التصنيفات

الخواجه رشيد الدين فضل الله الطيب الهمذاني وزير غازان خان وأخيه
الجايتو خربندا محمد خان المغولي
قتل سنة 718 ودفن في قلعة رشيدية في تبريز. في التاريخ المخطوط الفارسي الذي عندنا الذي ذهب أوله كما ذكرنا غير مرة ما تعريبه: إن غازان خان ابن أرغون خان ابن أبقا خان ابن هولاكو خان تولى الملك بعد بايدو خان في سلخ ذي الحجة سنة 694 واستوزر الخواجه جمال الدين الدستكرداني وقتله بعد شهرين. وفي المحرم سنة 696 استوزر الخواجه صدر الدين الخالدي الزنجاني وبعد مضي سنة ونصف السنة من وزارته في 21 رجب سنة 697 قتله مع أخيه قطب الدين واستوزر الخواجه رشيد الدين فضل الله الطبيب الهمذاني والخواجه سعد الدين الساذجي ولما توفي غازان في شوال سنة 703 وجلس بعده على تخت السلطنة في تبريز 5 ذي الحجة سنة 903 أخوه الجايتو خان خربندا محمد بن أرغون أبقى الصاحب الأعظم خواجه رشيد الدين والدستور الأكرم الخواجه سعد الدين في منصب الوزارة وفي 10 شوال سنة 711 غضب على وزيره سعد الدين الساروجي وقتله وأقام مكانه في الوزارة علي شاه التبريزي وأشركه فيها مع رشيد الدين. ولما توفي الجايتو ليلة عيد الفطر سنة 716 وتسلطن بعده ابنه أبو سعيد ابن الجايتو عزل الخواجه رشيد الدين من الوزارة ثم قتله في حدود أبهر سنة 718 ’’انتهى’’. وقد ألف العلامة الحلي رسالة في جواب سؤالين سئل عنهما المترجم فأجاب وأثنى عليه العلامة في تلك الرسالة ثناء بليغا ووصفه بالعلم والفضل مر ذكر ذلك مفصلا في ترجمة العلامة الحسن ابن يوسف بن المطهر، ومما قاله فيها في وصفه: المولى الأعظم والصاحب الكبير المخذوم المعظم مربي العلماء ومقتدى الفضلاء أفضل المحققين رئيس المدققين صاحب النظر الثاقب والحدس الصائب أو حد الزمان المخصوص بعناية الرحمن المميز عن غيره من نوع الإنسان ترجمان القرآن الجامع لكمالات النفس المترقي بكماله إلى حظيرة القدس ينبوع الحكمة العملية وموضع أسرار العلوم الربانية موضح المشكلات ومظهر النكت الغامضات وزير الممالك شرقا وغربا وبعدا وقربا خواجه رشيد الملة والحق والدين أعز الله أنصاره وضاعف أقداره وأيده بالألطاف وأمده بالأسعاف وجدت فضله بحرا لا يساجل وعلمه لا يقاس ولا يماثل وحضرت في بعض الليالي في خدمته للاستفادة من نتائج قريحته فسئل في تلك الليلة سؤالان مشكلان فأجاد في الجواب عنهما وأوردت في هذه الرسالة تقرير ما بينه إلخ (والسؤال الأول) أنه من المعلوم أن النبي أعلى مرتبة من الوصي وقد قال رب زدني علما كما حكاه عن القرآن الكريم وقال أمير المؤمنين عليه السلام لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا (والسؤال الثاني) في الجمع بين قوله تعالى: {وقفوهم إنهم مسئولون} {فوربك لنسئلنهم أجمعين} وقوله تعالى: {فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان} ومن ذلك يعلم تشيعه. وللمترجم (تاريخ غازاني) ذكر فيه سبب تشيع غازان وتسميته نفسه بمحمود وحبه للسادات وأوقافه ووظائفه لهم ألفه بأمر السلطان محمد أولجايتو الشاه خدابنداه وله كتاب في التفسير يعرف بتفسير رشيدي، وتبلغ تصانيفه اثنين وخمسين مجلدا كان المدرسون يدرسون فيها منها ترجمة للتوراة. وبنى في تبريز القلعة الرشيدية المعروفة بربع رشيد وعين لها أوقافا كثيرة وأموالا جزيلة. وذكر في وصيته المعروفة ب(وصيت نامه رشيدي) أن في بيت الكتب له ألف مجلد من كلام الله المجيد استكتبها ووقفها، أربعمائة منها بخط ياقوت المستعصمي وستة بخط أحمد السهروردي وستين ألف مجلد من الكتب التي جمعها من إيران وتوران ومصر والشام وعدن كلها موقوفة على الرشيدية، وذكر أن قسما من أمواله تقسم بين أولاده الذكور والإناث والسلطان خدابنده.
تفاصيل أخرى
ولد رشيد الدين فضل الله من مدينة همذان سنة 645ه (1247م) على الأرجح. إذ أنه يحدثنا أنه كان في سنة 705 في حدود الستين من حياته، وقبل غازان كان على صلة بأباقا خان وخلفائه مكرما عندهم معينا به في بلادهم. ولكننا لا نعلم أنه تولى منصبا كبيرا قبل غازان الذي ولي الملك سنة 194ه (1295). ونحن نعلم أن أول من أسلم من ملوك المغول هو (تكودار) بن هولاكو الذي ولي الملك بعد أخيه (أباقا خان) وتسمى بأحمد. وكان أباقا خان قد عهد بالملك إلى ابنه (أرغون). ولكن آل الجويني ومن والاهم من الأمراء والقواد لم يدعوا أرغون يتولى الملك ونادوا بتكودار ملكا سنة 680 ولم يطل الأمر أكثر من ثلاث سنين حيث استطاع أرغون التغلب على عمه الأمير (أحمد تكودار) وقتله وتولى الملك بعده. وفي عهد أرغون انتعشت الوثنية من جديد كما اشتد نفوذ اليهود. وبعد أرغون تولى ابنه غازان الذي كان أول ملك مغولي يؤدي الصلاة في المساجد الجوامع فيحذو حذوه الأمراء والكبراء وجمهرة الشعب المغولي. وكان صلة رشيد الدين بغازان في أول أمرها صلة علمية بحتة. وكان السلطان يغتنم فرصة لقائه برشيد الدين ليذاكره في مبادئ الإسلام وتفسير القرآن ويستوضحه ما خفي عليه من شؤون الدين، وليجول معه في أمور العلم والفكر. ثم ولاه المنصب الأول في الدولة وجعله وزيرا له، بعد مقتل الوزير السابق صدر الدين الزنجاني، الذي أودى به سعيه برشيد الدين عند غازان ومحاولة الإيقاع به لديه، فأدى ذلك إلى مقتله وإحلال رشيد الدين محله عام 697ه (1297م) وأشرك معه في الوزارة سعد الدين الساوجي. ثم مات غازان وتولى الحكم بعده أخوه الجايتو خدابنده فحفظ للوزيرين منصبيهما وظلت لرشيد الدين نفس المنزلة التي كانت له عند غازان. وكما حيكت له الدسائس لدى غازان أخدت الدسائس تحاك له ولزميله سعد الدين لدى (خدابنده فنجا منها رشيد الدين مرارا في حين أنها أدت إلى مقتل زميله سعد الدين وإحلال علي شاه محله الذي أخذ يدس على رشيد الدين دون أن ينجح في دسائسه. ومات الجايتو خدابنده ورشيد الدين على مكانته، وتولى بعد خدابنده ولده أبو سعيد والتنافر بين الوزيرين على أشده ودسائس علي شاه لدى أبي سعيد تتوالى حتى نجح في حمل السلطان على إقصائه عن الوزارة سنة 717 ه(1317م). على أن مساعي أصدقائه أعادته من جديد إلى الوزارة بعد أن تردد وأحجم، ولكن هذه العودة كانت السبب في وصوله إلى نهاية المحنة. إذ اتهمه زميله علي شاه بأنه سمم السلطان خدابنده وبعد مناقشات طويلة اقتنع أبو سعيد بأن رشيد الدين إن لم يسمم أباه فهو على الأقل وصف له دواء كان السبب في موته. وبالرغم من أن التهمة كانت واهية فقد سيطرت على أبي سعيد فأمر بأن يقتل رشيد الدين وأن يقتل معه ولده اليافع إبراهيم الذي لم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره بدعوى أنه هو الذي ناول الدواء بنفسه للسلطان، فقتل ولده أمام عينيه ثم قتل هو سنة 718 ه(1319م) وقد بلغ الثالثة والسبعين من عمره. ولم يلبث بعد ذلك أبو سعيد أن أدرك أنه كان مخطئا فيما أجراه على رشيد الدين وولده، وشاء أن يكفر عما فعل فاستدعى غياث الدين أحد أولاد رشيد الدين وعهد إليه بالمنصب الذي كان يشغله أبوه في الوزارة.
الربع الرشيدي
أنشأ رشيد الدين في تبريز ضاحية أطلق عليها اسم الربع الرشيدي وعني بها عناية فائقة. على أن أكثر ما يهمنا من تلك الضاحية أنه أنشأ فيها مكتبة جمع فيها من صنوف الكتب ما قل أن يجتمع مثيله في مكتبة. وكانت تحتوي على ما لا يقل عن خمسين ألف مجلد. ولما نكب وقتل كان من أفجع آثار النكبة إحراق تلك المكتبة بكل ما فيها. ولدينا الكثير من الكتب التي لم يصلنا إلا اسمها وكانت فيما تحويه مكتبة الربع الرشيدي وذهبت كلها طعمة للنار. ويكفي أن نذكر منها مؤلفات ابن الفوطي وحدها.
المثقف المسلم والعالم العالمي
هذا تلخيص لحياة رشيد الدين السياسة، وهي حياة مهما كان قد أوتي فيها من كفاءة وتفوق في حسن تصريف الأمور، ومهما كتب له من النجاح في ميادينها، فهي على كل حال حياة كحياة كل السياسيين المتفوقين منهم وغير المتفوقين، الذي لا يلبث اسمهم أن يضيع في طيات الزمن ويختفي في أغوار الدهر. ولو كانت هذه الحياة هي كل ما كان لرشيد الدين لما وجد من يشغل نفسه بها ويلفت قراءه إليها. ولكن لرشيد الدين حياة أخرى هي التي تعنينا في هذا البحث، وهي التي عنت قبلنا غيرنا من الكاتبين: هي حياة العالم المفكر المؤرخ، وهي حياة أكسبت رشيد الدين الخلود، وجعلته من أحياء الذكر على طول الدهر. يقول المستشرق الفرنسي (كاترمير) عنه ’’كان مولعا بالمعرفة أشد الولع فاستطاع رغم كل هذه المشاغل والموانع أن يجد لنفسه الوسيلة لمعالجة الآداب والعلوم والإحاطة بالدين الإسلامي إلى أعمق حد’’. والواقع أن رشيد الدين كان يمثل المسلم المثقف، الرفيع الثقافة كما كان يمثل العالم العالمي، بأوسع ما تعنيه هذه الكلمات من معنى. ولو لم تشغله السياسة، ولو لم يغره الحكم لكان له من الشأن فوق الذي كان. إذ أنه لم يعط الجانب الثقافي إلا بعض العطاء ومع ذلك فقد كان له فيه مثل الذي رأينا. وإذا كان لرشيد الدين من الكتب مثل (التوضيحات) و (مفتاح التفاسير) و (الرسالة السلطانية) و (الأحياء أو الآثار) و (لطائف الحقائق) و (بيان الحقائق)، فلا شك أن قمة أعماله التأليفية هي ما كتبه في التاريخ في كتابه (جامع التواريخ).
قصة جامع التواريخ
يعود الفضل بالدرجة الأولى في تأليف هذا الكتاب إلى السلطان غازان الذي شاء أن يكون للمغول تاريخ مكتوب. وكان لا بد في الرجوع في تسجيل هذا التاريخ إلى مصادر المعرفة وأحداث مكتوبة تكون المادة الأولى للمؤرخ الذي يأخذ على نفسه القيام بهذا العبء. وكان سلاطين المغول يحتفظون في خزائنهم بوثائق مكتوبة بلغتهم فيها تدوين لكثير من وقائعهم، كما كان كثير من الأسر المغولية العريقة يحتفظ بمثل هذه الوثائق. وكان كل ذلك يحتاج إلى من ينظمه وينسقه ويستخلص منه الحقائق، ويخرج منه أصولا لتاريخ يمكن أن يدون. واهتم غازان بهذا ونضجت الفكرة في ذهنه فعمل على تحقيقها، ولم يكن في بلاطه أفضل من رشيد الدين من يمكن أن يعهد إليه بإنجاز تاريخ المغول وتدوينه. فأودع لديه كل ما كان تحت يده من وثائق وعهد إليه باستطلاع ما يمكنه استطلاعه من المدونات الأخرى أو الروايات غير المعروفة. فقام رشيد الدين بالمهمة على أفضل وجوهها وعكف على إنجازها بقدر ما تسمح له به ظروف اضطلاعه بشؤون الإدارة والحكم. ولما أوشك الكتاب على التمام كان غازان قد توفي 703 (1307) وورث عرشه أخوه (الجايتو خدابنده) فلم يكن أقل اهتماما من أخيه بإنجاز هذا التاريخ، بل زاد عليه بأن طلب إلى رشيد الدين أن يشير إلى الشعوب التي اتصل بها المغول ويعرض لتاريخها وأن يضيف إلى ذلك دراسة شاملة لكل الشعوب. ولم تأت سنة 710 (1310) حتى كان الكتاب قد انتهى مكتوبا باللغة العربية واللغة الفارسية باسم (جامع التواريخ) وأودع مكتبة المسجد الذي كان رشيد الدين قد بناه في مدينة تبريز. ويصف كاترمير الكتاب قائلا: ’’الواقع أن تاريخ رشيد الدين قد اعتمد في تأليفه على فحص الوثائق الوطنية الصحيحة المحفوظة في سجلات الإمبراطورية والمذكرات التي في حوزة الأسر الكبيرة وقام بتأليفه رجل صادق حي الضمير، وبذلك يكون قد توفرت له كل مقومات الصدق’’. وينقل كاترمير عن المخطوطة العربية وصفا لمنهج رشيد الدين وطريقته في التدوين بقلم رشيد الدين نفسه: ’’أستطيع أن أشهد لنفسي بأني لم أدخر أي احتياط أو جهد في تحري الحقيقة والامتناع عن كتابة كل ما هو زائف أو مشكوك فيه. وقد اقتبست دون أي تغيير ما انطوت عليه أصدق الوثائق الخاصة بكل شعب، والروايات التي حازت أحسن التقدير والمعلومات التي استقيتها من أعلم الرجال في كل قطر. وفتشت كتب المؤرخين ورجال الأنساب. وحققت هجاء اسم كل أمة وكل قبيلة’’. الواقع أننا نستطيع أن نعد ميزة التجرد أولى الميزات التي اتصف بها رشيد الدين في تاريخه، وأن نوقن بأنه سعى وراء الحقيقة سعيا مخلصا شجاعا، ولم يراع جانب المغول وهو يتحدث عما في تاريخهم من فظائع، وكان كما قاله عنه كاترمير: ’’إذ كان يبدو في كتابه مسلما صادق الإسلام، فإنا نراه من جهة أخرى يتجنب الإطراء غير المجدي ويتمسك دائما بنزاهة في الرأي تسحق كل إجلال، ولا سيما إذا كانت من مؤرخ’’. ويقول أيضا: ’’يذكر دون مواربة ولكن دون مبالغة أيضا ضروب القسوة الشنيعة التي ارتكبها هذا الشعب (المغولي) وتخريب أعظم المدن وأكثرها ازدهارا وتذبيح السكان العديدين دون قلق أو ندم، كما يصور بهدوء وتحفظ ضروب التجديف التي أقاموا بها في مساجد بخارى وغيرها من المدن، حيث مزقوا المصاحف وألقوا بها أرضا وصنعوا من أغلفتها الثمينة مذاود لخيلهم’’.
مجلدات الكتاب
يشتمل كتاب جامع التواريخ على أربعة مجلدات: الأول: يتعلق بتاريخ المغول المشتمل على تاريخ القبائل التركية المغولية وأجداد جنكيز، ثم جنكيز نفسه ومن بعده خلفاؤه حتى غازان. والثاني: يتعلق بتاريخ الفرس قبل الإسلام، ثم التاريخ الإسلامي إلى سقوط بغداد، ثم الأمم التي اتصل بها المغول في فتوحاتهم، والثالث: يشتمل على أبعد عصور التاريخ حتى آخر خلفاء بني العباس. والرابع: يشتمل على تفصيل حدود الأقاليم السبعة وولايات ممالك العالم. على أن كاترمير يقول: لدينا الجزء الأول من كتاب رشيد الدين وهو الجزء الخاص بتاريخ المغول. وإنه الكتاب الوحيد الذي نستطيع العثور فيه على أصدق المعلومات عن حياة جنكيز خان وخلفائه وعن عهودهم. ثم يتساءل كاترمير: هل الأجزاء الثلاثة الأخرى قد ضاعت دون أمل في العثور عليها؟ وكان في نية كاترمير تحقيق أكثر ما يمكنه تحقيقه من المجلد الأول ولكنه لم يستطع تحقيق سوى القسم الخاص بهولاكو ونشره بالفرنسية مع مقدمة نفيسة طويلة سنة 1836. ويقول يحيى الخشاب: إن حديث كاترمير عن (جامع التواريخ) قديم، وقد جد الكثير عنه سواء من ناحية اكتشاف أجزاء منه لم تكن قد عثر عليها أيام كاترمير أو من ناحية النشر.
ومن أمثلة ذلك الطبعة التي صدرت سنة 1858وهي قسم من الجزء الأول متعلق بأجداد جنكيز وتاريخ جنكيز نفسه. وكان إخراج آخر جزء من هذا البحث سنة 1888 باللغة الفارسية مع الترجمة الروسية وقد أخرج هذه الأجزاء المستشرق الروسي (برزين).
كما صدر بعد ذلك ابتداء هذا القرن أكثر من قسم من المجلد الأول كهذا الذي نشره المستشرق الفرنسي (بلوشيه) سنة 1911والذي نشر في إيران سنة 1937 والذي نشره المستشرق التشيكسلوفاكي (كارل) سنة 1940وكذلك سنة 1941.
وهكذا يمكن القول أن المجلد الأول من جامع التواريخ قد نشر كله. كما نشر كارل يان سنة 1951القسم التعلق بالفرنج من المجلد الثاني.
في اللغة العربية
كان عبد الوهاب عزام أول من دعا في العرب لنشر (جامع التواريخ) وترجمته وألقى عام 1947محاضرة في الجمعية الجغرافية عن رشيد الدين تحدث فيها عن كتابه وضرورة القيام بنشر القسم العربي منه وترجمة بقية الأجزاء إلى اللغة العربية. ثم مضت عهود فكان أن قررت إدارة الثقافة والإرشاد القومي في مصر أن تقوم بنشر هذا التاريخ. ولكننا لا نعلم أنه صدر في اللغة العربية غير قسم من المجلد الثاني -الجزء الأول وهو (تاريخ هولاكو). نقله إلى اللغة العربية كل من محمد صادق نشأت ومحمد موسى هنداوي وفؤاد عبد المعطي الصياد، وراجعه وقدم له يحيى الخشاب. وطبع سنة 1960.
كما نشرت مع هذا القسم السيرة الطويلة النفيسة لرشيد الدين التي كتبها المستشرق الفرنسي كاترمير والتي ترجمها محمد القصاص.
وكذلك نشر الجزء الثاني من المجلد الثاني. ووعد يحيى الخشاب في آخر مقدمته بنشر ما ينجز من الكتاب أولا بأول. ولا نعلم بعد هل تحقق شيء من هذا الوعد أم لا.
حرص رشيد الدين على حفظ مؤلفاته
كان رشيد الدين حريصا على أن تصل مؤلفاته لا سيما جامع التواريخ إلى الأجيال الآتية. وقد كان يعلم ما كان يمكن أن يكون عليه، أو ما كان عليه مصير كثير من الكتب حين لا يكون في أيدي الناس منها إلا نسخ محدودة تذهب بها أيدي الحدثان لا سيما في العصور التي تكثر فيها الفتن وتعم الفوضى.
لذلك حرص أشد الحرص على أن يتخذ طريقة يكتب لمؤلفاته معها الوصول من جيل إلى جيل، فاستكتب عدة نسخ من كتبه مفردة ومجمعة، بالفارسية وبالعربية. كما استكتب مجلدا ضخما ضم كل مؤلفاته بالفارسية والعربية زيادة منه في الحرص على حفظها. وأودع ذلك في البناء الكبير الذي شاده في الربع الرشيدي ليكون مدفنا له. ثم توسع في الاحتياط فوقف قسما من ثروته لكتابة نسخة بالفارسية ونسخة بالعربية في كل عام من مجموعة مؤلفاته كلها لترسل إلى مدينة من مدن الإسلام الكبرى وتوقف على أهل تلك المدينة، وكتب في ذلك وصية جميلة طريفة مؤثرة.
ولكن كل ذلك الحذر لم يفد وضاع ما ضاع من مؤلفاته ووجد ما وجد شأنه شأن كل المؤلفين في تلك العهود.
ولعل هذا الحرص هو الذي أوصل إلينا ما وصل، ولولاه لضاع الجميع، وقد كان مطمئنا إلى بناء الربع الرشيدي الذي حفظ فيه كتبه، ولكن الربع كله نهب بعد نكبته واحترقت مكتبته.

  • دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 401