الشيخ كاظم الأزري ابن الحاج محمد بيت الأزري
بيت الأزري بيت أدب وعلم وثراء. ويظهر من ورقة الوقف المشهور الآن بوقف بيت الأزري وبعض الحجج الشرعية القديمة أن أسرة هذا البيت كانت تقطن بغداد منذ أكثر من ثلاثة قرون فبل ذلك فلا يعلم عنها شيء. وقد اشتهر من بين أفرادها علمان هما الشيخ كاظم والشيخ محمد رضا ثم الحاج عبد الحسين.
نشأة المترجم وحياته
ولد الشيخ كاظم الأزري في بغداد سنة 1143 على الأصح ولم تزل داره التي ولد فيها قائمة في محلة رأس القرية من بغداد وهي من جملة أوقاف والده التي وقفها عليه وعلى ‘خوانه سنة 1159. وبقي في طفولته مقعدا سبع سنوات ثم مشى.
درس العلوم العربية ومقدارا غير فليل من الفقه والأصول على فضلاء عصره ولكنه ولع بالأدب وانقطع عن متابعة الدرس. وأخذ ينظم الشعر ولم يبلغ العشرين عاما. كان سريع الخاطر حاضر النكتة وقاد الذهن قوي الذاكرة كما كان محترم الجانب لدى العلماء والوجهاء من أبناء عصره حتى إن السيد مهدي بحر العلوم كان يقدمه على كثيرين من العلماء لبراعته في المناظرة ولطول باعه في التفسير والحديث ولإطلاعه الواسع على التاريخ والسر. وكان قصير القامة مع سمنة فيه. لا يفارقه السلاح ليلا ونهارا خشية على نفسه من أعدائه. وفي سنة ألف وماية ونيف وستين من الهجرة حج بيت الله الحرام. وله حجه قصيدة مطلعها:
انخ المطي فقد وفدت على الحمى | والثم ثراه محييا ومسلما |
وما أسفي على الدنيا ولكن | على إبل حداها غير حاد |
وقد تأتي الخديعة من صديق | كما تأتي النصيحة من معاد |
إن من كان همة في المعالي | هجر الظل وأستظل الهجيرا |
لا تعجبا لفساد كل صحيحة | فالناس في زمن كجلد الأجرب |
لا تنوحي إلا علي لديهم | ما على كل من يموت يناح |
ولسوف يدرك كل باغ بغيه | المرء ينسى والزمان يؤرخ |
ذريني أذق حر الزمان وبرده | فلا خير فيمن عاقه الحر والبرد |
فتيقظ إذا رأيت عيون | الحظ يقظى ونم إذا الحظ ناما |
بأي جناية منع الوصال | أبخل بالمليحة أم دلال |
تحرم أن يمس النوم جفني | مخافة أن يمر به خيال |
وفي الركب اليمانيين خشف | بحبات القلوب له اكتحال |
يغص شتيته بنمير عذب | لإحناء الضلوع به اشتعال |
تراءى السحر من عيني غرير | يترجم عنهما السحر الحلال |
ويثمر غصنه قمرا منيرا | قليل أن يقال له كمال |
يمينا إن في برديه نشرا | كما هبت بغالية شمال |
وفي ديباجتيه فتات مسك | يقال له بزعم الناس خال |
وفي عينيه نرجسة ذبول | تعلق في القلوب لها ذبال |
وفي الحدق المراض بدا عجيب | شفاء للنواظر واعتلال |
يمج لعابه عسلا وخمرا | تفانت في طلابهما الرجال |
وفيه كل جاذبة إليه | إلا لله ما صنع الجمال |
وقالوا لو سلا لأصاب رشدا | لقد كذبوا وبئس القول قالوا |
أتحسب أن بعد الدار يسلس | نعم للعاشقين بها انسلال |
ويوم مثل أجياد العذارى | يقلده من البيض الوصال |
شربت به علي نغم الأغاني | عقارا للعقول بها اعتقال |
هواء في الأكف له حمود | وتبر في الزجاج له انحلال |
ظللنا تحت حلته نشاوى | ومن خيم الغمام لنا ظلال |
وعنى العود مرتجلا علينا | وللورقاء في الورق ارتجال |
وقد مالت عمائمنا بسكر | تمكن في الرؤوس لها مجال |
ألا يا مالكي هبني لوجه | بمثل هواه طاب الاعتزال |
جفونك أيها الرشأ المفدي | حسام الله ليس له انفلال |
وركب في هواك سروا حيارى | يميل بهم نسيمك حيث مالوا |
يذكروهم حديثك يوم حزوى | فتنهتك البراقع والحجال |
يرجلهم هواك بلا اختيار | وتخلع في طوال لهم نعال |
أنلتك هذه روحي فخذها | وقل من الحياة لك النوال |
تركت بك الجدال بلذ عيش | ولولا الحمق لم يكن الجدال |
أعينونا على كبد تلظى | عسى أن يدرك الظمأ الزلال |
وقد طاب الحديث بذكركم لي | فواطرباه إن صدق المقال |
ولا تنسوا تطلعنا إليكم | لكل مغيب شارقة مآل |
ولم أنس الوداع وقد رجمنا ’’كذا’’ | وجد بجيرة الحي ارتحال |
وقد غفلت عيون الركب عنا | فأنعم بالسلام لنا غزال |
مضت تلك الظعون فلا التفات | إلى تلك الديار ولا انفتال |
رعى الله الجمال فكم لديه | مواقع عثرة لا تستقال |
هوى كالمزح أول ما تراه | مداعبة وآخره قتال |
وما أنا والهوى لولا قدود | مهفهفة وأرداف ثقال |
فكم صير في الجو بيتا | فأسلمه إلى الشرك اغتيال |
أراه وباله طمع مبيد | وغاية صاحب الطمع الوبال |
نشدتك ها على الدنيا خليل | أخو ثقة يسد به الخلال |
كذبت إذ ادعيت له وجودا | ولكن هكذا أبدا يقال |
تأن على الأمور تنل مداها | فإن البدر أوله هلال |
ومن جدت مطالبه فأكدت | ولكن آفة الطلب الملال |
ولا تؤيسك قارعة ألحت | وكيف وهذه الدنيا سجال |
ألم تر كيف يتلو الليل ظل | كذاك لكل مقبلة زوال |
فإن حاولت في الدنيا صديقا | فإنك لست تعرف ما المحال |
ورب سحابة ملئت بروقا | وما كل السحاب له انهمال |
يروم المرء بالحيل المرامي | وما يغني عن القدر احتيال |
دعي إبلي تشق الأرض شقا | فعز الشهب في الفلك انتقال |
فأما أن يبادرها نعيم | وأما أن يفاجئها نكال |
تريدين الإقامة والتهاني | بأرض ما بها إلا الصلال |
وكيف أراع من خطب عقور | سليمان الزمان له عقال |
سرى بالخيل موقرة نضارا | ومن عدد الورى خيل ومال |
يبت نوائب الحدثان بتا | كريم لا تبتله حبال |
تعرض منه للأقران بحر | تموج به الأسنة والنصال |
ويسبح في غدير من دلاص | تحوم على مشارعه النبال |
ولولا طبه ما كاد يرقى | من الملوين جرحاه العضال |
ولا يألو لعمرك عن جميل | فتى بحر الجميل لديه آل |
لكل صفات أهل المجد فضل | وأفضلها السماحة والنزال |
يجدد كل آونه رسوما | من العلياء جد بها اختيال |
يسهل حزنها منه اياد | بخاتمهن تنطبع الجبال |
بواسم أنعم ومناخ فضل | وذروة حكمة لا تستطال |
منازل تنزل الآمال فيها | وافنية تحط بها الرحال |
تسايره الروائح والغوادي | ليغشاهن منه الانتحال |
وتطلع من خلال باه شمس | مطالعها الأبوة والجلال |
لنائله من الإكسير معنى | له بالشمس والقمر اتصال |
أقل صفاته نسب نقي | وأخلاق مضاربها صقال |
أبا داود فزت بمأثرات | هي الأقمار والأيام هال |
لو استهديت أعناق الأعاذي | لا هدوها إليك وهم عجال |
طعنت الطاعنين بطول باع | يقصر دونها الأسل الطوال |
حمدتك ثم ثبت لها وفروا | ولولا القبح ما حمد الجمال |
يريك الرأي صورة كل أمر | وفي المرآة يرتسم المثال |
جررت فيالقا لو طاولتهم | أعالي كل شاهقة لطالوا |
خزنتهم فكانوا حيث تهوى | وخير خزائن الدول الرجال |
يجز بهم نواصي الخيل جزا | ويصفح للملوك بهم قذال |
وحسبك أن رأيك فلسفي | عليه فلأسف الدنيا عيال |
ضربنا منك بالقدح المعلى | فعزت ضربة وأجاد فال |
أنالتنا يداك من الأماني | أعاليها اللواتي لا تنال |
فرغت من المثالث والثواني | بقلب فيه للكرم اشتغال |
يمر الدهر حال بعد حال | وليس يحول من جدواك حال |
واغن لوزج السماء بنظرة | مارت كواكبها كمور رمال |
قناص أسد الغاب إلا أنه | يرنو باحور من جفون غزال |
خاض الورى من شعره وجبينه | بحرين بحر هدى وبحر ضلال |
أنيخاها يمنعرج الغميم | فثم ملاعب الرشأ الرخيم |
منازل سالمتني في رباها | أسرة ذلك الزمن القديم |
وما أنسى الغوير وإن سقاني | نواح حمامه كأس الحميم |
ويطرب مسمعي نقرات ورق | تردد نوحها بدجى بهيم |
متى تصحو ليالينا وهلا | أفاق الدهر من سكر قديم |
يعنفني اللحاة بغير علم | وكم كلم أشد من الكلوم |
يحلي العين بعدكم بكاها | حلي المزن بالمطر العميم |
محب ما استقال ولا تصدى | لزجر الطير من رخم وبوم |
كأني يوم نشداني المغاني | سقيم يستغيث إلى سقيم |
وترفع لي على طور التجلي | سنا نار تبل صدى الكليم |
وتسنح لي القلائص قد تلاها | عتاق الطير تمرح بالشكيم |
أرشنا نبل أقواس التصابي | فما أخطأن أفئدة الهموم |
فمن ورق على ورق تغني | ومن طل على روض جميم |
وفي النادي الحرام لنا أحلت | يد الزمن الكريم دم الكروم |
ويوم فاختي الظل ينفي | ببرد نسيمه حر السموم |
أظلتنا مدامته بوشي | من الفتيان مصقول الأديم |
إذا غضبت شكوناها سريعا | إلى ابن المزن ذي الطبع الحليم |
لها في الكأس إن سكبت أريج | يضيع نوافج المسك الشميم |
أبت أرواحنا إلا بقاء | وإن وقع الفناء على الجسوم |
ولي قمر سماوي المعاني | تشكل للعيون بشكل ريم |
على عينيه عنوان المنايا | وفي خديه ترجمة النعيم |
ومن لي أن أكون له شهيدا | عسى يبكي على الجسم الرميم |
وما أنسى على خديه مسكا | تعلل منه أنفاس النسيم |
وأرقني على الآثار برق | ألح مكررا خبر الصريم |
ألا يا برق كيف عهدت حيا | نزولا بين زمزم والحطيم |
وهل قبلت عني ثغر خشف | كأن الريق منه رقى السليم |
أعد يا برق ذكر نجوم حي | رماني البين عنها بالرجوم |
ولم يترك من العشاق إلا | بقايا من جسوم كالرسوم |
وهل لنزول ذاك الحي علم | بما عندي من النبأ العظيم |
وهم جاروا وما عدلوا وقالوا | لمن ظلموه ويحك من ظلوم |
وخذ خبر الرضاب ففيه شرح | لجالينوس في برء السقيم |
لقد كانت لنا تلك المغاني | نتاج اللهو في الزمن القديم |
تقاسمت الهوى نفسي فشطر | بذي سلم وشطر بالغميم |
أضعت الحزم إلا في امتداحي | أبا داود ذا الحزم الجسيم |
هي حزوى ونشرها الفياح | كل قلب لذكرها يرتاح |
مرضت سلوتي وصح غرامي | بلحاظهن المراض الصحاح |
ليت شعري وللهوى عطفات | هل يباح الدنو أو لا يباح |
يا نسيم الصبا بروضة خد | لك منها إذا اعتللت ارتياح |
حز بحزوى فثم عالم لطف | من بقايا أجسامه الأرواح |
هجروا والهوى وصال وهجر | هكذا سنة الغرام الملاح |
أيها الورق ليس وجدك وجدي | أين من ذي الصبابة المرتاح |
بت في الروض لا محاجر قرحى | من دموع ولا فؤاد متاح |
لك دأب الغنا ولي النوح دأب | أين من نشأ الغناء النواح |
عرجي في النقا على دار قوم | عنده يحمد المساء الصباح |
وقفي منهم بوادي سلام | فيه تأوي الأرواح والأشباح |
واذكريني بأفصح الذكر في تلـ | ـك المغاني إن أمكن الإفصاح |
لا تنوحي إلا علي لديهم | ما على كل من يموت يناح |
ووراء الكتب سرحة عين | ما لها في سوى القلوب سراح |
قذفتها النوى فغابت شموس | أوجه العيش بعدهن قباح |
ليت شعري ما للفراق وللأحبا | ب أن الفراق وجه وقاح |
وبذاك اللمى أحاديث ورد | شرحها للمتيمين انشراح |
يا غزال الصريم يهنيك رقي | ولمثلي على الأسود جماح |
لا تلمني على إباحة سري | كل عشق لأهله فضاح |
ومن الظلم أن يلام بخيل | إنما البخل في الملاح سماح |
غر لين القوام منك أناسا | ومن البأس أن تلين الرماح |
إن لله أسهما في العيون النجل | لم تندمل لهن جراح |
كيف لا تملك الجآذر رقي | وقضاء الهوى قضاء متاح |
يا حمام الأراك بلغ سلامي | أهل ودي فما عليك جناح |
قل لهم رأيتم الليث ملقى | صافحته تلك اللحاظ الصحاح |
فتعاطاه راحة الوجد حتى | لا هدو له ولا مستراح |
كم بجنبيه للصبابة واد | كل آن حمامه نواح |
جد مزح الهوى فأضنى وأفنى | وكذا أول الحروب مزاح |
يا شجى القلب أين روض المنى | أم أين مني نسيمه الفياح |
يا ظمى الوجد ما أرى لك ريا | بعد ثغر لماه راح براح |
حبذا ليلة برامة قصر | قمر نير فيها يلاح (كذا) |
ليلة كان لي بها ألف صبح | يا ترى ما الذي أراد الصباح |
نسفتها أيدي الحوادث نسفا | مثلما تنسف الرمال الرياح |
يا فريد الجمال صبرا جميلا | ربما يعقب الفساد الصلاح |
زار والليل مؤذن بالرحيل | ضيف طيف مبشرا بالقبول |
مرحبا بالخيال حيا فأحيا | وقضى حق مغرم عن ملول |
جاء يسعى في حلتين تهاد | وتهان مبشرا بالوصال |
يا خيالا ألم دار خيال | هل إلى آل وائل من سبيل |
إن لي بينهم فرند جمال | لاح في مرهف الزمان الصقيل |
شمت من وامض الجمال بروقا | جمعت لي غرائب التشكيل |
أعشق السالف الطري وأهوى | ري ذاك المفلج المعسول |
ويروق القد الأنيق لطرفي | لا على ضمة ولا تقبيل |
وإذا الحب لم يكن عن عفاف | كان كالخمر مفسدا للعقول |
لست أنسى ركائبا يوم سلع | نوخا بين رقة ونحول |
نسأل الأرسم الدوارس عنهم | رب علم أصبته من جهول |
أوقفتنا أزمة السلف الماضي | على دارهم وقوف خمول |
فأزلنا بقية الدم والدمع | لما طل من بقايا الطلول |
لا عداها حيا يجس ثراها | مثل جس الطبيب نبض العليل |
يا ديار الأحباب كيف تنكرت | ومن ذا رماك بالتبديل |
كنت ديباجة المنى بين خد | سندسي وسالف مصقول |
فسقى ملعب الغزال وميض | يسحب الذيل من أجش هطول |
ما قضت عني السحائب دينا | كان في ذمتي لرسم محيل |
يا جفوني أما وقد بخل الغيث | فلا تبخلي بدمع همول |
عللاني يا صاحبي فعندي | سكرة من شمائل لا شمول |
عن لي في القباب من عرفات | رشأ لحظه عقال العقول |
قمر يقمر الفؤاد بمرآه | ويشفي بريقه المعلول |
نفختنا منه الصبا فأتتنا | من عذاريه بالنسيم البلبل |
بأبي أهيفا عهودي لديه | مثل خصر له ضعيف نحيل |
عقدت مقلتاه وجدي ولكن | حل صبري ببنده المحلول |
فهنيئا لأعين كحلتها | فتراءت من لحظه المكحول |
عللاني بذكر من إلا رب | عليل يصح بالتعليل |
كنت في جانب من العيش رغد | بين شرخ الصبا وصفو الخليل |
ما تيقظت للنوائب إلا | يوم نادى نفيرهم بالرحيل |
ما سمعت العذول فيهم وما كان | صوابا إلا مثال العذول |
إن دهرا يذل كل عزيز | هو دهر يعز كل ذليل |
أيها الواشيان لا تهزآ بي | رب عود يخضر بعد ذبول |
لا تظن الخليل من رق عطفا | وحلى مبسما وراق مقولا |
ليت شعري ما يرتجي من زمان | يستطب الطبيب فيه العليلا |
فإذا لم تجد مكانا لجود | فمن الحزم أن تكون بخيلا |
وإذا لم تكن صقيل بنان | لم يفد حملك الحسام الصقيلا |
وإذا سيمت النفوس بخسف | لم يكن صبرها عليه جميلا |
رب عز مستنصر بالأماني | مثل ما استنصر الزمان العويلا |
وإذا لاحظتك مقلة ضيم | فاخش أحداقها قنا ونصولا |
رب من تطلب الإعانة منه | فتراه محاربا وخذولا |
طيب الفعل من أطايب قوم | وكذا تتبع الفروع الأصولا |
هو ذاك الطبيب لم يبق جسما | من جسوم الأيام يشكو النحولا |
أيها الماجد المشرف شعري | حملتني يداك شكرا ثقيلا |
قد كسوت الزوراء بردي سناء | وسنا خالدين لن يستحيلا |
فلعمري لقد هززت العوالي | بالأيادي كما هززت الرعيلا |
كيف يسري إلى نزيلك ضيم | وهو للنجم لا يزال نزيلا |
شاخصا للنجوم يرقب منها | كل حين إناخة وقفولا |
والليالي لا يستقر دجاها | كل يوم يريك حالا محولا |
كم عليل لم يمس إلا معاني | ومعاني لم يمس إلا عليلا |
بل إذا أنكرت حقوقك قوم | فاجعل السيف شاهدا ووكيلا |
من عذيري إذا يفل حديد | ربما أعقب الضراب فلولا |
وله سطوة تدك الرواسي | لو رأته لعاقها أن تطولا |
آخذ مآخذ الصلاح نكول | عن سلوك الفساد ساء سبيلا |
إني عرضت على قوم سموا حسبا | شعري فلم يشعروا هيهات موقعه |
لا تعرضن على الفحام قافية | من باع درا على الفحام ضيعه |
مالي أراك فخرا في الورى | قل لي بأي يد بلغت المفخرا |
أبرأي رسطاليس أم برضاعه | أم لطف تبريز حكت إسكندرا |
أم نسبة ملمومة بمحمد | ومحمد جد التقي بلا مرا |
أما العلوم فقد جهلت وجوهها | فكأن هيكل ذاته ما صورا |
وكذا المناقب كلهن عدوتها | وعدتك إذ كل لكل أنكرا |
والنحو ما وردت ركابك نحوه | فترى هنالك موردا أو مصدرا |
إن الفخور لجائر في قصده | والله يمقت من بغى وتجبرا |
فاخفض جناحك لا تكن متكبرا | ما شيمة النجباء أن تتكبرا |
لا فخرن فما يحق بمن غدا | من طينة مسنونة أن يفخرا |
والمرء يفصح فعله عن أصله | وكفى بفعل المرء عنه مخبرا |
عذرا إلى الشعر كم أبني بجوهره | بيتا لكل دني بيته شعر |
ورب مادح قوم فوق قدرهم | أطال في هجوهم لو أنهم شعروا |
من يقدم غير الحسام نذيرا | يجد الناس آثما أو كفورا |
وإذا اشتقت غير طعن وضرب | فالبس الخنث واقلع التذكيرا |
إنما الهزل للغواني ومن كان | لأخلاقها أخا ونظيرا |
وتجنب نقائص القول والفعل | ورم بالكمال ملكا كبيرا |
أو لم يدر من توانى ملالا | إن قطر الندى يعود غديرا |
إن من كان همه في المعالي | هجر الظل واستظل الهجيرا |
راحة المرء في الدؤوب ولولا | شدة الراح ما أفادت سرورا |
آخر البيض يوم غزوك والخيل | وقدم أمامها التدبيرا |
ما على المبتغي إثارة عز | أن تصدى للراقصات مثيرا |
والمعالي أدق من عمل الإكسير | علما ومن رآى الإكسيرا |
من أعار الآمال سمعا تلقى | كلما لا يفيد إلا غرورا |
كل من تاجر الظبى والمعالي | أعقبته تجارة لن تبورا |
وإذا الحلم لم يكن مستشارا | يوم طيش فمن تراه مشيرا |
خلق العقل للقلوب أميرا | وعلى الجيش أن يطيع الأميرا |
إن خلع العذار من شيم الشوس | كما شلت العذارى الخدورا |
أن تحاول سلطان ملك الأماني | فاتخذ قائم اليماني وزيرا |
كل قوم له نذير ولكن | خلق السيف للئيم نذيرا |
يا أبا أحمد الذي قد تولى | من أمور العوالم التدبيرا |
أي وعينيك إن طول القوافي | تشتكي من ثنائك التقصيرا |
غير أني أرحت نفث صدري | رب صدر ينفث المصدورا |
آن الأوان فوفنا ميعادنا | يا ابن الوفاء ومعدن الإنصاف |
خفف علينا المثقلات وزن لنا | أوزان بر منك غير خفاف |
إني لأرقب منك نوءا صادقا | متفجرا بالوابل الوكاف |
جود تكامل في جميع صفاته | ما عابه شيء سوى الإسراف |
لك في النوال عن الحساب نيابة | وخلافة جاءت بغير خلاف |
أنت الملاذ لكشف كل ملمة | بل سر سر حقيقة الألطاف |
لا زلت للفعل الجميل مؤاخيا | أبدا إخاء مودة وتصافي |
والحر أحرى بالوفاء لعبده | صينت مواعده من الأخلاف |
من معشر كانوا الهدى كانوا الفدا | كانوا المنى كانوا الغنى للعافي |
ونافثة بالسحر من كلماتها | وبعض كلام الناس للب ساحر |
فلا تعجبي مني بصحبة ناقص | فقد تصحب الليل النجوم الزواهر |
وما رث مجدي حيث رثت ملابسي | فقد نودع الحق الحقير الجواهر |
تعلم منا كل ملك سداده | وفي جودة الآراء للعمي ناظر |
أخذت بأطراف البلاد كأنني | بها مثل في الشرق والغرب سائر |
فما السهم حتى يرفض القوس صائب | وما السيف حتى يهجر الغمد باتر |
متى يطلق المأسور منك بزورة | ألم تدر إن الوعد للمرء آسر |
ولا تيأسن من فرجة بعد شدة | فقد يرخص الغالي وتغلو البوائر |
لك الود مني والنصيحة كلها | ومالك مني يا نديم السرائر |
وممتلئا من كامن الغدر باطنا | تشكل منه بالأمانة ظاهر |
يريك خداعا إن وجدك وجده | ويطرب لو دارت عليك الدوائر |
أقام مقام الكلب عاقر وده | ومن عدة الصيد الكلاب العواقر |
بسطت له وجه الرضا عابثا به | وللشهم رأي بالأحيمق ساحر |
أرى الخيل لا تخفى على من يسوسها | وإن حسنت للعين منها مناظر |
ترى الكوكب الهادي إذا أحلو لك | الدجى وهل نافع لولا الضياء النواظر |
وألمح أعقاب الأمور بفطنة | تلوح لها قبل الورود المصادر |
وقد تدرك الأشياء قبل وقوعها | وتعرف في أولى الأمور الأواخر |
فدع منظري ليس الرجال مناظرا | وخذ مخبري إن الرجال مخابر |
فقد تصدق الأشياء عما سمعته | وتكذب في بعض الأمور النواظر |
كفى حمقا بالمرء تنفاق زيفه | على صيرفي حنكته البصائر |
وإني لأدرى الناس بالمكر كله | ولكن متى نال الغنيمة ماكر |
ويعجبني من لا يواري صديقه | على فعل عيب وهو للعيب ساتر |
ومن لج في استمطاء عشوا ركابه | وكل ركوب اللجاجة عاثر |
ومن ركب الليث الهصور فلا يلم | سوى نفسه أن تدم منه الأظافر |
وكم قانع بالجبن ما طال عمره | يخاف حضور الموت والموت حاضر |
وللأجل المحتوم للمرء كافل | كما حفظت حوط العيون المحاجر |
أرى الخير في الدنيا بطيئا مسيره | فما بال ساعي الشر بالشر بادر |
لا تكثرن من الشباب وذكره | أنت ابن يومك لا ابن ماضي الأحقب |
وتلاف من قبل الفوات فربما | أعياك غمز العود بعد تصلب |
كم من أخ لك غير أمك أمه | تنسيك سيرته إخاء المنسب |
واحفظ مغيب القوم حفظ حضورهم | أنعم بهم من حاضرين وغيب |
من لم تؤدبه خلائق طبعه | ألفيته بالسيف غير مؤدب |
ورأيت ألحى من لحاني صاحبي | يا نفس آن أوان أن لا تصحبي |
وذري العتاب فما هنالك سامع | شرع عليك عتبت أم لم تعتبي |
وبدا التساوي في المساوي للورى | شبه الأراقط ما خلت من معطب |
مه يا خلي عن الشجي ولا تسل | عن موقع الأشياء غير مجرب |
لا تحسبن الأمر مزحة عابث | لاحت طلائعها فيا خيل اركبي |
ما لليالي حاجة في عاجز | يأبى المعرس في هجير السبسب |
والحزم حيزوم الأبي فخذ به | لا ترع شاءك في المكان المذئب |
واحذر معاداة الرجال وادها | إن لم تكن جدة لديك فرحب |
وافطن لأدوية الأمور فإنما | سم الأفاعي غير سم العقرب |
وإذا تنكه من مكان ريحه | فانحط منه إلى المكان الأطيب |
ولأئمة لم تدر فيما تقلني | وأي نجيب تنتحيه نجائبي |
تقول انخها واسترح من ركوبها | فجز النواصي دون جز السباسب |
هي النفس لا تحمل عليها فإنها | أرق نحولا من حضور الكواعب |
ولست لا يماض الأماني بشائم | كما لمعت في الليل نار الحباحب |
وما المال إلا قسمة لا تفوتها | ولو أنها نيطت بنار النوائب |
ولا تنقاذفك الأماني فإنها | مصاعب لا تعطي العنان لراكب |
قم يا غلام نبض حظوظنا | فالجد يجدي إن رعته جدود |
ليس الإصابة بالشهامة وحدها | ربما اهتدى غاو وضل رشيد |
تنهى القناعة أن أفارق مسقطي | والحزم يأمر أن تجاب البيد |
إن الأمور إذا جبنت شديدة | وإذا اجترأت فما عليك شديد |
والجبن للإنسان أشأم طائر | من أوتي الإقدام فهو سعيد |
قم يا أخا خولان نعتسف الدجى | من سد باب العجز فهو سديد |
كل الأمور لرأيه مشتاقة | يلمحن منه الكوكب المتوقدا |
انظر إلي ولا تسل عن حالتي | فالعين ليس يفيدها ما لا ترى |
النفس تأنس حيث بات حبيبها | ولو أنها باتت مجاورة الثرى |
همام تزل العين مهابة | ويعظم عن رجم الظنون ويكبر |
عجبا لحزمهم الذي يوري المنى | كوميض برق أو كقدح زناد |
أهل الحفيظة لا تزال فبابهم | دموية الأطناب والأوتاد |
والحب كالأفلاك غير سواكن | لكنما غاياتهن حياد |
من يستعين على الغرام بنصرة | قل المعين كقلة الأمجاد |
كل الحوادث دون حاجة مسعف | تضطره الدنيا إلى الأوغاد |
إن الكرام إذا سلنت طباعها | كانت شكائمها بغير جلاد |
والمرء زينته بجمع ثلاثة | شرخ الشباب وصارم وجواد |
والحر تصلحه الخطوب كما يشا | كافورة القرطاس مسك مداد |
إن أفسدوا فالسيف يصلح بيننا | والسيف يصلح كل ذات فساد |
إياك أن ترد الغدير مكدرا | واقنع من الصافي ولو بثماد |
وذر التصدر في الأمور أما ترى | شأن الملوك توسط الأجناد |
والدهر في طبع الوشاة يسره | تفريق أحباب وجمع أعادي |
يدني ويبعد من يشاء فلا سقي | في ذلك الإدناء والإبعاد |
والنفس مولعة بما عودتها | فدع الطبيب وعد إلى المعتاد |
واترك معاتبة الصديق إذا جنى | ما العتب غير إثارة الأحقاد |
والعشق شبه دوائر فلكية | غاياتهن من المدار مبادي |
وخذ التجلد في القضا فإنما | عرق بغير تجلد لم يفصد |
من القوم لا يرعون للمال ذمة | كما لا يراعي السيف ذمة جيد |
ترى الحرب مغناطيسهم حيث لم تكن | طباعهم الأطباع حديد |
ملوك ولكن المنايا جنودهم | ولا ملك إلا باتخاذ جنود |
وما كنت ممن تنثني عزماته | لحادثة أو تلتوي لحسود |
ولكن من يعثر بداهية القضا | يجد من زلال الماء ذات وقود |
بني حمير لا تطرحوا الحزم خلفكم | فإن أطراح الحزم غير سديد |
مضى كل حر طيب الفعل يشتكي | أذى كل جبار الفعال عنيد |
فأين علي من مقام ابن ملجم | وأين حسين من مقام يزيد |
ولم تبرح الدنيا تذل كرامها | ولا سيد إلا بكف مسود |
ما للفوادح نارها لا تخمد | وزفيرها بين اللهى يتردد |
والدهر لا ينفك إلا مبرق | ببروق صاعقة وأما مرعد |
والعيش مختلف المساعي تارة | تجري سفائنه وطورا تركد |
والمرء ممتحن بخلة دهره | طورا بها يشقى وطورا يسعد |
وعلى كلا الحالين لا يبقى لها | سعد يقيم ولا شفاء يقعد |
وأخو الوفاء قليلة إخوانه | وأخو الحياء بها عديم مفرد |
ولرب معتذر إليك ودونه | قاسي الطبيعة أفعوان أربد |
وإذا رأيت العيش راقك صفوه | فتوقه ما كل ماء يورد |
كرر لحاظك في الزمان أما ترى | إن النفوس عليه زرع يحصد |
وكأنما الدنيا تقول لمن بها | عيشي وعيشك عن قليل ينفد |
لا يغرنك ما ترى من فرصة | أبن الآلى عمروا الديار وشيدوا |
لا ترض إلا بالسيوف أدلة | حيث الأمور شديدة الإبهام |
خذ من زمانك حذر لا متجاهل | بمكان حادثة ولا متعامي |
فالدهر في فلك التقلب دائر | كالبدر بين نقيصة وتمام |
زعم ابن آدم أن ينعم دائما | أين الدوام من القوام الدامي |
وعقول أكثر ما رأيت مطاشة | ما ينقع الرامي بغير سهام |
سفها لهذا الدهر حذوة سائل | لو يعقلون تفكهوا بحطام |
إن كنت في سنة من غارة الزمن | فانظر لنفسك واستيقظ من الوسن |
ليس الزمان بأمون على أحد | هيهات أن تسكن الدنيا إلى سكن |
لا تنفق النفس إلا في بلوغ منى | فبائع النفس غير ذي غبن |
ودع مصاحبة الدنيا فليس لها | إلا مفارقة السكان للسكن |
والعيش أنفس ما تعني لذاته | لو لا شراب من الآجال غير هني |
وكيف يحمد الدنيا صنيع يد | وغاية البشر منها غاية الحزن |
هي الليالي تراها غير خائنة | إلا بكل كريم الطبع لم يخن |
يسطو بسيفين من بأس ومن كرم | يستأصلان عروق البخل والجبن |
يغرك آل تبتغي منه موردا | وذو اللب عن دعوى المحال له شغل |
وتبغي بغير الجد أن تطلب العلى | ودون اجتناء النحل ما جنت النحل |
إذا الحر لاقى الحادثات فإنه | بمزدحم ليث وفي حذر وعل |
يا صاح لا تلق الزمان ولا تثق | بالبشر منه فإنه متصنع |
وببره لا تستغر فإنه | فخ بحبته يكيد ويخدع |
كم في بنيه ظالم متظلم | كالذئب يقتنص الغزال ويضلع |
هذا الحمى يا فتى فانزل بحومته | واخضع هنالك تعظيما لحرمته |
وإن وصلت إلى حي بأيمنه | بعد البلوغ فبالغ في تحيته |
واطمع بما فوق إكليل النجوم ولا | ترج الوصول إلى ما في أكلته |
واحذر أسود الشرى إن كنت مقتنصا | فإن حمر ظباها دون ظبيته |
لله حي إذا أوتاده ضربت | يودها الصب لو كانت بمهجته |
بجرعه كم فضت من مهجة جزعا | وكم هوت كبد حرى بحرته |
قد أنشأ الغنج شيطان الغرام به | فقام يدعو إلى طاغوت فتنته |
والحسن فيه لسلطان الهوى أخذت | يداه من لك فلب عقد ببعته |
أقماره الحديد الهند حاملة | تحمي الشموس العذارى في أهلته |
صنتم صغار اللآلي في مباسمكم | عنه وناقشتمو ياقوت عبرته |
فكروا أسير رقاد عنه رقكم | فادى جفونكم المرضى بصحته |
يا حاكمي الجور فينا من معاطفكم | تعلموا العدل وانحوا نحو سنته |
قلبي لدى بعضكم رهن وبعضكم | هذا دمي راح مطلولا بوجنته |
أفدى بكم كل مخصور ذوائبه | تتلو لنا ذكر فرعون وفرقته |
كأنما الخضر فيما نال شاركه | ففي المراشف منه طعم جرعته |
أعيذ نفسي بكم من سحر أعينكم | فإن أصل بلائي من بليته |
لمن الشمس في قباب قباها | شف جسم الدجى بروح ضياها |
معقل الخائفين من كل خوف | أوفر العرب ذمة أوفاها |
مصدر العلم ليس إلا لديه | خبر الكائنات من مبتداها |
ملك يحتوي ممالك فضل | غير محدودة جهات علاها |
لو أعيرت من سلسبيل نداه | كرة النار لاستحالت مياها |
علم تلحظ العوالم منه خير | من حل أرضها وسماها |
ذاك ذو إمرة على كل أمر | رتبة ليس غيره يؤتاها |
ما تناهت عوالم العلم إلا | وإلى ذات(أحمد) منتهاها |
أي خلق لله أعظم منه | وهو الغاية التي استقصاها |
قلب الخافقين ظهرا لبطن | فرأى ذات(أحمد)فاجتباها |
رائد لا يرود إلا العوالي | طاب من زهرة القنا مجتناها |
لست أنسى له منازل قدس | قد بناها التقى فأعلى بناها |
ورجالا أعزة في بيوت | أذن الله أن يعز حماها |
سادة لا تريد إلا رضى الله | كما لا يريد إلا رضاها |
علماء أئمة حكماء | يهتدي النجم باتباع هداها |
ورثوا من ’’محمد’’ سبق أولا | ها وحازوها ما لم تحز أخراها |
آية الله حكمة الله سيف الله | والرحمة التي أهداها |
أريحي له العلى شاهدات | إن من نعل أخمصيه علاها |
نير الشكل دائر في السماء | بالأعاجيب تستدير رحاها |
فاض للخلق منه حلم وعلم | أخذت عنهما العقول نهاها |
واستعارت منه الرسالة شمسا | لم يزل مشرقا بها فلكاها |
بأبي الصارم الآلهي يبري | عنق الأزمة الشديد براها |
جاورته طريدة الدين علما | أنه ليثها الذي يرعاها |
بشرت أمه به الرسل طرا | طريا باسمه فيا بشراها |
طربت لاسمه الثرى فاستطالت | فوق علوية السما سفلاها |
لم يزالوا في مركز الجهل حتى | بعث الله للورى أزكاها |
فأتى كامل الطبيعة شمسا | تستمد الشموس منه سناها |
كيف لا تشتكي الليالي إليه | ضرها وهو منتهى شكواها |
لا تجل في صفات ’’أحمد’’ فكرا | فهي الصورة التي لن تراها |
ملك شد أزره بأخيه | فاستقامت من الأمور قناها |
أسد الله ما رأت مقلتاه | نار حرب تشب إلا اصطلاها |
فارس المؤمنين في كل حرب | قطب محرابها إمام وغاها |
لم يخض في الهياج إلا وأبدى | عزمه يتقي الردى إياها |
ذاك رأس الموحدين وحامي | بيضه الدين من أكف عداها |
من ترى مثله إذا صرت الحر | ب ودارت على الكماة رحاها |
ذاك فمقامها الذي لا يروي | غير صمصامه أوام صداها |
وبه استفتح الهدى يوم(بدر) | من طغاة أبت سوى طغواها |
صب صوب الردى عليهم همام | ليس يخشى التي سواها |
يوم جاءت وفي القلوب غليل | فسقاها حسامه ما سقاها |
فأقامت ما بين طيش ورعب | وكفاها ذاك المقام كفاها |
ظهرت منه في الوغى سطوات | ما أتى القوم كلهم ما أتاها |
يوم غصت بجيش (عمرو بن ود) | لهوات الفلا وضاق فضاها |
وتخطى إلى المدينة فردا | بسرايا عزائم ساراها |
فدعاهم وهم ألوف ولكن | ينظرون الذي يشب لظاها |
أين أنتم عن قسور عامري | تتقي الأسد بأسه في شراها |
فابتدى المصطفى يحدث عما | تؤجلا الصابرون في أخراها |
قائلا إن للجليل جنانا | ليس غير المجاهدين يراها |
أين من نفسه تتوق إلى الجنـ | ـات أو يورد الجحيم عداها |
من لعمرو وقد ضمنت على | الله له من جنانه أعلاها |
فالتووا عن جوابه كسوام | لا تراها مجيبة من دعاها |
وإذا هم بفارس قرشي | ترجف الأرض خيفة إذ يطأها |
قائلا ما لها سواي كفيل | هذه ذمة علي وفاها |
ومشى يطلب الصفوف كم تمشي | خماص الحشا إلى مرعاها |
فانتضى مشرفيه فتلقى | ساق عمرو بضربة فبراها |
وإلى الحشر رنة السيف منه | يملأ الخافقين رجع صداها |
يا لها ضربة حون مكرمات | لم يزن ثقل أجرها ثقلاها |
هذه من علاه إحدى المعالي | وعلى هذه فقس ما سواها |
و(بأحد) كم فل آحاد شوس | كلما أوقدوا الوغى أطفاها |
يوم دارت بلا ثوابت شوس | أسد الله كان قطب رحاها |
يوم خانت نبالة القوم عهدا | لنبي الهدى فخاب رجاها |
وتراءت لها غنائم شتى | فاقتفى الأكثرون أثر ثراها |
وأحاطت به مذاكي الأعادي | بعدما أشرفت على استيلاها |
فترى ذلك النفير كما تخبط | في ظلمة الدجى عشواها |
يتمنى الفتى ورود المنايا | والمنايا لو تشترى لاشتراها |
كلما لاح في المهامه برق | حسبته قنا العدى وظباها |
لم تخلها إلا أضالع عجف | قد براها السرى فحل براها |
لا تلمها لحيرة وارتياع | فقدت عزها فعز عزاها |
أن يفتها ذاك الجميل فعذرا | إنما حلية الرجال حجاها |
قد أراها في ذلك اليوم ضربا | لو رأته الشبان شابت لحاها |
وكساها العار الذميم بطعن | من حلى الكبرياء قد أعراها |
يوم سالت سيل الرمال ولكن | هب فيها نسيمه فذراها |
لا ترم وصفه ففيه معان | لم يصفها إلا الذي سواها |
وله يوم(خيبر) فتكات | كبرت منظرا على من رآها |
يوم قال النبي إني لأعطي | رايتي ليثها وحامي حماها |
فاستطالت أعناق كل فريق | ليروا أي ماجد يعطاها |
فدعا أين وارث العلم والحـ | ـلم مجير الأيام من بأساها |
أين ذو النجدة الذي لو دعته | في الثريا مروعة لباها |
فأتاه الوصي أرمد عين | فسقاه من ريقه فشفاها |
ومضى يطلب الصفوف فولت | عنه علما بأنه أمضاها |
وبرى (مرحبا) بكف اقتدار | أقوياء الأقدار من ضعفاها |
ودحا بابها بقوة بأس | لو حمتها الأفلاك منه دحاها |
عائد للمؤملين مجيب | سامع ما تسر من نجواها |
أحكم الله صنعة الدين منه | بفتى ألحمت يداه سداها |
لا تقس بأسه ببأس سواه | إنما أفضل الظبي أمضاها |
لست أنسى للدهر رمد أماق | ما جلا غير ذي الفقار جلاها |
كم عتاة أذلها بعد عز | وعفاة بعد العفا أغناها |
من تلقى يد (الوليد) بضرب | حيدري بري اليراع براها |
وسقى منه (عتبة) كأس بؤس | كان صرفا إلى المعاد احتساها |
ورأى تيه’’ذي الخمار’’ فردا | ه من الذل بردة ما ارتداها |
كم نفوس تصحها علل الفقر | ولو نالها الغنى أطغاها |
حسب أهل الضلال منه نبال | هي مرمى وبالها وبلاها |
لذا إلى جوده تجد كيف يهدي | حلل المكرمات من صنعاها |
كم له من روائح وغواد | مدد الفيض كان من مبداها |
كم له شمس حكمة تتمنى | غرة الشمس أن تكون سماها |
ومن المهتدي بيوم ’’حنين’’ | حين غاوي الفرار قد أغواها |
حيث بعض الرجال تهرب من بيض | المواضي والبعض من قتلاها |
حيث لا يلتوي إلى الألف إلف | كل نفس أطاشها ما دهاها |
من سقاها في ذلك اليوم كأسا | فايضا بالمنون حتى رواها |
أعجب القوم كثرة العد منها | ثم ولت والرعب حشو حشاها |
وقفوا وقفة الذليل وفروا | من أسود الشرى فرار مهاها |
وعلي يلقي الألوف بقلب | صور الله فيه شكل فناها |
إنما تفضل النفوس بجد | وعلى قدره مقام علاها |
لو تراه وجوده مستباح | قبل كشف العفاة سر عفاها |
خلت من أعظم السحائب سحبا | سقت الروض قبل ما استسقاها |
وهو للدائرات دائرة السعد | ألا ساء حظ من ناواها |
لم يع ذلك الطبيب كلوما | قد أساءت بالدهر إلا أساها |
صادق الفعل والمقالة يحوي | غرة مثل حسنه حسناها |
لم تفه ملة من الشرك إلا | فض بالصارم الإلهي فاها |
وطواها طي السجل همام | نشر الحرب علمه وطواها |
كم عرا مشكل فحل عراه | ليس للمشكلات إلا فتاها |
واسأل الأعصر القديمة عنه | كيف كانت يداه روح غذاها |
بل هو الروح لم يزل مستمدا | كل دهر حياته من قواها |
أي نفس لا تهتدي بهداه | وهو من كل صورة مقلتاها |
و’’بخم’’ ماذا جرى يوم خم | تلك أكرومة أبت أن تضاهى |
ذاك يوم من الزمان أبانت | ملة الحق فيه عن مقتداها |
كم حوى ذلك ’’الغدير’’نجوما | ما جرت أنجم الدجى مجراها |
إذ رقى منبر الحدايج هاد | طاول السبعة العلى برقاها |
موقفا للأنام في فلوات | وعرات بالقيظ يشوي شواها |
أيها الناس حدثوا اليوم عني | وليبلغ أدنى ألوى أقصاها |
كل نفس كانت تراني مولى | فلتر اليوم حيدرا مولاها |
رب هذي أمانة لك عندي | وإليك الأمين قد أداها |
وال من لا يرى الولاية إلا | لعلي وعاد من عاداها |
أيها الراكب المجد رويدا | بقلوب تقلبت في جواها |
إن تراءت أرض الغريين فأخضع | وأخلع النعل دون وادي طواها |
وإذا شمت قبة العالم الأعـ | ـلى وأنوار ربها تغشاها |
فتواضع فثم دارة قدس | تتمنى الأفلاك لثم ثراها |
قل له والدموع سفح عقيق | والجوى تصطلي بنار غضاها |
يا بن عم النبي أنت يد الله | التي عم كل شيء نداها |
حسبك الله في مآثر شتى | هي مثل الأعداد لا تتناهى |
ليت عينا بغير روضك ترعى | قذيت واستمر فيها قذاها |
أنت بعد النبي خير البرايا | والسما خير ما بها قمراها |
لك نفس من جوهر اللطف صيغت | جعل الله كل نفس فداها |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 9- ص: 11