السيد كاظم الأمين ابن السيد أحمد ابن السيد محمد الأمين ابن السيد أبي الحسن موسى
ولد سنة 1231 وتوفي في بغداد في 27 ربيع الثاني سنة 1303 ونقل إلى النجف الأشرف فدفن في حجرة آل كبة قريب باب الصحن المعروف بباب الطوسي. كان عالما فاضلا حافظا متقنا مؤرخا واحد زمانه في الإحاطة والضبط وحفظ التواريخ والآثار ودقائق العربية، وكان شاعرا مطبوعا منشئا بليغا وواعظا زاهدا عابدا هاجر من جبل عامل إلى النجف الأشرف لطلب العلم في حياة والده السيد أحمد وكان عمره قريب خمس عشرة سنة مع ابن عمه السيد محسن ابن السيد علي ابن السيد محمد أمين وكان متزوجا بأخت السيد كاظم التي ذهبت معه من جبل عامل ويظن أن سفره هذا كان حدود سنة 1252، وقرأ على الفقيه الشيخ مشكور الحولاوي تزوج ابنته. وبقي مكبا على طلب العلم حتى فاق أقرانه وامتاز على أهل زمانه بعلوم كثيرة منها اللغة والتاريخ فقد كان عديم النظير فيهما يقف جهاهبذة العلماء عند قوله ولم ير أضبط منه للعربية في عصره حدثني بعض ثقات بني عمنا أنه جرت مذاكرة في بعض مجالس العلم بالنجف في لفظة فقال بعض الحاضرين هي كذا وأنا رأيتها البارحة في بعض الكتب فقال السيد إني رأيتها منذ سنة وأظن أنها خلاف ما تقول فراجعوها فإذا هي كما قال السيد. أما حسن أخلاقه وتقواه وورعه وسخاؤه وكرم طباعه فمما يضرب به المثل وترك بخطه من فرائد التفسير واللغة والتاريخ ودقائقها شيئا كثيرا وجل شعره في المواعظ والنصائح والآداب والحكم. ووقعت بينه وبين ابن عمه السيد محمد الأمين هنات ومعاتبات لأسباب أعرضنا عن ذكرها وأرسل إلى ابن عمه المذكور عدة قصائد يعاتبه فيها ويستعطفه، وقصائده وكتبه التي كان يرسلها لبني عمه في جبل عامل في المواعظ والنصائح كثيرة وكان له اتصال شديد بتجار بغداد لاسيما آل كبه الكرام الحاج مصطفى وأخيه الحاج محمد حسن أبناء الحاج محمد صالح الذين يعجز القلم عن إحصاء محاسنهم وكان له حجرة مخصوصة في دارهم ويقضي جل أيامه عندهم ثم يعود إلى النجف. وفي تكملة أمل الآمل وممن عاصرته السيد الجليل والعالم الفاضل الأديب النبيل عمدة الأشراف الأعاظم السيد كاظم الأمين العاملي كان واحد عصره في علم الأدب والتاريخ وعلى جانب من الآباء وعزة النفس والجلالة والحشمة كبير في أعين العلماء مهاب عند التجار والأدباء آثار السيادة وأنوارها ساطعة من جبينه كنت كثير الأنس به من جالسه لا يستطيع مفارقته لحسن محاضرته "اهـ".
أولاده
كان له ولد يسمى السيد أحمد وكان عالما فاضلا كاملا توجه من العراق إلى الشام في حياة أبيه فقتل في الطريق وتخلف بولد مات في حياة السيد كاظم وولد للسيد كاظم بعد اليأس السيد عبد الهادي ومرت ترجمته.
شعره
من شعره ما أرسله من العراق إلى الشيخ حسن السبيتي بعد خروجه من النجف إلى جبل عامل:
يا نازحا عن مقلة | شرقت بماء دموعها |
روحي لديك وديعة | الله في تضييعها |
عجبا لها ظعنت ونا | ر الشوق بين ضلوعها |
ومن العجائب أن لي | طمعا بوشك رجوعها |
هيهات ما لم تكتحل | عيني بوجه ربيعها |
ويقر ناظرها بمن | فيه لذيذ هجوعها |
ذاك الذي نفسي إليـ | ـه غدا شديد نزوعها |
فرد المحاسن كلها | حسن الفعال جميعها |
نجل الهمام محمد | سامي الدعام رفيعها |
لا زلت مخضل الديار | طللولها وربوعها |
ما عاودت شمس الضحى | لغروبها وطلوعها |
وتحيتي لك ما شدت | ورقاء في تسجيعها |
وأرسل إليه من العراق أيضا بهذه القصيدة وعرض فيها بالعتب على ابن عمه السيد محمد الأمين:
أيا حسن الأخلاق أني لشيق | إليك فهل للوصل من موعد يرجى |
ويا حسن الأفعال هل تنجلي النوى | بأسنى صباح بعد ما ليلها دجا |
وهل بعد شحط يجمع الله شملنا | فيطفئ من أشواق أحشائنا وهجا |
لحا الله هذا الدهر حتام صرفه | يعوم بنفسي من عباب الأسى لجا |
وكم ريبة يقتادني قود قاهر | يجانبني بهجا ويقحم بي فجا |
ولا در در النائبات إلى متى | تمانعني محضا وتمنحني سحجا |
فكم من أخ جم الحفاظ محضته | من الود عذبا ى مشوبا ولا مجا |
وما كان ظني والحوادث جمة | لأدرج في أثناء نسيانه درجا |
أحاشيه عن نقض الوداد وإنما | هو الجد كم أودى بما نيله أرجي |
ورب أخ لي منه رحم مسيسه | لقد مزجت مني بصافي الولا مزجا |
رماني مذ طالت يد البعد بيننا | يهجرانه والهجر من مثله أشجى |
وواعدني الحسنى وأرجى ولم يكن | ليذهب يوما أو يميل إلى الأرجا |
على أنه والحمد لله لم يزل | حمى وركاب الوافدين له تزجى |
فأمن ويمن شاملان ببابه | وجود جزيل ثج من كفه ثجا |
وكم فائز بالسؤال قبل سؤاله | وكم سائل نال المرام ومالجا |
ولست بناس ما حباني وإنما | رأيت الغنى فيه عن الناس لي أنجى |
وما ذاك إلا إنه نفسي التي | أروم لها الحسنى وأرجو لها الفلجا |
عذرتهما أن الحفاظ على النوى | لصعب وإن ظن الفتى أنه أحجى |
لئن أصبحا لم يغنيا عن أخيهما | فلا يعداه من سحابهما رهجا |
فذاك على الحالين والله عالم | أخ ليس يبغي غير ودهما نهجا |
ولا برحا طول المدى في سعادة | ونجمهما لم يأو غير العلى برجا |
ومن شعره:
وقائلة أظنك من تميم | فقلت لها كفى بالشك جهلا |
فقالت بنتها ذا من قريش | فقلت لها كفى بالعلم فضلا |
فقالت أمها هو عبشمي | فقلت لها بفيك الترب لالا |
فقالت بنتها هو هاشمي | فقلت أجل نعم أهلا وسهلا |
فقالت أمها وأراه ينمى | إلى العباس منهم قلت كلا |
فقالت بنتها هو طالبي | فقلت نعم كذا فرعا واصلا |
فقالت أمها لا ريب هذا | عقيلي فقلت رزقت عقلا |
فقالت بنتها علوي بيت | قواعده من الخضراء أعلا |
حسيني ورب البيت لاحت | عليه سماتهم قولا وفعلا |
إلى زين العباد نماه زيد | وهل كأبي الحسين رأيت مولى |
به قد بشر الهادي وأثنى | عليه بذاك جاء النص يتلى |
ومن ماء الإمامة بعد ماء النـ | ـبوة قد سقي علا ونهلا |
إمام هدى دعا الله جهرا | ولابن أخيه حتى مات قتلا |
مضى بدم الشهادة وهو طهر | عليه سلم الباري وصلى |
فيا لله من حق مضاع | له ودم كريم منه طلا |
فقلت لها على طرب وكانت | تروع أخا النهي حسنا ونبلا |
لك الحسنى أصبت الحق فصلا | وقلت مقالة صدقا وعدلا |
أراك نبيلة فوقاك عين الـ | ـحواسد من حباك كملا |
وعارفة بنا حقا فهل من | وصال قالت الحسناء مهلا |
وله شكاية إلى سيد الشهداء الحسين عليه السلام:
إلى ابن النبي أشتكي كربي | ودهرا أبى إلا المقام على حربي |
وقد ضقت ذرعا من نزول صروفه | علي ومن خطب يلم على خطب |
فصالح فدتك النفس بيني وبينه | فما لأسير الدهر غيرك من ندب |
وله شكاية إلى أمير المؤمنين عليه السلام:
إليك أمير المؤمنين شكاية | وها أنت يا مولاي سامعها مني |
تشبث بي داء تطاول مكثه | وأنت بإذن الله كاشفه عني |
وغاية قصدي منك ما منتهى الرجا | أفاضته روح البرء سرعان وإلا من |
فإني منكم لأعدمت انعطافكم | علي ومولاكم إلا حققوا ظني |
قطعت الفيافي قاصدا لجواركم | لأحظي لدى الدارين بالأمن واليمن |
وعفت كما شاء الولا قرب معشري | وريف بلاد خص بالأنس والحسن |
عليكم سلام الله ما مر ذكركم | وصلى عليكم مؤمنو الأنس والجن |
وله:
إلى الله أشكو من هموم تنوبني | وأحداث دهر هد ركني وقوعها |
أرى فاقة في فتية زانها التقى | وذي رحم ما كان مثلي يضيعها |
فلو ساعدتني من زماني ملاءة | لفاض عليهم من يميني ربيعها |
ولكن دهري جامع عن مآربي | ونفسي إليها لا يزال نزوعها |
وهون عندي شدة الدهر إن لي | بها الأجر موفور ويمضي فظيعها |
فما دعة في العيش إلا وديعة | ولا شدة إلا الرخاء تبيعها |
فصبرا جميلا في الحوادث أنه | ملاذ التقى يأوي إليه مطيعها |
وله مراسلا ابن عمه السيد محمد الأمين:
أأبا الجواد مقالة من ناصح | قد هذبته يد النهي والأزمن |
بمكارم الأخلاق كن متحليا | تهدي الثناء على علاك الألسن |
وانفح صديقك بالذي هو أهله | وادفع عدوك بالتي هي أحسن |
واستشعر التقوى فإن لباسها | درع به لك في المخاوف مأمن |
والمال عارية وما يلد الفتي | فإن ويبني المرء ما لا يسكن |
والهفتاه إذا دعيت وليس لي | من صالح الأعمال شيء يوزن |
أم كيف أسكن في لظى وحشاشتي | لمحمد ولآله هي مسكن |
علقت يداي بهم فلست بخائب | آل النبي لكل خير معدن |
وله مراسلا ابن عمه المذكور:
تجاذبني إلى لبنان نفس | تردد في حشى دنف جريح |
وينزع بي لذاك السفح شوق | أبرده بهطال سفوح |
وأصبو في هوى تلك الروابي | ولي جبل من الحلم الرجيح |
وتدعوني لعاملة وكم من | فلاة دون أربها نزوحي |
لئن أصبحت فيها مستهاما | فرب أخ بها طلق صبيح |
فطورا أستجيب لها وطورا | أقول لها مكانك تستريحي |
فإن قدمت رحلي لارتحال | قدمت إذا على بلد فسيح |
وإن أخرتها فإلى مقام | حميد الأمر ذ ثمن ربيح |
لدى بلد به الرحمن أعلى | لصنو المصطفى أسنى ضريح |
وأعظم آدم فيها ورمس | لشيخ المرسلين الغر نوح |
فخار الله لي ما فيه روحي | لدى الدنيا وبعد فراق روحي |
وأساله من التقوى شكيما | بها أقوى على نفس جموح |
وله مراسلا ابن عمه المذكور ومشتكيا من الزمان:
ولو علم ابن عمي ما نقاسي | من الأهوال في هذي البلاد |
لفاضت عينه جزعا علينا | ولازم جفنها طول السهاد |
وفرج بعضها عنا بعزم | أحد شبا من البيض الحداد |
عنيت محمدا فرع الأمين الـ | ـجواد أبا الجواد أخا الجواد |
أليس هو الفتى الندب المرجى | لنا لا زال مبسوط الأيادي |
وتنشد على وجه آخ:
واو علم ابن عمي ما نلاقي | من الأهوال في أرض العراق |
لفاضت عينه جزعا علينا | وفارقها الكرى أي افتراق |
وفرج بعضها عنا بعزم | أحد شبا من البيض الرقاق |
وجلاها بصوب منه أشهى | من السلسال والعذاب الرحاق |
أليس هو المجلي مدلهم الـ | ـخطوب ومن له فضل السباق |
كفاه الله أحداث الليالي | وجاد لنا بأيام التلاقي |
ورأيت له رقعة بخطه أرسلها مع كتاب إلى ابن عمه السالف ذكره وكانت وقعت بينهما وحشة جفاه لأجلها ابن عمه المذكور فقال يعاتبه ويستعطفه وهذا لفظها:
#هذه الأبيات دارت في خلدي وسنحت على خاطري ساعة تحرير الكتاب وعن لي إثباتها وإرسالها معه والمقروح إذا نفث استراح ونسأله تعالى العفو والعافية وحسن الخاتمة والستر في الدنيا والآخرة:طوى الدهر ما بيني وبين محمد | أخي وابن عمي بالجفا والتباعد |
وعاثت يد الأيام فينا وأننا | لاثنان كنا في العيون كواحد |
على غير شيء كان بيني وبينه | ولكن أصابت شملنا عين حاسد |
عجبت وأيام الزمان عجائب | وأعجبها إنكار كف لساعد |
وحبل ولاء شهد الله بيننا | يبت بنزر من طريف وتالد |
ومن عجب الأيام مثلي ومثله | يفيض بماء سائغ الورد بارد |
أليس أبونا قام في أهل بيته | وأوصى بنيه بالتقى والتوادد |
فقطعت الأرحام منه وضيعت | وصية جد طال مجدا ووالد |
يعز على أسلافكم يا بني العلى | مقالة ذم من من محب وحاقد |
وما كان ظن القوم أن ابن حرة | يفوه بها بين الملا في المشاهد |
وله معاتبا ابن عمه المذكور:
لعمرك ما أدري وإن كان خاطري | يرى من مبادئ الأمر آخره طبقا |
على أي شيء سامني الهجر والجفا | أخ وابن عم برحت له وفقا |
ولم أدر ما رقى إليه عدونا | فأصغى كما شاء العدو ولما رقي |
وبالغ في هجري بغير جناية | سوى إنني بالغت في حبه صدقا |
وأصفيته مني الوداد وإن يكن | سقاني بعد الصفو من وده رنقا |
وأعددته كهفا وأيقنت إنه | يقيني متى ألقى من الدهر ما ألقى |
عجبت له وهو الجواد الذي شأى | ذوي الجود والمعروف يوم الندى سبقا |
يضن على أدنى الأنام علاقة | إليه بشيء لا يدوم ولا يبقى |
ويعرض أعراض الأجانب عنهم | وهم من أمس الناس طرا به عرقا |
ويغضب دهرا من توهم زلة | كأن لم يكن في القوم أحسنهم خلقا |
وأياك والساعي فمبلغك الأذى | كفاعله لم ألف بينهما فرقا |
وذي غربة شط الزمان بألفه | وحلف شجا طارت بسلوانه عنقا |
هواك نفي عن مقلتي طيب الكرى | كما قد نفيت العسر عني باليسر |
وحبك أرسى في فؤادي كما رسى | بقلبك حب المكرمات إلى الحشر |
وإن سلوي عنك ولى مجانبا | كما قد تولى الذم عنك مدى الدهر |
وشوقي إلى رؤياك جاوز حده | كما جزت حد العلم والمجد والفخر |
فيا أيها المولى الكريم ومن له | علي أياد لا يقوم بها شكري |
وخير ابن عم من ذؤابة هاشم | أقيم به أمري وشد به أزري |
وأزكى فتى تنميه خير عصابة | أوامرها في البر تجري وفي البحر |
وفرع أصول شرف الله قدرها | قديما كما قد شرفت ليلة القدر |
أتدري وقال الله كل كريهة | بأني مطوي الضلوع على جمر |
أقاسي من الأيام كل عظيمة | يقل وإن كنت الجليد لها صبري |
وبينا فؤادي في انصداع من النوى | إذا هو في كسر أتيح على كسر |
فلا در در الدهر صروفه | جلبن الأسى من حيث ندري ولا ندري |
أفي كل يوم لي بأنيابه دم | كريم بغير البيض طل أو سمر |
وأعجب شيء أن يراق ولم يقم | به أحد منا يطالب بالوتر |
ولكننا نرضى ونصبر رغبة | إلى الله في نيل المثوبة والأجر |
ونعلم إن الله ما شاء كائن | وإن القضا جار على العبد والحبر |
وإن الردى كأس وكل يذوقه | وداعيه لا ينفك في السر والجهر |
ولكننا لا نستفيق جهالة | فنحن نيام والمنايا بنا تسري |
وكل بهاتي الدار سكران وآله | ولكن إذا متنا أفقنا من السكر |
هنالك لا ينجي الفتى غير ما أتى | من الباقيات الصالحات لدى الحشر |
فأسأل ربي أن يعاملنا معا | وإخواننا بالفضل واللطف والبر |
ولازلت طول الدهر في دعة أبا الـ | ـجواد وعيش مستطاب وفي بشر |
وزادك يا ابن العم ربك أنعما | تقيدها بالحمد منك وبالشكر |
وله مراسلا ابن عمه المذكور ويشكو الزمان وضمها مواعظ وحكما كثيرة ومديح أهل البيت عليهم السلام ورثاء الحسين عليه السلام:
لعمرك ما للدهر عهد ولا أمن | ولا ذو حجى حربه عيشه يهنو |
وهل من أمان للزمان ووده | وأحداثه في كل يوم لها لون |
وكيف يطيب العيش فيها لذي نهى | ترحل عنه الأب والأم والابن |
وإن امرءا أصلاه ماتا وفرعه | لميت وإن لم يعله الترب واللبن |
وهل بعد عد المرء خمسين حجة | كم العمر في الدنيا يروق له حسن |
وبعد اشتعال الرأس بالشيب ينبغي | بلوغ المنى والعظم قد نابه وهن |
فهب إنك ناهزت الثمانين سالما | فهل أنت إلا في تضاعيفها شن |
إذا فات منك الأطيبان فلا تبل | متى انخسف الصدغان وارتفع البطن |
وإن نازعتك النفس يوما لشهوة | فقل وهت الأحشاء واستوهن المتن |
أتأمل في الدنيا القرار سفاهة | وقد أزف الترحال واقترب الظعن |
وما المرء إلا رهن يوم وليلة | ولا في ذا أو بذي يغلب الرهن |
وأنا بني حواء أغصان روضة | إذا ما ذوى غصن بعده غصن |
وهل نحن إلا كالأضاحي تتابعت | أو البدن ما تدري متى يومها البدن |
نراع إذا ما طالعتنا جنازة | ونلهو إذا ولت وما جاءنا أمن |
كثلة ضأن راعها الذئب رتعا | فلما مضى عادت لمرتعها الضأن |
نروح ونغدو في شعوب من المنى | وعين شعوب نحونا أبدا ترنو |
نحوم على الدنيا ونبصر بطشها | ونعشو عن الأخرى وهذا هو الغبن |
وأعجب شيء وهي الأم جارة | غدا كل حر وهو عبد لها قن |
ولو إننا نخشى المعاد حقيقة | لما اعتادنا غمض ولا ضمنا ركن |
ولكننا عن مطلب الخير في عمى | تحول بنا عن نيله ظلل دجن |
لنا الوهن والإغفال في طلب التقى | وفي طلب الدنيا لنا الحزم والذهن |
وما نحن إلا للمنون فريسة | فلم نقطع الأرحام شحا وما نحنو |
وتخدعنا الدنيا ونعلم أنها | بغي لها في كل آونة خدن |
ونهوى بها طول المقام جهالة | على أنها في عين أهل النهي سجن |
وأنا بها كالظعن عرس ليلة | بقفر فلما أسفرت سافر الظعن |
تناهبنا أحداثها وتروعنا | بها كل يوم من أعاجيبها فتن |
وهيهات لا يبقى جواد مؤمل | ولا بطل يخشى بوادره قرن |
ولا سوقة من سائق الموت هارب | ولا ملك يوقيه جيش ولا خزن |
فأين بذي القرنين كم قبلة انطوت | قرون وكم من بعده قد مضى قرن |
وأين الذين استخلفوا من أمية | ودوخت الدنيا جيوشهم الرعن |
وأين بنو العباس تلك ديارهم | تلافع بالزوراء أرسى بها الدمن |
وفي الخلد والمنصور للناس عبرة | فني الخلد والمنصور دمره الحين |
وفي التاج منها عبرة وعجيبة | غداة إليه قوض الأبيض الجون |
فاحكم آس التاج من شرفاته | وأعلاه من أدناه فاعجب لما أفتنوا |
عفا وكأن لم يطصبح فيه مترف | يرنحه من صوت عذب اللمى لحن |
وهارون من قصر السلام رمى به | لحمام إلى أقصى خراسان والبين |
وتلك بسامرا مواطنهم غدت | يبابا مغانيها لوحش الفلا وطن |
فآكامها للعفر والعصم موثل | وللبوم والغربان آطامها وكن |
تخطى إليهم في معاقل عزهم | رسول بأشخاص النفوس له الأذن |
فذا هادم اللذات لا تنسى ذكره | وإلا تكن من لا يقام له وزن |
منغص شهوات الأنام فكم به | قد انطرفت عين وسكت به أذن |
فلا يأمن الدنيا امرؤ فهي أيم | وفي البيض سن أنيابها السم مكتن |
وما هي إلا لجة فلتكن بها | لك الباقيات الصالحات هي السفن |
فقصر فما طول الدعاء بنافع | معاشر لا تصغي لداع ولا تدنو |
تعودت السوءى وما المرء تاركا | عوائده حتى يواريه الدفن |
فكم عظة مرت ولم ننتفع بها | وفي وعظ من لا يرعوي تخرس اللسن |
ومن لم يرعه لبه وحياؤه | فليس بموروع وإن علت ألسن |
ولله في بعض العباد عناية | فجانبه هين لصاحبه لين |
صروف الليالي لا تكدر وده | ولا جوده يوما يكدره من |
حميد السجايا لا يشاكس قومه | ولا هو للساعي إليه بهم أذن |
أخو كرم يولي الجميل صديقه | وفي نفسه أن الصديق له المن |
لعمر أبي والناس شتى طباعهم | فمنهن زين والكثير لهم شين |
ومن عجب فرخا نقاب إلى أب | وأم وفي الأخلاق بينهما بون |
وكم من بعيد وده لك صادق | قريب ودان وده شاحط مين |
ورب أخ أولاك دهرا صفاءه | فطابت به نفس وقرت به عين |
جرى طلقا حتى إذا قيل سابق | تداركه عرق وليس به أين |
فبات على رغم المكارم والعلى | يغض على الأقذاء من عينه جفن |
ويزعم أن السيل قد بلغ الزبى | لذاك وإن قد ثل من عرشه ركن |
فيا نائيا والرحل منه قريبة | وذا شرف في القوم أخلاقه خشن |
أمثل شقيق المرء يسلى أخاؤه | لك الخير لولا رغبة النفس والضن |
ومثل عميد القوم ينسى ظهيره | على المجد وهو الناقد الجهبذ القرن |
ويجهل معسى من اغذ مهاجرا | إلى بلد في جوه العلم واليمن |
وأشرف دار جنة الخلد صحنها الـ | ـمقدس والفردوس ما ضمه الصحن |
ضريح ثوى فيه الوصي وآدم | ضجيع له والشيخ نوح له ضمن |
وثم ضريح للشهيد بكربلاء | ثراه شفاه للورى وله أمن |
ومشهد موسى والجواد محمد | تنال به الحاجات والنائل الهتن |
وللسادة الهادين في سر من رأى | معاهد يستسقى بمن حلها المزن |
حضائر قدس جارها في كرامة | من الله ترعاه العناية والصون |
أقام بها والصبر ملء أهابه | يقدمه فن ويعلو به فن |
ألست ترى يا ابن الأكارم إن ما | يزينك بين القوم فهو لنا زين |
وقد كان لي لو شئت أفسح منزل | بلبنان يثرى بالعقار وما أقنو |
لدى معشر تعزى المرؤة والندى | إليهم فمن كعب بن مامة أو معن |
وإن ضام عاد جارهم غضبوا له | حفاظا وهبوا للنضال ولم يثنوا |
من القوم أخدان الوفا لذوي الولا | وحتف العدى إن قيل يوم الوغى أدنوا |
يخوضون تيار المنايا بأنفس | لديها مثار النقع إن غضبت هين |
فإن ضربوا قدوا وإن طعنوا أتوا | بفوهاء فيها يذهب الزيت والقطن |
ولكنني وجهت الأعسار والله واسع | غناه ولا الحرمان والله لي عون |
فيا علما يرجى لكل كريمة | وذا عزمة والوهم يثنيه والظن |
نشدتك انظر سفح لبنان راجيا | عطاء مليك كل يوم له شأن |
فكم من بيوت للعلى رفعت به | على العلم والأقوام كالعلم لم يجنوا |
له مورد عذب المذاقة سائغ | فمشربه للناس مزدحم لزن |
وبيتك بيت المجد والعلم والتقي | أحل به منك التهاون والوهن |
أما انبعثت من قلبك الشهم نخوة | إليه أما تهفو عليه أما تحنو |
على أهل ذاك البيت فليفدح الأسى | وينهل من عين العلى أدمع هتن |
كرام إلى غير المكارم ما ثنوا | يدا وإلى غير الفضائل ما حنوا |
سقى الله أرواحا لهم زانها التقى | فراحت وفي أعلى الجنان لها عدن |
دار الفناء ودار الظاعنين أما | تراع منها بشدات وصولات |
إن لم تبكر على رهط بغاراتها | كرت على حيهم ليلا بغارات |
أحلام نوم وظل من يلوذ به | ضل الهدى وهوى منها بمهواة |
فراقبوا الله في سر وفي علن | وأكثروا الذكر في جهر وإخفات |
وخالطوا الناس بالمعروف واعتمدوا | ما جاء في الدين من حس المدارة |
كونوا يدا في طلاب العز واحدة | وفي الخطوب جميعا غير إشتات |
وقد نصحت لكم يا قوم فالتسموا | حسن الصفا ودعوا سوء الملآحاة |
وصية الله والهادين بالغة | صلوا ولا تقطعوا حبل القرابات |
وكم نبي كريم قام في ملاء | يدعوا لترك التباغي والمماراة |
تالله ما جان فقد العز من ملأ | إلا وبالخلف سيموا أو الخصومات |
وكم تفرق شمل من ذوي شرف | بالبغي منهم تمادى والمناواة |
فأصلحوا ما استطعتم ذات بينكم | وذاك في الدين من أسنى المقامات |
لا تشتكوا الدهر في بؤس ألم به | ولا بنيه تساموا بالجهالات |
فالناس كالناس مذ كانوا على نسق | والدهر كالدهر أياما وليلات |
والناس أبناء أم للغني وللـ | ـمقل هم أبدا أبناء علات |
والعيش نعمى وبؤسى بالجدود وما | نيل الثراء بألباب وآلات |
كم عالم ماهر ضاق الفضاء به | لما يكابد من ضر وشدات |
يمسي ويصبح لا يلقي المعين على | ما ناب من علل أو من خصاصات |
وكم جهول أفين الرأي أقبلت الد | نيا عليه وجادت بالعطيات |
فاستقدروا الله خيرا ضارعين لما | يقضي تنالو غدا حسن المجازاة |
فما نفوس الورى إلا الأمانة في الد | نيا ولابد من رد الأمانات |
نبغي الأمان لها في أرض مسبعة | أو داره في مثار النقع مفعاة |
إن الزمان الذي نرجو مودته | يأتي على الحي منا والجمادات |
يأتي على الحجر القاس من الجبل الرا | سي ويسلمه يوما لنحات |
وقد ظننت بكم خيرا على ثقة | وكان عهدي بظني ذا إصابات |
فحققوا الظن مني مقبلين على الـ | ـإصلاح والجد في نبل الكمالات |
فالقوم أنتم وإن كنتم ذوي شرف | فلن تنال العلى إلا بمرقات |
ولا يفوتكم نصحي ولا عظتي | ما ضل سار بمصباح ومشكاة |
أما علمتم وخير القول أصدقه | أن النجاة بنيات صحيحات |
وإن أقمتم على ما كان من شطط | فأنتم القوم في جهل وغرات |
وما علي وإن كنتم ذوي رحمي | في هجركم إن جهرتم بالعداوات |
وأنت يا أيها الشهم الجواد فكن | جواد صدق وسبق في المهمات |
رح غير إلى الخيرات مبتهجا | بها وبكر مغذا في المبرات |
وعد على الرحم الداني إليك وجد | على المقلين من أهل الديانات |
وسر إلى المجد والعلياء سير فتى | ماضي العزيمة طلاع الثنيات |
ونزه النفس من غل شان به | فالمجد ينمو بأصلاح الطويات |
أعن أخاك أخا الإيمان محتسبا | يكن لك الله عونا في الملمات |
وصل هديت ذوي الأرحام ملتمسا | رضى الإله وإحراز المثوبات |
واحذر قطيعة ما الرحمن شق له | من اسمه الاسم وانظر في العنايات |
أعاذك الله يوما من قطيعتها | فهي الكبيرة من إحدى الكبيرات |
خطيئة تورث الجاني النكال غدا | وفي الحياة رداء للمذمات |
ورب نبل على بعد رماك به | من العراق بنيل ذو مقالات |
ذاك الجواد ولكن لا يجود على الـ | ـقربى وسيف ولكن غير تبات |
أين الشهامة من أبناء بجدتها | أين المروة من أهل المروات |
كيف التجافي عن الأرحام في بلد | ما فيه من ذي يسار من مواساة |
يحنو الغريب عليهم وابن عمهم الـ | ـأدنى إليهم من الدنيا بمثرات |
صرفته عنك الأعراق تنزع الـ | ـقريب كيف بأعراق وشيجات |
أبنت عذرك والأحرار تدفع عن | أحسابها عيب قيل وقالات |
فهذب النفس والأخلاق منتحيا | ما يرتضى من سجيات وعادات |
واحذر وقيت معاداة الرجال فكم | لاقى العزيز هوانا بالمعاداة |
وصن جليسك وانظر ما تفوه به | فيما تحدث عن ماض وعن آني |
ودع إعادة ما حدثت في ملاء | فالطبع منهم معاد للمعادات |
ولا تحدث بما تسري الظنون إلى | تكذيبه من أفانين الحكايات |
لا تحتقر أو تعب من حطه قدر | وإن تنزهت عن عاب ومزارة |
لاتنو كبرا ولا عجبا ولا حسدا | ثلاثة هن أسناخ الضلالات |
فإنما أنت من بيت دعائمه | على الثرى وذراه في السموات |
أعظم به بيت مجد قد علا شرفا | بين الإمامة حقا والنبوات |
وأنت أولى بأن تجرى على سنن الـ | ـآباء من سادة غر وقادات |
بنوا لنا المجد قدما والعلى وبنوا | لنا منازل في الأخرى عليات |
فكان حقا علينا أن نواصلهم | بالصالحات وإدخال المسرات |
محافظين على ذاك البنا كرما | مشيدين ذرى تلك البنيات |
وما نعي الضيم أن يغشى القريب وإن | أساء يوما حبوناه بمرضاة |
تلك المزايا اللتي يسمو الفتى شرفا | بها ويأوي إلى حور وجنات |
محضتك النصح يا بن الأكرمين ولي | شوق إليك ومن لي بالملاقاة |
سرحتها لك إشفاقا عليك من الد | نيا وما حم فيها من مزلات |
ويح ابن آدم كم فيها أتيح له | من نائبات وآفات وعاهات |
هذا وما أنا من نفسي على ثقة | أستغفر الله من ذنبي وزلاتي |
وكيف أدخلها في الصالحين وما | سلكت منهاجهم في كل حالاتي |
لو كنت أخشى معادي حق خشيته | أفنيت في طاعة الرحمن آناتي |
لكن نفسي لداعي الغي طيعة | وإن دعى الرشد كانت في الأبيات |
يا ويح نفسي كم شانت بغرتها | دهرا محاسن أيامي وساعاتي |
أضعت مني نفيس العمر وأأسفي | عليه في غير مرضاة ومنحاة |
وآها لنفس براها الله واحدة | والهم منتشر منها لغايات |
لا تنتهي ولأمر ما يراد بها | حتى يلم بها داعي المنيات |
يا غفلة المرء في دنياه يطمع أن | يصطادها وهو منها في حبالات |
وخيبة المرء في أخراه ظل بما | يهواه عنها وأمسى في غيابات |
سعى ضلالا وعين الموت تنظره | شزرا على شرف منه مرباة |
هيهات ليست بناج من حبائلها | سوى نجيب يرى العقبى بمرآة |
يقضي النهار سرورا في عبادته | والليل يحيى بلوعات وعولات |
والهفتاه تقضى العمر منصرما | عني وحان بأن أدعى لميقاتي |
وما استفقت إلى أن أقام يهتف بي | نذير هام آمالي ولذاتي |
هناك أسبلت الأجفان عبرتها | ندامة ما أذيلت في مناجاة |
لكن رجائي من المولى الأمان إذا | ما جئت والنفس في رعب وروعات |
يوما تعاظمت البلوى به وغدت | فيه القلوب هباء مستطيرات |
مستشفعا برسول الله والنبأ الـ | ـعظيم والعترة والأطهار ساداتي |
يا رب وامنن على العبد الضعيف بما | ينجيه في الحشر من سخط ومخزاة |
تلك الهناة جرت قدما علي بها | نكباء ريح التصابي والصابات |
يا رب إن عظمت تلك الذنوب فقد | علمت إنك غفار العظيمات |
فكم تجاوزت يا رب العلى كرما | عن مذنب مستحق للعقوبات |
آل الرسالة يا رب الوسيلة لي | إليك في حط أوزاري وزلاتي |
وأرسل إلى بني عمه أيضا بعد وفاة ابن عمه أيضا ومنهم السيد جواد وكان أرسل إليه كتابا وهي كسابقتها مواعظ وحكم وآداب وحث على الاتفاق:
إذا ما الهاشمي جرى مغذا | إلى الحسنى قفل ذاك الجواد |
وفي الأمثال جاء على سواء | إلى أعراقها تجري الجياد |
فكن فيما يزينك من صنيع الـ | ـجميل نسيج وحدك يا جواد |
فأنت المحض من قوم إليهم | طريف المجد يغزى والتلاد |
بني شيخ الأباطح من قريش | ومن هو في أخاشبها العماد |
وأنت سلالة الهادين فيهم | بهم وبجدهم عرف الرشاد |
ومن كرم كتاب منك وافي | كماء المزن مازجه شهاد |
ولكن جاء يا إنسان عيني | بما فيه لناظرها السهاد |
شكاة من ذوي رحم قريب | تذوب لها الحشاشة أو تكاد |
عجبت لمثلكم وله قد يحم الـ | ـعلى والمجد والبيت المشاد |
ينافس بعضكم بعضا على ما | يشان به وغايته النفاذ |
أفي عرض من الدنيا يسير | يطول الهجر منكم والبعاد |
أليس فساد ذات البين خطبا | له في الدين والدنيا فساد |
وتلك قطيعة الأرحام نار | بدار القاطعين لها اتقاد |
بلاء ليس يعد له بلاء | تجاف في اوقارب واحتقاد |
فهلا ذا التنافس كان منكم | بما لعلائكم فيه ازدياد |
تقى ونزاهة وعفاف نفس | وجد في المعارف واجتهاد |
فذاك ومثله المنظور فيكم | وذاك هو الذي منكم يراد |
فكونوا في الحياة يدا وبانوا | وأكبر همكم فيها المعاد |
إلى كم يا بني السادات يأتي | لسمعي ما به منكم سداد |
وكم يهدي لعيني من لدنكم | قذى يقصى كراما أو قتاد |
عليكم ما اسطعتم باكتساب المـ | ـكارم فهو عز مستفاد |
ومأثور المكارم باجتناب المـ | ـحارم أنه لكم عتاد |
فدونكم النصيحة من بعيد | بها تحدو القرابة والوداد |
وتلك وصية الآباء فيكم | قديما وهي عدل واقتصاد |
وتذكرة لكم فيها اعتبار | وتبصرة لكم منها رشاد |
ولا تدعوا مثال السوء يهدى | إليكم وهو شعر مستجاد |
لقد أسمعت لو ناديت حيا | ولكن ما نفخت به رماد |
أعيذك والقريب إليك مما | يشين بمن له دان العباد |
آله الناس ذي النعم التي لا | تحد ومالها أبدا عداد |
خذوها من أخي ثقة بصير | بأعقاب الأمور له ارتياد |
لقد عرف الزمان وهذبته التـ | ـجارب والملمات الشداد |
يرى ما لا ترون وأن تقولوا | على غيب تغيرت البلاد |
صدقتم لكن الأحرار ما في | طبائعها التناكر والعناد |
ولكن دأبهم عطف وعفو | ولين في العشيرة وانقياد |
خلائقهم من الأبريز أنقى | وأبقى ما لها أبدا بواد |
فلا تذهب بكم أهواء قوم | طبائعهم هبآء أو رماد |
هم ركنوا إلى الدنيا وأما | عن الأخرى فقد مالوا وحادوا |
تكالبهم عليها كالذئاب الضـ | ـواري بينها غنم نقاد |
على أن الفتى فيها طريد الـ | ـمنايا ماله عنها حياد |
تخادعنا بباطلها ونصبوا | إليها وهي داهي نئآد |
نسر بعاجل منها كأن قد | مضى ونساء إذ عنا يحاد |
الفنا الآثم والعدوان حتى | كأنهما لنا طبع وعاد |
ومنكور نزوله ونلهو | عن الأخرى كأنا لا نعاد |
ومعروف نزايله كأن لم | تكن منه لنا الحسنى تفاد |
إلى كم لا تعي الآذان منا الـ | ـمواعظ أو يلين بها فؤاد |
يحق القول بعد الموت فينا | ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا |
ألفنا هذه الدنيا اغترارا | وجهلا أين شداد وعاد |
وأين أولئك الأفيال زاروا الـ | ـمقابر بعدما ملكوا وقادوا |
فكم عمروا وشادوا ثم صاروا | ترابا بعد ما عمروا وشادوا |
وما نحن بهات الدار إلا | كناس قبلنا كانوا فبادوا |
نقيم بها قليلا ثم نأوي | بيوتا سقفها صم صلاد |
يقال لها القبور يطول فيها الر | قاد ولا يلم بنا رقاد |
وما غير التراب لنا فراش | وما غير التراب بها وساد |
وأعظم منه يوم الحشر كل | يجاء به على هون يقاد |
إلى الملك الجليل وذاك يوم | يذوب لهوله الحجر الجماد |
فيحكم بينهم والعدل يوم الـ | ـحساب أشد ما يخشى العباد |
هتالك ليس ينجو غير عبد | أتى وله التقى والبرزاد |
ومن نظر الزمان بعين حر | له بصر صحيح وانتقاد |
رأى الدنيا كصاحبة فروك | وهل من فارك يرجى وداد |
فكونوا يا بني الأطهار قوما | كراما والتقى لهم سناد |
وحوطوا مجدكم بالدين يثبت | بناه ويستقيم لكم العماد |
وقائلة لذي شرف تجنى | عليه قومه وهو الجواد |
لنعم فتى العشيرة أنت ذخر | لها وعليك في الجلى اعتماد |
ونعم الفرع فرعك في بلاد | تزان بدوحة تلك البلاد |
فقال لها وفي الأحشاء وجد | له فيها انعكسا وأطراد |
سنيات المكارم باحتمال الـ | ـمكاره والمغارم يا سعاد |
سليم القلب في دنياه ناج | وإن سلقته السنة حداد |
وحسب المرء لؤما أن يقول الـ | ـورى هو قاطع رحما جماد |
على هذا استدم والحر مأوى الـ | ـعشيرة من حشاشته السواد |
تجد ما دونه في الذب عنك الصـ | ـفاح البيض والسر الصعاد |
وبادر بالندى حيث استقلت | صداها أن أريق لها مزاد |
وإن أرض نبت بالحر منهم | يكن في جانبيك له مهاد |
ولا تحفل بما يأتيك عنهم | وإن نقص العدي فيه وزادوا |
عسى الأيام ترجعكم وفاقا | وللقربى إلى الحسنى معاد |
وها أنا سائل ربي لكم ما | به الأسلاف قد سعدوا وسادوا |
بقيتم سالمين مدى الليالي | ولا أكدى لكم يوما زناد |
ودمتم باتفاق وائتلاف | ومن عون الإله لكم مداد |
وكتب إلى ابن عمه السيد محمد الأمين من العراق إلى جبل عامل يعاتبه:
سلامي على من لا يرد سلامي | وذي رحم لا تسبيح كلامي |
وزهر تحيات تزف لوامق | جرى حبه في مهجتي وعظامي |
وشوقي لمشغوف بغيري وعاتب | علي ورام صحتي بسقام |
وثابت عهدي ما حييت لدى فتى | شربت هواه بعد حين فطامي |
وخالص ودي لابن عم ومنعم | له في سواد القلب أي مقام |
وأبهى ثنائي المستطاب لماجد | كريم المساعي والفعال همام |
وأشجى حنيني مذ نأيت إلى أخ | عمادي من هذا الورى وعصامي |
ووجدي في مولى نسائي وشخصه | مقيم وإن شط المزار أمامي |
وفكري في ألف سلاني وذكره | أنيس لنفسي يقظتي ومنامي |
وعتبي على ذي نخوة بعد حفظه | ذمامي أراه قد ضاع ذمامي |
وشكواي من ذي غفلة بعد وصله | رماني من هجرانه بسهام |
وذي كرم دهرا نعمت ببره | جفاني حتى ما يرد سلامي |
على غير شيء غير قصر مودتي | عليه وإلقائي إليه زمامي |
لعمري لئن حللت هجر أخي صفا | وحرمت دهرا أوصل مضنى بكم ظامي |
فليس الذي حللته بمحلل | وليس الذي حرمته بحرام |
ولكن أخي طال البعاد فغيرت | علينا النوى منكم نفوس كرام |
وقاطعت لا عن جفوة وملالة | ولا بخل أني وجودك طامي |
ولو شئت وافت من سحابك مزنة | يروي نداه مربعي بسجام |
فلا زلت في برد السلامة رافلا | تقود لك الأيام كل مرام |
ودمت أخا جد سعيد وطالع | حميد ومجدلا يطاول سامي |
وله أيضا يعاتبه ويستعطفه:
ما كنت أعلم والحوادث جمة | أبدا بأن المستحيل يكون |
كلا ولا يوما حسبت بأن أرى | نفسي على مع الزمان تعين |
أو أنها قسرا تفت بأعضدي | وقناتها يوم اللقاء تلين |
حتى رأيت أبا الجواد على شفا | يمشي وللدهر الخئون شؤون |
متعسفا بالهجر لا عن علة | لكن أعاجيب الزمان فنون |
متوغلا في الصد لا يحنو ولا | يثنيه لوما ناصح وأمين |
يا أيها العلم الأشم ومن له | حلم كأمثال الجبال رصين |
أتراك معذورا ولا تمتد بالـ | ـمعروف منك لأقربيك يمين |
هيهات ذاك أبا الجود فلا يمل | بك للقطيعة كاشح وضنين |
ودع الجفا لذوي القساوة والجفا | وأعد فإنك بالجميل قمين |
للماء يمضي من يغص فما ترى | في شارق بالماء وهو معين |
واحذر مقال المرجفين فإنه | بهت لعمرك منهم وظنون |
وكأنهم وجدوه عندك رابحا | فسما بذلك مقرف وهجين |
فدع الجفاء وعد إلى ذاك الصفا | وعلى الوصال من الزمان عيون |
وأسلم ودم في ظل عيش ناعم | جمعت لك الدنيا به والدين |
وقال يخاطب علي بك الأسعد أمير جبل عامل ويرثي أميرها المتوفى حمد البيك:
أعاملة حيتك عني ديمة | لبست بها برد الربيع مفوفا |
ولا زال معتل النسيم مؤرجا | لديك بأنفاس الخزامى والطفا |
ولا برح الإقبال فيك مخيما | بيمن فتى أندى من الغيث موكفا |
سمي أمير المؤمنين ومن به | أقيك عماد الدين من بعد ما عفا |
علي المعالي ذو الفصاحة والندى | فتى جوده ما غب يوما وأخلفا |
حميد المزايا ماجد وابن ماجد | حليم تناهى عفة وتعطفا |
أغر المساعي سيد وابن سيد | كريم تسامى عزة وتأنفا |
مروج سوق العلم مكرم أهله | وحارسهم أن جائر الدهر أعسفا |
همام يرد الفيلق اللجب ناكسا | إذا سل بتارا وهز مثقفا |
شجاع إذا ماكر أبصرت ضيغما | له لبد شاكي السلاح مقذفا |
ومقدام حرب يوصل الرمح بالخطا | وحيا إذا المران منه تقصفا |
وأروع طلاع الثنايا بعزمة | أحد من العضب اليماني وأرهفا |
وأبلج وضاح الجبين رقى العلى | أغر عتيقا لا هجينا ومقرفا |
فمن كان ذا مجد طريف فمجده | تليد به مستطرف المجد أردفا |
ومن بات من فرط الغرام سميره | من البيض مغسول الشمائل أهيفا |
فإن عليا لا يزال مسامرا | من البيض صمصاما إذا الليل أسدفا |
ومن مات مشغوف الفؤاد بربرب | من السمر مياد القوام مهفهفا |
فإن علي الشأن ذا البأس والندى | غد بهوى السمر الذوابل أشغفا |
من العرب العرباء ما في طباعهم | ترى جفوة أو غلظة أو تعجرفا |
ولكنهم شم العرانين سادة | يرون الندى والبشر فرضا موظفا |
من القوم إن عدت مفاخر وائل | مفاخرهم كانت أجل وأعرفا |
هم القوم كل القوم بأسا ونائلا | وحلما وآدابا غنى وتعففا |
هم آل نصار اللذين سيوفهم | بنت لهم مجدا على النجم مشرفا |
أولئك أتباع النبي وخلص الـ | ـوصي وأركان الذي بهما أقنفا |
وشيعة أهل البيت حقا كما أتى | به النص عن مولى به الكون شرفا |
فذاك هو الفضل المبين لدى الملا | كفاهم به فخرا على غيرهم كفى |
لعمركم أني لمستعر الحشا | فلا تعذلوني لو قضيت تأسفا |
على غارة للدهى شعواء شنها | على وائل فاجتاح فيها وأجحفا |
عشية وافاها بما يصدع الصفا | على حنق فاختار من شاء واصطفى |
وآب رفي كلتا يديه غنيمة | بها فجع الحيين بكرا وخنذفا |
لئن بز قبل اليوم سحبان منهم | فسحبان بز اليوم في الحلم أحنفا |
وليث يلف الجحفل المجر بعضه | ببعض إذا ما استل في الحرب مرهفا |
وغيثا يباري الغيث هطال جوده | وغوثا إذا ما الخطب راع وخوفا |
مضى واحد الدنيا وماجد أهلها | فقولوا على الدنيا إذا بعده العفا |
مضى حمد المحمود نائل كفه | فيا قاصدي جدواه ويحكما أكففا |
مضى حمد المحمود في كل وجهة | فقولوا لصنويه الندى والعلى قفا |
قضى حمد المحمود في موقف الوغى | فلا تحمدوا للشوس من بعد موقفا |
قضى نحبه فود النهي حمد الثنا | فقولوا على شجو لأعينكم كفا |
قضى نحبه والدمع أن جف منهما | فمن خالص الأحشاء دمعهما أنزفا |
وبدر له بدر الكمال طحابه | خسوف وما كان الزمان ليخسفا |
لأن خر ذاك البدر عن فلك العلى | فكم بالعلى أولى قبيلا وأطرفا |
ورب عقاب قد أظل جواد | وأسد الثرى للوجه تهوي وللقفا |
وكم حكم أبدى وكم من مسامع | بأقراط مكنون البلاغة شنفا |
ويا رب لد في الخصومة عندهم | أفانين شتى لن تحد وتوصفا |
جلا ابن جلا من ثاقب الفكر صارما | صقيلا برى ما قدموه وزيفا |
عليك سلام الله من مترحل | تركت أخاك المجد بعدك مدنفا |
وخلفت في لبنان أية حسرة | عليك مدى الأيام لن تتخلفا |
فكم من يد أسديتها متفضلا | وكم كرب نفستها متعطفا |
وزارك من فيض الإله مجلل | من العطف والرضوان حيا فأوكفا |
وحييت قبرا ساميا بجواره | لقبر وصي الطهر موسى تشرفا |
ولا برحت تهدى إليك صلاتها | طوائف لا تنفك حولك عكفا |
وكتب إلى ابن عمه السيد محمد الأمين السالف الذكر من العراق إلى جبل عامل:
قل للأحبة إن حللت ديارهم | خلفت أي فتى محب في النجف |
مضنى الحشاشة في هواكم شفة الـ | ـشوق الشديد إلى لقاكم واللهف |
وبراه طول النأي عنكم فاغتدى | رهن الحوادث في العراق أخا دنف |
وأقصد رعاك الله سيدهم وقل | أزكى السلام عليك يا مولى الشرف |
من مخلص محض الولا لك قلبه | وعلى علاك ثناؤه الأسنى وقف |
وأخ يحن إلى لقاك فؤاده | وإلى زمان في جوارك قد سلف |
حيث الشبيبة غضة والشمل مجـ | ـتمع وكل بالمسرة ملتحف |
نمسي وأخوان الصفا سمر لنا | جذلا ونغدو باجتماع قد ألف |
عيش به ذا الدهر جاد وموسم | أنس به عدل الزمان وما اعتسف |
سقيا لذاك السفح كم نلنا المنى | فيه وطرف الدهر عنا منطرف |
في معشر ما منهم إلا أخو | حسب صميم بالسماحة قد وصف |
قبضوا الأكف عن القبيح تكرما | عما يشين وبالندى بسطوا الأكف |
من آل أحمد خيرة الله التي | أوحى لها وبمدحها ملآ الصحف |
حسب لو أن الشمس تكحل عينها | بسناه يوما لم تغب أو تنكسف |
وكتب من العراق إلى بني عمه فيجبل عامل يعظمهم بالوفاق ويوصيهم بالوفاق ومحاسن الأخلاق:
ألا ساعد أبا الشجو ذا الشجو وأنزحا | له العين حزنا أودعا اللوم وأنزحا |
وكونا كفافا لا عليه ولا له | كفاه الذي أضنى حشاه ولوحا |
حليف جوى ما شاقه ساكن اللوى | ولا اعتاده نزع لآرام توضحا |
أخو زفرة ما هاجه ذكر منزل | محا رسمه مر العواصف فانمحا |
خليلي أن الشيب لاح بطيب | إذا ما ذويلأ غصن الشباب وصوحا |
خليلي أن العمر ولى وأقبلت | خطوب من الأخرى تفاقمن ردحا |
خليلي أيام الحياة قصيرة | وما أطول الآمال فيها وأفسحا |
خليلي ما الدنيا حليلة ذي حجى | فلا تركنا يوما إليها وتجنحا |
يود الفتى طول السلامة جاهلا | ويأمل فيها أن يسر ويفرحا |
بغي متى راقت بعين خذينها | فلا بد يوما أن تصد وتطمحا |
وكم قد أبان الدهر من غدر صاحب | وما أجهل الإنسان فيه وأوقحا |
نشدتكما أن تقصيا نظريكما | إلى من مضى من أهله وتصفحا |
فأين أنوشروان كسرى وقيصر | وخاقان صاح الدهر فيهم وطوحا |
وأين الآلى شادوا الحصون تمنعا | وقادوا الهجان البزل والجود قرحا |
أصات بهم ريب الزمان فأصبحوا | رمائم لم يعرف لها الناس مطرحا |
لدى حفر من شدة الضيق لم تصب | لها العين إلا ما وقى الله مسرحا |
وكم مترف نشوان قد طاب ليله | تدور صباحا للزمان به الرحى |
ورب امرء جذلان راق صبوحه | بجاراته أودى فأمسين نوحا |
فيهوي بعاد منه قسرا كما هوى | بعاد ويدحو مجدليه كمادحا |
على حين لا مال يفيد ومعشر | ولا عذر يلفى أو شفيع فينتحي |
هنالك لا يجني الفتى غير ما أتى | من الخير في دار الفناء وأصلحا |
ويا رب يوم للظلوم مبرح | يريه السهى من شدة الهول في الضحى |
وإن جاوزته في الحياة عقوبة | يكن خطبه يوم التغابن أفدحا |
أقول لمصروف عن الرأي بالهوى | وذي سكرة من خمرة الجهل ما صحا |
لمن تجمع الدنيا وأنت بها على | شفا جرف والشيب بالموت لوحا |
أفق وانتبه للموت فالموت مشرف | عليك مطل مصبحا ومروحا |
وشيبني قبل المشيب مخاتل | من الدهر إن لم يمس بالشر صبحا |
وتشييعنا في كل يوم أخا لنا | إلى منزل أدنى إلينا وانزحا |
وزهدني في هذه الدار أنني | أرى وجهها قفرا من الألف صحصحا |
وأوحشني فيها افتقادي معاشرا | ميامين أطيابا أوداء نصحا |
فلست أبالي مرت الطير بعدهم | سوانح أم مرت بي الطير برحا |
على مثل أولاك الأحبة فلتفض | شآبيب دمع العدين وليلح من لحا |
فأقسمت أن لا أمنح الود بعدهم | فتى لا يرى بالود أسخى وأمنحا |
يسامحني إن زلت النعل بالهوى | وإن زل الفاني أعف وأسمحا |
وأصفح عنه إن جنى عافيا وإن | جنيت عليه كان أعفى وأصفحا |
خليلي لم يوف الأخاء حقوقه | سوى من تردى بالعلا وتوشحا |
ولم يقض حق الأقرباء سوى فتى | أغر جرى في حلبة المجد أصبحا |
يروح ويغدو في لباس من التقى | وماء الحيا من وجنتيه ترشحا |
خليلي من لم يحتمل عبأ قومه | مني وهو مذموم بأشجى وأبرحا |
وأي فؤاده لا يرق على جوى | ذوي رحم لا عاش إلا مقرحا |
ومن يهن القربى ويقطع وشيجها | فلا عاش محبوا ولا عاش مفلحا |
خليلي من يحم حوزة قومه | بجد نحاه من شبا الذم مانحا |
ومن لا يبادر آسيا جرح قومه | رواحا سرى حتما إلى نفسه ضحى |
خليلي أن الخلف في الأهل حاصب | متى هب كان الموت أهنا وأروحا |
ويا رب مجد راسخ في قبيلة | أصيب بتشتيت الهوى فتزحزحا |
وابرح شجو أن يرى الحر قومه | قياما على ساق التشاجر كشحا |
ودار لهم قامت على العلم والنهي | محا الدهر من آثارها البيض ما محا |
خليلي كفا فاللسان موكل | على القوم أما أن يذم ويمدحا |
وقد طفحت أشياء عنكم بني العلا | لهابات كل من ذوي الدين مترحا |
خليلي ما للقوم مثل عميدهم | عمادا إذا ما الدهر بالشر صرحا |
وإن العقيد الشهم يحمل رهطه | جفاه لأمر ما أهم وأرجحا |
وحسبهم أن جار أبقي بقية | لواشجة القربى وبات مقرحا |
وترجعه يوما إليهم أواصر | كرمن وأحلام تكاملن رجحا |
خليلي جدا في الوفاق وهذبا | نفوسكما ما يغيظ ونقحا |
فمن يستطب يوما هوى النفس قاده | ذلولا إلى أخزى معاب وأفضحا |
خليلي هبا للكمال وشمرا | لمطلبه ساقا من المجد تفلحا |
هبا إنه ما في الكمال مثوبة | أليس الثنا للحر مغزي ومنتحي |
وهل يستوي عند الأنام مذمم | وآخر فيما نال أضحي ممدحا |
ولم أر مثل العلم حلية ماجد | ولا متجرا منه أجل وأربحا |
حقيق على ذي اللب أن يهجر الكرى | ويرتكب الأخطار فيه مبرحا |
ويبري له الكوم الحقاق وحسبه | نجاح إذا وافت مهازيل رزحا |
ومن يتكل في المجد يوما على أب | وجد أتى يوم المفاخر مقحما |
وشتان ما بين العظامي في العلا | وبين عصامي جد فرجحا |
ومن يتسم يوم العلا بهما معا | يكن شأوه في المجد أعلى وأفسحا |
ولا تحفلا في الرزق فالله واسع | ولا تنصبا في نيله وتروحا |
إذا كان رزق المرء قسما فما له | أبى الدهر ألا أن يشح ويكدحا |
ورب جهول بحسب المال مفخرا | له فتسامى في الغنى وتبججا |
وليس الغنى إلا غنى زين بالتقى | وللجار والقربى أعد ورشحا |
فدونكموها من أديب نصيحة | لقد فاز حقا من رعاها وأفلحا |
على أن للنفس الصحيحة ناصحا | بليغا لها أبدى الرشاد فأفصحا |
وكتب إلى ابن عمه السالف الذكر من العراق إلى جبل عامل يتشوق إليه ويمدحه ويستبشر بما بلغه من عزمه على زيارة العراق ويعتذر إليه من عتاب بلغه عنه وكتب معها بما صورته: هذه القصيدة انتزعناها من قصيدة لنا طوحت عنا منذ حين وقد كانت شاذة عنا وحين وقفنا عليه الآن جلوناها ورفعناها لسيدنا دام ظله وكبت ضده فإن فازت منه بالرضا والقبول فذاك غاية القصد ومنتهى المأمول وإلا فذاك لعدم سعادة طالعها ولذا قد مكثت في زوايا الخمول ضالة عن منشدها نحوا من سبع سنين وما هي أول من شرق بالماء المعين وأدام الله سيدنا كعبة للوافدين وعلما لهذا الدين آمين:
وما هي إلا إن جرت بفارقنا | يد الدهر حتى قيل من هو كاظم |
يذكرنا بعد الفراق عهوده | وتلك عهود قد بلين رمائم |
ورام على شحط الديار ودادنا | وأخلاصنا يا بعد ما هو رائم |
بلى وأبي لكن ودي ثابت | لكم أبدا ما قام لله قائم |
تبيد الليالي وهو في القلب راسخ | وتفنى زوالاز وهو في النفس دائم |
فلو أن قلبي مال عنكم لغيركم | لما انقطعت وجدا عليه الحيازم |
ولو حدثتني النفس يوما بهجركم | لسلت عليها من هواكم صوارم |
أبى الله إلا الصفا لكم وأن | نأت عنكم بي يعملات سواهم |
وصرت كما شاء القضاء لبلدة | منازلها منكم خوال طواسم |
فأصبحت فيها والحوادث جمة | بعيدا عن الأحباب والقلب هائم |
وحيدا بها مالي أخ أشتكي له | همومي ومالي في سروري منادم |
أقضى نهاري لاهيا بحديثكم | وأمسي وليلي همه متراكم |
أخو فكر أرعى النجوم كأنني | عليها رقيب قام والخلق نائم |
إذا مرت الأرواح بي من بلادكم | نواسم شاقتني الرياح النواسم |
وأن ذكرت نفسي الزمان الذي مضى | بأكنافها فاضت لدمعي غمائم |
إذ ذكرت تلك الليالي بسفحة | وقد جمعتنا للسرور مواسم |
عراني وجدي والتهابي كأنني | لما بي سليم عاودته أراقم |
فسقيا له عصرا بلغنا به المنى | وغصن التصابي والشبيبة ناعم |
وسقيا له عهدا نعمنا بظله | زمانا وثغر الدهر بالأنس باسم |
فيا حبذا تلك البلاد وحبذا | أماجدها الغر الكرام الضيارم |
أولئك أرباب النهي وذوو التقى | ومن لهم تنمى العلى والمكارم |
لهم فوق مجد الناس مجدان منهما | طريف ومجد تالد متقادم |
على أن فيهم مفخرا لو توسمت | به الشمس لم تحجب سناها الغمائم |
بفرد الحجا بحر الندى علم الهدى | عظيم نمته للمعالي أعاظم |
جواد فما كعب بن مامة مدركا | مداه ولا الفياض في الجدب حاتم |
محمد البر الأمين ومن به | أقيم عماد للهدى ودعائم |
ومولاهم الندي الهمام إذا انبرت | خطوب ونابت في الزمان عظائم |
فتى لم تمل فيه لزيغ هداية | ولم يثنه يوما عن الحق لائم |
أبر سليم النفس من كل أحنة | كما طبعه الزاكي من السوء سالم |
بعيد المدى داني الجني ذو أنابة | على أنه ماضي العزيمة حازم |
وأروع طلاع الثنايا سما به | لأقصى العلا حقا قصى وهاشم |
وأبيض وضاح الجبين حملنه | عقائل من عليا قريش كرائم |
فطورا تعليه لطاها عواتك | سمون به عزا وطورا فواطم |
فيا أيها المولى الكريم ومن له | علي أياد لا تعد جسائم |
وخير فتى أولى الجميل ابن عمه | على البعد والأيام سود سواجم |
وأكرم به شهما شآى ذروة العلى | له بيت مجد ليس سود مزاحم |
إلى كم أقاسي لوعة البين جلمدا | وأكتم وجدا في الحشا يتضارم |
على حين أودى الصبر مني والأسى | وبرح جسمي عبء ما أنا كاتم |
وهون ما بي من جوى وصبابة | بشائر جاءت من لدنك كرائم |
تخبرنا والبعد قد طال بيننا | بأنك بالإقبال واليمن قادم |
فأنعم بها من نعمة وبشارة | بها حييت منا العظام الرمائم |
ولكن أتاني والحوادث جمة | عتاب براني خطبة المتفاقم |
وروعت الأحشاء منه ملامة | ظللت لها حيران والقلب واجم |
وأنشدت في أثنائه متمثلا | بشعر كعقد الدر جلاه ناظم |
(تحمل عظيم الذنب ممن تحبه | وإن كنت مظلوما فقل أنا ظالم) |
(فأنك أن لم تغفر الذنب في الهوى | يفتك من الذي تهوى وأنفك راغم) |
وهذا لعمري في الغرابة غاية | فيا ليت شعري هل به أنت جازم |
لك الخير لا ذهب بعيد أفما أنا | وأن طال نأبي حيث ما أنت واهم |
ولا تحسبن الدهر مولاي أنني | لمحكم ود شدته لك هادم |
ولا أنا آت ما يسوءك طائعا | ولا مكرها ما قام لله قائم |
ولا واجدي عما يسرك وانيا | وأن كاد فيه أن تضيق الغلاصم |
وهبني ذا ذنب فأني لقائل | وأني على ما كان مني لنادم |
فأقسم لو راجعت نفسك ناظرا | وأنصفني منها شهيد وحاكم |
لشاهدت لي عتبا عليك بحمله | إليك تنوء اليعملات الرواسم |
أحقا بأن أشكو لك الدهر مفصحا | فتغضي وقلبي مولع بك هائم |
وأعاك مشتاقا فتبطي وما أنا | إلى غير برق من سمائك شائم |
فتوردني ظما وبحرك زاخر | وتمطرني طلا وغيثك ساجم |
بعيشك ترضى أن أروح وللعلى | على حقوق لا تقضى لوازم |
فما العتب يا مولاي والحال هذه | لديك وما تلك الطروس اللوائم |
فأني على هذا الملام لقائل | مقالة من أضناه بالعتب لائم |
(تجني علي الذنب والذنب ذنبه | ولح بعتبي وهو بالعتب ظالم) |
(إذا برح المولى بخدمة عبده | تجنى عليه الذنب والله عالم) |
ولكن رجائي أن تلك ملاحة | وميل لنهج تنتحيه الأكارم |
وما لكتاب في الهوى من طلاوة | إذا لم يكن عتب به وتخاصم |
فدمت لنا غيثا مريعا وعيلما | من الجود ينحوه غني وغارم |
ولا زلت بدرا في سما الفخر نيرا | به تزدهي تلك الربى والمعالم |
وله يعاتب ابن عمه السالف الذكر عن جفائه له:
أيها السيد الهمام رويدا | لا تكن مسرفا بهجر ابن عمك |
فورب السماء والأرض ماهمـ | ـك أمر الأوبات بهمك |
وإذا ما جرى حديث كرام الـ | ـقوم يوما تراه من غر قومك |
فعلام الصدود والحال هذي | من نداك ما صح وحلمك |
فقل الفصل واقصد العدل وأنا | قد رضينا أبا الجواد بحكمك |
فلأنت المصيب من كل أمر | نحره دائما بثاقب فهمك |
ولأنت الوصول في القرب والبعـ | ـد وفي العسر واليسار لرحمك |
مخلصا تبتغي بذلك وجه الـ | ـلله لا زال فائضا سيب يمك |
وإذا راعهم ملم زمان | كشفته عنهم صوارم غرسك |
فجزاك الإله خيرا وأبقا | ك ثمالا أبا الجواد لقومك |
وله يخاطب ابن عمه المذكور ويشكو إليه حاله ويعاتبه:
إليك تذل النفس وهي عزيزة | فتفصح بالشكوى وتعلن بالنجوى |
فأحسن إليها ما استطعت أخا الوفا | فليست تذل النفس إلا لمن تهوى |
ولا تحوجنها أن تبوح بسرها | إلى من يكن يسوى ومن لم يكن يسوى |
فتضحي ملوما قارعا سن نادم | على ما مضى من غاية للثنا قصوى |
ولم يحظ بالحسنى سوى ذي عزيمة | على كل معروف يحض على الجدوى |
ولا تحمد المقبى لغير موكل | بحاجات من لا يعرف البث والشكوى |
عطوف على العاصي رؤوف بمن دنا | صفوح عن الجاني مكب على التقوى |
كذا فليكن أهل السيادة والنهى | وإلا فقل ربع السيادة قد أقوى |
وفي مثل هاتيك الخلائق فليهم | أخو الحلم لا في حب بثنة أو أروى |
وله:
لمولى العصر نشكو جور دهر | سقانا ريبه مر المذاق |
أشن الغارة الشعواء فينا | ففرق جمعنا أي افتراق |
بأحداث له تسطو بأمضى | من الخطار والبيض الرقاق |
تناهبنا كتائيه إلا في | سبيل الله منها ما نلاقي |
أرى الدنيا تجاذبنا نفوسا | نفيسات تردد في التراقي |
تدير كؤوسها صرفا علينا | فنجرعها أمر من الزعاق |
أجل هي غادة حسناء لكن | لماها السم لا يرقى براق |
تحددنا بها حنقا علينا | فتنهشنا به نهش العراق |
تواصل من تشاء ولم تصلنا | فراقا أو أقل من الفراق |
إذا عاتبتها عن ذاك يوما | أجابت وهي عني بانطلاق |
ألا لا تنكروا عنكم صدودي | ووصلي من سواكم واعتناقي |
علي الطر والدكم رماني | بهجران على فرط اشتياقي |
وقال لا أغربي عني وغري | سواي فما أنا لك من وفاق |
وأنت طالق مني ثلاثا | ولات رجوع في هذا الطلاق |
وهام بضرتي شغفا وكم قد | تمنى رغبة فيها فراقي |
وقرب دار أبناها وأسقى | بني الحتف من يمناه ساقي |
لذاك رميتكم قدما بحرب | جرت فيها دماكم كالسواقي |
فلا يرجو امروء منكم وفاقي | فليس بنو علي من رفاقي |
وما انفكت تبرحنا وليست | ترق فليس دمع العين راقي |
ولكن هون الخطب احتسابي | لنفسي فانيا عنها بباقي |
وعلمي أن ذاك بعين من لا | يجور بحكمه العدل الوفاق |
إلهي بل إله الناس طرا | مليك الأرض والسبع الطباق |
غياثي في الحياة وبعد موتي | وعوني عند أخذي بالسياق |
فمالي غير عفوك من عداد | إذا ما أبت قسرا من أباقي |
وجاءوا بي لحضرته ثقيلا | من الأوزار مشدود الوثاق |
ويوما يجعل الولدان شيبا | يكون به إلى ربي مساقي |
وما غير حسن الظن شيء | به أرجو من النار انعتاقي |
وغير شفاعة الهادي رسول الـ | ـله من امتطى متن البراق |
كذاك شفاعة المولى أخيه | مبير الشرك طرا والنفاق |
قسيم النار والجنات ساقي الـ | ـمحب بكأسه العذب الدهاق |
ولي بشفاعة الزهراء أمن | إذا حوسبت يوما عن شقائي |
كذاك شفاعة السبطين ذخر | كفاني الهول من يوم التلاق |
وحبي التسعة الأطهار فيه إنـ | ـطلاق لي إذا أعيا انطلاقي |
أولئك أشرف الثقلين طرا | وأفضل من له فضل السباق |
هم حجج الإله بلا امتراء | وهم علل الوجود بلا اختلاق |
فمن والاهم جنات عدن | له فيها غدا أعلى المراقي |
ومن عاداهم أو شك فيهم | فليس له هنالك من خلاق |
أولئك سادتي ولهم ولائي | ومن ميمون أصلهم اشتقاقي |
لهم أخلصت في الأولى وأني | لدي الأخرى بهم أجوا لحاقي |
وحاشا أن يخيب بهم رجائي | وذكراهم صبوحي واغتباقي |
إلا يا آل أحمد من البهم | وأحمد لا لغيرهم متاقي |
رفعت لمجدكم عذراء ما أن | تروم سوى رضاكم من صداق |
فإن حظيت به سعدت وإلا | فشغلي الدمع تحفزه الأماقي |
سلام الله والصلوات تترى | عليكم مستديمات بواقي |
وقال رحمه الله تعالى في المواعظ ومدح النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته عليهم السلام:
لعمرك ما أعطيت نفسك حظها | من الحمد في الدنيا ولا الأجر في الأخرى |
ولكنك استرسلت طوع قيادها | فطاب لها فيما اشتهت ولك السرى |
ألست يجاريا ابن آدم طالبا | بلوغ مدى من دونه ينتهي المجرى |
وهل أنت يا مسكين إلا مسافر | فخيرا تزود حياتك لا شرا |
ترى الوفر ما أغمضت فيه وحزته | من المال للوارث بؤسا له وفرا |
بدار الفنا تبني المقاصير آملا | بها الخلد والبناء خطك القبرا |
بفيك الثرى ما عشت إنك ميت | ومرتحل عنها لدار البلى قسرا |
بل الباقيات الصالحات لذي الحجى | هي الوفر في العقبى وذكراك والأطرا |
أعد نظرا فيما خلقت لأجله | تجد بك عما قد لهوت به صبرا |
أمالك في تذكار من مات وازع | ألم تعطك الأيام عن نفسها خبرا |
أما لك من سوء الحساب مخافة | أما لك في حسن الثواب غدا بشرى |
كأنك لم تسمع بأخبار من مضى | ولم تر عقبى من بغى وعلا كبرا |
أما هادم اللذات منك بمرصد | أما راعك الأنذار بالبطشة الكبرى |
تأهب لذاك اليوم فالأمر ضيق | وما بعد ذاك اليوم من كرة أخرى |
نصحتك لو أصغيت لي متذكرا | وهل تنفع المغرور في دهره ذكرى |
لعمري لقد أبلغت نصحا وأنني | على ألسن لا أنفك محتقبا وزرا |
وإني وإن أوتيت علما وخبرة | لفي سكرة والناس أكثرهم سكرى |
ولكن رجاء بالكريم وعفوه | عظيم وإن لم أبتع النهي والأمرا |
بذاك مفارقي في معادي من لظى | وفي العدل والتوحيد احتسب الأجرا |
وحسبي حسن الظن بالله عدة | وحبي رسول الله والعترة الغرا |
هم الملأ الأعلى أمت إليهم | بآصرة القربى واستدفع الأصرا |
أئمة حق أشهد الله أنني | أرى حبهم دينا وبغضهم كفرا |
مهابط وحي الله خزان علمه | ونعمته العظمى وآيته الكبرى |
بحور ندى في جانب الله مدها | ومن أجلها قد أنشأ البر والبحرا |
حباها بغايات المغامر والعلى | ومن سره المكنون أودعها سرا |
فهذا هو الحق المبين أتى به الـ | ـكتاب وذي الأخبار جاءت به تترى |
ورب أناس أنكروه جهالة | كما أنكرت شمس الضحى مقلة جهر |
هم استنفذونا من شفا جرف الردى | ومنوا وكنا في حبال الردى أسرى |
ورب رجال نافسوهم سفاهة | كما نافست شوهاء كاعبة عذرا |
علقت بهم حبا فمهما ذكرتهم | نشجت وفاضت مقلتي لهم عبرى |
وشايعتهم في السر والجهر أبتغي | بذاك رضا من يعلم السر والجهرا |
نجوت بهم والحمد لله وحده | وفزت فيا ليتي استطعت لهم شكرا |
عليهم سلام الله ما مر ذكرهم | فأزرى بمعتل الصبا طيبه نشرا |
وقال وأرسلها إلى جبل عامل سنة 1301
يا صاحبي كن من الدنيا على وجل | وخالف النفس واحذر كاذب الأمل |
فما أرى هذه الدنيا وإن عطفت | سوى عدو بثوب الغدر مشتمل |
تنال منا وإن أبدت مسالمة | ما لم ينل بسيوف الهند والأسل |
والدهر خب يريك الصفو منطويا | على وطيس من الأضغان مشتعل |
وللزمان سهام لا تطيش عن الـ | ـفتى ولو أنه في دارة الحمل |
فالغر من لم يكن في طول مدته | حذار صرف الليالي دائم الوجل |
والحازم الشهم من لم يلف آونة | في غفلة من غواشي عيشه الخضل |
كم بين ساه لها عما يراد به | غدا وصاح تلافى فسحة الأجل |
فالعمر كالظل للإنسان حم له | وهل سمعت بظل غير منتقل |
يسعى الفتى لأمور ليس يدركها | والموت من خلفه يسعى على عجل |
ولا تسوف بفعل الخير ويحك فالتـ | ـسويف يغريك بالإهمال والكسل |
وجانب الناس والدنيا وكن رجلا | يخشى المعاد ويرجو صالح العمل |
لا ترج فيما عرا غير الكريم ولا | تكن على غيره يوما يمتكمل |
كيف النجاة وقد صرنا إلى زمن | جم المعاطب في سهل وفي جبل |
عاد على الناس لا يبقى على أحد | كالذئب عاث بشاء في الفلا ختل |
وعصر سوء قضى أن لا صفاء به | يوما لكل خليق بالكمال ملي |
قل للحفاظ به والصالحون ومن | يرجى لخطب جليل ناب أو جلل |
وبان أهل النهي والمكرمات فهل | لهم غير رسم لاح أو طلل |
من كل أبيض طلق الوجه منطلق الـ | ـيدين جوادا بلا وعد ولا مهل |
يكاد يسمح بالنفس النفيسة للـ | ـإخوان في الدين عند الحادث الجلل |
لا كالذي أن تسله حاجة عرضت | حباك من زخرف الأعذار العلل |
يرى الندى سرفا والبخل مكرمة | والخلف كيسا وصدق الوعد من خبل |
تباين النس كم عاص لخالقه | لا يختشي ومطيع خائف وجل |
نشكو إلى الله عصرا غاب صاحبه | فحم جورا علينا غير محتمل |
من كلى أورق مرهوب الفظاظة لا | يحنو على راهب لله مبتهل |
صهب السبال أخافوا كل سابلة | للدين والعلج منهم آمن السبل |
خزر العيون أماتوا الذكر واتخذوا الـ | ـقانون عنه بديلا ساء من بدل |
من معشر كحلت باللؤم أعينهم | وبالخنا وسموا والغدر والبخل |
قد عبدوا الحر والاسم عصمته | وأوردوه العنا علا على نهل |
أرح عبادك يا رباه من ملأ | هم بين وسنان أو سكران أو ثمل |
وعد علينا كما عودتنا كرما | بدولة الحق تمحو سائر الدول |
ضاق الخناق بنا عن جور طاغية | تذود واردنا حتى عن الوشل |
نعاتب الدهر فيهم كل آونة | والدهر عن عتب الأحرار في شغل |
تأبى سجاياه إلا الجور فاصطبح الـ | ـفجار واغتبقوا فيه على مهل |
يأتي بكل غريب من حوادثه | يوهي الصفا غير هياب ولا وجل |
وقد أعود على نفسي بتسلية | فيما نعانيه من أيامنا الفضل |
بأهل بيت الهدى كم كابدوا محنا | تزول هذي الرواسي وهي لم تزل |
وكم دماء لهم عند العدى هدر | يحول صبغ الليالي وهي لم تحل |
إني لأعجب والدنيا عجائبها | شتى من الزيغ في الآراء والملل |
لم يبصر الحق هذا الخلق أكثرهم | والحق بادي السنا للناظرين جلي |
لم ينظروا بصحيح الفكر بل نظروا | بفاسد من سقيم الفكر مختبل |
كلا ولا نظروا في الأمر آونة | إلا بعين لهم عشواء في حول |
وما نسيت فلا أنسى المقالة من | كبير قوم حكاها غير محتفل |
رأيتني يوم هاربا وأنا | أعدو من الخوف كالأروى على جبل |
يا ليت شعري أيخفى الحق نيره | أم بالبصيرة ما في العين من سبل |
قاسوا الذي لم يقس فضلا به أحد | ولم يقاس الذي قاساه من رجل |
أجاب دعوة خير المرسلين وما | فيهم سوى منتم للشرك منتحل |
فكان سيف رسول الله ناصره | وحاملا عنه ما يعنيه من ثقل |
يحوطه من قريش وهي حاشدة | عليه بالبيض والخيطة الذبل |
لم يأله النصح في سر وفي علن | ولم يغب عنه في حل ومرتحل |
ولم يزل باذلا لله مهجته | من دونه غير مذعور ولا وجل |
حتى إذا ما دعا الله الرسول إلى | ما قد أعد له من أفضل النزل |
جاشت عليه نفوس طالما طويت | على الضغائن والأحقاد والدغل |
فأصبحوا وهم في جور بادية | عريانة الدو من ظبي ومن وعل |
هيماء جانبها طير السما فرقا | تهوي بهم رسلا يهوي على رسل |
أبعد ما كان في بوم الغدير من الـ | ـأيصاء والتنزيل من علل |
هذا وعما بأهل البيت من الـ | ـخطب المبرح والبلوى فلا تسل |
وهل أتاك حديث من في فدك | يوهي القلوب ويجريها من المقل |
غداة أقبلت الزهراء تطلب ما | قضى لها الله من أرث ومن نحل |
آلية برة بالبيت الحرم الـ | ـشريف والقبر مثوى خاتم الرسل |
لقد تزلزلت السبع الطباق وما | على البسيطة من سهل ومن جبل |
غداة أجهشت الزهراء معلنة الـ | ـشكوى بدمع من الأحشاء منهمل |
ورب دمع لها من بعد ذاك جرى | على قتيل بأرض الطف منجدل |
هذي طريقتنا العدلي ومذهبنا السـ | ـوي ما فيه من أمت ومن ميل |
دين الإله وشرع المصطفى وهدى السـ | ـادات من آله بالعلم والعمل |
أولئك الثقل الثاني المترجم للـ | ـكتاب أعظم به في الدين من ثقل |
وهم أولوا الأمر إن قاموا وإن قعدوا | والشمس رأد الضحى كالشمس في الطفل |
تالله لو أن هذا الناس قد لحقوا | بهم لما ضل في الإسلام من رجل |
يا طالب الحق إن رمت النجاة فخذ | بالجد والصدق لا بالميمن والهزل |
وقد نصحتك فيما قلت محتسبا | فاسمع لقولي وأمر الله فامتثل |
خذها مغلغلة بالحق صادقة | فكن ضنينا بها ما عشت واحتفل |
غراء داعية لله راهبة | تصمي العدى لا كما يرمي بنو ثعل |
من هاشمي علا منهاج أسرته | آل الأمين على الأديان والملل |
صلى الآله عليهم والملائكة الـ | ـكرام والرسل في الأبكار والأصل |
وأرسل إلى ابن عمه السالف الذكر يمدحه ويتشوقه:
سلام كنشر العنبر المتضوع | على سيد سامي الفخار سميدع |
وأسنى حيات تروح وتغتدي | بأطيب من روح الصبا المتضوع |
إلى علم من آل أحمد شامخ | وعيلم فضل بالندا متدفع |
وأبهى ثناء كالرياض تفتحت | خمائلها عن صيب غير مقلع |
وخير دعاء بالقبول مواجه | من الله عن قلب بحبك مولع |
وشوق ملح لا يزال على النوى | يزيد التهابا في حشاي وأضلعي |
إليك أخا العلياء والسؤدد الذي | له من سماء العز أشرف موضع |
وأزكى جواد من ذؤابة هاشم | حوى قصبات السبق في كل مجمع |
فيا أيها الكهف الأظل ومن به | يكون أمان الخائف المتروع |
متى ينطوي ليل التنائي وينجلي | صباح التداني واللقا والتجمع |
وهل يعطفن الدهر يوما فاغتدي | وأنت أخي مني بمرأى ومسمعي |
فقد عيل يا بن العم عنك تصبري | وزاد اشتياقي واستطال توجعي |
عسى نلتقي يوما فأحيي بنظرة | إلى ماجد جم الوفا منك أروع |
وأحظى بمولى لا يزال تلفتي | إليه على طول النوى وتطلعي |
بقيت كما شاء المحب ممتعا | بعيش رغيد مدة الدهر مربع |
ولا زلت ماكر الجديدان رافعا | لوا الحق للسني والمتشيع |
ولا برحت يمناك في كل أزمة | تفيض بغيث من نوالك ممرع |
وأرسل إلى ابن عمه السالف الذكر مادحا له وشاكرا له على إحسانه:
جزيت أخا النعماء خيرا فإنه | أبى الله إلا أن يكون لك الفضل |
وصلت وقد طال الجفا منك مخلصا | أساء ومن ذا ى تزل به النعل |
وجدت لك الحسنى على ذي قرابة | أبي لديه غير جودك لا يحلو |
وسرحت بالمعروف معتذرا إلى | أخ عنك لا يسلوه مال ولا أهل |
وسقت إلينا البر والبر دونه | يغول المطى من دوه الوعر والسهل |
وأفضلت والإفضال فيك غزيرة | براك عليها الله مولاي من قبل |
وأحسنت والإحسان شأنك في الورى | وكسب العلى والحكم والعلم والبذل |
وأنعمت والإنعام منك على النوى | أحلك من أسنى المنازل ما يعلو |
وعدت إلى وصل الأحبة عاطفا | على حين ى عطف لحر ولا وصل |
فوافى ولم يتبعه من ولا أذى | جميلك مولانا على أنه جزل |
فكان كغيث باكر الحي بعدما | عدى عنه أزمانا فألوى به المحل |
بقيت بخير ناعم البال سالما | ويمناك للراجين نائلها وبل |
وكان كغيث باكر الحي بعدما | جفاه الحيا دهرا وصوحه المحل |
وأرسل إلى ابن عمه المذكور يمدحه ويشكو إليه الزمان ويتشوقه:
ألا قل لشهم بني هاشم | ووارث برد العلى عن علي |
لقد جرعتني صروف الزمان | شرابا أمر من الحنظل |
وكم طرقتني خطوب لها | كجلمود صخر هوى من عل |
فيا ليت شعري من موصلي | إليك ومن لي بالموصل |
فهل لي يا سعد من منزل | برحب حمى ذلك المنزل |
فتكتحل العين غب النوى | بطلعة ذاك الفتى المفضل |
محمد لا زال في نعمة | وعنه صرف الدهر في معزل |
وأرسل إليه أيضا يمدحه ويستعطفه ويشكو له الزمان ويعاتبه:
إلا أبلغا عني ابن عمي محمدا | سليل النبي المصطفى نير الظلم |
ونجل أمير المؤمنين الذي به | أقيم عماد الدين من بعد ما انهدم |
وفرع البتول الطهر فاطمة التي | لقد صانها الباري من الرجس واللمم |
الوكة ذي ود ورحم مسيسة | أخي ثقة في قيله غير متهم |
إذا أنت لم تسد الجميل موفرا | إلي كما تقضي المودة والرحم |
ولا منقذي من سورة المن والأذى | بأثر عطاء الباخلين من الأمم |
ولا آخذ من خطة الخسف في يدي | بعيد عن الأهلين في بلد أزم |
فأين إذا أحساب هاشم قوضت | وأين انطوت تلك الشهامة والشيم |
وأين أخو الأنف الحمي لقومه | وحامي ذمار الأهل إن حادث دهم |
وأين الحفاظ المحض والذب عن أخ | له ذمة موصولة منك أو ذمم |
ومن ذا الذي أدعوه غيرك مانعا | لضيمي وأنت المستضام متى أضم |
ومن ذا الذي أرجو سواك وأنت لي | أخ ماجد جم المكارم وابن عم |
ومن ذا الذي تثنى الخناصر باسمه | سواك إذا عد الحماة من الأمم |
ألست منار العز في كل بلدة | ومن فخره فيها كنار على علم |
ألست الفتى الفياض والرجل الذي | بكلتا يديه للندى عيلم خضم |
ألست الفتى السباق في كل غاية | بمضمارها يكبو الجواد إذا قدم |
يلي وأبي أنت المبرز والذي | إليه انتهى المجد المؤثل والكرم |
وأنت بحمد الله أعظم سيد | له الجود والمعروف والحزم والهمم |
وأنت الفتى الموفي على النجم رفعة | وأمضى امرء يدعى إذا رائع دهم |
وأنت امرؤ من عصبة قرشية | لجارهم بين السماكين معتصم |
كرام أباة الضيم بين جباههم | سمات المعالي في عرانينهم شمم |
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا | أجابوا وإن أعطوا أبروا على الديم |
نما بك منهم للعلى خير والد | مجيد له في كل أكرومة قدم |
فشابهته فضلا وفخرا وسؤددا | ونسكا ومن يشبه أباه فما ظلم |
وكم لك من طول على القرب والنوى | جسيم يباري الغيث والغيث منسجم |
وما زلت بكل كريمة | ومستصحبا للخير من باريء النسم |
ولكن حظي مولع بانعكاسه | ودهري بإبعاد الذي في يدي فعم |
لذاك وذا أصبحت عنك كما ترى | بعيدا ومن آلائك الغر مخترم |
فحسبي وداد منك عن كل فائت | وقربي بها لا أرتضي حمر النعم |
بقيت بقاء الدهر تسدي لأهله الـ | ـجميل ويسدي الله منه لك النعم |
ولا أنفك كل من بنيه موجها | إليك الندى بالرفع كالمفرد العلم |
وقال حين قدوم ابن عمه عمنا السيد عبد الله ابن السيد علي الأمين ويمدح ابن عمه السيد محمد الأمين السالف الذكر:
لعمري وإن أصبحت في دار غربة | بعيدا عن الأحباب والأهل والوطن |
فقد أنعم الباري علي بنعمة | أرى شكرها فرضا علي مدى الزمن |
بمقدم عبد الله ذي الفضل والنهي | علي وكم الله عندي من منن |
حميم به همي تجلى ووامق | به مقلتي قرت وطاب لها الوسن |
فنعم ابن عم سرني بقدومه | وأطفأ به من لاعج الشوق ما كمن |
وأتحفني الرحمن منه بمؤنس | يزول به همي إذا ليله دجن |
أخي ثقة ماضي العزيمة طيب الـ | ـسريرة مأمون الغوائل والأحن |
وذي رشد ما حاد يوما عن الهدى | ولا قارف الآثام في السر والعلن |
شددت به أزري على حين لا أخا | لدي مواس في الشدائد والمحن |
نجيب دعته نخوة هاشمية | لنيل العلى والحر يجري على السنن |
فلبي يجوب البيد يفري نحورها | بحرف تمتها اليعملات إلى شدن |
وما نفك يطوي في الهجير يبابها | فغورا على نجد وسهلا على حزن |
إلى أن أتى والحمد لله مشهدا | ثوى فيه خير الأوصياء أبو الحسن |
إمام هدى ما للمحب ذخيرة | سواه إذا ما الجسم أدرج في الكفن |
مواليه معروف الهداية مجتبى | وقاليه معروف الغواية ممتهن |
ووافى كما شاء المهيمن خاضعا | لروضة قدس من ألم بها أمن |
وعفر في أعتابها الغر جبهة | توسمت فيها الخير من سالف الزمن |
فبلغه الرحمن أقصى مرامه | وباعد عن ساحاته البث والحزن |
ولا انفك في خير عميم وصدره | وعاء لمأثور الفرائض والسنن |
ولا زال ممدودا به الظل من أبي الـ | ـجواد وموصولا به جوده الهتن |
محمد المفضال والجهبذ الذي | له الحسب الوضاح والخلق الحسن |
أخو نعم ما شابها المن والأذى | وذو همم ما شانها الضعف والوهن |
كريم نماه للمفاخر والعلا | أمين هدى من آل طاها ومؤتمن |
حليم حكى صخر بن قيس بحلمه | كما في الذكا حاكى أياسا أخا الفطن |
عظيم جليل اقدر لا متكبر | ولا هو جافي القلب في جانب خشن |
بعيد مناط الفخر يلتف برده | على ذي ثبات رابط الجأش مطمئن |
فمن تك أبكار الحمى سكنا له | فأن له أبكار غير العلى سكن |
ومن رام نيل المجد عفوا فإنه | أغذله والمكرمات له ثمن |
وقد علم الأقوام أن محله | غدا من قريش في الجباه وفي القنن |
قمين بأن تهدى له جمل الثنا | كما أنه في كل مكرمة قمن |
فيا أيها المولى الهمام ومن له | مفاخر أعيا نعتها المصقع اللسن |
حلفت برب الراقصات إلى منى | وما قد أقلت من فتى بالعلى فتن |
وبالبيت ذي الأستار والحجر والصفا | وما سيق في تلك المشاعر من بدن |
لئن كان جسمي عنك أصبح راحلا | فأن فؤادي عنك الدهر مرتهن |
وإن لم أفز بالقرب منك فأنما | يد الريح تجري لا بما تشتهي السفن |
تمازج قلبانا كأن قد تراضعا | معا بدم الأحشاء لا خالص اللبن |
فيا للنوى كم برحتني خطوبه | فليت النوى ما كان يوما ولم يكن |
وكم سامني وجدا يكاد أواره | يفرق بين الروح مني والبدن |
عسى نلتقي يوما فأحيا بنظرة | إلى طلعة تجلو الغياهب والدجن |
وأحظى بقرب من أخ ذي حفيظة | يزول عن العاني به الكرب والشجن |
وخير ابن عم مخلص لي وداده | ومعروفه عند الإقامة والظعن |
وما راق شخصي بعد طرفك منظر | وما طاب مذ فارقت مغناك لي عطن |
كما أنني أسكنت قبلا حشاشتي | هواه فما عنها نوى الظعن مذ قطن |
فأنعم به من سيد ذي سماحة | لنعمى سواه القلب ما مال أو ركن |
وكيف ونعماه هي الروض في الربى | تضوع ونعمى الغير خضراء في دمن |
تولى كفافي حيث لا ذو كفاية | بمحتمل ما للمكارم من مؤن |
فصان كما يهوي عن الضيم ساحتي | وإن لم يصنها السيد المجتبى فمن |
كفاه آله العرش كل ملمة | من الدهر ما غنى هزار على فتن |
وأسعفه الباري بأسنى عناية | يكون بها في النشأتين له أمن |
ودام لنا غيثا يفيض سحابة | علينا حضورا أو غيابا عن الوطن |
ولا أنفك في برد من العيش ناعم | وطالعه الميمون بالسعد مقترن |
وله مراسلا ابن عمه السالف الذكر ويمدح أهل البيت عليهم السلام:
يا غافلا عن جوابي وهو يعلم ما | عندي له من هوى في القلب مكنون |
وذاهلا عن وصالي وهو يعلم ما | أنا عليه وأن لو شاء يغنيني |
لا ألفينك بعد الموت تندبني | شجوا وبالمدمع القاني تبكيني |
معددا لمزايا أنت تعلمها | لذي أخاء ورحم منك مأمون |
يمسي ويصبح لا ينساك خاطره | من الدعا لك في الدنيا وفي الدين |
حيث الملائك لا تنفك عاكفة | مواصلين دعا الداعي بتأمين |
رياض قدس آله العرش قدرها | لمعشر قبل إيجاد وتكوين |
براهم الله من أنواره وبرى | باقي البرية من ماء ومن طين |
أولاك آل رسول الله أفضل مأ | مون على الوحي بالتبليغ مأذون |
ففي الغري ضريح للوصي علي | علا الضراح بمولى فيه مدفون |
أعني عليا أمير المؤمنين ومن | له المواقف في بدر وصفين |
وفي الطفوف ضريح للحسين سما الـ | ـأفلاك قدرا بكنز فيه مخزون |
وفيه للآل مثوي والصحابة يا | لهفي لمثوى بآل الله مشحون |
أسد الشرى هم وأعلام الورى ولهم | غر المفاخر من بكر ومن عون |
أما جد لا يحل الضيم ساحتهم | ولا يجلون ساح الضيم من هون |
غر غدوا غدوة لله فاعتنقوا | بيض الصفاح اعتناق الحور والعين |
حموا بحمر القنا والبيض ساحتهم | حتى قضوا بين مذبوح ومطعون |
وأذكر ضريحين في بغداد قد جمعا | علما وحلما وجودا غير ممنون |
بكاظم الغيظ موسى والجواد هما | غوث وغيث لملهوف ومسكين |
ومرقدين بسامرا وقد ضمنا | علامتي كل مفروض ومسنون |
هادي الأنام علي وابنه الحسن الز | كي قدوة أهل الفضل والدين |
وروضة من رياض القدس كان لها | مغيث خير الورى الباقي إلى حين |
إمامنا القائم المهدي ذو الشرف الـ | ـسامي الدعام بأحكام وتمكين |
وله مراسلا ابن عمه المقدم الذكر:
أهدي السلام المستطاب لسيد | وأخ كريم وابن عم منعم |
وأبثه شوقا ينوء بحمله | لبنان عاملة وطود يلملم |
وإليه لا لسواه أشكو صده | عني بلا سبب له متقدم |
أبدا سوى الرحم المسيسة والأخا | والصفو والود الأكيد المحكم |
ولو أنني عوقبت فيما قد جنى | غيري لقلت إذا ولم أتلعثم |
غيري جني وأنا المعاقب فيكم | فكأنني سبابة المتندم |
هيهات ذاك أبا الجواد فلا تخض | طول المدى بمفاضة لم تعلم |
حاشاك يا رأس العشيرة أن ترى | عونا علي مع الزمان المكدم |
أن تنسى هاتيك العهود فإن في | تذكارها للقلب أي تضرم |
أو تسل تلك القادة النجباء أهـ | ـل الفضل والشرف المنيع الأقدم |
سرعان ما غابت شموسهم عن الد | نيا وغاضوا عيلما عن عيلم |
ظعنوا على رغم العلى من بعدها | قادوا الورى زمنا لنهج قيم |
وقد مضوا عني لطيتهم وما | وطؤا مجاز دنية أو مأثم |
أسفي على تلك البدور تغيب في | حفر ويا لهفي لتلك الأنجم |
قد كان ليولكم لديهم موسم | وقد انقضى سقيا له من موسم |
وكذلك الدنيا متى تحسن تسيء | وإذا أساءت مرة لم تندم |
أبها أهيم وقد أرى أزواجها | صرعى تهاوى لليدين وللفم |
عجبا لنا نصبوا لباطلها ولا | تنفك ترمينا برزق الأسهم |
ما راح قوم جو غدوا إلا لهم | حاد إلى الأحداث غير مهوم |
بعدا لها مهما يعش فيها الفتى | وينل فغايته للحد مظلم |
فاصنع وأحسن مثلما قد أحسن الـ | ـبار إليك تفز تفز بأسنى المغنم |
واخفض جناحك تسم واصفح تقترب | واقنع تفز بالعز وارحم ترحم |
واصبر على الدهر جاء به تنل | بالصبر منزلة الأعز الأكرم |
فاجعل به اللهم لي نيل المنى | بلقاء خير مبجل ومعظم |
ذاك الجواد أبو الجواد أخو الجوا | د الندب أمن الخائف المستعصم |
لا زال موفور الجلال مقدما | أبدا أمام مبرز ومقدم |
وله يعظ بني عمه في جبل عامل وأرسلها إليهم من العراق سنة 1298 بعد وفاة ابن عمه السيد محمد الأمين
يا من يعز علينا أن نعاتبه | فيما يعنيه من دنيا ومن دين |
ناشدتك الله لا تركن إلى أحد | من العدى أو لرأي منك مأفون |
بادر إلى الخير وأشكر من دعاك له | واعلم بأنك فيه غير مغبون |
وجانب الشر واحذر أن تبوء به | واعلم أن الليالي كالمناجين |
وخالف النفس وأزجرها إذا طمحت | بذكر هادم لذات السلاطين |
فالنفس أمارة بالسوء نازعة | إلى الخسيس من الأفعال والدون |
إني لأعجب من دنيا عجائبها | كثيرة وهي لا تنفي إلى حين |
من ابن آدم مختالا ومبتهجا | بنفسه وهو مسكين ابن مسكين |
ترتاد أفكاره الدنيا ويصرفها | عن الحساب وعن نصب الموازين |
إن عز من هذه الدنيا له غرض | عدا على نيله عدو السراحين |
تراه في رقدة عن دينه وعلى الد | نيا فيقظان خب ذو أفانين |
وراغب آثر الدنيا وزينتها | يود لو أنه فيها كقارون |
ما أعظم الأمر والإنسان في شغل | بما يعوق من الدنيا عن الدين |
يقتاده الموت قسرا ثم يسلمه | لصاحب معه في القبر مقرون |
وفي القيامة يؤتى للحساب به | وللعذاب قرينا للشياطين |
أما درى ويحه أن الحمام له | طوق الحمام وبين الكاف والنون |
وشان أحساب قوم أنهم زهدوا | في الصالحات وهم من آل ياسين |
وزادني عجبا خلف ألم بهم | ما زادهم غير تبكيت وتهجين |
أين الذين مضوا عنا لطيتهم | للمجد والدين كانوا كالأساطين |
من قومنا وذوي أرحامنا درجوا | أعظم بفضل لهم في الترب مدفون |
نالوا بما قدموه في الحياة لهم | مقام صدق وأجرا غير ممنون |
من هاشم وعلي خير من حملت | به السلاهب في بدر وصفين |
من دوحة المصطفى المختار كم لهم | في حلبة الفخر من بكر ومن عون |
كانوا نجوم سماء يستضاء بها | وسادة قادة شم العرانين |
طابوا وكانوا لجيد الدهر واسطة | زينت بدر على الأيام مكنون |
فابنوا ولا تهدموا مجدا بناه لكم | آباء صدق باتقان وتمكين |
إني أحذركم سوء التقاطع في | رزق من الله مقسوم ومضمون |
يسعى إليه الفتى حينا فيمنعه | وربما جاء عفوا في الأحايين |
جودوا وإن شحت الأيام وليكن السـ | ـرى على قدر بالقسط موزون |
صنائع العرف أيام الحياة لها | عرف الخزامى وأنفاس الرياحين |
تسدي الثناء جميلا للفتى وتقي | مصارع السوء علما غير تخمين |
فاستيقظوا للذي يبقى لكم وخذوا | في منهج كان للآباء مسنون |
وسارعوا في الذي يهدي الثناء وما | غدا يكون صداق الخرد العين |
سلوا المدائن من ذا شادها وبنى | بها الحصون بأحكام وتحصين |
وأين كسرى أنو شروان من عمر الـ | ـإيوان فيها عجيبا في الأواوين |
وسائلوا الشام عن سكانها وكفى | لكم بتبنين تذكيرا وهونين |
حصنان بالسفح من لبنان شادهما | من عهد موسى بنو الدنيا وهارون |
كم فيهما حل جبار له خطر | ينهى ويأمر في تلك الدواوين |
أودى وغيب في ملحوده وغدا | طعم العقارب فيها والثعابين |
كلاهما لو نضرتم نصب أعينكم | وكم خلا من حصون الروم والصين |
وأصلحوا ما استطعتم ذات بينكم | لله بالعفو والإشفاق واللين |
ودونكم عظة تشفي الظنا وبها | فكاك معتقل بالذنب مرهون |
ودام لي ولكم فيما ندين به | رضى من الله والغر الميامين |
وقال وأرسلها إلى ابن عمه السيد محمود سنة 1291.
إذا ما الفتى نال الغنى ثم لم ينل | به الحمد في الدنيا ولا الأجر في الأخرى |
فذاك سخيف الرجي غير موفق | به بطن هذي الأرض من ظهرها أحرى |
وأشقى الغنى من فاته اوجر والثنا | معا وانتحى في عيشة البؤس والفقرا |
فدع عنك من غرته دنياه واغتنم | بأفعالك الحسنى المثوبة والأجرا |
وباليمن والتوفيق سر متوكلا | على الله محمودا ومنه لك البشرى |
وفوض إلى الرحمن أمرك أنه | لا كرم من يولي الرغائب والبرا |
وعرج أزكى المشاهد إنها | لا علام قدس شرفت وعلت قدرا |
ولا سيما قبر الحسين فقف به | وقل والحشى يغلو قفانك من ذكرى |
قتيل بكت عين السما له دما | وأجفان سكان السماء دما أجرى |
وأبكى رسول الله والطهر حيدرا | وأجرى دماء عين فاطمة الزهرا |
معالم يفنى الدهر وهي خوالد | تجلى بها سبل الهدى للورى جهرا |
أولئك خير الناس والذكر شاهد | على ذاك والأخبار جاءت به تترى |
وقال معاتبا ابن عمه السيد محمد الأمين:
ألا أيها الآبي الذي سما | عاوا إلى أوج الفخار الممنع |
رأيت من الأمر العجاب قضية | إذا نفلت يوما إلى كل مسمع |
وعودك لم تخلف وفعلك لم يزغ | وحزت جميل الذكر في كل مجمع |
وعهدي بعزم منك لم يخب زنده | فكيف خبا عني ولم فات مطمعي |
وما كان إلا الصدق والود والوفا | فما أوجب التغيير في ذلك معي |
أترضى وهذا الدهر عبدك إنني | أروح وأغدو في فؤاد مروع |
وله:
حلفت برب الواقفين عشية | لدى عرفات من ثنى وأحاد |
وبالبيت ذي الأستار طاف به الملا | فمن عاكف في جانبيه وبادي |
وبالحرم السامي الشريف الذي به | ثوى خير مبعوث وأكرم هادي |
لقد كان في طوق الوصي يد على | ذياد الأعادي عنه أي ذياد |
وإيرادهم لج المنايا وإن عتوا | بسمر طوال أو بيض حداد |
وقد كان مقدورا له أن يسومهم | نكال ثمود لو يشاد وعاد |
ولكنه راعى بهم عهد أحمد | فعف أبو السبطين عف جواد |
وأغضى على الأقذاء في الله صابرا | وزاد التقى والصبر أفضل زاد |
أمولاي أما منهجي فهو حبكم | وحبكم منهاج كل رشاد |
وقلبي لكم دامي الحشا ولغيركم | فؤادي أضحى مثل كل فؤاد |
وإني لأرزاء عليكم ترادفت | لكالها ثم المقصى بكل مراد |
كأني الأقي حين أذكرها الذي | يلاقي سليم الحي يوم عداد |
وقوله:
نصحتك إن رمت النجاء فلا تكن | لآثار أهل العجل قبلك مقتصا |
وخذ نهج أهل البيت واعلق بحبهم | تفز وتثبت ما حصا ودهم محصا |
فسل هل أتى آثروا بطعامهم | وباتوا ثلاثا لم ينالوا بها قرصا |
مراثيه
ممن رثاه السيد إبراهيم الطباطبائي في قصيدة مرت في ترجمة السيد إبراهيم وقال السيد جعفر الحلي يرثيه ويعزي عنه السيد محمد والسيد علي ابنا المرحوم السيد محمود الأمين.
يا عين أن تغير العيون فغوري | واسق البطاح بدمعك المهمور |
فلقد فجعت بنور آل محمد | والعين يفجعها افتقاد النور |
عصفت على الشرع الشريف ملمة | نسفت قواعد بيته المعمور |
بكر النعي إلى الغري فراعنا | بل راع جانب حيدر ببكور |
فترى الأنام لهول ما قد قاله | من عاثر رعبا ومن مذعور |
فكأن إسرافيل بكر معلما | وكأنما قد حان نفخ الصور |
حلت بهاشم نكبة لو أنها | بثبير لانثلت عروش ثبير |
قاد الحمام أميرها الصعب الذي | مذ كان ما انقادت لحكم أمير |
وتخاذلت عنه ولا من ذابل | يثني ولا من صارم مشهور |
وغدت تميل من الكآبة أرؤسا | لم تعط إلا نفثة المصدور |
يا آل هاشم الذين سيوفهم | لم تثن إلا عن دم مهدور |
نسر المنية كيف انشب ظفره | فيكم فأقلع دامي الأظفور |
يا غلب غالب قد عذرتك فانثني | ما دفعك المقدور بالمقدور |
حي لهاشم قد تداعى سوره | والحي مطمعة بدون السور |
كسر الزمان جناحها فتزعزعت | بنهوضها كتزعزع المكسور |
أودى أخو العز مات ناظم عقدها | فناحبت عن لؤلؤ منثور |
لو أن بنت طريف تفقد مثله | ما عاتبت شجرا على الخابور |
مما أصاب فؤادها من محرق | يبقى نضير الدوح غير نضير |
وترى قلوص الزائرين بحبه | تفري حشا البيدا لخير مزور |
لم يلثم المحزون ترب جنابه | إلا وبدل حزنه بسرور |
وتمت طلعته الدجى لكنه | يحييه بالتهليل والتكبير |
لكن هذا الدهر خافر ذمة | لم يره إلا بوار الدور |
أردى بنيك وغالهم بعميدهم | من كان عز لوائها المنشور |
فلأعتبن على حماك وتربه | كم قد حوى من عالم تحرير |
أفدي الذي بلغ العلا في مجده | وسمى السها في علمه الإكسير |
ذا ميت نشرته كف محمد | طوبي له من ميت منشور |
يهني المكارم أن في آفاقها | قمرين قد خلقا بغير نظير |
فمحمد وعلي من أكفائها | خلقا لها وكلاهما من نور |
الراقيان إلى العلي حتى لقد | نفذا حجابها المستور |
عبرا على نهر المجرة رفعة | وتخطيا شعري السما بعبور |
يا سادة أمن الأنام بحبهم | في القبر صوله منكر ونكير |
أنا في الخطايا موقر لكن أرى | حبي لكم ضربا من التكفير |
يشفي لديغ الجهل بين بيوتكم | برقى التعلم لا رقى المسحور |
فلتقبلوها من لساني قالة | تبدي لكم عذري من التقصير |
إن لم أجد بنظامها فمصابكم | بقيت به الشعرا بغير شعور |
وقال السيد جواد مرتضى العاملي يرثيه:
ونازلة في الدين جل نزولها | يزعزع ريعان الجبال حلولها |
وتوقر أسماع الأنام برنة | يطبق ظهر الخافقين صليلها |
مصاب كسا الإسلام أثواب ذلة | تجر على ربع المعالي ذيولها |
لقد قذيت عيني وأبصار معشري | بنازلة بالكرخ جل نزولها |
على فاطمي راح يلتف برده | على ذات قدس ليس يلفى مثيلها |
على كاظم فلتذرف العين دمعها | بأعوال ثكلى ليس يطفى غليلها |
وحزن يزيد القلب شجوا ولوعة | إذا حداة الركب جد رحيلها |
أسرح طرفي بعد فقدك في الورى | فأبصر قوما طائشات عقولها |
وإن قناة الدين كانت قويمة | بكفك لا يقوى لها من يميلها |
جميع خلال الخير فيك تجمعت | فما خلة إلا وأنت خليلها |
وإن نزلت في الناس يوما ملمة | فإنك أن تعيى الورى لمزيلها |
وإن جل رزء فيك عند نزوله | فما موضع الأرزاء إلا جليلها |
فقدناك زهوا والسيوف كثيرة | ولكنما خير السيوف صقيلها |
إذا قارعتك النائبات فللنها | فواعجبا كيف اعتراك فلولها |
أفدت الورى علما وعقلا فأصبحت | وقد ذهبت لما قضين عقولها |
فبعدا لدهر ما وفى لابن نجدة | ولا جانيته النائبات نصولها |
به عثر الدهر الخؤون فلم يقل | وكم عثرة للدهر كان يقيلها |
سرى سيرة الآباء في كل منهج | وتتبع أثر الضاريات شبولها |
ربوع المعالي أقفرت بعد فقده | وأضحت يبابا دارسات طلولها |
وظلت يتامى الناس بعد ابن أحمد | تردد طرفا لا يرى من يعولها |
وهاتفة ناحت على فقد الفها | كما بنت دوح طال منها هديلها |
أو النيب حنت حيث ظلت بفقرة | ترود الموامي غاب عنها فصيلها |
شجتني بصوت يشعب القلب والحشى | إذا ما علاها الليل زاد عويلها |
لقد فجعت عليا معد بواحد | ولو أنه يفدى فداه قبيلها |
إذا طاولته بالفخار عصابة | أو الحسب الوضاح فهو يطولها |
أو العلم أكدى طالبيه فلم تفز | بشيء غداة السبق فهو ينيلها |
سحابة مزن يبعث الريف درها | إذا السنة الشهباء عم محولها |
منار هدى بل كنز علم ونائل | وما حكمة إلا لديه مقيلها |
فصبرا بني المجد المنيف فأنتم | فروع سمت مستحكمات أصولها |
ففيكم بحمد الله أعظم سلوة | إذا نوب الأيام جل نزولها |
محمد ذو الشأن الرفيع وصنوه | علي المزايا المزهرات جميلها |
ورهط المعالي الغر أبناء هاشم | شموس بدت لا يعتريها أفولها |
سبقتم بمضمار العلى كل سابق | إلى غاية أعياد الأنام وصولها |
وقيتم صروف النائبات ولم تزل | إليكم بني الأيام يأؤي نزيلها |
وحيى الحيار مسا حوى جسم كاظم | بدائمة التسكاب باق همولها |
وقال الفقير مؤلف هذا الكتاب يرثيه أيضا لما ورد نعيه إلى جبل عامل:
دهانا الردى من صرفه بالعظائم | وما من صروفه الدهر حي بسالم |
فحتى متى للطالبيين صارم | تفل الليالي غربه أثر صارم |
ثوى اليوم من أبناء غالب أغلب | وجب سنام المجد من آل هاشم |
وأردى الردى منهم على الرغم ضيغما | سرى الخوف منا في قلوب الضياغم |
لئن انشبت فيه المنية ظفرها | وأنيابها فالموت ضربة لازم |
وراءك عني داعي الصبر والأسى | فقد عز كظم الغيظ من بعد كاظم |
مضى كمضي الغيث أبيض ماجدا | مآثره يثني بها في المواسم |
رقي من ذرى المجد المؤثل موتقى | بعيد المدى لا ير تقي بالسلالم |
وغذي البان الفضائل راضعا | ونيطت عليه قبل شد النمائم |
تورثها عن خير جد والد | أديلت إليهم عن جدود أكارم |
تزود تقوى الله ما كان زاده | سواها وتقوى الله خير الغنائم |
إلى الله أشكو غصة عند ذكره | تردد ما بين اللهى والحيازم |
أناديه لا تبعد ومن لي بقربه | وقد حل بطن الأرض بين الرمائم |
وأدعو إلا فأسلم وليس بنافعي | دعائي إلا فأسلم وليس بسالم |
لنبك له بيض المآثر ولها | وتندبه أبكار العلى والمكارم |
سأنثر دمعي دره وعقيقه | عليه كفيض العارض المتراكم |
وانشر في الآفاق فيه مرائيا | تجاوب بالألحان ورق الحمائم |
تسير بها الركبان في كل مهمة=وتحدو بها فوق الركاب الرواسم
تناثرت الشهب النجوم مثيرة | بأن الأسى قد عم في كل عالم |
فكانت كأمثال الفرش تلاعبت | به الريح أو كالصاديات الحوائم |
تهاوت سراعا مذ درت أن بدرها | سيهوي فسدت أفقها بالتزاحم |
فويح الثرى كم ضم بدر هداية | وكم غيض فيه من بحور خضارم |
إلا كل حي ما سوى الله هالك | وليس سوى الرحمن شيء بدائم |
ولا بد للأقوام أن ترد الردى | ولو عمرت عمر النسور القشاعم |
ويا رب يوم نلت فيه مسرة | من الدهر إذ كان الزمن مسالمي |
مضى لم يعد حتى توهمت أنه | خيال سرى في النوم أو هم واهم |
فيا لاهيا في ظلمة الجهل سادرا | ينام وليس الموت عنه بنائم |
إلى كم تطيع النفس في شهواتها | وتكسبها من موبقات الجرائم |
وتغتر بالدنيا وأنت مفارق | لها عن قريب قارع سن نادم |
فإياك والدنيا وحسن ابتسامها | فما هو إلا كابتسام الضراغم |
ولا تغتر إن ما يلن لك مسها | فما لينها إلا كلين الأراقم |
وحاذر إذا أحلولي بها لك مطعم | فما حلوها إلا كمر العلاقم |
منى ينجلي ليل الخطوب عن الورى | ببدر هدى في الناس بالحق قاتم |
أبا راكبا زيافة شدنية | تسابق الأرقال مر النسائم |
مضمرة لم تنهل الماء صافيا | نميرا ولم تطعم لذيذ المطاعم |
تثير الحصى في جريها وتطيره | وتختم جلمود الصفا بالمناسم |
تبوع أديم المقفرات بجريها | وتذرع أجواز الفلا بالقوائم |
ترجل إذا جئت الغريين واحتبس | ركابك في ساحات تلك المعالم |
وقف لائما حصباءها وترابها | ولا تخش في تقبيلها لوم لائم |
فثم مقام يحسد النجم تربه | وتدني له الأملاك أفواه لاثم |
وسلم على قبربه حل حيدر | وحي ضريحا ضم أعظم كاظم |
وإني لأستحيي من البحر أن أرى | لبقعته استسقيت صوب الغمائم |
وقال مؤلف الكتاب عفا الله عن جرائمه يرثيه أيضا:
محل بذات الطلح أقوت منازله | سقى عهده من صيب المزن هاطله |
وقفت به والدمع تهمي سجومه | لفرط الأسى والقلب تغلى مراجله |
أسائله والدمع يسبق منطقي | وفي القلب شغل من جوى البين شاغله |
وهل ينفع الولهان دارس منزل | محته الليالي لا يجاب مسائله |
وكدر فيه العيش من بعد صفوه | ومن ذا الذي في الدهر تصفو مناهله |
ودهر رماني في حبائل غدره | ولا تفلت الحر الكريم حبائله |
أفي كل يوم لي من البين لوعة | وفي كل يوم لي خليط أزايله |
تسيخ الجبال الشم مما أصابني | ويبهض رضوي بعض ما أنا حامله |
أبيت أراعي النجم والنجم ساهر | بليل بعيد الصبح سود غلائله |
وما سهد الأجفان مني صبابة | ولا رسم دار باللوى خف آهله |
ولكنما سهدي لرزء هوت له | نجوم السما والمجد قد جب كاهله |
غداة رمت أيدي المنية أسهما | بها الدين عن عمد أصيبت مقاتله |
وغالب عميدا من ذؤابة هاشم | وما زال هذا الدهر جما غوائله |
كريما أشم الأنف يهتز للندى | كما اهتز في الرمح الرديني عامله |
تسرك في الشدات منه بسالة | ويرضيك منه خلقه وشمائله |
ثوى كاظم فالجود أقلع مزنه | وذلك روض الفضل جفت خمائله |
وعقد لجيد الدهر سلت نظامه الـ | ـمنايا وجيد الدهر حاليه عاطله |
لئن طوت الأيام في الترب جسمه | فما طويت آثاره وفضائله |
بنى بيت مجد يفتدي النجم دونه | وتؤوي اللهيف المستضام معاقله |
بفيك الثرى يا ناعيا واحد الورى | ألم تدر من تنعى وما أنت قائله |
وجاد على قبر تضمن جسمه | ملث الحيا ينهل بالعفو وأبله |
وللمترجم يرثي الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر:
مصابك أورى في فؤاد الهدى نارا | وفقدك أجرى مدمع الدين مدرارا |
ظعنت أبا عبد الحسين فلم يدع | نواك حشا إلا وأحج نارا |
هو العالم الحبر الذي شاع فضله | وسار مسير الشمس نجدا وأغوارا |
وأبيض وضاح الجبين على سوى | الفضائل والمعروف ما شد أزرارا |
لقد أوسع الأيام علما ونائلا | فأرشد أطوارا وأرفد أطوارا |
وساس أمور المسلمين فلم نجد | لعمرك ذا نهي سواه وأمارا |
وحسبك فضلا خالدا في جواهر الكلام | فكم أبدى من الحق أسرارا |
كتاب به فصل الخطاب وروضة | من العلم تزهو مدة الدهر أزهارا |
وإن لنا حسن العزاء بفتية | بدوا في سماء المجد شهبا وأقمارا |
بنيه الكرام الأنجبين ومن حووا | من العلم والعلياء عونا وإبكارا |
فذو المجد إبراهيم طال على السهى | وفاق الورى مجدا وجودا وإيثارا |
وفرد النهي عبد الحسين سميدع | حليف التقى بين الملا علمه سارا |
عليم توسمنا بجبهته الهدى | فآنسنا من طور سينائه نارا |
وسبطاه من قد أحرزا أجمل الثنا | هما أصبحا للحمد سمعا وأبصارا |
ولا زالت الأملاك تهبط بالرضا | على قبره ون حضرة القدس زوارا |
مؤلفاته
له عدة مجامع مشحونة بالفوائد هي عندي بخطه وله منتخب كشكول البهائي هو أيضا عندي بخطه.
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 459