء كالسجيل |
حفروا في السبيل زبية ليث | إذا رأوا منه ضيغما في السبيل |
فتردى بها فأضحى أسيرا | لم ير الليث في الزبى من مقيل |
لست أنساه وهو يوصي ابن سعد | إن يرد الحسين قبل الوصول |
لم يجد للوفاء فيهم وصولا | فترجى به وفاء وصول |
وهوى الجسم للصعيد نزولا | وعلا الروح صاعدا للجليل |
فهو النجم قد هوى من سماء | بل هو الشمس قد هوت للأفول |
أدرك المصطفى ووالى عليا | وبنيه الهداة ولد البتول |
وحمى مسلما بأمنع جبل | وجوار ومنزل ومقيل |
كان في ذاك حافظا لذمار | وذمام وحرمة للنزيل |
ولقربى الرسول إذ كان فرضا | حبهم في كرائم التنزيل |
فعلى مسلم وهان سلام | يتتالى من السلام الجليل |
رضى الله عنهما برضاه | لرضاء الرسول وابن الرسول |
وينصر الحسين وهو بعيد | وبجهد على الوفا مبذول |
وبما حل من جميل بلاء | وبصبر على البلاء جميل |
سعد الفائزون بالنصر يوما | عز فيه النصير لابن البتول |
أحسنوا صحبة الحسين وفازوا | أحسن الفوز بالحباء الجزيل |
صبروا للنزال ضحوة يوم | ثم باتوا بمنزل مأهول |
وأصيبوا بقرب ورد ظماء | فأصابوا الورود من سلسبيل |
أبدلوا عن حرور يوم تقضى | جنة الخلد تحت ظل ظليل |
سبقوا في المجال سبقا بعيدا | وبقينا نجول في التأميل |
ما لنا غير أننا نتمنى | ونمني النفوس بالتعليل |
ليتنا وهل ليت فيها | بلغة النفس أو شفاه الغليل |
ضيعوا عترة النبي وأمسوا | وهم بين قاتل وخذول |
أي خطب عراهم ودهاهم | راح بالدين منهم والعقول |
ألا قل لمروان الحمار أخي الجهل | ومن باع رشد النفس بالرفد والبذل |
هجوت عليا ذا الفضائل والعلى | لحتك اللواحي ما اعتذارك للفضل |
وبعت الهدى والعقل من أجهل الورى | فيا صفقة المغبون من ضيعة العقل |
فأصغ إلى قولي وهل أنا مسمع | غداة أنادى الهائمين مع الوعل |
على أبونا كان كالطهر جدنا | له ما له إلا النبوة من فضل |
وبلغ فيه المصطفى أمر ربه | على منبر بالمنطق الصادق الفصل |
وأنزله منه بمنزلة مضت | لهارون من موسى بن عمران من قبل |
وكان الأخ البر المواسي لنفسه | ومن لم يخالفه بقول ولا فعل |
وأول من صلى وآمن واتقى | وأعلم خلق الله بالفرض والنفل |
وأشجعهم قلبا وأبسطهم يدا | وأرعاهم عهدا وأحفظ للأل |
أباه أباة الفضل وانطلقوا إلى | هواهم وضلوا عاكفين على العجل |
أبو حيدرا إذ ليس فيهم مشاكل | له في العلى والشكل أميل للشكل |
أبوه ويأبى الله إلا الذي أبوا | وهل بعد حكم الله حكم لذي عدل |
له في العقود العاقدات له الولا | من الله عقد مبرم غير منحل |
تطوف ملوك الأرض حول جنابه | وتسعى لكي تحظى بلثم ترابه |
فكان كبيت الله بيت علا به | تزاحم تيجان الملوك ببابه |
أتته ملوك الأرض طوعا وأملت | مليكا سحاب الفضل منه تهللت |
ومهما دنت زادت خضوعا به علت | إذا ما رأته من بعيد ترجلت |
يا أهل بيت رسول الله حبكم | حب الرسول ومن بالحق أرسله |
أجر الرسالة عند الله ودكم | فرض من الله في القرآن أنزله |
كفاكم من عظيم القدر أنكم | قد أكمل الدين فيكم يوم أكمله |
وإنكم بشهادات الصلاة لكم | من لم يصل عليكم لا صلاة له |
قم علل النفس حادي | وأحمد طريق الحماد |
نهج إلى الحق يهدي | ما بين هاد وهادي |
نهج كلا طرفيه | يهدي سبيل الرشاد |
حيث اتجهت ففيه | بلوغ أقصى المراد |
في وجهتيه جميعا | كعبة قصد العباد |
يحكي السرى باجتهاد | تهجيره باقتصاد |
تطوي به البيد وخدا | لشوقهن الهوادي |
تخالهن نسورا | خلقن للاصطياد |
أو خلتهن بروقا | يلمعن في بطن واد |
ثماده الغمر يربو | على السحاب الغوادي |
كأنما الغيث فيض | من بعض ذاك الثماد |
ما الرافدان بأحلى | منه على قلب صادي |
صل المسير أو أفصل | وجئ لذاك بزاد |
زاد لخير طريق | من خير زاد المعاد |
ولا تمر بدار | في قرية أو بلاد |
فإن دهاك عدو | فلذ بجنب الحماد |
ولا تصوب فتخطي | الرشاد بالاجتهاد |
وآها لخير طريق | تطرقته الأعادي |
عاثت به كل حين | وأمعنت في الفساد |
أبعدها الله عنه | بعد ثمود وعاد |
خير بهم أهل الـ | ـقرى خير البلاد |
أهل الحفائظ منهم | طلاع كل نجاد |
شاكي السلاح هزبر | طويل حبل النجاد |
قد أمتطى ظهر مجد | على ظهور الجياد |
يقدمهم يوم بؤسى | شمردل ذو اجتلاء |
دون انتكاس لواه | في الروع خرط القتاد |
واستصرخ الحي أيا | تراه في أي ناد |
وقل لهم قد رقدتم | والقوم خلف السهاد |
عاد حماكم طريقا | لكل باغ وعاد |
ذؤبان كل قبيل | جمعن من كل واد |
شنوا الإغارة فيه | برائح بعد غاد |
أما تقيموا بذل | أو تصبروا للجلاد |
فإن توانوا وذلوا | فقل لهم قول هاد |
ذلت وهانت أناس | غزوا بعقر البلاد |
ما أفلح الدهر قوم | تصاغروا للأعادي |
فاستنصحوني فإني | نصيح أهل الرشاد |
إياكم من خلافي | فقد بذلت اجتهادي |
خليلي خلتكما تحسدان | على القرب بينكما والتدان |
وحسن ائتلاف بناد حكى | بلطفكما فيه لطف الجنان |
وتطريز ما رق من نكتة | وما راق منها بسحر البيان |
ونثر كنثر نجوم السما | ونظم كنظم عقود الجمان |
بلفظ الرضي ومعنى الصفي | وطور البديع الزمان |
فليس كمثلكما في الوفا | شقيقا الولادة والتوأمان |
ولا في الطباع وقرب المذاق | قرينان كانا رضيعي لبان |
ولا في التقارب عند السباق | إذا جالت الخيل خيل الرهان |
وكم جلت بالطرف كيما أرى | نظيرا فعز النظير المدان |
ولم أر في الأرض من مشبه | فأطلقت نحو السماء العنان |
وقلت لئن كان فيها ولا | يكون فذلكما الفرقدان |
فلم أر للشبه مثليهما | وأنى يضاهيكما الكوكبان |
فليس المسخر في قربه | كمن قد دعاه الهوى للتدان |
ولو كان قربهما عن هوى | لزادا اقترابا ولا يقربان |
وقد حرم الوصل مذكونا | على الفصل بينهما في المكان |
ولم ير قط أخ منهما | أخاه ولا حان منه الحنان |
يواريهما النيران ولا | يواري ضياءكما النيران |
ويخفى ويظهر نوراهما | ونوركما ظاهر مستبان |
قصير مداراهما في السما | وإن مداريكما الأطولان |
يدوران في التيه أو منتهى | مسيرهما فيه ما يبدآن |
وحاشاكما أن تتيها وأن | تضلا السبيل كما يفعلان |
وإنهما في صعود وفي | هبوط وما زلتما تصعدان |
ولا زال يهفو حنانهما | كما لا تزالان ثبتي جنان |
وما عدلا في ضياء ولا | وفاء وما زلتما تعدلان |
وما زال كل يجور على | أخيه وما زلتما تنصفان |
ومهما استطال على قرنه | أديل كما قد يدين يدان |
إذا كان شأنهما هكذا | فذان ضدان لا صاحبان |
ولو نطقا لأقرا بذا | ومن أين للنجم نطق اللسان |
فإذا عز في الدهر مثلاكما | فدوما فريديه مر الزمان |
ولا زال ودكما دائما | حليفكما حيث كنتم وكان |
وصحب رقوا للمعالي رقيا | فنالوا من المجد مجدا عليا |
رجال لهم أرجل في الثرى | وهامة همتهم في الثريا |
تحاكيهم الشمس لو أنطقت | كذا الغيث لو كان طلق المحيا |
حديثهم المسك في طيبه | وفي لطفه صفو صافي الحميا |
خبرتهم في الصفا والوفا | فلم أر إلا صفيا وفيا |
هم أخلصوا الدين حتى الهوى | هدى منهم ليس حاشاه غيا |
إذا عسعس الليل قاموا إلى | محاربيهم ثم خروا بكيا |
ينادون ربا سميعا لمن | يناجيه سرا نداء خفيا |
فطورا ركوعا وطورا سجودا | وطورا نهوضا وطورا هويا |
صحبتهم سفرا فانطوى | بحسن اصطحابهم فيه طيا |
فما كان إلا كلمح العيون | وأقرب لو كان من ذاك شيا |
وقد أشبه الليل فيه النهار | وشاكل منه الصباح العشيا |
نهار مضى مثل ليل الوصال | وليل مضى كالنهار مضيا |
حمدناه في كل أوقاته | وعند الضحى ما حمدنا الضحيا |
ولا عند أدلاجنا للسرى | حمدنا إذ الكل أضحى سويا |
وكنا قد دار كأس الهوى | نعاطي بها سلسبيلا رويا |
كفتنا الأحاديث ما بيننا | عن الأكل والشرب شبعا وريا |
ولم نعرف الغمض حتى الصباح | وعند الصباح حثثنا المطيا |
ولم يصب السفر في سيرهم | أذى السير إذ كان سيرا وحيا |
وكانوا حضورا إذا استوطنوا الـ | ـقلوب وما كان قلب قصيا |
لذا اعتاص إذ ذاك حكم الصلاة | أقصرا ترى أم تماما وفيا |
تشاجر في ذاك أصحابنا | وكان الترخص قولا قويا |
وقد عاد من كان يهوى التمام | إلى القصر بعد التي واللتيا |
ولولا اتفاق الجميع على | سقوط السقوط لكان الحريا |
فأنا مع الصحب في جنة | أعدت نعيما وعيشا هنيا |
نفى الله في الذكر عنا اللغوب | وما كان ربك ربا نسيا |
من عذيري من عليل | داؤه أعيا الأطبا |
ليس يشفيه دواء | غير تفريق الأحبا |
لا ينام الليل حتى | ينهب الأحباب نهبا |
يسرق الود من الـ | ـقلب ومن ذي القلب قلبا |
بشراك ذا الطيف دليل على | إنك بالبيت غدا طائف |
ساع إلى ذاك المقام | الذي بالخيف منه يأمن الخائف |
وبالغ بالمشعرين المنى | وفي داني الجنى قاطف |
ملتقط الجوهر من أيمن الـ | ـوادي سناه للسنا خاطف |
وزائر في طيبة طيبا | طاب به الطائف والعاكف |
وفي البقيع سادة علمهم | لكل سر غامض كاشف |
وناسك في كل ذا سالك | طريق من أنت به عارف |
مستحضرا بالبال لي سائرا | وواقفا حيث الهوى واقف |
وقافل من بعد ذا راجع | عاط إلينا بالوفا عاطف |
فامض على اسم الله في وجهة | مقصودها مستصحب خالف |
ألا قل لسكان دار الحبيب | هنيئا لكم في الجنان الخلود |
أفيضوا علينا من الماء فيضا | فنحن عطاشى وأنتم ورود |
ألا قل لمولى يرى من بعيد | ديار الحبيب بعين الشهود |
لك الفضل من غائب شاهد | على شاهد غائب بالصدود |
فنحن على الماء نشكو الظما | وفزتم على بعدكم بالورود |
طاف الهوى في عباد الله كلهم | حتى إذا مر بي من بينهم وقفا |
وقال إني ملكت الناس كلهم | وطاب ما طاب لي من ودهم وصفا |
لكن هذا الفتى أبدى مخالفتي | فلست أعرف منه الود مذ عرفا |
فقلت هيهات أنا معشر تركوا | مذ عاينوا الحق ميل النفس والجنفا |
فمت بغيظك لسنا نبتغي بدلا | عنه ولا للهدى نرضى الهوى خلفا |
قدمت من قد كنت ترجو أنه | خلف عن الأجداد والآباء |
ذاك الذي شغف القلوب بحبه | أودى وأبقى الحزن في الأحشاء |
ولقد أصبت وما أصبت بمثله | أشجى المصاب مصيبة الأبناء |
يا كوكبا ما كان أسنى نوره | بين الكواكب زينة للرائي |
متعلق بالساهرات كأنما | قد نيط منه العقد بالجوزاء |
بدر تكامل قبل حين كماله | فأصابه خسف لغير جلاء |
كادت تشابهه ذكاء لو أنها | شبه له في منطق وذكاء |
كهل بدا للناس طفلا فاحتوى | لطف الصغير وفهم ذي الآراء |
ينبي عن الأمر الخفي كأنما | يلقى إليه الأمر بالإيحاء |
لا ينقضي عجبي له إذ قد نعى | لي نفسه في لوعة وبكاء |
إذ جاء يعدو من ورائي صارخا | متعلقا من شجوه بردائي |
قال اصطحبني حيث تذهب أنني | من بعد نأي منك عني نائي |
أشفقت من عنف المسير ومن أذى | حر الهجير وشدة الرمضاء |
فتركته والنفس موقنة بما | حكم القضاء به من الإمضاء |
أودى عقيب فطامه حولين لم | يكملهما إذ مر في الأثناء |
در تناثر عندما أرخته | إني أدخرت محمدا لرجائي |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 158