الشيخ كاظم ابن الشيخ طاهر ابن الشيخ حسن بن شاهي بن
بندر السوداني النجفي
(السوداني) نسبة إلى السودان عشيرة عربية في العراق. وله حدود سنة 1305. أديب شاعر خطيب ذاكر لمصيبة الحسين عليه السلام، عربي الطبع في نظم الشعر، له يد في فنونه وله مهارة في نظم الشعر الحسيني العامي وله مدائح كثيرة في الأئمة عليه السلام، وله في الحسين عليه السلام نحو ثلاثين قصيدة وله مدائح ومراث في بعض العلماء النجفيين وقد جمع بين الطريقة القديمة في الشعر والطريقة العصرية.
شعره
من شعره قوله:
فاض النفاق وغاضت الأخلاق | فمتى يرجى للعراق وفاق |
ولقد أبوا إلا الشقاق ولم يزل | يجري شقاق بينهم ونفاق |
حلى الرجال علاؤها ورجالنا | للذل في أعناقهم أطواق |
أعلامنا طويت وذا علم الشقا | ويلاه فوق رؤوسنا خفاق |
أمناء قومي لا ربحتم إنما | أنتم لصوص الشعب والسراق |
يا عرب سوق عكاظكم كسدت وقد | راجت لغير علاكم الأسواق |
السيف أقطع حجة وبحكمه | تمضي الحقائق والحقوق تساق |
ماء الفرات وليس يحلو شربه | إلا أذا فيه الدماء تراق |
شجر العراق وليت زهرك قد ذوى | غيري الثمار جنى وعنك أعاق |
آنست في أحشاي غرسك ثابتا | وسقتك أعذب مائها الآماق |
سمعا شباب العصر لا أعينكم | أنى وماء شعوركم رقراق |
إني تجنبت القريض مذ التقت | حشدا على أبوابه الطراق |
وحبست أجدله غداة بغاثه | قد أطلقت وكبا بها الإطلاق |
والليث إن عاف الشرى قد يغتدي | لبنات آوى حوله استطراق |
وعلى الظعائن من جآذر وجرة | حور تجد بها الجمال القود |
متبرجات أسفرت عن أوجه | بيض سوى أن المحاجر سود |
عمدت معرضة عوارضها وكم | قتلت لهن نواظر وخدود |
من لي بها ممنوعة ووراءها | غلب كما يهوى الذمار تذود |
هزوا رماحهم ومثل رماحهم | لظبائهم عند الطعان قدود |
ونضوا صوارمهم ولو بعيونها | ضربوا لما فلت لهن حدود |
يا عرب حسبكم البعاد ولم أخل | لكم تضيع ذمة وعهود |
عودوا كما أنتم عليه من الوفا | فلعلما للوصل يورق عود |
هل تسمحون بطيفكم لمؤرق | يقظان شوق ما اعتراه هجود |
الطرف يبكي للعقيق بمثله | وبسفحه للسفح بات يجود |
مهلا فما حطوا كرامتك التي | ضربت لهم مثلا مدى الأزمان |
اليوم يومهم ويومك قد مضى | والدهر من عاداته يومان |
ولكل عصر شاعر وأنا الذي | شهدا بنهضة شعره العصران |
لمن الديار رسومها دير | لم يبق من آثارها أثر |
لعبت بها غير البلا عبثا | ومحا محاسن زهوها الدهر |
بالأمس ليس اليوم أين وقد | راق النواظر روضها الضر |
مرهوبة العرصات موحشة | أقوت ومن نزالها قفر |
تتناوح الأرياح أربعة | ولكم عليها صبب القطر |
مرت عليها أعصر وخلت | منها وأعقب عصرها عصر |
وإذا السحاب مرى التراب بدا | من محو طاسم آيها سطر |
متماديا ما زلت أسألها | هل عندها من أهلها خبر |
وبها مع الآرام معتكف | وكأنني من بعضها عقر |
أتذكر الماضين أنشدهم | وأغلتا لو ينفع الذكر |
أيام أسراب الكعاب بها | وكأنهن الكنس العفر |
من كل ناشئة مرببة | يضفو عليها الدل والكبر |
ويلاه من سلمى وهل علمت | منها أضر بحالي الهجر |
حوراء قد حسنت لواحظها | وبها حلا التشبيب والشعر |
بيضاء جسم في غضارته | صافي الأديم مصلصل حر |
بنت المها حورا ومطلعها | شمس أخو أنوارها البدر |
أما النهار فجه طلعتها | وإذا تغيب فليلها الشعر |
وسوالف دبت عقاربها | ودبيبها لذوي الهوى شر |
ومرجل سابت أراقمه | خذ حذرها إن أمكن الحذر |
قوس يناضل وهو حاجبها | بسهام مقلتها له صر |
ونواظر كعيون عبهرة | سود المحاجر حشوها سحر |
تعطو بجيد المشرئب وقد | نظر القنيص فراعه الذعر |
والنحر ذائب فضة سبكت | بقلائد قد زانه التبر |
وبأذنها قرط تزان به | فتن الأنام كأنه نسر |
والأنف مثل العقد جاذبه | سلك من الياقوت محمر |
والخال شرد المسك محترق | في وجنة يذكو بها الجمر |
مسواكها يزداد في أرج | أنى وفيه أثر الثغر |
والثغر منظوم يزينه | سمط كأن عقوده الدر |
وبماء معصمها دمالجها | غصت وفاض شبابها الغمر |
زند تواصل في ذراع يد | عدل المخط كأنه نهر |
وأنامل كالخيزران فأن | خصرت تلين وما بها كسر |
بيض وعن يقق ترائبها | وبنانها كخدودها حمر |
وبصدرها من وشمها خطط | ما خط مثل وشامها صدر |
بصحائف الكافور في قلم | البلور نقط آيها الشذر |
عذراء والنهدان ما اعتصرا | أبدا ولم يرضع لها در |
مشوقة المتنين في صبب | وقد استوى بتماسه الظهر |
والبطن غرثى وهي ضامرة | لا بالمفاضة قيدها شبر |
والردف شفع كلما نهضت | معها بدا وقعودها وتر |
والخضر وهم لا يكاد يرى | فكأن لم يخلق لها خصر |
فخذان عبلاوان قد فتلا | كرخامتين علاهما قصر |
والساق مثل الكعب في درم | منه على خلخالها حجر |
قدمان لكن بضتا ترفا | بهما تروق أنامل عشر |
نشوانة الأعطاف قد ثملت | من غنجها لا ما سقى الخمر |
كملت فلا حسن ولا ملح | إلا وأجمعه بها حصر |
يعلو لها نسب إلى نسبي | لصميم كندة فيه تنجر |
أخلصت ودك فيه مؤتلفا | عجبا ومنك يخصني النفر |
يا هند وعدك لا يدوم ولا | ذمم ثوثقه ولا أصر |
لا تجعلي مضناك عبد هوى | وكما علمت أنا الفتى الحر |
ولئن صبرت على جفاك فما | لي عن طلاب منى العلا صبر |
فسلي فليس القوم تجهلني | وأنا وما زيد وما عمرو |
لا تجمل الإنسان بزته | ما لم يجمل ربها قدر |
ترد بي المطامع كلما كثرت | ومع التعفف يكثر النزر |
والنفس إن قنعت فقد غنيت | شرفا وليس يشينها الفقر |
لا تزهدي برياض ذي خدع | فلرب روض نبته مر |
يرضيك ظاهره وباطنه | لؤم وكل فعاله نكر |
انظر إلى العقبي وكن فطنا | فالأمر يحدث بعده الأمر |
حسن الندى ببشاشة فإذا | منع الندى فليجمل العذر |
قومي أعزاء ولا ذللا | يوما على شوك القنا قروا |
متتبعا أقفو مآثرهم | ولئن ونيت فإنني غمر |
وإلى العلاء يمت بي نسب | من كندة ولكندة الفخر |
أذني لداعي المجد سامعة | لكن عن الفحشا بها وقر |
هذبت أخلاقي وقد كرمت | ونفرت عمن خلقه وعر |
نعم لنزيل الحي خف قطينه | وأدلج يجدي للمسير ظعينه |
سروا والنوى يسري أمام ظعونهم | إلى غاية القصد البعيد شطونه |
تتبعت أثراهم مجدا وأينما | تزايل يسراه معا أم يمينه |
وما ضر حاديهم إذا ساق ركبه | أخو زفرة يهدي النياق أنينه |
يحن وحتى العيس حنت لما به | وأبكت بنات الوكر حزنا شجونه |
وفوق عروش الركب كل ابن نعمة | بضاضة غض العيش حسنا تزينه |
فمن شمس حسن بدرتم عديلها | أنار دليلا للركاب جبينه |
بدوا بوجوه للتبرج حسنها | ويأبى لها الكبر الذي لا يصونه |
سوافر بالأصداغ قد عبث الهوى | وكاد حلاها أن يرن رنينه |
سلام له من سائق ما أجله | فقد حملت كل الجمام ظعونه |
فديتكم هل يفتدى من غريركم | فؤاد محب بات وهو رهينه |
فما صبكم عنكم صبا لسواكم | ولا هو مذموم الذمام خؤونه |
ولا غيرته سورة البعد عنكم | ولا اختلفت فيكم وساءت ظنونه |
تقضت لبانات الهوى من ذوي الهوى | وصبكم لم تقض منكم ديونه |
جنانا على مهجوركم شأنه البكا | أما هزكم وهو الشجي حنينه |
بدا يزهر الربيع وقد تجلى | فأهلا فيه من باد وسهلا |
زكا دون الفصول هواه غضا | وفصل لأعدمت هواه فصلا |
تنوع نيعه من كل لون | وبان مبانيا شكلا فشكلا |
فما شئت أنتعش نظرا وشما | فما بالظرف ما بالأنف أحلا |
وغناء بحسن الروض تزهو | جلاها قين سحب المزن صقلا |
تجمع فوقها من كل أفق | وقد أمسى لنازله محلا |
وما برح الحيا يجري عليها | وكم منه ارتوت وبلا وهطلا |
قضت وطرا من الوسمي وأخرى | تشربت الولي علا ونهلا |
كلا المائين سكبا وأصلاها | غداة تتابعا بعدا وقبلا |
تدلت وهي حاملة عليه | ولكن أثقلت بالماء حبلى |
وحانتها ولادتها فألقت | بما في بطنها للماء حملا |
وما فطمت وصيبها درور | لنامي ابن الرياض الزهر طفلا |
أحين تزاور الأحباب فيها | وواشينا مع الماضين ولى |
بغير أخلاقها لا تحفظ الأمم | هي الإرادة وهي السيف والقلم |
وما مقاصد شعب أو مآربه | إلا إذا منه يوما تجمع الكلم |
وأخيبة الشعب بين اثنين مرتبك | مقصر ويليه قاصر وجم |
كان العراق ومن أثرى الوجود غنى | واليوم عض عليه البؤس والعدم |
يجبي إلى غيره مال الخراج ولا | يد تصرفه من أهله وفم |
من المخاطب في أمن البلاد غدا | ومن لها وهي تشكو حكمها حكم |
هب ما لنا رحم في غير عنصرنا | أما بعنصرنا ما بيننا رحم |
هذا عراقكم غاب لكم وحمى | والليث فيه احتراسا تحفظ الأجم |
تداولته جنود القهر غاشمة | فبين من ظلموا فيه ومن ظلموا |
تطرق الداء من كل العراق بنا | فكل جسم به من دائه سقم |
كل الورى واحد يوما إذا افترقوا | وواحد كلهم يوما إذا التأموا |
من لا يرى الأمر في العقبى يرى ندما | بساعة ليس فيها ينفع الندم |
باتوا ومن تعب الفلاح عيشهم | تترى عليهم بأهنى الراحة النعم |
يصرم العام طرا في أشد عنا | وما له هدأت كف ولا قدم |
مسخر بكنوز الأرض يخرجها | بحوثه وهي قسرا منه تقتسم |
يكابد البرد جسم منه أكثره | من غير برد قد استولى به الألم |
ويصطلي الحر من لفح السموم ضحى | بقائض من هجير الشمس يضطرم |
فحره لهم برد وعكسهما | وبات ليس له ظل ومعتصم |
سل الفرات وقد ثارت مدافعه | فمن سواهم عليها بالردى هجموا |
بالأمس ثورتهم والدهر شاهدها | وقد دعتهم لها الأخلاق والشيم |
تمنعوا وإلى أحسابهم نهضوا | والعرب تمنعها الأحساب والذمم |
هذي مصارع قومي فيه باقية | وفي جوانبه شقت لها رجم |
ضفافه وحواليه وما ضمنا | في كل مجرى به منهم يسيل دم |
قد غض في جثث القتلى ومن دمهم | تياره لا بموج الماء يلتطم |
تطور الناس حتى الشعر قاطبة | لذا غدا بجديد الفن ينتظم |
يا ناظم الشعر أبياتا ملفقة | الشعر ضربان ممقوت ومنسجم |
لكن ناظم شعر من قريحته | معنى به يستلذ الشاعر الفهم |
والرأي ما زال في الذوقين مختلفا | لكل من سمعوا شعرا ومن نظموا |
ورب منتقد ما ليس يفهمه | عذرته فبسوء الفهم متهم |
قل للحديث وقد جاء القديم به | ما أنت منهم وهم قد أتقنوه هم |
هبوا به منكم ألفاظه اتضحت | من للمعاني وفيها يسبك الكلم |
والشعر ما ضرب الأمثال سائرة | أو الذي محكمات باسمه الحكم |
سلاحف الشعر في أمن بأبحره | تمساحه ليس في ذا اليوم يلتقم |
وقد تزف صغار الطير بارزة | إذا اختبى غائبا عن جوه الرخم |
تداس عمدا ثقوب النمل هينة | ولارتياع وجار الأيم محترم |
والبدر إن غاب فالأنوار باقية | فيه وما أنقصت لألاءه الظلم |
بأي واد مناخ الرائد انتجعا | روضا فهل أمه بالخيف مرتبعا |
يفلي الفلا تابعا للريف منتحيا | مواقع القطرانى صب أو وقعا |
فليت والماء من عيني له صبب | ترود عذب حيا وكافة نجعا |
مضوا على حين لا يرجى رجوعهم | ورب ماض إذا يوما مضى رجعا |
وصاح في شملهم حادي النوى بددا | إن النوى آفة الشمل الذي اجتمعا |
وبي كعيسهم مما نحن به | وجد يجد على آثارهم تبعا |
تقول صحبي وقد أبكاهم شجني | إلى م تبكي على أطلالهم جزعا |
ما كنت أول باك فاض مدمعه | فكل شأن له شأن إذا دمعا |
وبالمعالم عن سكانها بدل | والآل قد ينقع الصادي إذا لمعا |
يا سعد خلفك مما أنت تطلبه | قد فاتك السائق الغادي وما ارتدعا |
فكم لصحبك تحنانا لركبهم | تهفو إلى كل ركب منهم طلعا |
فدع ركائبهم واندب بكل شجا | ركبا بجنب عراص الطف قد صرعا |
باتوا ضيوفا ولا ماء لهم وقرى | إلا السنان عليهم قائما شرعا |
مرملين بأبراد الدما كرما | والكل خير شهيد بالدم التفعا |
معفرين وكل خده شرفا | على رغام الأبا لا الذب قد وضعا |
مجدلين ولو شاهدت مصرعهم | لازددت شجوا وما راء كمن سمعا |
ونازلين وقد شب النزال شبا | بموقف بهم داعي المنون دعا |
تلببوا بنجاد السيف وانتدبوا | له ملبين يمشون الوحى سرعا |
أبت نسور الظبا مذ حلقت بهم | ألا بأوكان أعلى الهام أن تقعا |
ومذ صقور القنا عزتي قد انبعثت | لم ترض إلا بحب القلب منتجعا |
صالوا بأمضى المواضي وهو عزمهم | والسيف ما زال يقفو العزم متبعا |
ما كل من مل البتار لبث وغى | إن الجبان بحمل السيف ما انتفعا |
كأن راياتهم قلع وخبلهم | سفائن خضن بحرا بالدم اندفعا |
كأن نقع الوغى والخيل تنشره | نشر تنشقه آنافهم مرعا |
كان أدرابهم والصبر أحكمها | حديدها شق من أكبادهم قطعا |
تاقوا إلى الله فاختارت نفوسهم | بتربة الطف وهي المسك مضطجعا |
فصرعوا حيث ذاك العزم عزمهم | منه استطار إلى الحشر الردى فزعا |
محلؤون عن الماء الفرات وقد | تجرعوا غصصا صاب القنا جرعا |
وحائر حام بين اثنين منعطفا | لرحله وإلى الصحب الكرام رعا |
سل الحسام وبالموت الزؤام سطا | ولم يزالا معا عند اللقا شرعى |
فكل ما غام سرب من بغاثهم | جلى عليه عقاب العزم فانقشعا |
فروا كأنهم شاء مزعزعة | والشاء ما حاله إن أبصر السبعا |
ماضي العزيمة لا يلويه هول وغى | وعزمه قبل إنفاذ الشبا قطعا |
خلت له كعبة الهيجاء منفردا | فطاف فيها على ما يشتهي وسعى |
لم يلق وهو الأبي الضيم سلم يد | ومن يحوط على الضاري إذا امتنعا |
فمن ترى مثله والحرب قائمة | يزداد عزما إذا ما جمعهم جمعا |
واحسرة الدين من سهم له شعب | رمى حسينا وفي أحشائه وقعا |
فما أجل صريعا قد هوى فهوى | إلى الثرى هو والعرش العظيم معا |
تحنو النسور له ظلا لتجزيه | فطالما تبعته للقرى طمعا |
والخيل تكدم بالتصهال ناعية | أنى وفارسها فوق الثرى صرعا |
معفرا جلت البيدا أشعته | والبدر مهما تغاشاه الدجى سطعا |
وناعيات وهل تجدي مصوتة | وقبلها جبرئيل في السماء نعا |
حسرى وأطفاله أسرى وأعينها | عبرى وأكبادها حرى نوت هلعا |
تمكن الرعب من ست الجهات بها | والخطب أرجفها مرأى ومستمعا |
كانت بأرسى عماد من مهابتها | مطنب وإلى أوج السما رفعا |
ممنع بغيارى رهطها أبدا | والليث إن جاز تعظيما له خضعا |
فعدن في حالة يبكي العدو لها | حسرى وأسرى لأيدي السلب منتزعا |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 19