الشيخ نجيب الدين علي بن الشيخ شمس الدين محمد بن مكي بن عيسى بن حسن بن جمال
الدين عيسى الشامي العاملي الجبيلي ثم الجبعي
كان حيا سنة 1041 الجبيلي نسبة إلى جبيل بلفظ تصغير بلد في جبل لبنان ويحتمل إن يكون نسبة إلى بنت جبيل بلد في جبل عامل من باب النسبة إلى أحد جزئي المركب والظاهر الأول.
أقوال العلماء فيه
في السلافة: الشيخ نجيب الدين علي بن محمد بن مكي الشامي العاملي نجيب أعرق فضله وأنجب، وكماله في العلم معجب وأدبه أعجب سقى روض آدابه صيب البيان فجنت منه أزهار الكلام أسماع الأعيان فهو للإحسان داع ومجيب وليس ذلك بعجيب من نجيب وله مؤلفات أبان فيها عن طول باعه واقتفائه لآثار الفضل وإتباعه، وكان قد ساح في الأرض وطوى منها الطول والعرض فدخل الحجاز واليمن والهند والعجم والعراق ونظم في ذلك رحلة أودعها من بديع نظمه ما رق وراق وقد حذا فيها حذو الصادح والباغم ورد حاسد فضله بحسن بيإنها وهو راغم وقفت عليها فرأيت الحسن عليها موقوفا واجتليت محاسن ألفاظها ومعانيها أنواعا وصنوفا واصطفيت منها لهذا الكتاب ما هو أرق من لطيف العتاب ثم ذكر منها قصيدة ومقطعات سنذكر ما نختاره منها عند ذكر شعره وقوله حذا فيها حذو الصادح والباغم أي في الحكم والمواعظ لا في كل شيء فالصادح والباغم هو عن لسان الحيوانات والرحلة المذكورة ليس فيها شيء عن لسان الحيوانات كما ستعرف. وفي أمل الآمل: علي بن محمد بن مكي العاملي الجبيلي ثم الجبعي كان عالما فاضلا فقيها محدثا متكلما شاعرا أديبا منشئا جليل القدر قرأ على الشيخ حسن والسيد محمد والشيخ بهاء الدين وغيرهم، له شرح الرسالة الاثني عشرية للشيخ حسن وجمع ديوان الشيخ حسن وله رحلة منظومة لطيفة نحو 2500 بيت وله رسالة في حساب الخطأين وله شعر جيد، رأيته في أوائل سني قبل البلوغ ولم أقرأ عنده، يروي عن أبيه عن جده عن الشهيد الثاني، ويروي عن مشايخه المذكورين وغيرهم وكان حسن الخط والحفظ وله إجازة لولده ولجميع معاصريه وفي رياض العلماء: الشيخ نجيب الدين علي ابن الشيخ شمس الدين محمد بن مكي بن عيسى بن حسن بن جمال الدين عيسى الشامي العاملي الجبيلي ثم الجبعي قد كان من أكابر علماء عصره وله شرح ممزوج بالمتن على الرسالة الاثني عشرية الصلاتية للشيخ حسن ابن الشهيد الثاني وهو شرح لطيف وما أوردناه من نسبه هو الذي ذكره نفسه في أول ذلك الشرح ولكن قال في آخر ذلك الشرح هكذا: نجيب الدين علي بن محمد بن مكي بن حسن بن جمال الدين بن عيسى الجبيلي العاملي. ثم قال في الرياض ولا يخفى إن هذا الشيخ قد يعرف مرة بالشيخ نجيب الدين بن محمد بن مكي العاملي الجبيلي ومرة بعنوان الشيخ نجيب الدين بن محمد بن مكي بن عيسى بن الحسن العاملي ولا شك في اتحاد الكل وللشهيد الأول ولد اسمه ضياء الدين علي بن محمد بن مكي موافق للمترجم في الاسم واسم الأب والجد والنسبة بالعاملي مخالف له في غير ذلك.
مشايخه
قد علم مما مر إن له مشايخ في القراءة والرواية وهم
(1) الشيخ حسن صاحب المعالم
(2) السيد محمد صاحب المدارك
(3) الشيخ البهائي محمد بن الحسين. وهؤلاء مشايخه في القراءة والرواية أيضا (4) من مشايخه في الرواية أبوه، في الرياض هذا الشيخ يروي عن أبيه عن جده عن الشيخ إبراهيم الميسي عن والده الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، وتارة يروي الشيخ نجيب الدين هذا عن والده عن جده لامه الشيخ محيي الدين الميسي عن الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، وتارة عن أبيه السيد نور الدين عبد الحميد الكري عن الشهيد الثاني.
تلاميذه
(1) ولده الشيخ محمد بن نجيب الدين علي الآتي ترجمته في بابها فإنه يروي عنه بالإجازة كما مر عن الأمل إن له إجازة لولده ولجميع معاصريه
(2) السيد حسين المفتي بأصبهان، في الرياض يروي عن الشيخ نجيب الدين هذا جماعة منهم السيد حسين المذكور
(3) الشيخ أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن يوسف ظهير الدين العاملي، في الرياض يروي عن هذا الشيخ كما يظهر من آخر وسائل الشيعة الشيخ أبو عبد الله المذكور وبتوسطه يروي عنه صاحب الوسائل.
مؤلفاته
يفهم مما مر إن له من المؤلفات:
(1) شرح اثنا عشرية صاحب المعالم تاريخ تأليفه سنة 1038 من الهجرة، وقال في أوله أنه ليس لتلك الرسالة شرح سوى حاشية للشيخ البهائي على بعض مواضعه، ثم قال في الرياض لكن شرحه بعده الإمام شرف الدين علي الشولستاني وقال المعاصر في الذريعة عليه شروح كثيرة وعد منها سبعة أحدها شرح المترجم
(2) جمع ديوان صاحب المعالم
(3) رسالة في حساب الخطائين
(4) رحلته المنظومة التي مر إنها نحو ألفين وخمسمائة 2500 بيت وهذه الرحلة كانت ضائعة في جملة ما ضاع من نفائس الآثار لعلماء جبل عامل إلى إن قيض الله لها إن وقعت في يدنا بعد 270 سنة من نسخها و321 سنة من نظمها، وجدناها في جملة كتب مخطوطة من بقايا مكتبات جبل عامل التي سلمت من أيدي الناهبين ولم تصل إليها يد الطامعين ممن لا أخلاق لهم من أهله في هذا الزمان الذين يجوبون جبل عامل طولا وعرضا ويأخذون نفائس كتبه بدريهمات يسيرة فيبيعونها على الأغيار بأثمان لم تفدهم غنى ولا أغنتهم عن الكدية، وهذه الجملة التي أشرنا إليها قد أخنى عليها الدهر وعمل فيها الفأر والأرضة وماء السقوف وبينها مجموعة فيها عدة كتب وهي: إرشاد الطالبين إلى معرفة ما تشتمل عليه الكثرة في سهو المصلين تأليف محمد بن أحمد ابن سعادة فرع منه في سنة 819 وهو بخط محمد بن محمد بن مجير العاملي العنقاني فرع منه سنة 1092 وشرح لغريب الفصول النصيرية لركن الدين محمد بن علي الجرجاني للمقداد السيوري وهي بخط العنقاني أيضا فرع من نسخه سنة 1092 ونهج المسترشدين للعلامة الحلي والظاهر أنه بخط العنقاني أيضا والرحلة المشار إليها وهي بخط العنقاني أيضا كتبها سنة 1092 وتاريخ نظمها سنة 1041 فقد أرخها ناظمها بقوله في آخرها: وجمعها تاريخه ختام فكلمة ختام تبلغ ذلك بحساب الجمل فيكون بين نظمها ونسخ العنقاني لها 51 سنة. والنسخة التي وجدناها من هذه الرحلة قد ذهب أولها وشيء من وسطها ولولا مناعة ورقها لأصبحت في خبر كان ولولا بيت فيها يدل على إن ناظمها اسمه نجيب الدين لما اهتدينا إلى اسم مؤلفها بسبب ذهاب أولها وقد نقل منها صاحب السلافة أبياتا يسيرة وهي بطرز عجيب، ففيها وصف رحلة إلى الهند واليمن وبلاد الشحر وإيران والعراق والحجاز ثم الرجوع إلى الشام وفي أثنائها مواعظ وحكم وآداب بعناوين كثيرة ولكن الذي وجدناه من هذه الأرجوزة بقرب من ألف وخمسمائة بيت يزيد عن ذلك قليلا أو ينقص عنه قليلا فيكون ما ذهب منها نحو ألف بيت.
شعره
قال يرثي شيخه السيد محمد صاحب المدارك والشيخ حسن صاحب المعالم وبلغه وفاة الثاني وهو بالعراق وكان قد بلغه خبر وفاة الأول قبل ذلك وهو في سياحته كما أشار إليه في رحلته وذلك من جملة قصيدة منها:
هم غرة كانوا لجبهة دهرنا | ميمونة وضاحة غراء |
كانت ليالينا بهم مبيضة | ولفقدهم أيامنا سوداء |
جلت مآثر فضلهم وجلالهم | عن إن يحيط ببعضها أسماء |
ومكارم الأفعال بعض صفاتهم | لكنها في غيرهم أسماء |
قبس المعالم ينتهي لزنادهم | ما زال منه القدح والأيراء |
إن عد ذو فضل وعلم زاخر | فهم لعمري القادة العلماء |
ورثوا المكارم كابرا عن كابر | كبراء قد ولدتهم كبراء |
حبران ما لهما وحقك ثالث | وأعلم بأن الثالث العنقاء |
بحران ماؤهما فرات سائغ | وتزين ذلك رقة وصفاء |
بدرا دجى أفلا وحين تواريا | تاه الدليل وضلت الخبراء |
كم أوضحا معنى دقيقا غامضا | كانت عليه غشاوة وغطاء |
وكم استنار بهم طريق هداية | من قبل ما برحت به ظلماء |
من للمباحث بعدهم إن أشكلت | إن المباحث بعدهم أهواء |
من للفتاوى بعدهم إن أعوزت | إن الفتاوى بعدهم أراء |
من للتهجد والعبادة بعدهم | إن المساجد بعدهم قفراء |
جرح على جرح تفيض دماؤه | هذا لعمري المحنة الطخياء |
وبليت بعدهما برزء ثالث | كبدي له مقروحة حراء |
بصري وسمعي والفؤاد ومنيتي | ولدي دواء مصيبتي والداء |
وبقيت لا أستطيع وصف مدامعي | ولهيب ما قد ضمت الأحشاء |
وإذا أدكرت لياليا سلفت لنا | ضاقت علي برحبها الغبراء |
يا رب فارحمنا فإنك قادر | تعطي الذي تختاره وتشاء |
واجعل بقيتهم لنا علمي هدى | فهما لميت نفوسنا أحياء |
عدنا إلى إتمام شرح الرحلة | وما جرى فيها لنا في الجملة |
معتمدين الاختصار فيها | كيلا يمل الطول ناظريها |
وبعد عام في المخا ركبنا | ثامن عشر صفر ورحنا |
من بعد ما وجهت بالكتاب | مخبرا بالحال للأصحاب |
بكل نظم وبكل نثر | يفوق في الحسن يتيم الدر |
وشرحها يفسخ ما قدمنا | في القول عن قرب وما شرطنا |
لكننا لما بها حللنا | بيت الخواجا صفر استأجرنا |
ليس له متسع كثير | ولم يكن فيها له نظير |
في أكثر الأوقات يأتي نحونا | وقت غدانا يتغدى عندنا |
وكم وكم ضيفنا ذو فاقة | ليست له فيها بنا علاقة |
وكان أولى من جميع الناس | بذاك هذا مقتضى القياس |
جاء وقد كنا هناك مركب | وفيه شخص عالم مهذب |
له اطلاع زائد وفضل | وفطنة صحيحة وعقل |
من جهة الصين يريد يمضي | لمكة والحج عنه يقضي |
أخبرنا عن قصة عجيبة | عظيمة صارت لهم غريبة |
صورتها إن أهالي المركب | جميعهم فيهم فساد المذهب |
إذ هم بقايا النهروان سكنوا | عمان فيها استوطنوا وقطنوا |
قد جلسوا وقتا من الأوقات | تفاوضوا فيما مضى ويأتي |
حتى انتهوا لذكر بعض الخلفا | وما جرى فيما مضى وسفا |
من بينهم شخص لعين يدعي | بأنه حبر لبيب ألمعي |
فنال من سيدنا أبي الحسن | وسبه سبأ شنيعا ولعن |
فأبرقت وأرعدت هناكا | رعدا خشينا معه الهلاكا |
واظلم الجو وكل هربا | إلى محل حيث ظنوا العطبا |
وذاك ولى هاربها على عجل | بيت الخلا يقصد خوفا ووجل |
قد كان ذاك الأمر في المصيف | لا في الشتا كان ولا الخريف |
ثم انقضي وزال ما قد كانا | من ذلك الأمر الذي دهانا |
فعاد كل منهم وقعدا | ولم نجد ذاك اللعين أبدا |
لم يدر منا أحد ولا اطلع | على الذي صار له وما وقع |
من بعد إن تفقدت أصحابه | محله واستبطؤا إيابه |
وعجل الله به للنار | من غير إمهال ولا انتظار |
ثم قرأ لي لهم قصيدة | تضمنت قواعد العقيدة |
يحضرني بيت قبيح منها | صورته ذا إن سالت عنها |
ثم ابرأوا بجهدكم من نعثل | ومن أبي موسى وعمرو وعلي |
من بعد ما قرر في معاوية | بأنه شر الكلاب العاويه |
فلمته في رفقة الفجار | أجابني عن ذاك باعتذار |
بان فرض الحج لما وجبا | ولم أجد قط سواه مركبا |
والمركب المذكور لابن عادي | وهو أمير جملة البلاد |
قد بالغ المذكور بالوصية | بي لهم وهم له رعيه |
ثم لنعد لوصف بعض الحال | وما لقيناه من الأهوال |
فلم نزل في البحر نسري شهرا | ونصف شهر ودخلنا الشحرا |
بعد بلاء وعناء وقلق | وحالة أشكل من حال الغرق |
فوجهوا حين وصلنا بالخبر | إلى ابن بدر الملك المولى عمر |
وعرفوه الحال بالتفصيل | عن الحقير وعن الجليل |
لأنه كان نأى عن بلده | مسافرا في حرب خال ولده |
فأرسل الجواب من غير مهل | يطلب قوما أنا منهم بالعجل |
فوجهونا نحوه فسرنا | عشرا وحادي عشر وصلنا |
فادخلونا سرعة عليه | وقبلت شفاهنا يديه |
بقلعة في هينن المذكورة | من حضرموت البلد المشهورة |
فقال أهلا بكم وسهلا | وكاد بالإحسان ينسي الأهلا |
لكثرة الأفضال والإنعام | وشدة الألطاف والإكرام |
وكان قد جاء كتاب لليمن | إليه من بعض سلاطين الدكن |
كلامه وخطه عجيب | يعجز عن وصفهما اللبيب |
في ذلك الوقت الذي أشرنا | إليه أنا عنده حضرنا |
وبعد يوم أحضر الكتابا | وقال بي نبغي لذا جوابا |
فقلت سمعا لكم وطاعة | ثم سطرناه تلك الساعة |
ملاحظا في لفظه وخطه | بكل ما يمكنني وضبطه |
فجاء في الحسن على المراد | منزها عن وصمة الإيراد |
من بعد إن فاوض في الكلام | وما جرى في سالف الأيام |
كسب مولانا علي المرتضى | من ابن هند عامدا فيما مضى |
وان ذاك سبب العدوان | لجاهل شأن لأهل الشأن |
وعن سوى الفقه من العلوم | ونفعه المحقق المعلوم |
لا سيما في جهة الشرائع | فما نرى فيها إنها من نافع |
فقلت كم مسالة شرعية | مدادها القواعد النحويه |
وهكذا أيضا العلوم الباقية | عن التباس الحال فيها واقيه |
وبعد مثلث له كم مسأله | لولا الذي أنكر كانت مشكله |
فزاد لما إن وعاه في الثنا | والمدح والقول الجميل والدعاء |
وبعد أيام لنحو البلد | عدنا برفد زائد ومدد |
من بعد إن بالغ في الإقامة | والوعد بالخيرات والكرامة |
موشحا ذاك بخوف البحر | وما جرى فيه لنا من ضر |
ومذ وصلناها أتت إلينا | جماعة وسلموا علينا |
وقال منهم رجل إن غدا | يكون عند السيد المولى الغدا |
فقلت من ذا السيد المذكور | قال ابن لاوي الملك المشهور |
ابن أخي مطلب ملك العرب | ذلك إبراهيم معروف النسب |
فقلت ذاك ما الذي أوصله | إلى هنا وكيف خلى أهله |
فقال لما إن مبارك قتل | أباه جاء هاربا على عجل |
وها هنا صار له أولاد | وزوجتان وله أحفاد |
وهو لدى السلطان مولانا عمر | ماضي المقال إن نهى وإن امر |
ثم أتانا ثانيا في الموعد | حتى صحبناه لبيت السيد |
ومذ دخلنا البيت قام معجبا | بنفسه مسلما مرحبا |
ثم أتوا بالخبز والطعام | على طريق القادة الكرام |
ومذ أردنا الانصراف قالا | نريد ننهي لكم مقالا |
فقلت قل فالقول منك حتم | وهو لنا إذا امتثلنا غنم |
قال لنا اكتب لبعض الأمرا | والعم والشيخ وبعض الوزرا |
قلت متى ذاك فقال بكره | غدا يكون فاطعنا أمره |
ثم جلسنا وكتبنا الكتبا | في جلسة كادت تفوت المغربا |
وبعد سافرنا لأرض الدكن | ثم قصدنا العود نحو الوطن |
واتفق العود على أرض العجم | كما به المولى علينا قد حكم |
وحين وافينا لأصفهان | كنا جلوسا نحن في مكان |
مرت بنا خيل كثار في العدد | وفوقها أهل دروع وعدد |
يقدمهم عبل الذراع أمجد | ذو صولة يخاف منها الأسد |
فقلت من ذا السيد العظيم | فقيل هذا هو إبراهيم |
هذا ابن لاوي ابن أخي مطلب | فقلت هذا أربي ومطلبي |
هذا الذي كان لنا في الشحر | مصاحبا في سره والجهر |
وكان في المجلس من أصحابه | جماعة والكل من أحبابه |
فبالغ الجميع في التعجب | وظن قولي صادرا عن لعب |
وكيف ذا وذاك لم ينقل قدم | من أرضه إلا إلى ارض العجم |
وسألوا عن هذه القضية | بهمة عظيمة قوية |
حتى لهم عنها شرحنا الخبرا | وكلما في الشحر صار وجرى |
وكاد لولا الاعتقاد فينا | في كلما قلنا يكذبونا |
واستعظموا من ذاك ما أدعاه | في مثل تلك الأرض وافتراه |
فانظر إلى أمثال ذي الوقاحة | والجرأة العظيمة الفضاحة |
وقولهم أجرأ من خاصي الأسد | في حق ذا أقرب من كل أحد |
وفي خلال مدة المقام | وجهت مكتوبا لنحو الشام |
أذكر فيه بعض وصف الحال | وما لقيناه من الأهوال |
تاريخه في رجب في النصف | في الشحر عام سبعة وألف |
ثم أقمنا هربا من العطب | لسابع العشرين من شهر رجب |
وفيه سافرنا إلى ظفار | وصاحبتنا نوب الاخطار |
في غبة للقمر انغمسنا | وكلنا من البقاء آيسنا |
قال لنا الربان هذي الغبب | قد قل إن ينجو منها مركب |
وطال فيها مكثنا أياما | لكنها تعادل الأعواما |
فقال لي شخص من الأعيان | من ولد عمر السلطان |
لو أمكن الراحة من ذا المركب | نأمن كنا من حلول العطب |
وكان للمركب قاربان | وحاكم المركب ذو إيمان |
فقلت للحاكم هذا المركب | زادت به همومنا والكرب |
وان توجهنا إلى ظفار | نكن قضينا سائر الأوطار |
فادفع إلينا القارب الصغيرا | نركبه ثم ادخروا الكبيرا |
فقال سمعا لكم وطاعة | قوموا اركبوا القارب هذي الساعة |
ثم ركبنا سنة في القارب | ونحن في مضايق المتاعب |
ولم نزل نعتقد الهلاكا | أيامنا أجمعها هناكا |
وبعد شهر وليل عشر | جزنا ظفار من ركوب الشحر |
من بعد إن صارت لنا أمور | يضيق عن تعدادها التسطير |
ومذ طلعنا منه في البحر رسب | كأنما كان طلوعنا السبب |
ثم جلسنا في انتظار الفرج | وهل يجي المركبي أم ليس يجي |
فبعد أيام أتى رسول | من قبل السلطان لي يقول |
قم وامض للسلطان من غير مهل | ورح إليه مسرعا على عجل |
فقمت أسعى نحوه كاللمح | وجدته قد قام فوق السطح |
فقال لي يهنيك جاء المركب | ناظورنا قال وليس يكذب |
وليس في البحر سواه أبدا | في مثل هذا الوقت فيما عهدا |
ثم انتظرناه لنحو المغرب | فلاح من بعد لنا كالكوكب |
ولم نزل حتى أتانا منه | جماعة وأخبرونا عنه |
وانه بنفسه منها خرج | من غير تدبير له كما ولج |
وأخبروا عن شرح حال الحاكم | وبعض ما لاقي من العظائم |
مذ ركب القارب في جماعة | من بعض من دان له بالطاعة |
ثم مضوا للماء في الشراع | وملأوا ما كان من أواعي |
وركبوا جميعهم فانكسرا | ودمعهم لما جرى دما جرى |
وامتنع العود لنحو المركب | وأصبحوا في محن وعطب |
وذلك السر من الناس خلي | مع احتياج مشرب ومأكل |
هم حفاة والطريق وعر | ويدهم من الفلوس صفر |
فيسر الله لهم بعرب | هناك بعد تعب ونصب |
فاستأجروا منها دليلا وجمل | وجعلوا ظفار للقبض الأجل |
ثم اشتروا زوادة رأس بقر | وسلقوه واستعدوا للسفر |
وبعد أيام إلينا وصلوا | وأخبرونا بالذي قد فعلوا |
بحالة أوصافها عجيبة | وهيئة مضحكة غريبة |
فكان في أول أيام القصب | والموسم الثاني لأيام العنب |
وكان وقت الطلح وهو الموز | والنارجيل ويقال الجوز |
ثم ركبنا قاصدين السفرا | لما قضيا من ظفار الوطرا |
من بعد شهر ثم نصف شهر | جزنا إلى ذابول وقت العصر |
في ليلة تكون في الليالي | إذا حسبت النصف من شوال |
ثم مضيت مسرعا للجامع | لأدرك الوقت بمن جاء معي |
حتى دخلت مسجدا معظما | في صحته تجاهه بركة ما |
والناس للضوء جالسونا | وهم عن اليدين حاسرونا |
البعض منهم يغسل الرجلين | وبعضهم يمسح باليدين |
ما بينهم من منكر على أحد | وكلهم يفعل ما قد اعتمد |
ثم دخلنا لصلاة المغرب | فزاد من فعلهم تعجبي |
إذ ذاك في صلاته يؤمن | وذاك بالقنوت فيها يعلن |
ثم ابتدأ في ذلك المقام | شخص قرأ عشرا من الأنعام |
وبالصلاة بعد خص المصطفى | وآله ثم دعا للخلفا |
وبعدهم صلى على الاثني عشر | معددا ألقابهم بما اشتهر |
فبت منهم ليلتي مفكرا | ولم أزل في عجب مما أرى |
حتى بدت بشائر الصباح | لقائل حي على الفلاح |
سمعت أصوات مؤذنينا | واثنان من اقربهم إلينا |
فواحد يعلن بالتثويب | لكل ناء عنه أو قريب |
أعني بذاك قوله الصلاة | خير من النوم لمن لم يأتوا |
وواحد يعلن من غير وجل | بقوله حي على خير العمل |
فقلت في نفسي هذا أعجب | من كل ما شاهدته وأغرب |
كانت لديها مدة المقام | شهرا ويوما يعد بالتمام |
وثاني القعدة أنشأنا السفر | لحيدر أباد مطايانا البقر |
وفي الطريق البلدة المشهورة | بتخت عادل شاة بنجافوره |
لما وصلناها أأتنا عدة | من سادة وقادة وعمدة |
فأدخلونا معهم إلى البلاد | بغاية الإكرام منهم والمدد |
وودعونا بدموع سائلة | لما أرادت إن تسير القافلة |
وشيعونا غير مختارينا | وهم لما نرغب كارهونا |
ثم مضينا مسرعين للسفر | نجد في أسجارنا وفي البكر |
عند الضحى المشهور بالغدير | وكان فيه منتهى المسير |
لكننا لما دخلنا البلدا | بها وجدنا عددا وعددا |
لما أتى عن أحمد آباد الخبر | بتفحها وشاع ذاك واشتهر |
وكان قد جاء إلى الديوان | شخص من الهندو بانياني |
وقال جيش المغل في ذا البهر | قد دخل القلعة عند العصر |
قال له السلطان إن كان الخبر | كذبا فمن بطشي لا ترج المفر |
أجابه في السجن ضعني كي ترى | صدقي من كذبي وتدري ما جرى |
فما مضت من بعد ذاك مدة | إلا وجاء من هناك عدة |
والناس في قيل وقال وفكر | والغربا من ذاك في أي ضجر |
كلهم في شاغل وشغل | للخوف من هجوم جيش المغل |
ليس لهم شغل عن الطريق | سوى خلو السرب والرفيق |
فمذ أتاح الله للناس الهرب | لم أتأخر عنهم خوف العطب |
غدوت أرجو بعد أطماعي الأول | سلامتي مما أخاف والقفل |
قلت قنوع المرء بالسلامة | أولي من الخسران والندامة |
ثم توجهنا بلا تواني | ثالث عشر من جمادى الثاني |
نحو حرون البلد الذي اشتهر | ببندر الهرموز ما بين البشر |
فكان أبان دخول البندر | ثالث عشرين رمضان الأنور |
من بعد أهوال عظام عدة | لم تخل أنا طول تلك المدة |
وكل يوم نتوخى الغرقا | ولم نفارق قلقا وفرقا |
وأكثر الأيام في اجتماع | وفي البكا والخوف والوداع |
ولم تزل تصحبنا الدواهي | وحتى دخلناها بحمد الله |
وأخبرونا أهل ذاك البلد | بفوت مولانا الشريف السيد |
فكانت المصيبة العظيمة | والحسرة المؤلمة الجسيمة |
ومنذ سافرنا لنحو اللار | نجد في الليل وفي النهار |
لما دخلنا البلد المذكورة | بها أقمنا مدة يسيره |
ثم مضينا بعد تلك المدة | لأصفهان ودخلنا القعدة |
في آخر الشهر إلى أن مضى | شهر ربيع الجميع ومضى |
وفي خلال المدة المذكورة | في أصفهان البلد المشهورة |
كانت لنا أوقات صفو وصفا | لو أمور لم يكن فيها خفا |
وراحة تزري بفعل الراح | في اللطف والسرور والأفراح |
ونشاة بجملة العلوم | ورائق المنثور والمنظوم |
فوقعت ما بيننا مسامرة | يوما إلى إن أدت المذاكرة |
لذكر أبيات لبعض الفضلاء | فواحد من الحضور سالا |
مني أبياتا بذاك الوزن | ولم يكن يقبل عذار مني |
فقلت بعد الاعتراف بالحصر | وما بباعي من قصور وقصر |
عدة أبيات بتلك القافية | واللفظ والمعنى لها مضاهيه |
وجاءني يوما أمير في طلب | كتابة لخلف بن مطلب |
كتابة بمثله تليق | ونثرها ونظمها رقيق |
نظما كتبنا فيه ثم نثرا | في الغرض المطلوب يحكي الدرا |
ثم مضينا نحو مولانا الرضا | عليه من ربي السلام والرضا |
أول يوم من ربيع الثاني | راجين منه الفوز بالأماني |
فاخر السلطان عنه بالخبر | فجاء في أسرع من لمح البصر |
واجتمعت لنحوه خلائق | من كل فج سابق ولاحق |
فحين فاوضوه في الكلام | من أي قطر هو قال جامي |
وحوله جماعة من بلده | تخبر عن محتده ومولده |
وصدق ما قال وما أدعاه | في كل ما قال وفي عماه |
فأمر له الشاة في الحال | بحمل أثواب وبعض مال |
من بعد إن أراد بعض الناس | نزع الذي عليه من لباس |
وكاد لولا بعض أرباب الدول | إن يتركوه عاريا من الحلل |
ولم يكن إلا عن الحسين | شهرة هذا قبل رؤيا العين |
وكنت ما بيني وبين نفسي | أجيل فيه فكرتي وحدسي |
ولم أزل أعجب منه حتى | رأيت ما قلت وما سمعتا |
لان هذا ليس في طوق البشر | وليس تقواه القوى ولا القدر |
هذا لمن يكون في الحياة | فكيف من يعد في الأموات |
والآن قد صار لدينا ظاهرا | ومع ذا قد بلغ التواترا |
وفيه أيضا حجة جليه | على كمال ذاته العلية |
لمنكر لفضلهم وجاحد | لحقهم وحاسد معاند |
سبحان من خصهم بالفضل | والعلم والكمال بعد الرسل |
وفي خلال الزمن المذكور | في المشهد المقدس المبرور |
كنا ببستان جلوسا إذ هجم | شخص من الأعيان من أهل العجم |
قال إلى الشام ذاهبونا | وحج بيت الله قاصدونا |
إذا كتبتم لهناك رقعة | نوصلها على سبيل السرعه |
ولم يكن إلا مداد احمر | وورق وهو رقيق أصفر |
وبعد أكملناه بالسواد | وكان ذاك غاية المراد |
ثم دفعناه إليه ومضى | ملتسما منا الدعاء عند الرضا |
كتبته ثاني شهر الصوم | في القرب من زوال ذاك اليوم |
وكان قد جاء إلي سيد | ممجد مسدد مؤبد |
بهمة قوية عليه | يأمر أن أخمس النونيه |
قصيدة الأستاذ شيخ العصر | محقق الوقت فريد الدهر |
ولم نزل فيه إلى شوال | وفيه أزمعنا على الترحال |
والعود للبلاد والأوطان | وكان إن جشنا لأصفهان |
أول شهر الحجة الحرام | وكان فيها مدة المقام |
إلى ابتدا شهر جمادى الآخرة | لكننا ننتظر المسافرة |
ولم نجد من قاصد للسفر | إلا أناسا نحو ارض ششتر |
فقلت نمضي معهم ونذهب | منها إلى بغداد فهو أنسب |
وربما نحتاج رؤيا الحاكم | فمدحه من المهم اللازم |
فقلت في مدحه قصيدة | وحيدة في حسنها فريدة |
فقصدت قافلة بغدادا | ويسر الله لنا المرادا |
وقد أتاح الله ما أردنا | عن قصدنا لششتر عدلنا |
فسافرت في مبتدأ جمادى | شكرا لمن قد يسر المرادا |
لنحو برج الأوليا المذكورة | دار السلام البلدة المشهورة |
في آخر الشهر الذي ذكرنا | وصولنا لما له أشرنا |
فصادف العزم من الأمير | ابن سنان الحاكم الوزير |
على المضي للحسين زائرا | وهو المراد أولا وآخرا |
والقوم في مبادئ المسير | والوقت قد ضاق عن التأخير |
وجدهم في سيرهم بسبب | ليدركوا أول شهر رجب |
فكلما أهمني من أمري | جعلته من ذا وراء ظهري |
ومعهم مضيت نحو المشهد | ملتمسا لفيضه والمدد |
فالحمد لله على التوفيق | لما قصدناه بلا تعويق |
وان نكن لم نخل في الطريق | من كرب وتعب وضيق |
ثم رجعنا نبتغي بغدادا | مزور بالزوار بها الجواد |
وجده المولى الإمام الكاظما | وسادة وقادة أعاظما |
مل أبي حنيفة النعمان | والشيخ عبد القادر الكيلاني |
والسقطي أعني به السريا | ومعه معروفا الكرخيا |
حتى قضينا ما علينا قد وجب | من حقهم وانصرفت عنا الكرب |
وكم زرنا بها مقاما | وسيدا بقربها إماما |
كالعسكريين وكالغري | المشهد المرتضوي العلي |
وأخبروا في البلد المذكور | عن شيخنا المقدس المبرور |
بأنه صار إلى النعيم | مجاورا لربه الكريم |
من بعد إن كان تقدم الخبر | عن شيخنا السيد والأمر اشتهر |
فاشتعل القلب بنار الحزن | والدمع يحكي هطل صوب المزن |
فقلت في رثاهما قصيدة | في بعض أوصافهما الحميده |
ولم يكن قدرهما في قدرتي | فاقبل إذا قرأتها معذرتي |
ثم أقمنا بعد ذاك مدة | إلى مضي السبع من ذي القعدة |
وفيه سافرنا من الغري | بقصد بيت الله والنبي |
بغاية التوفيق والرفاهية | ونعمة زائدة وعافيه |
لكننا لم نخل منه من تعب | ومحن وكرب من العرب |
وقد وصلنا وفضينا فرضنا | عدنا مع الحجاج نحو أرضنا |
بقصدنا زيارة الشفيع | وولده أئمة البقيع |
وصحبه المتبعين أمره | ونهيه المقتفين أثره |
فيسر الله الذي ذكرنا | عنه لنا كما أردنا |
وكلما يعرض من عناء | ومحن تصيب أو بلاء |
فنعمة التوفيق منه أعظم | كما ذكرناه وأنت تعلم |
ولم نزل من بعد ذاك في السفر | نجد في أسحارنا وفي البكر |
حتى وصلنا لدمشق الشام | والحمد لله على التام |
وقد مضت لهجرة أعوام | وجمعها تاريخه ختام |
دار التعارف للمطبوعات - بيروت-ط 1( 1983) , ج: 8- ص: 333