الشيخ محمد بن المتريض البغدادي ذكره في نشوة السلافة ومحل الإضافة فقال: الشيخ العلامة كان أديبا بارعا وفي العلوم على أنواعها كان فردا جامعا وهو ممن قارب عصر السيد (يعني صاحب السلافة) وله النظم البديع الجيد ومن غرر نظمه هذه القصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليا عليه السلام:
أماطت ذوات الخمار الخمارا | فصيرت الليل منها نهارا |
وجاءت تشمر على أبلج | كما طلع البدر حين استدار |
وتبسم عن أشنب واضح | كزهر الأقاح إذا ما استنارا |
وقد عزم الليل عنا انطوا | ونور الصباح لدينا انتشارا |
تناول صهباء عانية | كأنا نقابل منها شرارا |
مشعشعة أرجوانية | تدب إليها النفوس افتقارا |
كأن النديم إذا عبها | يقبل في ظلمة الليل نارا |
فلم أنس مجلسنا عندها | جلسنا صحاوى وقمنا سكارى |
وقامت وقد عاث فيها الهوى | تستر بالعنم الجلنارا |
إذا البدر أبصرها والقضيب | تبيس هذا وهذا توارى |
سقتنا إلى حين بان الصباح | وفر الدجى عن ضياء فرارا |
كما فر جيش العدا في النزال | عن المرتضى حيدر حين غارا |
وصي النبي وزوج البتول | حوى في الزمان الندا والفخارا |
أيا راكبا تمتطي جسره | تبيد السهول وتفري القفارا |
إذا أنت قابلت ذاك الحمى | وجئت من البعد ذاك المنارا |
وواجهت بعد سراك الغري | فلا تذق النوم إلا غرارا |
وقف وقفة البائس المستذل | وسف الرغام وشم الغبارا |
وعفر لخديك في أرضه | وقل يا راعي الله مغناك دارا |
فثم ترى النور ملء السماء | يعم البقاع ويغشى الديارا |
وقل سائلا كيف يا قبره | حويت العلوم وحزت الفخارا |
وبلغه يا صاح من عبده | سلام محب تناءى مزارا |
وقل لك مستأسر بالبلا | وغيرك من لا يفك الأسارى |
دعاه الردى وجفاه الزمان | وفيك من الحادثات استجارا |
فذاك وإن عظم النازلات | فتى لا يضم له الدهر جارا |
أبى أن يباح حماه كما | أبى إذ يلاقي الحروب الفرارا |
خلاصة أهل التقى والوفا | وركن الهدى ودليل الحيارى |
علي الذي شهد الله في | فضيلته وارتضاه جهارا |
يحل الندى معه حيث حل | ويرحل في أثره حيث سارا |
فدى أحمدا بمبيت الفراش | وصاحبه حين جاء المغارا |
أجل الورى وأعز الملا | محلا وأزكى قريش نجارا |
عليك سلام أخي مهجة | تموت وتحي عليك ادكارا |
وأبنائك المصطفين الألى | سعوا في الصلاح فحازوا الفخارا |
وخذ من محب على بعده | يودك في الطبع سرا جهارا |
خدلجة لبست للبها | مديحك دملجها والسوارا |
نفارا تصدد عمن سواك | وعند ثراك تحط الإزارا |
ولا غرو إن خف فيها هواك | فإن الصبابة تنفي الوقارا |
فصير جزائي بها شربة | تبل ظمائي وتنفي المرارا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 10- ص: 46