السيد محمد الأمين الثاني ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين ابن السيد الحسن موسى ابن السيد حيدر ابن السيد أحمد الحسيني عم المؤلف.
ولد في حدود سنة 1227 وتوفي في شهر رمضان سنة 1297 كان رئيسا جليلا عظيم النفس عالي الهمة يسمو إلى معالي الأمور ويرى إنه لا يستحيل عليه إن يكون أجل وأسمى من أحد من الناس. توفي أبوه وهو في ريعان الشباب واخوته كثيرون وفيهم من هو أعلم منه واعرف فشمر عن ساعد الجد وسعى في أخذ منصب الإفتاء بعنوان مفتي بلاد بشارة الذي كان لأبيه وجده من قبله فاخذه أولا بالوكالة ثم بالأصالة وخالط الحكام والأمراء وسما مقامه عندهم وهابته الرؤساء وتهافتت عليه الوفود وكانت داره في شقراء كعبة الوفاد ومنهل الوراد ووفد على إبراهيم باشا بن محمد علي باشا أمير مصر وأخذ منه فرمانات بقرية الصوانة وبأربعة فدن في شقراء كانت معطاة لأبيه معاشا له عن منصب الإفتاء ولجده من قبل واستبد على اخوته ولم يبال بأحد منهم ومنعهم من قرية الصوانة التي كانت معطاة لأبيه من قبل عبد الله باشا ابن علي باشا الخزندار والي عكا وما إليها والتجاؤا إلى حمد البك وبعده إلى علي بك أمراء تبنين فكانوا يساعدونهم عند عداوتهم معه ويخذلونهم إذا صالحوه ومع ذلك لم تجد مساعدتهم شيئا وتحول في آخر أمره إلى الصوانة وسكنها وهجر شقراء.
تربع المترجم في دست الرياسة وخالط الحكام والأمراء وسما مقامه عندهم ولم يرض بالضيم في حال من الحالات وكان إذا أراد حاكم أو آمر إن يسومه الضيم أبت نفسه ذلك وقلب له ظهر المجن وقابله بكل شجاعة وثبات جنان وأجابه بأخشن جواب وله مع الحكام والأمراء المقامات المشهورة في ذلك فطالما صال عليهم وطال بلسان كالسيف وجنان كالحجر الصلد وتهدده بعض الولاة مرة بالحبس فقال له انك تستطيع إن تحبس جسمي ولا تستطيع حبس لساني وقلمي وكان في كثير من أوقاته في نزاع ونضال مع بعض الولاة العثمانيين وأمراء البلاد وذلك إنه لم يكن يرضى بمظلمة ولا يهاب أحدا مهما عظم ولا يرى لأحد من الناس تفوقا عليه ومن جراء ذلك نفي في بعض الأوقات إلى طرابلس الشام ثلاث سنين وجرت له صحبة وصداقة مع أعيانها وعلى الأخص آل الثمين وجرت بينهم وبينه مراسلات بعد ذلك. وحدث خبير إن سبب نفيه إلى طرابلس إنه اجتمع جماعة من عظماء سوريا منهم المترجم وأحمد باشا الصلح وغيرهما وقرروا إنشاء دولة عربية واختاروا لها الأمير عبد القادر الجزائري وخابروه بذلك واجتمعوا به وكانت كتب السيد محمد الأمين ترد إليه إلى دمشق ويكتب في أعلاها إلى دار الإمارة فعلمت بذلك الدولة العثمانية فكان سبب نفيه إلى طرابلس وهذا الخبير ينقل ذلك عن رضا بك الصلح عن أبيه أحمد باشا الذي كان أحد أعضاء هذا المؤتمر. رأيته مرة وأنا في سن الطفولية فرأيت رجلا صبيح الوجه بهي المنظر جهوري الصوت طلق اللسان كأنه زجل الرعد بطينا ابيض الرأس والحية تلوح الشجاعة وعلو الهمة على أسارير وجهه وملامح عينيه وكان يومئذ قد حضر من بيروت وكان يتخاصم فيها ويتحاكم مع يوسف آغا المملوك وخليل بك الأسعد وقد احضر معه عدة من الدواوين الشعرية وبعض الكتب وكنا جماعة من أبناء أخوته وغيرهم فأعطى كل واحد منا كتابا أو ديوانا ووقفه عليه وكتب صورة الوقف بخطه على ظهره وجعل يحثنا على طلب العلم. وكانت له أملاك وعقارات كثيرة وكان على ما هو فيه من الصفات الجميلة المشار إليها سيئ الإدارة لأملاكه وله همة في الاستملاك لا الاستغلال وكان لباسه وطعامه بسيطا مع ما هو فيه من الثروة والجاه الطويل العريض وكان حليما صفوحا لا يحتاج خصمه في الصفح عنه إلى أكثر من رؤيته والاعتذار إليه وكان في خصوماته مع أخصامه أهل الطول والحول لا يستعين بغير الله وقوة جنانه ويكون له في أكثر الحالات الظفر عليهم مع ما يبذلون من الأموال الطائلة ويقاسون من المتاعب في سبيل الغلبة عليه وطالما كان الولاة يلزمونهم بمصالحته بعد خصومات طويلة حينما يعجز الولاة أمره وفي جل تلك الخصومات أو كلها يكون مظلوما ولا يكون له ذنب إلا إباء الضيم وقد ظهرت له كرامة عظيمة في بعض تلك الخصومات التي كان مظلوما فيها وقد اقسم الله تعالى إن لا يجوزه ظلم ظالم: حدثني الحاج إبراهيم ابن الحاج حسن عبد الله من أهل قرية الخيام في جبل عامل وكنا يومئذ بمرج الخيام إن اجتمع أكثر كبراء جبل عامل في قرية الخيام بقصد تنظيم مضبطة بحق السيد محمد الأمين والشكاية عليه إلى الحاكم فنظمت تلك المضبطة وختمها جميع من كان هناك وختمها مختار الشيعة ومختار النصارى في الخيام وبات القوم بقصد إرسالها في الصباح لتختم من أهل جبل عامل فمات تلك الليلة مختار النصارى فجأة وأغلق الذين ختموها عليهم غرفة وفيها منقل فيه الفحم فأشرفوا على الهلاك وفي الصباح أخذ المضبطة رجل يسمى الشيخ صادق من عائلة الشيخ إبراهيم بن يحيى الشاعر المشهور فلما وصل إلى أوائل مرج الخيام سقط عن الفرس فكسرت رجله وارجع إلى الخيام محمولا فبعثت المضبطة مع غيره فجرى له شيء من هذا النوع غاب عن حفظي فلما جرى ذلك كله قال لهم رجل من وجوه جبل عامل ممن ختم المضبطة يسمى أبو سويد من أهل زبدين دعوا هذا السيد الجليل وارفعوا أذاكم عنه وإلا هلكتم وكان أبو سويد ممن أشرف على الموت في حادثة الفحم فتفرقوا بعد ما مزقوا المضبطة وكفاه الله تعالى شرهم يقول مؤلف الكتاب وأنا كنت يومئذ صغير السن وسمعت هذا الذي نقله لي الحاج إبراهيم كله من أفواه الناس متواترا حين وقوعه والحاج إبراهيم الناقل لهذا كان ممن ختم المضبطة وجرت الواقعة في دار أخيه الحاج محمد في الخيام فهو ليس بمتهم في نقله وكان الحاج إبراهيم المذكور من عقلاء الرجال ووجهائهم. وتوفي السيد محمد الأمين في قرية الصوانة ودفن بها في مقبرة أعدها لنفسه وولده وحضرت يوم دفن وأنا صغير السن فشيع بمحفل عظيم حافل حضره جميع أهل جبل عامل وما جاورها وكنت ادخل عليه بعد موته وهو مسجى وجماعة يقرءون عنده القرآن فما أذكر أنني رأيت أحدا بعد موته مثله في صباحة وجهه وجمال منظره ومهما نسيت فلا أنسى أنني لم أكن أجد الوحشة التي توجد عند رؤية الأموات مع صغر سني ولا أنسى جمال انفه وتناسقه ويقال إنه مات مسموما على يد خادم له والله اعلم.
وقد جمع أشعاره وما مدح به في كتاب ورتبه على حروف المعجم
مدائحه
قال الشيخ عبد الله البلاغي يمدحه
تصيخ لك الاسماع ما دمت قائلا | وتعولك الابصار ما دمت كاتبا |
إذا زان قوما بالمناقب واصف | ذكرنا به شخصا يزين المناقبا |
لك الشيم الغر التي لو تجسمت | لكانت لوجه الدهر عينا وحاجبا |
أيا ماجدا لم يقبل المجد وارثا | ولكن سعى حتى حوى المجد كاسبا |
تبسم ثغر الدهر منه بصاحب | إذا جد لم يصحب سوى العزم صاحبا |
ثنى نحو شمطاء المفاخر طرفه | فصارت بأدنى لحظة منه كاعبا |
تناول أولاها وما مد ساعدا | واحرز اخراها وما قام واثبا |
وقال الشيخ حبيب الكاظمي يمدحه:
تعالى فوق هام النيرات | محلك فاستقام على ثبات |
وقد طالعتها شماء برج | فزاحمت النجوم الثابتات |
ففيك أبا الجواد السبط سارت | وعنك على جباه السائرات |
مدائح في المكارم واضحات | تنوف على البدور المشرقات |
ومذ لحظتك ألحاظ المعالي | وكنت لها على سنن الهداة |
وقد ألبستها حلل المزايا | بأنواع الصفات الكاملات |
فما اختارت سواك من البرايا | ولا وقعت لغيرك في الجهات |
ملكت عناها فاتتك طوعا | تجر إليك جنح الخاضعات |
وقد أسكنتها أبيات قوم | كفوها في السنين الماضيات |
وهم عين الهدى بدءا وختما | وهم يوم القضا سفن النجاة |
بهم وبجدهم لا مستراب | بان لهم زمام الكائنات |
ومن ولدته آباء كرام | حري بالصفات وبالسمات |
ومن طابت مغارسه أصولا | تحلى بالفروع الزاكيات |
عدلت وما عدلت عن المعالي | بحكمك في الولاة وفي العداة |
فمن والاك بالتسليم أمسى | على الدنيا قصي الحادثات |
ومن عاداك لا ينفك عنه | لدى الأحلام رعب المرهفات |
مليك ما اتخذت شبا ودرعا | ولا خيلا لأجناد كماة |
ولكن العناية من قدير | كفتك عن الدروع النابغات |
وعن خيل وأسياف ولدن | وعن مال وأقداح رماة |
وقد خفقت لك الاعلام جهرا | على أيدي المكارم والروات |
وما ضربت لك البوقات لكن | ضربن لك المدائح في الجهات |
وقد توجت اقبالا ومجدا | بنوف على الجبال الشامخات |
وان وهم العدو سللت عزما | من الآراء يغري المحصنات |
يراعك لا يرى عيا إذا ما | محوت به سطور العاديات |
ووجهك فيه نستسقي غماما | لدى ورد السنين المجدبات |
إليك أبا الجواد الندب وافت | مدائح كالعقود الزاهيات |
تدوم لدى الورى ما عاش حي | وهن مع النجوم الثابتات |
وأصدق ما عهدت لديك حال | يعد من الفروض الواجبات |
مثالك والفعال لا مطال | ووعدك والوفاء لدى العفاة |
وقد أرجأتني وعدا بما قد | نطقت غداة تقصير الصلات |
فلما شمت من ريح جنوب | اتاني في الرياح المعصرات |
فدم وأسلم وعش أبدا هنيا | قرير العين محمود الصفات |
وقال الشيخ حبيب الكاظمي أيضا يمدحه:
رويدا أيها الغيث المجد | لريك شايق سلع ونجد |
واما سفح لبنان ففيه | لنا بمحمد كفو وند |
فما سيان وردك من أجاج | ووردي سائغ عذب وشهد |
فان تك أنت غيث فهو غوث | لنا والدهر جيد وهو عقد |
وان يك فيض مزنك عن رذاذ | فهامر فيضه علم ورشد |
وان تأتي بروقك خلبات | فبرق نواله نجز ونقد |
وان تأتي رعودك موعدات | فلم يسبق له في البذل وعد |
وان تعطي وتمنع عن هضاب | فليس لسيبه منع ورد |
وتجزيك الرواعد سائقات | وليس لجوده برق ورعد |
فأين وأين من هذا وهذا | متى قيل استوى قرب وبعد |
دليلك منه عن بعد إليه | سناء باذخ يعلو ويبدو |
تهز الأريحية منه عطفا | إذا ذكر الندى أو طل وفد |
تنال به الأنام الفوز حتى | كان الناس سعي وهو سعد |
تجئ له المعاضل مشكلات | فيرجع وقرها حكم ورشد |
إليك أبا الجواد السبق حتى | كأنك قبلها والناس بعد |
وجودك صيقل التكوين فيهم | وهم عكس السنا وعلاك طرد |
رأوا بعلاك باطن كل معنى | لعلياها وليس هناك حد |
فان تكن النفوس مركبات | فان نفوسكم علم ومجد |
وان تكن المكارم شاهدات | فشاهدكم علا وندى وزهد |
أ لست وأنت من مثل علي | له في عالم الايجاد عهد |
به ضرب الإله له مثالا | لعزته وليس هناك ند |
لكم فصل الخطاب وذاك مما | أدال السابقين أب وجد |
نزلت بغايتين هما سواء | محلك والزمان وأنت فرد |
تعالى الله لم أئت بشيء | بوصفك غير إن الدهر عبد |
وان الناس طرا والمعالي | حواها منك أثواب وبرد |
وانك للندى غيث وغوث | وانك للهدى كف وزند |
إليك لكل مكرمة مال | وأنت سحابها ولديك تبدو |
أبيت قصيدة الاعلام فضلا | وليس لآمل إلاك قصد |
فهل لي غير هذا الطود كهف | وهل لي غير هذا البحر ورد |
تمحض من ولائك في فؤادي | على الأيام اخلاص وود |
اتت بكر القريض إليك علما | بان قبولها مهر وعقد |
فلا برحت بك الاحداث تجلى | حنادسها وفيك العز يحدو |
أشعاره
قال يرثي حمد البيك أمير جبل عامل
أ رأيت أي ملمة ومخوف | سلب الكرى عن ناظر مطروف |
هدمت صروف الدهر ارفع كعبة | ورمت سنا شمس العلى بكسوف |
ذهب الذي قد كان من عاداته | في الروع ضرب طلا وخرق صفوف |
ذهب الذي كبرت عظائم جده | فينا عن التحديد والتعريف |
ذهب الذي قد كان طودا راسيا | وملاذ كل مؤمل ملهوف |
حمد أخو العلياء نجل محمد | قمر العشائر من بني ناصيف |
بدر عراه الخسف عند تمامه | بدر التمام معرض لخسوف |
أ مكلف أيام دهرك مثله | هيهات ذلك أصعب التكليف |
كم جاء ريب الحادثات بمنكر | فأعاد منكره إلى المعروف |
كم قارع الأيام منه أروع | ورمى العدى بمقذف غطريف |
كم فل في يوم القراع كتائبا | كثرت فلف زحوفها بزحوف |
يا راحلا رحل العزاء لفقده | الأرض بعدك آذنت برجيف |
أبقيت ما بين الجوانح لي جوى | جرح بأظفار النوى مقروف |
ما وجد ثاكلة كوجدي لا ولا | كنيا حتى الحمام العيف |
ما لي وجدت الدهر بعدك قد غدا | تعب الشريف وراحة المشروف |
ما لي رأيت الدهر بعدك كاشرا | عن ثغر لا حسن ولا مألوف |
فكأنني لما ذكرتك شارب | يهتز للوجد اهتزاز نزيف |
أين الذي يسعى لكل عظيمة | فينا لها بذوابل وسيوف |
أين الذين فضح الصباح بغرة | أوفت على قمر السماء الموفي |
من ذا آمال عن البسيطة طودها | قسرا فخف وكان غير خفيف |
ما ذا الذي منع الهزبر زئيره | ورماه من ريب الردى بصروف |
حيتك من سحب الرضا وكافة | تبكي عليك بدمعها المذروف |
ما غاب بدر منكم إلا بدا | بدر به يجلى ظلام سدوف |
ذاك العلي وشبلك السامي علا | غوث الضعيف ومنجد الملهوف |
أمسى بحمد الله بعدك لابسا | ثوب العلى والمجد والمعروف |
ما جئت ساحته لامر معضل | إلا كفاك مخافة التخويف |
يا سيف عامل يا كفيل خطوبها | وأمانها من حادث ومخوف |
وقفت عليك مودة من مخلص | يفدي علاك بتالد وطريف |
وقال مفتخرا على البديهة:
انا ابن جلا وطلاع الثنايا | وجدي خير من ركب المطايا |
وأمي فاطم وأبي علي | أمام الحق دفاع البلايا |
ولي همم تبلغني الثريا | أبي الضيم محمود السجايا |
لي النسب القصير لآل طه | وأشرف من تامر في البرايا |
فهل أرضى البقاء بدار ذل | وكم أطوي على الخمص الحوايا |
كسوت الشمس من حسبي ضياء | وما في الناس غيري من بقايا |
ونحن الآل إن قمنا كفينا | بني الأيام عن ورد المنايا |
وان بخل الأنام بما لديهم | كفينا السائلين من العطايا |
أعد لشدتي تسعا وخمسا | بيوم الهول من كل البرايا |
حسبي حمى المصطفى فيما أرجيه | مولى يقصر عنه من يباريه |
وترجف الأرض رعبا من مهابته | وللأعادي رجيف من مواضيه |
وطبق الأرض والأقطار راجعها | على الرعية من عدل يوفيه |
سل المدافع والأطواب في حلب | كأنها الغيث تهمي في أعاديه |
سل البروق إذا أسيافه لمعت | من علم البرق ومضا في لياليه |
أعطاه مولى الورى عقد اللوا فغدا | عقد الولا منه جار في نواصيه |
هو المليك الذي أمست مواهبه | مثل السحائب يحكيها وتحكيه |
عبد المجيد أمير المؤمنين ومن | هو الضياء لمن ضلت مساعيه |
هو المليك الذي ما زال صارمه | يفي لهذا الورى عهدا ويحميه |
ما قال لا قط إلا في تشهده | لولا التشهد ما مرت على فيه |
به الخلافة خصت بعد أربعة | فالله ناصره والله كافيه |
وكتب إليه المشير سر عسكر بر الشام محمد باشا القبرصلي كتابا يسال
فيه عن أحواله وقد أصابه مرض وأحفى السؤال وبالغ في التلطف بعبارات
رقيقة فأجابه عنه بقصيدة من جملتها
وجلا القذا عن ناظري بأسطر | أحيا الفؤاد بها وعوفي داؤه |
فانا الذي فيها أصبت من العلى | شرفا يمد على الزمان رداؤه |
لا غرو إن البحر يقذف لؤلؤا | والبدر يشرق في الجهات ضياؤه |
وتراكضت جم القلوب لبابه | يسعى بهن ولاؤه وولاؤه |
كتب إلى عزت باشا حين قدم من دمشق الشام إلى جبل عامل وزاره
في شقراء وزار حمد البك في تبنين وذلك سنة 1268 قصيدة من جملتها
يا نيرا من دمشق الشام قد طلعا | وليث غاب بساح المجد قد رتعا |
سارت ركابك منها نحو عاملة | وحل فيها وزير قدره ارتفعا |
وكتب إلى محمد باشا القبرصلي سر عسكر إيالة بر الشام يهنيه بعيد الفطر
سقى صوب الحيا بالرقمتين | معاهد أنسنا والأبرقين |
ربوع إن جفاها الغيث يوما | سقيناها بدمع المقلتين |
ربوع لا يزال بها هلال | يفوق سناه نور النيرين |
طربت بها وعاودني التصابي | بظني نقا أزج الحاجبين |
أبرقع منظر المرآة عنه | مخافة إن أثنيه بعيني |
إذا ما رمت لثم الخد منه | حمى باللحظ ورد الوجنتين |
وان رمت ارتشاقا للثنايا | يهددني بقوس الحاجبين |
ألا يا نسمة الأسحار كوني | رسولا بين أحبابي وبيني |
أدر يا أيها الساقي كؤوسا | وناولها بكلتا الراحتين |
لقد تم السرور بمدح ليث | طويل الباع عبل الساعدين |
هو المقدام في الهيجاء يلفى | ربيط الجاش ماضي الشفرتين |
هو الضراب بالبيض المواضي | هو الطعان بالرمح الرديني |
مشير لا يدانيه مسير | بحفظ عهود حاني الكعبتين |
أمير السدة العليا تبوأ | مقاما فوق هام النيرين |
ألا فاهنأ بعيد الفطر وأسلم | فأنت هلاله في كل عين |
فورد الجواب من الشيخ محمد أمين الجندي مفتي معرة النعمان وكاتب الديوان السر عسكري وذلك سنة 1268 بما صورته:
حمدا لمن غرس شجر المحبة في الروع وأجرى ماء المودة بين الأحشاء والضلوع والصلاة والسلام على سيدنا النبي المتبوع وآله وصحبه ما دام غروب وطلوع وبعد من الحقير محمد أمين الجندي بن العباس حفظه الله من الزيغ والتناس إلى جناب العالم العامل والهمام الشريف الكامل الأمين على مستودع الفضائل والفارس الجرئ في ميدان أحسن الشمائل سيدنا الفاضل ومولانا الفاضل عطر الله أوقاته بماء ورد الايناس وحفظه من شر الجنة والناس:
نسب أقرب في شرع الهوى | بيننا من نسب من أبوين |
ترد تحاريركم وقصائدكم البهية بمدح الحضرة الكريمة المشيرية فنتلوها مترنمين ونقول هذا اثر أمين وكم أردت إن أساجل قريحتكم بمدح صاحب السعادة كما جرت بذلك بين المعاصرين من أهل الأدب العادة لكني انظر إلى مقام دولته العالي فأقول ما لي ولاقتحام هذه الذروة ما لي إلى إن وصلت الحضرة من دولته العلية وتلوت ما دبرت في أعتابه السنية وحيث وافق مزاجه الفخيم ورسم بإرساله إلى جنابكم الكريم طويته في هذا التحرير معتذرا عما فيه من التقصير ولعمري أني لأدنى عبيد ولي النعم قليل البضاعة بين من ألف ونظم لكن إكسير دولته صير نظمي إبريزا ونظره السامي يعيد الذليل عزيزا ولا أقول أني جندي ميدان القريض ولي في هذا الباب نسب عريق عريض فقد لا يأتي الفرع وفقأاصله وأنا ممن يعترف بجهله فكم في باب حضرة المشير من ذي قدر خطير لو ابتغي تأليفا بين النيرين لاقتدر على ذلك من دون مين والحبة بعقدها تدخل بالمدح وصاحب هذا الفن هدف بين الثناء والقدح فالرجاء من سيادة المولى إذا وقف على ما دبرناه واطلع على ما ألفناه إن يجر ذيل العفو عن القصور والهفو وناهيك إن البحر مرجع المياه وان كان ماؤها من خضمه وسقياه على أني قد اطلعت على خاطر دولته الخطير فكان للتشوق لمرأى المولى بشير فلذلك أرجو الله إن يجمعني بطلعة بدر محياكم وان يبل غليل شوقي بلقياكم والرجاء إن لا امنع من التراسل والتواصل والدعاء والرضاء والقصيدة التي أجاب بها الشيخ أمين الجندي هي هذه:
أمين الدين يا نجل الحسين | برؤياكم أقر الله عيني |
بليغ نظامك الدري وافى | إلى باب الوزارة مرتين |
مدحت ولي نعمتنا وفي ذا | لقد شاركت أهل الخافقين |
وما شاهدت طلعته ولكن | سمعت ولا أرى أثرا كعين |
لعمرك إنه فذ المعالي | وفرد في ظلال النشأتين |
مشير لو أشار إلى الثريا | أجيبي أقبلت من غير مين |
قصور إن أشبهه بكسرى | وقيصر أو بإحدى النيرين |
مليك للشام كسى جمالا | وخص دمشق ذات النيرين |
به افتخرت بلاد العرب طرا | على من دونها في الأيكتين |
بحكمته استمال قلوب قوم | وقوما بالنضار وباللجين |
وبالأحكام ساس الملك حتى | أنام الذئب بين الظبيتين |
ومن نبذ الكرامة أو تمادى | سطا فيه بماضي الشفرتين |
سجاياه الكريمة ليس تحصى | وهل تحصى النجوم بإصبعين |
فتى في دولة الإسلام ركن | وعز للمهند والرديني |
به الشهباء بعد الموت عاشت | وخلص ربعها من كل شين |
وزير لا نظير له وشهم | رضي الخلق أندى الراحتين |
تفرد بالكمال فلا يضاهي | وأضحى للورى إنسان عين |
محمد والمحامد فيه حق | على الشعراء مثل قضاء دين |
وتشملهم نوافل راحتيه | بلا حصر بكيف أو باين |
ومن ناواه يرجع رغم انف | بيأس حاملا خفي حنين |
وكم في بابه المحروس عبد | له صار الكلام بمنطقين |
غدا جند القريض له مطيعا | فألف منه بين الفرقدين |
فكم من أبكم مثلي يجاري | بنعمته فصيح العالمين |
وأدناهم سميك ذا ولكن | بعون الله سوف تقر عيني |
وفي ظل المشير أنال سؤلي | ويجمع بين آمالي وبيني |
فهاك من الأمين جواب نظم | على عجل أتى يا ابن الحسين |
فأجابه المترجم بهذه القصيدة:
إذا عادت بأرض الرقمتين | ليالينا أقر الله عيني |
وليل نام نور الفجر عنا | وسمر فيه نجم الفرقدين |
قضيت لبانتي فيه اختلاسا | بحمراء الحلي والوجنتين |
وخود من بني بكر بن سعد | تمائها رقاق الشفرتين |
رعت نومي بنرجس مقلتيها | واصمت حب قلبي بالرديني |
حماة الحي ي همام بأس | رمته كريمة منكم بحين |
سأنفض من وداد الخود كفي | وأقضي من حقوق المجد ديني |
والتحف السراب بحر يوم | يذيب القلب من ضجواين |
بناجية تظن الليل بحرا | تلف البيد لف الشملتين |
وأطلس خلفها يعدو فيعيا | فيقعي عاويا في الحرتين |
يغالطها اختلاسا عن وجاها | تمانعه بحر الوجنتين |
عليها للمعالي أي دين | يدين له ضياء النيرين |
فلا للمشط قد دهنت رأسي | ولا للكحل قد هيات عيني |
ولكن للرهان ربطت مهري | لأحظى عنده بالغايتين |
لرحلة مفخر وطلاب عز | ومجد لا النضار ولا اللجين |
إلى مولى طويل الباع فذ | جليل القدر رحب الساحتين |
وقائد عسكر بحسام عزم | صقيل الحد ماضي الشفرتين |
ومن يبغي الخلاف رمته دهما | من الأقدار تخبط باليدين |
كسا الشامات ثوب العدل حقا | وأقصى الجور بعد المشرقين |
ربطت على الولا قلبا مقيما | وطلت على الرجال بمفخرين |
فكم ساجلت في هذا وهذا | بليغا عاد في خفي حنين |
وأبقى الله دولة ذي المعالي | بذي الدنيا لأمن العالمين |
وكتب إلى حسن بك كأخيه مشير إيالة صيدا محمد أمين باشا حين قدومه لبلاد بشارة سنة 1268 قصيدة من جملتها:
جلا بقدومه عنا ظلاما | بوجه مشرق كهلال عيد |
له القلم الذي ما زال فيه | يصيب شواكل الأمر البعيد |
ورأي لو يناط على الليالي | لما احتاج الصباح إلى عمود |
وللآداب كنز أي كنز | سما بنفائس الدر النضيد |
وقال في جده أمير المؤمنين عليه السلام
أبا حسن لولاك ما خلق الملا | ولا دحيت ارض ولا رفعت سما |
ولا دارت الأفلاك والفلك ما جرت | ولا نزل الغيث الملث ولا همي |
من مدائحه
وجدنا هذه القصيدة في مدحه وتهنئته بسيف أهداه له بعض الملوك ولم نعلم ناظمها:
مولاي إن حياض جودك منهلي | وعليك في هذا الزمان معولي |
انظر إلي ببعض طرفك نظرة | يسمو بها نظري ويعرب مقولي |
تمحو أساطير الخطوب كما محت | ريح الشمال ركام غيث مثقل |
أرجوك للأمر العظيم وإنما | يرجى المعظم للعظيم المعضل |
لا تشمتن بي الأعادي بعد ما | قربتني وغدا العدو بمعزل |
أملي على أعتاب بابك واقف | فكأنه في هضبة من يذبل |
ومجلل بيدي نداك كأنما | غطاه عرف العارض المتهلل |
لا ينثني إلا بادراك المنى | ودفاع عادية الخطوب النزل |
أ تصيب فادحة الليالي مقتلي | ويروعني زمني وجاهك معقلي |
وأذود عن عيني كراها قائلا | يا أيها الليل الطويل إلا انجلي |
حاشاك تسلبني العطية بعد ما | أبرمت فيها عقدة لم تحلل |
حاشاك تخفض رتبتي من بعد ما | أحللتني أوج السماك المعتلي |
إن الرياسة في يديك زمامها | وسواك يخبط جنح ليل أليل |
إن المظالم مذ حللت ديارنا | رحلت رحيل الظاعن المتحمل |
أسقيتني كاس المنى معسولة | من ذا يمازجها بطعم الحنظل |
حاشاك توردني سرابا بعد ما | أوردتني ماء الزلال السلسل |
أحكمت لي عقدا أو لست بناقض | ما كان احكم في الزمان الأول |
هي قولة لا يستطاع رجوعها | كالسهم يرمي نافذا في المقتل |
من مبلغ الأعراب أني وارد | حوض السماح من الغمام المسبل |
وسموت أفلاك العلى بمحمد | غيث المؤمل نير المتأمل |
أسد إذا جئت الخطوب ببابه | يرمي غواربها بحد المنصل |
يسطو على الأيام منتصرا لمن | ألقى الزمان على حماه بكلكل |
يا حاميا للجار بل يا حاميا | دين الأئمة والنبي المرسل |
يا ناصر الإسلام أنت كفيته | شر الأعادي بالرماح الذبل |
إن يهربوا من ارض معركة إلى | أخرى وهبت ترابها للقسطل |
ما استعصمت فرسانهم في معقل | إلا طلعت عليهم في جحفل |
جيش يغص به الفضاء جررته | يهوي إلى الباغي هوي الأجدل |
فغزوتهم بالرأي والقلم الذي | طعن العدى والسيف لما يسلل |
تمتاح إن لم ترتشف منهم دما | عقبانها وتعل إن لم تنهل |
يا أيها السامي إلى أفق العلى | مهلا فما فوق السما من منزل |
واهنا بما فيه حباك مليكنا | سيف لغيرك في الورى لم يرسل |
اقبل رجائي أنني متوسل | بك والنبي وبالامام الأفضل |
خذها محجلة إذا ما أنشدت | عطفت عنان الراكب المستعجل |
وأرسل إليه الشيخ إبراهيم الأحدب أحد علماء طرابلس وشعرائها بقصيدة فأجابه عنها بأبيات منها:
غدا بحر القريض له مطيعا | فنضد منه ياقوتا وعسجد |
حباني منه قافية أبانت | لدينا إن إبراهيم مفرد |
فقرب للقا نجب المعاني | وأوصلها بوصل الآل ترشد |
ففينا جاء في القرآن مدح | بنص مستبين ليس يجحد |
فأجابه الشيخ الأحدب بهذه القصيدة:
أسال مدامعي خد مورد | بديوان البها أمسى مورد |
وأطلق ناظر الأجفان دمعي | ورشحه بعامله المجرد |
وأخلقني الزمان بحب ريم | به ثوب الصبابة قد تجدد |
وعذبني بنار الصد منه | ولم أبرح أوحده وأشهد |
معطلة به بئر اصطباري | وقصر صبابتي فيه مشيد |
وصيرني ودون لماه قلبي | لسيف جفونه الماضي تشهد |
يحل بمهجتي ولعقد صبري | ولي سبب اللقاء به معقد |
لوجنته بقلبي أي خد | كما خدي بدمعي قد تخدد |
بمحراب الذوائب لي ركوع | ولي بالغرة الغراء مشهد |
وعدت إلى الغرام فكان عودي | لأحوي أحور الأجفان أحمد |
بحمرة وجنة وبياض جيد | غدا حظي كليل نواه اسود |
وما لي مسعد بهواه يوما | وهل من يعشق الآرام بسعد |
وما أنا في هواه سعيد حظ | على أني أميل إلى محمد |
أمين الفضل مأمون المعالي | رشيد من أتى علياه يرشد |
يفوز بكل سعد من أتاه | ومن وافى سعيدا فهو مسعد |
كسته مفاخر الآباء عزا | فأزرى بالفخار بكل أصيد |
له حر الكلام غدا رقيقا | فحرزه بإتقان ونضد |
وثبت من معاليه حديثا | غدا مرفوعه بالفضل مسند |
تكلفني القريض لها جزاء | وفكري عن شوارده مقيد |
وذلك حيث إن الدهر أمسى | يريني ما به أصبحت مكمد |
يغض الجفن عن فضلي حسودي | ويفتح ناظرا للشر مرصد |
وهبني الشمس في أفق المعالي | أ يحسن إن تراها عين أرمد |
فخذها من بنات الفكر خودا | بفضلك عند أهل الفضل تشهد |
ولا تعتب قصوري عن لقاكم | فما أنا على باب تردد |
واني قد غدوت الآن حلسا | لبيتي خوف عذالي وحسد |
وسل حسن الختام لنا جميعا | وذلك غاية تعنى وتقصد |
وكتب له دفتر دار صيدا فائق باشا مرسوما إلى الشيخ حسين السلمان بالأربعة الفدن الإقطاعية في شقرا معاشا له بعنوان إنه مفتي بلاد بشارة نثبت هنا صورته لأنه من الآثار التاريخية وهو على ورق متين بخط رقعي في غاية الجودة قد نشرت عليه البرادة الذهبية اللون وبقيت إلى الآن وتبقى بعد هذا المئات من السنين وهذه صورته:
إفتخار الأماجد والأعيان محصل هونين حالا الشيخ حسين السلمان زيد قدره المبدي إليكم إن رافع تحريرنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين أفندي بيده مراسيم سابقة من حضرات المشيرين والدفتر دارية الفخام السابقين وذلك بخصوص المشد المطلق في قرية شقرة التابعة بلاد بشارة ومن كون المشد المطلق المذكور خارجا عن ترتيب القرية التمس منا تجديد التصرف به كما كان قديما وقد صار التماسه مقبولا فيلزم إن يتصرف بهذا المشد معاشا له وأيا من يعقبه من الذرية إنعاما مؤبدا من دون إن يعارضه معارض فبناء على ذلك اقتضى إصدار هذا كي تعملوا بموجبه في 23 سنة 1260.
محمد فائق
دفتر دار إيالة
محل الختم صيدا وملحقاتها
وهذا بعد ذهاب إبراهيم باشا من سورية واستيلاء الدولة العثمانية عليها.
صورة مرسوم آخر من أدهم باشا
دفتر دار إيالة صيدا بهذا المعاش
افتخار المشايخ المكرمين محصل هونين وقانا الشيخ حسين السلمان زيد مجده.
إن رافع تحريرنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين العالم بيده مراسيم سابقة من حضرات الولاة السابقين مضمونهم بخصوص مشد المطلق في قرية شقرة التابعة بلاد بشارة ومن كون مشد المطلق المذكور خارجا عن ترتيب القرية التمس منا تجديد التصرف له به كما كان قديما وقد قبلنا التماسه فيقتضي إنه يتصرف به معاشا له وإلى ذريته من بعده بدون إن يعارضهم بذلك معارض ولا ينازعهم منازع بناء على ذلك اقتضى إصدار تحريرنا هذا لكي بعد الوقوف على مضمونه وإجراء العمل بموجبه يرجع ليد المومى إليه ليبقى محفوظا لمحل الحاجة إليه اعلموا ذلك والسلام في 10 ن سنة 1257.
الحاج إبراهيم أدهم
الختم دفتر دار إيالة
السيد إبراهيم أدهم صيدا وتوابعها حالا
صورة مرسوم آخر بقرية الصوانة
من إبراهيم باشا من محمد علي باشا
صدر مرسومنا العالي المطاع إعلاما به إلى كل واقف عليه إن رافع مرسومنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين العالم أنعمنا عليه بقرية الصوانة لأن تكون معاشا له يتصرف بها ويستولي إيرادتها لمعاشه بعد وفاة والده ولا يعارضه بها معارض ولا ينازعه منازع فبناء على ذلك اقتضى إصدار مرسومنا هذا من ديوان معسكر عكة ليعمل بموجبه ويعتمد عليه غاية الاعتماد في 10 ل سنة 1249. الحاج إبراهيم والي جدة
الختم سلام على إبراهيم
صورة مرسوم آخر بقرية الصوانة
من فائق باشا دفتر دار إيالة صيدا
افتخار الأماجد الكرام محصل تبنين وساحل معركة شيخ المشائخ حمد البك زيد مجده.
غب التحية والتسليم بمراسم الإعزاز والتكريم المبدي إليكم إن قرية الصوانة الكائنة من أعمال بلاد بشارة هي من القديم مفروزة القلم غير داخلة بترتيب الميري السابق والآن من كونها معاش إلى افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين أفندي العالم ومتصرف بالقرية المذكورة بموجب مراسيم من الولاة السالفين وقد صار الاطلاع عليها بناء على ذلك قد جددنا له هذا طبق الأوامر المخلدة بيده لتستبقي القرية المذكورة بتصرفه ويستوفي إيرادتها لمعاشه ولمن يعقبه من ذريته أنعاما من دون إن يعارضه معارض ولا ينازعه منازع بل تكون القرية معاشا لهم حكم القديم لقاء أمره بالدعاء الخيري بدوام سرير سلطنة ولي نعمة العالمين خلد الله سرير ملكه ما دام الدوام فبناء على ذلك حررنا لكم هذا كي تعملوا بموجبه في 13 ر سنة 1260.
محمد فائق دفتر دار إيالة صيدا وملحقاتها
الختم
محمد أمين فائق
وكتب كتابا إلى مصطفى باشا قائم مقام إيالة صيدا سنة 1277 فجاءه الجواب من الباشا المذكور بما صورته:
افتخار العلماء الكرام ذو المجد والاحترام مولانا أفندي دام بقاه.
غب التحيات الفاخرة وغرر التسليمات العاطرة لمشاهدة جنابكم على كل خير وعافية ونبدي إنه بأشرف وقت ورد كتابكم وقطفنا درر معان تنضدت من جنابكم وصار عندنا لذلك غاية السرور والبهجة وعلى كل حال لا يفوت جنابكم شيء من الكمال غير أنا تكدرنا من اللطف الحاصل لجنابكم كثيرا ونسأله تعالى إن يزيله عن ذاتكم بحق جدكم وآله وأما الشوق فعندنا أضعاف مضاعفة وإنشاء الله نشاهد جنابكم بكل خير وتشكر من حسن مزاياكم
ونحن ننقل هذه المكاتبات لا لبلاغة فيها بل لأنها أثر تاريخي معبر عما كانت عليه حالة ذلك الوقت.
وكتب كتابا إلى إسحاق باشا مير ميران وقائم مقام إيالة بر الشام فورد إليه الجواب من الباشا المذكور سنة 1268 وهو هذا:
افتخار السادة الكرام الأشراف ذوي المجد والاحترام من آل عبد مناف مولانا أفندي حميد الخصال زيد فضله غب إهداء التحيات الوفية والتسليمات السنية والأشواق القلبية لمشاهدة نور طلعتكم البهية نبدي إنه بينما نحن في تذكار أوصافكم الحميدة وأخلاقكم الفائقة الفريدة إذ بأبرك وقت سعيد وأيمن طالع رغيد ورد تحريركم المنبئ عن اعتدال مزاجكم الفاخر ورفاه طبعكم البهي العاطر وما تضمنه من الألفاظ الدرية والعبارات الفائقة الزكية صار معلوم هذا العاجز والقصيدة التي أهديتموها وقعت في عين القبول إذ هي تحفة آل بيت الرسول فما أحلى تلك الأساليب الفائقة وما أعذب تلك الموارد الرائقة فلا فض فوك ولا عاش من يشنؤك ونحن لا نزال نسمع بفضلكم من الوارد والصادر وبناء على تهيج الأشواق حررنا بقلم الخلوص والمودة نرجو دوام اتصال تحاريركم فيما بعد ودمتم.
وأخذ مرسوما آخر من أدهم باشا دفتر دار إيالة صيدا بقرية الصوانة بهذا التاريخ باسم حمد البك هذه صورته:
افتخار المشايخ المكرمين محصل مقاطعة تبنين ومعركة حالا الشيخ حمد البك زيد مجده إن قرية الصوانة الكائنة من أعمال بلاد بشارة هي من القديم مفروزة القلم غير داخلة بترتيب الميري من سابق والآن أيضا كونها معاش إلى رافع تحريرنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين العالم ومتصرف بالقرية المذكورة بموجب مراسيم من الولاة السابقين قد صار الاطلاع عليها بناء على ذلك مجددا الآن مصدرين بيده تحريرنا هذا لكي بموجبه يبقى السيد محمد المومى إليه متصرف بالقرية المذكورة ويستولي إيرادتها لمعاشه وإلى أولاده من بعده بدون إن يعارضهم بذلك معارض ولا ينازعهم منازع بل تكون القرية المذكورة معاشا لهم حكم المدد السابقة على حسب الرسم القديم وإعلانا لذلك اقتضى إصدار تحريرنا هذا لكي بعد الوقوف على مضمونه وإجراء العمل بموجبه ترجعوه ليد المومى إليه ليبقى محفوظا بيده لوقت الاحتياج إليه اعلموا ذلك والسلام في 10 ن سنة 1257. الحاج إبراهيم أدهم دفتر دار إيالة صيدا وتوابعها حالا
الختم
السيد إبراهيم أدهم
وكانت المراسيم تجدد لأصحابها من الولاة كلما تجدد وال فلذلك أخذ مرسوما آخر بالإفتاء من ديوان إيالة صيدا بتاريخ 21 ربيع الأول سنة 1257 هذه صورته: مفاخر المشائخ المكرمين محصلين مقاطعات تبنين وهونين ومرجعيون زيد مجدهم. وأعلام به إلى كامل المشايخ وأهالي وفلاحين المقاطعات المذكورة بوجه العموم يحيطون علما بخصوص رافع مرسومنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين زيد علمه بيده مراسيم من حضرات أسلافنا الوزراء العظام بتوجيه وكالة إفتاء بلاد بشارة ومرجعيون على والده من قبله وعليه فالآن اقتضى إصدار مرسومنا هذا إليكم بيده لكي يكون معلوم الجميع منكم إن الأفندي المومى إليه باق مقرر بوكالة الإفتاء في بلاد بشارة جميعها ومرجعيون وجميع المواد الشرعية يكون فصلها عن يده وتعتبر فتاويه وتجروا معه جميع رسومات وظيفته حسبما كان على موجب المراسيم التي بيده من حضرات أسلافنا الوزراء العظام بما فيها عوائده لأجل اغتنام خير دعاه لحضرة مولانا السلطان نصره العزيز الرحمن أيد الله تعالى سرير ملكه إلى انتهاء الزمان وانقراض الدوران فبناء على ذلك أصدرنا لكم بيورليدينا هذا من ديوان إيالة صيدا لأجل عند اطلاعكم على مضمونه تجرون العمل بموجبه وتعتمدوه.
21 ر ل 1257 وذهب من أسفله محل التوقيع لكنه مختوم في أعلاه بختم كبير وعلى جوانب الختم بسم الله الرحمن الرحيم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وفي وسطه هكذا (عبده محمد سليم).
وأخذ مرسوما من فائق باشا دفتر دار إيالة صيدا بالمشد المطلق في شقراء الآنف الذكر سنة 1260 هذه صورته:
افتخار الأماجد والأعيان محصل هونين حالا الشيخ حسين السلمان زيد قدره المبدي إليكم إن رافع تحريرنا هذا افتخار العلماء الكرام السيد محمد أمين أفندي بيده مراسيم سابقة من حضرات المشيرين والدفتر دارية الفخام السابقين وذلك بخصوص المشد المطلق في قرية شقرة التابعة بلاد بشارة ومن كون المشد المطلق المذكور خارجا عن ترتيب القرية التمس منا تجديد التصرف به كما كان قديما وقد صار التماسه مقبولا فيلزم إن يتصرف بهذا المشد معاشا له وأيا من يعقبه من الذرية إنعاما مؤبدا من دون إن يعارضه معارض فبناء على ذلك اقتضى إصدار هذا كي تعملوا بموجبه في 3 ر سنة 1260 محمد فائق دفتر دار إيالة صيدا وملحقاتها.
الختم
(محمد أمين فائق)
ولما حضر فؤاد باشا الصدر الأعظم إلى سورية لإصلاح الأحوال في حادثة الدروز والنصارى سنة 1277 حضر إليه عمنا السيد محمد الأمين وأخذ منه مرسوما بقرية الصوانة ومشد المطلق في شقراء وصرح له في هذا المرسوم بأنه ليس لإخوته حق المعارضة معه في الصوانة لأنهم كانوا ينازعونه فيها وكانت يده أقوى من أيديهم فكان حكام البلاد من أبناء العشائر إذا تخاصموا معه حركوا أخوته عليه وأعانوهم فإذا اصطلحوا معه تخلوا عنهم وإنما صرح له فؤاد باشا بذلك لأن المرسوم الذي أخذه من إبراهيم باشا عند وفاة والده كان باسمه خاصة كما مر فجرت المراسيم المتأخرة على حسبه وهذه صورة مرسوم فؤاد باشا.
قد صدر مرسومنا هذا إعلاما إلى كل مطلع عليه وناظر إليه بوجه العموم يحيطون علما إنه قد أطلعنا على البيوير لديات الموجودة بيد جناب مكرمتلو السيد محمد أمين أفندي الحسيني مفتي بلاد بشارة المعطاة له من طرف حضرات الولاة العظام والوزراء الفخام ودفتر دارية إيالة صيدا ذوي الاحترام المعربين بان مزرعة الصوانة من أعمال بلاد بشارة هي موجودة بعهدته من القديم بوجه المعاش وهكذا مشد المطلق في قرية شقرة ولكون جناب الأفندي المومى إليه قد استدعى تجديد البيوير لديات التي بيده من طرفنا لكي تدفع عنه المداخلة بالمحلين المذكورين الموجودين بعهدته فقد أجبنا التماسه وبناء عليه ينبغي إن الأفندي المومى إليه يكون متصرفا في المحلين المذكورين حسب قديمه الجاري حتى الآن من دون إن ينازعه منازع ولا يعارضه بذلك معارض ولا بوجه من الوجوه بل تبقى المعيشة المذكورة بيده وليس لاخوته ولا خلافهم تعرض ولا دخل بها وبما إن الأفندي المومى إليه هو من الذرية الطاهرة الذين يقتضي إن تجري بحقهم الرعاية والحرمة فيقتضي إن تجري بحقه المساعدة بخصوصياته ومسؤولياته الموافقة للأصول وبناء على ذلك قد أصدرنا هذا البيوير لدي من ديوان نظارة الأمور الخارجية والمأمورية المخصوصة فوق العادة بالاستقلال لاصلاح أحوال سوريا فاعلموه واعتمدوه غاية الاعتماد في 5 ربيع الأول سنة 1277 والختم مطبوع في أعلاه مع بيت من الشعر بالتركية هكذا بصورة دائرة:
حكومت حكمت ايله مشتركدر
محمد فؤاد
1271
وزير اولان حكيم اولمق كركدر
أما الختم الخاص لفؤاد باشا فهو هكذا (السيد محمد فؤاد)
وأخذ مرسوما آخر من حاكم صيدا محمد قبولي سنة 1280 بقرية الصوانة ومشد المطلق في شقراء مبنيا على مرسوم فؤاد باشا هذه صورته: صدر مرسومنا هذا المطاع إعلاما إلى كل مطلع عليه وناظر إليه بوجه العموم يحيطون علما إنه قد أطلعنا على البيورلديات الموجودة بيد جناب مكرمتلو السيد محمد أمين أفندي الحسيني مفتي بلاد بشارة المعطاة له من طرف أشرف حضرة صاحب الصدارة العظمى فخامتلو دولتلو فؤاد باشا المعظم وحضرة الولاة العظام والوزراء الفخام في أيالة صيدا المعربين بان مزرعة الصوانة من أعمال بلاد بشارة المعطاة له هي موجودة بعهدته من قديم الزمان بوجه المعاش وهكذا مشد المطلق في قرية شقرة ولكون جناب الأفندي المومى إليه قد التمس تجديد المراسيم المذكورة من طرفنا أيضا كي ترتفع عنه المداخلة في المحلين المذكورين الموجودين بعهدته كما ذكر آنفا فقد أجبنا التماسه وبناء عليه ينبغي إن الأفندي المومى إليه يكون متصرفا في المحلين المذكورين حسب قراره الجاري حتى الآن وصاعدا لا ينازعه بهما منازع ولا يعارضه بهما معارض بل تبقى المعيشة المذكورة بيده وليس لأخوته ولا لخلافهم تعرض ولا مداخلة بهما وبما إن الأفندي المومى إليه هو من الذرية الطاهرة فيلزم إن تجري بحقه الرعاية والحرمة أيضا ليواظب على الدعوات الخيرية بحفظ سرير السلطنة السنية وبناء على ذلك قد أصدرنا مرسومنا هذا من ديوان ولاية صيدا والمأمورية المخصوصة في عربستان فاعلموا ذلك واعتمدوه كل الاعتماد 19 جمادى الأولى سنة 1280 الختم (محمد قبولي).
في الوسط وفي الجوانب قناعة العبد خير من المال وجملة أخرى لم نتمكن من قراءتها.
وأخذ مرسوما آخر من خورشيد باشا حاكم صيدا صادرا من ديوان ولاية صيدا بالصوانة ومشد المطلق في شقراء مؤرخا في 23 جمادى الأولى سنة 1281 و 31 تشرين الأول سنة 1280 مبنيا على مرسوم فؤاد باشا أيضا وعبارته عين عبارة هذا المرسوم بغير زيادة ولا نقصان سوى عبارة فالمأمورية المخصوصة في عربستان فإنها غير موجودة فيه والختم في الوسط محمد خورشيد ويحيط به هذه الآيات الثلاث.
(حسبي الله ونعم الوكيل. وأفوض أمري إلى الله. وما توفيقي إلا بالله).
أولاده
ولد للمترجم: السيد جواد والسيد أبو الحسن أمهما الحاجة خاتون بنت الحاج محمد شيث سقط عليها البيت في دار بعلها في شقراء فلجات إلى موقد النار فتوفيت محترقة تجاوز الله عنها والسيد مرتضى والسيد رضا والسيد حسن أمهما الحاجة سكنة بنت الحاج حسن ابن الحاج محمد شيث تزوجها بعد موت عمتها المذكورة كانت من فضليات النساء بارعة في الجمال سافرت بعد وفاة بعلها وأولادها إلى العراق مرتين وفي الأولى منهما زارت مشهد الرضاعليه السلام وفي المرة الثانية جاورت في النجف الأقدس وقلت ذات يدها وكانت تقضي نهارها صائمة وأكثر ليلها قائمة تدعو وتصلي وتتضرع وتبكي إلى الفجر فتذهب إلى الحضرة الشريفة وتعود عند الضحى ثم تذهب بعد الظهر إلى الحضرة المشرفة فتبقى حتى تصلي المغرب والعشاء وتعود وتنام شيئا من الليل ثم تقوم فتصلي وتدعو وتتضرع إلى الفجر كان هذا دأبها حتى مضت إلى رحمة الله تعالى في النجف. جاورتنا مدة طويلة هناك في دار واحدة فكان هذا دأبها حتى توفيت وكانت لا تنسى بعلها وأولادها من الصدقات والخيرات في ليالي القدر من شهر رمضان كل سنة، توفي أولادها المرتضى والرضا في حياة أبيهم
وأرخ الشيخ علي زيدان وفاة المرتضى بقوله:
هذا ضريح المرتضى | ريحانة الهادي البشير |
شبل الأمين محمد | وابن الأمير ابن الأمير |
لما تغيب في الثرى | عن دوحة الشرف الخطير |
أرخت يوم أفوله | في رمسه القمر المنير |
سنة 1275
وله فيه تاريخ آخر وقد ذهب بيت التاريخ:
هذا ضريح المرتضى | بدئ الوجود بجده |
جبريل ناغى جده | طفلا وهز بمهده |
فرع من السبط الذي | أوفى الأنام بعهده |
نجل الأمين محمد | أغنى العفاة برفده |
لما تغيب في الثرى | غاب الضياء لفقده |
والكون أضحى مظلما | يا للرجال لبعده |
وكانت وفاة السيد حسن محزنة جدا خطب له أبوه بنت الفقيه العلامة الشيخ محمد علي عز الدين وليلة زفافه توفي فجأة قبل إن يدخل بها وكان فاضلا نجيبا خير أولاده علما وفضلا ونجابة ونبلا أحضر له أبوه الشيخ جعفر مغنية فعلمه علم العربية والبيان وغيرهما ولو بقي لكان خليفة أبيه ولكن لله أمر هو بالغه رأيته وأنا في سن الطفولية وقد حضر مع والده إلى دارنا قادمين من دوبيه ولست أتحقق صورته وتوفي بعد ذلك بمدة قليلة.
والسيد علي ابن السيد محمد الأمين أمه بنت الشيخ علي زيدان العالم الشاعر المشهور كان شهما كاملا سخيا توفي سنة 1329 وأرخ وفاته الشيخ محمد حسين شمس الدين بقوله:
قد قلت للقبر الذي قد ضمه | بوركت فيك من الفضائل أبحر |
يا قبر طبت بما حويت فأنت من | هذا الثرى سفط بجوفك جوهر |
فيك العلي ابن الأمين ومن له | منن مؤرخة بها أتذكر |
سنة 1329
والسيد حسين أمه من السادة آل عباس الموسويين الشهيرين من دير سريان وكان أخرس 262:
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 126