الشيخ علي زيدان بن ناصر العاملي المعركي
توفي سنة 1289 بقرية معركة من جبل عامل. كان عالما فاضلا أديبا شاعرا ذكره صاحب جواهر الحكم وقال: أصله من عرب البادية من بني صخر تحضر جده في بلاد صفد ثم ارتحل عنها إلى قرية معركة من أعمال صور فتوفي فيها ونشأ ولده ناصر وتقرب عند بعض أمراء العشائر وهو الشيخ مقبل من آل علي الصغير فأقطعه قطعة أرض بالقرية المذكورة لمعاشه وبقي بها إلى أن مات وتخلف بولدين محمد الأكبر كان عبدا صالحا وصاحب الترجمة قرأ في جويا على الشيخ محمد علي الخاتوني وتقدم في علم النحو على أقرانه واجتمع بالسيد المقدس البحر الطمطام السيد علي الأمين فسأله السيد فوجده كما يحب فقال له انتقل إلى شقراء فارتحل إليها وقرأ على السيد مدة وجيزة فالسيد شغله عن مداومة الدرس بعض عوائق تعرفت به حكومة عكا حتى صارت له الوجاهة التامة عند عبد الله باشا. وترك هذا الشيخ يباحث أولاده ه وسمعت من بعض الثقات أنه لم يقرأ إلا على الشيخ حسن القبيسي في أنصار وعلى السيد جدنا. وفي كتاب جواهر الحكم أيضا أن هذا الشيخ كانت بينه وبين عائلة بيت الزين اختلافات على أراضي وأملاك واتصلت لولاة الأمور وحصل التشكي على أمير جبل عاملة حمد البك بسبب أنه منع بيت الزين عن الشيخ وصدهم وأقره على الأرض المدعى عليها ونصره وأخذ بيده لذلك حقدوا على البك المشار إليه وتشكوا عليه لبيروت وتفضيل هذا يطول شرحه وكان رجل من القرية اسمه محمد طراد له دعوى على أحد أهالي القرية فترافعا عند المترجم وأعطى محمد بن طراد فتوى أو حكما فتشكى للحكومة وأبرز الفتوى فأخذها القاضي وقدمها للمتصرفية فجاء أمر مشدد مكدر بأخذ الشيخ تحت الاستنطاق وإجراء قاعدة النظام لأن كل من يفتي بغير رخصة من خليفة المسلمين فعليه الجزاء الأشد ولم أكن حينئذ بصور ولما حضرت وعلمت ما نمت تلك الليلة حتى أخذت مضبطة من مجلسي الإدارة والدعاوى وإنهاء من القائمقام بحق القاضي وبعد ثمانية أيام جاء أمر بعزل القاضي وهو رجل من أعيان وذوات القدس وأظهرت له الأسف ولم يكن في وداعه أحد من صور غيري وبالحقيقة هو ذات من الأجلاء من أهل العلم من أجل بيت القدس لكن غشه أهل الغايات. ولما علم الشيخ بعزل القاضي تخوف كثيرا (يقضون بالأمر عنها وهي غافلة) وكتب إلي بهذه الأبيات:
منيع الحمى لا غبت يوما عن الحمى | ولا عاش من يقلوك إلا مذمما |
عداك الردى كن للمكارم فاعلا | فإني أرى فعل المكارم مغنما |
فكن للفتى صنوا وللمنتشي أبا | وذي العجز والتقويس بالكبر إبنما |
إذا ما الفتى لم يرع حقا لمن وفي | ومن لا يفي لم يرع للمجد محرما |
بجدواك آمالي يراش جناحها | لأخبار جود عنك تروى صحاحها |
لك الراحة البيضاء يرجى سماحها | ولي حاجة قد غاب عنها نجاحها |
أغث مستجيرا لا يزايله العنا | وأجز له النعماء يانعة الجنا |
فيا واهبا أدنى مواهبه الغنى | عطاؤك لا يفنى ويستغرق المنى |
أنلني من الدارين أعلى سعادة | وخذني إلى نهج لأقضل قادة |
وإن تاب امدادي بكل إرادة | شكوت وما الشكوى لمثلي بعادة |
جواد له المجد القديم المؤثل | إذا ما جرى في حلبة فهو أول |
وأعجب شيء أنه وهو منهل | سحاب عداني سيبه وهو مسبل |
فتى جوده في كل قطر تدفقا | أغذ إلى أوج المعالي فحلقا |
ولما أعار الدهر نورا ورونقا | أضاء سناه الكون غربا ومشرقا |
خليلي جاد الغيث روض حماكما | ولا أوهنت أيدي الزمان قواكما |
ولا برحت تهمي على القرب والنوى | بغيثين من علم وجود سماكما |
ولا عجب إن جئتما بفرائد | وجاريتما بحر العلوم أباكما |
فأحرزتما التقديم في حلبة العلى | وقصر أهل الفضل دون مداكما |
وقطعتما يا كوكبي آل هاشم | قلوبا على ضغن طوتها عداكما |
قضى الله لي من فضله كل حاجة | ولا زال يرعاني إذا ما رعاكما |
لقد شق عن أصل كريم سماكما | كما شق من حمد وأمن سماكما |
وإني على ما حزته من فضائل | تقاعد عنها الطالبون سواكما |
فضائل بيض باقيات يشينها | حسود قلانا من عمى وقلاكما |
لذو صبوة في الحب أهوى لقاكما | وتطوى على ما في حشاي حشاكما |
أحن إذا شطت برغمي نواكما | وأصبو إذا هبت صبا بشذاكما |
ظعنوا الغداة وأخلفوك الموعدا | فغدا سوام النوم عنك مشردا |
ما زال للأشجان قلبك معهدا | مذ أخلت الأظعان ذاك المعهدا |
هل تجمع الدنيا بهم شملي وهل | تروي لي الأحلام عنهم مسندا |
وقع الذي تخشى فهل تلقى على | ما ناب من ريب الحوادث منجدا |
ما للنوى عبثت بشملك فاغتدى | متبددا والدمع منك موردا |
قل للعذول إليك عني هل ترى | بالصبر والسلوان لي عنهم يدا |
سل منشد الأطلال خف قطينها | ما عذرها أن لا تجيب المنشدا |
لا تعذلي يا جارتا ذا لوعة | لولا الجوى ما بات يرعى الفرقدا |
غصبت يد الأيام مني مهجة | كانت قناة قي يدي ومهندا |
لا تنكري بعد الفراق تنهدي | من عادة المحزون أن يتنهدا |
غال الردى يا أبعد الله الردى | من كان أعلق بالحشى مني يدا |
أترى درى من كان يجهل ما الردى | أن المنايا قد أصبن محمدا |
علم الزمان الوغد أنك فوقه | مجدا وأنك مصلح ما أفسدا |
قد كان ليلي من صباحك أبيضا | فغدا نهاري من مصابك أسودا |
لم يبق مني الخطب إلا لوعة | تذكي جوى بين الحشا متوقدا |
لا ينقضي حزني ونار صبابتي | لا تنطفي وجدا عليك فتخمدا |
ما كنت مسلوب الفؤاد غواية | يرخي يدا ويعض من أسف يدا |
هو المجد في أبيات خير الورى سكن | كرام لهم من كل مكرمة سكن |
دعاني إلى نظم القوافي مديحهم | ومدحة مولانا الأمير أبي الحسن |
بنوا فوق أكناف الثريا منازلا | وسنوا لمرتاد العلي أيما سنن |
بيوت لها زهر الدراري قواعد | سماها بأملاك السموات تمتهن |
هم البيض لا شيء يوازي ولاءهم | وذو العرش بالتوحيد ذاك الولا قرن |
شربنا طهورا من لبان ودادهم | وألبان ذاك الود أشهى من اللبن |
ألا قل لمن في سفح لبنان قد قطن | لجنات عدن في مواطنكم وطن |
لعمري لقد مدت عليكم جناحها | حواضن فاقت في العلي كل من حضن |
فأوريتم زندا وأثريتم يدا | وراشت جناح المهد منكم يد الزمن |
بأبيض يستسقى بطلعته الحيا | وأفضل عن ساحاته العلم ما أظعن |
فتى نولت منه الفضائل والهدى | بريان من علم على الدين مؤتمن |
نقي الحشى سبط محياه لا كمن | له باطن جعد ينافي الذي علن |
هو البحر عبد الله نال من العلى | مناقب لا يأتي عليهن من فطن |
هو البحر إلا أن لجته تقى | هو الغيث من غير الفضائل ما هتن |
فضائل طالت كل طول فقل لمن | تحدى أفق أين الحضيض من القنن |
له من عقود الفضل أحسنها حلى | لذاك كناه من كناه أبا الحسن |
ومن علم أهل البيت أسرار ما رووا | على حين لا هاد يعي لحن من لحن |
ففي صدره بحر وفي كفه حيا | يجيشان فيضا من علوم ومن منن |
شرى بالمساعي كل غال من العلى | وهل للعلى إلا المساعي من ثمن |
ألم تر أن العلم ألقى رحاله | لديه وفي مغناه ركب التقى قطن |
تطلع من أفق العراقين بدره | وفي الدار من لبنان طاب له الوطن |
فلا جاهل إلا به آنس الهدى | وفاضت عليه من رواشحة قرن |
ولا عالم إلا بما قال عالم | ولا علم إلا في كنانته أكن |
تقدم في كل على الكل داعيا | إلى الحق عن سلطانه آخر الزمن |
وأبدى لهم بدر الهدى بعدما انمحى | ووارى سماه أي داج من الدجن |
إلى بابكم تلوى الأعنة في السرى | وتضرب أكباد النوافخ في البرى |
دعونا وإن شطت بنا عنكم القرى | بني أحمد ي خيرة الله في الورى |
عجبت لأعشى عن سبيل فنائكم | وقد أشرقت شمس الهدى من دعائكم |
أصبنا الهدى في سيرنا من ورائكم | ورثنا من الآباء عقد ولائكم |
أمي لحب الوصي المرتضى انتسبت | به عن النفس يمحو الله ما اكتسبت |
فازت وما يدها في حبه تربت | لا عذب الله أمي إنها شربت |
سنت ولاه فيا لله من سنن | نجري عليه كمقرونين في قرن |
نيطت يداي بحبل منه لم يهن | وكان لي يهوى أبا حسن |
قفوا نسقها منا الدموع السواكبا | منازل للأقمار أمست مغاربا |
ديار عفت منها الطلول وطالما | حبسنا على ساحاتهن الركائبا |
كأن لم تلح فيها الدراري ولم يكن | حماها لفتيان المعالي ملاعبا |
وكانت لأذيال السحاب مساحبا | فعادت لأذيال السوافي مساحبا |
ألحت عليها الحادثات فغيبت | شموسا وأقمارا بها وكواكبا |
أقول لأظعان مررن بها قفوا | تروا شارقا من ذلك البدر غاربا |
فتى كان طودا للمعالي وغاربا | فجب الردى منها سناما وغاربا |
فتى كان رحب الباع عفا أزاره | يحب الفتى طبعا ويأبى المعائبا |
فتى مارس الأيام حتى تهذبت | فلم تلف ذا عيب ولم تلف عائبا |
فتى كان يقري السامعين فصاحة | كما كان يقري الوافدين مواهبا |
فتى كان في كسب المحامد راغبا | كما كان عن كسب المعائب راغبا |
همام ربيط الجأش يخشى انتقامه | وما كان من شيء سوى الله راهبا |
قضى وطرا من كل فضل ولم يدع | سوى الفضل في الدنيا غلاما وصاحبا |
له شيم غر من المجد أوجبت | عليه من المعروف ما ليس واجبا |
سل الملك والملوك فكم بنى | لها في الذرى مجدا وكم شاد جانبا |
فمن ذا يحوز السبق في حلبة العلى | وينشئ من صوب السماح سحائبا |
ويثني عنان الحادثات إذا طغت | بعضب حمى أمضى من السيف قاضبا |
ومن ذا لشمل الملك يرعى سوامه | إذا ما غدا بالملك راعيه لاعبا |
ومن يشتري الآداب خضر الجنا ومن | يرنح أعطافا لها ومناكبا |
ومن لي بمسؤول ومن لي بسائل | يباحثني حتى أكون المجاوبا |
وأين وري الزند من آل وائل | تقود له الأيام تلك الجنائبا |
وأين أخو الأقلام يخضب رأسها | فتثني العوالي أو تفل الكتائبا |
وأين الذي جدواه تستغرق المنى | ويحمي ذمارا أو يرش المطالبا |
تحج بنو الآمال كعبة جوده | فتملأ من ذاك السحاب مواهبا |
ومن بأسه في الروع تلقى كتائبا | ومن كفه في الجود تلقى سحائبا |
فمن مبلغ فتيان سحبان أنه | أصاب الردى منها ذرى وغواربا |
وإنا فقدنا اليوم طيا وحاتما | وقسا وقحطانا وكسرى وحاجبا |
ألا فجعت منه بأمضى مضاربا | ألا رزئت منه بأعلى مراتبا |
وغالت يد الدنيا نزارا ويعربا | وفهرا وعدنانا وأدا وغالبا |
ألا هكذا فليورث المجد من قضى | ويكسب تليد الحمد من كان كاسبا |
فتى سلب الأيام بيضة ملكها | ويسلبه الراجي إذا جاء طالبا |
لئن هدمت منه دعائم عمره | فما هدمت مجدا بني ومناقبا |
سقى الرائح الغادي حله فتى | لقد أوسع الدنيا علا ورغائبا |
يخال الذي قد حله قبل فقده | حصى تربه تلك النجوم الثواقبا |
ملكت لواء الحمد إن كنت ضاربا | غداة التقى الجمعان أو كنت واهبا |
إليك العلى زفت وما كان خاطب | سوى المرهف الماضي الذي كنت خاطبا |
أيدري الردى من ذا ألم به الردى | وأنشب أظفارا به ومخالبا |
أيدري سرير سار تحتك أنه | تعدى الثريا كاهلا ومناكبا |
تخذناك كهفا في الأنام وإنما | تخذنا الأسى من بعدك اليوم صاحبا |
ألا إنها الأيام صارت صروفها | عجائب حتى لا نراها عجائبا |
نوائبها من عهد آدم لم تزل | تدب على مر الليالي عقاربا |
ألا قاتل الله الزمان فما غدت | مواهبه إلا وراحت نوائبا |
لقد غال من تلك البنان مكارما | وقد فل من ذاك اليماني مضاربا |
وحاربني من حيث كان مسالما | وسالمني من حيث كان محاربا |
شربنا الأسى والضيم فذا وتؤما | لفقدك حتى غص من كان شاربا |
وكم ذاك الذي أبقى له المجد والتقى | عواقب من فضل كفته العواقبا |
ومن ذا يسوس الملك والأمر أمره | ويعلي بيوتا للهدى ومحاربا |
فيا ثاويا في لحده وقد اغتدى | ثناه يفوق الزاهرات الثواقبا |
غدت بعدك العلياء شمطاء عانسا | وكانت ترى في الحي عذراء كاعبا |
فيا حسرة للثاكلات من العلى | تروح وتغدو نائحات نوادبا |
وللسمر والأقلام والبيض في الوغى | إذا لم تصادق من يمينك ضاربا |
أبا فدعم قد جل رزؤك في الورى | فظل لأحلام البرية سالبا |
فكم لك من تلك المزايا مآثر | تكاد لعمري أن يكون كواكبا |
مآثر أما فضلها فهو حاضر | وإن كنت عنا شاحط الدار غائبا |
فما ذهبت في الخافقين خواطف | من البرق إلا دون ما كان ذاهبا |
هي الزاد للركب المقوض راحلا | هي الفضل للراوي إذا قام خاطبا |
تسامت إلى أوج المعالي مغذة | كأن لها عند السواري مأربا |
غرائب لو كانت لهن أقارب | لكانت لها زهر النجوم أقاربا |
ولو كن عقيانا لكن فرائدا | ولو كن أترابا لكن كواعبا |
إذا جليت في الحي كانت خرائدا | وإن سافرت في الركب كانت مواكبا |
وثم معال ليس يسطاع عدها | وهل بات يحصي الرمل من كان حاسبا |
فيا قبر هل وافيت منه محاسنا | طوافح من ماء الندى أم قواضبا |
ويا ظاعنا عجلان طارت به النوى | ألا ليت شعري هل أرى منك آيبا |
فإن كان ذاك الشمل أضحى مجانبا | فهلا خيال الطيف أضحى مقاربا |
إليك نسبنا بالمودة بيتنا | وأنساب صفو الود تنسي المناسبا |
وحقي غريب بعد فقدك ضائع | يرى ظنه إلا من الله خائبا |
ولولاك ما أومى إلى الشعر فاضل | ببيت لأذيال الفضائل ساحبا |
وإني وإن وافيت في العصر آخرا | لآت بما فات العصور الذواهبا |
أرى كل شعر عن معاليك قاصرا | نظمت القوافي أم نظمت الكواكبا |
عليك سلام الله وقفا وإن غدا | تراب الجشى بيني وبينك حاجبا |
قل لحسود راح يغضي على قذى | يكابد أضغانا ملأن الترائبا |
تجاري جواد السبق في كل غاية | ولم تركب المتن الذي كان راكبا |
وتأمل من حوض الأماني مشاربا | ولم تشرب الكأس الذي كان شاربا |
تزحزح قصيا قام بالأمر حازم | جري غدا عن ذلك الليث نائبا |
أعاد من الأزمان ما كان ذاهبا | وبيض من وجه الأماني المطالبا |
هو الغيث بل أندى من الغيث ساكبا | هو الليث بل أجرى من الليث واثبا |
بلوناه ميمون المساعي مجربا | وفي الحلم برهان كفاني التجاربا |
يرينا سعود النيربين وهل فتى | يقيس بنور النيربين الحباحبا |
فدم يا عليا في سما المجد شارقا | وعضبا إذا ما سلك الدين قاضبا |
وهل كان ريب الدهر إلا كمذنب | رأى الذنب مغفورا فوافاك تائبا |
ألم تر أن الموت ضربة لازم | وهل ينمحي ما كان ذو العرش كاتبا |
سل الدهر هل أبقى سليمان سالما | وإسكندرا في ملكه والمرازبا |
وفي كل يوم للمنايا نوائب | تظل لأعمار البرايا نواهبا |
نور المعالي من سناك مبين | والهند تشهد بالعلى والصين |
ما فوق مجدك مرتقى مجد كما | كل افتخار دون مجدك دون |
سست الأمور سياسة ابن تجارب | رمقته عين الملك وهو جنين |
بدر تضيء المكرمات إذا بدا | للدهر منه عزة وجبين |
لانت مهزته فعز وإنما | يشتد بأس الرمح حين يلين |
يرمي بهمته الأمور وعنده | حلم يخف الطود وهو رزين |
لما انتضى للحادثات حسامه | ضحكت ثنايا الدهر وهو حزين |
يا أيها الشهم الأمين وعدله | ملك أمير في البلاد أمين |
ما زالت الأيام يشرق نورها | مذ لاح فيها نجمك الميمون |
كادت تضاهيك الغيوث سماحة | لولا الحيا يوم العطا واللين |
جاءتك من بكر القوافي غادة | يحكي حلاها اللؤلؤ المكنون |
أعطاك عقد المجد رب قوله | سبحانه للشيء كن فيكون |
حنانيك هل في وقفة أيها الساري | على الدار في حكم الصبابة من عار |
قف بالديار على الطوال قليلا | تقض الصبابة دينها الممطولا |
لطالما زارت حماك جآذر | جرت على ذاك الكثيب ذيولا |
طلعت فضائله برغم حسوده | غررا تألق في الدجى وحجولا |
ومهذب لو صورت أخلاقه | لرأيت منها روضة وشمولا |
ما سل سيفا من كنانة فكره | إلا ورد به الجموح ذلولا |
خذ من علي ذي العلى سيفا على | ريب الحوادث لم يزل مسلولا |
ومهندا ما سل عند ملمة | إلا ورد حسامها مفلولا |
متوقد العزمات أدرك رتبة | لا يستطيع فتى لها تأثيلا |
جمت أدلة مادحيه وقلما | تلقى لمدح في سواه دليلا |
واشدد بحبل محمد وانزل على | ربع تراه بالندى مطلولا |
حولت رحلك عن بلاد لم تزل | لبني العلوم معرسا ومقيلا |
فانزل بطيبة النوال ومن يرد | روض المكارم لم يعش مهزولا |
ولقد سمعت وما سمعت بحازم | يختار عن دار الفخار رحيلا |
إن الصلات من الكرام لمثلها | سحب جررن على الرياض ذيولا |
بحر على البحرين فاض فلم نجد | ما بين فيض نوالهم تفضيلا |
حسبي وحسبك سادة ما ناضلوا | إلا وكان سواهم المنضولا |
العروة الوثقى بحبل ولائهم | حبلي وحبلك لم يزل موصولا |
درعي إذا ما الدهر بات محاربا | غيثي إذا كان الزمان محيلا |
العرف معروف لديهم والتقى | تلقاه إلا عندهم مجهولا |
أخذوا من الشرف السنام فلم تجد | إلا إمام هداية ورسولا |
فضلوا الورى والعلم في ساحاتهم | ألقى الرحال فلا يرى تحويلا |
وهززتهم يوم الحفاظ أسنة | وسللتهم في النائبات نصولا |
خذها مثقفة هدية شيق | تتلو ودادك بكرة وأصيلا |
لولاك ما صاغ القصائد شردا | تبالها فضلا يعد فضولا |
قسما بأطواد العلى من وائل | إني لطود في ودادك راسي |
لك هضبة المجد التي لا ترتقى | والسبق في مجرى الندى والباس |
مجد على التقوى بنيت أساسه | إن التقى للمجد خير أساس |
وافاك ملتهف الحشا فرددته | ثلج الحشاشة بارد الأنفاس |
يأبى التدنس عرضه لا خير في إلا | عراض لم تسلم من الأدناس |
أضحى جنابك للملوك معرجا | تنحل فيه معاقد الأحلاس |
يا ابن القماقم من ذؤابة وائل | والطيب الأعراق والأغراس |
أوريت زند المكرمات وأنشرت | جدواك مجدا كان في الأرماس |
إن الفتى ذا الأريحية خلقه | يشتق من طبع الحيا الرجاس |
وإذا العلى مرضت وأعيا داؤها | أهل النهى فهو الطيب الآسي |
رقت حواشي بردها حتى غدت | أشهى وأعذب من سلاف الكاس |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 363