الحاج محمد حسن بن الحاج محمد صالح كبة البغدادي
ولد في شهر رمضان سنة 1269 في الكاظمية، ولما شب شجع والده فيه ميوله العلمية والأدبية وفرغه للدرس وأحاطه بجماعة من العلماء والأدباء والشعراء فدرس اللغة وقواعدها وغيرها من المقدمات وانصرف إلى النظم والنثر فكانت له مساجلات أدبية وشعرية مع كثير من الأدباء والشعراء كالسيد محمد سعيد الحبوبي والشيخ جعفر الشروقي وغيرهما من فضلاء عصره، وأكثر ما كان يقع ذلك في قصر أسرته جنوبي بغداد وكان ذلك القصر بمثابة ندوة أدبية يؤمها الداني والقاصي من أهل الفضل والأدب وكان موقع ذلك القصر على الضفة الشرقية لنهر دجلة حيث الحدائق الغناء والرياض الفيح والجو الرائق الطلق مما يلهم الشعور الحي والخيال السامي.
ولما توفي والده وخلف وراءه التجارة الواسعة والأموال الطائلة والعقارات الكثيرة كان الحاج مصطفى شقيق المترجم منشغلا بمركزه الاجتماعي عن الاشتراك بتدبيرها مفوضا أمر ذلك إلى أخيه المترجم فنشط إلى إدارة ذلك المدار الواسع وهو لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره وكانت تجارتهم إذ ذاك تمتد إلى أمهات الحواضر التجارية كلندره ومنشستر وكلكته وبمباي وأصفهان وهمذان ودمشق وحلب وغيرها من الحواضر، وكان يمارس تلك الشؤون بمفرده نحوا من عشر سنين ولكن نزعته الملحة إلى العلم والأدب كانت تتغلب عليه وتجذبه إلى تلك الحياة الحافلة، وكان أمر تجارتهم قد ارتبك وانتهى الحال إلى اعتزال المترجم التجارة وتفرغه إلى طلب العلم وهجرته إلى النجف سنة 1299. وقد أقام في النجف حتى سنة 1306 وفي هذه السنة هاجر إلى سامراء حيث انتقل المركز العلمي إليها على عهد الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي وكان من المستفيدين من بحثه ويحضر في نفس الوقت بحث كل من الميرزا محمد تقي الشيرازي والسيد محمد الأصفهاني وبعد وفاة الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي سنة 1312 اختص ببحث الميرزا محمد تقي الشيرازي وأمضى في سامراء 29 سنة كان مجدا خلالها في التدريس والتصنيف وكان مجلس تدريسه حافلا بطلاب العلم وقد تخرج عليه كثير من الفضلاء وانصرف إلى الكتابة والتأليف حتى بلغت مؤلفاته الخمسين مؤلفا وهي محفوظة بتمامها عند نجله الشيخ محمد مهدي كبة.
(شعره)
يبلغ مجموع شعره نحوا من عشرة آلاف بيت وجل شعره غير مطبوع إلا ما نشر في العقد المفصل وفي ديوان السيد محمد سعيد الحبوبي وفي ديوان السيد حيدر الحلي.
قال:
لئن أسلمتني في النوائب عصبة | فلا أرضها ارضي ولا دارها داري |
وان غدرت بي عند معترك الأسى | فلا لام إلا نفسه كل غدار |
وان خذلتني إلا عبد السود خسة | فما ضائري والسادة البيض أنصاري |
ولا غرو إن خاف الزمان بفرده | فقد عاد حامي الجار والملتجي جاري |
علي أمير المؤمنين ومن لنا | سواه يجير المذنبين من النار |
أذاقتني النوائب كاس صاب | ولم تحفظ من العليا مكاني |
وأسلمني الزمان وكان طوعي | وأصبح وهو منقلب العنان |
وكان يرى لشخصي دون غيري | مكانا لا يدانيه مداني |
وما بالمرء منقصة وعيب | إذا نهشته أنياب الزمان |
وأي خسارة والربح دين | قويم لم يشنه لسان شاني |
تتبعت آثار الأنام فلم أجد | هنالك إلا الغادر المتلونا |
فما لك إلا إن تسئ فإنما | تسئ إليك الناس ما دمت محسنا |
عج بالحمى فالقلب عند معاجه | حيران بين شعابه وفجاجه |
ساروا فسار وعرجوا حيث الحمى | فحلا له التعريس عن إدلاجه |
زجوا الركاب إلى العذيب وبينهم | روحي مرفرفة على أحداجه |
فسل الركاب بدمع عين سائل | عمن يحوم عليه في منهاجه |
وإذا بدا لك والهلال نقابه | قمر فؤادي كان من أبراجه |
فتخال ما بزجاجه في خده | وتخال ما في خده بزجاجه |
فاخلع فؤادك عند واد لم تزل | يقرشنه الحدقات عن ديباجه |
قبس لرب الحسن قد آنسته | في الخد يا قلبي الكليم فناجه |
خد تموج فيه ماء شبابه | فتوارت الأحشاء في أمواجه |
يغنيك عنبر خاله عن مسكه | أرجا وحق نهوده عن عاجه |
أخذ الفؤاد بذي الأثيلة عنوة | ظبي يصيد الليث عند هياجه |
سرحت في ذات الأراك نواظرا | روضن بالعبرات سرحة نجدها |
وأنلت جائلة الوشاح تحية | نمت بسر الصب نفحة ندها |
ما ضرها وأنا القتيل بحبها | لو أنها منت علي بردها |
خود تمانعني سلافة ثغرها | أتذاد حائمة القطا عن وردها |
ومنازل بين الأجارع شفني | مر النسيم بشيحها وبرندها |
هاجت بلابل ساكنيها صبوة | فاهتاج من كبدي حرارة وقدها |
لعبت بك الأيام في نكباتها | ورمت فاصمت منك أي مقاتل |
سلبتك إنسانا لعيني فلتصب | أبدا عليه بدمع عين سائل |
ما ذا تروم من السؤال عن الحشا | هو ذاك بين صفائح وجنادل |
نزعت يد الحدثان منك حشاشة | ما إن عرفت لها سجية باذل |
ما ذا وقوفك بالديار وأهلها | ما بين شارق عبرة أو راحل |
زجوا الرواحل للمسير ولم أسر | ومن الوفاء بان أزج رواحلي |
ساروا فاتبعت الحمولة عبرة | حرى تحدث عن سعير بلابل |
مستبدلين أحبة بأحبة | ومقايضين منازلا بمنازل |
فغدوت أغتبط المنازل حيرة | لا أستطيع سوى تلفت ذاهل |
لله صبري كم تسعر لاعجي | في النائبات وكم تحمل كاهلي |
ولكم بليت من النوى بمنكد | ولكم شغلت من الخطوب بشاغل |
وكأنني لم أزر عند فصاحتي | وندى يدي بطئ وبوائل |
يا دهر ما لك لا تمل عداوتي | حتى ظفرت بحز كل مفاصلي |
وقلبت لي ظهر المجن ولم تكن | ترعى حقوق أواخري وأوائلي |
أفهل تراتك عند حامية العلى | حتى فتكت بكل أصيد باسل |
منيت نفسي إن تفوز بأحمد | طول الحياة فما ظفرت بطائل |
وطويته هو والهدى في حفرة | أرجت بنشر فضائل وفواضل |
ما كنت أحسب إن أوسد مهجتي | بيدي وامسح عبرتي بأناملي |
يا موردا عذبت مناهل فضله | من بعد فقدك ما عذبن مناهلي |
أظلمن بعدك وانقطعن وخاب ما | أملت فيك مسالكي ووسائلي |
ما كان اقصر عمر وصلك بالحمى | أفهل تعود كما عهدت مواصلي |
غصن نمته يد الشريعة رائقا | غضا فأثمر بالنهى المتكامل |
فجنى عليه الدهر قبل أوانه | وذوي فغودر أي غصن ذابل |
فلأصبغن عليه من دم مقلتي | ما إن بقيت مدارعي وغلائلي |
ولأحرمن من الرقاد نواظرا | مقروحة لا تستفيق لعاذل |
أنا والسلو وما السلو بحاجتي | كالراء قاطعها الزمان وواصل |
إن يحمد الصير الجميل فإنني | عنه برحلة أحمد بمراحل |
ساروا بنعشك والقلوب تزفه | كزفيف حائمة القطا لمناهل |
شخصوا بأبصار إليك مروعة | لم تذر غير هوامع وهوامل |
لله يومك كم أبان عن العلى | شرفا وكم أودى لها بفضائل |
فغدت تجز من الكآبة شعرها | بمدى وتلطم خدها بأنامل |
بشرى لأحمد إن ذكر ثنائه | حتى يقوم الناس ليس بخامل |
لم ينس من صعدت مراتب علمه | كالشمس تبعد عن يد المتناول |
ما كنت متخذ القريض صناعة | تعزى إلي لدى انعقاد محافل |
بل حين أحشائي عليك تقطعت | أسفا تولت نظمهن مقاولي |
ولي السلو بان ربعك بالحمى | بزعيم قومك أي ربع آهل |
المفرد العلم العلي مقامه | علما علا بتفي ولطف شمائل |
هو طود حلم ما له من غاية | وخضم علم ما له من ساحل |
وبأخوة الشرف الذين بمثلهم | جمع الزمان شتات فضل الفاضل |
وسقى ضريحك من سحائب لطفه | ما ترتضيه ذريعة في الآجل |
نبت الروض من دموعي الذوارف | إذ شجاني في الدوح سجع الهواتف |
ذكرتني مورد الخد غض الـ | ـجيد مر الصدود حلو المراشف |
راقني منه مرسلات جعود | بين قاني خدوده والسوالف |
فلو أني لم اخش تلك الأفاعي | كنت من ورد خده الغض قاطف |
عكف الحسن والدلال عليه | والتصابي باد عليه وعاكف |
لاذ بالمستجار من وجنتيه | منه خال بكعبة الحسن طائف |
يأمن الناس به إذا ما استجاروا | وفؤادي مروع منه خائف |
يا رشيقا قد راق للعين حتى | ما عليه من ناعمات المطارف |
فترفق بالمستهام فإني | جئت مستعطفا بلين المعاطف |
يا فؤادي دع عنك ذكر غزال | شانه الدل للصدود محالف |
واذكرن عهد سيد ألمعي | بهر الناس بالحجى والمعارف |
يا أبا الفضل قد تساميت فضلا | ولسان الثنا بفضلك هاتف |
حار وصفي في كنه فضلك يا من | بمزاياه لم يحط وصف واصف |
إن أقل فاضل فما الفضل إلا | لك عبد للأمر عندك واقف |
أو أقل حاتم الندى فأياديك | ندى عمت الورى بالعوارف |
إنما حاتم وإن فاض جودا | هو بالجود من بحارك غارف |
وحداة المطي بذكرك غنت | وتحلت بالمدح فيك المصاحف |
رد لي عهدك القديم بمغنى | ألبسته يد الربيع مطارف |
وضلوعي انحنت على جمرات الشوق | والطرف من دم القلب راعف |
لك قامة تدعى بصعده | وحسام لحظ ما أجده |
جدلت في حديهما | مضنى يكابد فيك وجده |
حيران مسلوب القوى | كلفا لديك أضاع رشده |
فسل الحمى عن وجده | إذ كابد الزفرات وحده |
هل سلا عاشق سواي فأسلو | والتأسي في شرعة الحب يحلو |
لا وإلفي ما راق عيني إلا | أعين تخجل ألمها وهي نجل |
هي مرضى وما بهن سقام | وهي كحلا وليس فيهن كحل |
زججت حاجبا لنا وهو قوس | ورمتني بلحظها وهو نبل |
يا حبيبا أدال صدغيه حسن | وقضيبا آمال عطفيه دل |
رشق قلبي بسهم لحظيك جور | واقتطافي من ورد خديك عدل |
ووصالي إن كان عندك صعبا | فحمامي مذ بنت عني سهل |
ناديت من سلب الكرى عن ناظري | فتجلدي بقطيعة وفراق |
أمناي أنت القلب بين جوانحي | حقا وأنت النور في أحداقي |
هلا ترق لمغرم متجلبب | برد العفاف رمية الأشواق |
فحشاشتي ذابت عليك صبابة | والعين ترعف بالدم المهراق |
إن كنت فردا في الجمال فإنني | فالله فيك لواحد العشاق |
وأنا الأثيل المجد بدر سما العلا | فرع المكارم طيب الأعراق |
فإذا الملا اضطربت بها آراؤها | لعظيمة كشفت لهم عن ساق |
أهديهم نهج الصواب بفكرة | كالشمس مشرقة على الآفاق |
وإذا السنون تتابعت أوليتها | من راحتي بوابل غيداق |
وإذا الوغى ازدحمت أذقت أسودها | طعم الحمام على متون عتاق |
وقائلة وأدمعها استهلت | غيوث دون وابلها غيوث |
رحلت فمن تؤمل قلت مولى | إليه يحمد السير الحثيث |
فقالت كيف تدرك ما تمنى | وركب النجح يسرع أو يريث |
فقلت بكفو فاطمة استغثنا | فقالت لي أجل نعم المغيث |
فمن لربوع مجدك قلت أهل | لأن تحمي عرينتها الليوث |
ما لقلبي تهزه الأشواق | خبرينا أهكذا العشاق |
كل يوم لنا فؤاد مذاب | ودموع على الطلول تراق |
عجبا كيف تدعي الورق وجدي | ولدمعي بجيدها أطواق |
كم لنا بالحمي معاهد انس | والصبا يانع الجنا رقراق |
يا لظعن به النياق تهادى | نهنهي السير ساعة يا نياق |
فبأحداجك استقلت ظباء | آنسات بيض الخدود رقاق |
فارحمي يا أميم لوعة صب | شفه يوم ذي الأثيل الفراق |
كاد يقضي من الصبابة لولا | إن تحاماه في الوداع العناق |
وقهوة طاب من أرواحها عبق | فلذ مصطبح منها ومغتبق |
كالشمس تعبث بالنادي أشعتها | إذ لاح من وجنة الساقي لها شفق |
عنيت صهباء قد شيبت بريقته | أو التي من دجى ظلمائها الغسق |
من كف ساق ولكن من لواحظه | وما أرق مداما كأسها الحدق |
أرخى على الأبلج القاني غدائره | فالليل منسدل والصبح منفلق |
يا جيرة الحي من نجران ما ذرفت | عيناي إلا وشبت في الحشى حرق |
سقيا لدارك من دار أرقت لها | وأين مني لولا عهدها الأرق |
فدع عنك السلافة ليس شيء | اعل لغلتي من شرب قهوة |
أدرها واسقنيها لا دهاقا | ولكن حسوة من بعد حسوه |
فوا عجبا لمثلك أريحيا | يشف لطافة ويرق صبوه |
تبيع سلاف ريقتها المصفى | بأجنة تسميها بقهوه |
على إن السلاف وان عداها | فمي كرما لتعطي الروح نشوه |
وتلك وويل تلك ومن حساها | تزيد ملالة وتقل شهوه |
هلم نحكم الخريت فينا | فذاك السيف لا تعروه نبوه |
عجبت وأنتما ماء وخمر | قد استرضعتما در الاخوة |
فكيف يبين بينكما خلاف | برشف سلافة راقت وقهوه |
عذرتكما عليه فكل صب | تميل به لمن يصبيه صبوه |
أجل والشرك في المحبوب شرك | ابته غيرة حمدت ونخوه |
ولكني إذا حكمتماني | سعيت لذاك بين صفا ومروه |
أرى ما زفها الساقي عروسا | سلافا زف أو قد زف قهوه |
فان تكن السلافة فهي روح | وجدت لروحها فرحا ونشوه |
وان تك قهوة كالمسك فاحت | فمن يده وان مرت لحلوه |
وما ذهب السواد لها بشيء | فان الخال زاد الخد حظوه |
فسل كم قد بلونا الكاس منها | وقد رشفت لمى المحبوب بلوه |
وأي أخي هوى قد رق طبعا | يذم لراح خمر الريق جلوه |
لقد سحرتني بابل فاستمالني | هواها عن الزوراء من حيث لا أدري |
فلو لم تكن فيها هجرت لأجلها | عيون ألمها بين الرصافة والجسر |
أتسحر مثل المصطفى ارض بابل | وان كان فيها ثالث الشمس والبدر |
وهذي عصى موسى أخيه بكفه | تبدت فما أبقت لبابل من سحر |
عذرتك لم أعدد جفاءك هفوة | وحاشاك إذ كنت الكريم المسددا |
ولكن دهرا حاربتنا صروفه | حري بان لا يترك الود سرمدا |
ألا من عذيري من أغر مهذب | كريم المساعي طيب وابن طيب |
يعاتبني جدا ويعلم أنني | بشرع الهوى والود لست بمذنب |
وما ظاهري في الناس إلا كباطني | سجايا كريم عن أب وأبي أب |
لحى الله من لم يرع للود ذمة | وحم له طول الجفاء والتجنب |
فدم يا ابن حي المكرمات مواظبا | على العلم مرتادا لأشرف منصب |
تروح وتغدو في لباس من التقى | بأنعم عيش في الغريين محصب |
الوجد منصرم والعيش مقتبل | والدهر يقطع ما استبقاك أو يصل |
يا شانئون أديموا الحقد أو فدعوا | لنا بغر المعالي عنكم شغل |
لستم بأكفاء أقوام إذا ذكروا | بفضلهم في البرايا يضرب المثل |
ابن الفرات من الملح الأجاج إذا | قيسا وابن السيارة الوشل |
منا الكرام وفي نعمائنا انكشفت | دجى الخطوب وفي أسيافنا الاجل |
ما أنت والسيف فاستبق الحلي حلما | والسيف يقطع إن وافى به الرجل |
وما الهجين بمرخى من أعنته | دون الهجان فلا يخلط بك الخبل |
عجيبة وزماني كله عجب | رام الذباب محلا دونه زحل |
إلى وادي الأبيرق من غراف | رحلت العيس تجتاب الفيافي |
ولولا من بساحتها أقاموا | لما نظمت شاردة القوافي |
ولولا من بساحتها لعفنا | ركوبة كل ناشطة فيافي |
يطير لوكرها قلبي ولكن | يطير بلا قوادم أو خوافي |
ولو شرع الهوى حجا لأضحت | مخصصة لحجي واعتكافي |
وكان لربعها مسعاي شوقا | وفي أكناف دارتها مطافي |
وفي الأثلاث من وادي زرود | حبيب لا ينيل ولا يوافي |
يجرعني الأجاج الرنق صدا | ويحسب إنه الخل المصافي |
لعمر أبيك ليس الشعر فني | وان سارت بمدحتي القوافي |
سل الضيفان عن أهلي وعني | وسلهم عن قراي وعن صحافي |
وسلهم عن قدور راسيات | بحيث شمام ثالثة الأثافي |
فبيتي ذاك مفزع كل ووفد | وملجأ كل منتجع وعاف |
على من أقيمت في السماء المآتم | وهدت من الدين الحنيف القوائم |
ومم علت في الخافقين عجاجه | بها الكون مغبر الجوانب قاتم |
وعن أي أمر زعزع الدهر قارع | وراع الهدى صدع إلى الحشر دائم |
وما للورى كل تراه من الأسى | بليل سليم ساورته الأراقم |
وما للنفوس المطمئنات فزعا | من الرعب لم تملك عليها الشكائم |
وما ثاكل قد خامرتها نوائب | بأحشائها من لفحهن سمائم |
قريحة أجفاف سرين بأهلها | رمال المنايا لا المطي الرواسم |
نعت أربعا نافت قديما على العلى | فأودت وأقوى عهدها المتقادم |
تروح وتغدو لا الحمى ذلك الحمى | ولا العيش ذاك العيش أرغد ناعم |
بأنكى فؤادا من بني العلم إذ نأى | حمى العلم عنها فالعلوم يتائم |
أجوهرة الدين القويم الذي بها | علت شرفا فوق الرؤوس العمائم |
رحلت ولم ترحل مكارمك التي | إذا نعتوها قيل هذي المكارم |
أمولاي ما للشعر ربتني العلى | ولم يرض إن يعزى إلى الشعر عالم |
ولكن شظايا لوعة قد كتمتها | فنم لساني بالذي أنا كاتم |
أوشك الصخر لوجدي إن يذوبا | كيف لا احتقر الدمع السكوبا |
أخذت مني النوى ما أخذت | وشجاني صائح البين نعيبا |
أبعد الركب بمن أهواهم | ولقد كان بهم عهدي قريبا |
وخلي بات يستخبرني | والجوى دب بأحشائي دبيبا |
أفهل ودعت لذات الهوى | فاستفزتك نحيبا ووجيبا |
أم تذكرت عهودا للصبا | حيث صافيت به العيش الرطيبا |
لا بل استأصل آلاف الحمى | حادث لم يبق لي منهم نصيبا |
جيرة قد واصلونا زمنا | طاب حتى لم نشم وجها قطوبا |
يا أبا الفضل الذي قلده | من صلاحات النهى حسنا وطيبا |
إن يوما نابني ما نابني | فيك قسرا كان لي يوما عصيبا |
واقتضينا كل ما نأمله | من لبانات بها نجلو الخطوبا |
عجبا وتلك من العجائب | والدهر شيمته الغرائب |
ويل الزمان وقلما | يصفو الزمان من الشوائب |
ما أنت إلا آبق | يا ذا الزمان فمن أعاتب |
فلكم وكم من غدرة | أوليتها الشم الأطائب |
أفهل تراتك عند حامية | الذمار بها تطالب |
إن الشهيد غداة يوم | ألطف إنسانا المصائب |
لم انس ساعة أفردوه | يصول كالليث المحارب |
قرم رأى مر المنون لدى | الوغى حلو المشارب |
فبرى الرؤوس بسيفه | بري اليراع لخط كاتب |
فالأرض من وثباته | مادت بهم من كل جانب |
حيث التلاع البيض | من فيض الدما حمر خواضب |
فرد يروع الجمع ليس له | سوى الصمصام صاحب |
من للرعيل إذا تزاحمت | الكتائب بالكتائب |
من ذا يرد إلى الحمى | تلك المصونات الغرائب |
من يطلق العاني الأسير | مكبلا فوق النجائب |
أين الغطارفة الجحاجح | والخضارمة الهواضب |
أين الألى بوجوهها | وسيوفها انجلت الغياهب |
أم أين لا أين السراة | المنتمون علا لغالب |
سرت الركائب حيث لا | تدري بمن سرت الركائب |
تسري بهن اليعملات | حواسرا والصون حاجب |
وغرائب بين العدى | يشجونهن بدت غرائب |
هتفت بخير قبيلة | من تحت أخمصها الكواكب |
قوموا عجالا فالحسين | ورهطه صرعى ضرائب |
قطعوا له كفا على | العافين تمطر بالرغائب |
منعوه عن ماء الفرات | وقد أبيح لكل شارب |
لا أضحك الله الزمان | ووجه دين الله قاطب |
يا رب يوم هو أصفى يوم | أحسن وقعا من لذيذ النوم |
سرت على اسم الله فيه من حمى | حامي الحمى ميممين الحرما |
بل بقعة ما البيت إلا دونها | وتربة كل الملا يرجونها |
فرحت اختال ارتياحا ومعي | من صفوتي كل نبيل لوذعي |
سرنا على حراقة وابن الصبا | يخفق كالقلب إذا ما طربا |
تزفنا إذ ذاك نسمة السحر | بزورق أسرع من لمح البصر |
فلم نزل حتى إذا الليل دجى | ثانية فزنا بتحقيق الرجا |
ملاحظين قبة ابن المرتضى | حيث بها نور الهدايات أضا |
في بقعة تعرف بالهندية | أصفى من الصفيحة الهندية |
فلاح فجر ببياض كاليقق | وساق سيف الصبح أجناد الغسق |
هناك حاز القائمون فضلها | مراقبين فرضها ونفلها |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 174