الملك حسين الحسين بن علي بن محمد بن عبد المعين ابن عون، من أحفاد أبي نمي ابن بركات، الحسني الهاشمي: أول من قام في الحجازباستقلال العرب عن الترك. وآخر من حكم مكة من (الأشراف) الهاشميين. ولد في الآستانة، وكان أبوه منفيا بها. وانتقل معه إلى مكة، وعمره ثلاث سنوات. فتأدب وتفقه ونظم الشعر الملحون (الحميني) ومارس ركوب الخيل وصيد الضواري. وأحبه عمه الشريف عبد الله باشا (أمير مكة) فوجهه في المهمات، فدخل نجدا واحكم صلته بالقبائل. ومات أبوه وعمه. وآلت إمارة مكة إلى عمه الثاني (عون الرفيق) فلم يحتمل هذه تدخله في شؤون الأمارة، وكانت تابعة للدولة العثمانية فطلب أبعاده عن الحجاز، فنفي إلى الآستانة سنة 1309هـ ، وجعل فيها من أعضاء مجلس (شورى الدول) واقام إلى ان توفى عون الرفيق، ثم عمه الثالث عبد الإله، فعين أميرا لمكة (سنة 1326هـ) فعاد أليها. وقاد حملة إلى بلاد عسير، نجدة للترك، فقاتل صاحبها يومئذ الإدريسي. ونشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1332هـ ، (1914م) واشتدت جمعية (تركيا الفتاة) السرية، في العمل بواسطة حزبها العلني (الاتحاد والترقي) على تتريك العناصر في الدولة. فقتلت جمهرة من حملة الفكرة العربية وطلائع يقظتها الحديثة، وشردت كثيرين، ونمت في بلاد الشام والعراق والحجاز روح النقمة على الترك والدعوة إلى الأنفصال عنهم. وانتهز البريطانيون الفرصة، وهم في حرب مع دولة آل عثمان والألمان، فاتصلوا بصاحب الترجمة، وكاتبوه من مصر، وكان على غير وفاق مع موظفي (الدولة) في الحجاز، يبيتون ويبيت لهم، فنهض نهضته المعروفة، واطلق رصاصته الأولى بمكة (في 9 شعبان ض1334هـ ، - 1916م) وحاصر من كان في البلاد الحجازية من عساكر الترك. وامدده الانكليز بالمال والسلاح، ونعت بالملك (المنقذ) ووجه ابنه فيصلاص لإلى سورية فدخلها مع الجيش البريطاني، فاتحا. وبانتهاء الحرب العامة (سنة1918م) تم استيلاء الحسين على الحجاز كله. وارسل أبنه الثاني (عبد الله) بجيش ضخم لإخضاع واحتي (تربة) و (الخرمة) في شرقي الطائف، وكانتا مواليتين لابن سعود (الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن، زعيم نجد في ذلك الحين) فعسكر بينهما. وباغته رجالهما يقودهم بعض اتباع ابن سعود (سنة 1337هـ ، 1919م) فانهزم عبد الله بفلول قليلة من عساكره. واضاع الحين في هذه الحملة أكبر قوة جمعها. وأخرج الفرنسيون أبنه فيصلا من سورية بعد معركة ميسلون (سنة1920م) واحتلوها، فاستنجد بعض زعمائهابالحسين، فوجه (عبد الله) ليثأر لأخيه، أو ليجمع على حدود سورية قوت تكون نواة لجيش يقلق المحتل. واقترب منها عبد الله، ونزل ببلدة (عمان) ودعاه الانكليز إلى القدس، فاتفقوا معه على أن تكون له امارة (شرق الأردن) فأقام بعمان، وتناسى ما جاء من أجله. واستفحلت ثورة العراق على الأنجليز، فساعدوا فيصلا على تولي العرش ببغداد، فتولاه. واصبح للحسين، وهو في الحجاز، جناحان قويان: فيصل في شمال شبه الجزيرة، وعبد الله في شمالها الغربي. وبادره جاره (ابن سعود) راغبا في مصافاته، فاستهان به الحسين اشتط في مطالبه. وزار عمان (سنة1924م) فبايعه أناس بالخلافة، وعاد إلى مكة ملقبا بأمير المؤمنين. وأراد أهل (نجد) الحج، فلم يأذن بدخولهم الحجاز. واشتد التوتر الحال بينه وبين ابن سعود، فأقبلت جموع من نجد وتربة والخرمة إلى مدينة (الطائف) فمزقت جيش الحسين المرابط فيها، واحتلتها. وسرى الذعر إلى مكة، فاتصل بالقنصل البريطاني في جدة، فاجابه هذا بان حكومته قررت الحياد. واجتمع بجدة بعض ذوي الرأ] من أهلها وأهل مكة، فأتفقوا على نصح الحسين بالتخلي عن العرش لكبير أبنائه (علي) ففعل، وانتقل من مكة إلى جدة سنة (1343هـ ، 1924م) فركب البحر إلى (العقبة) آخر حدود الحجاز، في الشمال، وكانت ولاية ابنه عبد الله. واقام بضعة اشهر. ثم أخبره ابنه بأن البريطانيين يرون في اقامته فيها قد تحمل (ابن سعود) على مهجمتها. وتلقى انذارا بريطانيا بوجوب رحيله عنها. ووصلت إلى مينائها مدرعة بريطانية، ركبها وهو ساخط، إلى جزيرة قبرص (سنة1925م) فأقام ست سنين، ومرض، فأذن الإنجليز بسفره إلى عمان. وجاء ابناه فيصل وعبد الله، فصحباه إليها. فمكث معتلا، ستة أشهر وأياما، ووافته منيته. فحمل إلى القدس، ودفن في المسجد الأقصى
دار العلم للملايين - بيروت-ط 15( 2002) , ج: 2- ص: 249