الزينبي الحسين بن محمد بن علي بن الحسن، أبو طالب الزيني: نقيب النقباء ببغداد. يلقب بنور الهدى. كان عالما بفقه الحنفية انتهت إليه الرئاسة فيه، وجيها، شريفا، يتوجه في بعض السفارات إلى الملوك. ولى نقابة الطالبيين والعباسيين شهورا، ونزل عنها إلى أخ له اسمه طراد. وتوفي ببغداد
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 255
الحسين بن محمد بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد الوهاب أبو طالب الزينبي الملقب نور الهدى أخو أبي نصر محمد، وأبي الفوارس طراد، وكان أصغر الإخوة.
قرأ القرآن على علي بن عمر القزويني الزاهد، فعادت عليه بركته، وقرأ الفقه على قاضي القضاة محمد بن علي الدامغاني حتى برع.
وأفتى، ودرس بالشرقية التي أنشأها شرف الملك بباب الطاق، وكان مدرسها وناظرها، وترسل إلى ملوك الأطراف، وأمراء البلاد، من قبل الخليفة، وولي نقابة العباسيين والطالبيين معا، سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة مدة، ثم استعفى.
وكان شريف النفس، قوي الدين، وافر العلم، شيخ أصحاب الرأي في وقته وزاهدهم، وفقيه بني العباس وراهبهم، وله الوجاهة الكبيرة عند الخلفاء، وانتهت إليه رياسة أصحاب أبي حنيفة ببغداد.
وجاور مكة ناظرا في مصالح الحرم.
وسمع ’’ البخاري ’’ من كريمة بنت أحمد المروزية، ببغداد.
وروى عنه جماعة من الأكابر والحفاظ، وآخر من حدث عنه أبو الفرج ابن كليب. وقد مدحه أبو إسحاق الغوي بقصيدة، أولها:
جفون يصح السقم فيها فتسقم | ولحظ يناجيه الضمير فيفهم |
معاني جمال في عبارات خلقة | لها ترجمان صامت يتكلم |
تألفن في عيني غزال مشنف | بفتواه ما في مذهب الحب يحكم |
تضاعف بالشكوى أذى الصب في الهوى | يحرض فيه الظالم المتظلم |
محا الله نونات الحواجب لم تزل | قسيا لها دعج النواظر أسهم |
بنور الهدى قد صح معنى خطابه | وكل بعيد من سنا النور مظلم |
دقيق المعاني جل إيجاز لفظه | عن الوصف حتى عنه سحببان مفحم |
وأطفأ نيران الخدود فقل من | رأى قبلها نارا يقبلها فم |
سقاك الكرى من مورد عز ماؤه | عليه قلوب الهيم كالطير حوم |
أصادك غزلان الحجاز وطالما | تمنى تقي صيدها وهو محرم |
وفي الحي غيران على الفجر ليله | من الفكر في شن الإغارة قشعم |
غشمشم هول حلس حرب كأنه | من الموت في الهيجاء بالموت يسلم |
يكفكف عن جنبيه أطرافه القنا | ويحكي له الفح الخميس العرمرم |
ويعرى كما يعرى الحسام فيكتسي | سرابيل منه العز والنقع والدم |
هو الفخر من نهد له فليكن كذا | له مغرم في كل أوت ومغنم |
وإلا فما غير القناعة ثروة | ولا مثله طود من الضيم يعصم |
وهب جعلوا ما في الشمس لم تنل | ولم يبق غير البدر في الناس درهم |
أليس أخو الطمرين في العيش فوقهم | إذا ناب لا يخشى ولا يتوهم |
أرى كل من مدت بضبعيه دولة | تعلم منها كيف في الماء يرقم |
تحلى بأسماء الشهور فكفه | جمادى وما ضمت عليه المحرم |
من استحسن التفريط واستقبح اللهى | تسمى بألمي وهو أفلح أعلم |
ترى الجد حتى في الحروف مؤثرا | فمنهن في القرطاس غفل ومعجم |
ولو قدم الإحسان والفضل لم يكن | بغير الحسين الزينبي التقدم |
إمام غدا بالعلم للعصر غرة | برغم العدا والعصر بالجهل أدهم |
على أنه لا يفرح الخصم معجبا | فلو أمكن الإسهاب عاق التكرم |
ولا عيب إلا حبه الجود شيمة | يعدى إلينا ما حواه ويلزم |
ولكنني ألفيت بالعجز رخصة | وبالجرح حول البحر جاز التيمم |
وكم من محب فارق الحب هيبة | وبات صبا أخباره يتنسم |
وما زلت في الأعياد أدعو مخففا | عن السمع والداعي مع البعد يخدم |
ليهنك أن الأكمل افترعت على | بنان ابنه الأقلام والمجد يبسم |
وفاق فعش حتى ترى الكهل منهم | بنيه له نجل بنعماك يقسم |
فهذا الهلال البارع الفوق في العلا | سيؤتى كمال البدر والشكل ضيغم |
وجد يا شهاب الدولة القرم كاسمه | به الدولة العليا تهدى وتزحم |
فلا زال عز الدين بالدين معلما | بتقريره في صعدة الفقه لهذم |
تضاءل في الفخر الطريف الذي حوى | تليد النجار الهاشمي المفخم |
أبا طالب ساجل به كل مغرق | ولا غزوان يشلي الجواد المطهم |
ودوما دوام النيرين فأنتما | لكف الندي قلب نفيس ومعصم |
ولولا كما كان العراق منغصا | إلي ولم أحمده وهو مذمم |
وما خلتني الغر وفي الناس عالم | ويرزق بي أهل القريض وأحرم |
هربت فظن الغمر أني يراعة | وقد يحجم المغلوب من حيث يقدم |
تهون القوافي عند من هان عرضه | وفيهن جرح للكريم ومرهم |
ولكن إذا لم يكرم العلم أهله | فكيف يرجى في الأجانب مكرم |
توسمت في الدنيا الأناة إنما | يرى الغامضات الفارس المتوسم |
وما لمع ابيضاض الشيب إلا | ليورده من العيش الشرابا |
أمارات التناقص لا توارى | وطوع يد الحوادث لا يجابى |
لترتيب الحياة أشد خطبا | جنى عسلا وصب عليه صابا |
لقد رفع الشباب وكان بيني | وبين وصال من أهوى حجابا |
ألا لا يكشفن برد الثنايا | فلو قبلته نفسي لذابا |
وليس لوصل من يدعى فيأتي | عذوبة وصل من يدعى فيابى |
يقول الناس ما أوجفت خيلا | على متهضميك ولا ركابا |
بشعرك أم بشعرك لاح شيب | فقلت كلاهما ضعفا وشابا |
وذاك لأن ريح الظلم هبت | عليه فصار أمدحه عتابا |
فيا ليت الذي أعطى وعودا | حثا في وجه مادحه الترابا |
فقد يجد الورى في الترب تبرا | ويثرب طالب النجح الكتابا |
وقد مخضت وطاب الشعر قبلي | يد أخلت من الزبد الوطابا |
ولكني تتبعت الخفايا | بفكر ذلل النكت الصعابا |
ولليروز في الزوراء سوق | ومن بالجد أم بالهزل خابا |
هي الدار التي يلقاك فيها | حبيبك يوم نائبة حبابا |
وما العربي بالأعراب ناج | إذا عدم القلائص والعرابا |
ولولا أن ذا الشرفين بحر | لعفت مع الصدى النطف العذابا |
غدا لقلائد الأوصاف جيدا | وقلد جوده المنن الرقابا |
كأني كلما انتظمت معاني | أمين الدولة استفتحت بابا |
كأن الفضل سيق إليه ذودا | ليأخذ حقه ويرد نابا |
متى ناظرته أرعاك سمعا | وكان البحر ينتجع السحابا |
وعزك أن تجيب له مقالا | فأسلف قبل تسأله الجوابا |
يعد مطالب الدنيا حقوقا | وحرمة قصده نسبا قرابا |
فلو عز الثراء به أرانا | وجدك من مكارمه عجابا |
إمام أئمة العلماء طرا | وقدوة كل من فهم الخطابا |
ولا تغفل من النفحات حظي | فرسم نداك كالوسمي صابا |
وقر بفضل ذي الحسبينن عينا | فما احتملت مناقبه النقابا |
أضاف إلى تليد علا طريفا | وكان المجد إرثا واكتسابا |
له بمكارم الشيم انتساب | كفى بمكارم الشيم انتسابا |
ألم تر أنه للمجد شمس | ونرضى أن نلقبه الشهابا |
دار الرفاعي - الرياض-ط 0( 1983) , ج: 1- ص: 257