الشيخ محمد جواد ابن الشيخ علي الجزائري ولد في النجف سنة 1298 وفيها نشا وتوفي فيها سنة 1378.
(أسرته)
هو من اسرة عربية اسدية وبيت علم استوطن النجف قبل القرن التاسع الهجري وأنجب من ابنائه الفقيه والأديب والشاعر.
(اساتذته)
أخوه الشيخ عبد الكريم والشيخ ملا كاظم الخراساني، والشيخ عبد الهادي شليلة، والسيد محمد الفيروزآبادي، والشيخ آغا ضياء العراقي، والسيد أبو الحسن الاصفهاني، والشيخ علي رفيش رقيش، وغيرهم.
(مؤلفاته)
له عدة مؤلفات مخطوطة بين علمية وادبية تعليقة على شرح الفية ابن مالك لبدر الدين تعليقة على مباحث الألفاظ من كفاية الخراساني كتاب الآراء والحكم بين نظم وشرح لكثير من مباحث النفس ومسائلالحكمةوالكلام كتاب حل الطلاسم بين نظم وشرح عارض به الشاعر إيليا أبو ماضي وقد نشرت شطرا منه مجلة الاعتدال النجفية والعرفان الصيداوية والشرق البغدادية والرضوان الهندية ديوان شعر متنوع الأغراض نقد الاقتراحات المصرية.
(الحكم عليه)
على اثرفكر في تشكيل جمعية سرية سنة 1336 تعمل في الخفاء لمقاومة الإنكليز وتعميم الفكرة في سائر البلاد العراقية وساعده على ذلك السيد محمد علي بحر العلوم وانضم إليها الشبان المتحمسون وبعض الزعماء المخلصين، فدفعت الحماسة بعضهم إلى الهجوم على دار الحكومة في النجف وقتلوا الحاكم الاداري الكابتن (مرشال) وجمعا من أعوانه الإنكليز فاقبل الإنكليز يحاصرون النجف فقاتلهم النجفيون.
وبعد حصار أربعين يوما استطاعت القوات المرابطة ان تدخل النجف وتقبض على الثائرين وشكلت مجلسا عرفيا قضى باعدام اثني عشر شخصا كان من بينهم المترجم، ولكن الحكم لم ينفذ فيه فاستبدل الشنق بالسجن وقضى فيه مبعدا عن بلده النجف سنة وعشرة أشهر. ولما اشتعلتبعد ذلك شارك فيها وبعد خمودها اضطر للفرار فاجتاز الحدود العراقية إلى ايران حتى وصل إلى رام هرمز ولما أعلن العفو العام عاد إلى العراق وفي عام 1365 زار بلاد الشام فنظم فيها كثيرا من الشعر.
(شعره)
قال وهو في سجن الإنكليز:
مددنا بصائرنا لا العيونا | وفزنا غداة عشقنا المنونا |
عشقنا المنون وهمنا بها | وعفنا أباطحنا والحجونا |
وقمنا بها عزمات مضاة | أبت ان نسيس الردى أو نلينا |
معي الهمم الغر لم ترض بالسماكين | مهما استفزت قرينا |
رعينا بها سنة الهاشمي | نبي الهدى والكتاب المبينا |
وصنا كرامة شعب العراق | وكنا لعلياه حصنا مصونا |
وخضنا المعامع وهي الحمام | ندافع عن حوزة المسلمينا |
وجحفل أعدائنا الإنكليز | يملأ سهل الفلا والحزونا |
يهاجم شعب بني يعرب | ليشفي احقاده والضغونا |
وسرب المناطيد ملء الفضاء | يصب القنابل غيثا هتونا |
وقذف المدافع بين الجموع | يهد معالمها والحصونا |
ورعد قذائف مكسيمها | يشيب بهول صداه الجنينا |
ورمي البنادق رشاشة | يحطم مجتمع الدارعينا |
ولما ادلهمت علينا الخطوب | وحققت الحادثات الظنونا |
لقينا زعازع ريب المنون | وهان على النفس ما قد لقينا |
نعم خاننا الدهر في جريه | وهل يترك الدهر حرا ركينا |
غداة أسرنا بايدي العدو | ورحنا نكابد داء دفينا |
وضيم الغريان غاب العراق | وفارق ليث العرين العرينا |
وجزنا كما شاء تلك الحزون | ننتظر الفتك حينا فحينا |
وأرجلنا طوع قيد الحديد | تسيل دما يستفز الرصينا |
ولم نلو للدهر جيد الذليل | وان يكن الدهر حربا زبونا |
وما ضامنا الأسر في موقف | أطعنا عليه الرسول الأمينا |
وما ضامنا ثقل ذاك الحديد | ونحن بحسن الثنا ظافرونا |
ولم يزر بالحر غل اليدين | إذا ما قضى للعلاء الديونا |
ولا غرو ان خان صرف الزمان | مثلي فمن طبعه ان يخونا |
من عذيري على هواي بلبنان | وفيه منازل الشياح |
أربع قادني هواها على بعد | مداها وراض مني جماحي |
وطني غابة العراق الغربان | وقومي آساد تلك البطاح |
أسلمتني فيه نسائم لبنان | بايدي الغرام سكران صاح |
ودعتني إلى هواه فلباها | فؤادي عن منطق وضاح |
طرت من قبل ان أقول لها لبيك | لبيك والقطار جناحي |
ووصلت الحزون بالسهل في طي | الفيافي وليله بالصباح |
وتمثلت حيث اوقفني الشوق | طروبا ما بين روحي وراحي |
وبلغت المنى على القرب من (كيفون) | ما بين (عالية) والضواحي |
وهناك النفوس تسعد ما بين | مباح لنا وغير مباح |
فأخو الدين ينشر الفرع والأصل | من الدين في هنا وارتياح |
ويذيع الأحكام عن مصدر الدين | ولا عاذل هناك ولاح |
وأخو الشوق في هناء من العيش | على مسرح الحسان الملاح |
يتغنى بخالد الأرز نشوانا | برشف الثغور والأقداح |
دعاة الهوى ما العصر عصر بثينة | شعار هوى اهليه ان ينظموا الشعرا |
بلى سوق هذا العصر جار حسابه | على جدول لم تخط ارقامه الفكرا |
أخو الشوق لم يجمع على الشوق رأيه | إذا لم يراع الجبر في الجمع والكسرا |
يهيم باطوار القريض مشببا | ويرمز في التشبيب فلسفة كبرى |
دعاة الهوى ان الوجود مدارس | تمر بها أرواح نشاتكم سكرى |
مدراس تعطي كل صاح قياسها | وتفهمه الصغرى من الشكل والكبرى |
على لغة الأرواح تجري دروسها | فلا همس للتدريس فيها ولا جهرا |
وما الدرس الا ان ترى النفس صورة | لديها ومنها ترتئي صورة اخرى |
فهلا مددتم في الوجود بصائرا | وواصلتموها نحو مهواكم جسرا |
وحللتم معناه تحليل عارف | وميزتم شرط الحقيقة والشطرا |
وهلا عرفتم يوم طارت قلوبكم | أ كانت هيولاه أم الصورة الوكرا |
ولو درست أرواحكم منطق الهوى | لما عرفت فيه سوى الصورة الغرا |
دعاة الهوى اني أراكم كما ارى | الخليين سفرا يقتفي في السري سفرا |
وما لكم صحو وفجر بافقها | وانكم فارقتم الصحو والفجرا |
وصرتم إلى شاط من البحر والهوى | يمر ويحلو عنده كلما مرا |
وقيدتم الأرواح وهي طليقة | ومثلتموها بين أحكامه اسرا |
ترون لكم حرية في حدوده | وما عرف الشاطي على حده حرا |
فهلا دريتم اين أنتم مع الهوى | وهلا عرفتم شاطئ البحر والبحرا |
دعاة الهوى اني أراها زوارقا | تخوض غمار البحر مائجة قسرا |
تسير ولا تدري المصير ولا تعي | العبور ولم تملك لأنفسها امرا |
تدبرها أرواحكم وتسوسها | سياسة ملك يملك النفع والضرا |
لقد ضل ديمقراط في نظراته | ورب ضلال كان حده كفرا |
وضيع درب النفس والدرب واضح | فلم ير إلا هيكل الذر والذرا |
ولو نظر الإنسان نظرة عارف | رأى نفسه لبا وهيكله قشرا |
ولو حلل الاشواق بين حدودها | رأى رأيه في شكل تحديدها نكرا |
وأيقن ان الشوق سر وهيكل | الطبيعة لا يستطيع ان يحمل السرا |
تطلبت حق الشعب والحق منيتي | غداة تذرعت السري والبواديا |
فليس الفتى من عاش وهو منعم | يروح ويغدو بين اهليه لاهيا |
فلي وقفة اليقظان في رام هرمز | اخالس ايامي بها واللياليا |
ولي نظرة القناص استطلع المنى | عليها وأرعى سؤددي وعلائيا |
ولي جنة الصادي الطريد عن الروي | إذا ما تذكرت الوغى والأعاديا |
فكم جلت حول السفح نظرة خابر | فلم تر عيناي الخليل المصافيا |
أ يقل ارحلك الصعيد الهامد | ومناك ذياك الزلال البارد |
شتان حالك والمنى فاجهد لها | فلكم تمكن من مناه الجاهد |
أ وليس روحك في العراق بليلة | نفحت وعود هواك غض مائد |
لا ينفع الصادي الطريد تعلل | كلا ولا يطفى الغليل مواعد |
ان التعلل بالوعود على المنى | صلة المعلل والمعلل عائد |
لا تياسن من الليالي كلما | مرت عليك فإنهن عوائد |
لكنما يرد المنى رواده | ويعض أصبح كفه المتقاعد |
مهما تجزأت الشعوب وفردت | فعراقنا المحبوب شعب فارد |
ان تفترق نسماته نسبا ولم | يجمع غصون ثراه أصل واحد |
فالشعب بين اولي النهي نسب لهم | وهو الارومة بينهم والوالد |
فرغائب المستعمرين شوارد | وخيال ساستهم خيال فاسد |
يا للهوى اين المعني في الهوى | اين المولع فيه اين الواجد |
هذا العذيب وفي مجاريه المنى | جار فهلا صادر أو وارد |
هذا العذيب محط أسرار الهوى | باد فهلا قافل أو قاصد |
هذا العذيب وهل يقاس بمائه | مستنقع كدر الموارد راكد |
هذي ظباه تجول بين رياضه | مرحا فهلا طارد أو صائد |
انا اهيل هوى نغازل مبدأ | نشرت عليه دلائل وشواهد |
قد أحكمته مواثق ومعاهد | وتضمنته مواقف ومشاهد |
انا اهيل هوى ولكن ما لنا | غير الكعاب إلى الصبابة قائد |
فعلا م لا تتناشدون بذكرها | والصب أ ما ذاكر أو ناشد |
شببتم بتهامة وتهامة | لم تلف ساحتها الكعاب الناهد |
كم تدعون هوى الكعاب وجلكم | واش على حب الكعاب وحاسد |
انا ان هويت فقد طلبت وهمت في | طلبي ولي في كل واد شاهد |
انا لا أغالط في هواي ولست من | تلويه عن مغنى الحبيب معاهد |
انا ان غزوت وجلت في أرجائها | زمنا فمغزاي السهى وعطارد |
ما ضر مبدئي الكريم سوى امرئ | لا يستقر عليه لون واحد |
يحدو حداي مجاهدا وإذا خلا | بسواي يحدو حدوه ويجاهد |
فعلى تبادل حالتيه مسالم | ومحارب وموافق ومعاند |
يا ليل طلت ورحت تمتد | قل لي أ هل لك في غد عهد |
اني لأسمع بالصباح فهل | ذاك الصباح لمقلتي يبدو |
هل أوقف الأفلاك مبدعها | أو حال دون مسيرها سد |
أو كان نظم الكون مضطربا | لا العكس متجه ولا الطرد |
أو أنت ذياك القديم فلا | قبل لديك يرى ولا بعد |
كلا فأنت الكم متصلا | حتم على اجزائك العد |
أو أنت أنت وان يومي من | ارزاءمسود |
ارزاء هذا الكون تعبث في | سر الحياة وما لها حد |
أنا لا أغالط في حقائقها | كلا فأمر عيانها جد |
لكن رزايا الطف ليس لها | في نوعها مثل ولا ند |
طوت الحقوب حدودها ولها | في كل آونة لنا حد |
هل انها نوع وكان له | في قلب كل موحد فرد |
أو انها فرد وكان له | بعد ليوم الحشر ممتد |
نزلت بحومة كربلاء ولها | آل النبي محمد قصد |
وتمثلت ومثالها شعل | وتمثلوا ومثالهم وقد |
هبت علي عشية | في روض رأس العين نسمه |
وعرفت عند هبوبها | سر الهوى وأطعت حكمه |
وطويت بين جوانحي | حر الغرام وذقت طعمه |
وأردت كتمان الهوى | لو انني أستطيع كتمه |
يا نسمة قد ذكرتني | ربع كاظمة ورسمه |
وتعطرت فتمثلت | وردا نضا عن فيه كمه |
قلبي بصدرك قد تعلق | لا يرى إلاك رحمه |
لا أستطيع فراقه | كلا ولا أستطيع فصمه |
فكأنما كان الفؤاد | هو الرضيع وكنت أمه |
هل مسعد في بعلبك | يرى لأهل الشوق ذمه |
ليرد قلبي أو يريني | في فراق القلب حكمه |
يا ربع (زحلة) اين عنا | فلكم عليك القلب حنا |
حن الفؤاد وليته | بهواك أدرك ما تمنى |
يا ربع هل لك ان تجيب | شكاية الوله المعنى |
أنت الذي غادرتني | أسوان طوع هواك مضنى |
لو لا هواك لما غدا | وسع العراق علي سجنا |
أ عريب ذاك الربع أنى | نلتقي يوما وأنى |
فأريك كيف ملأت | آفاق العراق عليك حزنا |
يا راكبا زيافة | تطوي الفلا سهلا وحزنا |
تسري ولم تر عند سكرتها | سوى الارقال خدنا |
عرج على اطلال زحلة | طالبا يسرى ويمنى |
حتى إذا وطئت أخف | قلوصك الروض الأغنا |
اعقل به متوسما | أطلاله أقصى وأدنى |
واطلب به وادي العرايش | ناشدا هنا وهنا |
حتى إذا شاهدته | فقل السلام عليك عنا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 206